ملفات خاصة

 
 
 

«كانت يد الله»…

الفيلم الذي أنقذ باولو سورينتينو

سليمان الحقيوي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الرابعة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

في فيلمه الجديد «كانت يد الله» (2021) ينظمّ المخرج الإيطالي باولو سورينتينو (1970) لمجموعة مُخرجين عظام اختاروا تحرير جزء من ذاكرتهم عبر أفلام سيرة نجحت إلى حد كبير في الكتابة البصرية لذكرياتهم، لكن عبر رهان الإخلاص لأساليبهم المعروفة، بدأً بمعلمه الكبير فيديريكو فيليني في فيلم «أماركورد» 1973، وبِيدرو ألمادُوفار في «ألم ومجد» (2019) وألفونسو كوارون في روما (2018).. وهذه الاستعدادات جميعها جاءت بعد تجاوزهم للعقد الخامس، وكأن هناك قانون بوح يسري بعد هذا العقد، ويدفع نحو فتح ذاكرة الزمان والمكان والشخصيات. والمخرج هنا يختار العودة إلى ذكريات مراهقته، يعود إلى حدث وشم تاريخ مدينته نابولي، عندما عاشت حلم قدوم مارادونا.

لا يمكن فهم علاقة سكان مدينة نابولي بمارادونا، إلا بالذهاب هناك، حيث يعيش الجميع على ذكريات لاعب جعل تاريخ المدينة المعاصر يبدأ منذ قدومه، مارادونا أنقد نابولي؛ جعل سكانها يشعرون بأنّهم استثنائيون طيلة السنوات التي قضاها فيها، في وقت كانت المدينة تعاني من كارثة زلزال الثمانينيات، ومن الشرخ الاقتصادي الكبير بين الشمال والجنوب، قدومه أنعش اقتصاد المدينة وأنقدها من كساد كبير.

سورينتينو نفسه لم يفوّت فرصةً للتعبير عن هذا العشق، ففي خطاب فوزه بجائزة الأوسكار قال: «شكرا لمصادر إلهامي؛ فيديكو فيليني، مارتن سكورسيزي، ديغو أرماندو مارادونا شكرا لروما ولنابولي». مارادونا ساعتها ردّ عليه بكلمة عاطفية تعكس وقع الالتفاتة على قلبه، أن يذكر اسمه في أهم مسرح في أمريكا، التي حلم أن يرفع على أرضها كأس العالم، فانتهى حلمه بمؤامرة ضده. لاحقا سيظهر ماردونا في فيلمه «شباب» عندما جعله من بين شخصيات كثيرة تقطن الفندق نفسه من أجل الاستشفاء، لم يفته أن يُظهر عبقرية دييغو في مداعبة كرة تنس، النقاش كان محتدما في وسائل الإعلام حول الأفضل، مارادونا أم مواطنه ميسي، هذا الاستحضار أشار من بعيد إلى أن مارادونا بوزنه الكبير وحالته الصحية يفعل بكرة تنس ما لا يفعله اللاعبون بالكرة. سورينتينو كأي نابوليتانو، قد يترك عملا مهما كي يشاهد لقاء لفريق نابولي، كي يشاهد مارادونا يلعب. وهذا بالضبط سبب نجاته!

لذلك تتوزع القصص عن مارادونا في كل شبر من المدينة، كلّ فرد في نابولي يحمل قصّة، يستطيع من عاش حقبة مارادونا أن يخبرك بالتفصيل عن توقيت كلّ هدف من أهدافه الـ115، وتمريراته، والمكان الذي وجد به وكيفه احتفاله. وقصّة سورينتينو من بين قصص كثيرة، لكنها قد تكون الأعمق، لأنها ارتبطت بحلم خلقته كارثة، فعندما اشترت عائلته شاليها صغيرا في منتجع روكاراسو، الذي يبعد ساعتين عن نابولي، وبينما كان والداه يقضيان نهاية الأسبوع هناك يفارقان الحياة بسبب تسرب الغاز لتنتهي أمسيتهما الدافئة بكارثة، كان فابيتو يشاهد مباراة لفريق نابولي، كان يشاهد مارادونا… ولولا هذا الحدث للقي فابيتو المصير نفسه، لو لم ينتقل لمشاهدة الفريق وبإصرار منه أيضا، هذا الحدث جعل أحد أفراد عائلته «العم ألفريدو» يربطه مباشرة بعناية مارادونا كانت يد الله، قال.

لماذا لم تتواجد في روكاراسو أنت تحب التزلّج؟

نابولي كان يلعب، كان عليّ أن أشاهد مارادونا

لقد كان هو.. من أنقدك.. لقد كانت يد الله، الجملة الأخيرة قالها ألفريدو وهو يقبّل جبين فابيتو مثل قدّيس، وهي الجملة التي ارتبطت بوصف مارادونا لهدفه على منتخب إنكلترا، القليل من رأس مارادونا والقليل من يد الله.

دون هذا الحدث المؤلم لما وجد فابيتو طريقه نحو صناعة الأفلام، فاهتمامه بالسينما لم يكن يتعدى تكرار مشاهدة فيلم «حدث ذات يوم في أمريكا» بينما كان هيامه بجسد الخالة باتريشيا، يغنيه عن التفكير بالجنس، فجأة بعد صدمة الوفاة أصبح التفكير في المستقبل جديا، وبتوجيه من الناقد (الواقعي) أنطونيو كابوانو تلمّس طريقه نحو السينما. في أحد أجمل مشاهد الفيلم، يقحمنا المخرج في حوار مسرحي، بين فابيتو وكابوانو داخل بناية مهجورة مطلّة على خليج نابولي، يلخص كابوانو السينما في الألم والجرأة، يصمت الشاب كثيرا أمام توجيهات كابوانو، لكنه صرخ في النهاية بأن حكايته بدأت عندما منعوه من توديع والديه بعد وفاتهما. كابوانو أيضا يمقت من يذهبون إلى روما لصناعة الأفلام، يقول له هنا توجد مئات القصص. ولعل الكثير من منجز سورينتينو يسير في ظل هذه الوصايا، فأفلامه فيها من الجرأة الكثير وكلها تعتصر الألم، وها هو يعود إلى نابولي ليصنع فيلما جميلا.

يبدأ الفيلم بلقطة طويلة، لخليج نابولي، يستمر الاقتراب من المدينة ثم تصاحب الكاميرا سيارة عتيقة، من هذه الزاوية تبدو نابولي ساحرة…إنه احتضان المخرج لمدينته، لا ينسى في هذه اللقطة الأثيرة أن تلتفت الكاميرا إلى المكان الذي سيحتضن نقاشه المهم مع كابوانو حول السينما. وفي المشهد الموالي سيعود إلى السيارة العتيقة التي ستتوقّف عند طابور أغلبه نساء ينتظرن الحافلة، أجملهن الخالة باتريشيا، ولأن المخرج يحب أن يقحم النساء في مآزق كبيرة في أفلامه، فقد عرض صاحب السيارة، الذي ادعى أنه القديس جينارو على الخالة باتريشيا توصيلها، وفي الطريق سيساعدها كي تنجب طفلا، وهو الاقتراح الذي لم تقاومه، المشهد الموالي الذي يختلط فيه الخيال بالواقع، يخلق منه الفيلم لحظة جمال فريدة، وأيضا نقدا لاذعا لسيطرة المعتقدات الدينية الفولكلورية على ذهنية السكان في تلك الفترة.

فيلمه/السيريُّ مليء بالحنين والعلاقة مع المكان والزمان والكثير من العزلة مثل باقي أفلامه، دائما هناك فائض من العزلة تكافح الشخصيات لتصريفه في لقاءات واجتماعات وحوارات، لكن الشخصية هنا لم تختبر الحياة بعد، ولم تتشكل رؤيتها للعالم. يكتفي فابيتو بارتداء جهاز الاستماع للموسيقى أينما وجد، هذا كاف لتفسير حجم العزلة التي يعيشها، بينما تعيش باقي شخصيات الفيلم عزلتها، وعندما تلتقي تؤثر الثرثرة والذهاب في الحوارات إلى آخرها، والفيلم هنا ليس حالة متفردة، بل هو أسلوب يحرص عليه سورينتينو، الثرثرة حول كل المواضيع وحس الدعابة والحفاظ على رابط الأسرة، رغم انكسار بعض العلاقات، فالاجتماعات وقضاء العطل عادات لا يمكن تفويتها. وخوض حوارات حول الهوية والثقافة والجنس… ودائما هناك شيوعي من بين الشخصيات. يختار المخرج أيضا توني سيرفيلو، أعظم وجوه السينما الإيطالية اليوم، تتغير أدواره في أفلام سورينتينو، لكنه يجد لحظات العظمة دائما، مفاتيح شخصياته تنطلق من فهمه العميق للحياة الإيطالية وتغيراتها، أمّا الشاب فيليبو سكوتي فقد وجد على يد توجيهات سورينتينو الطريق نحو عمق شخصية تعيش زمنا خاص، شخصية لم تكن تفكّر في شيء، وفجأة دفعتها الظروف للتفكير بإلحاح في أمور تفوق عمرها.

