ملفات خاصة

 
 
 

مراجعة فيلم Don’t Look Up: كوميديا سياسية ساخرة بلا أنياب

وائل الشيمي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الرابعة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

فيلم Don’t Look Up هو الفيلم الأكثر شعبية حالياً على شبكة نتفليكس. وهو عبارة عن فيلم كوميدي سياسي، يهجو فيه المخرج آدم مكاي السياسة الأمريكية ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. الفيلم من بطولة حشد كبير من النجوم من أمثال ليوناردو دي كابريو وجينيفر لورانس وميريل ستريب. فهل يستحق المشاهدة بالفعل؟ أم تم المبالغة في تقديره؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال مراجعة فيلم Don’t Look Up.

قصة فيلم Don’t Look Up

تدور أحداث الفيلم حول اكتشاف كيت ديباسكاي – جينيفر لورانس – وهي طالبة دراسات عليا في جامعة ميتشيغان ومرشحة لنيل درجة الدكتوراه في علم الفلك، مذنباً كبيراً أثناء إجراء الملاحظات التلسكوبية. لذا تنطلق إلى تنبه الدكتور راندال ميندي – ليوناردو دي كابريو – المشرف على المركز، فيقوم على الفور بعمل حسابات دقيقة ليكتشف أن المذنب الضخم سيضرب الأرض خلال ستة أشهر. مما يؤدي إلى نهاية الحياة على كوكب الأرض.

البيت الأبيض

يسرع الدكتور ميندي إلى الاتصال برئيس مكتب الدفاع الكوكبي التابع لناسا وهو الدكتور تيدي أوجليثورب – روب مورغان – الذي يرسلهم إلى البيت الأبيض لمقابلة الرئيسة جاني أورليان – ميريل ستريب – من أجل مناقشة هذا الأمر الخطير لإيجاد حلول. لكن عندما شرح ميندي وكيت الموقف الرهيب للرئيسة أورليان وابنها رئيس الأركان جيسون أورليان – جونا هيل – لم يهتما بهذا الأمر، وقوبوا بعدم الجدية. بينما كان اهتمامهما ينصب على الفوز في انتخابات التجديد النصفييحاول الدكتور ميندي أن ينبه بإلحاج أكبر الرئيسة إلى الآثار المترتبة على هذا الحدث الوشيك. لكن رئيس الأركان يسخر منه، مما يجعل أوجليثورب يتدخل ليقول بحدة: “سيدتي الرئيسة، هذا المذنب هو ما نسميه مدمر الكواكب.”

كان من الواضح أن البيت الأبيض يرفض مواجهة هذا الواقع المميت، بل ويتجاهله عن عمد. لكن على إثر فضيحة جنسية تضع الرئيسة في أزمة حقيقية تضطر على إثرها أن تلجأ إلى مناقشة أمر دمار الكوكب مرة أخرى ليدعمها في الانتخابات، وليس لضرورته الملحة.

وسائل الإعلام

بعد فشل محادثات ميندي وديباسكاي مع رئيسة الولايات المتحدة لم يجدا أمامهما من سبيل سوى اللجوء إلى وسائل الإعلام من أجل تحذير الناس. لذا يسربا هذه المعلومات إلى صحيفة نيويورك هيرالد، لكن يتخلى محررو الجريدة عن هذه القصة نظراً لعدن تحقيقها مشاهدات على الانترنت. حيث طغت على وسائل التواصل الاجتماعي القضايا التافهة التي تتعلق بالحياة الشخصية للمشاهير.

ومع ذلك انتهى المطاف بالعالمين إلى برنامج حواري يشبه السيرك يسمى “ديلي ريب” يقدمه كلا بري – كيت بلانشيت – وجاك – تايلر بيري – وهذا البرنامج خفيف يهدف إلى جعل الأخبار السيئة قليلة. لكن ما إن تجد ديباسكاي هذه السخرية والتفاهة من مقدمي البرنامج تصرخ في وجوههما وهي غاضبة من الاستخفاف بهذا الأمر الجلل. لكنها تصبح مادة للسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي.

خطة إنقاذ كوكب الأرض

في هذه الأثناء تتفق الرئيسة الأمريكية مع العلماء على إرسال العديد من الصواريخ التي تحمل رؤوساً نووية لتفجير المذنب حتى يحيد عن طريقه. لكن في منتصف المهمة يعود الفريق المكلف إلى الأرض. لنكتشف أن الملياردير بيتر إيشرويل – مارك ريلانس – المدير التنفيذي لشركة باش التكنولوجية هو المسؤول عن عودة الفريق المكلف بالمهمة. أما السبب وراء ذلك فهو علمه بأن هذا المذنب يحتوي على تريليونات من المعادن النادرة التي يمكن أن يستخدمها في التكنولوجيا. وقد وافقت الرئيسة على ذلك لأنه الممول الأكبر في حملتها الانتخابية.

كان خطة إيشرويل تقوم على إرسال مجموعة من العلماء لتفتيت أجزاء من المذنب ليسقط فتاته في المحيط لتستقبله السفن الامريكية. وبذلك يحصل على المواد الذي يريدها وفي الوقت ذاته ينقذ الكوكب من المصير المحتوم. وفي ذلك الوقت تمت ترقية الدكتور ميندي ليصبح جزء من هذه العملية. كما تم إغرائه لفترة وجيزة باهتمام وسائل الإعلام. في حين تم تهميش كيت. لكن خطة إيشرويل المتهورة تؤدي إلى كارثة. عندما أبلغت كيت الجمهور في النهاية أن البيت الأبيض لا يهتم إذا ضرب المذنب الكوكب. مما يثير أعمال الشغف في البلاد، ويتم القبض عليها.

بعد فشل العملية ظهر الدكتور ميندي لاحقاً في برنامج ديلي ريب، وصرخ في مقدميه قائلاً: “هناك مذنب ضخم متجه إلى الأرض. وسبب معرفتنا بوجود مذنب هو أننا رأيناه بأعيننا باستخدام التلسكوب. كان يجب أن نجعل المذنب ينحرف عن طريقه عندما سنحت لنا الفرصة، لكننا لم نفعل ذلك. والآن هم يطردون العلماء أمثالي لمعارضتهم. إن رئيسة الولايات المتحدة تكذب! وهذه الإدارة كلها فقدت عقلها! أعتقد أننا جميعاً سنموت! “. وهنا تم القبض عليه هو الآخر. لينتهي الفيلم باصطدام المذنب بكوكب الأرض وتدميره.

 

مراجعة فيلم Don’t Look Up

عندما احتاجت الحرائق الغابات في ولاية كاليفورنيا عام 2020، ناشد أحد المسؤولين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمخاطر تغير المناخ. وأشار إليه بضرورة الالتفات وسماع رأي العلم، إلا أن ترامب أجابه قائلاً: ” لا اعتقد أن العلم يعرف”. لقد كان ازدراء ترامب العلني للحقيقة العلمية حول كل من تغير المناخ والوباء من أعراض العفن الفكري والأخلاقي للرأسمالية.

لم يكن ترامب وحده بالطبع. لقد كان الديمقراطيون وإدارة بايدن الحالية، مع أتباعها السياسيين في مراكز السيطرة على الأمراض، متواطئين أيضاً في هجماتهم الخاصة على العلم. بما في ذلك التستر على الحقائق حول وباء كوفيد الذي قد يهدد سوق الأسهم الصاعد.

يتناول فيلم Don’t Look Up مسائل الحياة والموت هذه بدرجات متفاوتة، وبسخرية لاذعة. فهو بمثابة كوميديا مظلمة يحاول العلماء من خلاله تنبيه العالم حول مذنب سيضرب الأرض في غضون ستة أشهر. بينما كتبه وأخرجه آدم مكاي، وهو أحد المخرجين القلائل في الساحة الفنية الذين يتناولون السياسة بطريقة كوميدية وساخرة. وفي هذا الفيلم ينتقد بشدة غباء السياسة الامريكية، وكذلك الرابطة الفاسدة للشركات والحكومة ووسائل الإعلام وتجاهل الجميع للعلم في قضايا مصيرية.

تغير المناخ

عندما بدأ مكاي العمل على فيلم Don’t Look Up، قبل جائحة كوفيد 19 التي احتاجت العالم، كان يركز على قضية تغير المناخ. لكن العديد من موضوعاته أصبح لها صدى بعد معاناة الناس في جميع أنحاء العالم من فيروس هاجم المجتمع ودمره وقتل الملايين.

فيلم Don’t Look Up هو الفيلم الأكثر شعبية حالياً على نتفليكس. ولكنه ليس ناجحاً أو مرضياً تماماً. فهو مذنب بارتكاب نوع من القسوة، وتنحرف نبرته نحو الكآبة والبغضاء في بعض الأحيان. حيث أن ازدراء الكل تقريباً بما فيهم الشعوب أضعف منه على نطاق واسع. فلقد تم تصوير الناس جميعهم على أنهم مهووسون للغاية ومشتت انتباههم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يأخذون أي شيء على محمل الجد.

