ملفات خاصة

 
 
 

«لا تنظر لفوق»... ولا إلى تحت أيضاً

فيلم ساخر ينتقد البيت الأبيض والإعلام ويطرح أسئلة

بالم سبرينغز: محمد رُضا

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الرابعة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

تستأذن رئيسة الجمهورية أورلين (ميريل ستريب) الجميع على الهواء بحجة الذهاب لقضاء حاجة. تترك ابنها جاسون (جونا هِل) المُعين رئيس الفريق الرئاسي وحده على المنصّة يواجه الحاضرين في القاعة. هؤلاء أخذوا يرشقونه بالقاذورات وهم يغادرون القاعة سريعاً. يجلس جاسون هناك مكرراً ما قالته له والدته بأنها ستعود بعد قليل. لكنها لن تعود... غادرت المنصّة والبيت الأبيض بأسره واستقلت طائرتها الخاصّة لتلحق بالبليونير بيتر (مارك ريلانس) الذي كان انسحب قبلها مستخدماً العبارة ذاتها. كلاهما يدرك أن حساباته كانت خاطئة وأن الكارثة التي حذّر منها البعض واقعة. الآن حان وقت الهرب والنجاة بالنفس.

في هروبها تركت رئيسة الجمهورية ابنها المدلل (بحسب مشاهد سابقة) وحيداً ليغطّي هروبها. تركته يموت. أما هو فما زال على الغباء ذاته الذي واكبه في كل مشهد له في فيلم آدم مكاي الرائع «لا تنظر لفوق» Don’t Look Up.

قبل ذلك كله يبدأ الفيلم كبداية ليست مختلفة عن أفلام أخرى تحدّثت عن احتمال أن يضرب نيزك كبير هذا الكوكب مسبباً نهايته. دكتور راندل ميندي (ليوناردو دي كابريو) ومساعدته كايت ديبسكي (جنيفر لورنس) يكتشفان أن هناك نيزكاً جانحاً سيصطدم بالأرض. بحسبان بسيط لديهما (معقّد لدينا) يدركان أن هناك ستة أشهر فقط قبل أن يحدث الصدام المروع.

لكن، وعلى عكس الأفلام الكثيرة التي تحدثت عن نهاية الأرض بضربة نيزك، لا ينصرف الفيلم لحكاية حول تضافر الجهود لمنع الكارثة (كما حال فيلم Deep Impact لميمي لَدر، 1989) ولا لإرسال صواريخ نووية لتفتيت النيزك قبل وصوله (Meteor - رونالد نيم، 1979) أو للنجاة في موقع ناءٍ من الأرض سوف لن يصبه الضرر (The Day After Tomorrow - رولاند إيميريش، 2004). ما يتلوه الفيلم هو فشل المسؤولين، على مستوى البيت الأبيض و«ناسا» في درء الخطر الساحق وتعثّرهم في اتخاذ القرارات الصائبة لمنع وقوع الكارثة. بكلمات أخرى، يعكس الفيلم الوضع المعتاد في أفلام ذات منطلقات شبيهة، فهو ليس عن نجاح الأرض في اللحظات الأخيرة في النجاة من الكارثة، بل كيف إنها لن تنجو من الكارثة مطلقاً.

«لا تنظر لفوق» هو فيلم جاد جدّاً في سخريته الهازئة جداً. مختلف في صياغته الفنية ليواكب موضوعه المختلف عن المعتاد. صحيح أنه يتبع السرد التقليدي لأي فيلم تنتجه هوليوود في أي اتجاه، لكنه يتمتع بما يكفي من اللحظات التي لا تستطيع أن تتجاهل اختياراتها لإيصال المفاد: اللقطات القريبة لوجه ميدني حين يحذر من الخطر في المقابلة التلفزيونية الأخيرة له، المشاهد المؤلّفة من لقطات سريعة لأسماك وطيور وماء وبشر وأعشاب وحياة طبيعية تتداخل وسط المشاهد الدرامية ذاتها لكي تشي بجمال مهدد وحياة أخرى إلى زوال. النجاح في كيفية إظهار أوجه الأزمة على صعيديها الفردي والسياسي والتقاط تفاصيل التصرّفات التي تختزل مرجعيات الشخصيات. نعم، كل هذا يمكن لمخرج جيد آخر توفيره، لكن تحت إدارة مكاي، ينتمي هذا الجهد إلى قرار مُحكم بالجمع بين جانبي المعالجة في بلاغة واضحة. خالية من دواعي الثرثرة اللفظية والخطابة، لكن هذا لا يعني أن الفيلم سيمرّ على عيوب الواقع المُعاش مبتسراً أو مكتفياً بالسخرية والكاريكاتور وحدهما.

ينطلق من تمهيد سريع: دكتور مندي ومساعدته يكتشفان وجود نيزك ضخم انطلق من عمق الفضاء في اتجاه لا التباس فيه: سيصطدم بالأرض بعد ستة أشهر. يتوجهان لمقابلة المسؤولين. بعضهم يحيل القضية إلى البيت الأبيض. الموعد الأول لا يتم، الثاني يقع بين هذين الشخصين الجادّين والمؤمنين بالخطر المتمثل والداعيان لمواجهته قبل فوات الأوان، وبين السيدة الأولى وابنها وكلاهما ساخر مما جاء به هذان الزائران. أقصى ما تستطيع رئيسة الجمهورية القيام به هو التفكير بالموضوع. يلتقط الإعلام ما يدور، لكن من زاوية الترفيه أكثر من زاوية البحث. مقدّمة اللقاء التلفزيوني بري إيفانتي (كيت بلانشت) منجذبة إلى العالم ميندي أكثر من انجذابها إلى العلم. زميلها (تايلر بيري) متمرّس في تفتيت أي قضية جادّة لكي تتحوّل إلى نادرة مسلّية تعجب المشاهدين.

إذ تنفجر ديبياسكي غضباً من هذا التصرّف (فتوضع على قائمة غير المرغوبين بالظهور على شاشة التلفزيون) ينساق ميندي إلى علاقة جنسية مع بري يخصص لها الفيلم ركناً محدوداً لا يضر ولا يحيد عن المشكلة الأساسية والقضية التي يطوّرها المخرج صوب صدام لاحق بين ميندي والبيت الأبيض والإعلام ذاته وهو يشهد بأن أحداً لا يصدّق دعواه والحكومة تكذب وعينها على الانتخابات المقبلة، بينما العالم في خطر.

إذا كان هذا المضمون متشائماً وسوداوياً فليكن. الاستخفاف به ربما هو صورة مصغّرة لاستخفاف المسؤولين بالخطر الذي انطلق د. ميندي ومساعدته كايت للتحذير منه. ما يؤازره هو أن المخرج مَكاي، يعالجه من زاويتين لا فاصل بينهما: هو بالفعل كوميديا سوداء هازئة من فشل السياسيين وأصحاب النفود في اتخاذ الموقف الحازم الذي يستطيعون القيام به لو أرادوا، وهو أيضاً، وبالدرجة ذاتها، جاد وواقعي في نقد التصرّفات الفردية لهذا للفئة التي تعيش فوق كوكبها الخاص، ورصف الأحداث اللولبية التي تحدد تبعات وجود تلك النماذج اللاهية التي يوفّرها الفيلم لمشاهديه.

تكاد رئيسة البيت الأبيض تمضي قُدماً في إرسال صواريخ محمّلة بالرؤوس النووية بغرض تفتيت النيزك الضخم لولا تدخل البليونير بيتر (الذي يناديها باسمها الأول) شارحاً لها أن هذا النيزك يحتوي على الذهب والفضة ولا يجب تفويت فرصة كهذه للحصول على ثروته.

علينا هنا أن نصنّف الأمور حسب مراجعها. بيتر، الذي هو ثالث أغنى أغنياء العالم حسب الفيلم، يذكّر بشخصية غايتس من حيث سُلطته وثرائه وشغله المتواصل على التكنولوجيا المنفصلة، لديه، عن كل أصل آخر للحياة. التذكير بغايتس ليس عارضاً أو غير مقصود والممثل مارك ريلانس يمنح هذه الشخصية الأداء المُحاك بدقة لمماثلة أي شخصية هلامية ذات شأن اقتصادي وطبيعة منفصمة عن الواقع. لديه سُلطة فوق الرئيسة. يأمرها فتنفّذ.

لكن هذا التماثل ليس سوى جانب من التذكير بغايتس (أو أي شخص آخر في قائمة مجلة «فوربس» لأثرياء العالم في الغرب) الجانب الآخر هو أننا نقرأ طوال الفيلم ما يحدث حاضراً بالنسبة لوباء كورونا وتبعاته. لا يغيب عن بال الممعن أن المقصود في الظل ليس الحكاية الخيالية حول النيزك الآتي من عمق الفضاء، بل الوباء المنتشر على الأرض من حيث الإثراء الحاصل من خلاله للبعض والخطر المحدق من جراء مخاطره الذي لا يُبالي الفريق الأول له إلا لمنفعته. هذا بالإضافة إلى الكيفية العاجزة التي يواجه فيها العالم هذا الخطر.

كل من تماثل بيتر بغايتس (كون الثاني مؤسس «ميكروسوفت» وأبرز العاملين في المجالات الإلكترونية الحديثة كما حال شخصية بيتر) والنيزك بـ«كورونا» واضح. قوّة الفيلم في سرد وضع خيالي ومعالجتها بنفس ساخر للتعبير عن وضع حقيقي قائم. رأى بعض النقاد أن بيتر يشبه إلون مسك (Elon Musk) أحد البارزين في علوم الأجواء والصناعات الفضائية الثقيلة، ربما هذا صحيح في جانب وحتى لو كان صحيحاً كلياً، فإن الغاية ليست الانفراد بشخص معين بقدر ما هي تحديد أولوياته ومشاغله وخطرها على البشر من حيث توجهها النائي عن صلب العلم ومنافعه.