في الفيلم، ذكريات وعرفان وتكريم لمشاعر، أمكنة وأزمنة، هو الفيلم الأكثر حميمية بالنسبة للمخرج، هنا أيضا يوجّه تحية كبيرة لفيديركو فيليني وتحديدا لفيلم «أماركورد» 1973، بعدما وجّه تحية له في «الجمال العظيم» (2013) لكلّ السينما الإيطالية التي يعتبر أحد أهم أسمائها، لكن هذه التقاطعات تحمل معنى التجديد دائما ومحاولة التعبير البصري الأمثل عن الواقع، كاستمرار أبدي للواقعية الإيطالية على يد مخرج بارع، أفلامه تمثل يقظة الفيلم الأوروبي وقلقه وحيرته، تفصح أيضا عن الورطة التي يعيشها الفرد الإيطالي؛ هو مثل كوانتين تارنتينو لا يخشى أن يشار إلى أفلامه على أنها ضد المرأة، أو أن يحرص في كل فيلم على الاحتفاء بالجسد وتحريره.

كاتب وناقد سينمائي مغربي

 

القدس العربي اللندنية في

04.01.2022

 
 
 
 
 

فيلم "سبنسر": مأساة ليدي ديانا مرة أخرى على الشاشة

لبنى صويلح

يخبرنا فيلم "سبنسر" (2021) في عنوانه الافتتاحي أننا بصدد مشاهدة "حكاية تستند إلى مأساة حقيقية"، وبهذا يتجنب الفيلم أية انتقادات حول المصداقية التاريخية للأحداث الواردة خلاله. فالفيلم ليس توثيقاً لحياة ليدي ديانا (1961-1997) المعروفة للجميع، بل هو مبني على الكثير من الخيال المستند إلى سيرتها. في "سبنسر" لا يحيد المخرج التشيلي بابلو لارين عن أسلوبه في اختيار فترة معينة مفصلية في حياة شخصية تاريخية عوضاً عن رواية سيرة ذاتية كاملة؛ كما فعل مسبقاً في فيلم "جاكي" (2016) الذي يرصد حياة جاكلين كينيدي في الأيام التالية لاغتيال زوجها رئيس الولايات المتحدة جون إف. كينيدي، وفي "نيرودا" (2016) حيث نتابع حكاية هروب الشاعر بابلو نيرودا خلال فترة استلام الرئيس غابرييل غونزاليس فيديلا السلطة في تشيلي.

يأخذنا لارين إلى قصر ساندرينغهام في نورفولك (إنكلترا) خلال احتفالات العائلة المالكة بعيد الميلاد (1991) وهو الوقت الذي بدأ فيه زواج ليدي ديانا (كريستن ستيوارت) والأمير تشارلز (جاك فارثينغ) بالانهيار علناً. ديانا ذات الروح الحرة سجينة هنا؛ مراقبة دوماً، لا تمتلك أدنى خصوصية، أسيرة لقوانين مرهقة وطقوس غريبة مع فرصة ضئيلة للغاية في التحرر من سلطة القصر والحيز الجغرافي الضيق المسموح لها بالتحرك ضمنه.

لا يقارب الفيلم قصص الأميرات التقليدية، فالأميرة هنا تحلم بالانعتاق من القيود الملكية الصارمة والعيش بحرية كما عامة الشعب. الليدي ديانا التي تستمد فرادتها من تمسكها بهويتها الخاصة، رغم كونها حبيسة نظام يطالبها بالطاعة الصامتة، تائهة، مجبرة على أداء دور لا يشبهها، منعزلة، ووحيدة، يحكمها الماضي دون أي أمل بالمستقبل. لا يركز النص الذي كتبه ستيفن نايت على أفراد العائلة المالكة. ولكن، ومن خلال مشاهد قليلة للملكة والأمير تشارلز والخدم الذين يتحركون كأجهزة تنصت ومراقبة، يتمكن من إيصال الطابع الجليدي المخيم على القصر. وهو يفترض ضمناً أن جمهور ديانا على دراية تامة بتفاصيل حياتها التي قدمت مراراً في الأفلام والمسلسلات، لذا يبدو أن لارين أراد في الفيلم تصوير العالم بعدسة أميرة ويلز محاولاً تخمين ما حدث خلف أسوار القلعة خلال ثلاثة أيام مصيرية من حياتها.

من خلال هذا التكثيف الزمني يتوغل الفيلم في متاهات عقل ديانا وهي في ذروة انهيارها النفسي؛ يتعمق داخل ندوبها العاطفية وهلاوسها وما تختلقه مخيلتها. تتبعها الكاميرا وراء الأبواب المغلقة وهي تستسلم للشره المرضي ونوبات الاكتئاب وإيذاء النفس. أيضاً، تغوص ديانا في أوهام كابوسية تبلغ ذروتها حين تتخيل تمزيق عقدها المصنوع من اللؤلؤ الملتف حول رقبتها، العقد الذي أهدى تشارلز مثيله إلى "المرأة الأخرىالتي يتجاهل الفيلم تسميتها، والتي تلوح في مشهد من بعيد ولكن آثارها في دمار ديانا حاضرة طوال الفيلم.

شبح آن بولين، الزوجة الثانية للملك هنري الثامن التي ماتت مقطوعة الرأس بعد اتهامها زوراً بالزنا، يطارد ديانا طوال الفيلم، كنذير واضح للموت، في نص مليء بالاستعارات التي تنذر بمصير الأميرة المشؤوم. في حين تحضر الذكريات المشرقة لطفولتها بوتيرة متزايدة مع تقدم الفيلم، تذكير محزن ببراءتها المفتقدة وتوقها المستمر إلى تحطيم السلاسل الملكية واستعادة حريتها المسلوبة لتعود إلى هويتها الحقيقية "سبنسر"، اسمها قبل الزواج والألقاب، والذي استمد منه لارين عنوان فيلمه.

كريستن ستيوارت التي كانت خياراً غير متوقع من المخرج، استناداً إلى عدم تشابهها الشكلي مع ديانا وإلى أسلوبها المعتاد في الأداء، تتبنى نهجاً مختلفاً في تقمص ديانا؛ لا يعتمد على بناء صورة مطابقة عنها، بل على استحضار روحها الهشة وعكس عالمها الداخلي في إيماءات جسدها والألم الحاضر في عينيها. يقدم لارين دراما نفسية قاتمة، بألوان ضبابية باهتة، وكاميرا تلاحق ديانا داخل ردهات ومساحات على وشك أن تبتلعها، وتبقى ثابتة لتصوير محيط جامد لا يتحرك. مع ظلال الرعب المخيم على قصر ساندرينغهام، بممراته الطويلة وأدراجه اللولبية التي تستحضر عذاب ديانا النفسي، وضمن القصر الريفي الذي يشبه سجناً ذهبياً، تنساب الكاميرا بين الواقع والخيال، على وقع موسيقى جوني غرينوود التي تجمع بين الباروك والجاز الحر، وتتصاعد بإيقاعات متنافرة ومخيفة، لتشكل حاملاً أساسياً للقصة وجزءاً أصيلاً من تداعيات الحالة الذهنية لديانا وانهياراتها التي يتداخل فيها الحقيقي مع المتخيل.

الفيلم رثاء حميمي وشاعري لأميرة غير تقليدية، بل امرأة من لحم ودم، خاضت معركة مضنية ضد سلطة خانقة لاستعادة حريتها وترك إرثها الخاص، ودفعت ثمناً باهظاً لذلك. لذا لا يمكن اعتبار أن بابلو لارين خرج عن السياق السياسي لأفلامه في "سبنسر"، بل ظل مخلصاً لتعاطفه مع الإنسان الحر ضد السلطة. لذا اختار أن ينهي فيلمه بانتصار متخيل لديانا وحقها في العيش كما تحب، بما يوحي بأمنيات لنهاية سعيدة لم تتحقق في الواقع.

 

العربي الجديد اللندنية في

04.01.2022

 
 
 
 
 

"بلفاست": سيرةٌ سينمائية بليغة تُودِّع طفولةً

قيس قاسم

في مشهد واسع، مُصوَّر من علوّ، يظهر ميناء المدينة الأيرلندية بلفاست بألوانٍ قوية. منه، تنتقل الكاميرا (هاريس زمْبَرلوكُس) سريعاً (قطع حاد) إلى مشهد آخر بالأسود والأبيض، يظهر فيه حيّ عمّالي، يضجّ بحركة الأولاد، ويتبادل سكّانه التحايا بالأسماء، كأنّهم جميعاً يعرفون بعضهم بعضاً جيداً.

الفاصل الزمني بين المشهدين ـ الملوّن القصير، والأسود والأبيض، طول مدّة الفيلم (97 دقيقة) ـ يقارب نصف قرن، عقودٌ منه شهدت حرباً أهلية قاسية، عاش الأيرلندي كينيث براناه (1960) بعض طفولته فيها. ذكرياته وحنينه إلى المدينة، التي غادرها مُكرهاً، يكتب عنها فيلماً (سيناريو وإخراج)، يستذكر فيه تلك اللحظات القصيرة الحلوة من عمره، يوم كان لاهياً عن مشاغل العالم، ومنشغلاً بتفاصيل صغيرة، ظلّت عالقة في ذهنه حتّى بعد أنْ كَبر وصار سينمائياً، يكتب سيرته في فيلمٍ بعنوان "بلفاست" (2021)، من منظور الطفل الذي كانه عام 1969.

بعيني الطفل بادي (جود هيْل)، تُكتب سيرة المدينة لحظة اندلاع الحرب الأهلية بين البروتستانت والكاثوليك. عام 1969، لم يفهم الطفل (9 أعوام حينها)، المحبوب والثرثار وصديق الجميع، ما الذي يحدث للشارع الذي يلهو فيه. خياله يسبق واقعه. يحارب ـ بترسٍ معدني (غطاء برميل القمامة) وسيف خشبي ـ خصومه، ويتخيّل قبل نومه رحلته إلى القمر. عند جدّيه (جودي دانش وكيرن هايندز)، يُعيد سرد أحداث يومه المشحون دائماً بانفعالات مبهجة، أكثرها التباساً علاقته بجارته وزميلة صفّه، المنشغلة عنه بطالبٍ آخر، ومع ذلك يُحبّها ويريد الزواج منها حين يكبر.

