ملفات خاصة

 
 
 

ليف أولمان تكرمها أميركا بأوسكار فخرية متأخرة

الممثلة الكبيرة التي وجدت نفسها في أفلام برغمان تحلم أن تكون حكواتية

هوفيك حبشيان 

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الرابعة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

"أن يأتي متأخراً خير من أن لا يأتي أبداً" مقولة تخطر على البال ونحن نقرأ خبر إسناد ليف أولمان "أوسكار" فخرية من أكاديمية فنون الصور المتحركة وعلومها. الجائزة المهيبة التي تُمنح عادةً لمن يستحقونها بشدة ولكن لم يحالفهم الحظ في الحصول عليها طوال مسيرتهم، ستتسلمها الممثلة النرويجية الكبيرة خلال الدورة الـ12 من توزيع جوائز حاكم كاليفورنيا التي من المتوقع إقامتها في شهر يناير (كانون الثاني) 2022. 

أولمان واحدة من آخر عمالقة التمثيل الذين لا يزالون أحياء. مجرد لفظ اسمها كفيل باستحضار عشرات الصور والمشاهد الأيقونية. الممثلة التي ذاع صيتها دولياً بعد أن لعبت دور إليزابيث فوغلر في "برسونا" لإنغمار برغمان في عام 1966، اقترن وجودها طويلاً بسينما هذا المخرج السويدي الكبير. رُشحت مرتين لـ"أوسكار" أفضل ممثلة، مرة عن "المهاجرون" (1973) ومرة عن "وجهاً لوجه" بعدها بأربع سنوات، إلا أنها لم تنلهما في كلتا الحالتين.

لحظات سامية

مثلت أولمان تحت إدارة برغمان تسعة أفلام. طبع وجهها بتفاصيله الساحرة، أفلام صاحب "صراخ وهمسات" وتصدر أسمى لحظاتها. هناك روح معذبة داخل هذه الفنانة التي حافظت على صفاء لا مثيل له، وقد تسنى لي أن ألمس شيئاً من هذه الروح في لقاء جمعني بها في مدينة ليون الفرنسية قبل ثلاث سنوات. يومها كانت تقف على عتبة الثمانين، وقد كتبتُ عنها أنها "سيدات عدة في سيدة واحدة". الجلوس قبالة هذه الأسطورة السينمائية كان أمراً مربكاً. اشتهرت أولمان في العالم أجمع كملهمة برغمان، وأضحت الوجه والصوت اللذين نسج منهما حكاياته، والعينين اللتين تشع منهما روعة الإنسانية. 

لم تزعجها يوماً حقيقة أن اسمها بات مرتبطاً للأبد باسم برغمان. عندما يسألها أحدهم عن هذا الموضوع ترد بأن الأمر طرح لديها بعض التساؤلات، لكونها قامت بنشاطات أخرى في حياتها، ولكن في كل مرة، كان يتم ذكر برغمان ليطغى على أي شيء آخر قامت به. إلى أن جاء يوم قررت أن تصارح فيه برغمان بهذا الموضوع، فلم يقل لها سوى "كوني فخورة". وبالفعل، لم تعتبر هذا تخفيفاً من شأنها، لكونها متصالحة مع نفسها. شعرت ولا تزال تشعر بالاعتزاز بسبب هذه العلاقة التي تصفها بالعظيمة وانطوت على شراكة وفن وحب. وعندما، قبل ثلاثة أعوام، عمت الاحتفالات بمئوية برغمان، وجدت نفسها تتنقل من عاصمة إلى أخرى، للحديث عن أمور كان هو يتكتم عليها نوعاً ما عندما كان حياً. 

على الرغم من هذا كله، تقول أولمان إنها غير نادمة على التوقف عن التمثيل. فالأولويات تتغير من عمر إلى عمر، والتمثيل ما عاد حاجة عندها. كل ما تريده في ما تبقى لها من سنوات هو أن تروي القصص للآخرين. ليس من خلال الوقوف قبالة الكاميرا بل الكتابة. تقول "اليوم، أود أن أقلب الصفحة وأصبح حكواتية. أود أن أكتب وأحكي قصص أناس لم أستطع الحكي عنهم في حياتي السابقة".

سرد الحكايات

بلا معرفة عميقة بينك وبينها، تفتح أولمان لها قلبك وتصارحك فتخبرك بأنها تنوي اكتشاف ماذا تخبئ لها الحياة بعد عمر طويل من المجد الذي لا تراه هي مجداً. وعلى الرغم من أن ما تبقى لها أقل بكثير مما راح، فلا تزال دفاترها مليئة بالمشاريع، وتستخدم صيغة "قد" في الحديث عنها "قد أكتب وأسرد الحكايات وأروي عن أولئك الذين التقيتهم. سأعيش حتى أكتشف ما الذي ينتظرني وأنا في خريف الحياة".

آخر إطلالة جماهيرية مهمة لها كانت في ليون. بدت مندهشة. كانت تقول إنها لم تتوقع أن يحدث لها أمر كهذا: لقاء الناس والإنصات إلى قصصهم، وفجأةً الشعور ببهجة عالم السينما. يومها اعتبرت أن زحف الناس إلى السينما نتيجة أنهم سئموا من التلفزيون والأكاذيب. تنظر من حولها وتكرر: "كم هو ملهم، هذا المكان يجسد حب السينما بكل تجلياته". 

مَن يتسنى له لقاء أولمان، لا بد أن يفرغ جعبته من الأسئلة الكلاسيكية في شأن مدرسة التمثيل التي تعتمدها. فهي درست معطيات المخرج الروسي ستانيسلافسكي كثيراً خلال شبابها، قبل أن تكتشف أنه لا يلائمها. اليوم تؤكد أن الحياة هي مدرستها. هذا ما تؤمن به. اتباع منهج ستانيسلافسكي يفرض على الممثل أن يستحضر ذكرياته وتجربته الحميمية لبناء الشخصية، ومشكلة أولمان مع هذه التقنية هي أنها تجعل كل شيء يلف حولها ولا يبقى إلا القليل من العالم الذي يحيط بها. تقول "تقنيته مهمة جداً للذين استخدموها، ونعرف ممثلين أميركيين كباراً طبقوها على أكمل وجه. اشتغلتُ مع بعض منهم، ولا يمكنك أن تتواصل معهم خلال الاستراحة لأنهم يكونون داخل الشخصية. وهذا يختلف عما أنا عليه، لأنني أخرج كلياً من الشخصية التي أكون فيها عندما تتوقف الكاميرا عن الدوران". 

