ملفات خاصة

 
 
 

تحيّة حبّ للعائلة ومارادونا ونابولي:

باولو سورنتينو يلامس قلوبنا بـ «يد الله»

شفيق طبارة

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الرابعة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

«الواقع رهيب» كلمة سمعناها في «يد الله» (2021 ـــ جائزة التحكيم الكبرى في «مهرجان البندقية» الأخير)، آخر أفلام الإيطالي باولو سورنتينو (1970). عبارة تعبّر تماماً عمّا يفكّر به مخرج «الجمال العظيم» (2013): إنّه غير مهتم بالواقع. إذ إنّ سينماه تعيش في منطقة وسطى بين الخيال والهذيان والجمال المنمّق، كونه يشرب من بئر فيديريكو فيلليني ولا يخفيه، بل يفتخر به. مع ذلك، «يد الله» هو أقرب أفلام سورنتينو إلى الواقع، وأكثر أعماله شخصيةً حتى الآن. القصة التي يرويها هي قصته: مراهق يفقد والديه، يتغيّر مصيره بسبب هذه المأساة، ويكتشف بأنّ ما يريده هو رواية القصص. الغريب أنه في أكثر أفلامه حميميةً، تراجع خطوةً إلى الوراء في ما يتعلّق بالجماليات البصرية. فالفيلم أكثر أعماله تقشفاً واحتواءً. سرد سورنتينو فيلماً أكثر تقليديةً عن مخرج يتذكر والديه، ونضوجه، وفقدان عذريّته (مشهد قذر وجميل ومحزن في آن). هذه الخطوة إلى الوراء تركت مجالاً للحقيقة، للعاطفة، لهؤلاء الأهل وعلاقة الحب المليئة بالتفاصيل (مثل تلك الصافرة التي يندهون لبعضهم من خلالها)، لذلك المراهق الذي يواجه الحياة، لتلك العائلة التي تهتزّ بسبب هدف مارادونا الذي سجّله بيده في شباك المنتخب الإنكليزي في كأس العالم عام 1986. حركة اعتُبرت عملاً سياسياً وانتقامياً لحرب الفوكلاند. سورنتينو يلمس القلب، بفيلم مليء بالتفاصيل، وفي بعض الأحيان، يفقد التركيز ويتجاوزه. فيلم أصيل يُرينا سورنتينو الحقيقي برسالة الحب إلى نابولي، المدينة التي يحدث فيها كل شيء ولا شيء في آن. هنا تعيش المافيا، ويلوّح الناس بأعلام الأرجنتين، متحمّسين للاعب كرة قدم كأنّه إله. وبالنسبة إلى سورنتينو، هو كذلك، لذلك يبدأ فيلمه ببعض الكلمات له.

فابييتو (فيليبو سكوتي – جائزة أفضل ممثل في «مهرجان البندقية» الأخير)، واحد من ثلاثة أبناء لساڤيريو (توني سيرڤيلو) وماريا (تيريزا سابوناجيلو). عائلة من بورجوازييّ نابولي الطيّبين. يتتبّع «يد الله» هذه العائلة وتاريخها، ويقدّم سورنتينو قصته التي قرّر بسببها الانتقال إلى روما ليصبح مخرجاً. «في النهاية، تعود إليها، إلى هذه المدينة» هكذا قال المخرج أنطونيو كابويانو لفابييتو. أدخلنا سورنتينو إلى هذه المدينة. وقف فيها وتذكر مأساة وفاة والديه في يوم واحد. يعود سورنتينو ليبلّل ملابسه ببحر نابولي، لتكريم هؤلاء الذين شكّلوا وعيه كطفل ومراهق: والده، والدته، عمته، عمه القادر على تفسير هدف مارادونا الشهير كعمل سياسي، وطبعاً فيلليني وسيرجيو ليون وروبرتو روسيلّيني.

خلع المخرج ملابسه أمام الكاميرا، تاركاً وراءه الجماليات والزخارف غير الضرورية، مركّزاً فقط على الشخصيات ذكريات يُعيد سورنتينو تشكيلها بطريقته: ««يد الله» هي التي خلّصتك، كانت هي». يصرخ ألفريدو (ريناتو كاربنتييري) بغضب، محدّقاً بفابييتو. «هل تعرف صوت الزورق عندما ينطلق بسرعة 200 في الساعة؟ توف، توف، توف» يقول الصبي الضائع أرماندو (بياجيو ماني) في طريق عودته إلى خليج نابولي. من خلال هذه الذكريات، قرّر سورنتينو التصالح مع الماضي، مع موت والديه، مع حرمانه من رؤيتهما قبل دفنهما. قرّر تكريم العائلة وأولئك الذين كتبوا تاريخه. للمرة الأولى، يخلق المخرج عملاً بسيطاً، أساسياً ويصل مباشرة إلى القلب ويزعجه، ويزعج الرأس، تاركاً مساحة صغيرة فقط للعواطف. عندما يتعلق الأمر بالحياة نفسها، هناك شخصيات جميلة، وأيضاً شخصيات بشعة سخيفة، لأن هذه هي الحياة. أحياناً تكون مأساوية وأحياناً هزلية. فابييتو يقول عبارة خطيرة، قالها في الأصل فيلليني: «السينما عديمة الفائدة، لكنها على الأقل تصرف الانتباه عن الواقع». سورنتينو يحب الناس، يجب نابولي، كرّس فيلمه لنفسه لشياطينه، لمارادونا، لذكرياته في فيلم فكاهي، بفكاهة سورنتينو الحمضية. ثبّت في الفيلم ذكرياته التي لا يمكنه أن ينساها ولا يريد أن ينساها. الذكريات التي شكلته، دفعته إلى اللجوء إلى تلك الكذبة التي هي السينما، لجعل الواقع أقل إثارةً للاشمئزاز.

كل لقطة، كل كلمة، كل لحظة صمت، تُخفي معنى مزدوجاً لسورنتينو. أراد إدخالنا إلى ماضيه، ولكنه في الوقت نفسه أراد أن يبقينا بعيدين قليلاً، تماماً كالسينما. هذا العمل هو فعل حبّ للسينما، للعائلة، لمارادونا، لنابولي. خلع سورنتينو ملابسه أمام الكاميرا، تاركاً وراءه الجماليات والزخارف غير الضرورية للقصة، وركز فقط على الشخصيات، على اللهجة، وعلى سمعة نابولي في إيطاليا. أربع مراحل مرّ بها الفيلم: الطفولة، المراهقة، المأساة والمرحلة الأخيرة، النضج. لحظة اتخاذ القرارات والخيارات، عندما تسحب رأسك من الحفرة وتواجه نفسك وتتوقف عن العيش في الماضي وتبدأ في التفكير بجدية في المستقبل.