عالم الطفل بادي مُفرح وعفوي. الانشغال به يحيل السيرة الذاتية إلى مرتع بصري حلو. الأذى اللاحق ببطلها، جرّاء الصراع، يُضفي بشاعة على الحرب، ويثير في النفس كراهية لها، لأنّها أفسدت عالمه المُتخيّل، وخرّبت حياةً كان لها أنْ تمضي بالإيقاع السهل نفسه، المنقول إلى الشاشة باشتغالٍ سينمائي متماسك، مشفوع بالتفاصيل التاريخية الدقيقة.

بشاعة الحروب الأهلية تتأتّى، قبل كلّ شيءٍ، من مباغتتها للجميع. تأتي فجأة، وتعمّ. تغدو لحظة اندلاعها واقعاً يترسّخ منذ زمن بعيد، ولا مفرّ منها. المبتعدون عنها لا يمكنهم المكوث فيها. عليهم الرحيل، أو الموت بين طرفيها. هذا مُجسّد ببراعة في السيرة السينمائية، وفي الشخصيات المكتوبة بشغف. حنينه إلى عائلته، وإلى الشارع الذي نشأ فيه، طاغٍ. يؤجّل البحث في أسباب ما جرى، من دون نسيانه. يترك للنص وظيفة النقل التاريخي للوقائع، وللممثلين البارعين تأدية الشخصيات المجبولة بخيال طفل، يؤجِّل ـ كما تؤجّل السينما المبتهج بمشاهدتها بصحبة عائلته ـ الإحساس التراجيدي بمصائرها. ألوان أفلامها تكسر رتابة لونين (الأسود والأبيض) يخيّمان على مدينةٍ، يُعدّ لها خرابٌ فظيع.

في العام الشاهد على اندلاع الحرب، يدخل شبابٌ بروتستانتيّون فجأة إلى الحي المختلط بالمذاهب، ويعيثون فيه خراباً. يطالبون سكّانه بطرد جيرانهم الكاثوليك منه، بوصفهم أعداءً لهم وغرباء عليه. العائلة ـ المتخلّصة من بغضاء المذهبية ـ ترى في الحاصل عبثاً يُثقل كاهل حياتها. مخاوفها الحقيقية تتأتّى من دائرة الضرائب، التي تطارد المداخيل البسيطة التي يحصل عليها الأب (جايمي دورنان) من عمله في البناء خارج بلفاست. فكرة الرحيل تلازم معايشي الحروب. الزوجة (كاترينا بالف) تعاند مسارها المؤلم. ترفض الانتقال إلى لندن، كولديها (لويس مكاسكي، يؤدّي دور الشقيق الأكبر).

المنادون للحرب في "بلفاست" رجال دين متعصّبون وشبان طائشون، بينهم رجال عصابات ولصوص. وسط الخراب المنتظر، لا يغادر المرح النصّ، المشحون بسخرية وفكاهة تحيلان المُنجز السينمائي إلى مساحة عرض، اختلطت وتداخلت أشياء كثيرة فيها، كالحياة نفسها. لهذا، لم يغب المرح عنها. الحوارات مكتوبة بلغة سلسة، تستعير من الموروث السردي الأيرلندي الكثير، كما الموسيقى (فان موريسن) التي تنقل الإحساس الطاغي بالأغنية المتجدّدة أواخر ستينيات القرن الـ20، يوم كان العالم يشهد انقلابات ثورية في الفن والسياسة. اندلاع الصراع المسلّح يدفع الأب إلى التفكير بالرحيل إلى لندن أولاً، وإلى أقصى العالم لاحقاً.

جملةٌ تقولها صديقة الأم، في لحظة مسامرة وتبادل هواجس من قادمين إلى حيّهم، تخلط الجدّ بالهزل: "نعم. يولد الأيرلنديون ليرحلوا. لولاهم، لما ظهرت الحانات الأيرلندية في كلّ مكان في العالم". سطوة الكلمة طاغية، كقوّة التصوير، المتعفّفة عن الألوان، والمستعينة بموسيقى رائعة، تنقلُ إيقاعاتها المتوترة إحساساً بزمن بعيد، ومدينة أُجبر طفلٌ على مغادرتها، وبقوّة السينما عاد إليها ثانيةً.

 

####

 

"غولدن غلوب" 2022: لا نجوم وجمهور وإعلام

لوس أنجليس/ العربي الجديد

سيقام حفل "غولدن غلوب" من دون جمهور أو وسائل إعلام مساء الأحد بالتوقيت المحلي (فجر الاثنين بتوقيت غرينتش)، وسط موجة انتقادات ومقاطعة تواجهه منذ شهور، بعد اتهام "رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود" التي تشرف عليه بالعنصرية والتمييز والفساد.

سيُعلن عن الفائزين من بيفرلي هيلز، في إطار برنامج من المقرر أن يسلط الضوء على "العمل الخيري الراسخ" لـ"رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود" التي أصدرت بياناً الخميس أشارت فيه إلى أنها "على مدى السنوات الـ25 الماضية، تبرعت بـ50 مليون دولار أميركي، لأكثر من 70 جمعية خيرية مرتبطة بالترفيه وترميم الأفلام وبرامج المنح الدراسية والجهود الإنسانية".

وأفادت الرابطة بأنه لن يكون هناك جمهور حاضر في حفل توزيع جوائز "غولدن غلوب" التاسع والسبعين، مشيرة إلى مخاوف صحية بسبب جائحة "كوفيد-19" والمتحور "أوميكرون" سريع الانتشار.

واجهت "رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود" التي تُعتبَر أيضاً لجنة تحكيم الجوائز اتهامات في الأشهر الأخيرة بالعنصرية والتمييز على أساس الجنس والفساد. وأعلن عدد من النجوم والاستوديوهات الكبيرة، مثل "وارنر براذرز" و"نتفليكس" و"أمازون"، أنهم لن يتعاونوا بعد اليوم مع الرابطة ما لم تنفذ تغييرات "كبيرة". كما أعلنت قنوات "أن بي سي" عزمها التوقف عن نقلها.

وتشكل جوائز "غولدن غلوب" عادة إشارة الانطلاق لموسم الجوائز السينمائية في هوليوود، وتعتبر بأهمية جوائز الـ"أوسكار"، لكنّ مستقبلها يبدو على المحكّ في الوقت الراهن. إذ وجه أكثر من مائة وكيل، في مارس/آذار الماضي، رسالة إلى "رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود"، طالبوها فيها بوضع حد "للسلوك التمييزي وغير المهني والتقصير الأخلاقي والاتهامات بالفساد".

وسارعت الرابطة في مواجهة هذه الضجة إلى اعتماد سلسلة من الإصلاحات، من بينها ضم أعضاء جدد إليها لتحسين تمثيل الأقليات فيها. إلّا أنّ إصلاحات الرابطة قوبلت بالتشكيك أكثر مما أثارت الثناء، فالنجمان مارك روفالو وسكارليت جوهانسون اعتبرا علناً أنها غير كافية، بينما أعاد توم كروز إلى الرابطة جوائز "غولدن غلوب" الثلاث التي فاز بها تعبيراً عن احتجاجه.

وغالباً ما اتهمت جوائز "غولدن غلوب" في الماضي بإهمال اختيار الممثلين والمخرجين غير البيض رغم كون عدد منهم شارك في أعمال بارزة. ومع أن البرامج الصباحية لمحطات التلفزيون الأميركية الكبرى درجت على عرض ترشيحات "غولدن غلوب"، اقتصر الأمر هذه السنة على نقلها عبر قناتها على "يوتيوب" وسط لامبالاة لافتة.

وقائمة الترشيحات لهذه الدورة التي أُعلنت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تصدرها فيلم "بلفاست" المستوحى من الطفولة الأيرلندية الشمالية لكينيث براناه، والـ"وِسترن" السوداوي "باور أوف ذا دوغ" للنيوزيلندية جين كامبيون، إذ حصل كلّ منهما على سبعة ترشيحات. وشملت أبرز الترشيحات ضمن فئة أفضل فيلم درامي الرئيسية فيلم "كودا" الأميركي المقتبس من الفيلم الفرنسي "لا فامي بيلييه"، وأوبرا الفضاء "ديون" لدوني فيلنوف، و"كينغ ريتشارد" الذي يؤدي فيه ويل سميث دور والد بطلتي كرة المضرب الشقيقتين سيرينا وفينوس ويليامز ومدربهما. أما صيغة ستيفن سبيلبيرغ الجديدة لفيلم "وِست سايد ستوري" فتسعى إلى جائزة أفضل فيلم كوميدي، سواء أكان غنائياً أو عادياً.

أما على الصعيد التلفزيوني، فبدا مسلسل "ساكسيشن" الأوفر حظاً، إذ حصل على خمسة ترشيحات.

وضمت لائحة المرشحين لأفضل ممثل في فيلم درامي هذه السنة ثلاثة من السود، هم ويل سميث ودينزل واشنطن عن "ذا تراجيدي أوف ماكبث" وماهرشالا علي عن فيلم خيال علمي ذي موازنة محدودة هو "سوان سونغ". ورشح الفرنسي عمر سي أيضاً ضمن فئة أفضل ممثل عن مسلسل "لوبين".