الممثلة المتعددة

مع برغمان، عملت أولمان على النحو الآتي: تخوض تمارين لنحو أسبوع أو أسبوعين، وكان المخرج يراقب خلالها الممثلين ثم يأتي مع الكاميرامان ليقرر الزوايا التي سيلتقط منها. كانوا يكررون اللقطة ثلاث مرات أو أربعاً حداً أقصى. تقول أولمان "بصفتي ممثلة، أفضل لقطتين. مجدداً أقول: كان برغمان مشاهداً رائعاً. يعرف عنك أكثر مما تعرف عن نفسك. كان يديرك بشكل جيد من دون أن يشرح لك لماذا تقوم الآن من كرسيك وتتوجه إلى النافذة. وعندما كنت تبدأ في التنفيذ، مشاعر أخرى كانت تدهمك. ولكن لم يكن يملي عليك المشاعر. كان يسمح لك بأن تكون مبدعاً".

لا يقتصر الفن بالنسبة إلى أولمان على السينما فحسب، بل يشمل الباليه والأوركسترا والأدب وسائر أنواع التعبير. من أجل تأكيد أهمية الفن، تستشهد بونستون تشرشل وما قاله خلال الحرب العالمية الثانية رداً على الناس "لمَ نحارب إذا لم يكن للفن وجود؟". جملة كهذه هدفها بالنسبة إليها تذكيرنا بمَن نحن ولأي سبب نعيش في هذه الحياة.

حتى نشاطاتها في المجال الاجتماعي لا تأتي من فراغ بل لها أهداف محددة شبيهة بأهداف الفن: كي تتذكر مَن هي ولمَ لا تزال في هذه الحياة. العمل الإنساني يمدها بطاقة لمواصلة مسارها الطويل. بفضله التقت بأناس عاديين وقرأت في عيونهم كلاماً أجمل من أي لوحة راقصة أو معزوفة أو قصيدة. بعض هؤلاء علموها ماذا يعني أن تكون كائناً من لحم ودم، وماذا يعني أن تلتقي أشخاصاً من ثقافات مختلفة، وعلى الرغم من ذلك يفهم أحدهم الآخر. هذا ما شعرت به عندما حملها العمل الإنساني إلى بقع مختلفة من العالم، حيث لا يملك بعض الناس أي شيء يُذكر، ومع ذلك يبدون استعدادهم أن يمنحوا الآخرين آخر نقطة مياه في كأسهم.

 

الـ The Independent  في

29.09.2021

 
 
 
 
 

لوس أنجليس تستعد لافتتاح متحف الأوسكار

الأول من نوعه المخصص بالكامل للفن السابع والأكبر في أميركا الشمالية

(أ ف ب

أصبح لمدينة لوس أنجليس الأميركية أخيراً متحف مخصص بالكامل للسينما التي صنعت شهرتها، وهي خطوة آن الأوان لها، وفق ما قال الممثل توم هانكس، الثلاثاء 21 سبتمبر (أيلول)، خلال إطلاعه وسائل الإعلام على محتويات متحف جوائز الأوسكار قبل افتتاحه رسمياً الأسبوع المقبل.

فمع أن المدينة تضم شركات الإنتاج الهوليوودية وتنتشر فيها عشرات المتاحف لشتى المواضيع، من العلوم الطبيعية إلى صور السيلفي الذاتية، لم يكن فيها إلى اليوم أي متحف مخصص للفن السابع.

وبعد عقود من التأخير، يفتح متحف الأوسكار فيها أبوابه للجمهور في 30 سبتمبر.

واعتبر هانكس الفائز بجائزتي أوسكار وعضو مجلس إدارة المتحف، أن "وجود متحف للسينما في لوس أنجليس أمر مهم". وقال، "نعلم جميعاً أن أفلاماً تصنع في كل أنحاء العالم وهي رائعة، وثمة مدن أخرى لديها متاحف للسينما، ولكن مع كل احترامي لها هذا المتحف الذي أقامته في لوس أنجليس أكاديمية الأوسكار يُفترض أن يكون في هذا المجال بمثابة بارثينون السينما"، في إشارة إلى المعبد الإغريقي في مدينة أثينا الذي يعتبر من أفضل نماذج العمارة الإغريقية القديمة.

تصميم المتحف

وسيكون المتحف الواقع في غرب لوس أنجليس أكبر متحف مخصص للسينما في أميركا الشمالية.

وقد أمكن إنشاء المتحف بفضل نحو 390 مليون دولار تبرعت بها مؤسسات هوليوودية، من بينها "ديزني" و"وورنر" و"نيتفليكس"، وصممه المهندس المعماري الشهير رينزو بيانو، الذي يعتبر "مركز بومبيدو" في باريس من أبرز أعماله.

وكان المبنى الذي أقيم فيه المتحف أساساً متجراً كبيراً متعدد الأقسام في ثلاثينات القرن الماضي، أعاد المهندس بيانو تصميمه ليضم صالات العرض الرئيسة للمتحف، وأضيف إليه مبنى على شكل كرة معدنية عملاقة تبدو وكأنها تحوم فوق فناء المتحف، وتضم هذه الكرة قاعة ديفيد غيفن السينمائية البالغة سعتها 1000مقعد.

وقال المهندس البالغ 84 عاماً مازحاً، "لا تسموها النجمة السوداء"، في إشارة إلى أفلام عالم "ستار وورز" (حرب النجوم)، مضيفاً "بل سموها منطاداً صلباً (زيبلين). منطاد يأخذكم إلى عالم آخر".