كما تشعر في هذا السيناريو أن هناك لامبالاة نوعاً ما. فعندما ترى أن هناك كارثة عالمية وتختزل كل شيء في أمريكا فحسب، كما تحصر القصة في فكرة الربح مقابل العلم، فإن هناك شيئاً ما خاطئاً في هذه النظرة القاصرة. لكن مع ذلك يمكن تجاوز هذا الأمر إذا اعتبرنا أنه فيلماً كوميدياً ساخراً لا يتعلق سوى بالسياسة الامريكية والرأسمالية.

التصوير والموسيقى والتمثيل في فيلم Don’t Look Up

وبالنسبة لتصوير فيلم Don’t Look Up فلقد جاء على قدر عال من الإبداع. كما حدث بالضبط مع الموسيقى التي كتبها نيكولاس بريتل، فهي كانت مذهلة للغاية. أما التمثيل فنجد أن ليوناردو دي كابريو وميريل ستريب وجينيفر لورانس وكيت بلانشيت قد أخذوا أدوارهم على محمل الجد قد الإمكان على الرغم من قيود النص.

حينما تم سؤال كل من جينيفر لورانس وليوناردو دي كابريو عن أوجه التشابه بين أزمة الوباء الحالية والمخاطر التي أثيرت في الفيلم. قالت لورانس طبقاً لياهو نيوز[1]:

إنه أمر محزن ومحبط للغاية مشاهدة الأشخاص الذين كرسوا حياتهم لتعلم الحقيقة، يتم إبعادهم لأن الناس لا يحبون ما تقوله الحقيقة”.

كما قال دي كابريو أيضاً:

لقد كنت ممتناً فقط للعب شخصية تعتمد على العديد من الأشخاص الذين قابلتهم من المجتمع العلمي، وخاصةً علماء المناخ، الذين حاولوا إيصال مدى إلحاح هذا القضية.”

ليس هناك أي شك بشأن ما يريد مكاي قوله، لكنه لا يقول ذلك بطريقة استفزازية أو صادمة أو حتى مثيرة للتفكير. وعلى الرغم من أن هذا هجاء، إلا أنه يفتقر إلى الفكاهة الفعلية. لكن مع ذلك، يبدو أن المصور السينمائي لينوس ساندجرين يفهم السخرية بشكل أفضل مما يفهمه ماكاي، حيث قام بتصوير الفيلم كما لو كان فيلماً سياسياً مثيراً وكارثياً. فمن غرف الأخبار التلفزيونية إلى المكتب البيضاوي إلى المكوكات الفضائية إلى متاجر الخمور في الضواحي.

في الختام فإن فيلم Don’t Look Up هو عن كوميديا سياسية ساخرة عن العالم الذي نعيش فيه، ولكن هذا لا يجعل منه فيلماً ناجحاً، فهو هجاء بلا أنياب، عديم الجدوى. ومع ذلك فإنني أوصي بهذا الفيلم، على الرغم من إنه لن يعجب إلا فئة معينة من المشاهدين.

هوامش

[1] ‘Don’t Look Up’: Jennifer Lawrence says it’s ‘sad’ and ‘frustrating’ that scientists face harsh criticism

TAGS: 

أفلام كوميديةأفلام ليوناردو دي كابريوجينيفر لورانسشبكة نتفليكس

 

موقع "منثور" في

01.01.2022

 
 
 
 
 

"قوة الكلب".. غوص في تخليع الذكورة

منى عمر

بعد غياب لاثني عشر عامًا تعود المخرجة جين كامبيون إلى مهرجان البندقية السينمائي بفيلمها الفائز بجائزة الأسد الفضي لأفضل إخراج "قوة الكلب The Power of the Dog". هذا الانقطاع لعقد وحولين كان برؤية جديدة من آخر فيلم لها "النجم الساطع"، يذكرني تمامًا بعودة المخرج تيرانس ماليك إلى السينما بعد انقطاع طويل.

هذا العمل بطابع الويسترن الأمريكي هو ثورة جديدة  لدهاليز هوليود، لكن لن تجد فيه تلك الطبيعية البربرية الشرهة للقتل والسطو المسلح، لن تجد رعاة بقر وسكان يختبئون في منازلهم أثناء النزالات الحرة وقتلة مأجورون وصائدو جوائز وعصابات مقنعة بأكياس أقمشة وقطاع طرق وعمدة وشريف، بل هذه المرة نجد انغماسًا في ذوات هؤلاء الأشخاص بشكل أعمق من خلال فهم تسلسل نوايا هذه الشخوص.

هذا العمل من أكثر إنتاجات نتفلكيس تعقيدًا عاطفيًا

هذا العمل من أكثر إنتاجات نتفلكيس تعقيدًا عاطفيًا، حيث يتناول موضوعات رئيسية تتمثل في الذكورة السامة وانعدام الأمان الذي يثني الفرد عن إبراز ذاته ونفسه في المجتمع، وكل هذا التعقيد يتمظهر في "فيل"، القائد المخيف وراعي البقر القاسي مثل جلودها، لكن في أعماقه يريد الاتصال بشخص كما فعل مع "برونكو هنري" معلمه في الخيالة.

هذه الدراما واقعية خالية من تلك الرمسنة في الحقيقة، وهي اقتباس من رواية قوة الكلب للكاتب توماس سافاج، لكن بتحريفات ميلودرامية لتناسب السياق السينمائي. وأعتقد أن هذا العمل يمتاز بأعظم "حبكة ملتوية Plot Twist" وأكثرها عبقرية.

أبطال الفيلم فيل بوربانك "بنديكت كامبرباتش"، الذي يعمل مع أخيه الأصغر جورج "جيسي بليمنز"، وشخصية بيتر "كودي ماكفي" التي يغلب عليها الانطوائية والغرابة والعزلة والهشاشة ببشرته البيضاء جدًا وجسده النحيل وقمصانه النظيفة المكوية والمشط الذي في يده -هي عكسية تمامًا لإنسان الغرب راعي البقر الذي يغلب عليه الطابع العشوائي وعدم الاهتمام بالنظافة وبصق التمباك في آنية الأسنان المصفرة، والخشونة وتعالي صوت الذكورة وهذا أكثر ما استفز فيل بشان بيتر منذ اللحظة الأولي للفيلم عندما قام بحرق الورود التي صنعها من الورق واستخدمها لإشعال التبغ.

وتتوالى لقطات التنمر والرفض الصريح لهذا الفتى المدلل الذي ينوي أن يغدو جراحًا أنيقاً بدلًا من راعي بقر خشن. أما جورج شقيق فيل، فهو شخصية متحجرة نادرًا ما يتحدث أو يصرح، بارد الملامح وتصرفاته غير متوقعة، لا أظن أحدا قد يجيد هذا الدور ببراعة جيسي بليمنز.

والدة بيتر، روز "كريستن دانست"، الأرملة الوحيدة التي تمتلك مطعمًا، حيث توفي زوجها منتحرًا، وهي تجرب حظها من الزواج بجورج شقيق فيل، وتُقدم للعيش معه في منزلهم الكبير حيث تسرف في الشراب بسبب علاقتها المحتقنة والمضطربة مع فيل حماها الذي يُظهر لها ذات العداء.

ولكن لنلقي نظرة تشريحية لهذا المجتمع الصادح بالذكورة المفرطة والمهترئ الخَدر الهَوان داخليًا، هذا الفيلم يذكرني في جاذبيته بفيلم "ستسيل الدماء There Will Be Blood" لبول أندرسون في ذلك التفكيك والتحليل النفسي.

يفرض هذا العمل السينمائي جدلًا واسعًا في قضايا كثيرة، أهمها الذكورة الصارخة والـ"Alpha Male" والمثلية الجنسية والجنسانية. هذا الفيلم حقًا تجريد فرويدي بحت ولا ننسى أنه من إنتاج نتفليكس الرائدة في هذا المجال -حسنًا مجرد تعليق ساخر فحسب.

لم يكبح فيل جماح نفسه واندفاعيته من تأثير عقده على الفتى بيتر عندما كان يدعوه بالمخنث أمام مرأى الجميع، في حين أن بيتر شك في ميوله المثلية عندما نشأت بينهما علاقة ودية فيما بعد حينما أراد أن يصنع له حبلًا مضفورًا يستخدمه رعاة البقر.

علي القرب من نهاية أحداث الفيلم يسأل فيل بيتر عن برونكو هنري صديقه المقرب راعي البقر الفذ الذي ورث عنه فيل مهارته في الفروسية وكان متأثرًا به حتى بعد وفاته وفي غالب إيقاعات الفيلم. يجيب فيل بتردد أنه كان أكثر من صديق عندما ناما متلاصقين في كيس نوم في ليلة شديدة البرودة وكانا عاريين تمامًا، عندها ينكشف الوجه الآخر العكسي لتلك الرجولة الصارخة ويسقط قناع الذكورة. هنا فقط تأكدت كل شكوك بيتر حول هذه الشخصية، ويستمر فيل بعقدِ الحبل الجلدي الملوث الذي قدمه له بيتر، هذا الحبل الجلدي المسمم بالجمرة الخبيثة لحيوان ميت يلوث فيل في جرحه المفتوح على يده. إثر ذلك يستيقظ بوعكة صحية ليموت بعدها، وهنا يظهر انقلاب الحبكة العظيم، عندما يتضح أن هذا مخطط بيتر منذ البداية للتخلص من فيل وحماية والدته والاستيلاء على أملاك زوجها.