أما المخرجات اللواتي لم يكن لهنّ حضور بارز في "غولدن غلوب" سابقاً، فأدرجت منهنّ في قائمة الترشيحات لسنة 2022 كل من كامبيون وماغي جيلينهال.

 

العربي الجديد اللندنية في

05.01.2022

 
 
 
 
 

ستريمينغ

Don’t Look Up: أزمة المناخ في ماكينة هوليوود

سعيد محمد

يبني المخرج الأميركي آدم ماكاي فيلمه الجديد «لا تنظر إلى الأعلى» (نتفليكس) على أساس متلازمة كاساندرا (الأسطورة الإغريقيّة عن الحسناء التي منحها الإله أبولو القدرة على التنبّؤ بالمستقبل، قبل أن يلعنها إلى الأبد بأن لا يصدّق أحد من البشر نبوءاتها) كمحاولة مسيّسة ليبراليّة النزعة لنقد تعامل النظام الأميركي بنسخته الترامبيّة اليمينية مع أزمة المناخ المتعاظمة. كيت ديبياسكي، كاساندرا الأميركية ذات الشعر الأحمر والحلقة في الأنف (جينيفر لورانس) تلميذة دكتوراه في علوم الفلك، تلتقط صوراً عبر تليسكوب فضائي لما يبدو أنّه مذنّب ضخم يتجه حثيثاً للارتطام بالأرض والقضاء على الحياة فيها. لكن مع رئيسها في العمل البروفيسور راندال ميندي (ليوناردو دي كابريو)، سرعان ما يصابان بالإحباط عندما يجدان أن لا أحد يشاركهما القلق إزاء المذنّب «قاتل الكوكب»: لا الإعلاميّين البلاستيكيين على البرنامج التلفزيوني اليومي (على نسق «صباح الخير يا أميركا»)، ولا الصحافة المعنيّة بأعداد القرّاء (نسخة محورة من «نيويورك تايمز»)، ولا البيت الأبيض بقيادة الرئيسة الترامبية (ميريل ستريب)، وبالتأكيد ليس الشعب الأميركي الغارق حتى أذنيه في التفاهات.

ورغم أن استعارة رمز المذنّب (الحدث الطبيعي المحض) للحديث عن أزمة المناخ ــــ التي هي بالضرورة نتاج تراكمي للرأسمالية حيث النظام الأميركي في قلبها ويهملها الفيلم تماماً ـــ غير موفق بالنّظر إلى تمركز الحدث الفلكي في نقطة معينة من الزمان والمكان (ستة أشهر وفق الفيلم)، مقابل مسألة المناخ التي تأخذ عقوداً طويلة قبل لمس الدمار الذي ستجلبه للكوكب، فإن ماكاي يعدنا من حيث المبدأ بمعالجة جانبين مهمّين: حقيقة وجود أزمة تهدّد الوجود الإنساني برمّته، والمأساة التاريخية للنخب الحاكمة في عجزها المتكرّر منذ الحضارات الأولى عن التصرّف لمصلحة الأكثريّة ولو كان وجودها نفسه، كنخبة، مهدّداً بالزوال (أنظر كتاب جوزيف تينتر المرجعي «سقوط المجتمعات المعقدّة» The Collapse of Complex Societies). لكن مقاربة ماكاي للأزمة ولسلوك النخبة، في «لا تنظر إلى الأعلى» جاءت مجلّلة بكل التسطيح الهوليوودي المتوقّع: في ضعف الفكرة النظرية حول طبيعة الأزمة (المناخيّة)، وسخافة الهجاء السياسي للنظام الأميركي، وفي تلك الفوقيّة المنفّرة – وهي لازمة لثقافة النخبة الأميركية – تجاه الكتل الشعبيّة.

أقلّ قراءة حول أزمة المناخ مهما اختلف مرجعها الأيديولوجي، تُشير بشكل أو آخر إلى دور الدول الرأسماليّة الكبرى المركزي في التسبّب بالانبعاثات الكربونيّة والتدمير الممنهج لبيئة الكوكب (بحسب التقديرات 70 في المئة من الانبعاثات يتسبّب بها أقل من 20 في المئة من سكان الكوكب بما في ذلك ما يقرب من 7 في المئة تطلقها العمليّات اليومية للجيش الأميركي أي أكثر مما تطلقه الهند بسكانها الـ 1.4 مليار). ماكاي يهمل ذلك بالمطلق، ويريدنا أن ننظر إلى الأعلى، بعيداً عن واشنطن، إلى السماء حيث أزمة مفتعلة لم يتسبّب بها أحد من الرأسماليّين القتلة ستداهمنا كالقدر المحتّم.

ضعف الفكرة النظرية، وسخافة الهجاء السياسي للنظام الأميركي، وفوقية تجاه الكتل الشعبية

ماكاي، الذي يصطفّ سياسياً مع الجناح الليبرالي في نخبة واشنطن (الأقرب للحزب الديموقراطي) في مواجهة الجناح اليمين المحافظ (الحزب الجمهوري)، اختار أيضاً أن يوظّف الهجاء السياسي في الفيلم ضدّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تحديداً، كأنّ المتسبب بالأزمة سوء الإدارة الجمهوريّة وشعبويّة الرئيس وطاقمه، لا نخبة واشنطن الإمبراطوريّة بكليتها، لا فرق بين ديموقراطي أو جمهوري، وسلوكها الإمبريالي عبر تعاقب الإدارات منذ وطئت قدما اللّعين كولومبوس أرض العالم «الجديد».

وحتى لو وضعنا الجانب النظري لفكرة الفيلم جانباً، فإن صيغة التعامل الموغلة بالفوقيّة والاستعلاء تجاه الكتلة الهلاميّة المسماة الشعب الأميركي في «لا تنظر إلى الأعلى» بدت شديدة المباشرة ومحمّلة باحتقار، ليس غريباً بالطبع في نظرة النخبة الأميركية البيضاء للآخرين سواء في الولايات المتحدة أو خارجها. فالجمهور المحليّ وفق ماكاي قطعان من البشر الهائمين الذين يسهل التلاعب بهم عبر الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي، ويسقطون في الثنائيّات المختلقة (أنظر للأعلى، لا تنظر للأعلى)، ويؤمنون بالخزعبلات الدينية والشعارات السياسيّة. وعندما يثورون، يمارسون فوضى عبثيّة ضد بعضهم أقصاها تحطيم زجاج (المقاهي أو المصارف). أما بقيّة الكوكب (روسيا والصين والهند تحديداً)، فتفشل قبل أن تبدأ بالتعامل مع المُذَنّب (لا يذكر الأوروبيّين كجزء من هذا الفشل بوصفهم بيضاً مثلنا نحن الأميركيين). والخلاصة أنّ أمل البشريّة الوحيد وخلاصها يظلّ رهن نجاح النظام الأميركي حصراً في إدارة الأزمة، وإلا فالكارثة.

خطيئة ماكاي التي لن تغتفر في «لا تنظر إلى الأعلى» حتى بالنسبة للجمهور غير المعني بالخلفية النظرية للفيلم، كانت سماجة السخرية المستخدمة والمحاولات المتكررة للإضحاك بشكل مفتعل ومزعج، إلى درجة أن عديدين سيصل بهم الحال بعد مرور نصف الفيلم لتمنّي سقوط المذنّب كي تنتهي هذه المهزلة. وبدلاً من أن يسهم حشد النجوم الكبار الذين استدعاهم مكاي في دعم الفيلم، أصبحوا عبئاً عليه بسبب السيناريو المتشنّج، وضحالة الطرح وافتعال انتقالات الكاميرا معاً.

النّقاد متفقون في غالبهم على أن «لا تنظر إلى الأعلى» سيحتل في سيرة ماكاي الفنيّة مكانة أسوأ أعماله على الإطلاق، أقلّه حتى الآن (أخرج The Big Short عام 2015 و Vice عام 2018). إنّه عمل ينتمي باقتدار إلى نوع من منتجات ثقافة النخبة الأميركية (سينما وكتب وأغان...) التي تعدّ لاستهلاك الكتل الشعبية بوصفها قطعاناً من السذّج والحمقى المحتاجة لتبسيط الأمور المعقدة كي تصلها الفكرة (على نسق أغنية البوب التي يلجأ إليها العلماء المحبطون في الفيلم لتحذير الجمهور من خطر المذنّب أو سلسلة كتب «...للحمقى» المعروفة) رغم أنّه نفسه يتناول بالسخرية جوانب من الحماقات الأميركية.

ليس التهديد للبشرية آتياً من الفضاء الخارجي، وأزمتها ليست إيلون ماسك أو دونالد ترامب كأشخاص. وسواء نظرنا إلى الأعلى أو لم ننظر، كما انقسم الأميركيون وفق آدم ماكاي، فإنّنا نبحث عن المشكلة والحلّ في المكان الخطأ. فلننظر أمامنا: إنها نخبة واشنطن، القاتلة، وإنقاذ البشرية والكوكب يمرّ اجبارياً بإسقاطها... حتى اسألوا جوليان أسانج.

Don’t Look Up

على نتفليكس

 

الأخبار اللبنانية في

05.01.2022

 
 
 
 
 

فيلم "Encanto" .. كيف أصبحت أميرة ديزني الجديدة فتاة عادية تضع نظارات رؤية كبيرة؟!

إيهاب التركي

في فيلم "ديزني" الأخير Encanto نرى أميرة ديزني تضع نظارات رؤية كبيرة! حقاً؟!