حوار عظيم بين فابييتو والمخرج أنطونيو كابويانو يستمر طوال الليل ويبلغ ذروته في فجر نابولي. حوار يجب أن يسمعه كل من يريد أن يعمل في السينما. حوار غاضب يسلّط الضوء على أفكار حول السينما بغضب. لا نعرف بالضبط ما الذي سيفعله باولو سورنتينو بعد هذا الفيلم، بعد هذا التغيير الجذري والعنيف والشخصي. نعرف فقط أنّ لا عودة عن «يد الله»، لا للمخرج ولا لمحبّي السينما. فيلم غيّر نظرتنا للمخرج نفسه، تحدث معنا واستمعنا إليه. أوجعنا ثم أراحنا بلطف. في نهاية الفيلم، تريد البكاء، الاتصال بالأهل، بالإخوة، بالأعمام، والأجداد، وتلك الروابط الجيدة والسيئة التي تجعلنا نشعر مرة أخرى بالوحدة المرتبطة بالأماكن والذكريات والماضي.

The Hand of God

ابتداءً من 15 كانون الأول (ديسمبر) على نتفليكس

 

الأخبار اللبنانية في

29.11.2021

 
 
 
 
 

"مقصورة رقم 6": دراما مُثيرة ومؤثّرة

عبد الكريم قادري

يواجه الفيلم، عند صناعته، عقباتٍ كثيرة، تُقسم إلى قسمين: الأول يتعلّق بتفاصيل الصناعة وإفرازاتها المتنوّعة، وهذا يتكفّل به عادة المنتج وفريقه. الثاني يختصّ بالفكري والفلسفي، ما يُعطي الفيلم قيمته الفنية وتميّزه واتجاهه، بعد أنْ ينفث المخرج فيه روحه الخلاّقة، واضعاً بَصْمته ليحيا ويستمرّ، انطلاقاً من خيارات واسعة تتوفّر لديه عند معالجته السيناريو.

لكنْ، في "مقصورة رقم 6" (2021) ـ الفائز بالجائزة الكبرى في الدورة الـ74 (6 ـ 17 يوليو/تموز 2021) لمهرجان "كانّ" السينمائي، مناصفة مع "بطل" الإيراني أصغر فرهادي ـ كانت خيارات الفنلندي يوهو كوسْمانِنْ قليلة جداً، بعد استيلاء غالبية المشاهد الداخلية على الحيّز المكاني للفيلم، إذ حوصرت في مقصورة قطار، ورواق ومطعم، وموجودات أخرى، وشقّة ظهرت في البداية، ومنزل قديم ذهب إليه البطلان في مدينة روسية. المشاهد الخارجية قليلة، تمثّلت في محطات توقّف القطار، والمدينة التي خطّطت البطلة لزيارتها. مناظر ذات لون واحد، عكسه بياض الثلج.

رغم هذه المناظر البصرية المحدودة، ومساحات الأحداث الضيقة، ولَّد كوسْمانِنْ دراما قوية، مؤثّثة بالإثارة والترقّب. معطيات فنية شحنت المتلقّي وغذّت فضوله، للوقوف على كل تفاصيل الفيلم، والذهاب في فعل المشاهدة إلى النهاية، من دون ملل. هذا عائد، أولاً، إلى رؤى المخرج ولمسته، وطريقة معالجته، وتعامله مع مقتضيات القصّة اللطيفة والسيناريو، الذي كتبه مع أندريس فيلدمانيس وليفيا أولمان.

ركّز يوهو كوسْمانِنْ كثيراً على المشاعر الإنسانية، التي أفرزتها أحداث غير مُتوقّعة، إضافة إلى ما يُشغل عقل الإنسان، الذي يخزّن معطيات حياتية كثيرة، يعود لها دائماً ليُصدر أحكامه مع كلّ موقف. هذه ألاعيب سينمائية ذكية، استغلها كوسْمانِنْ ليُولِّد بها المشاعر والعاطفة، لاستمرار دراما الفيلم. مثلٌ على ذلك: وضع المخرج شاباً طائشاً وعصابياً ومُتهوّراً وغير متعلّمٍ، ذي ملامح قوية ووجه قاسٍ، يُدعى ليوها (يوري بوريسوف)، في المقصورة، كشريكٍ مع الشابة الحالمة والمتطلّعة والمتعلّمة، لورا (سايْدِ هارلا)، التي تطارد حلمها، مُنتشية بإفرازات نفسية، نتيجة علاقة عاطفية بينها وبين إيرينا (دينارا دْرَكاراوفا)، المنتمية إلى الطبقة المثقّفة الروسية، حتّى أنّها أصبحت تحسّ بانتمائها إلى هذا العالم، وبأنّها صارت جزءاً منه.

هذا التناقض بينهما كافٍ لصنع الدراما. أكثر من هذا، شَحَن كوسْمانِنْ المتلقّي وحرّضه على كره الشاب، وعلى تكوين صُورٍ سلبية عنّه، بدفعه إلى ارتكاب تصرّفات طائشة، مُظهراً إياه بأنّه يفْرط في السُكر، وتصدر منه ألفاظ غير محترمة بحقّ لورا. لذا، بات المُشاهد يساند لورا، مقارنة بليوها، فتصرّفاته تُشكّل خطراً عليها بالنسبة إليه. أكثر من هذا، بات يُتوقَّع بقيامه بتصرّف أحمق، أو بارتكاب جريمة بحقّها. هكذا، نجح كوسْمانِنْ وكاتبا السيناريو في توجيه المُشاهد، وتكوين صورة سلوكية أرادوها، لأنّ هذا التصوّر يُحدث صدمة فيما بعد، ويكسر أفق التلقّي، الذي يكون أثره أعمق وأجمل، ولا يزول بسهولة.

هذا حصل في نهاية "مقصورة رقم 6"، إذ تبدّلت العواطف، وتغيّرت القراءات والتصوّرات السابقة. لورا محت ماضيها العاطفي تماماً، لأنّها باتت في العالم الحقيقي، بعيداً عن الزيف والمثالية اللذين رأتهما في الطبقة المثقّفة، التي (الطبقة نفسها) تعاملت معها كشخصٍ طارئ، أخذت منها ما أرادته، ثم تخلّت عنها لاحقاً، انطلاقاً من تغليب الرغبة على المشاعر الإنسانية. هكذا تسقط المُثل العليا التي تنادي بها هذه الطبقة، من خلال كتب يُصدرها منتمون إليها، وشعارات يرفعونها.