المعروضات

ويوفر المتحف للزائر لمحة عامة واسعة عن السينما العالمية، منذ بداياتها في نهاية القرن الـ 19 إلى اليوم.

ومن أبرز معروضاته أزياء دراكولا وكائنات "أورك" من فيلم "لورد أوف ذي رينغز" والكائن البرمائي في "شيب أوف ووتر" والروبوتان الشهيران "سي-3 بي آو" و"آر 2- دي2" من سلسة أفلام "ستار وورز".

وفي المتحف أيضاً مزلجة "روزباد" من فيلم "سيتيزن كاين" الذي يُعتبر أحد أعظم روائع السينما، وصُنعت ثلاث زلاجات فقط لزوم تصوير هذا الفيلم، ولم يكن المخرج أورسون ويلز راضياً عن أول لقطة تحترق فيها الزلاجة في المرجل، فأراد تكرار هذا المشهد الذي يشكل نهاية الفيلم، لذلك لم تبق سوى النسخة الثالثة.

وستدشن المساحة المخصصة للمعارض الظرفية المؤقتة بأعمال لملك الأفلام التحريكية اليابانية هاياو ميازاكي ، بينها "نفق من الأشجار" مستوحى من فيلمه الشهير "ماي نيبور توتورو"، يقود الزائر إلى قصور طائرة ورسوم أخرى.

وقال مدير المتحف بيل كرايمر لوكالة الصحافة الفرنسية، "نريد أن نبين من خلال صالات العرض التنوع العالمي للإبداع السينمائي".

 

الـ The Independent  في

22.09.2021

 
 
 
 
 

متحف الأوسكار "بارثينون السينما" يفتح أبوابه بعد عقود من الانتظار

المتحف لا يتنكر لعنصرية الماضي مبينا التنوع العالمي للإبداع السينمائي

يعتبر وجود متحف للسينما في أيّ مدينة في العالم دليلا على الاهتمام بالفن السابع ومساواة هذا الفن بالفن التشكيلي، أي أنه يستحق أن تخصص له متاحف ومعارض، ومهرجانات لا تكتفي باستعراض الأزياء والسير فوق البساط الأحمر. ومن الغريب أن مدينة شهيرة بمنتجيها السينمائيين الأهم في العالم مثل لوس أنجلس وأكاديمية الأوسكار ليس لديهما متحف سينمائي. لكن هذا الاستغراب يتبدد بعد عقود من انتظار محبي السينما بافتتاح متحف الأوسكار في المدينة الأميركية بعد أيام.

 لوس أنجلس – أصبح لمدينة لوس أنجلس الأميركية أخيرا متحف مخصص بالكامل للسينما التي صنعت شهرتها، وهي خطوة آن الأوان لها على ما قال الممثل توم هانكس الثلاثاء خلال إطلاعه وسائل الإعلام على محتويات متحف جوائز الأوسكار قبل افتتاحه رسميا الأسبوع المقبل.

فمع أن المدينة تضمّ شركات الإنتاج الهوليوودية وتنتشر فيها العشرات من المتاحف لشتّى المواضيع، من العلوم الطبيعية إلى صور السيلفي الذاتية، لم يكن فيها إلى اليوم أي متحف مخصص للفن السابع.

بعد انتظار طويل

استلزمت ترجمة فكرة هذا المتحف المخصّص للفن السابع نحو قرن، وكان من المفترض أن يكون عام 2017 موعد افتتاح المبنى، لكنه تأخّر أكثر من مرة، وزاد انتشار فايروس كورونا المستجد في السنة الماضية من تأخير موعد افتتاحه. ومع ذلك باتت المباني جاهزة للافتتاح بعد أيام قليلة. وبعد عقود من التأخير، يفتح متحف الأوسكار في لوس أنجلس أبوابه للجمهور في الثلاثين من سبتمبر الجاري. واعتبر هانكس الفائز بجائزتي أوسكار وعضو مجلس إدارة المتحف أن “وجود متحف للسينما في لوس أنجلس أمر مهم”.

وقال “نعلم جميعا أن أفلاما تُصنَع في كل أنحاء العالم، وهي رائعة. ثمة مدن أخرى لديها متاحف للسينما. ولكن، مع كل احترامي لها، هذا المتحف الذي أقامته في لوس أنجلس أكاديمية الأوسكار يُفترض أن يكون في هذا المجال بمثابة بارثينون السينما”، في إشارة إلى المعبد الإغريقي في مدينة أثينا الذي يعتبر من أفضل نماذج العمارة الإغريقية القديمة.

وسيكون المتحف الواقع في غرب لوس أنجلس أكبر متحف مخصص للسينما في أميركا الشمالية. وقد أمكن إنشاء المتحف بكلفة ناهزت 390 مليون دولار تبرعت بها مؤسسات هوليوودية، من بينها “ديزني” و”وورنر” و”نتفليكس”، وصممه المهندس المعماري الشهير رينزو بيانو الذي يُعتبَر “مركز بومبيدو” في باريس من أبرز أعماله.

وكان المبنى الذي أقيم فيه المتحف أساسا متجرا كبيرا متعدد الأقسام في ثلاثينات القرن الماضي، أعاد المهندس بيانو تصميمه ليضم صالات العرض الرئيسية للمتحف، وأضيف إليه مبنى على شكل كرة معدنية عملاقة تبدو وكأنها تحوم فوق فناء المتحف. وتضم هذه الكرة قاعة ديفيد غيفن السينمائية البالغة سعتها ألف مقعد.

تنوع المعروضات

قال المهندس رينزو بيانو البالغ 84 عاما مازحا “لا تسموها النجمة السوداءَ”، في إشارة إلى أفلام عالم “ستار وورز” (حرب النجوم)، مضيفا “بل سمّوها منطادا صلبا (زيبلين). منطاد يأخذكم إلى عالم آخر”. ويوفّر المتحف للزائر لمحة عامة واسعة عن السينما العالمية منذ بداياتها في نهاية القرن التاسع عشر إلى اليوم.

