ملفات خاصة

 
 
 

قراءة في جوائز "القاهرة السينمائي"

بقلم: أسامة عبد الفتاح

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الثالثة والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

** توافق حول نتائج البرامج الموازية وجدل حول قرارات لجنة تحكيم المسابقة الدولية خاصة جائزتي "الهرم الذهبي" و"أفضل ممثل"

اُختتمت الدورة الثالثة والأربعون من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في 5 ديسمبر الحالي بإعلان وتوزيع جوائز مختلف المسابقات، والتي أعلن معظم المتابعين والسينمائيين والنقاد رضاهم عنها واتفاقهم معها فيما عدا بعض الجدل حول جوائز المسابقة الدولية الرسمية، والتي رأس لجنة تحكيمها المخرج الصربي الكبير أمير كوستوريتسا وغاب عن حفل الختام لاضطراره للسفر قبل إقامته، علما بأنه كان قد أنهى أعمال اللجنة.

فقد رأى كثيرون أن فيلم "الثقب في السياج"، وإن كان يستحق إحدى الجوائز، لا يرقى للحصول على الهرم الذهبي لأفضل فيلم، وإن فيلما مثل "جسد ضئيل"، الذي فاز بالهرم الفضي (جائزة لجنة التحكيم الخاصة)، كان أحق بها، فضلا عن تعجبهم من خروج الفيلم المكسيكي المؤثر "صلاة من أجل المسلوبين" من لائحة الجوائز كلها رغم إشادة الجمهور والنقاد على السواء به، وتوقع الجميع تتويجه.

وثار جدل حول جائزة أحسن ممثل، والتي حصل عليها محمد ممدوح عن الفيلم المصري "أبو صدام".. فمع الاعتراف بأنه أدى الشخصية الرئيسية جيدا، إلا أن الدور لم يشهد تطورا في أسلوب أدائه أو اختلافا عما قدمه من قبل، في حين اعتبر كثيرون – وأنا منهم – دور "المحامي حبيب" نقلة نوعية في مسيرة الممثل التونسي ظافر العابدين، وتطورا لافتا في أدائه، إلى درجة أن البعض اعتبره يمثل بهذه القوة لأول مرة، وأنه كان أحق بجائزة أفضل ممثل، أو كان من الممكن – على الأقل – أن يتقاسمها مع ممدوح.

وإذا كانت لجنة كوستوريتسا قد التفتت لعنصر التصوير ومنحته جائزة الإسهام الفني، وتحديدا خوسيه أنجل أليون عن فيلم "إنهم يحملون الموت"، وهذه بادرة طيبة للغاية، فقد كنت أفضّل – شخصيا – أن تُمنح لمدير التصوير المصري الموهوب عبد السلام موسى عن الفيلم المصري "أبو صدام"، والذي بذل فيه مجهودا كبيرا وملموسا لتصوير مشاهد معظمها على الطريق السريع وداخل أو حول عربة نقل ضخمة "تريلا" يعرف أهل الصناعة مدى صعوبة وضع معدات التصوير والإضاءة في وجودها، فضلا عن مشاهد الليل البديعة التي صورها وصمم إضاءتها.

وبعكس الجدل حول جوائز لجنة التحكيم الرئيسية، كانت هناك حالة من التوافق والرضا عن نتائج المسابقتين الأخريين للأفلام الطويلة: "أسبوع النقاد الدولي" و"آفاق السينما العربية"، فيما عدا استبعاد الفيلم المغربي الجميل "لو انهارت الجدران"، للمخرج حكيم بلعباس، من لائحة الجوائز، وقد كان يستحق إحداها بلا شك، خاصة مع تتويج أفلام في مستواه، إن لم تكن أقل.

وجاءت قائمة الجوائز كالتالي:

المسابقة الدولية:

** جائزة هنري بركات لأحسن إسهام فني: خوسيه أنجل أليون عن تصوير فيلم "إنهم يحملون الموت"، من إخراج هيلينا جيرون، وصامويل م. ديلجادو.

** جائزة أحسن ممثلة: سوامي روتولو عن دورها في فيلم "إلى كيارا"، من إخراج جوناس كاربينيانو.

** جائزة أحسن ممثل: محمد ممدوح عن دوره في فيلم "أبو صدام"، للمخرجة نادين خان.

** جائزة نجيب محفوظ لأفضل سيناريو: بيتر كيريكس وإيفان أوستروتشوفسكي عن فيلم "107 أمهات"، من إخراج بيتر كيريكس.

** جائزة الهرم البرونزي، وتُمنح للمخرج عن عمله الأول أو الثاني: فيلم "انطوائيون"، من إخراج هونج سيونج يون.

** جائزة الهرم الفضي (جائزة لجنة التحكيم الخاصة): لورا ساماني، مخرجة فيلم "جسد ضئيل".

** جائزة الهرم الذهبي لأفضل فيلم: "الثقب في السياج"، من إخراج خواكين ديل باسو.

** تصويت الجمهور (جائزة يوسف شريف رزق الله): فيلم "بنات عبد الرحمن"، من إخراج زيد أبو حمدان.

مسابقة الأفلام القصيرة:

** جائزة يوسف شاهين لأحسن فيلم قصير: "نقطة عمياء"، من إخراج لطفي عاشور.

** جائزة لجنة التحكيم الخاصة: مناصفة لفيلمي: "ثم حل الظلام "، إخراج ماري روز استا، و"ولا حاجة يا ناجي.. اقفل"، من إخراج يوحنا ناجي.