رسّخ يوهو كوسْمانِنْ هذا المفهوم أكثر، عندما استضافت لورا عازفاً على القيثارة في مقصورتها، لم يجد مكاناً له في القطار، الذي استقلّه في إحدى المحطّات. هذا أثار مشاعر شريكها، الذي فضّلت العازف عليه، لكونه فناناً، يعزف ويغنّي معها أغاني رومانسية فنلندية جميلة وحالمة، كشف بفضلها عن كونه فناناً رقيقاً، ينتمي إلى عالمٍ مثاليّ جداً. لكنّه يظهر، في النهاية، على حقيقته، بسرقته كاميرا لورا، واختفائه من القطار. والكاميرا تحتوي على ذاكرةٍ من الصُور والفيديوهات، التي توثِّق محطّات مهمّة في حياة لورا. كأنّه، بفعلته تلك، قضى على جزءٍ من ذاكرتها، من أجل مبلغ مالي قليل (ثمن الكاميرا). أي أنّ الفنّ والرومانسية والغناء الجميل سقطت كلّها أمام مظهر مادي بسيط.

في المقابل، ظهرت شهامة ليوها، الذي نشأت بينه وبين لورا علاقة قوية، بعد أنْ فهم أحدهما الآخر. مثلٌ أول: ليوها باع ساعته وأشياء له، للاحتفال معها في مطعم القطار. مثلٌ ثانٍ: وصلت لورا إلى "مومانسك" لتحقيق حلمها، وهذا مُبتغى رحلتها، المستمرّة أياماً عدّة في القطار، بهدف اكتشاف نقوش صخرية فيها. لكنّ الثلوج قطعت الطرق المؤدّية إليها، فاتصلت به هاتفياً. عندها، جاء مُسرعاً، تاركاً عمله في المنجم. حينها، استخدم علاقاته، وخسر مالاً كثيراً ليحقّق حلمها، المستحيل بالنسبة إلى كثيرين، لأنّه يعرف أهمية هذا لها، وهو نجح في جهده، مُظهراً مدى حبّه لها، كما أبان في القطار مدى تعلّقه بها، علماً أنّ ما يكنّه لها أكثر من علاقة غرامية عابرة في قطارٍ، لهذا رفض العلاقة في مشهد سابق.

أثبت يوري بوريسوف أنّه صاحب رؤية وكاريزما قوية في التمثيل. حافظ على مستواه التمثيلي، وعكس شخصية ذاك الشاب الذي يُحبّ ويكره ويغضب، على طريقته الخاصة. هذا جعل مخرجين كثيرين يتعاملون معه، خاصة عام 2021، الحافل بأفلامٍ مميزة شارك فيها، كـ"هروب النقيب فولكونوغوف" للمخرجين الزوجين الروسيين ألكسي تشوبوف وناتاشا ميركولوفا، و"ماما أنا في المنزل" للروسي أيضاً فلاديمير بيتوكوف.

إنّها صدفة أنْ تُشارك هذه الأفلام الـ3 في الدورة الـ5 (14 ـ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021) لـ"مهرجان الجونة السينمائي" (فاز "هروب النقيب فولكونوغوف" بجائزة الجونة البرونزية، في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة). براعة يوري بوريسوف وازتها قوّة أداء الممثلة الفنلندية سايدِ هارلا، التي تعاملت، هي أيضاً، مع دورها بحرفية كبيرة، عكست شخصية الشابّة المشتّتة، الباحثة عن ذاتها وأحلامها في عالم مليء بالتناقضات والمتغيّرات. هذا ساعد في دفع القصّة اللطيفة إلى الأمام.

"مقصورة رقم 6" ينتصر للإنسان، وللمنطلق البسيط في الحياة. يرسم بتمهّل خطوط الحبّ وطرقه الغامضة، وكيفية التعبير عنه. يحفر عميقاً في سلوك البشر وتكوينهم، ويُدين التلاعب بالمشاعر، ويُظهر مدى ضحالة الطبقات المخملية، التي تنتمي إليها الفئات الفنية والثقافية، كاشفاً ابتعادهم عن قيم تنادي بها في منتجاتها الأدبية والفنية، وتتعالى على الإنسان البسيط وعواطفه المختلفة في الواقع المعيش، ولا تهتم بمصيره، وبما يُنتجه هذا التلاعب والتناسي والإهمال من تأثّراتٍ. يذهب أبعد من ذلك، بإقامته مقارنة بين هذه الفئات وفئات أخرى، مُغلِّباً الطبقة السفلى، التي لا تملك التكوين المناسب، ولم تتلقَّ التعليم الضروري، متيحاً لها تقديم وجهة نظرها في الحياة، وطريقة تعاملها مع الأحلام والأمنيات والحبّ والأمانة والإخلاص.

يحاول يوهو كوسْمانِنْ إيصال فكرة تُفيد بأنّ الشخص، مهما كان سيئاً، هناك ظروف تُساهم في سلوكه، وهذا لا ينفي إنسانيته وعاطفته وصدقه في الحبّ.

 

العربي الجديد اللندنية في

01.12.2021

 
 
 
 
 

Dune: كثبان وبهارات وهلوسات استشراقيّة

سعيد محمد

لا يمكن لأجواء التصوير المهيبة، والألوان الصحراوية وأداء بعض الممثلين الممتاز، إنقاذ فيلم دوني فيلنوف من سذاجته الاستشراقية البغيضة، وتلفيقه المسيء لصورة غرائبيّة غامضة عن الشرق العربي. صورة مستلّة من دون ذكاء من تراكم هلوسات المخيال الغربي الكسول لعقود في الأدب والمذكرات والدراسات والأفلام وألعاب الفيديو ونشرات الأخبار: جنس غربي متفوّق، معتاد على حكم النخب الفاسدة على رغم آلاف السنين من التقدّم التكنولوجي في مستقبل البشريّة البعيد، تعبث بعقله أوهام توراتيّة عن مسيح آت، أبيض وسيم وحكيم، سيحكم عالماً بدوياً متخلفاً يعيش في قلب صحراء قاسية لكنّها تحتضن ثروات هائلة، بهارات أو نفط لا فرق. كأنّك تستمع في ظلام قاعة السينما إلى سرد مستشرق سكّير مصاب بالحمى لحكاية لورنس المستعرب وقد خالطتها هلوسات المرض

لا يبدو أن الغرب سيبرأ أبداً من استشراقه البغيض. على رغم كل تقدّم مزعوم في العلوم الإنسانية والاشتباكات المتعددة الجبهات على الأرض من أفغانستان إلى سوريا ومن ضفاف الخليج إلى اليمن ومن قاعدتها المتقدّمة في فلسطين إلى ليبيا وصحراء الساحل، ما زالت الإمبراطوريّة الأميركيّة ــ عبر أدواتها الثقافيّة والإعلاميّة ــ تعيد إنتاج الصور النمطيّة ذاتها المتخيّلة عن الشرق كما رسمها الرّحالة والجواسيس الأُوَل في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. هذا أمر لا يحدث بالمصادفة بالطبع، فهو يخدم بإخلاص التوجهات الإمبرياليّة للغرب، ويتناغم مع ثقافته الأصوليّة التوراتيّة الجذور، بينما يكرسّ على المقلب الآخر استمرار حكم السلالات العربية المتخلّفة والكاريكاتوريّة لأجزاء كبيرة من بلاد الشرق.