ومن أبرز معروضاته أزياء دراكولا وكائنات “أورك” من فيلم “لورد أو ذي رينغز” والكائن البرمائي في “شيب أو ووتر” والروبوتان الشهيران “سي – 3 بي.آو” و“آر 2 – دي2” من سلسة أفلام “ستار وورز”.

وفي المتحف أيضا مزلجة “روزباد” من فيلم “سيتيزن كاين” الذي يُعتبر أحد أعظم روائع السينما. وصُنعت ثلاث زلاجات فقط لزوم تصوير هذا الفيلم. ولم يكن المخرج أورسون ويلز راضيا عن أول لقطة تحترق فيها الزلاجة في المرجل فأراد تكرار هذا المشهد الذي يشكّل نهاية الفيلم، لذلك لم تبقَ سوى النسخة الثالثة.

وستُدشّن المساحة المخصصة للمعارض الظرفية المؤقتة بأعمال لملك الأفلام التحريكية اليابانية هاياو ميازاكي، بينها “نفق من الأشجار” مستوحى من فيلمه الشهير “ماي نيبور توتورو”، يقود الزائر إلى قصور طائرة ورسوم أخرى. وقال مدير المتحف بيل كرايمر “نريد أن نبيّن من خلال صالات العرض التنوع العالمي للإبداع السينمائي”.

كما سيضم الموقع الذي تقرب مساحته من 28 ألف متر مربع، بينها مساحات عرض تبلغ 4500 متر مربع، مجموعة من الآثار الهوليوودية التي استخدمت في الأفلام، بينها على سبيل المثال لا الحصر، حذاء جودي غارلاند الأحمر الشهير في “ساحر أوز”.

المتحف يوفر للزائر لمحة عامة واسعة عن السينما العالمية منذ بداياتها في نهاية القرن التاسع عشر إلى اليوم

وفي المتحف أيضا صالة سينما تتّسع لألف مقعد وتقع داخل كرة عملاقة من الزجاج والفولاذ والخرسانة أقيمت على جانب المتحف. وسيكون سبايك لي وبيدرو ألمودوفار من بين المخرجين الأوَل، الذين طلب منهم المتحف تنظيم معارض مؤقتة مخصّصة للمخرجين الآخرين.

وفي الجناح المخصّص لتاريخ جوائز الأوسكار، سيُعرض 20 تمثالا صغيرا هي جوائز الأوسكار التي نالتها أفضل الكلاسيكيات الصامتة مثل “شروق الشمس” (1927) لفريدريك ويلهلم مورناو أو لأفلام حديثة كـ”ضوء القمر” (2016) لباري جينكينز.

وستخصّص صالات عرض أخرى لإبراز دور جميع الجنود المجهولين الذين يساهمون من وراء الكاميرا في بث سحر السينما، ومنهم خبراء التحريك ومصففو الشعر وفنانو الماكياج، وسواهم.

ويسلّط أحد الأقسام الضوء على الأزياء الشهيرة، كذاك المستوحى من أفريقيا الذي ارتدته الممثلة داناي غوريرا في الفيلم الشهير “النمر الأسود” (2018). وعلقت الممثلة قائلة “إن وجود زي أوكوي (وهي الشخصية التي تؤديها) في متحف الأكاديمية أمر قويّ جدا، لأن تاريخ هوليوود لا يشبه فريق النمر الأسود”.

ويحضر في قسم آخر من المتحف مجسم القرش “بروس” الذي روّع السابحين في فيلم “جوز- الفك المفترس” قبل نحو نصف قرن. والقرش “بروس” الذي قيل إنه سُمي تيمّنا باسم بروس رامير، محامي المخرج ستيفن سبيلبرغ، معلق على علو تسعة أمتار من أرضية الطبقة الثالثة من المتحف.

والمجسم البالغ طوله ثمانية أمتار ويزن أكثر من نصف طن والمصنوع من الألياف الزجاجية هو آخر نسخة أعدّت للوحش البحري لتصوير الفيلم الشهير العائد إلى العام 1975، ويتجاوز عرض فكيه مترا ونصف المتر. وقد تم إدخاله المتحف من النافذة باستخدام رافعة بعدما تعذّر تمريره عبر أبواب المصعد.

تاريخ إشكالي

كما من المتوقع أن يتضمن المتحف المنتظر معروضات تعكس “التاريخ الإشكالي” للإنتاج السينمائي بهوليوود، من العنصرية التي شابت فيلم “ذهب مع الريح” إلى الجدل الأخير في شأن ضعف تمثيل النساء والأقليات.

وفي وقت سابق من هذا العام تولّت الممثلة لورا ديرن التي حصلت على جائزة أوسكار لأفضل ممثلة في دور ثانوي العام الماضي مرافقة الصحافيين خلال جولة افتراضية نظمت لهم في المتحف الواقع في غرب لوس أنجلس.

وقالت الممثلة “لن نتظاهر بتجاهل القصة الإشكالية”، في إشارة إلى وسم “أوسكارز سو وايت” المتعلق بالنقص في تمثيل الفنانين السود، وضعف حضور النساء، والطريقة التي تعامل بها منظمو الأوسكار مع الممثلة السوداء هاتي ماكدانيال عام 1940.

ولم تتمكن ماكدانيال التي كانت أول فنانة سوداء تحصل على جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم “ذهب مع الريح” من حضور العرض الأول للفيلم بسبب لون بشرتها. وخلال احتفال توزيع جوائز الأوسكار، لم تتمكّن من دخول فندق “أمباسادور” الذي كان يمارس الفصل العنصري إلاّ بعد تدخل المنتجين، وكان عليها الجلوس على طاولة منفصلة بعيدا من الممثلين الآخرين في الفيلم.

 

العرب اللندنية في

23.09.2021

 
 
 
 
 

فيلم «Dune»: تاريخ من الاقتباسات السينمائية المرتبكة

رحمة الحداد

ماذا فعلتِ بي؟ جئت بك إلى الحياة

فرانك هيربرت – كثيب

في عام 1974 حصل تحالف من المنتجين الفرنسيين على حقوق تحويل رواية «كثيب – Dune» لفرانك هيربرت إلى فيلم سينمائي على أن يقوم بإخراجه المخرج التشيلي الشهير بأعماله الغرائبية أليخاندرو خودوروفسكي. لم تقتبس الرواية من قبل من الأدب إلى الشاشة،  وسخر لها خودوروفسكي خططاً وطموحات كبرى تكاد تكون مستحيلة لصناعة نسخته الخاصة من عالم كثيب المعقد.