حبكة الفيلم في هذا الشأن لا تترك المسائل افتراضية إلا بمقدار. نرى بيتر يجلس مكان السيدة الأولى مترأساً اجتماعاً. يناديها، كما ذكرت، باسمها الأول. في المشهد الذي سيحدّثها فيه عن مضار ضرب النيزك؛ ما يجعلها تأمر باستعادة الصواريخ النووية التي انطلقت لمواجهته يدخل الغرفة بلا إذن مسبق، ويطلب منها أن توافيه لحديث خاص. عندما تتأخر يدخل ثانية ويقول لها بحدّة «جيني، أريدك الآن».

تنصاع جيني لأوامره وتلغي مسألة التصدي للنيزك مقتنعة أن الضرر الناتج من تدميره أقل من الفوائد المتوقعة منه. لكن لاحقاً، عندما تتأكد من أن النيزك لن يترك بقعة من العالم إلا وفتك بها توافق على إطلاق تلك الصواريخ. ينطلق الصاروخ الأول فيرتفع قليلاً ثم يضرب باخرة راسية. يبتسم بيتر (الذي يشاركها القرار) ويقول «هذا هو خطأ الأربعة إلى الخمسة في المائة النسبي». إنه عندما يتأكد من أن الصواريخ تنفجر قبل الوصول وما يصل لا يؤثر يغادر مسرعاً تاركاً رئيسة الجمهورية لتتصرّف. هذه تحذو حذوه تاركة ابنها جاسون لمصيره وهو الذي لا يبدو إنه يفقه شيئاً مما يدور.

يقبض المخرج على النبرة الصحيحة (وربما الوحيدة) القادرة على المزج بين الكوميديا السياسية (سوداء وهازئة) وبين الواقع بلا تخفيف شأن. هذا الفيلم حول صلة الناس الوطيدة بالجهل والتجاهل. الحياة في خطر وما زال أكثرهم لا يكترث لأن يعاين ما يحذّر منه العلم. عن الإعلام الذي يموّه الأولويات طلباً للترفيه والسياسيين الذين يضعون السياسة قبل العدالة والذات قبل المصلحة العامّة. ثم - إذا كان كل ذلك غير كافٍ - عن معاداة المنطق والواقع والعلم والمثقفين عموماً.

كل الممثلين هنا رائعون في أدوارهم وليس فقط جنيفر لورنس وليوناردو دي كابريو. هما يحملان مهمّة النجاح في تجسيد ما يجهدان في إثباته، لكن الجميع متفهم كل لدوره في هذا الفيلم. بلانشيت رائعة ومارك ريلانس لا يمكن إغفاله. بدرجة أقل بقليل هناك ميريل ستريب التي تذكرك بأنها نجمة، لكنها تتقن دورها جيداً. يجيد المخرج خلط الأوراق من دون أن تضيع منه دلالة. وحين يأتي الأمر إلى تجسيد العنوان يختار مشهداً هو، كالكثير من المشاهد، مسار سخرية وخوف: في خطابها للشعب الأميركي الذي لا يعرف من يصدّق (هي أو العلم) تطلب من الناس ألا تتطلع إلى فوق. بل أن تنظر إلى تحت. العبارة من قوّة الإيحاء بأبعادها الاجتماعية والسياسية لدرجة لا يمكن إغفالها.

في النهاية هناك اللجوء إلى الدين. يعود العالم مندي إلى زوجته وأولاده ويستقبل في بيته آخرين آمنوا مثلهم بنهاية العالم بسبب الجهل (وليس عقاباً)، لكن من اعتقد أنها النهاية تقول إن الحل في التديّن على خطأ؛ لأن هذه العائلة وضيوفها ستتلقّى العاقبة ذاتها. هي ليست مثالاً على انفلات العالم من أخلاقياته وغلوّه في الخطيئة، بل تذكير بأن وقت الدعاء قد يتأخر وإذا ما فعل فلا نجاة لأحد.

 

الشرق الأوسط في

07.01.2022

 
 
 
 
 

"لا تنظر إلى الأعلى"... هذا العالم الكارثي الذي نعيش فيه

الفيلم الذي يحدث سجالاً عالمياً يطرح قضية الفساد السياسي وعدم احترام الحياة

هوفيك حبشيان

لكل مرحلة زمنية حكاياتها وقضاياها وانشغالاتها وظواهرها الاجتماعية وبالتالي أفلامها. هذه حقيقة يبدو أن المخرج الأميركي آدم ماكاي أدركها جيداً عندما قرر إنجاز فيلمه الأبوكاليبتي "لا تنظر إلى الأعلى" الذي بدأ عرضه على "نتفليكس" عشية عيد الميلاد. فالعمل ابن عصره، ولذلك ليس من المستغرب أن يولد كل هذا الجدل بين رواد وسائط التواصل الاجتماعي ويحدث كل هذا النقاش بين طرفين، أحدهما انتصر لهذه الكوميديا الساخرة والآخر عارضها، علماً بأن هناك أيضاً من وقف في منتصف الطريق بين الجهتين، في مسألة تحديد قيمته الفنية وبلاغة خطابه السياسي. الفيلم تربع على لائحة أكثر الأفلام مشاهدة في نحو مئة بلد حول العالم.

الحكاية تختصر ببضعة أسطر: باحثان في إحدى جامعات ميشيغان هما راندل مايندي (ليوناردو دي كابريو) وكايت ديبياسكي (جنيفر لورانس) يكتشفان وجود مذنب يتجه إلى الأرض ليضرب كل مظاهر حياة عليها في غضون ستة أشهر. همهما الوحيد منذ اكتشافهما الخطر الذي يهدد البشرية، هو جذب الانتباه إلى الكارثة المرتقبة وخلق وعي عند الناس إزاء ما سيحدث لهم. لكن في هذا الزمن الغارق في السطحية والتفاهة والإنكار والأخبار المزيفة والتدليس السياسي، أصبح من الصعب لفت الانتباه بالأخبار العلمية، في حين فضائح نجمات وسائل التواصل ومغامراتهن العاطفية تتصدر وسائل الإعلام. والنتيجة أن لا أحد يكترث بما سيحل بالأرض: السلطات تماطل، الإعلام يهزأ، الناس يشككون. والطامة الكبرى تتجسد في تصرف رئيسة أميركا (ميريل ستريب)، التي تنحاز إلى مصالح شركة تكنولوجية كبرى بدلاً من الانتصار لحق المواطنين في العيش. نحن هنا في عمق الثقافة المركانتيلية التي تتبع قوة واحدة: النفعية.

العالم يشاهد

قبل الخوض في تفاصيل العمل، من اللافت أن الجميع هنا اكتشف الفيلم في توقيت واحد؛ الأمر الذي ما كان ممكناً في الماضي القريب، عندما كانت الأفلام تعرض في المهرجانات ثم تشق طريقها إلى الصالات بعد فترة. وعندما نقول الجميع نشير إلى النقاد والجمهور، الجهتين المعنيتين بإبداء الرأي. مع تغير سبل المشاهدة، ودخول السينما كل بيت عبر المنصات الإلكترونية، باتت وسائط التواصل المكان الجديد للنقاش الشعبي حول الأفلام، بالتزامن مع رأي النقاد فيها. في المقابل، هذه المنابر تسمح لمن هب ودب أن يعبر عن رأيه في ما شاهده، وهذا يحيلنا على كلام شهير للكاتب الإيطالي أومبرتو إيكو الذي قال ذات مرة، قبل بضع سنوات من وفاته "منصات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، من دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء". وفي حوار أجريته مع المخرج والسيناريست الكبير تشارلي كوفمان، قال لي عن المسألة نفسها "هناك هوس اليوم يجعلنا نتفحص في كل لحظة هاتفنا لنرى من الذي بعث لنا برسالة قصيرة أو لمعرفة ماذا يجري من حولنا. هذا يمنعنا من لذة الانقطاع عن العالم والتمعن بالوحدة. فجأة، تجد أنك تفتقر إلى هذه العزلة التي لطالما كانت مكوناً أساسياً في حياة البشر. في اعتقادي أن هذا كله يدمرنا".

لمَ هذه المقدمة في الحديث عن فيلم وما الفائدة من ذكر إيكو وكوفمان في هذا السياق تحديداً؟ الجواب الأقصر هو أن جزءاً أساسياً من الفكرة التي يقوم عليها "لا تنظر إلى الأعلى" هو عن انتشار هذه الآفة التي تسمى وسائط التواصل، التي هي مصدر لكثير من الشعبوية والأفكار المغلوطة والتمترس السياسي والانقسام الذي يحدث على المستوى الاجتماعي، لدرجة أن كل شيء بات له فريقان: فريق مؤيد وفريق معارض. حتى الفيلم كان له نصيب مما يدينه، وكأن الآراء التي قيلت فيه أكدت خطاب المخرج. ويبدو أن هذا الهوس الاجتماعي بالتفاهة التي يغرق فيها زمننا الحالي، ما كان ممكناً رصده بهذا الشكل الساخر لولا مرور دونالد ترمب في البيت الأبيض. فالفيلم يتغذى كثيراً من عهد الرئيس المشاكس، وهو لا شك أنه كان مصدر إلهامه الأول، في اعتباره ذروة مرحلة ما عادت تملك أي ضوابط أخلاقية وسلوكيات إنسانية، إذ إن كل شيء صار في خدمة السياسة والمصالح المالية.