فيلم Dune بجزئه الأوّل (155 دقيقة) يأتي تماماً في هذا السياق. هنا مجموعة من العقول الغربيّة المغلقة بقيادة المخرج دوني فيلنوف، لفّقت حكايا «حرب النجوم» ومذكرات لورنس المستعرب، وصور الشرق في الإعلام الأميركي منذ 1979 (لحظة التورّط في المؤامرة لإسقاط حكومة أفغانستان الاشتراكيّة) لتقديم قراءة بصريّة محدّثة لرواية فرانك هيربرت التي تحمل الاسم نفسه (صدرت في 1965). مصادر هذا التلفيق المتفاوتة تشترك مع الرواية الشهيرة في سمة ثقافيّة واحدة: تلك النظرة الاختزاليّة المنحازة تجاه الشرق العربي الإسلامي. نظرة تخلق من فتات حقائق وقطع أحلام، صورة متخيّلة عن شرق يكاد يكون نقيضاً تاماً للهويّة الغربيّة.
يتم تأسيس عناصر الفيلم سريعاً كمؤامرة مترامية الأطراف تتنافس فيها قوى (غربيّة) متقدّمة تكنولوجيّاً وتهيمن عليها إمبراطوريّة فاجرة. لا نستغرق وقتاً طويلاً لنتعرف إلى شخصياتها الرئيسة وطبيعة الصراعات المتوقعة بينها في إطار الاستعمار المتعاقب لكوكب «أراكيس» حيث تجري معظم أحداث الفيلم. سلالة أترايديس يقودها الدوق ليتو (يؤدي دوره أوسكار إساك) وزوجته الليدي جيسيكا (ريبيكا فيرغسون) المنتمية إلى سلك سريّ من الدّماء الزرقاء يتم تناقل جيناته عبر النساء، وابنهما بول (تيموثي تشالاميت)، الأمير الشاب الذي تجري في عروقه الدماء الزرقاء ويبحث عن تحقيق ذاته ويحمل ضمناً ما يؤهله للعب دور المنقذ الأبيض والمسيح المخلّص لسكان «أراكيس» المحليين. «أراكيس» الكوكب، الذي يعرف أيضاً باسم Dune (أو بالعربيّة ما يعادل الكثبان الرملية)، تغطّيه بأكمله صحراء قاحلة تسكنها ديدان رمل عملاقة. كأنها تفسير خزعبلاتي للعواصف الرمليّة القاسية التي وصفها الرحالة المستشرقون، ويتناثر في جنباته عرق من السكان المحليين البدو (ذوي العيون الزرق على نسق صورة الطوارق في صحراء الساحل في أفريقيا) ويسميهم الغزاة بالـ«فريمن». الإمبراطوريّة تعتمد على كوكب أراكيس في استجلاب مادة من البهارات (ميلانج) يتم استخلاصها من رماله، لتستخدم كوقود لحركة المركبات الفضائيّة بين المجرات، وكمخدّر أيضاً. ونعرف بأنّ إرادة الإمبراطور قد منحت حكم الكوكب ومهمّة استخلاص الميلانج إلى سلالة أترايديس، بالتالي استبدال وكيلها السابق سلالة هاركونن الكئيبة، بقيادة البارون القميء فلاديمير (ستيلان سكارسغارد). النظرة العامّة لسلالة أترايديس تجاه بدو الفريمين، هي خليط من الفوقيّة وازدراء الآخر وصلف العسكريتاريا، ولو ادعى الدوق ليتو بداية بأنّه يريد بناء علاقة تحالف معهم، فذلك غلاف برّاق لعلاقة استغلاليّة هدفه تقليل مقاومتهم لعمليّة النهب المنظم لمواردهم. هو أمر لا خلاف عليه بين الأب والابن (كما لو كنا نشاهد أجيال سلالة بوش السيئة الذكر)، فيما تخبرنا شخصيّة شاني من السكان المحليين بأنهم وهم يراقبون رحيل مستعمرهم السابق، كانوا يتساءلون عن هويّة مستعمرهم الجديد، كأنّهم شعب لا يمكنه تخيّل إمكان العيش بحريّة واستقلال حقيقيّ
.

الرّواية والفيلم لا وزن لهما إطلاقاً من دون الثيمة الاستشراقيّة التي يحملانها

الأسماء والمفاهيم الأساسيّة في الفيلم مأخوذة من السلسلة الروائيّة التي وضعها هيربرت مستلهماً حكايات حروب منتصف القرن التاسع عشر بين روسيا الإمبراطورية والقبائل المسلمة في القوقاز، لكن كوكب أراكيس أصبح، في الفيلم وفي القراءات المعاصرة للرواية، صورة معممة للشّرق كما في أي صراع تاريخيّ مع الغرب. وبينما تبدو النسخة السّابقة من فيلم Dune التي قدّمها ديفيد لينش (1984) متطابقةً تماماً مع مناخ الصراع في أفغانستان في تلك الحقبة بين القوات الأميركية والسوفياتية، فإن نسخة الإصدار الجديد لفيلنوف أقرب للحروب الأميركيّة المستمرّة منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 بمسحتها العقائديّة الفاقعة.

القليل في المؤامرة الأساسيّة كما في الرواية يحتاج إلى تغيير. لذلك، فإن تركيز فيلنوف كان على اختزال تاريخ متراكم من الصّور والقصص المتخيّلة عن الشرق وفق المخيال الغربيّ في التفاصيل، لا سيّما البصريّة منها، ليس فقط كوسيلة للتعليق على المنطقة موضوع الاستعمار، ولكن أيضاً - وكما يليق بمستشرق كلاسيكيّ - لإعادة تأكيد مفهوم الغرب عن ذاته.