تغيرت "ديزني" كثيراً خلال العقود الأخيرة، وتغيرت ملامح حواديتها وأميراتها عن الأميرات مثل "سندريللا" و"سنو وايت" و"الجمال النائم"، وهذا التغير إرتبط كثيراً بالتغيرات الإجتماعية والثقافية المُتسارعة خلال العقود الأخيرة، وفيلم Encanto يتجاوز الكثير من الملامح النمطية لأميرات ديزني الكلاسيكيات، ومهما كان الإختلاف على هذه التغييرات، لكن الفيلم حافظ على سحر الحدوتة السينمائية وجاذبيتها، وقدم المخرجان "جاريد بوش" و"بايرون هاوارد" فيلماً من أهم أفلام الأنيميشن التي قدمتها "ديزني" خلال السنوات الأخيرة، والذي سينافس بلاشك فيلم "ديزني" الرائع أيضاً Luca على أوسكار الأنيميشن القادم، وإن كنت أرى Encanto الأقرب للحصول على الجائزة.

سحر العائلة وبؤس البطة السوداء!

تستند حواديت ديزني إلى أرض الواقع مهما شطح خيالها، وفي أغلب أفلام أميرات ديزني نجد الجمال والسحر هما أساس شخصية بطلة الحكاية، والجمال الشكلي يضع سندريللا وسنو وايت وغيرهن من البطلات في موقع خاص؛ فالأميرة هى الأجمل، وهى المحسودة، وهى التي يسعى خلفها الأمير، حتى لو كانت أصولها متواضعة إجتماعياً؛ فالجمال في حكايات ديزني هو ثروة البطلة الحقيقية؛ فلم تكن سندريللا غنية ولم تكن أميرة تعيش في قصر، ولكن جمالها أوصلها إلى القصر، وأغلب أميرات ديزني الكلاسيكيات لا تمتلكن مواهب خاصة أو خارقة، إنهن فقط جميلات ومُحبات للغير والخير، وهن أيضاً جميلات بمعايير نموذج جمال الفتاة الأوربية البيضاء الشقراء ذات العيون الملونة.

هذه المباديء التي وضعها "والت ديزني" في أفلامه الخالدة تغيرت بمرور الوقت، وبدأت تظهر أميرات من أعراق مختلفة، ولم يكن الأمر هدماً لصورة الأميرة كما رسمها ديزني بشكل تام؛ فرغم أن "ياسمين" عربية، و"مولان" صينية، و"بوكاهونتاس" من السكان الأصليين لأمريكا، وملامحهن بعيدة عن مقاييس الجمال الأوروبي، لكن تم رسمهن بملامح جميلة وجذابة، تُعبر عن جمال بيئتهن وأصولهن العرقية المُختلفة، ولكن "ميرابل" في فيلم Encanto أقرب للبطة السوداء المنبوذة بمقاييس عائلتها نفسها.

الأميرة ذات النظارات الكبيرة!

شخصية البطلة "ميرابل" في فيلم Encanto مختلفة بشكل ملحوظ عن ملامح أميرات ديزني التي شاهدناهن في الأفلام السابقة؛ فهى ليست فتاة شديدة الجمال، وتضع نظارات كبيرة لتحسين البصر، ورغم أن والدتها لديها موهبة علاج أى مرض بواسطة مأكولاتها السحرية الشهية، لكنها لم تُعالج ضعف بصر إبنتها، وغالباً المقصود هو إبراز هذه التغيير الجذري في ملامح أميرة "ديزني"، وهو أمر يُضاف إلى الكثير من العناصر التي تجعلها منبوذة.

"ميرابل" حفيدة رجل وأمرأة فرا ليلاً من قريتهم بصحبة بصحبة أبنائهم الثلاثة؛ بسبب نزاع مسلح، وتمكنا من النجاة بسبب الشمعة المسحورة التي كان يُمسك بها الأب، والتي قذفت بالمعتدين بعيداً، لكن الأب اختفى أيضاً، وتمكنت الأم من بناء قصر مسحور لديه وعى، في منطقة معزولة تُحيطها الجبال، وأصبحت الشمعة التي لا تنطفأ هى جوهر قدرة العائلة على العيش وإزدهار قريتهم، ورغم تلك الخلفية المُعقدة لعالم Encanto المسحور، لكن القصة بشكل عام لا تتوقف كثيراً عن التفاصيل التاريخية لمُعاناة العائلة ونسلها، وتُركز بشكل كبير على الحياة اليومية للقرية، ومُعاناة البطلة المراهقة بسبب شعورها بعدم القدرة على الإندماج مع شخصيات عائلتها ومُنافسة هباتهم السحرية، وإرضاء جدتها كبيرة العائلة.

فتاة عادية وقلب كبير!

يُمكن أن نرى "ميرابل" ببساطة وسطحية أميرة فاشلة، لا تمتلك الجمال الساحر الذي يجعلها مرغوبة من الأمير الوسيم، وهذا عكس شقيقتها المثالية "إيزابيل"، التي تمتلك الجمال ويمكنها أن تجعل الزهور تتفتح في كل مكان بصورة سحرية، وعكس شقيقتها الأخرى "لويزا"، التي تمتلك قدرة بدنية خارقة، ولكن هذا يُوصلنا إلى الهدف الأخلاقي للفيلم؛ فرغم أن الفتاة غير محظوظة وشبه منبوذة، لأنها بمقاييس القرية المسحورة لا تفيد المجتمع، لكنها تُصبح محور الأحداث والقرية حينما تبدأ في دعم الجميع بعد تعرض القصر للإنهيار، وفُقدان عائلتها مواهبها السحرية.

"ميرابل" تمتلك الذكاء والدأب والحماس والفضول والقلب المرهف والقدرة على مُقاومة الضغوط، والأهم أنها تستطيع العيش والتكيف بدون قوى سحرية؛ إن موهبتها الخارقة أنها شخصية عادية في كل شيء، وتستطيع حل مشاكلها بالوسائل العادية المتاحة ولا تعتمد على قوى غامضة، ويكتشف أهل قريتها أن "ميرابل" بشخصيتها العنيدة وكفاحها لإعادة بناء قصر العائلة بدون قوى سحرية أعادت لهم السحر المفقود؛ في إشارة رمزية إلى أن الوسائل العادية تصنع المعجزات أيضاً.

رقص.. غناء.. ألوان!

يعتمد الفيلم على الغناء بشكل رئيسي؛ وقد أبدع الكاتب "لين مانويل ميراندا" في صياغة ملامح الشخصيات وإنفعالاتها من خلال أغنيات مرحة وجذابة، ويُمكن أن نقول أنها لم تكن أغاني تمنح الفيلم لمحات موسيقية جذابة، بل هى جزء أصيل من نسيج العمل، ولم تكن مُقحمة في أى لحظة، وكانت الرسوم والألوان الرائعة، والتحريك المُتناغم في المشاهد الراقصة مصدر إختلاف الفيلم وسحره.

الفيلم يحتفي بقيم العائلة والترابط، ولكنه لا يُغفل التفرد والإختلاف، ويًصور من خلال علاقة "ميرابل" وعائلتها نوع خاص ومختلف من الحواديت؛ فلم تكن أزمة بطلة الفيلم مع زوجة أب شريرة (سندريللا وسنو وايت)، بل مع أهلها وأقرب الناس إليها، ويدعو الفيلم إلى تقدير الشخص المختلف، وعدم وضع الصورة الشكلية للشخص وإمكانياته الفردية فوق قيم التقدير والإستيعاب والتشجيع، ورغم موقف عائلة "ميرابل" السلبي نحوها في البداية، كانت هى على العكس تُشجع من حولها وتدعمه معنوياً بصورة كبيرة، وخلف نظارتها الكبيرة كانت عيونها مُحبة للجميع.

 

مجلة هي السعودية في

05.01.2022

 
 
 
 
 

فيلم «Drive My Car»: الرحلة السينمائية الأجمل في 2021

أحمد عزت

سيارة حمراء تتحرك ببطء أمام مشهديات يغلب عليها الرمادي والأزرق البارد. تبدو كبقعة دافئة وجاذبة للعين في عالم يكاد يكون أحادي اللون. هذه هي الصورة الأكثر إلحاحًا على الذاكرة من فيلم (drive my car) للياباني ريوسوكي هاماجوتشي الذي شاهدته للمرة الأولى في مهرجان القاهرة السينمائي الماضي.

 هذه السيارة التي يدور داخلها الكثير من مشاهد الفيلم، بالعلاقة بين راكبها وسائقتها هي قلب الفيلم الذي ينتظم  إيقاعه على إيقاع حركتها. يعيدنا هذا الجانب من الفيلم تحديدًا لسينما الإيراني الكبير عباس كيارستمي بالحضور الكثيف للسيارة في أفلامه- بعض أفلامه تكاد تدور حصرًا داخل سيارة- حيث تصير السيارة فضاء آمنًا وحميمًا للبوح والتأمل.

هذا الفيلم المقتبس من قصة قصيرة للكاتب الياباني هاروكي موراكامي تحمل نفس الاسم، مطعمة بقصتين أخريين من نفس المجموعة القصصية المعنونة “رجال بلا نساء” هو واحد من أجمل التجارب السينمائية في 2021، لكن ربما علي أن أخبركم مسبقًا أن عناوين هذا الفيلم الرئيسية تبدأ في النزول على الشاشة بعد مرور 40 دقيقة من زمنه ومع ذلك هذا هو الموضع المثالي لها.