أراد تعيين فريق الروك الشهير بينك فلويد لتنفيذ الموسيقى المصاحبة للفيلم، وأراد للفنان السريالي الأشهر سلفادور دالي أن يقوم بأحد الأدوار التمثيلية، وظف أفضل الرسامين وخبراء المؤثرات البصرية لتنفيذ المعادل البصري للكواكب والشخصيات المتعددة في الرواية، لكنه لم يكن واقعياً في تصوراته. أراد أن يصنع تجربة روحانية مشابهة لأفكار الرواية التي تدمج بين سرديات الشخص المختار والتعقيدات السياسية للحكم، وهو ما لم يقنع استوديوهات هوليوود الكبرى بالموافقة، فذهب المشروع لمخرج سريالي آخر هو ديفيد لينش والذي صنع بها أحد أسوأ أفلامه، وألقى باللوم على التحكم الإنتاجي في المساومة على رؤيته الفنية فخرج المشروع اقتباساً كسولاً ذا بصريات ساذجة وحواراً كاشفاً طفولياً.

ظلت كثيب مشروعاً سينمائياً يملك إمكانيات غير محققة رغم وقوعها في أيدي بعض أفضل صناع الأفلام، فبنيت حولها أساطير كونها عملاً أدبياً يستحيل اقتباسه سينمائياً، لكن في عام 2021، حيث نشهد تطوراً تقنياً غير مسبوق وسهولة نسبية في تحويل التصورات الفنية إلى حقيقة مرئية، أخذ المخرج الكندي ديني فيلينوف على عاتقه صنع النسخة الحاسمة من كثيب. مشروع ضخم ذو تصميمات مهولة ومعارك ضخمة، تجربة سينمائية هائلة ومبهرة تنقل المشاهد إلى عالم آخر. ونظراً لكثرة تفاصيل الرواية انقسم الفيلم إلى جزأين أو ربما أكثر من دون ضمانات حقيقية لأن تخرج البقية إلى النور، فهل نجح فيلينوف فيما فشل فيه الآخرون أم أن أسطورة استحالة اقتباس كثيب مستمرة؟

يا من تعلم ما نعانيه هنا، لا تنسنا في صلواتك

فرانك هيربرت – كثيب

أن تختار ترسيخ الاستعمار

تتكون رواية فرانك هيربرت من أجزاء عدة، فهي  ملحمة ضخمة وممتدة، لكن لم ينل أي من الأجزاء التالية أهمية الكتاب الأول. تحكي الرواية باختصار قصة فتى يدعى بول أتريديس ينحدر من عائلة ملكية، أبيه الدوق ليتو حاكم كوكب كالادين، وأمه السيدة جيسيكا تنحدر من نسل غير معلوم لكنها تملك نشأة بخاصة طورت لديها قدرات خارقة فهي جزء من أخوية تدعى «بيني جيزيريت». أورثت جيسيكا تدريباتها لولدها لتصبح لديه قوة تساعده على تحمل مشقات الحياة كما أنها من الممكن أن ترجح كونه نموذجاً مخلصاً أشبه بالمسيح.

تبدأ الأحداث الرئيسية عندما تستدعي عائلة أتريديس من قبل إمبراطور كوني لتولي الحكم على كوكب صحراوي يدعى أراكيس، كوكب ذو ظروف مناخية ومعيشية قاسية لكنه يحوي مورداً ثميناً “تابل” يسمى ميلانج. يتيح التابل لمستخدميه قدرات هائلة  تصل إلى السفر عبر المحجرات دون الحاجة للحركة، وإطالة العمر وزيادة القوة.

يقع أراكيس تحت حكم فصيلة أخرى تدعى الهاركونين تتكون من أناس شهيرين بالعنف بل والغذاء على الدماء ولحوم البشر يقودها بارون مهووس بالسلطة جشع وشبه مجنون. يسكن الكوكب سكانه الأصليين يدعون الفريمين، ينتظرون مخلصهم بحسب دين مختلق صاغه هيربرت بمزيج بين الأفكار الإسلامية والمسيحية فالشخص المختار والمخلص هو مسيح ومهدي منتظر.

تملك الرواية العديد من الأسماء والأفكار والأعراق المعقدة أليس كذلك؟ ربما يمثل ذلك جزءاً من صعوبة اقتباسها، ينتهج ديني فيلينوف، آخر المحاولين، اتجاهاً يعتمد على البصريات في المقام الأول. لا يمضي وقتاً طويلاً في التعريف بالبيوت الملكية الكبرى أو طبيعة الكواكب والشخصيات بل يهتم بكيف يبدو كل كوكب، ماذا يرتدي سكان كل منها وكيف يعرفون أنفسهم وعلاقاتهم العائلية، كيف تتحرك تلك الشخصيات في فضاءاتها المتنوعة وكيف يبدو الجو العام بين كوكب كالادين موطن عائلة أتريديس الذي تحيطه المياه وكوكب أراكيس الذي تمثل المياه فيه عملة نادرة.

تمتد خيارات فيلينوف الشكلية إلى كيفية اختياره لممثلي الأدوار الرئيسية والفرعية. يتصدر الملصقات الدعائية الممثل الصاعد تيموثي شالاميه، فتى أبيض البشرة ذو عينين خضراوين عميقتين تناسبا وصف هيربرت له، نحيف ويبدو فتياً على الرغم من قدراته العقلية الخارقة. يلعب شالاميه دور بول بمزيج من سذاجة الصبا والثقل غير المحتمل للنضوج في عالم يفرض عليه تولي مسئوليات كبرى. يلعب أوسكار أيزاك دور أبيه الدوق ليتو، وعلى الرغم من أهمية علاقته بولده فإننا لا نرى الكثير منه على الشاشة نظراً لاختزال دوره في تلك النسخة. وتلعب ريبيكا فيرجسون دور الأم التي تؤدي دوراً معقداً يمزج بين الحنان الأمومي والقدرة والجلد الذي يمدها بالإرادة لتعريض ولدها للآلام في سبيل أهداف أكبر.