وإذا كانت شخصية الجاسوس البريطاني توماس إدوارد لورنس الشهير بلقب لورنس المستعرب (1888 – 1935) مصدر إلهام جزئي لهيربرت في الرواية، فإنّها تكاد تتجسّد في الفيلم في شخص بول أتريديس، الذي يرتدي، كما لورنس، ملابس صحراوية مناسبة مناخيّاً وثقافياً، تحضيراً لدخوله عالم بدو الفريمن كمنقذ غربي أشقر لهم. وكما لورنس الذي درس ثقافة الشرق بتعمّق قبل انخراطه بها بكل جوارحه، فإنّ بول يقضي وقتاً مطولاً أمام نظام معلومات استرجاعيّ متطوّر ـ إنترنت – يقدّم له خلاصة المعرفة عن ذلك الشعب «المتوحش»، الذي يظهر لاحقاً كمجرّد خلفيّة في الفيلم: مجموعة متجانسة في الغالب، تحجب وجوهها، فلا تظهر منها سوى العيون. أسلحتها متخلّفة وتقليديّة (سيوف وخناجر..)، خبيرة بمسالك الصحراء الغادرة، مع ملامح خاطفة عن الأساطير الدينيّة التي تؤمن بها ومنها نبوءة ظهور «المهدي»، التي تمهّد الطريق لتقبّل بول العرّاف الأبيض. كما نبيّ، تأتيه الرؤيا في الليل، فتأتي ناصعة كفلق الصبح!

Dune الرّواية والفيلم كلاهما لا وزن لهما إطلاقاً من دون الثيمة الاستشراقيّة التي يحملانها، وتحوم حولها مزاجات السرد والحبكة والشخصيّات والحوار فيهما. ولذلك، فإنّ السبيل الوحيد للمشاهد الذي يريد أن يتخلّص من وعثاء هذه الديناميكيّة القبيحة التي تحكم كل إنتاجات هوليوود عن الشرق، التعامل مع فيلم فيلنوف باستبعاد أدوات السينما التقليديّة منه (وجوه الناس وكلماتهم ومشاهد المعارك المفتقدة للروح) وتقبّله منتجاً بصرياً محضاً من أفلام الخيال العلمي والتأمل حصراً في إبداعات المخرج المبهرة عندما يلتقط علاقات ظل الشمس بظلال العمائر الهائلة، والمركبات الحربيّة الأنيقة التي تمخر عباب صحراء لا ترحم، والآلات الصناعية الهائلة لاستخراج الموارد الطبيعية من تحت الرمال. في 155 دقيقة، ثمّة كثير من الوقت للاستمتاع بمثل هذه المشاهد عندما تتضاءل الشخصيات الفردية وتتراجع السرديّة لتترك المجال أمام تضاريس الصحراء لتحكي قصتها الخاصة، وتعيد أوهام البشر وطموحاتهم الأثيمة إلى مكانها الطبيعي الباهت، وتمنح في ذات الفيلم لحظات – مؤقتة - من السموّ الحالم.

Dune كأنّه محاولة بأدوات سينما القرن الحادي والعشرين لتجميل منتج أدبيّ ذي وجه قبيح ينطق بلسان الاستعمار ويمجّد المنقذ الأبيض، انتهت تماماً حيث بدأت: داخل ذات التقاليد الاستشراقيّة الغربية في تناول الآخر، ذلك الغرائبي، والغامض، والمتوحّش، والساحر، والنقيض أيضاً. ولا شكّ في أنّ تجاوز ذلك المخزون الثقافي الغربي المسموم يحتاج إلى شجاعة فائقة ومعرفة تتجاوز السطحي والمسموح بتداوله، وهما أمران لا يمتلكهما دوني فيلنوف على رغم عبقريته الفنيّة، وإن امتلكهما، فلن يجد «وورنر براذرز» أميركيّة واحدة تنتج له عملاً.

Dune

في الصالات اللبنانية

 

الأخبار اللبنانية في

01.12.2021

 
 
 
 
 

بين Dune و«الشنطة»..

الإمارات تجذب سينما العالم بعراقة الصحراء وحداثة الناطحات

عصام زكريا

تحتاج صناعة السينما إلى شجاعة، وقدر من الحرية وقبول الآخر، كما تحتاج إلى طبيعة خلابة وإلى تطور تكنولوجي، إذ يمزج الفيلم بين الخيال والموضوعات الإنسانية في الماضي والحاضر والمستقبل.

كانت المغرب أول بلد عربي يفتح الأبواب أمام صناعة السينما العالمية لتحل ضيفاً على أراضيها، وقد أصبحت بالفعل واحدة من المحطات السينمائية المهمة على خريطة السينما.

وها هي الإمارات تقرر أن تستغل ما لديها من إمكانيات هائلة قادرة على جعلها واحدة من أهم هذه المحطات: موقع وسيط بين قارات العالم، ملتقى للشعوب والثقافات المختلفة، وتاريخ يضرب بجذوره في أعماق الماضي، وحاضر ينافس للوصول إلى آخر مستحدثات العلم والمدنية الحديثة.

خلال الفترة الأخيرة صورت الجهات المعنية في الإمارات عدداً من مقدمات الأفلام Trailers تحاكي بعض مقدمات أفلام هوليوود، شارك فيها نجوم عالميون مثل جيسيكا ألبا وزاك إيفرون، وجون سينا، تهدف إلى التعريف بجماليات البلاد وأبرز معالمها السياحية السينمائية.

وخلال السنوات الماضية تم تصوير عدد من الأفلام العالمية في الإمارات من بينها Mission Impossible و6 Underground وDune، كما جرى تصوير بعض الأفلام العربية أحدثها الفيلم المصري «الشنطة» الذي بدأ عرضه العام في الإمارات منذ أسبوعين.

"ديون" تحديداً واحد من أبرز أفلام 2021، ومن أهم الأعمال التي صورت في الإمارات، وليس فقط لضخامة الفيلم الذي تكلف ما يقرب من 200 مليون دولار، وهو الجزء الأول من سلسلة تضاهي سلاسل Star Wars وLord of the Ringsو Harry Potterفي شعبيتها وتأثيرها على أجيال من القراء والمشاهدين.

أهمية «ديون» تكمن أيضاً في مضمونه والصورة الإيجابية التي يقدمها عن الصحراء العربية وشعوبها.

الفيلم مقتبس عن سلسلة روايات فرانك هربرت، التي يعد جزؤها الأول المكتوب 1965 أنجح رواية خيال علمي على مر التاريخ، والتي لم تترجم إلى العربية إلا منذ عدة سنوات عن دار نشر «مخطوطة 5229» الإماراتية المتخصصة في أدب الخيال العلمي بعنوان "كثيب".

تدور الرواية في المستقبل البعيد، على كوكب بعيد انتقل إليه البشر بعد دمار الأرض، يشبه كوكب المريخ، وهو كوكب صحراوي اسمه «آراكيس» يسكنه شعب «الفرمون» البدو، الذين يتسمون بالشهامة والصلابة، وهم الذين يستضيفون البطل المراهق وأمه، ويساعدونه حتى يصبح أمل المجرة في التغيير.