مهاترات سياسية 

فكرة الفيلم مستوحاة من المهاترات حول الاحتباس الحراري الذي لم يعد من الأولويات، خصوصاً في زمن التصدي للجائحة. هي فكرة بسيطة في خطوطها العريضة ومتشعبة في عدد الأبواب التي تفتحها لإقحامنا في عيوب العالم الحالي وأزماته المتنقلة من قارة إلى قارة. أما الأحداث التي نتابعها فهي مقتبسة من "وقائع من المحتمل أن تحدث" كما يعلنها الملصق الترويجي للفيلم، موضحاً النبرة الكاريكاتورية التي تدنو في بعض الأحيان من الكوميديا السوداء. من مسألة الخصوصية وإعطاء الصلاحيات الكاملة لرئيس أوحد، إلى الذكاء الاصطناعي الذي بات يتحكم بكل تفاصيل حياتنا اليومية، مروراً بالسياسة التي لم تعد أكثر من استعراض، فالإعلام الذي يلهث خلف الرايتينغ، ثم الانقسامات التي تعكس حال الدنيا.… هذا كله يجتمع في عمل سينمائي لاذع، صدامي، لا يوفر شخصية أو ظاهرة، ضمن توليفة "بارودية" تقع في مكان ما بين "الدكتور ستراينغلاف" لستانلي كوبريك و"المريخ يهاجم" لتيم برتن. وطبعاً، كما عهدنا ماكاي في أفلامه السابقة، فالضحكة التي يضحكها من خلف الكاميرا… صفراء!

فهم ماكاي أن للهجاء السياسي سطوة كبيرة على وعي المشاهد. فيلمه يحمل سمات السينما النضالية التي تسعى إلى التغيير، ولكن من دون قبضات مرفوعة، لكون هذا النوع ما عاد يخاطب وجدان الإنسان الحالي في زمن الفضاء المفتوح. فالإنسان الحالي الجالس قبالة الشاشات ليلاً ونهاراً، ينبغي مخاطبته بالوسائل التي بات يألفها. وفي هذا المجال، يظهر مشروع ماكاي محدودية ما، لأنه يصبح في النهاية ما يدينه: عملاً شعبوياً ينظر إلى العالم بسطحية ومن زاوية ضيقة جداً.

الهوس بنهاية العالم أو الخطر الذي يأتي من خارج كوكبنا من التيمات المتكررة في السينما الأميركية، خصوصاً في هوليوود التي طالما حولت هذا الهوس الأميركي المحض إلى سينما ترفيهية، بإمكانات ضخمة وخطاب أيديولوجي يؤكد حرص أميركا على حماية البشرية. لكنها في الواقع سينما تطمح إلى تسلية الجماهير وبيعهم الأوهام والفوشار. في "لا تنظر إلى الأعلى"، تأخذ المسألة هذه طابعاً توعوياً، فيدق من خلاله المخرج ناقوس الخطر. وما شخصية الباحثة ديبياسكي سوى نسخة عن الناشطة البيئية غريتا تونبرغ بسخطها وصراخها وجديتها المفرطة التي تمثل الوعي حسب الفهم الغربي الحديث له.

لكن بعيداً من فكرة الخطر الخارجي الذي يشهر سلاحه في وجه البشرية التي استهلكتها هوليوود منذ نشأتها، فهذا الفيلم يعتبر نقلة نوعية في قدرته على القول إن الإنسان هو الذي بات خطراً على نفسه أكثر من أي مخلوق فضائي، لأنه اختار الاستسلام وجلس في سجنه يراقب النهاية. وفي حين أن الفيلم يظهر الاصطفافات المضحكة التي باتت شيئاً متوقعاً في كل قضية رأي عام، لا بد أن نشعر بهذه المبالغة الأسطورية وقد فتكت بكلا الطرفين: الطرف الذي ينكر وجود كارثة تلوح في الأفق، والطرف الذي ينتظر نهاية العالم وهو يجلس إلى مائدة الطعام فيصلي صلاة أخيرة قبل الصعود إلى فوق.

 

الـ The Independent  في

07.01.2022

 
 
 
 
 

مكاي مزوّجاً الضحك للكَرب.."لا تنظر للأعلى" فيُغرقك زفت الحياة

محمد صبحي

تأتي الكارثة بصدمتها، مصحوبة بإحساس الانتصار لدى المتنبّئين بها والمنذرين بقدومها. تماماً مثلما حدث بعد هجمات 11 أيلول قبل عشرين عاماً. من يومها، انتقلنا من حدث كارثي إلى آخر، من الحرب في العراق وأفغانستان إلى الكوارث المناخية الكبرى، من الأزمة الاقتصادية إلى هجمات داعش الإرهابية، وصولاً للجائحة الصحية المرتبطة بعدوى كوفيد-19 التي نختبرها منذ عامين تقريباً. طبعت تلك الكوارث واستحوذت على اهتمام وسائل الإعلام العالمية، والغربية على وجه الخصوص. الكارثة هي المصطلح الأنسب لتلخيص حال العالم المعاصر، اندفاعه نحو الإنقاذ المتأخر (مكافحة الاحتباس الحراري، على سبيل المثال) وانهياره الشنيع بالقدر نفسه: مجتمع متألم ومندوب ما زال يتخيّل ثورات غير موجودة. بعبارة أخرى، مجتمع في طور الانقراض.

سينقرض الجنس البشري، كما يخبرنا آدم مكاي، في فيلمه الجديد "لا تنظر للأعلى"(*)، أو بالأحرى، ستنقرض الكرة الأرضية كلها، بعد أن يضربها كويكب عملاق يبلغ قطره عشرة كيلومترات. يبدأ الأمر هنا، من الاكتشاف العَرَضي لمُذنَّب في حجم جبل إيفريست، يدور داخل النظام الشمسي وفي مسار تصادم مباشر مع الأرض. الفيلم يدشّن عودة مكاي خلف الكاميرا بعد ثلاث سنوات من ملهاته السينمائية "Vice" حول نائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني. كان من المفترض أن تبدأ دورة إنتاج الفيلم الجديد بين نهاية العام 2019 وبداية العام 2020، لكن انتشار الوباء أفسد الخطط وأجبر مكاي-وهو المنتج أيضاً تحت راية شركته الوليدة "Hyperobject Industries"، في أولى مغامراته الإنتاجية سينمائياً بعد نجاح سلسلته التلفزيونية "Succession" - على تأخير التصوير لمدة عام. في تلك الأثناء، تنحّت شركة باراماونت، التي وقّع معها المخرج اتفاقية لتوزيع الفيلم -مرة أخرى بسبب مخاوف تتعلق بالجائحة– وتنازلت عن الحقوق لصالح شبكة "نتفليكس". والحقيقة، أن الفيلم يبدو، من بعض النواحي، حول الكارثة المحيقة بالسينما وتجربة الفرجة السينمائية، بعد تقليص أحيازها من الخيال الجمعي واستبعادها الآن (مرة أخرى، الجائحة عامل كبير) أيضاً من المسارح والصالات لصالح المنصات، ذات التوجه المحلي/الإقليمي وبالتالي الأكثر قابلية للإدارة.