لم يحدد هربرت في روايته ملامح عرقية لأبطاله أو لسكان الكواكب والبيوت الملكية الأخرى، لذلك يملك فيلينوف الحرية الإبداعية ليختار كيف سيبدو فريق عمله بأي شكل وأي لون ويتحمل كذلك مسئولية العبء التاريخي والاجتماعي لتلك الاختيارات، لكن لسبب مجهول وعلى الرغم من حساسية الزمن الذي نعيشه وحساسية موضوع الرواية الذي يلامس الأفكار الاستعمارية متمثلة في حكم عائلة خارجية لسكان أصليين يعيشون في بيئات صحراوية أكثر فقراً، اختار فيلينوف أن يجعل من الفريمين سكان أراكيس شعباً من الملونين المعذبين تحت حكم ظالم ينتظر الرجل الأبيض المتمثل في عائلة أتريديس ليحررهم من الظلم.

تثقل تلك الصورة على مشاهد الفيلم بخاصة وإن كان في ذلك الجانب من العالم الصحراوي، وتصبح عبئاً مستمراً طيلة الفيلم يجعل من التعاطف مع أبطاله مجهوداً مضاعفاً، بخاصة مع اختيارات فيلينوف الكتابية الأخرى التي تخفي كثيراً من الدوافع والصراعات الداخلية لدى بول وشكوكه في أساليب والده ومجلسه العنيفة الاستعمارية.

لا يمكن تبرئة هيربرت نفسه من النزعات الاستعمارية لكن أقله لم تستدعِ صوره تاريخ دموي من رغبات الجيوش الاستعمارية في تحرير أراض ذات سكان أصليين ملونين بشكل خاص وتعليمهم كيف يتولون أمورهم، بل اختار أن يصنع شعباً من وحي الخيال ذي أوصاف شكلية يصعب إسقاطها على الواقع، يزيد من سوء الصورة التي اختارها فيلينوف. التضاد ذو الماضي المروع بين اللون الفاتح لسكان كالادين والداكن للفريمين سكان أراكيس، الذين اقتصر وصفهم في رواية هيربرت على امتلاك أعين زرقاء لا بياض فيها نتيجة عيشهم وسط تابل الميلانج وتغلغله في دمائهم.

ليست تلك هي المرة الأولى التي تلوث فيها البروباجندا العرقية والقومية أفلام فيلينوف،  ففي فيلمه الشهير «وصول Arrival»، توازي القصة الرئيسية لعالمة اللغويات العبقرية التي تفك طلاسم لغة جنس فضائي تتخطى لغته الزمان والمكان سردية أخرى عن تفوق الحكومة الأمريكية على نظيراتها الروسية والصينية، فمسئولو الحكومة الأمريكية متمهلون ذوو صدور واسعة وصبر مثير للحسد، لا ينهالون بالأسلحة على الغرباء أبداً، أما الحكومات الأخرى فهي متوحشة دون رحمة تريد قتل كل ما يختلف عنها. لا تتم مناقشة ذلك الجانب من سينما فيلينوف عادة نظراً لغلبة الإبهار البصري والامتياز التقني في مرحلته التكنولوجية المتضمنة «وصول» 2016، و«بليد رانر 2049» (2017) وأخيراً «كثيب» 2021.

المعادل البصري للنص

عند مشاهدة «كثيب» فيلينوف في قاعة عرض مظلمة، ربما تنسى أين أنت بالتحديد وكيف وصلت إلى هناك، ينقلك العالم البصري العابر للمجرات إلى مكان جديد كلياً محكم التفاصيل، ضخم للغاية حتى أنه يقزم الممثلين والمشاهدين. يمكنك أن تستشعر ملمس الرمال وحركة المروحيات ورائحة الدم. يخلق فيلنيوف كوناً متكاملاً من الملامس والأصوات والروائح، عالم حسي بالكامل لكنه في أثناء ذلك يغفل عن الشخصيات والصراعات الرئيسة فيصيبها تسطيح ملحوظ، فيصبح الفيلم أشبه بمعادل بصري للرواية وكأنه الرسوم المصاحبة لها وليس عملاً فنياً مستقلاً عنها.

لا يمكن تفسير ذلك بسطوة العمل الأدبي على نظيره السينمائي لأن تلك ليست أول رواية ذات أهمية يتم اقتباسها بذلك الحجم والكم من التفاصيل البصرية، يمكن بسهولة استدعاء اقتباس بيتر جاكسون لسلسلة «سيد الخواتم» للشاشة والتي على الرغم من شهرة وتأثير الوسيط الأصلي فإن الأفلام تقف بذاتها بعوالمها البصرية والسمعية وشخصياتها المحبوبة وصراعاتها الذاتية والسياسية.

يبدو كثيب نسخة فيلينوف تدريب غير كامل في تصور عوالم الرواية بشكل بصري يتجاوز كل التفاصيل الأدبية لكي يخلق الخلفيات التي تصاحبها، الأسلحة المستخدمة والملابس المطورة والكتب الفيلمية التي اخترعها هيربرت، كلها تتشكل في الفضاء الواقعي أمامنا بشكل مثالي لكن لا يبقى في الذاكرة إلا تلك الذكريات العابرة لمحركات الطائرات أو ديدان الرمال المخيفة. أما صراعات شخصية بول مع نفسه ومع أبيه وأمه فإنها تمر كأنها لم تحدث، أكثر العلاقات تأثيراً تحدث عندما ينفرد كل من بول وجيسيكا وحيدين في الصحراء هنا يمكن الشعور بديناميكيات علاقتهما وارتباكهما تجاه قدراتهما المتزايدة. تمر خيانات أقرب الشخصيات للعائلة وكأنها خطأ عابر وتصبح التيمات السياسية الرئيسية مجرد أحداث عارضة.