رواية «ديون» تحمل الكثير من الكلمات العربية ومن الإشارات إلى الصحراء وتقاليدها، وقد وجد مخرج الفيلم الكندي دوني فيلنيوف ضالته في الصحراء الإماراتية، بالقرب من واحة ليوا في «أبوظبي»، حيث صور جزءاً كبيراً من أحداث الفيلم هناك، واستمر التصوير نحو 11 يوماً قدمت خلالها «لجنة أبوظبي للأفلام» وشركة «إيبك فيلمز» العديد من المساعدات اللوجستية لفريق عمل الفيلم.

على عكس «ديون» الذي افتتن أصحابه بالصحراء، يدور فيلم «الشنطة» وسط معالم المدنية الحديثة في دبي.

فيلم «الشنطة» إخراج أحمد البدري، وبطولة بيومي فؤاد، شيرين، ديما الحايك، شريف دسوقي، محمد عبدالعظيم، من تأليف تامر عبدالمنعم وإنتاج صفوت غطاس (سبوت 2000 للإنتاج السينمائي)، وهو فيلم كوميدي أكشن خفيف، تدور أحداثه بالكامل داخل فندق فاخر في دبي، حيث يتجمع عدد من المجرمين، كل في تخصصه، وزير مصري سابق هارب بأموال الفساد، مهرب آثار، أرملة استولت على جوهرة ثمينة من ميراث زوجها الراحل، ومحتال اصطحب معه لاعبة أكروبات طفلة داخل حقيبة سفره، لتساعده في سرقة كل هؤلاء!

في النهاية يقعون جميعاً في يد العدالة، وبغض النظر عن النماذج التي يقدمها الفيلم، فهو يرسم صورة «سياحية» للمدينة التي تصل أبراجها عنان السماء، وتحتضن كل الجنسيات وأنواع البشر، لكن في الوقت نفسه يسودها قانون صارم وشرطة يقظة تراقب كل شيء.

فارق كبير بين «ديون» و«الشنطة»، الأول يسعى للوصول إلى روح الإمارات والثاني إلى مظهرها، أو بالتحديد الملامح العصرية التي ترتديها، لكن الفيلمين معاً يقدمان الوجهين اللذين تحب الإمارات أن تقدمهما إلى العالم: الأصالة، والحداثة، وهي إذ تسعى إلى الاهتمام بالجانبين معاً، إنما تصيغ صورتها المتفردة كدولة صحراوية عريقة التقاليد، تتقدم بخطى ثابتة نحو المستقبل، وتصبو، من بين ما تصبو إليه، إلى وضع قدميها على المريخ!

 

الرؤية الإماراتية في

03.12.2021

 
 
 
 
 

«قوة الكلب» عن الذكورة والأنوثة والمجتمع |

جين كامبيون في أرض الرجال: محاكمة للغرب الأميركي

شفيق طبارة

جين كامبيون في أرض الرجال الذين يحرقون كل شيء في طريقهم. كامبيون في «عصر التقدم» الذي رسّخ ملكية جديدة في أرض كانت سابقاً عذراء. كأرانب جائعة، أمسكت بنا كامبيون إلى فخ دموي جهّزته بدهاء. «قوة الكلب» (2021 ـــ طُرح أخيراً على نتفليكس)، يعمل كإحساس مرهق بالانجراف نحو مكان ما. لا نعرف الوجهة ولا ما سيحدث لاحقاً. ينقسم الفيلم إلى حلقات، كل حلقة كأنّها تحمل بصمة مخرج مختلف تماماً، لم يتم إخباره عن القصة الرئيسية ولا النهاية. هذا الفيلم الغربي يلعب لعبة الغميضة، يضعنا في التناقض القاتل المتمثل في إبراز الإيماءات والتفاصيل التي تنتهي في النهاية بخيانة الطبيعة الحقيقية لشخصياتها. كل شيء يحدث أمامنا مشروط بالتأثير الخبيث والمجنون لأولئك الذين يكرهون أي لفتة أنثوية في الرجل. قدمت كامبيون قصة قوية ومراوغة، مليئة بالتقلبات الواضحة، شفافة في شكلها الظاهر ولكن يصعب فهمها، على الأقل حتى المشهد الأخير الذي هو كبداية توازن جديد في حياة الشخصيات وظروفها. مرة أخرى مع مخرجة فيلم «البيانو» (1993)، نحن مع رجل عنيف وامرأة تتكيّف مع بيئة جديدة، وقمع وتطوير عواطف، ولكن هذه المرة في بيئة أميركية في العشرينيات، حتى إنّ هناك البيانو الذي يلعب دوراً مهماً.

فيلم يخاطر بالانتماء إلى سينما «الوسترن» رغم أنّه يفرض نفسه كحكاية عن الهواجس والمشاجرات العائلية والتلميح إلى الدراما القوطية

«قوة الكلب» مقتبس من كتاب بالعنوان نفسه للكاتب الأميركي توماس ساڤاج، عن شقيقين وكيفية تعاملهما مع الضغوط الاجتماعية والنظرة المنمّطة والقاسية إلى الرجولة. نحن في عام 1925، حيث السهول الواسعة والمناطق الجبلية في ولاية مونتانا. إنها مملكة الأخوة بوربانك، أصحاب المزارع الأثرياء. الأخوان فيل (بيندكت كامبرباتش في أجمل وأقوى أدواره. من المذهل مقدار المشاعر التي يمكن أن يعبّر عنها فقط من خلال الظهور. أوسكار أفضل ممثل قاب قوسين منه) وجورج (جيسي بليمونز) مختلفان تماماً. الأول وقح وفظ وبلطجي، ابتكر درعاً وقائياً لحماية نفسه، قوي إلى حدّ الشر، بالكاد يخلع ملابس رعاة البقر ويستحمّ. يحتقر بيئته ويسلّي الناس الذي يعملون في المزرعة بالنكات المهينة، تزدهر إمبراطوريته الصغيرة والاستبدادية والذكورية حتى يجد خصماً جديراً به. من جهته، يرتدي جورج البذلة ويهتم بالشؤون المالية للشركة. يصل الشقيقان وعشرات من رعاة البقر إلى نزل ومطعم تديره روز (كيرستين دانست)، الأرملة ووالدة بيتر (كودي سميث ماكفي) الذي يعرّضه مظهره الهش والأنثوي ليكون هدفاً مثالياً لسخرية فيل وهسهسته. يقرر جورج الزواج بروز، ومنذ تلك اللحظة ستعيش معهم في القصر العائلي. لا يتدخل فيل في حياة النزيلة الجديدة، لكنّ الازدراء وسوء المعاملة يتجليان عند كل مفترق ولقاء، فتجبرها هجمات فيل النفسية وعبء ماضيها الثقيل على اللجوء إلى الكحول. ويضيف وصول طالب الطبّ بيتر عنصراً جديداً من الخلاف إلى مناخ المكان المتخلخل.
«
قوة الكلب» فيلم يخاطر بالانتماء إلى سينما «الوسترن»، على الرغم من أنه يفرض نفسه كحكاية عن الهواجس والمشاجرات العائلية والتلميح إلى الدراما القوطية وحتى المغازلة العرضية، إلا أنه مراجعة معقّدة وغريبة للغرب الأميركي. هو بمثابة تفكيك ناجح للغرب الأميركي، يسائل معنى الذكورة، ليجيب بأنّ نفسية الذكر ما هي إلا نبضات لا يمكن السيطرة عليها ورغبات ومشاعر مكبوتة. تقوم كامبيون بمغازلة أجساد الرجال، وتستمد شخصياتها الرجولية قوتها من البيئة، وتخفي حقيقتها بفظاظة وقسوة. تقول كامبيون إن «تيرانوس» (الطاغية) سيصبح إنساناً عندما نفهم أن حبّ السلطة هو تمويه لحدث غير معلن في الماضي يغذّي الحاضر. تبرِّئ كامبيون بطلها فيل، يمكننا أن نشعر بأسفها تجاهه ولكن بعد فوات الأوان، عندما لا يمكن إعادة عقارب الساعة والأحداث إلى الوراء. تعرّفنا كامبيون إلى «الرجل الألفا»، كاشفةً التناقضات الداخلية لشخصيته، فالعاطفة والإحساس بالوقوف أمام رجل مقنَّع يخيف بقدر غموض نهاية فيلمها
.