فيما قبل العناوين نحن أمام تمهيد ضروري للحكاية والشخصيات، وبأسلوبية شديدة التمهل تخاصم سينما هذه الأيام بطبعها المهووس بالسرعة نتعرف على “كافوكو” وهو  ممثل ومخرج مسرحي يعيش حالة من التناغم الفاتن مع زوجته ” أوتو” والتي تعمل ككاتبة مسلسلات تلفزيونية. كل تفصيلة بينهما تشي بمحبة صادقة، لكن مصادفة يكتشف كافوكو خيانة زوجته. ينسحب من المشهد، يخفي عنها اكتشافه لكنه ينعزل عنها عاطفيًا. نشاهد جسده يخفي الحقيقة التي اكتشفناها معه. نشاهده وهو يدفن مشاعره بعيدًا داخله، يضع قناعًا على ذاته الحقيقية، لكن زوجته تستشعر ذلك وتطلب منه أن يتحدثا سويًا لكن الموت يسبق هذا اللقاء.

بعد عامين يتم دعوته إلى مسرح هيروشيما لتقديم نسخة تجريبية من مسرحية تشيكوف” الخال فانيا” ضمن أحد مهرجانات المسرح المحلية. في سيارته وعلى الطريق إلى هناك تبدأ العناوين في النزول على الشاشة. هنا تبدأ رحلة كافوكو وهذه الرحلة هي مجاز الفيلم ككل. رحلة يحاول خلالها أن يمضي بحياته بعد تراجيديا الفقد المفاجئ لزوجته، فقد  محمل بشحنة داخلية هائلة من الغضب، الحيرة ومشاعر الذنب. رحلة تتساقط خلالها أقنعة الذات لتواجه حقيقتها ربما للمرة الأولى.

رفيقة كافوكو في هذه الرحلة، فتاة في مطلع عقدها الثاني تدعى “ميساكي”، توظفها إدارة المسرح لقيادة سيارته فترة عمله على المسرحية، ورغم اعتراضه المبدئي على اختراق عزلته ينشأ بينهما تواصل حميم وينفتح كل منهما على الآخر في لحظة كالسحر. هذه هي الذروة التي تتحرك نحوها الدراما بين شخصين كلاهما يجيد حبك قناعه جيدًا حول ذاته ومشاعره الحقيقية، يجمعهما أيضًا ماض حزين وأشباح وندوب طرية لجراح لم تندمل بعد

عربة تقودها الأشباح

أنا متيقن من أن الحقيقة مهما كان جوهرها ليست مخيفة، إنما الأكثر مدعاة للخوف هو الجهل بمعرفتها.

نشاهد كافوكو داخل سيارته في بداية الرحلة يستمع إلى هذه الكلمات القادمة من كاسيت سيارته، ثم نشاهد الزوجة وهي تسجل الكلمات نفسها في فلاش باك هو الوحيد في الفيلم، ثم نشاهد مزجًا مونتاجيًا بين بكرتي تشغيل شريط الكاسيت الذي تسجل عليه زوجته بصوتها حوارات مسرحية الخال فانيا وعجلتي سيارة كافوكو على الطريق إلى مسرح هيروشيما. هنا يبدو صوتها الحاضر رغم الغياب كوجود شبحي يدفع السيارة وراكبها نحو الأمام، نحو اكتشاف الحقيقة

بعد أن يكتشف كافوكو براعة ميساكي الاستثنائية في قيادة السيارات يسألها أين تعلمت القيادة؟ تجيبه: في مسقط رأسها حيث دربتها الأم على قيادة السيارة وهي بعد صغيرة كي تقلها ذهابًا وإيابًا إلى محطة القطار الذي تستقله لعملها. كانت الأم العائدة متعبة من عملها ترغب في النوم داخل السيارة وكانت تعاقبها إذا أيقظتها بسبب قيادتها. “هكذا تعلمت القيادة بسلاسة مهما كانت وعورة الأرض” هكذا تخبره ميساكي. كان فرويد يقول دائمًا إنه ليس ثمة علاقة بين اثنين هي علاقة بين اثنين. الإنسان دائمًا حاضر بتخيلاته وإزاحاته العاطفية بحيث تبدو كل علاقة مسكونة بالأشباح

الأم هنا حاضرة مثل زوجة كافوكو، كما نعرف أيضًا من خلال كافوكو أنه إذا كان قد قدر لابنته المتوفاة أن تعيش حتى اليوم فستبلغ الثالثة والعشرين وهو بالتحديد نفس عمر ميساكي الآن. شيء ما في خلفية عقله يربط بينها وبين ابنته. يقول لها لاحقًا حين تحكي عن مشاعر الذنب التي تشعر بها حيال موت والدتها: إذا كنت والدك كنت سأقول لك: إنه ليس خطأك. هذه رحلة تحركها خيوط خفية كالأشباح

الوجوه أقنعة، الكلمات مرايا

يلجأ السرد إلى طرق غير تقليدية للكشف عن مكنون شخصياته، فيعبر عن شخصياته عن طريق الحوار بشكل أساسي، لكنه ليس حوارًا مباشرًا في الأغلب وإن كان يتحول أحيانًا إلى مونولوجات اعترافية. يتحول نص مسرحية تشيكوف الحاضر بكثافة في السرد سواء من خلال صوت الكاسيت، أو أثناء البروفات أو العرض إلى تعليق عما يشعر به كافوكو.

ليس فقط حضور المسرح هنا هو ما يجعلنا نستدعي فكرة الأقنعة بل طبيعة الشخصيات الرئيسية. كيف يعبر السرد عما تشعر به شخصيات كتومة ومتحفظة، شخصيات مقنعة مثل شخصيات الفيلم الرئيسية: كافوكو، ميساكي وأوتو. يخضع كل شيء في الفيلم لطبيعة شخصياته: ألوان رمادية، نغمات مكتومة ورغم ميلودرامية الحكاية يبقى السرد والمشاعر والانفعالات منضبطة وفي حدها الأدنى

جمل حوارية من المسرحية مثل “وفاء تلك المرأة كان كذبة، بكل ما تحمله من معنى”  أو الحوار الدائر بين كافوكو وبين صوت زوجته القادم من الكاسيت ” 

مهلاً، لم أنته بعد. أنت من دمر حياتي. أنت خصمي وعدوي اللدود” يتماشى تمامًا مع ما يشعر به كافوكو في ذات اللحظة. في أحد مشاهد بروفات المسرحية التي يقوم بها ممثل يدعى تاكاتسوكي -هو العشيق الأخير لأوتو- مع ممثلة زميلة: أنت امرأة فاتنة، لابد أن الكثيرين وقعوا ضحايا جمالك. هذه جملة يرددها تاكاتسوكي في أول مرة يلتقي بها كافكو بعد رحيل زوجته

كذلك الحكايات التي تحكيها الزوجة والتي تشغل مساحة غير قليلة من السرد تكشف على نحو ما عن طبيعتها. بطلة حكايتها الأخيرة يستحوذ عليها هوس رومانسي بزميلها وتتسلل إلى بيته، تترك تذكارًا وتأخذ تذكارًا. إنها لا تستطيع أن تتوقف عن ذلك رغم المخاطرة. ألا يكشف هذا عن أوتو  التي تبدو غير قادرة على التوقف عن انجذاباتها الجنسية خارج الزواج رغم محبتها لزوجها؟

في نفس السياق يمكننا أن نفهم لماذا يرفض كافوكو أداء دور “الخال فانيا” في العرض المسرحي الذي يحضر له، رغم معرفته الجيدة به وحقيقة أنه قدمه مسبقًا، حتى حين يخير في مرحلة ما بين أن يؤدي الدور أو تلغى المسرحية نراه مترددًا فهو غير مستعد بعد لتعرية ذاته ليأتي قراره بقبول أداء الدور قرين رغبته في التواصل مع مشاعره الحقيقة ومحاولة تجاوزها. في أحد المشاهد يخبر تاكاتسوكي: تشيكوف مخيف، عندما تردد سطوره فإنه يستخرج منك ذاتك الحقيقية.

فيلم هيماجوتشي الحائز على جائزة أفضل سيناريو في كان الماضي مليء بمثل هذه التفاصيل التي تجعلك تزداد في تقدير هذا السيناريو شديد التركيب والقائم على التوفيق بين عوالم مختلفة وخطوط سردية تبدو لأول وهلة متفرقة لتضعنا في النهاية أمام نص شديد التناغم والإحكام.

يعبر السينماتوجرافي أيضًا عن شيء من طبيعة هذه الشخصيات، عبر التأطير الذي يكشف انعدام التواصل وعزلة الشخصيات، لقطات طويلة زمنيًا متمهلة الإيقاع مع زوايا التصوير العلوية، التي تعكس الانفصال بين المكان والشخصيات. هناك في الغالب مسافة بين الشخصيات داخل الكادر، يمرقون وحيدين في أروقة فارغة نراهم دائمًا خلف حواجز زجاجية أو محاصرين داخل أطر. إنهم وحيدون دائمًا بلا أصدقاء أو عائلة. يسمح الإيقاع الهادئ للفيلم وبساطة التكوين وحركات الكاميرا بالتركيز على الحوار أكثر من أي شيء آخر.

 ألغاز القلب الإنساني وتناقضاته

يفتتح هاماجوتشي فيلمه بلقطة/ صورة ظلية (silhouette) للزوجة خلال الضوء الأول للنهار مأخوذة من وجهة نظر الزوج وهي تحكي له إحدى حكاياتها. منذ اللحظة الأولى في هذا الفيلم يضعنا المخرج أمام عالم غامض، غسقي كالمنطقة الغامضة بين الليل والنهار، بين الحلم والواقع. ربما يبدو الفيلم في البداية عن غموض المرأة / زوجة كافوكو تحديدًا، لكن مع تقدم السرد يتحول الغموض إلى ملمح أصيل للحالة الإنسانية. لا شيء واضح حين يتعلق الأمر بالقلب الإنساني.