للمفارقة، تشبه "نتفليكس" شركة "Liif" في الفيلم، لصاحبها ومديرها رجل الأعمال المختلّ بيتر إشريويل، الذي يبدو مزيجاً من ستيف جوبز وإيلون ماسك، بإيمانه المطلق بأن الذكاء الاصطناعي هو الطريقة الوحيدة التي يمكن للإنسان من خلالها التواصل مع آخر غير نفسه - أو بالأحرى مع أجزاء أخرى من نفسه - في لعبة أنانية لا نهائية، وهو مموِّل وحليف استراتيجي للإدارة الاميركية. مرة أخرى، يختار مكاي الهجاء وسيلةً لمقاربة وضع بلاده والوضع العالمي. بعد تناوله التاريخ الأميركي المعاصر، أولاً مع "أزمة الرهن العقاري" في فيلمه الأوسكاري "The Big Short"، متبعاً إياه بسرد ساخر للحياة السياسية لديك تشيني في "Vice"؛ قرّر الانتقال إلى سبيل الخيال العلمي الأبوكاليبتي، مستعيناً بالأسس الهيكلية لأفلام الكوارث، وتحديداً خطر تدمير الأرض على يد عامل خارجي - في هذه الحالة مذنّب هائل – وغرس حكاية فيلمه في مزاج وأجواء عصرنا الحالي. وهكذا، رغم حقيقة تصويره وكتابته قبل تفشي الجائحة، يتحوّل "لا تنظر للأعلى" من فوره إلى فيلم يتحدث عن الوباء. أكثر من ذلك، يمكن القول إن هذا أول "فيلم وبائي" حقيقي، باحتوائه فقرات بعينها توضّح كيف تتداخل معالم اليوميات السياسية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية المحددة لواقعنا المُعاش مع حكايته الخيالية التحذيرية: فكّر في التسلسل الموسيقي الذي تغنّي فيه أريانا غراندي، بلهجة آمرة ويائسة في آن "استمع إلى العلماء الأكفاء اللعينين"؛ فكّر في الإنكار الصارخ الذي واجهته طالبة الدكتوراه كيت ديبياسكي (جينيفر لورانس)، بعد اكتشافها المذنّب المدمّر ومعاينته وتقدير موعد اصطدامه، وأستاذها راندال ميندي (ليوناردو دي كابريو)؛ فكر في الانقسام الحاد بين أولئك المؤمنين بالعِلم ووصول المذنّب، وأولئك المنكرين والكافرين بوجود تلك الحقيقة؛ فكر في البروباغندا التي يطلقها البيت الأبيض، كما تخرج من فم الرئيسة (ميريل ستريب) التي تبدو كأنها وُلدت من سفاح قربى سياسي بين ترامب وهيلاري كلينتون وكامالا هاريس، وبالتالي يضع الفيلم الديموقراطيين والجمهوريين على المستوى نفسه من الاستقطاب والهستيريا واللاعقلانية.
نظرًا لكونه فيلم خيال علمي كوميدي، يغوص حتى العنق في "زفت" الحياة اليومية، يصبح "لا تنظر للأعلى" فيلماً متعدد الوجوه، كما هو الحال غالباً مع أعمال مكاي، الذي ينجز سينماه بالتشكيل على نصّ متشعب باستمرار، وتأسيس تقسيم طبقي/متعارض يعمل بمثابة السلاح السياسي لمحاربة فراغ مجتمعي.. يميل هنا، بدلاً من ذلك، نحو التبسيط المستمر، إما لتأجيج الكوميديا وتعميق السخرية، أو في سبيل إكمال المرآة المرعبة الموجّهة لجمهور يتفادى مواجهة الحقائق كمن يهرب من شيطانه. وفيما ينسج سيكولوجيات شخصيات فيلمه، المتنوعة بين أطياف متطرفة فكرياً، وتلميحات إلى أشكال السلطة الممكن توالدها في خضم حالة فصام جماعي؛ يبني مكاي، طبقة تلو الأخرى، سرديته المفجعة والساخرة لأميركا إذ قطعت رأسها وتخلّت عن عقلها، وفيها يبتعد عن الألم أو تفجير الفواجع لحلب العواطف، لصالح توليد مكثّف ومتلاحق للسخرية والضحك العالي، وكل عنصر من عناصر الحقيقة، لنقولها على غرار جيرار ديبورد، يستحيل "تمثيلاً": صورة لصورة عن صورة. الصورة مُفضَّلة على الشيء المصوَّر، النسخة على الأصل.

مكاي هو واحد من صانعي الأفلام الأميركيين القلائل اليوم الذين يشككون في النظام المجتمعي، وما يستتبعه، لذا فنقْده - أو لنقل اعتداءه؟ - المستمر لكل جانب من جوانب النظام، يشي بسمات اشتراكية بحتة (بالمعنى الإيجابي)، وهذا ربما يبرّر تلك الهجمات الضارية، ذات الطبيعة الأيديولوجية الصارمة، التي تتلقاها أفلامه في بلده. ولذلك أيضاً، لا يتواني في عمله عن خلق المفارقات الجنونية، والتعبير عن غضبه بقدرٍ يكافئ الجنون السائد، وفي هذه التربة المُضخَّمة من كل شيء ونقيضه، يجد نبرته التعبيرية المثالية: الخوف مصحوباً بالتهريج، والكارثة ثمرة أكيدة  للتجهيل والإنكار، ونهاية العالم كوميدية كما لم تكن من قبل.

كما فعل سيث روغن وإيفان غولدبرغ، قبل أقل من عشر سنوات، في فيلمهما "هذه هي النهاية"، يرسل مكاي أيضاً العالم كله إلى هلاكه مدندناً أغنية بذيئة، وهو يفعل ذلك كعملٍ سياسي. تصبح الكوميديا ​​هي المقاومة الفعّالة الوحيدة لإيصال "حقيقة" باطلة، لكن قبولها كأمر معقول منعقد على مجتمعٍ فقد إحساسه بالجماعة، وبالتالي بالوجود المادي. لهذا السبب، فقط من خلال العمل الجماعي (الاحتجاج في الميدان، والحفلة الموسيقية، وأخيراً العشاء المنزلي بين الأقارب والأصدقاء)، يقول الفيلم، لا يمكن للمرء أن يعيش، لأنه في نهاية العالم لا يمكن للمرء إيقاف المحتوم، لكنه على الأقل يستطيع استعادة كرامته. نجح مكاي في التقاط نقطة الالتقاء المدهشة بين الضحك الجامح - الفيلم عبارة عن وابل من المواقف الكوميدية متضافرة بشكل مثالي بفضل عمل شاق وذكي في مرحلة الكتابة - والكرب العميق، والحنين إلى الحياة، والنقاء الصادق حتى في أكثر اللحظات المبتذلة عند الاقتراب من المحتوم.

أخيراً، ورغم قسوة خطاب الفيلم وهجائه الحاد للسياسات والعقلية الأميركية، فمن المستحيل، نظرياً على الأقل، خروجه من موسم الجوائز من دون الظفر بحفنة منها. كل ما فيه وحوله يقول أن سعي "نتفليكس" لحصد الأوسكار الكبير قد يتوّج أخيراً بهذا الفيلم التخريبي الممتع.

(*) يُعرض حالياً في "نتفليكس".

 

المدن الإلكترونية في

07.01.2022

 
 
 
 
 

فيلم «The Power of the Dog»: دليلك لكي تصبح رجلًا حقيقيًّا

رحمة الحداد

تعيش هوليوود مؤخرًا فترة من إعادة تفكيك أنواعها السينمائية الرئيسية، خاصة النوع الذي يميزها منذ بداية صناعة السينما نفسها، وهو نوع «الغرب الأمريكي» (western)، في عام 1903 صنع إدوين بورتر أول وأحد أشهر أفلام الغرب والأفلام عمومًا «سرقة القطار الكبرى – the great train robbery»، رسَّخ الفيلم لجماليات نوع الوسترن، وحتى لحظتنا تلك يعيش أشهر مشاهده في أذهان صناع ومحبي السينما.

يوجه راعي البقر ذو الشارب الضخم والقبعة الشهيرة مسدسه نحو الكاميرا مباشرة، نحونا ويطلق منه عدة رصاصات، ذلك التمثيل الرجولي القوي الذي يجمع بين البطولة والخروج على القانون يعيش في كل أفلام الغرب التي صُنعت بعده، تملك صورة راعي البقر مكانة شبه قومية في العقلية الأمريكية وفي العالم كله الذي يتعرف على الآخر من خلال السينما، لكن في الفترة الأخيرة مالت السينما نحو تفكيك ذلك النوع من الذكورة أو على الأقل اختراق خطوطه الدفاعية ومحاولة فهم ما يقبع خلفه، خاصة في طبيعة التعبير النوعي (الجندري) عن الذات والأدوار النوعية وطبيعة الميول الجنسية.

يظهر ذلك الميل للتفكيك في أفلام تصنعها النساء عن موضوعات تعد رجولية بشكل رئيسي، مثل أفلام المخرجة الحائزة على الأوسكار كلوي شاو في أفلام مثل «الفارس – the rider» و«أرض الرحل – nomadland»، وفي فيلم المخرجة النيوزيلندية «جين كامبيون» الأخير «قوة الكلب – the power of the dog»، اشتهرت كامبيون بأفلام شديدة الرقة لكنها محيرة في الوقت نفسه تحكي حكايات معقدة في الغالب بطلاتها من النساء، يصعب فيها تحديد موقف معين من الشخصيات، وهو ما يندر رؤيته في كتابة الشخصيات النسائية.

في فيلمها الأخير تخترق كامبيون عالم من الرجال، رجال بالمعنى النمطي للكلمة، ذوو شوارب ضخمة وقبعات تغطي نصف وجوههم يسيرون كالرجال ويتحدثون كالرجال، يصارعون بعضهم البعض ويؤمنون بالأدوار النوعية الصارمة، الرجل يعمل في الأرض الغربية الواسعة بين الخيول والأبقار، والمرأة تعد له الطعام وتروِّح عنه أو تعمل في الحانات الرخيصة كبائعة هوى، فيلم قوة الكلب المقتبس عن رواية بنفس الاسم يخترق تلك التمثيلات الزائفة ويدرس طبيعتها ويحللها لعناصرها الأولية، في دراسة شخصية دقيقة تكشف كامبيون عن الحيوات المزدوجة لرعاة البقر.

الطيف الواسع للذكورة

يتجول فيل (بيندكت كامبرباتش) على جواده رافعًا رأسه متحدثًا بصوت أجش، يتحدث عن معلمه وقائده السابق برونكو هنري، يتحدث عنه بالطبع بشغف رجولي عن قوته وفطنته وقدراته العظيمة في كل مناحي الحياة، يسخر فيل من كل شيء حوله، يكره الضعف، يكره الرقة، يكره المشاعر الإنسانية ويستهزئ بها، بالنسبة له النساء يعتبرن خللًا في النظام، يجب استغلالهن جنسيًّا والانتفاع من خدماتهن مثل صنع الشاي وتنظيف البيوت، لكن لا يصلحن للحب أو المشاركة، تبدو تلك صفات راعي بقر كلاسيكي يعلي من القيم الرجولية الكلاسيكية شكليًّا وموضوعيًّا ويهتم بعمله بجدية دون الالتفات لصغائر الأمور، نرى ذلك مرارًا في أفلام الغرب الأمريكي، ذلك التمثيل الصلب للذكورة دون سخرية أو ادعاء، لكن في فيلم جين كامبيون يمثل كل ذلك غطاء لهشاشة يجب ألا تظهر أمام الآخرين، بل يجب على الرجل الذي يحترم نفسه أن يقتلها في كل ما حوله.