لقد رأى موته بطرق لا تحصى، رأى نباتات جديدة، ثقافات جديدة، بشر، بشر، بكميات لا يمكن حصرها لكن عقله أحصاها وفهرسها رغم ذلك

فرانك هيربرت – كثيب

على الرغم من المجهود البصري المثير للإعجاب فإنه لم يتم استغلال الإمكانيات البصرية التي تمثلها أحلام بول. يملك بول القدرة العقلية على عبور الزمان والمكان، على المرور خلال الماضي والمستقبل، واقتناص لحظات من مصيره ومصائر الآخرين. يمكن تصور تلك الأحلام الكونية برؤية فيلينوف البصرية ومصمم إنتاجه باتريس فيرميت ومصوره السينمائي جريج فريجر وفريق ممتاز من خبراء المؤثرات البصرية في شكل ساحر يفتح العقل لتقبل خيال هائل يضعنا داخل عقل بول ويعبر بنا عبر فضاءات جديدة نرى فيها أجداده وأحفاده، كواكب لم تولد بعد، وميتات لم يعلم أصحابها مدى قربها، لكن عوضاً عن ذلك يختار فيلينوف أحلاماً هوليوودية متوقعة رومانسية تتوسطها فتاة جميلة من الفريمين تقوم بدورها الممثلة زيندايا، تتردد على أحلام بول تمثل مستقبله وترشد رؤاه.

ربما تكمن صعوبة الموازنة بين العالم البصري والعالم الداخلي للشخصيات في كون الرواية تحكى من داخل عقول الشخصيات في مونولجات داخلية مستمرة يصعب تصور ما يمكن أن يعوض عنها في شكل سينمائي دون الوقوع في فخ الكشف الحواري «exposition» الذي يضعف من الطبيعة البصرية للوسيط. تمر الأحداث تباعاً في الفيلم دون أن نعرف لماذا أو ما هو تأثيرها على تلك الشخصيات وكأن تلك النماذج البشرية هي أدوات جوفاء في لعبة فيديو متطورة، أرواحها متوارية، دوافعها غامضة وصراعاتها مختزلة.

لا تنقص كل تلك المآخذ على الكتابة والخيارات السياسية من تأثير نسخة فيلينوف كإنجاز بصري وسينمائي، فهي تجربة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رحلة لمدة ساعتين ونصف الساعة في عالم آخر لكنه لا يؤدي إلى نتائج مرضية  كونه يمثل نصف فيلم.

«Dune» فيلم ذو بصريات مبهرة بل وشاعرية في بعض الأوقات، تمتد شاعريته إلى حركة الممثلين المحسوبة وتصميم المعارك والملابس، ولكي تختبر الفيلم بالشكل الأمثل، ابحث عن أكبر وأجود شاشة ممكنة تبتلعك في أحداثه وتفاصيله، تجاهل كل العوامل العقلية وركز فقط في التجربة الحسية، لكن بعد زوال الانبهار التكنولوجي بمقاييس الشاشات المثالية وعودته إلى مواقع البث الإلكترونية بالتأكيد سوف يفقد الكثير من سحره ويتجرد من مواضع قوته وتتضخم مواطن ضعفه.

 

موقع "إضاءات" في

30.09.2021

 
 
 
 
 

فيلم CODA: في مديح البساطة

محمد السجيني

في وسط الكم الهائل من الأفلام المعتمدة على التطور التكنولوجي أو الأفكار المعقدة، تأتي المخرجة (شين هيدر) بفيلم بسيط في فكرته وسهل في تناوله، لكنه بشكل مدهش قد يغيّر نظرتك لأشياء كثيرة في الحياة.

استوحت شين هيدر قصة فيلمها من الفيلم الفرنسي La Famille Belier الذي ترشح لست جوائز سيزار وحاز على واحدة منهم وهي جائزة أفضل ممثلة، فيلم (شين هيدر) الذي يحمل اسم CODA هو الآخر حاز على أربع جوائز في مهرجان (صندانس) من بينها جائزة أفضل إخراج والجائزة الكبرى في المهرجان.

فيلم CODA يحكي قصّة فتاة اسمها (روبي) تبلغ من العمر 17 عامًا، وهي الابنة الأصغر في عائلة كلها من الصم، وهو ما يحمله اسم الفيلم Child of Deaf Adult. (روبي) تعيش آخر أعوامها في الدراسة الثانوية وتعاني من التنمر الدائم لزميلاتها في الدراسة. بجانب دراستها، تساعد عائلتها في عملهم على قارب الصيد باعتبارها الشخص الوحيد الذي يسمع، هي وسيلتهم الوحيدة في التواصل.

(روبي) تحمل مشاكل عائلتها على عاتقها، تترجم لغة الإشارة إلى البائعين، مطلوبة في كل موعد عمل لهم، وفي كل زيارة للطبيب، وهذا يؤثر عليها ويزيد من حالة التوتر والضغط وتجد (روبي) في الغناء متنفسها الوحيد، تغني في حجرتها وعلى القارب وكلما سنحت الفرصة لذلك. وعلى الرغم من حبها للغناء فإن الدافع الأساسي الذي جعلها تنضم لفرقة الغناء في المدرسة كان انجذابها لزميلها في الدراسة بعد انضمامه إلى فرقة الغناء هو الآخر.

 تبدأ عقدة الفيلم بعد لقائها بالمعلم (بيرناردو) أستاذ الموسيقى الذي يجد في صوتها خامة تستحق أن تكمل الدراسة وتلتحق بكلية الموسيقى في (بوسطن). في نفس الوقت تواجه عائلتها مشكلة الاضطهاد ويقررون العمل دون وسيط، ويزداد احتياجهم لابنتهم وهو ما تضارب مع موعد درس الموسيقى، وبهذا تصطدم أحلامها بمعيشة الأهل، بخاصة أنهم لا يستطيعون تحمل نفقة وجود مترجم آخر.