يستغل بيتر مثلية فيل الجنسية لحبك مؤامرة للتخلص منه نهائيًا والوفاء بعهده في السرد الافتتاحي للفيلم بحماية والدته، ويصبح كلب الألفا في المكان، ومن هنا تجسد عنوان الفيلم  المستوحى من الكتاب المقدس المزمور 22:20، عندما كان يسوع يتألم على الصليب ونصه: "نجني من السيف وحياتي الثمينة من قوة الكلاب"، حيث قوة الكلب هي كل تلك الالحاحات والمحفزات الداخلية التي لا يمكن السيطرة عليها وتسبب ذلك الدمار، هذه الثيمة هي التي تزين الإيقاع السردي للفيلم.

بيتر هو رؤية  للمكر والدهاء، الجندي الفائز على لوحة الشطرنج مرتديًا قفازه ويعيد الحبل الذي صنعه فيل أسفل السرير وينظر لوالدته وزوجها جورج من أعلى النافذة مع ابتسامة خبيثة على محياه. بيتر القسوة الحقيقة التي تحدث عنها والده قبل أن يشنق نفسه، عن أنه يخشى أن بيتر ليس لطيفًا كفاية وأقوى من اللازم.

أحداث الفيلم حقًا مقتبسة من حياة الراوي الأصلي للقصة المثلي المنغلق والمضطرب توماس سافاج

الأدوات الإبداعية في هذا العمل مذهلة؛ تصوير الوقائع في تلك الجغرافيا الشاسعة للغرب الأمريكي مناظر الشروق وانعكاس أشعة الشمس هي ما يدعم ذلك الوجه الاحترافي للفيلم.

أما الموسيقي من إعداد جوني غرينوود، تتراقص مع الأحداث وتنساب أصوات الكمان متأججة مع المشاهد الخشنة مع المشاعر، هذه الديناميكا المتوترة بين الشخصيات تتضارب مع العديد من الأوتار المقطوعة لخلق هذا الجو الاضطرابي الشاعري الجميل.

هذه الأحداث حقًا مقتبسة من حياة الراوي الأصلي للقصة توماس سافاج، حيث تصفه صحيفة النيويورك تايمز بأنه رجل مثلي الجنس ومنغلق استفاد من سنوات تكوينه والعمل في حقول ومزارع مونتانا.

كاتبة من السودان

 

سودان ألترا في

01.01.2022

 
 
 
 
 

"قوة الكلب" في منطقة رمادية بين الطبيعة والحضارة

سمير رمان

بدأت قناة نيتفليكس بعرض فيلم "The Power of The Dog/ قوة الكلب"، للمخرجة إليزابيث جين كامبيون/ Elizabeth Jane Campion، الذي نالت عنه جائزة "الأسد الفضية" لأفضل إخراج في مهرجان فينيسيا السينمائي لعام 2021.

بعد انقطاعٍ استمر 12 عامًا، عادت كامبيون بفيلمها المستند إلى رواية الكاتب الأميركي توماس سافاج/ Thomas Savage (1915 ـ 2003)، وهي التي ترعرعت في مزرعة في ولاية مونتانا، وقضت جلّ حياتها في صقل تجربتها هناك. حولت كامبيون الرواية إلى نصوصٍ كثيفة استغرق عرضها على الشاشة ساعتين، تغيّر خلالها البطل الرئيسي، وكذلك الأسلوب، مرات عدة. يبدأ الفيلم بقصّة نضوج شابٍّ: تعليقٌ بصوت الشابّ بيتر غوردون (الممثل الأسترالي كودي سميث ـ ماكفي/ Kodi Smit-McPhee، الحائز عن هذا الدور جائزة نقاد نيويورك عام 2021). فقد غوردون والده مبكرًا، وقرر أنّ حماية أمّه روز غوردون (الممثلة الأميركية كريستين دانست/ Kirsten Dunst ) التي تدير مطعمًا على جانب الطريق ستكون مهمته الرئيسة من الآن فصاعدًا. ومع ذلك، يبقى بيتر في الفيلم غير مرئيٍّ، تاركًا المساحة الرئيسية من الشاشة لشخصياتٍ أكثر تقليدية بالنسبة لنوعية أفلام الغرب الأميركية؛ إنّهم الأخوة بربانك، أصحاب مزرعةٍ كبيرة ومزدهرة. في الفيلم، هنالك شابّ وحيد يشبه أصحاب المزارع بحقّ، جورج (جيسي بليمونز/ Jesse Lon Plemons)، وهو رجلٌ محترم يرتدي قبعةً وربطة عنق، ويعرف بالطبع كيف يركب الخيل، ويميّزَ البقرة السليمة من المريضة. ولكنّه نادرًا ما يلوّث يديه بالعمل القذر. أمّا في شأن (فيل)، الأخ الأكبر (يؤدي دوره الممثل الإنكليزي بنيديكت كمبرباتش/Benedict Cumberbatch)، فيشبه أكثر ما يشبه مرافق قطيعٍ بسيط. في وقتٍ لاحق، سيعلم المشاهد من خلال جملةٍ عابرة في الفيلم أنّه قد تلقى تعليمًا كلاسيكيًا ممتازًا، لكنّه يرى أنّ معلّمه الحقيقي في الحياة هو صديقه الراحل برونكو هنري، الذي أخذ على نفسه عهدًا، بعد حصولهم على المزرعة من أبويهم قبل 25 عامًا، بتعليم الأخوة فنون وأصول تربية البقر. لكن، عندما يرى المشاهد الأخ الأكبر (فيل) الذي لم يحلق أبدًا، ونادرًا ما يستحمّ، ويرتدي على الدوام قميصًا مجعدًا من الجينز، ويقوم بيديه العاريتين بخصي العجول، وينام من دون خلع حذائه، فإنّ هذا المشاهد سيجد صعوبةً في تخيّل أنّ فيل هذا يتحدث اللاتينية واليونانية إلى جانب الإنكليزية البسيطة. قليل الكلام، وإذا ما فتح فمه، فإنّه يفعل ذلك غالبًا كي يبصق على أحدٍ ما، بدءًا من أخيه الذي يدعوه بـ"السمين"، وانتهاءً بطالب الطبّ بيتر: عندما توقف آل بربانك لتناول الطعام في مطعم غوردنز أثناء رحلة نقل الماشية، يسخر فيل من الشابّ الخجول سخرية لاذعة لدرجةٍ دفعت الأخير إلى البكاء. بالطبع، يجسد فيل شخصية ذكورية خسيسة، ولكنّها هشة في الوقت نفسه، فهو رجل مزدرٍ تخلّى عن المشاعر الحضرية، واستبدلها بالخشونة الريفية، رجلٌ لا يعترف بحقّ الرجل أن يكون ضعيفًا، سواءً كان الأمر يتعلّق به هو نفسه، أو بالآخرين. فيل رجلٌ ذكوريٌّ يستمد السعادة من إذلال وهزيمة الأشخاص الذين يعتبرهم ضعفاء، في محاولةٍ لإخفاء ضعفه هو نفسه. تتميز شخصيته بغطرسة حقيقية، ويمكن الشعور بكراهيته العميقة للنساء في كل مرة يستهدف فيها روز، سواء سرًا أو علنًا، للسخرية منها، فنراه يقابل نبأ زواج أخيه جورج من روز غوردنز، والدة الشابّ المدلّل، بغضبٍ واحتقار. وعندما تنتقل المرأة إلى مزرعة الماشية، يبذل فيل كلّ ما في وسعه لتسميم حياتها إلى أقصى درجةٍ ممكنة.

"فيل (الممثل بنيديكت كمبرباتش) رجلٌ ذكوريٌّ يستمد السعادة من إذلال وهزيمة الأشخاص الذين يعتبرهم ضعفاء، في محاولةٍ لإخفاء ضعفه هو نفسه"

يتصاعد التوتر الذي زادت حدّته على وقع الموسيقى التصويرية لجوني غرينوود، بالغًا ذروته مع وصول بيتر إلى المزرعة لقضاء عطلة الصيف، هو الذي لا يزال هشًّا منغلقًا، ولا يشبه الرجل "الحقيقيّ" على الإطلاق. يتوقع بيتر ووالدته مزيدًا من السخرية والاستهزاء في حقهما من قبل فيل، الذي يتقمص بشكلٍ مفاجئ دور مرشده وصديقه الأكبر - برونكو هنري، على ما يبدو نتيجة رغبةٍ اجتاحته (أو أملٍ يراوده) بأن يصبح شيئًا ما بالنسبة لبيتر.
وكما في فيلمها السابق "البيانو/ The Piano" عام 1992، الذي جلب لإليزابيث كمبيون أول سعفةٍ ذهبية تنالها مخرجةٍ، فإنّ أحداث فيلم "قوة الكلب" تجري على الحدود الرمادية الفاصلة بين الحضارة والطبيعة. وبعظمةٍ تليق بطبيعة الغرب الأميركي، التقطت كاميرات المصور إيري فيغنر مشاهد من جبال ووديان مونتانا الخضراء والذهبية، لتكون خلفيةً للدراما التي تخفي بعنايةٍ فائقة الدوافع الداخلية لأبطال الفيلم خلف واجهةٍ لائقة من قبيل راع بقرٍ صارم، عشيقة جديرة بمنزلٍ كبير، وطالب طبٍّ متواضع
.