يستعرض قوة الكلب شخصياته على الشاشة أكثر ما يهتم بأن يعرض قصة واضحة ويركز تحديدًا على دراسة شخصية فيل، راعي البقر العنيف ذي الكاريزما العالية، لا يملك فيل من العالم إلا أخيه جورج (جيس بليمونز) يعتني به ويقسو عليه أحيانًا، ويعمل كمعلم ومرشد له قهرًا، يشترك فيل وجورج في غرفة واحدة ويبدو أنهما مرتبطان بعضهما ببعض على الرغم من علاقتهما المتوترة، يتغير ذلك الاستقرار حينما يأكل الأخوان العشاء في مطعم روز الصغير، روز (كريستن دانست) سيدة جميلة وأرملة تملك ابنًا خجولًا يدعى بيتر (كودي سميت ماكفي)، يغير ذلك العشاء حيوات جميع شخصيات الفيلم حينما يقع جورج في حب روز ويتزوجها، وحينما يضغط فيل على بيتر بسخرية لاذعة توضح جوهر شخصيته، ومع الوقت يبدأ فيل في تفريغ حياته لمضايقة روز ودفعها للجنون مما يثير في قلب بيتر رغبة انتقامية كبيرة.

تعرض كامبيون طيفًا واسعًا لتمثيلات الذكورة على الشاشة دون أحكام قاطعة أو افتراضات تجاه تلك التمثيلات، فبعيدًا عن فيل مثال الذكورة النمطية يوجد بيتر، الشاب الذي يهوى صناعة الزهور الورقية ويدرس الأحياء، وعلى الرغم من رقته الظاهرة فإنه مجتهد جدًّا في دراسته، حتى إنه يشرِّح الحيوانات داخل غرفته ويرسم دراساته بدقة فنية هائلة، يمثل ذلك التضاد الهائل بين كيفية تقديم فيل لنفسه كرجل في مقابل تقديم بيتر لنفسه الصراع الحقيقي في الفيلم، لا يفترض الفيلم هوية أي منهما أو ميوله، لكنه يجعل اختلافهما الحاد مساحة لاستكشاف طبيعة القوة وعلاقتها بالذكورة، خاصة في المجتمعات الغربية الأمريكية في مطلع القرن العشرين، يملك فيل كل الصفات التي تجعله مقبولًا اجتماعيًّا، لكنه يُخفي تحتها طبقات من المشاعر والحقيقة غير المعلنة، بينما يظهر بيتر كما هو، لكنه يخدع الرائي بضعفه بينما يملك قوة من نوع مختلف بعيد عن القوة الجسدية الظاهرية.

موت النوع الفيلمي

لا يحمل أحد مسدسًا، إنها أحداث في نهاية الأسطورة حيث يعمل رعاة البقر هنا لأنهم يحبون رعاة البقر القدامى، ويحصلون على ملابسهم من طلبات البريد، ويرتدون ملابس رعاة البقر وكأنهم يقتبسون الرعاة الحقيقيين.

تنحو جماليات الفيلم الرئيسية إلى الغرب الأمريكي، الفترة التاريخية والملابس والموسيقى، لكن كل ذلك يتم قلبه بشكل ما، يتم نزع كل الأفكار أو التصورات النمطية عنه، يصل ذلك التفكيك لطبيعة أفلام الغرب الصارمة ومحاولة كشف الشخصيات التي تعيش بداخلها، يحدث ذلك بواسطة خيارات إخراجية بسيطة لكنها مؤثرة، عادة ما نرى رعاة البقر بكامل حلتهم من الملابس والطبقات المدروسة بعناية، سرج الأسلحة الجلدي والسراويل الخاصة بركوب الخيل والقبعات والسترات الجلدية والأحذية القوية ذات الرقبة العالية، لكن في ذلك الفيلم يبدو فيل وكأنه الشخص الوحيد الذي يرتدي تلك الملابس، فأخوه يعتلي الحصان بجانبه مرتديًا بدلة مدنية تقليدية، لكن عندما يختلي فيل بنفسه فإنه يتجرد من كل شيء، في مكان مستتر لكنه عام، فهو ليس منزله أو غرفته، بل في بحيرة تخبئها الأشجار، هنالك فقط يصبح نفسه دون ما يحجبه عن العالم.
ما يجعل تلك المشاهد ذات وقع مختلف هو موقف هوليوود العام من الجسد الرجولي على عكس الجسد الأنثوي الذي نراه دون تحفظات في العديد من الأفلام التجارية أو الفنية؛ لأنه يضمن جمهورًا أكبر،أما الجسد الرجولي خاصة لممثل ذي شعبية عالمية فنادرًا ما يُصَوَّر بالأريحية نفسها، وبدون أي شبهة استغلالية، تقول جين كامبيون في أحد الحوارات إن فيل يرى أن تلك الملابس مثيرة جدًّا، سوف يرتديها في كل مكان، سوف يذهب للنوم بها، لن يخلعها إلا عندما يكون عاريًا، في قوة الكلب يعمل التجرد من الملابس كأداة لدراسة الشخصية وتفكيك الطبقات التي تخفي حقيقتها عن الأعين
.

يملك الفيلم بجانب جماليات الغرب بناءً أشبه بأفلام التشويق thriller، يوجد طبقة ثقيلة من الترقب لكنها ليست سريعة أو متتابعة مثل أفلام التشويق التقليدية، بل ترقب متمهل وبطيء، توتر تخلقه العلاقات الدقيقة المرسومة بين الشخصيات واختلافاتها، التضاد بين فيل العنيف وأخيه الرقيق، وبين روز السيدة الرقيقة وفيل، وبين بيتر الشاب النحيف الذي تبدو عليه الهشاشة والاختلاف عن المقبول مجتمعيًّا لتصرفات الرجال وفيل كذلك، يمثل فيل المركز الذي يتمحور حوله كل تلك الشخصيات، فبسبب عنفه البادي والذي لا يتوقف عن التفاخر به يريد الجميع أن يسلم من أذاه، لكن من ينجح في ذلك حقًّا هو بيتر الذي يظهر وكأنه أضعف الشخصيات، لكنه يفعل ذلك بالتلاعب بمشاعر الحب وليس بالمواجهة العنيفة.

لا يملك الفيلم قصة حب رومانسية كبرى مثل تلك في جبل بروكباك brokeback mountain الذي ينتهج منهجًا مشابهًا في تصوير الذكورة النمطية كأكذوبة تخفي حقائق يصعب على الرجل الذي نشأ في بيئة تقدس تلك الصفات الاعتراف بها، بل يدرس ميولًا مختلفة تحكمها موازين قوة مربكة تؤدي لاستغلال لا يفرق بين جنس وآخر، يعيش فيل بثقل كبير في قلبه سر يصعب عليه الاعتراف به، لكن مشاعره تلك ليست واضحة كما يتخيل، ربما حتى ليست بتلك الشاعرية التي يتذكرها بها، كراهية فيل نحو النساء نابعة في الأساس من انعدام رغبته بهن، والتي إن وجدت ستجعله رجلًا كاملًا كما يرى ويصدق، لكنه في حقيقة الأمر لا ينجذب لهن بل يعيش على ذكرى حب قائده ومعلمه، نفترض مثله أن ذلك الحب كان عميقًا وحقيقيًّا لكن تلك الذكرى ربما تكون مشوشة، بل إنه من الممكن أن يكون تعرَّض لاستغلال على يد رجل أكبر منه سنًّا وسلطة، يظهر ذلك في محاولاته لتكرار النمط نفسه مع بيتر، الذي بعدما أمضى نصف الفيلم في السخرية من شكله والطريقة التي يقدم بها نفسه للعالم طور مشاعر نحوه، مشاعر يختلط بها ما هو أبوي وقيادي وما هو انجذاب عاطفي لشاب يشبهه حينما كان في نفس السن.

تملك تلك الديناميكية بين بيتر وفيل شعورًا مشابهًا لعلاقة فيل التي لم نَرَها على الشاشة، ومثله يُتَلاعب بنا، فتبدو تلك المشاعر حقيقية حينًا واستغلالية في حين آخر، لكن بيتر وعلى الرغم من رقته وربما حساسيته الزائدة أذكى من أن يترك التاريخ يعيد نفسه، يغير الفيلم بهدوء يسري بحدة تحت الجلد موازين القوة لصالح بيتر، ليثبت ببساطة أن القدرة على الإيذاء يمكن أن تنبع من مواطن أخرى غير سمات الرجولة النمطية، يرسم الفيلم شخصيات حقيقية جدًّا تحوي الخير والشر بحيث يصعب التعاطف مع أي منها بشكل كامل، فحتى مع معرفتنا بطبيعة فيل المؤذية وأفعاله غير المقبولة ندرك تمامًا حاجته للرقة، كما ندرك مدى قسوة تلاعب بيتر به رغم حقه في ذلك، تصور كامبيون ذلك التحول بأبسط الطرق الممكنة، بلمسة يد في لقطة مقربة تغير كل شيء.

ما الذي تعنيه لقطة مقربة لليد

اجعل الناس يشعرون بروح وقلب العمل، لكن اجعله يبدو كما لو أنه صنع بالأيدي.