كل آخر غريب مهما كان قريبًا، حتى إذا كان يسكن قلبك. ومعارضة مثل هذه الحقيقة لن تجلب سوى المعاناة وكل ما يمكننا أن نفعله إزاء هذا الغموض هو أن ننظر لأنفسنا عن قرب بأمانة وصدق. هذا الغموض والتناقض ممتد أيضًا في علاقة ميساكي مع أمها، إذ تبدو الأم في حكايات ابنتها مؤذية، مضطربة نفسيًا ومستغلة ومع ذلك هناك جزء منها يحبها بطريقة ما، تخترع من نفسها طفلة للتواصل مع ابنتها في نوع من النكوص النفسي. هذه الطفلة هي كل ما أحبته في أمها واضطرت للتضحية به لاحقًا حين صار استمرار العلاقة أمرًا فوق الاحتمال. “لا أعرف إن كانت أمي مريضة عقليًا أم كانت تتظاهر بذلك لتبقيني بقربها، حتى وإن كان تظاهرًا فهو نابع من أعماق قلبها” 

يؤدي الحضور الكثيف لمسرحية تشيكوف في نسخة كافوكو المعتمد على إنتاج متعدد اللغات، إذ يؤدي الممثلون نفس النص بلغات مختلفة على تعزيز فكرة عدم الفهم، الالتباس والغموض المتأصل في التجربة الإنسانية.

كيف يتفاهم مجموعة من الممثلين على خشبة المسرح إذا كان كل منهم يتحدث لغة تختلف عن الآخر؟ هل بالإمكان أن يتحدث الناس لغة واحدة، بحيث يفهم كل منا الآخر بوضوح؟ هذا أحد الاسئلة التي تطرحها المسرحية داخل الفيلم. هناك دائمًا ارتباك وشك تجاه قدرة الكلام/ الحوار على الإيضاح والتعبير عن حقيقة المشاعر. نحن هنا أمام نص سينمائي مشغول بألغاز القلب الإنساني وتناقضاته يمزج في ثناياه بتناغم بين شخصيات موراكامي المدموغة بالوحدة والاغتراب وتعاطف تشيكوف مع الضعف البشري.

إيروتيكا الحكايات

كلمة إيروتيك erotic مشتقة من إيروس/ Eros إله الحب والرغبة عند الإغريق، فمثلما نستشف منها ظلال الشبق، الإثارة والنشوة نلمس فيها أيضًا ما هو نقيض العزلة: التعري بشقيه الجسدي والنفسي، إذ لا يرتبط إيروس حصرًا بما هو جنسي وشهواني بل بالتواصل والحميمية والانفتاح على الآخر. كل ظلال إيروس حاضرة هنا. لدينا حكايات ذات طابع جنسي وحكيها مرتبط بشكل مباشر بالجنس، فأول حكاية للزوجة ولدت بعد أن مارست الجنس مع زوجها لأول مرة بعد وفاة ابنتهما

كانت تجتاحها رغبة الحكي بعد ممارسة الجنس كأنما تلتقط خيط الحكايات من لحظات نشوتها، تحكي وتنسى كما لو كانت في حالة سكر، ليذكرها الزوج صباحًا بتفاصيل حكايتها

  لا يلجأ السرد إلى الفلاشباك سوى للحظة واحدة لها قيمتها المجازية التي سبق وأشرنا إليها. نحن أمام إيروتيك شفوي، يشبق فعل الحكي نفسه. يبدو الحكي أيضًا ذا قدرة سحرية على الشفاء والتجاوز، فبعد أن حكت ميساكي حكايتها وكشفت عن جرحها، نلاحظ في المشهد الأخير اختفاء أثر جرح كان في جانب وجهها ومرتبطًا بحكايتها مع والدتها وإحساسها المزمن بالذنب.

يبدو فعل الحكي والإنصات في فيلم هيماجوتشي كفعل حميم، إيروتيكي بين شخصين كلحظة يختفي العالم فيها من حولهما، يتباطأ إيقاعه ويسمح لهما أن يستحضرا مشاعرهما من الأعماق كالمنومين. بعد مشهد اعترافي طويل ينتقل كافوكو إلى الكرسي الأمامي المجاور لميساكي، يرفعان سقف السيارة، يشعل كل منهما سيجارته. تتجاور سبجارتاهما خارج سقف السيارة المفتوح. ألا يشبه هذا قليلاً طقس التدخين بعد الجنس؟

يقدم هيماجوتشي -الذي يظهر من خلال فيلمه كواحد من أكثر المواهب السينمائية الصاعدة أصالة و إثارة للاهتمام- فيلم طريق غير تقليدي، إذ تمنح الرحلة أبطالها في النهاية شيئًا من الحرية. تحررهم من عبء مشاعرهم المظلمة كما تتيح محادثاتهم داخل السيارة اكتشاف مناطق خفية في أنفسهم. تتحرك شخصيات الفيلم دائمًا نحو معرفة أوضح بذاتها وتفهمًا للآخر.

 

موقع "إضاءات" في

06.01.2022

 
 
 
 
 

الفيلم الأمريكي «لا تنظر إلى أعلى»:

حين نعجزُ عن الرّؤية… مقاربة سينمائية ساخرة

رامي أبو شهاب

من الإنتاجات الحديثة لعام 2021 الفيلم الأمريكي «لا تنظر إلى الأعلى» الذي يُصنف ضمن دائرة الكوميديا الساخرة، بالتضافر مع طيف من الإثارة المتقنة درامياً، غير أن أهم ما يميز هذا الفيلم، قدرته على توصيف تهاوي المجتمع، وما يكمنُ فيه من نموذج شكلاني ينهض على التعلق بالتوافه، حيث لا يرقى الإنسان إلى مستوى الحدث، خاصة حين تستهلك القيم الجديدة واقعه لتحيله إلى أكبر قدر من التفاهة، لا على المستوى الفردي؛ إنما على المستوى الجمعي، والأهم من ذلك أن هذه التفاهة باتت جزءاً من تكوين النخب الحاكمة، كما يجسدها الفيلم عبر الرسم الكاريكاتيري لشخصية رئيس الولايات المتحدة، بأداء الممثلة القديرة ميريل ستريب، التي يتجاور حضورها الرائع مع نخبة مع أبرز نجوم السينما، ومنهم: ليونار دي كابريو، وجنيفر لورنس، وكيت بلانشيت، وروب مورغان، وجونا هيل، وغيرهم، أما الإخراج والكتابة فكانا لآدام مكاي.

في سؤال الباحث بيزلي ليفينجغستون عن قدرة السينما على أن تتفلسف، أو بعبارة أخرى أن تطرح إشكالية فلسفية، ومدى تحقق ذلك بين مؤيد ومعارض، ما يصرفنا إلى القول إن السينما ذات طابع متعدد الأدوات، حيث الحركة، واللغة، وباقي العناصر الأخرى تتأطر ضمن عامل البعد الجماهيري، مع بروز إشكاليتي الوضوح والمباشرة، اللتين يمكن أن تكبحا المعادلة الفلسفية، نتيجة تقديم محتوى ترفيهي، غير أن الإجابة تتحدد بفكرة ما الذي يجعل من قضية ما قضية فلسفية؟ الأمر يُناط بالأسئلة المطروحة، التي تتحدد بكون الفلسفة تُعنى في المقام الأول بالأسئلة التي نتجت عن نشأتها المبدئية، ومن أهم تلك الأسئلة ما الأخلاقي؟ كما يتصل الأمر بالمعالجة، فلا جرم أن تعدّ أفلام المخرج وودي ألين ذات طابع فلسفي، كونه يستعين بأسلوب المفارقة الكوميدية لنقد بعض الظواهر؛ من منطلق أن الضحك يثير فينا قدراً كبيراً من الأسئلة، ولاسيما حين نرى الواقع أقرب إلى مهزلة كونية، فتمسي الكوميديا أداة أو مخرجاً لتحقيق الهدف الفلسفي المنشود.

هذا النوع من الأفلام يسعى إلى تمكين مقصديّة عميقة لنقد الواقع، لكن تبقى السينما فعلاً جماهيرياً، ما يبرر صيغ التهكم والسخرية في تمكين السؤال الفلسفي، ومع ذلك يبقى هذا النوع من الأفلام أقل جاذبية لدى البعض، فلا جرم في أن يسعى الفيلم – الذي نحن بصدد تحليله ـ إلى توجيه الأنظار نحو أخطار التهديد البيئي، كما القيمي، والأخلاقي نتيجة الفراغ الذي نتج مع الثورة الصناعية الخامسة، مع بيان موقف المؤسسة الرسمية، كما الشعوب من عدم القدرة على إدراك الحقيقة نتيجة الغباء الناتج عن انحرافات قيمية، ومعرفية، وأخلاقية صاغتها المدنية الحديثة.