"صرّحت كامبيون قبل عرض الفيلم: الكلب في العنوان هو صفة رمزية لبطل الفيلم (فيل)، الشخص المتناقض الذي يخيّل إليك في البداية أنه ليبراليٌّ منفتح ومتحرر، لكنه يكشف لاحقًا عن عجز مريع في التواصل مع الآخرين"

تضمّن الفيلم كثيرًا مما يسمّى بالأسلوب الكلاسيكي، كما في المشهد المتكرر الذي يصبح فيه باب المدخل في إطار جدرانٍ مظلمة إطارًا لأشكالٍ بشرية، كما في اللقطة المشهورة "The Seekers" للمخرج جون فورد عام 1956. ومع ذلك، تتحوّل إيقونات الغرب الأميركي (الويسترن) عند كامبيون إلى معانٍ أُخرى تكتشفها العين المتفحّصة وحدها، تمامًا كحال بيتر، طالب الطبّ الذي يتمكّن وحده من تمييز خيال كلبٍ فاغر الفكّين يقبع في ثنايا سلسلة الجبال الواقعة مقابل المزرعة. عندها يقول فيل لطالب الطبّ: المهمّ أن تعرف أين تنظر!
الكلب خفيّ، ولكنّه يطلّ علينا في كلّ مشهدٍ تقريبًا. يحاول كلّ أبطال الفيلم المركزيين إبقاء كلابها الخفية التي تنهش أرواحهم مقيّدةً في السلاسل. وحدهم أولئك الذين يمتلكون الجرأة، وقبل كلّ شيءٍ، على الاعتراف بوجود تلك الكلاب داخلهم، سيكون لديهم أملُ في الخلاص
.

بعد انتهاء عرض الفيلم، يتبادر إلى ذهن المشاهد سؤال حول العلاقة بين الفيلم وعنوانه. في إجابةٍ لها عن هذا السؤال، صرّحت المخرجة قبل عرض الفيلم: الكلب في العنوان هو صفة رمزية لبطل الفيلم (فيل)، الشخص المتناقض الذي يخيّل إليك في البداية أنه ليبراليٌّ منفتح ومتحرر، لكنه يكشف لاحقًا عن عجز مريع في التواصل مع الآخرين، عندما يتطلّب الموقف اتخاذ قراراتٍ حاسمة، حتى وإن كانت تتعلّق بالمرأة التي يحب.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

01.01.2022

 
 
 
 
 

أوليفيا كولمان: ستون وراشيل تنازلتا عن الترشيح لأفوز بالأوسكار

«سينماتوغراف» ـ متابعات

أكدت النجمة أوليفيا كولمان أنها لا تنسى فضل زميلتيها إيما ستون وراشيل وايز اللتين تخليتا عن ترشيحهما للأوسكار لإتاحة الفرصة لها للفوز بجائزة أفضل ممثلة.

وذكرت صحيفة (ميل أون صانداي) أن كولمان لا تدين بالفضل في فوزها بالجائزة إلى أعضاء لجنة التحكيم، بل إلى زميلتيها اللتين سمحتا لها بالترشيح لأنهما سبق لهما الفوز بجوائز الأوسكار من قبل.

وعلى سبيل المثال، اختارت إيما ستون أن يتم ترشيحها لجائزة أفضل ممثلة مساعدة لكي تعزز من فرص أوليفيا في الفوز بجائزة أفضل ممثلة، وأقنعت زميلتها وايز لتحذو حذوها.

وفازت النجمة أوليفيا كولمان بالجائزة في عام 2019 عن دورها في فيلم The Favourite الذي يحكي قصة الملكة البريطانية آن الضعيفة التي تتعرض لمؤامرات من داخل الحاشية تقضي عليها.

في سياق متصل، لا تخفي كولمان حلمها بالحصول على الأوسكار مرة أخرى عن دورها في فيلم الدراما النفسية The Lost Daughter أو الابنة الضائعة من سيناريو واخراج ماجي جيلينهال والتي تشاركها البطولة فيه داكوتا جونسون وجيسي باكلي.

ويحكي الفيلم قصة امرأة تقضي عطلتها على الشاطئ، وتبدأ في مواجهة مشاكلها وخطاياها في الماضي، بعد أن اعتقدت أنها نسيتها للأبد.

والفيلم مقتبس من رواية تحمل الاسم نفسه لإيلينا فيرانتي، وعرض لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي الدولي في سبتمبر 2021، حيث فازت جيلينهال بجائزة أفضل سيناريو.

كما أشاد النقاد بالفيلم وأداء كولمان لدى عرضه في دور السينما وعلى منصة نتفلكس.

 

موقع "سينماتوغراف" في

02.01.2022

 
 
 
 
 

خالد محمود يكتب

«سبنسر».. رحلة سقوط حلم ديانا

لا تزال رحلة الأميرة ديانا مع الحياة تشكل مصدر إلهام للمخرجين، فجانب كونها شخصية درامية من الدرجة الأولى، تبقى مناطق كثيرة شابها الغموض تشكل حالة جذب لطرحها فى السينما وقراءة مشهدها من جديد. ويأتي فيلم “سبنسر” للمخرج بابلو لاراين وكتابة ستيفن نايت، ليلى بشهادته حول فصول شائكة من حياة أميرة ويلز التي تقوم بدورها كريستين ستيوارت فى واحد من أقوى أدوارها قد ترشح عنه لجائزة أوسكار.

تنطلق أحداث “سبنسر”  خلال عيد الميلاد مع العائلة المالكة في مقاطعة ساندرينجهام في نورفولك بإنجلترا، وقررت ديانا سبنسر، التي تعاني  من مشاكل نفسية، إنهاء زواجها الذي دام عشر سنوات من الأمير تشارلز.

دون شك لم يجبر أحد ديانا، بالطبع، على أن تصبح واحدة من أفراد العائلة المالكة. في عيون العالم ، تعيش الحلم. لقد تحولت إلى سندريلا في عصرنا الواقعي. 

هنا فيلم “سبنسر” يتمتع بالجرأة والخيال لتصوير ديانا ليس على أنها “أميرة” أو كأميرة متمردة أيضًا، ولكن بصفتها المرأة المتميزة من لحم ودم، ويخلق الفيلم صورة نوع من إسقاط الحلم عن حياتها الداخلية.

نعم ، لديها ثروة ، راحة ، امتيازات ، شهرة. لكن الحياة داخل «القفص المذهَّب» للعائلة المالكة خانقة أيضًا. كما تشرح لأبنائها، ويليام “جاك نيلن” وهاري “فريدي سبري”، هذا لأنها حياة تجعل الوقت ثابتًا. تقول: “هنا ، يوجد زمن واحد فقط. لا يوجد مستقبل. الماضي والحاضر هما نفس الشيء. ما تتحدث عنه هو وجود يكون فيه “التقليد” رمزًا لما كان وما سيكون دائمًا. “إنه رمز لنوع بريطاني للغاية من التحكم.

يعرض الفيلم الشره المرضي لديانا بصراحة تامة “إنه سر مكشوف حتى أن تشارلز يشير إليه بازدراء”. 

ويصور “سبنسر” الأميرة ديانا وهي تزداد عزلة عن بقية أفراد العائلة الملكية بينما تسعى باستماتة لتحرير نفسها من القيود الملكية، وتظهر في الفيلم كذلك علاقتها الوثيقة بابنيها وليام وهاري. أجمل ما فى سبنسر هو كونه   بمثابة قصيدة بصرية سريالية فاترة وكابوسية للعزلة الملكية والوحدة.

تؤدي كريستين ستيوارت دورًا رائعًا وتبدو دائما متسقة في عدد من المشاهد  القوية التي لا تُنسى خاصة فى تحولاتها المزاجية ومن المعروف أن المخرج التشيلي بابلو لارين يتميز بشكل أساسي بالأفلام التي تصور المزاج الخانق في بلده الأصلي في ظل الديكتاتورية قبل عصره، هنا سمح بإحساسه بالضيق والانحلال الأخلاقي في ساندرينجهام، قصر الملكة الخاص في نورفولك، المكان المفضل للعائلة المالكة، حيث يقضون عيد الميلاد ويحبون الصيد. ورغم الحيل الدرامية التى صاغها السيناريو للفكرة المنشودة إلا أنه يحتوي على عنصر من الحقيقة - المنزل الذي نشأت فيه ديانا، زواجهما غير السعيد وتقييد الهروب من الحياة الملكية.

المشاهد بين ديانا وابنيها الأمير هاري “ فريدة سبرى “ وويليام “ جاك نيلن مؤثرة بشكل خاص هم دائما يضحكون بينما ديانا عالقة في زواج بلا حب  خجولة لرجل يخونها علانية.