في عام 1975 كتب روبير بريسون أحد أشهر المخرجين الفرنسيين والعالميين مجموعة ملحوظات حول الصناعة السينمائية أسماها ملحوظات حول السينماتوجراف، فيها أعطى نصائح للمقدمين على صناعة الأفلام، وركز تحديدًا على الاهتمام بالاختزال في إيصال الأفكار والمشاعر، مثلت أسلوبية بريسون الاختزالية إلهامًا وتأثيرًا على معظم صانعي السينما من بعده، خاصة طريقة تصويره لحدث ما، بالتركيز على مركز هذا الحدث ومن أين يبدأ حتى لحظة انتهائه، يظهر ذلك تحديدًا في طريقة تصويره للأيدي البشرية، يعاملها كشخصية فاعلة في أفلامه، فهي أحد أكثر أجزاء الجسد وظيفية وقدرة على التعبير.

تشتهر كامبيون بنزعة جمالية خاصة، بميل لمراقبة أدق التفاصيل في العوالم التي تخلقها، لكنها تهتم بشكل خاص بتصوير الأيدي، كيف تحب وتقتل وتعزف وتصنع، مما يذكرنا بأسلوب بريسون، تقدم كامبيون شخصية بيتر على الشاشة في أول ظهور لها عن طريق لقطة مقربة ليده الرقيقة تشكل زهرة من الأوراق المطبوعة، يعطينا ذلك انطباعًا عن طبيعة بيتر الإبداعية الدقيقة كما ترهص لما هو قادم، تملأ اللقطات المقربة للأيدي أفلام كامبيون من أشهرها البيانو the piano 1993 الذي يركز على اللغة التي تعبر بها بطلته الصماء عن نفسها وهي أصابعها على البيانو كذلك في فيلمها الرومانسي النجم الساطع bright star 2009 عن الشاعر جون كيتس وحبيبته فاني براون، الذي يمتلئ بلقطات ليديهما تتلقى خطابات الحب أو تصنع الأثواب وتقدم الطعام.

نرى ذلك بوضوح في قوة الكلب خاصة في المشهد الذي سيغير كل شيء بين فيل وبيتر، يضع بيتر يده على ذراع فيل برقة، يشعر فيل وقتها بأنه يتعرض لرفق لم يتعرض له منذ سنوات فيصبح أضعف وأكثر لينًا، وفي تلك اللحظة تخرق كامبيون قاعدة الـ 180 درجة السينمائية الشهيرة، والتي تنص على أنه يجب ألا تلتف الكاميرا حول شخصيتين فتغير أماكنهما على الشاشة، يتم كسر تلك القاعدة لتغيير أماكن بيتر وفيل وطبيعة العلاقة بينهما، تمثل اللقطات المقربة الكثير من لقطات الفيلم على الرغم من كونه فيلم ويسترن يستخدم اللقطات الواسعة، إلا أن تركيزه على التفاصيل الدقيقة يدفع بالأحداث ويطرح طريقة مختلفة لزرع الأدلة في فيلم إثارة غير تقليدي.

يظهر فيلم قوة الكلب جانبًا جديدًا في ممثل بشعبية بيندكت كامبرتش الذي يقدم واحدًا من أفضل الأداءات في مسيرته وفي ذلك العام، كما يمثل عودة قوية لجين كامبيون التي غابت عن السينما لمدة اثني عشر عامًا، بفيلم يمكن الاستمتاع المجرد بمناظره الطبيعية وأداءاته التمثيلية المتميزة بجانب التفكير فيما يطرحه من أفكار تتعلق بالذكورة وتمثيلاتها على الشاشة، وما يعنيه موت نوع سينمائي ليبزغ منه موجة جديدة تعيد قراءته كنوع جديد واعٍ بذاته وتاريخه.

 

موقع "إضاءات" في

08.01.2022

 
 
 
 
 

لا تنظر لأعلى!

أخبار النجوم ـ هيثم مصطفى

كثرت الأفلام التي تتحدث عن الكوارث التي من الممكن أن تتعرض لها الأرض، وبالأخص كارثة النيازك القادمة من الفضاء، فلم يكن فيلم Armageddon لبروس ويليس هوآخرها، ولا فيلم Deep Impact لمورجان فريمان!! 

وبالتالي خرج لنا فيلم Don’t look up للمخرج الأمريكي آدم ماكاي ومن بطولة ليوناردو ديكابريو وجينيفر لورانس وميريل ستريب ومن إنتاج Netflix وكذلك كيت بلانشيت لتكرار نفس القصة لكن بحبكة مختلف، إذ أن الفيلم قد قدم لنا الكوميديا السوداء، من خلال السخرية الكاملة من الفكر البيروقراطي المبني على المنفعة، في قالب كوميدي ناقد وناقم وساخر للمجتمع الرأسي مالي الغربي، ومدى فساد الحكومة، وذلك من خلال الحكي عن عالمي فضاء هما رانديل ميندي وكيت ديبيسكي اللذان يكتشفان نيزكًا سيضرب الأرض، وحينما يصرحان بالأمر للسلطات الأمريكية نفاجأ بعرض ردود أفعال متخاذلة كارثية من الرئيسة الأمريكية المستهترة والتي لم تأخذ الأمر على محمله الجاد، الأمر الذي انتهى بكارثة رهيبة.

ولقد تعرض الفيلم لفساد أروقة متخذي القرار بالحكومة الأمريكية بشكلٍ ساخر، بل وتصرفاتهم الصبيانية التي لا ترتقي لتحمل مسؤلية إدارة الأمور، كما رصد الفيلم مدى الإستهتار الذي تتعامل به برامج Talk Show مع مثل تلك المواضيع الحساسة، وكذلك جهل مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعية وعرض ردود أفعالهم على خلفيات الأحداث المستفزة للأعصاب بسبب استهتار كافة العاملين بالبيت الأبيض.
وأعتقد أن الفيلم قد قدم صرخة كبيرة في وجه العالم الذي فقد حرفيًا جانبه الإنساني بسبب تفضيل المادة عن الآدمية، مما يجعلنا نوقن من أن المجتمع بشكلٍ عام قد صار ماكينة ترتمني وراء مبدأ Trend  والذي صار مستحدثًا بحالٍ فقدنا معه أجزء كبيرة من كينونتنا ومبادئنا بل وأفكارنا، كل هذا سعيًا خلف المصالح التي في النهاية من الممكن أن تكون واهية
.

الفيلم قدم نقدًا لفكرة كذب الإعلام الغربي لصالح الأغراض الفردية، بل وقد فكرة الأطماع من خلال تفويض الشركات العملاقة لتقرير مصائر الشعوب، من أجل الحفاظ على الصورة المرموقة التي حرصت عليه الرئيسة الأمريكية!!

وفي النهاية .. لم يكن الفيلم ليقدم لنا سوى الأسوأ داخلنا من خلال عكس أسوأ ما النفوس وإبرازها للعيان ربما يتعلم الناس.

وهذا هو الفن الناجح .. التوعية والنقد للباطل!!

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

09.01.2022

 
 
 
 
 

هل ماتت غولدن غلوب؟

المدن - ثقافة

غولدن غلوب ماتت. لم يعلن الأمر بشكل رسمي حتى الآن، لكن واقع الحال يصرّح بتلك الحقيقة. قبل ثلاثة أيام من موعد حفل النسخة الـ79 (ليل الإثنين، الثانية فجراً بتوقيت غرينيتش)، أعلنت رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود (HFPA)، الجهة المانحة للجائزة، أنه لن يكون هناك بث تلفزيوني لإعلان الجوائز. سيصير حفل غولدن غلوب لهذا العام "حدثاً سرّياً"، تُعلن أسماء الفائزين بجوائزها على الموقع الإلكتروني للجائزة أو حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

كانت غولدن غلوب ذات يوم ثاني أهم حدث في تقويم جوائز هوليوود بعد حفل توزيع جوائز الأوسكار. في السنوات الأخيرة، وبسبب صعود منصات البث المباشر، كانت الغلوبز سبّاقة حتى على الأوسكار، لأن الأولى لا تمنح جوائز للأفلام الروائية فحسب، إنما أيضاً للمسلسلات والأفلام التلفزيونية. علاوة على ذلك، أحبّ النجوم العرض والحفل لأنه كان أقل رسمية وأكثر مرحاً من حفل الأوسكار، بمشروبات على طاولات الفندق الفخم، وتصفيقات وقهقهات تتفاعل مع مقدّمي الحفل من المشاهير المحبوبين.

لذلك يمكن القول إن غولدن غلوب دُفنت حيّة. مَن يهتم بالجائزة إذا لم يجرِ تقديمها بألقٍ كثير وأزيز طنّان وجمهور غفير وصحافة والكثير من الشمبانيا؟ لطالما كانت غلودن غلوب الشقيقة الصغيرة الأكثر مرحاً لجوائز الأوسكار، وهي مشهورة لدى المشاهدين قبل أي شيء بسبب حفل توزيع جوائزها. ترتيبات جلوس المدعوين وحدها جعلت الحفل أكثر حميمية وبالتالي أكثر جدارة بالمشاهدة، حيث قدّمت موائد العشاء المستديرة في فندق بيفرلي هيلتون صوراً مثيرة ولافتة لنجوم التمثيل وفرصة لتدوير الهمس والثرثرة، أكثر من صفوف المقاعد في مسرح كوداك في حفل توزيع جوائز الأوسكار. وكان هناك الكثير من الشرب، حيث زوَّد أحد الرعاة المنتجين للشمبانيا المشاهيرَ بزجاجات الشراب حتى أثناء وجودهم على السجادة الحمراء، ثم يستمر الأمر على الطاولات، حتى أن إيما طومسون صعدت على خشبة المسرح، حافية القدمين، حاملة كأس مارتيني في يدها وفي يدها الأخرى حذاءها ذا الكعب العالي. كان هذا في العام 2014.