القليل من كل شيء

لدينا هنا الآن العديد من التفرعات التي يمكن الخوض فيها، تقدم (روبي) في العمر ومرحلة المراهقة ورغبتها في الهروب والانعتاق من ضغط الأسرة، والصراع الذي تعيش فيه بين رغبتها في تحقيق حلمها ودراسة الموسيقى ووجودها وسط الأهل لمساعدتهم في عملهم، كذلك الانجذاب وقصة الحب البسيطة التي جمعت بينها وبين (مايلز) زميل الدراسة، وهناك الصعوبات التي يواجهها الصم في مجتمع قاس لا يرحم أحدًا.

ومع كل هذه التفرعات والصراعات إلا أن الفيلم يحافظ على حدودها بتوازن مذهل، يصبح قصة عن الحالمين ومن يريدون أن يكونوا شيئًا، ويصبح قصة عن الشراكة والسند التي تجمع ثنائيًا في علاقة قبل أن يجمعهما الحب في جزئية ذكرتني بتحفة (داميان شازيل) الموسيقية La La Land، ويصبح أيضًا تمردًا ونقدًا مبطنًا عن استغلال النظام الرأسمالي للعاملين فيه دون أدنى رحمة أو شفقة، حتى لو كانوا من فاقدي السمع.

في واحد من أجمل مشاهد الفيلم، تقفز (روبي) في المياه بسعادة تعكس رغبة حقيقية في الانعتاق، رغم أن عملها مع عائلتها في الصيد يفرض وجودها الدائم في محيطات مائية فإنها لم تفعل ذلك إلا بعد مرور أكثر من نصف مدة الفيلم، ربما لأنها شعرت للمرة الأولى بالحرية والاقتراب من تحقيق الحلم في عالم خانق مليء بمتاهة الخيارات ومجتمع قاس على مراهقة مثلها.

البقاء أم الشغف؟

أزمة روبي في وجودها ضمن عائلة من الصم أنها تقع في مكان منعزل بين المجتمع الكبير وعائلتها، وكلما حاولت أن تخطو خطوة تجاه مستقبلها تسحبها عائلتها خطوات للوراء “ستحبين الرسم لو كنا عائلة من العمي”.

هذه العزلة التي صنعتها عائلة (روبي) لها كانت ربما بغرض الحماية من العالم الأوسع، لكن الفتاة بحكم سنوات المراهقة والرغبة في التجربة كانت ترغب في المحاولة والتعلق في حلمها، ورفض العائلة لذلك لم يتطور إلى درجة أن تكرههم (روبي)، بل تخلت عن حلمها وقررت البقاء بجوار أهلها برغبة حقيقية، الأمر الآخر الذي تعاني منه (روبي)، والأكثر ألمًا بالتبعية، هو أن حلمها في الغناء شيء لا يمكن لعائلتها تقديره والاستمتاع به ، بل هو شيء لم يختبروه مطلقًا، وهو ما جعل (روبي) نفسها تخاف من تجربة الغناء لأول مرة وتفقد الثقة في الذات، لم يسمعها أحد من قبل!

 نص الفيلم في أساسه يعتمد على الروح الجميلة بين أفراد العائلة، وبالتالي يتخذ الصراع في داخل (روبي) بين العائلة والشغف منحنى أكثر إقناعًا وأكثر قوة، وعلى الجانب الآخر تتمسك العائلة بوجود (روبي) لأسباب تتعلق بالبقاء وليس حب السيطرة، ولأن الشغف الذي تعلقت به (روبي) أمر غير مفهوم بالنسبة لهم.

في مديح البساطة

في مشهد آخر مهم، تنظم المدرسة حفلًا سنويًا، وتغني (روبي) مع الفرقة الغنائية أغاني جماعية ومقطعًا فرديًا مع رفيقها (مايلز)، العائلة لا تسمع أي شيء وكذلك لا يفهمون، لا يوجد من يترجم بلغة الإشارة، لكنها تحاول التفاعل وتقليد الجمهور المستمتع من حولهم، وفجأة ينقطع الصوت عنا نحن المشاهدين لدقيقة كاملة، تحاول المخرجة أن تضع المتفرج مكان العائلة، لتثبت أن الصمت في أحيان كثيرة ليس من ذهب، لكنه ربما يكتسب مذاقًا خاصًا ويجعلنا جميعًا نشعر بالتوتر والضغط النفسي مثلما شعرت به عائلة (روبي).

بعد انتهاء الحفلة والعودة للمنزل يجلس الأب مع ابنته، يطلب منها أن تحكي له عن كلمات الأغنية التي غنتها، ويطلب منها أن تغنيها له، يرى التأثر في ملامح وجهها ويستشعر اهتزاز حبالها الصوتية، وهو الذي يحب أغاني الراب لأنه يشعر بوتيرتها المرتفعة، يقرر صباحًا أن يقف بجوار ابنته من أجل أن تحلم.

من الممكن أن يستشعر المشاهد وجود العديد من المصادفات التي تساهم في تسيير أحداث الفيلم، مثل ظهور المعلم (بيرناردو) في النهاية لمساعدة (روبي) أو في مشهد النهاية وعودة (روبي) لوداع العائلة، لكن كل هذه الأمور تختفي وطأتها تحت الكيمياء المميزة بين ممثليه، بخاصة أفراد العائلة من اختارتهم المخرجة من الصم والبكم لتقديم دور الأبوين والابن، كذلك والأسلوب البسيط في الحكاية، لا يوجد ما يفاجئ في الفيلم، تتدفق أحداثه بسلاسة وتخبرنا بكثير عن الأمل والطموح والهزيمة وقيمة العائلة والروابط بين أفرادها.

فيلم CODA يجعلنا نريد أن تعيش (روبي) حلمها، وفي نفس الوقت نتمنى أن تنجح العائلة في البقاء والمواجهة، يظهر هنا الانسجام والتوازن الذي تقف وراءه مخرجة موهوبة اسمها (شين هيدر) في أول منجزاتها الإخراجية وواحد من أجمل أفلام العام.

 

موقع "إضاءات" في

10.10.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004