ليست حالة غير مألوفة. ولكن نظرًا لأنها واحدة من أفراد العائلة المالكة ، فإنها لا تستطيع تركه “أو هكذا تعتقد”. 

إنها مسجونة فعليًا. إنها تعرف أنه من المفترض أن ترتدي عقد اللؤلؤ الرائع الذي حصل عليها تشارلز، لكنه حصل أيضًا على نفس القلادة  لعشيقته ، كاميلا باركر بولز “التي نلمحها خارج الكنيسة في صباح عيد الميلاد ؛ إنها تبتسم ابتسامة خبث لديانا”. لقد فعل ذلك دون تفكير، ولم يدرك حتى أن أي شخص سيلاحظ ذلك. في غرفة نومها في القصر، تجد ديانا سيرة ذاتية لآن بولين ، الزوجة التي اتهمها هنري الثامن بالزنا وقطع رأسها حتى يتمكن من الزواج من شخص آخر ،لكن ديانا تمسك باللآلئ حول رقبتها وكأن القلادة نفسها على وشك إعدامها. تلك اللآلئ تقتلها بهدوء.

جزء من جرأة “سبنسر” وتميزها الحوار المتلألأ من حيث الروح والشكل، والمحادثة الذكية التى تعد هي شريان الحياة لهذه النوعية من الأفلام، النص الذي كتبه ستيفن نايت، يخلق ذكاءه الجذاب. إنه موجود في حوار ديانا ، الذي يتكون من ملاحظاتها اللافتة، للآخرين ولكن تقريبًا لنفسها، بنوع من السخرية الحزينة. تقول عن غرفة نومها: “كانت هذه غرفة الملكة فيكتوريا ذات يوم”. والأمر الأكثر مأساوية، كما تقول ، مشيرة إلى البهرجة الذاتية، “الجمال عديم الفائدة. الجمال ملابس”. يظهر لك الفيلم أنها أصبحت تصدق ذلك.

كيف ستهرب ديانا؟ بالنسبة لمعظم الفيلم، لم تكن لديها أدنى فكرة عن قدرتها على ذلك. في جميع النزاعات التي خاضتها مع تشارلز، الذي يلعبه جاك فارثينج كرجل ذي قيود وحشية، هناك صراع دفعته إلى عدم التنازل عنه: إنها لا تريد أن يصبح أبناؤها جزءًا من والدهم.

وصنع ستيوارت تلك اللحظة الأكثر إثارة  بالفيلم ، ديانا لا تتحدث بصفتها أحد أفراد العائلة المالكة. إنها تتحدث كأم كيف ستفعل ذلك؟ كما تخبرنا أغنية البوب  التي يتم تشغيلها بشكل مثير خلال التسلسل التالي ، فإن كل ما تحتاجه هو معجزة.

الفيلم الاستثنائي يصف نفسه بأنه “حكاية من مأساة حقيقية” ويسلط الضوء على ثلاثة أيام من فسخ زواج تشارلز وديانا، يعمل المخرج التشيلي بابلو لارين على سيناريو حاد لستيفن نايت ، ويحول العناوين الرئيسية والفضائح إلى كابوس كامل ، وقصر جليدي فخم لفيلم بظلال ريبيكا على الحواف وصرير خفافيش مبهج من العبثية.أثبتت كريستين ستيوارت ، المتدفقة أنها مقنعة تمامًا في دور البطولة، إنها تقدم أداءً محرجًا ومهذبًا مثل ديانا ، وهذا تمامًا كما ينبغي أن يكون عندما يعتبر المرء أن ديانا قدمت أداءً غريبًا ومهذبًا بنفسها ،  عندما انهارت وفقدت اتزانها  كان الأمر أشبه بمشاهدة زوجة تعاني من خلل. لكن ستيوارت تلتقط بشكل فعال معاناة امرأة مبرمجة ومعزولة لدرجة أنها تشعر أنها لا مفر منها وفقدت البصر عن هويتها. 

“سبنسر”  هو فيلم طموح من الناحية السردية يعيد مزج الواقع والخيال ليدخل بنا داخل رأس أميرة ويلز، ويستكشف المرض العقلي والصدمات السابقة في حين أن بابلو لارين يرسخ نفسه كمخرج مدهش لسير ذاتية فريدة ومدروسة.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

02.01.2022

 
 
 
 
 

فيلم "لا تنظروا إلى السماء".. خلاص العشاء الأخير

محمد جميل خضر

بِفيلم "لا تنظروا إلى السماء" (2021) Don't Look Up، للمخرج آدم مكاي الذي شارك، إلى ذلك، ديفيد سيروتا، كتابة نصّه وحواراته، ودّعت شركات الإنتاج الأميركي عام 2021.

والحق يقال إن في الفيلم ما يمكن التأشير عليه، والإشادة به، وفي مقدمة ما لفتني داخل الشريط الطويل (143 دقيقة)، هذه الإدانة الجريئة للرأسمالية الغربية، التي تنحدر في سياق أحداث الفيلم وحدوتته، إلى مدارك غير مسبوقة، على مدى سيرورتها العابرة خمسة قرون من الجشع والفساد، ونهب ثروات الأرض، واغتيال الأحلام المتعلقة بالمعنى والقيم والأخلاق، وتحطيم وجدان الحياة. إنها هذه المرّة تريد أن تنهب ثروات السماء، أيضًا، وليس ثروات الأرض فقط: "أيها العبيد المعتقلون بعولمتنا الاستهلاكية، لا تنظروا إلى السماء، فهذه أيضًا لنا".

كما تحمل بعض رسائل الفيلم إدانة بالغة الكوميديا السوداء للسياسة الأميركية الغارقة، في دورها، من (ساسها لراسها)، داخل حبال الرأسمالية. ولعل الإدانة الأهم التي شفّرتها رسائل الفيلم بوضوح أخّاذ تلك الإدانة المتعلقة بما وصلنا له نحن بنو البشر حول انقيادنا المجنون المستلَب لأجهزتنا الذكية، إلى الحد الذي لم يعد يسمع أحد أحدًا. كما أن ما أحدثته مواقع التواصل الاجتماعي من صدمات نفسية وجدانية أخلاقية اجتماعية، تسببت بقدر مرعب إلى أبعد الحدود من الغباء والعماء، إلى الحد الذي لم يعد يفرّق فيه الناس، بين الحقيقة والافتراض، بين الحقيقيّ والوهميّ.

الحدوتة باختصار..

كي لا يظل كلامي في منطقة المجهول والتعويم، فسوف أمر سريعًا على حدوتة الفيلم: باحثة (طالبة دكتوراة) في جامعة ميتشيغان، تقع عينا تلسكوبها الضخم خلال عملها على أطروحتها لنيل الدرجة، على مذنّب ضخم في طريقه إلى الأرض. بعد بهجة اللحظات الأولى لهذا الفتح العلميّ الكبير، يتبيّن للباحثة كيت ديبياسكي (جينيفر لورنس)، وللبروفيسور الذي يشرف على أطروحتها (البروفيسور راندال ميندي، أدى دوره بحلّة أدائية جديدة ومعقولة جدًا الممثل ليوناردو دي كابريو)، أن الأمر كارثة حقيقية، فالمذنّب بالحجم الذي هو عليه سيصطدم بكوكبنا بعد ستة أشهر و14 يومًا، وحين يصل مياه المحيط سوف يتسبب بتسونامي يبلغ ارتفاع موجته الجارفة كيلو متر ونصف الكيلو متر، ما يعني غرق الكوكب بالكامل. من هنا تبدأ أحداث الفيلم، ومن هنا تبدأ اتصالاتهما، ويقابلان رئيسة أميركا (أرادوها هذه المرّة رئيسة، وليس رئيسًا، أدّت دورها القديرة ميريل ستريب). وتبدأ فوضى الأحداث العارمة بالمدّ والجزْر والتلاطم داخل دوامة الخبر العظيم، بسيناريو تتابعيّ تشاركيّ تقطيعيّ أتقن آدم مكاي إدارة خطوطه بإبهار ناضج. ما الذي يحدث بعد ذلك؟ كيف تواجه الرأسمالية الأميركية هذا الحدث الجلل؟ كيف تتطوّر شخصيات الفيلم، وكيف تتطوّر سرديته؟ هذا ما تسمح مشاهدة مسليّة للفيلم بالحصول على إجابات عن هذه الأسئلة، وغيرها.