بعد حفل توزيع الجوائز الأخير في كانون الثاني/ يناير 2021، وقع الحدث في أسوأ أزمة في تاريخه. تُمنح جائزة غولدن غلوب من قبل رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود (HFPA) منذ عام 1944. وهي رابطة للصحافيين الأجانب العاملين في هوليوود. على عكس جوائز الأوسكار، حيث يصوّت الآلاف من أعضاء الأكاديمية السينمائية الأميركية للفائزين كل عام، ظلّت رابطة هوليوود للصحافيين الأجانب دائرة صغيرة جداً تضم، بحسب آخر إحصاء لها، حوالي 90 صحافياً. لطالما تردّدت شائعات مفادها أن الأعضاء ربما لم يتلقوا رشوة بشكل واضح ومباشر، لكنهم تلقّوا تدليلاً كبيراً من قبل شركات الإنتاج. لم تكن الرحلات الصحافية مدفوعة الأجر إلى مواقع تصوير الأفلام، والهدايا الصغيرة والكبيرة، شائعة بين أوساط النقّاد والصحافيين الفنّيين لكن بطريقة أو بأخرى حصلوا عى الكثير منها. بعد تقارير صحافية حول هذه الممارسات، تعرّضت الرابطة للنقد. كما اتُهمت بغياب التنوع عن تكوين أعضائها وانعدام المعايير الصحافية. قالت الممثلة سكارليت جوهانسون إنه في المؤتمرات الصحافية للرابطة كان عليها أن تواجه أسئلة "تقترب من التحرش الجنسي". نجوم سينمائيون وشركات العلاقات العامة الخاصة بهم أعلنوا مقاطعتهم الحدث في المستقبل. حتى إن البعض أعاد جوائز غولدن غلوب التي فازوا بها قبلاً، مثل توم كروز.

غياب التغطية الإعلامية وازدراء الصناعة للجائزة ومحاولة الابتعاد عنها بغية الهرب من مرمى الانتقادات، سيجعل "أمسية هوليوود المفضّلة" ميّتة: حفل بدون سجادة حمراء ولا مشاهير ولا صحافة معتمدة ولا حتى أعضاء المؤسسة المانحة للجوائز! سيقتصر الأمر على قراءة لأسماء الفائزين ضمن 25 فئة (14 للأفلام و11 للمسلسلات والمسلسلات القصيرة) تُعلن على فترات منتظمة لمدة 90 دقيقة. وكما لو أن هذا ليس كافياً لتقويض حيوية ووهج الحفل المعتاد المنتظر، فلا يزال من غير المعروف ما إذا كانت هناك فرصة لمشاهدة تلك الحفلة أساساً، حيث أعلنت شبكة NBC التلفزيونية، التي تمتلك حقوق البث، قبل أشهر أنها لا تنوي بث الحفل. الاحتمال الوحيد هو البث المفتوح على الإنترنت، على الرغم من أنه إذا تم ذلك من دون إذن الشبكة الأميركية، فإن خطر الانتقام القانوني يظلّ قائماً.

صحيح أن الوضع الصحي في الولايات المتحدة ليس مهيّئاً للاحتفالات الكبيرة والتجمعات الحاشدة، حيث سجّلت البلاد أكثر من مليون إصابة بفيروس كورونا في الأيام القليلة الماضية، والعديد من حفلات الجوائز المقررة في فترة الشهرين القادمين، المعروفة بـ"موسم الجوائز"، أكّدت اكتفاءها بإعلان فعالياتها أو بثها على الإنترنت، وآخرها حفل اختيار "جوائز النقّاد" Critic's Choice، الذي كان من المقرر إقامته في نفس يوم إعلان جوائز غولدن غلوب، في إشارة واضحة وحاسمة لتراجع أهمية الجائزة الأخيرة. وعلى الرغم من خطورة وحقيقة هذا العامل الصحّي، فإن رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود عانت منذ أشهر طويلة من انتقادات طاولتها بسبب طريقة إدارتها سيئة السمعة وعدم تجديد دمائها باقتصار أعضائها المصوّتين على غالبية كاسحة من الرجال البيض، ممن يهتمون بالدونات والهدايا وجميع أنواع الامتيازات والاهتمام من الاستوديوهات الكبيرة، أكثر مما بالأفلام والمسلسلات المعني بهم الكتابة عنها بحياد نقدي مفترض.

هكذا، فالجائزة التي لم يكن ينبغي أن تكون ذات أهمية كبيرة، جرى تضخيمها وإضفاء الشرعية عليها من قبل الإدارات الصحافية لشركات الإنتاج، والتي تعلن عن جوائز غولدن غلوب كما لو كانت مصنوعة من الذهب الخالص، وبالتالي تجعل الجرم السماوي بأكمله يدور حول بالونات منتفخة بشكل مصطنع. تتبدّل الأحوال هذه السنة، بعد اتخاذ شركات الإنتاج الهوليوودية قراراً علنياً بمقاطعة الأمسية، وبعدما كان انتقاد الرابطة المُدلَّلة هوليوودياً يشوبه الحذر والكتمان، صارت المجاهرة به نقطة محسوبة لصاحبه، بعدما كُشف العام الماضي عن خلو الرابطة من أي عضو أسود.

بلا نجوم ولا تلفزيون ولا سجادة حمراء ولا صحافة، معطوفاً على بحث الصناعة والجمهور في الاتجاه الآخر؛ فإن الطريقة الوحيدة الممكنة أمام رابطة هوليوود للمضي قدماً هي محاولة إجراء تحسينات على كل من الجوائز والمؤسسة نفسها. وبحسب بيان أصدرته الرابطة الأسبوع الماضي، فإن الحفل "سيسلّط الضوء على العمل الخيري الذي تقوم به الرابطة منذ فترة طويلة، ويعرض مجموعة متنوعة من المستفيدين من هذا البرنامج". وجاء في البيان أنه "على مدى السنوات الـ 25 الماضية، تبرّعت الرابطة بمبلغ 50 مليون دولار إلى أكثر من 70 جمعية خيرية تعمل في مجال الترفيه وترميم الأفلام وبرامج المنح الدراسية والجهود الإنسانية. وقد تضرّر الكثير منها بشدة خلال العامين الأخيرين من الوباء".

ويمضي البيان في التأكيد على أنه خلال الأشهر الثمانية الماضية "قاموا بمراجعة لوائحهم الداخلية بالكامل، بما في ذلك مراجعات شاملة تتناول الأخلاقيات ومدونة قواعد السلوك والتنوع والإنصاف والشمول، فضلاً عن متطلبات الحوكمة والعضوية". بالإضافة إلى ذلك، نصّ البيان على أنه يجب على أولئك الذين سيحضرون الحدث إثبات حصولهم على التطعيمات وشهادة صحّية تفيد بسلبية نتائج اختباراتهم للفيروس خلال الـ 48 ساعة الماضية، فضلاً عن ارتداء الأقنعة والحفاظ على قواعد التباعد الاجتماعي خلال فترة وجودهم داخل الصالة.

محاولات الرابطة لتحسين صورتها وإعلان توبتها ربما يجدي نفعاً، لكن أقلّه ليس على المدى القريب. صحيح أن هوليوود تحبّ قصص التوبة وعودة الأبناء الضالين إلى أحضانها مقرّين بذنوبهم، لكن تتويج تلك العودة واستعادة الألق القديم لن يكون سهلاً في أوقات المدّ العالي و"الصحوة" التي تعيش أميركا على وقع مفاعيلها. بالطبع ستضمّ الرابطة أعضاء جدداً إلى تشكيلتها، بما يسمح بزيادة نسبة الأقليات ضمنها، وستعلن حظر تلقّى أعضائها أي هدايا فاخرة أو الانسياق وراء مجاملات شركات الإنتاج، لكن تبقى عودة المياه لمجاريها مرهونة بجدية تلك الإجراءات واستقبال الجمهور وأعضاء الصناعة لها.

في العام الماضي، نجحت جوائز الأوسكار في الظهور كحدث خاص صغير وحميم، مع أكثر معدلات المشاهدة بؤساً في تاريخها. في ربيع كورونا الثالث، لا أحد يريد رؤية ذلك مرة أخرى. لكن ربما، على الأقل في مستقبل ما بعد كورونا، يمكن لجوائز الأوسكار أن تتبنّى الميزة الجيدة الوحيدة حقاً في حفل غولدن غلوب: المزيد من الشمبانيا.

 

المدن الإلكترونية في

09.01.2022

 
 
 
 
 

zoom

Memoria: رحلة سورياليّة تسائل الوعي والوجود

سعيد محمد

المخرج التايلندي أبيتشاتبونغ ويرازيثاكول المتوّج بالسعفة الذهبية في «مهرجان كان» (على فيلمه «العم بونمي الذي يمكنه استحضار حيواته الماضية»/ 2010) يتمتّع عن استحقاق بمكانة الأستاذيّة في السينما المعاصرة. أفلامه السابقة التي أنتجها جميعاً بلغة بلاده وفي أجوائها، كسرت حدود المحليّة وفرضت نفسها ككلاسيكيّات عالميّة في فضاء الفن السابع. وها هو يتفوّق مجدداً على نفسه في Memoria باكورة أعماله باللّغة الإنكليزيّة (وبعض الإسبانيّة)، وأوّلها خارج جغرافيّة بلاده وبطاقم غير تايلندي، منتقلاً إلى كولومبيا، تلك الأرض الجميلة الحزينة التي أنجبت للعالم الواقعيّة السحريّة في الرواية والشعر والسينما.