لا خير ولا شرّ في «قوة الكلب»، بل بشر تعذّبهم بيئتهم. تلعب كامبيون بجدلية البراءة والشرّ في فيلم حسي جداً، يرتبط عدم القدرة على التنبؤ به بالخشونة الطوبوغرافية لتلك السهول الواسعة في ولاية مونتانا. في الحبكة المتقطّعة ببطء، تُتيح كامبتون تدريجاً إلقاء نظرة ثاقبة على العالم الداخلي والحقيقي للشخصيات، وتسقط فقط فتاتاً من المعلومات على الدرب. لا تحلّل المثل العليا للذكورية في النصف الأول فقط، بل تشرّحها بلا رحمة في النصف الثاني. العلاقة بين جميع الشخصيات تقوم على علاقات القوة: القوي يضطهد الضعيف، والضعيف من الخارج هو قاس من الداخل. كل شخصية تلعب أوراقها بطريقة ما، وفي لحظة نشعر أنّهم شخص واحد مع الكثير من التناقضات. حكاية خانقة في المساحات المفتوحة التي تسكنها شخصيات ذات أجندات سرية، مع الكثير من الرموز الدينية والجسدية والميثولوجية. في «قوة الكلب» نتذكّر أنّ في ألعاب القوة والانتقام، لا ينجو الأقوى، بل الأكثر ذكاءً.

The Power of the Dog

على نتفليكس

 

الأخبار اللبنانية في

06.12.2021

 
 
 
 
 

"أميرة".. أطفال النُّطَف المهرّبة للأسرى تحت مقصلة الشكّ!

بديعة زيدان:

"فإنْ كنتَ لا تدري فتلك مصيبةٌ، وإن كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظمُ".. هذا البيت من قصيدة ابن قيّم الجوزيّة ينطبق على العاملين في فيلم "أميرة" للمخرج المصري محمد دياب، باعتباره يُسيء إلى عمودٍ من أعمدة النضال ضد الاحتلال، وهُمْ الأسرى، كما رأيتُ.

والفيلم من تأليف محمد دياب مُخرجه بالاشتراك مع خالد دياب وشرين دياب.. هذا الفيلم الذي دشّن فعاليات مهرجان "كرامة لأفلام حقوق الإنسان" بدورته الثانية عشرة، مساء أمس، واختير لتمثيل الأردن في المنافسة على أوسكار المسابقة الدولية للأفلام غير الناطقة بالإنجليزية، وكان قد عُرِضَ في عددٍ من المهرجانات العالمية والعربية، بينها مهرجان فينيسيا (البندقية) السينمائي، والجونة السينمائي الدولي ومهرجان قرطاج السينمائي.

وكان لافتاً مشاركة عديد من الفلسطينيين في الفيلم، بحيث يبرز اسم المخرج هاني أبو أسعد في قائمة منتجي العمل ومعه المًنتجة أميرة دياب، كما يتقاسم الفنان علي سليمان دور البطولة مع النجمة الأردنية صبا مبارك، بينما تجسّد الفنانة ريم تلحمي دور والدته، كما يحضر الفنان صالح بكري كضيف شرف في دور السجّان الإسرائيلي السابق "إتاي"، وشقيقه زياد بكري في دور "باسل"، وقيس ناشف في دور "هاني"، كما يحضر فلسطينيون من بين فنيّي العمل أيضاً.

ولكوني لست مختصّةً في النقد السينمائي، فسأتحدث عن قصة الفيلم ومضامينه بالدرجة الأولى، وإن اشتمل التقرير على أيّ مساحة للحديث عن بعض الفنيّات فستكون بقلم مُشاهِدَة كانت في القصر الثقافي الملكي بالعاصمة الأردنية عمّان، حيث كان العرض، لا أكثر.

قصّة الفيلم تتمحور حول قضيةِ ما يُصْطَلَح عليه فلسطينياً بـ"سفراء الحرية" أو "أطفال الحرية"، وهم أولئك الذين زادوا عن المئة بمولد توأمٍ لأسيرٍ من غزة قبل أيام، ويُعتبرون نتاج حالة نضالية مُقاوِمة للاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية خاصةً تجاه الأسرى الذي يقضون أعمارهم في الزنازين بتُهَم تتعلّق بأعمال مقاومة ترى السلطات المحتلة فيها "إرهاباً".

هؤلاء الأطفال يأتون عبر"تهريب النُّطَف" في عمليّة سريّة تخضع لشروط عدّة بيولوجية واجتماعية، وتحظى بترحيب واحتفاء مجتمعي بل ووطني فلسطيني، فالإجماع عليها كفعل مقاومة وصمود يكاد يفوق الإجماع على الكثير من القضايا.