"المذنّب سيصطدم بكوكبنا بعد ستة أشهر و14 يومًا، وحين يصل مياه المحيط سوف يتسبب بتسونامي يبلغ ارتفاع موجته الجارفة 1.5 كيلومتر"

مع تواصل تعامل الإعلام الأميركي المهووس بـ(الشو) وشحد المتابعة الركيكة السطحية، باستهتار وفظاظة حشو نكات، مع المسؤولية الكبرى التي يحملها ميندي، ومعه طالبته كيت، والدكتور كلايتون "تيدي" أوجليثورب، رئيس الدفاع الكوكبي في وكالة "ناسا" (أدى دوره بوب مورغان)، وتواصل تحويلهم المأساة إلى (قفشات) ثقيلة الدم (سمجة) الإيقاع والمعنى والمؤدّى، يصرخ ميندي، في مشهد مؤثّر ومهم ومحوّري بالفيلم، بوجه المذيعة بري إيفانتي (كيت بلانشيت)، والمذيع جاك بريمر (تايلر بيري): "هلّا تتوقفان رجاء عن الترفيه. أنا آسف، ولكن ليس ضروريًّا أن يبدو كل ما تقولانه ذكيًّا، أو فاتنًا، أو محببًّا طوال الوقت. نحتاج أحيانًا لقول أشياء لبعضنا البعض، نحتاج إلى سماع أشياء. لنؤكد بوضوح مرّة أخرى، أن مذنّبًا ضخمًا في طريقة إلى الأرض، وسبب معرفتنا اليقينية لهذه الحقيقة أننا رأينا مذنّب ديبياسكي (منحوه اسم أول من رأته) بأعيننا عبر التلسكوب، والتقطنا صورًا له، فهل نحتاج إلى برهانٍ آخر؟ وإن فشلنا أن نتفق بالحد الأدنى جميعنا، على أن مذنّبًا ضخمًا بحجم جبل "إفريست" يندفع نحو الأرض هو ليس، بأي حال من الأحوال، أمرًا جيدًا، فإن سؤالًا وجوديًّا مرعبًا ينبثق مباشرة: ماذا حدث لنا؟ أقصد، ويلاه، يا إلهي.. كيف نتحدث إلى بعضنا حتى؟ ماذا فعلنا بأنفسنا؟ وما هو السبيل لإصلاح كل هذا الخراب الذي أحاق بنا جميعنا؟". وعندما قاطعته المذيعة (عشيقة الأمس) قائلة إن الفرصة مواتية للثناء على ما تقوم به الرئيسة من التفكير باستثمار المذنّب بدل تغيير مساره، صرخ ميندي بأكثر ما يمكنه من غضب وثورة، وقال "إن رئيسة الولايات المتحدة مجرّد كاذبة كبيرة" the president of the united states is fucken lying.

لعل هذه المداخلة الغاضبة اليائسة الصارخة، التي جرت على لسان ميندي، وتشارك فيها مع لسانه قلبه وعقله ووجدانه ومختلف جوارحه، هي الملخّص الأسمى لِفيلمٍ يبدو أن فرصه عند شباك التذاكر سوف تكون كبيرة، وربما، ما هو أبعد من شباك التذاكر، عندما يحين موسم حصاد الأفلام.

أليس خرابًا عالميًا منذرًا بما هو أخطر في القادم المجهول أن تتفوّق متابعات (تك.. توك) هذا العام على كل منافساتها من مواقع التواصل الأخرى؟ ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد حوّل مجانين (تك.. توك) داخل أحداث الفيلم مقابلة كيت وميندي على أكثر البرامج الصباحية الأميركية متابعة، إلى (تريند) سخرية فاقعة، عندما صرخت كيت أمام (سماجة) وجه المذيع والمذيعة (إياهما اللذيْن صرخ ميندي لاحقًا بهما): "سوف نموت جميعنا" إلى مادة تندّر وشبّهوها بمصّاصي الدماء، وركّبوا لها صورًا فاقدة لأي قيمة أو محتوى. أما بالنسبة لميندي، رفيقها في المقابلة، فهو، كما كشفت تعليقاتهنّ وتعليقاتهم: "رجل الفضاء الذي ترغب إحداهن بمضاجعته"!

"المداخلة الغاضبة اليائسة الصارخة، التي جرت على لسان ميندي، وتشارك فيها مع لسانه قلبه وعقله ووجدانه ومختلف جوارحه، هي الملخّص الأسمى لِفيلمٍ يبدو أن فرصه عند شباك التذاكر سوف تكون كبيرة"

أما (التريند) الحقيقي في الحلقة نفسها التي ظهرا فيها كيت وميندي، فإنه كان للمغنية رايلي بينا (أدت دورها أريانا غراندي)، وعودة حبيبها دي جي تشيلو (كيد كودي) لها على الهواء مباشرة، بطريقة استعراضية مدبّرة من معدّي البرنامج.

المشهد الأخير.. العشاء الأخير..

المشهد الأخير للأبطال الحقيقيين في الفيلم، وما أقصده بقولي "الأبطال الحقيقيين" هم المجموعة التي التقت حول قيمٍ يمكن أن يكون لها في الحياة معنى وفرص نجاة، إن أتيح لهم مواصلة هذه الحياة، أو في حياة أخرى.  هذا المشهد يحاكي مشهد العشاء الأخير في السرديّة المسيحيّة. ففي حالة الفيلم، وبعدما تيقّن الأخيار من حدوث الكارثة، قرروا أن يواجهوا لحظاتها الأخيرة معًا، فاجتمعوا على العشاء في بيت ميندي، بعد أن صفحت زوجته عنه (خانها خلال سياقات الفيلم مع المذيعة إياها بري إيفانتي، وذلك قبل عودته إلى وعيه، وتحمّله مسؤولياته تجاه الكارثة، وصيحته الكبرى في ظهوره الأخير على البرنامج إياه). في العشاء الأخير، اجتمع يسوع مع حوارييه وهو يعلم أن النهاية اقتربت. في عشاء أبطال الفيلم، يبوح كل واحد منهم بما/ أو بمن يشعر نحوه بالعرفان والامتنان. في العشاء الأخير، يشكر يسوع من ظلوا مؤمنين به، ويبشّرهم ويشدّ من عزمهم. في عشاء الفيلم أكثر من خدم المشاركين فيه هو صاحب البيت ميندي. في العشاء الأخير، يغسل يسوع أقدام التلاميذ. في أكثر لحظات الفيلم دفئًا وعمقًا، تصبح الصراحة وقول الحقيقة عنوانًا يتناوبه جلّاس ذلك العشاء، وهم، إضافة لميندي وكيت وتيدي: جون (ميلاني لينسكي) زوجة ميندي الطيبة، ولداه الشابّان المجتهدان بدروسهما، كوينتن خطيب كيت الذي طلب يدها وهما يركبان سيارة ميندي في طريقهما إلى بيته (مثّل الجيل الشبابي اليساريّ الثائر في بلاد العم سام. أدّى دوره بخفّة دمٍ لافتةٍ الممثل تيموثي شالاماي). في العشاء الأخير، الكلمة الخالدة هي "الحق أقول لكم". في عشاء ميندي صلاة تبرّع بها عنهم جميعهم كوينتن الذي تبيّن أن في أعماقه إيمان يخفيه عن رفاقه في التمرّد: "أبانا العزيز والخالق القدير، نسألك، رغم كبريائنا، أن تمنحنا الليلة نعمتك، وغفرانك رغم شكوكنا، وفوق كل شيء أيها الرب، نسألك أن تمنحنا في هذه الأوقات القاتمة محبّتك، نرجو مواجهة ما سيأتي أيًّا كانت حقيقته، ومهما كانت مآلاته، بحسب مشيئتك الإلهية، بشجاعةٍ وقلوب منفتحةٍ وقبولٍ راضٍ مؤمنٍ مسلّم قيادَه لك وحدك.. آمين". في العشاء الأخير، يوصي يسوع تلاميذه: "أحبّوا بعضكم بعضًا"، ولعل الحب الذي جرى في عروق بيت ميندي في انتظار طوفان النهاية، هو بريق أمل ساطع أن الإنسانية لا تفنى، والمعنى لا يفنى، وأن المحبة هي الممكن الوحيد الذي في استطاعته إعادة النبض لكوكب وصل بابًا موصدًا بالنسبة لمفردات وجوده القائمة على أسسه المتعيّنة الآن، التي تفرض قوى غير مُحِبّة، غربية، أو شرقية، عناوين وجوده، وترغم جميع من فيه على الانصياع لهذه العناوين، والموت، حتى، من أجل هذه العناوين.

"في العشاء الأخير، يوصي يسوع تلاميذه: "أحبّوا بعضكم بعضًا"، ولعل الحب الذي جرى في عروق بيت ميندي في انتظار طوفان النهاية هو بريق أمل ساطع أن الإنسانية لا تفنى، والمعنى لا يفنى"

في عشاء ميندي، لم يكن ثمة يهوذا، لا أسخريوطي ولا أنجلوساكسوني، فخارج البيت الدافئ، حيث اجتمع الرفاق، كان يهوذا يتجسّد بكل الأشرار الذين هربوا بسفينة فضائية، ومعهم رئيسة العالم، أقصد رئيسة الولايات المتحدة الأميركية، التي نسيت أن تحمل معها في سفينة نجاتها بنفسها ابنها جايسون، مستشارها في الفيلم للأمن القومي. تذكّرت أن تتصل بميندي وتدعوه لمرافقة فريق الهاربين من رجال الأعمال ورؤوس الأموال، ونسيت ابنها وحيدًا بائسًا يقول لنفسه، ظل يقول لنفسه: "سوف تعود.. أمي سوف تعود". أما يهوذا الأبشع داخل تفاصيل الفيلم فهو المستثمر الجشع بيتر إيشيرويل (كريس إيفانز) صاحب مشروع استثمار المذنّب القاتل، وأول الهاربين بعد فشل عملية تحطيم الكويكب المدمّر.