في Memoria الذي طُرح أخيراً في الصالات البريطانية، يأخذنا ويرازيثاكول بهدوء وحرفيّة الساعاتي في رحلة سورياليّة ذات إيقاع متأنّ تسلب منّا البصر والسمع، مسائلاً عبرها تجربة الوعي بالوجود الإنساني ومعنى الزمن، إلى درجة أنّك تبدأ في الاقتناع بأن الماضي والحاضر، والأحياء والموتى، والواقعي والمتخيّل يتعايشون معاً على صعيد واحد.

لا يعتمد ويرازيثاكول في أوديسته على الحبكة أو النصّ أو الشخصيّات، بل على توريطنا بعمق في حركة الصورة والصوت، تماماً كما هي الحياة نفسها: صيرورة حسيّة دائمة لا تخضع لحبكة مسبقة، ولا نصّ مكتوب، ولا شخصيّات مُصْمَتة، وأشبه بخريطة وهميّة تقودنا إلى نهاية مفاجئة.

يبدأ الفيلم في منتصف اللّيل، عندما تسمع جيسيكا ضجيجاً عالياً في درجة ما بين الدوّي والاهتزاز وصفته لاحقاً لخبير صوتيات التقت به بأنه «أشبه بكرة كبيرة من الخرسانة تصطدم بجدار معدني محاط بمياه البحر»، و«دوي آت من قلب الأرض». جيسيكا (تلعب دورها باقتدار الممثلة البريطانيّة تيلدا سوينتون) عالمة نباتات انتقلت إلى كولومبيا لزيارة أختها المريضة المقيمة هناك. تكتشف سريعاً بأن لا أحد آخر يسمع ذلك الضجيج الذي تبدأ بالإشارة إليه باسم «صوتي» (مي سونيدو» باللغة الإسبانية)، إذ يبدو أنه موجود في أذنيها وحدها. وبعد أن تفشل في تحديد مصدر واضح لذلك الضجيج وتستمر في سماعه بانتظام، تبدأ بالغرق في دوامة من قلق. تسافر إلى كل ركن من أركان كولومبيا من المدينة إلى قلب الغابات (ويرازيثاكول لديه اهتمام عتيق بالتناقضات البصرية والاجتماعية والميتافيزيقية بين المدينة والريف)، وتلتقي بعدّة شخصيات ملونة سعياً لفهم ما يعنيه كل شيء أصبحت تعيشه منذ انطلق صوت ذلك الضجيج داخل رأسها. رحلة البحث تلك عبر الأماكن ومع تعدد الشخصيات تورّطها في خضمّ تساؤلات عميقة – ومزعجة في بعض الأحيان – حول طبيعة الوعي والوجود الإنسانيّين.

الضجيج الذي تسمعه جيسيكا يُثير من حولها شكوك الآخرين ودهشتهم ويدفعها إلى الشكّ بقدراتها العقليّة. فهل هي محض هلوسة سمعيّة كما تفترض الطبيبة الريفيّة التي تنصحها باللّجوء إلى يسوع كعلاج أكثر فعاليّة من حبوب الـ «كزاناكس»، أم أن بعض ما يحدث معها والشخصيات التي تقابلها غير واقعيّ ومن نسج الخيال؟ بعدما التقت بهيرنان (خوان بابلو أوريغو) خبير الصوتيات الذي يحاول أن يساعدها بالقبض على طبيعة ضجيج لا يسمعه أحد سواها عبر استعراض كتالوغ من المؤثرات الصوتية السينمائية السخيفة، يبدو لها لاحقاً عندما تعود لرؤيته مرة أخرى كأنّه وهم، وشخص غير موجود، رغم أنّها تتذكر بوضوح سعادتها عندما رافقها لشراء برّاد لإنعاش النباتات التي تربّيها. لاحقاً تلتقي رجلاً أكبر سناً، يسّمى أيضاً هيرنان (إلكين دياز) الذي يبدو كأنّه روح هيرنان خبير الصوتيات وقد تقمصّ شخصاً آخر، رغم أنّه يصرّ على أنه لم يغادر قريته قط وأنّه يتذكر كل ما حدث له من أي وقت مضى وبالتأكيد لم يلتقها من قبل. وبالمثل، على مائدة العشاء، تصدم جيسيكا شقيقتها (أغنيس بريك) وصهرها (دانيال جيمينيز كاشو) عندما قالت إنها على يقين بأنّ شخصيّة ما - كانت قد ماتت - لا تزال على قيد الحياة. وجودها بأكمله وهي تتجوّل في شوارع بوغوتا بدا وقد أصابه الانزياح قليلاً. ليس اغتراباً دولياً فحسب (إسكتلنديّة في كولومبيا)، بل شيئاً أعمق من ذلك بكثير. إنها تنجرف رويداً رويداً إلى خارج هذا العالم.

Memoria غير معنيّ بالتقلبات النفسيّة لجيسيكا كحالة سيكولوجيّة، بقدر ما هو قراءة دقيقة ومتابعة حثيثة لسيولة وعيها بالعالم من حولها منذ تعثّرت بذلك الضجيج ورافقها. لكنّها دقّة، كما عوّدنا ويرازيثاكول، تزيد من الغموض بدلاً من تبديده، وفي كلّ مرّة تحسّ بأنّك أدركت إلى أين تمضي القصّة، تجد أن حياة جيسيكا تتجه إلى مكان آخر، لا سيّما أنّه يتملكها الفضول وتستجوب - بلطف – الشخصيات العديدة التي تلتقي بها كعالمة الأنثروبولوجيا جين باليبار حول عملهم لاستكشاف إمكانياته المحتملة لمساعدتها على فهم مأزقها الشخصي، مما يدخلها في منعطفات جديدة. تخبرها مثلاً عالمة الأنثروبولوجيا عن هيكل عظمي اكتشف حديثاً لفتاة عاشت قبل ستة آلاف عام وقد وجد في جمجمتها ثقب، ربّما كان لإخراج الأرواح الشريرة التي سكنت رأسها وأقضّت ليلها.

يورّط المشاهد بعمق في حركة الصورة والصوت

نادراً ما يكون المخرج والممثل الذي يقدّم الشخصيّة الأساسيّة في الفيلم على تناغم تام وكليّ كما هما ويرازيثاكول وسوينتون في Memoria. ويرازيثاكول نفسه يعاني من متلازمة الرأس المنفجر، وهو اضطراب نوم نادر يستيقظ المصابون به من نومهم بإحساس متخيّل لسماعهم صوتاً عالياً كالانفجار. وسوينتون هنا فاتنة في قدرتها على تقديم معاناتها للحالة لا من ناحية التأزّم والذّعر، وإنما فقدان التيقن والاستقرار، كما التأثيرات الفيزيائيّة على جسدها أيضاً: الركود في كتفيها، والتردّد في حركتها، والطريقة التي تنفعل بها كلّما عاد الضجيج إلى رأسها مرة أخرى. لكنّهما – أي المخرج والممثلة - معاً في رحلتهما إلى أميركا اللاتينية وظّفا تلك المتلازمة الغريبة لاستعراض طبيعة الشعور بذلك الضجيج الذي يملأ الرأس ولا يدري به الآخرون، وانعكاساته على الروح والجسد، أكثر من التنقيب عن أسبابه. في الفصل الأخير من الفيلم عندما ينتقل بالمشاهدة إلى رمزيّة سوريالية مكثّفة، لا يكاد ينقذنا من التيه حينئذ سوى حضور شخصية جيسيكا (سوينتون) التي تظل دائماً المحور الأساس للفيلم، ونستمع للأصوات في كل الأوقات بأذنيها.

مع ذلك، ليس خطاب Memoria وعظياً. ويرازيثاكول غير معني كما يبدو بالإجابات بقدر ما يشغله ويمتعه طرح الأسئلة الفلسفيّة: فقد ولدنا، ونعيش، ونُعاني ثم نموت من دون أن ندرك لماذا، أو أين يتوقّف الماضي ويبدأ الحاضر، وفي كثير من الأحيان نفقد حتى الرغبة في معرفة كل ذلك، ونريد فقط الخلاص من ذلك الصوت المزعج في رؤوسنا.

الشركة الموزّعة للفيلم قالت بأن ويرازيثاكول اختار أن يعرض Memoria حصراً في دور السينما بدون طرحه على المنصّات الرقميّة أو كشرائط «دي. في. دي». وحتى في الولايات المتحدة حيث عرض الفيلم تجارياً للمرة الأولى مع نهاية العام الماضي، فإنه لن يتوفر في جميع دور العرض في وقت متزامن، مما يعني أن بعض المهتمين بمشاهدته قد يضطرون للانتظار عدة أسابيع أو أشهر حتى يصل إلى صالة مجاورة لهم. وهو محقّ في اشتراطه ذلك. عمله هذا فن سينمائي مترف لا يكتمل بدون مشاهدته في السينما، مع كل ما يتضمنه ذلك من مؤثرات بصريّة وصوتيّة وانقطاع عن المألوف واليوميّ، وفرصة لتخليص العيون والأذهان من وعثاء سينما هوليوود التي تطاردنا إلى بيوتنا بحكاياتها المسطّحة والمجترّة.

 

الأخبار اللبنانية في

10.01.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004