تدور قصة فيلم "أميرة" حول الأسير "نوار" (علي سليمان)، وكان قد سبق وأنجب فتاةً باتت يافعةً بطريقة "تهريب النُّطَف" من زوجته "وردة" (صبا مبارك)، وحين يعبّر عن رغبته في الإنجاب مجدداً بعد سنين، يُكتَشف أنه عقيم، وهنا تبدأ الحبكة التي فيها من الخيال "غير العلمي" الكثير، حيث تبدأ الشكوك تطارد زوجة الأسير، لدرجة الشكّ بعلاقةٍ ما بينها وبين أحد أشقّاء زوجها، وحدّ محاولتها اختلاق قصةٍ تضع من خلالها نفسها في قفص الاتهام بعلاقة غير شرعية مُختلقة مع أسيرٍ محررٍ كان صديقاً لزوجها قبل استشهاد الأول، وذلك كي لا تبوح بالسرّ الأكثر فظاعة، والذي يتَّضِح لاحقاً، وهو أن ضابطاً من سجّاني جيش الاحتلال ألقى القبض على "النطفة" الفلسطينية واستبدلها بنطفَتِه الخاصّة، دون أن يعلم أحد، لتُحْقَن بها الزوجة، قبل أن تكتشف لاحقاً أن ابنتها "أميرة" (تارا عبود) هي ابنة ضابط إسرائيلي، وليست ابنة الأسير الذي تفتخر بكونه والدها، وهو ما يتمّ اكتشافه من قِبَل الجميع بمن فيهم المشاهدين لاحقاً.

أحداث الفيلم لم تنتهِ عند هذا الحدّ، ولكني سأركّز على جزئيات بعينها تتعلق بذلك التعاطي المسيء لنضالات وعذابات الأسرى وزوجاتهم وعائلاتهم، حيث التشكيك بنَسَب ما يزيد عن مئة من "أطفال الحرية"، عبر نموذج "أميرة".

قد يقول قائل إن فيلم "أميرة" روائي، وبالتالي فإن هناك مساحة لإعمال الخيال فيه، لكن الخيال هنا "غير علمي"، أكرر، فلم يحدث أن نَسَبَ أسيرٌ ابنَه أو ابنَتَه القادمين إلى الحياة من "نطفته المهربة" لأخيه أو أيٍّ من أقاربه، ولا يمكن بالمنطق إن وقَعَتْ نطفةٌ في يد سجّان إسرائيلي، أن ينتظر مهرّبها أيّاً كان ذلك السجان كي يُفرغ ما لديه ليستبدل نطفة الأسير بنطفته، كما أنه، وإن ذهبنا إلى بدء هذه العملية فإن أكبر مولود بهذه الطريقة يكاد لا يتجاوز العاشرة من عمره، لا كما ظهرت "أميرة" في الفيلم أكبر بكثير، ومع كون هذه الجزئية ليست محورية هنا، لكن الإشارة إليها تأتي من باب تثبيت المعلومة الدقيقة.

قد لا تمرّ هذه المغالطات المسيئة للأسرى وعائلاتهم على الكثير من الفلسطينيين، لكنها غالباً ستمرّ، بل وربما تحت تبريرٍ وهميٍّ بدعم القضية الفلسطينية ونضالات الأسرى وصمودنا على أرضنا، عند عرض الفيلم في أيّ محفل سينمائي عربي أو دولي، أمام جمهور لا يعرف الكثير أو حتى القليل من التفاصيل عن إنجاب الأسرى لأطفالهم عبر "تهريب النُّطَف"، فنرى الجمهور يصفّق للفيلم إمّا إعجاباً بجرأة الفكرة، أو تأثّراً بإنصافٍ سرابيٍّ لشعب لا يزال يعيش كل يوم تداعيات كارثية لسياسات الاحتلال العنصرية، أو انبهاراً بفنيّات الفيلم وأداء ممثّليه.

جديرٌ بالذكر أنه وبعد انتهاء الفيلم، وقبيل استعراض القائمين عليه والعاملين فيه، وردت كتابةً العبارةُ التاليةُ: "منذ 2012 ولد أكثر من 100 طفل بطريقة تهريب النطف.. طرقُ التهريبِ تظلّ غامضة.. كلّ الأطفال تمّ التأكد من سلامة نسبهم"!

الحديث عن فيلم "أميرة" يطول، لكن ما حدث فيه أو اشتمل عليه لا يندرج في إطار "الخيال الروائي" المطلوب في الأدب كما في السينما، بل هو محض مغالطات، ساهم أصحابُها من فريق العمل، وخاصةً المسؤولين عن الكتابة والإخراج والإنتاج، وبدرجةٍ ثانيةٍ التمثيل، بقصد أو بدونه، في تشويهٍ واضحٍ، برأيي، لمِفصَلٍ محوريٍّ مهمٍ من مفاصل مقاومتنا للاحتلال.. وهنا يبرز السؤال: لماذا؟ وأين المشاركون الفلسطينيون في الفيلم بمختلف تفاصيله من دورهم في تصحيح مساراته، والحدّ من مغالطاته التي وَضَعَتْ أطفال الأسرى عبر "النُّطَف المهربة" تحت مقصلة التشكيك؟!

 

منصة الإستقلال الثقافية في

06.12.2021

 
 
 
 
 

"وست سايد ستوري" ممنوعٌ من العرض في الخليج

بيروت/ العربي الجديد

لن يُعرض فيلم "وست سايد ستوري" West Side Story، للمخرج ستيفن سبيلبرغ، في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وعُمان والكويت، وفق ما أكد موقع "ذا هوليوود ريبورتر".

أفادت "ذا هوليوود ريبورتر"، الاثنين، بأن الفيلم لم يحصل إطلاقاً على إذن بالعرض في المملكة العربية السعودية والكويت، بينما طلبت أجهزة الرقابة في الدول الأخرى من "ديزني" حذف مشاهد معينة، ما لم تمتثل له الأخيرة.

وكان مقرراً طرح الفيلم في الدور السينمائية في 9 ديسمبر/كانون الأول الحالي.

وفي حين لم تؤكد أي جهات رسمية أسباب حظر الفيلم، قالت مصادر محلية، لـ"ذا هوليوود ريبورتر"، إن القرار ناجم عن شخصية "أنيباديز" Anybodys التي كُتبت على أنها عابرة جنسياً في النسخة الجديدة من الفيلم، ولعبتها الممثلة غير الثنائية أيريس ميناس.

وتوقع كثيرون أن تعلن دول عربية أخرى لاحقاً قرار حظر الفيلم، خاصة بعد ما تعرض له فيلم "الأبديون" Eternals؛ الشهر الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية وقطر والكويت ومصر والأردن عن منع الفيلم الذي تقوم بدور البطولة فيه النجمة الهوليوودية أنجيلينا جولي.

لم توضح الدول المذكورة أسباب منع عرض الفيلم، لكن مجلة "هوليوود ريبورتر" أفادت حينها، نقلاً عن مصادر لم تكشف عن هويتها، بأن "الأبديون" حظر على الأرجح بسبب مشاهد يظهر فيها بطلا الفيلم من مثليي الجنس (بريان تيري هنري وهاز سليمان).

والعام الماضي، حظرت الكويت وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية وقطر فيلم "أونوارد" Onward، بسبب جملة واحدة فيه تشير إلى علاقة مثلية.

 

العربي الجديد اللندنية في

07.12.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004