انتهى الفيلم، وانتهى الكوكب جميعه، ولم تحصل كيت على جوابٍ شافٍ حول كيف دفّعهم الجنرال ثيمز (بول غيلفويل) رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، وأحد أهم أركان البنتاغون، ثمن الماء و(الشيبس) الذي تبيّن لها لاحقًا أنه يوزّع في البيت الأبيض مجّانًا.

ولعلها مفارقة باذخة الكوميديا السوداء، عندما أشعرنا المخرج أن ما فعله ثيمز شغل بال كيت، وأقلق وجودها، وهزّ أركان يقينها، أكثر مما فعل مذنّبٌ حمّلوه اسمها وحمّلوها وزره.

كان لا بد من هذه النهاية في الفيلم الذي قرّر أن يكسر إيقاع هكذا أفلام، ويترجّل عن قصة المنقذ الأميركيّ الأعظم، القوي، النبيل، الشهم، المعجِز، الخارق، بطل الثواني الأخيرة قبل انفجار القنبلة، أو انطلاق الصاروخ، أو انبثاق الطوفان، أو غرق السفينة.

بقيَ..

بقي في جعبتي بعض الملاحظات: لا أدري أيهما أدق بالنسبة لعنوان الفيلم بالترجمة العربية: "لا تنظر/ تنظروا للأعلى"، أو "لا تنظر/ تنظروا إلى السماء". على كل حال، للفيلم عنوانه الإنكليزي Don't Look Up، وهو الرد الرسميّ الرأسماليّ على حملة قادها ميندي وكيت عندما بدأ المذنّب يقترب، وصار يمكن مشاهدته بالعين المجرّدة: Look Up.

صعد المخرج بالفيلم من نطاقه البشريّ الضيّق، وجاءت، بالتالي، مشاهد الكائنات الأخرى في البحر والبرّ والسماء، التي تشاركنا إقامتنا فيه، بليغة الدلالات.. جميلة المشهديات. موسيقى الفيلم لِنيكولاس بريتيل، ومؤثراته الصوتية تجلّت بوصفها ركنًا رئيسًا من أركانه وعناصره.

"تحلّق الملائكة في السماوات"، وتحلّق بعض أفلام السينما في غرف الذكريات.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

02.01.2022

 
 
 
 
 

"لا تنظر إلى الأعلى" لآدم ماكاي:

تذكير بصريّ ساخر برعب يعيشه العالم

محمد بنعزيز

هذا فيلمٌ يُهاجم هذه اللحظة التاريخية. بينما تُروّج حكومات كلّ دول العالم للّحقنة الرابعة للقضاء على شرّ كورونا، تُروِّج "نتفليكس" لخطر ساحقٍ سيقضي على الحياة البشرية عاجلاً. إنّه "لا تنظر إلى الأعلى" (2021) لآدم ماكاي.

التهديد بقرب نهاية العالم روّج له السرد الديني، وتُروِّج له ألعاب الفيديو وأفلام "القيامة الآن". النهاية صارت وشيكة. هناك عالِمان فلكيان يعرفان مصير العالم المُهدَّد بخطر هائل، بينما الرئيسة الأميركية وطاقمها منشغلان بمناورات انتخابية.

يتجوّل الفلكي، الدكتور راندل ماندي (ليوناردو ديكابريو)، رفقة العالِمة الفلكية الشابّة كايت دِبياسْكي (جينيفر لورنس)، للتحذير من خطر وشيك. يبدو من أداء ديكابريو أنّ ماندي غير مُقتنع بمصدر الخطر. يحاول أنْ تتطابق نوايا الشخصية مع أفعالها. يرتعش بشكل مُبالغ فيه، لتُعدي حالته المتفرّجين، فيحتجرون. تمثّل الشابّة الدور الساذج لـ"كانديد". تقول حقيقةً واحدة، فيتحطّم المطعم الذي كانت فيه.

الفيلم تذكير ساخر بالرعب الذي نعيشه، عبر حَكْي خيالي، التَقَط بذرته من واقع معيش. حَكْي يلعب بما يعرفه المتفرّج، لغوياً وبصرياً. بسبب سرعة الانفعال، يُهيمن إحساسٌ واحد على الجمهور. يذوب الفرد في القطيع المرعوب بسبب العدوى. يصير الفرد المتحضّر همجياً، يصرخ ويكسر، لأنّه يشعر بالعجز في مواجهة المُذَنَّب. لا جدوى من ارتداء الكمامة بطريقة سليمة، وغسل اليدين بالماء والصابون، والتباعد والتعقيم والتلقيح.

استخلص الدكتور ماندي العبرة مما وقع في المطعم، فانضمّ إلى عالَم الإعلام، وصار يظهر على التلفزيون. تولَّد لدى الشخصية حافزٌ قويّ، فتحسّن أداء الممثل. شَذّب الدكتور لحيته ومعجمه وسلوكه. صار في مثل حماقة الدكتور في "فلامور" (1964) لستانلي كوبريك.

في "لا تنظر إلى الأعلى"، عالِمة فلكية تجهل السياسة. تتكلّم، فتُثير فوضى. مُتخصّصة تخديرٍ تُوجِّه الشعب. مدير مكتب الرئيسة الأميركية يقتبس تصريحاته من "إنقاذ الجندي راين" (1998) لستيفن سبيلبيرغ.

"لا تنظر إلى الأعلى" فرصة للضحك على حجم غباء الجمهور. قبل مشاهدته، يُستعاد رعب عام 2020: كلّ مواطن حاذق يستخدم يده اليسرى للَمْس الأسطح المشكوك فيها بنقل العدوى، ويستخدم اليد اليمنى للَمْس أنفه. حينها، اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقع رئات المرضى في "جافيل".

قبل الحجر الصحي الشامل منتصف 2020، من كان يتصوّر حجْر ملايين البشر خوفاً من فيروس تبلغ نسبة الشفاء منه 98،5 في المائة؟

من يستحقّ أن يدير رغبات الجمهور ومخاوفه: العلماء أم السياسيون؟ هل الذين يقولون الحقيقة في جُملٍ طويلة أشبه بمتاهة، أم الذين يعرفون ضبْطَ الرغبات والمخاوف وتوجيهها، للسيطرة عليها، بجُمَل قصيرة شعاراتية؟

تُقدّم ميريل ستريب وكايت بلانشيت شخصيتين في أقصى درجات الوقاحة. زعيمة السياسيين وزعيمة الإعلاميين في توافقٍ تام. بعد كلّ حماقة، تُطلقان ضحكة بلهاء لإخفاء حجم الاحتقار. هذا يستحقّه شعبٌ فيه من الحمقى أكثر من العقلاء، حسب ثيربانتس.

هذا الفيلم عيّنة من أخبار الحمقى والمغفّلين الذين تولّوا إدارة الأزمة، وعيّنة من ضحاياهم، أي نحن. فيلمٌ يجري على هواتف وحواسيب. هنا يمضي البشر جُلّ وقتهم. ينقل إعلامُ المرحلة الخطرَ بلغة شعرية: لإنقاذ الكرة الزرقاء، تحلّق الملائكة في السماء، ويجرى تصحيح المسار. استولت شركة اتصال على الخطر، لتستثمر فيه، فتولَّد سياقٌ غريب. فَقَد الدكتور الفلكي موقعه لصالح رجل الأعمال. صار الخطر فرصة تسوّق. إنّ التسويقَ كلُّ شيء. هذا عصر رجال الأعمال. الأوغاد أقوى.

قدّم "لا تنظر إلى الأعلىكايت بلانشيت وميريل ستريب في أداء كوميدي عميق، أنقذ فيلماً يُشبه ريبورتاجاً في أخبار الظهيرة عن أميركا الترامبية الشكَّاكة في العلم، والمُحتفية بالديماغوجيا على مواقع التواصل الاجتماعي. التواصل الاجتماعي تافه، أما التطبيقات في الهواتف فمجرّد صفحات بيضاء، تعرض المحتوى ولا تخترعه. أهمّ محتوى يُسلّي الجميع: أخبار الفضائح الجنسية. هذا أهمّ من أي اختراع أو اكتشاف علمي. تتغذّى وسائل الإعلام من هذه التفاهة لتحقيق أعلى نسبة مُشاهدة.