القدرة على الرؤية

يبدأ الفيلم بمشهد اكتشاف إحدى طالبات جامعة ميتشغان «كيت ديبيسكي» التي تؤدي دورها الممثلة جنيفر لورانس، مذنباً يتوجه إلى الأرض، ما يدعوها للاتصال بأستاذها البرفيسور «راندال ميندي» ليوناردو دي كابريو ليشرعا في مهمة احتساب موعد ارتطام المذنب بالأرض، والنواتج التي يمكن أن تتمخض عن ذلك، فيسارعان للاتصال بوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، ومن ثم نقل الموضوع إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا تتشكل إحدى الحيل المتقنة، عبر تمكين المفارقة على مستوى الفيلم، حيث إن المشاهد يتوقع إثارة تنتج عن الاهتمام الرسمي، من خلال إعداد الخطط التي ستتخذها القيادة العليا لمواجهة هذا الخطر المحدق بالإنسانية جمعاء، غير أن المشاهد ينزاح إلى تكنيك سينمائي شديد الذكاء، حين ينتقل العالمان المغموران إلى البيت الأبيض بصحبة أحد المسؤولين، لكن المشهد يتأثث بسخرية مريرة، حين يضطر العلماء للانتظار دون مقابلة الرئيس، لانشغال الأخير بحملته الانتخابية، وتجاوز بعض الفضائح، فيؤجل الاجتماع ليوم آخر، في حين نواجه مشهداً مهماً، حين يقوم أحد قادة الجيش بإحضار وجبات خفيفة للأستاذ وطالبته، ويطالبهما بثمنها، لتكتشف الطالبة، في ما بعد، أن الوجبات مجانية في البيت الأبيض، فتستهجن فعل القائد الرفيع، ما يدفعها لطرح هذا التساؤل في غير موقع في الفيلم بسخرية تكاد تنسينا مشكلة المذنب، بغية توجيه رسالة واضحة لتهاوي النموذج القيمي لبعض القادة.

ولعل هذا يُعضد بعد سلسلة مشاهد – تؤديها باقتدار ميريل ستريب، الرئيس الأمريكي (أورليان) – حين تمارس الكذب والتشويه، وتضع الجميع في خدمة حملتها الانتخابية، فتشكك بوجود هذا المذنب لكونه يتعارض مع الحملة، ويشتت جهودها، فتقوم بالكذب على الشعب، وتنكر وجوده عبر إطلاق شعار (لا تنظر إلى أعلى)، أي باتجاه المذنب، في إشارة كنائية لمنطق الانحطاط، وهذا يتأتى عبر التشكيك بمستوى العالمين، اللذين اكتشفا المذنب لكونها لا ينتميان إلى إحدى الجامعات المرموقة، فيُسخر منهما، سواء عبر شكل جينيفر لورنس، وسنها المكسور، أو شعرها الأحمر، كما من أستاذها وهيئته، وهنا نلاحظ هيمنة نخبوية المرجعية في الحكم على الآخرين، لا عبر المنتج البحثي، فيضطر كلا العالمين للاستعانة بوسائل الإعلام، ومنها برنامج شهير، الذي يسخر هو الآخر من الضيفين، ويقدم على لقائهما المهم فقرة عن مغنية تنفصل عن حبيبها، في حين يؤجل اللقاء حول هذا الاكتشاف المهم…

وحين يبدأ الحوار، تبدأ السخرية من كل ما يتفوه به هذان العالمان، فلا أحد يكاد يستمع لهما من الجمهور، وهنا نلاحظ نقداً واضحاً لنسق الإعلام، والسخافة التي بات يتعامل فيها مع القضايا المصيرية، كونه ينشغل بالأخبار التافهة، والموضوعات القائمة على الفضائح، والشخصيات النكرات، وهنا يبرز الفيلم التّشديد على دور وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام في تمكين هذا النهج الذي بات نسقاً ثقافياً، يسمُ عصرنا الخاوي من أي معنى، وهذا يتعزز عبر حدث انحراف الأستاذ الجامعي (ليوناردو) حين يقيم علاقة مع إحدى المذيعات تؤدي دورها كيت بلانشيت، فيتخلى عن عائلته، وطالبته، وقضية المذنب، لكنه سرعان ما يستيقظ من غفلته، حين يدرك أن المصير بات أقرب للفناء مع اقتراب المذنب، وأهمية اتخاذ موقف.

النموذج الكنائي

يتخذ الفيلم عنوانه من حركة الاحتجاج التي نشأت بعد رفض المجتمع والقيادة لظاهرة المذنب، نتيجة عدم الاكتراث بالتهديدات التي تحدق بالوجود، والتشكيك بوجودها، عبر حملة مضادة شعارها (انظر إلى أعلى) كناية عن قدوم المذنب، وهذا ينشأ في مواجهة التعامي عن رؤية الحقائق، إذ يمكن أن نقرأ الشعار في إطار كنائي لا يتعلق فقط برؤية المذنب إنما بالدعوة إلى الارتقاء في التفكير، ورؤية الحقائق، والعناية بما له قيمة فعلياً، لا الانجرار وراء المظاهر، وهكذا ينشأ الانقسام بين هذين الفريقين إلى أن يظهر المذنب للجميع في السماء، وهو يقترب من الأرض، بحيث لا يمكن إنكار الحقيقة.

بعد إدراك الحكومة ممثلة برئيسها للخطر، ترسل أحد قادة الجيش السابقين من الموالين لها، والمعروف بأفكاره اليمينية المتطرفة من أجل الترويج الإعلامي، ودعم الحملة الانتخابية، إلا إن هذا القائد يفشل في مهمته الصاروخية لتدمير المذنب، وهنا نقرأ إحالة رمزية لفشل المؤسسة الحكومية أو الرسمية للتعامل مع هذا التهديد، خاصة مع وجود رئيسة فاسدة، تعين ابنها مديراً للأمن القومي، بينما تعين صديقتها مديرة لوكالة ناسا، في حين تجامل من يمولون حملتها، فيبدو الوضع أقرب إلى نموذج الدول المتخلفة.. وكأن الفيلم يتوقع هذا المصير للعالم، في ظل استمرار تدني النموذج القيمي الأخلاقي للحكام، ما يعني أن الفشل مبدأ يحكم أي خطوة تنتهجها الرئاسة؛ ما يضطر إلى تدخل القطاع الخاص ممثلاً برئيس إحدى أكبر شركات الهواتف الخلوية، ذات الطابع الرأسمالي، وهنا نرى إشارات لشخصيات تماثل نماذج ستيف جوبز، وألون ماسك، وبيل غيتس الذين يسعون دوما لتكوين ثروات عبر الترويج لمنتجهم بصورة ذكية، في حين يسخر من العلماء الحقيقيين، الذين اكتشفوا المذنب، وتُحيّد آراؤهم لتجاوز المشكلة.

وفي ظلال هذه الأحداث يخرج القطاع الخاص ممثلاً بمالك شركة الهواتف الخلوية، بفكرة تسعى للاستفادة من المذنب بشكل تجاري، ولاسيما المعادن الثمينة التي ينطوي عليها، بعد تفتيته عبر خطة خيالية، غير أن الخطة تفشل فشلاً ذريعاً، ما يؤدي إلى ارتطام المذنب بالأرض، وفناء البشر.

في مشهد ختامي نرى فيه فريق (انظر إلى أعلى) يتناولون العشاء في مواجهة أخيرة مع الحياة، قبل أن يتلاشى كل شيء، بينما النخب الحاكمة، ورجال الأعمال لديهم خطة بديلة للنجاة، تمثلت بصنع سفينة فضائية تحمل الرئيس وأعوانه، مع مجموعة من أصحاب المؤسسات ورؤوس الأموال، وهنا تتجلى السخرية في أوضح صورها، فبعد سنوات من دوران المركبة في الفضاء تنتهي على كوكب، وحين يخرج كل من نجا من فاسدي الأرض (عراة) دلالة على الإفلاس القيمي يلتهم أحد الكائنات الغريبة الرئيس الأمريكي (ميريل ستريب) في مشهد ساخر، ولا سيما حين نستدعي أحد الحوارات السابقة، التي تتعلق بخوارزمية ابتكرها مالك شركة الهواتف الخلوية تتوقع مصائر البشر، وهنا تعريض بقدرة الحواسيب والخوارزميات على تحليل البشر، وتوقع توجهاتهم… فالإنسان بات منتجاً سلعياً يمكن التحكم فيه، كما تفعل الشركات التي تفيد من المعلومات الخاصة بأعضائها، وهو نوع من الهجاء للنمط الذي يحكم فعل تسليع الإنسان، وتسخيره لخدمة رأس المال.

لا شك في أن المسلسل ينحو منحى تقديم جملة من الرسائل الواضحة على مستوى نقد النظم الفكرية والسياسية والاجتماعية، على أكثر من مستوى، كتلك التي تتصل بتقدير العلماء، وتقدير ما يمكن أن تتمخض عنه العقول، وأهمية ألا نخضعها لظاهرية مفهوم النخب، فما يحدد قيمة الإنسان عمله، لا شخصيته أو علاقته أو تكوينه أو تحالفاته، لكن الأهم نقد ما يمكن أن تحدثه الشعوب الجاهلة، والمخدوعة عبر انتخاب الأغبياء ليكونوا حكاماً يعتمدون في وجودهم على شبكة الولاءات والخداع، والأهم عدم امتلاك أي معرفة أو مهارة قيادية، سوى تقديم المصالح، وهذا يتحقق أيضا عبر نقد المؤسسة الإعلامية، وسذاجتها، وانشغالها بتوافه الأمور، وهو ما يبدو نهجاً فاسداً، أدى إلى تجهيل الشعوب، وإغراقها بالتوافه، وتسخيف عقولها تجاه كل شيء؛ فالجميع لا يريد أن يستمع، ولا يرى المشكلة، وهنا نلمح تعريضاً بفترة وجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان قريب الصلة بهذه التوجهات، حين تخلى عن المنظومة القيمية، وكرس وجوده لشبكة مصالحه، وعلاقاته، فاعتمد مبدأ الصفقة من أجل الاستمرار بالحكم بأي صورة من الصور، والأهم من ذلك السخرية من القضايا البيئية والحقوقية والقيمية بالكلية.

كاتب أردني فلسطيني

 

القدس العربي اللندنية في

06.01.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004