فيلم آدم ماكاي محاكاة ساخرة للتغطية الإعلامية عن رعب مجهول. هزمت التفاهةُ العلمَ في مواقع التواصل الاجتماعي. استثمر الفيلمُ علمَ نفس الجموع، وأظهر كيف ينتشر الرعب بسهولة بين القطيع، بحسب غوستاف لوبون. القطيع غبي. الفيلم فرصة لاختبار صورة الشعب. يزعم معلّق سطحيّ أنّ الكوميديا تستغبي الشعب. يفترض هذا أنّ الذكاءَ يسيل في الأزقة والشوارع. كم كمية الذكاء التي صادفها المرءُ هذا اليوم في طريقه؟

قال ثيربانتِس: "لا يُباع الكِتاب إن لم يكن لاذعاً" (دون كيخوته، ص 974). كذلك الفيلم: يؤثّر حين يكون لاذعاً. هذا فيلم كوميديا سياسية تُحاكي موضوعها لتُفجّره وتفضحه. هناك بحثٌ مقصود عن هجاء سياسي حاد لما يجري، من دون تركيز كبير على الأناقة الفنية. هذه سوسيولوجيا عنيفة، حتى لو قيلت بطريقة مباشرة وغير فنية في الحوار. المهمّ: الأثر النفسي. تَفْقدُ السخريةُ مفعولَها حين يتجاوزها الواقع. لا يُمكن للفنّ أن ينافس ويتجاوز قتامة الواقع إلا بالسخرية. يوصي الفيلمُ المتفرّجَ: "لا تنظر إلى الأعلى. انظر فقط إلى من هم أسفل منك، وسترتاح".

صارت المصيبة مَشهداً تلفزيونياً مُدهشاً. يضحك المتفرّجون من رعب الكومبارس في البلد، وفي الفيلم. الفكاهة خطرة، لأنّها تُتفّه الموت، وتحوّله إلى سخرية. لهذا سوابق: بعد الطاعون الأسود عام 1346، ظهرت القصص الساخرة، "الديكاميرون" لجوفاني بوكاتشو عام 1353. بعد كورونا الأخضر، جاء "لا تنظر إلى الأعلى"، للسخرية من أساليب السياسيّ الحكيم، الذي يطمئن الناس ببثّ رسالة أمل مُخدِّرة. في المقابل، يشعرُ العالِمُ المتخصّص بالقلق، ثم بالإهانة، لأنّه "يؤخذ على قدر عقله". يشرح له الزعيم السياسي أنّ الأمن وضبط القطيع أهمّ، لا إثبات الحقائق. بعدها، فوجئت العالِمة الباحثة عن الحقيقة بأنّ والديها يصدّقان الزعيم السياسي ويكذّبانها، فتقرّر أن تعيش حياتها بدلاً من انتظار الموت.

لذلك، فليُبارك الربُّ هذا المجتمع، وليُبارك كلّ من شعر بأنّ مستوى الفيلم ارتفع في النهاية. ففي النهاية، انعزلت النخبة لتتناول العشاء بسلامٍ بعيداً عن الجموع. كان ذلك العشاء الأخير للرواقيين، الذين لم تسبق لهم الصلاة.

 

العربي الجديد اللندنية في

03.01.2022

 
 
 
 
 

بين الإشادة والسخرية... لماذا أثار فيلم "لا تنظروا إلى السماء" كل هذا اللغط؟

تعليق غير متوقع من مخرجه على خطأ في المونتاج وترشيحات متوالية بقوائم الجوائز الكبرى

حميدة أبو هميلة كاتبة

مشاهدات عالية وإشادات لا تتوقف ومناقشات محتدمة، وتداول لعبارات ومشاهد للأبطال، وكأنه فيلم العام، على الرغم من أنه صدر في نهايته، وفي نفس الوقت هجوم حاد وسخرية واتهامات بالمباشرة والسطحية والاستستهال وضعف الجودة، أو كأنه الفيلم الذي يجب أن يسقط من ذاكرة سينما 2021.

فبينما يرى البعض أن "لا تنظروا إلى السماء" أو (Don’t Look Up) للمخرج الحائز  أوسكار آدم مكاي، يستحق أكثر من الأربع ترشيحات التي حصل عليها في غولدن غلوب، يعتقد آخرون أنه ليس فيلماً يتحدث عن كارثة كونية وشيكة، بل هو كارثة في حد ذاته!

قضية مهمة في قالب كوميدي

هذا الاستقطاب الحاد في الآراء والجدل الممتد بين مشاهدين من جميع أنحاء العالم، أشعل مواقع التواصل الاجتماعي منذ انطلاق عرض الفيلم على "نتفليكس" قبل وداع العام بأيام قليلة، حيث تدور قصته حول عالمين غير مشهورين يحذران الحكومة الأميركية من اقتراب مذنّب من الأرض مع تأكيدات بأنه سيدمر الكوكب لا محالة خلال أشهر، ويشرح العمل كيفية تعامل السلطة مع مثل هذه الأزمات، فما يهم هو المكاسب السياسية أولاً، دون إعلاء قيمة لدور العلماء وقيمتهم، بالتالي على الرغم من المحاولات الحثيثة لإنقاذ العالم من الدمار فلا صوت يعلو فوق صوت السلطة ورأس المال والشركات الكبرى المتحكمة في التكنولوجيا، فطالما أن آلة الدعاية السياسية تعمل بشكل جيد فما يحدث في الكواليس لا يهم، ويلقي العمل الذي تدور أحداثه في قالب كوميدي سوداوي الضوء على اهتمامات الجمهور، وكذلك وسائل الإعلام بالترفيه الفارغ على حساب خدمة المشاهد بشكل جاد ومفيد بالفعل، فمن يحظى بكل الاهتمام هم نجوم ومشاهير لا يقدمون محتوى يذكر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما حديث العلماء لا يلقى أي صدى.

حشد من "جوائز الأوسكار"!

ضم "Don’t Look Up" حشداً من كبار نجوم السينما العالمية أغلبهم حائزون على الأوسكار مثل ميريل ستريب وليوناردو دي كابريو وجينيفر لورانس وكيت بلانشيت، ومارك رايلانس، أو على الأقل ترشحوا لها بينهم جونا هيل وتيموثي شالاميت، وحتى أصحاب الأدوار الصغيرة كانوا نجوماً لهم اسمهم مثل المغنية آريانا جراندي. هذا الحشد لم يشفع له لدى المهاجمين الذين يرون أن ممثلين بهذا الحجم أهدروا موهبتهم وأن الفيلم لا يتسحق، وانتقدوا بشدة الخطاب المباشر للفيلم مؤكدين أنه لا يتضمن فنيات كثيرة، وأنه يحمل إسقاطات مباشرة وكأنه تقرير تلفزيوني مصور، ويحاكي تماماً إدارة الرئيس الأميركي ترمب لأزمات المناخ وكوارث البيئة، فيما معجبو الفيلم يلفتون النظر إلى أنه عمل جريء وذكي وقوى في رسالته ويطرح قضية مهمة بطريقة مشوقة وجذابة، على الرغم من نهايته الصادمة التي بدورها تخالف نمط هذا النوع من النهايات في الأفلام الهوليوودية عادة.

آدم مكاي يرد بحزم على الانتقادات

فيلم "لا تنظروا إلى السماء" الذي دخل نجومه القائمة القصيرة للأوسكار، وكذلك غولدن غلوب، واختاره معهد الفيلم الأميركي ضمن أفضل 10 أفلام لعام 2021، واجه أيضاً سخرية لاذعة بعد أن تم تداول لقطات سريعة منه تكشف ظهور بعض أفراد طاقم التصوير خلف الكاميرا في نسخته المعروضة على الشاشة، وكأن صانعيه نسوا أن يحذفوا تلك اللقطة التي تبدو وكأنها من الكواليس، حيث ظهروا بمعداتهم وهم يرتدون الكمامات ويتابعون عملهم، وهو أمر صدم المتابعين وتساءلوا كيف لمخرج بحجم آدم مكاي "53 سنة" ألا يتدارك خطأ في المونتاج مثل هذا، لتكون المفاجأة تصريح مؤلفه ومخرجه مكاي الأكثر إثارة للجدل، وهو أنه قصد أن يحتفظ بهذه اللقطة لتوثيق أجواء إنتاج الفيلم الذي تم تصويره في ظروف إجراءت إغلاق فيروس كورونا الصارمة والمثيرة للقلق، حيث علق بشكل واضح على تلك الانتقادات من خلال حسابه الرسمي على موقع "تويتر" وقال، "ملاحظة جيدة.. لكننا تركنا تلك اللقطة لفريق التصوير عن عمد لتوثيق ذكرى تجربة التصوير الغريبة".

ويشن مكاي بشكل دائم هجوماً على اللامبالاة حول أزمة تغيير المناخ، وينتقد عدم اهتمام قادة العالم بمشكلة ضخمة مثل هذه، كما أنه صرح أخيراً لصيحفة "غارديان" في مقابلة معها بأنه استوحى فكرة الفيلم من الأبحاث والدراسات التي ينشرها العلماء حول التغييرات المناخية واستمرر الإضرار بالبيئة، كما كتب المخرج الأميركي اللامع عدة تدوينات تؤكد أنه سعيد بالجدل الدائم حول الفيلم، مطالباً الجمهور في الوقت نفسه بالقلق حول انهيار المناخ، ومنتقداً موقف الولايات المتحدة الأميركية من هذه القضية، ومن المعروف أيضاً أن بطل الفيلم ليوناردو دي كابريو يولي اهتماماً خاصاً بأزمة التغير المناخي، وينبه دوما لضرورة الحفاظ على البيئة وينخرط في حملات توعية ومبادرات عالمية بهذا الخصوص.

 

الـ The Independent  في

03.01.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004