مسابقة آفاق السينما العربية:

** جائزة سعد الدين وهبة لأحسن فيلم: "دفاتر مايا"، من إخراج جوانا حاجي توما، وخليل جريج.

** جائزة صلاح أبو سيف (جائزة لجنة التحكيم الخاصة): "فياسكو"، من إخراج نيقولا خوري.

** جائزة أحسن فيلم غير روائي: "من القاهرة" للمخرجة هالة جلال.

** جائزة أحسن أداء تمثيلي: عفاف بن محمود عن دورها في فيلم "أطياف" للمخرج مهدي هميلي.

** تنويه خاص لفيلم "قدحة" للمخرج أنيس الأسود.

مسابقة "أسبوع النقاد الدولي":

** جائزة شادي عبد السلام لأحسن فيلم وتُمنح للمخرج: أمير فخر الدين عن فيلم "الغريب".

** جائزة فتحي فرج (جائزة لجنة التحكيم الخاصة): فيلم "جذور برية" للمخرجة هايني كيس.

** تنويه خاص للممثلة أرسيليا راميريز، عن دورها في فيلم "المدنية"، من إخراج تيودورا ميهاي.

جائزة أفضل فيلم عربي: "الغريب" للمخرج أمير فخر الدين.

** تنويه خاص لفيلم "فياسكو"، من إخراج نقولا خوري.

جائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (فيبريسي): فيلم "غُدوة"، من إخراج ظافر العابدين.

 

جريدة القاهرة في

14.12.2021

 
 
 
 
 

محمد حفظي.. وحديث لا تنقصه الشفافية عن مهرجان القاهرة السينمائي

حوار| محمد حفظي: لا أنكر المنافسة مع الجونة السينمائي..

وهذه أحلامي لمهرجان القاهرة

حوار – د. أمل الجمل:

- لم أتوقع رد الفعل في مصر حول فيلم "ريش".. وهكذا أقنعت أمير كوستوريتسا برئاسة لجنة التحكيم الدولية

- نعمل على تحسين علاقتنا بالموزعين والمنتجين حتى يكون لنا الأولية في الحصول على الأفلام المهمة

- المنصات الإلكترونية هي اللي شايلة السينما الآن

في المهرجانات الدولية تحتفي الصحافة والنقاد ببساطة وتلقائية بعض مديري ورؤساء تلك المهرجانات، خصوصا عندما يتنقل رئيس المهرجان بين صالات العروض، ويلتقط الصور مع جمهور السينما، أو يبتاع لنفسه ساندوتشاً من إحدى سيارات الأطعمة المتوقفة بالقرب من منطقة الفعاليات، كأنه شخص عادي جداً رغم أنه في الحقيقة غير ذلك.

تذكرت تلك الحالة وأنا أتأمل السيناريست والمنتج محمد حفظي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي وهو يتنقل بين أروقة المهرجان القاهري، وقاعات العروض، ومنطقة المطاعم بالأوبرا المزدحمة برواد الجمهور من نقاد وصحفيين وطلاب ومتطوعين وأعضاء لجان تحكيم أحياناً. أراه يستقبل الجميع بابتسامته الودودة المرحبة، يبدو لي إنساناً متواضعاً، ينصت للملاحظات باهتمام. لديه استعداد لتلقي أي تساؤل أو تعليق برحابة صدر مهما كان سلبياً. يحاول أن يشرح وجهة نظره، وإن شعر بأن الطرف الآخر على حق يعترف بذلك دون تكلف وهذه ميزة كبرى لو كنتم تعلمون.

التقيته قرب نهاية الدورة الثالثة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي وأجريت معه هذا الحوار الذي بدأته من دوره كمنتج لفيلم «ريش»، كان لابد أن أُحييه على جرأته وذكائه وحماسه للفيلم منذ البداية كما حكي لي المخرج عمر الزهيري.. وسألته:

·       هل كنت تتوقع هذا النجاح؟ أم هى الرغبة في تقديم عمل سينمائي ينتمي للآرت هاوس؟ وهذه الثقة في عمر من أين جاءت؟

لأني كنت شاهدت شغل عمر وأفلامه القصيرة، فكنت متأكد أنه سيعمل حاجة بالمستوى ده، لكن لم أتوقع رد الفعل في مصر بصراحة. أقصد ما حدث في الجونة من هجوم علي الفيلم.. كنت أتوقع فيلم مستواه على مقدار موهبته، لأن عمر موهوب. كنت أعرف كيف يصنع الفيلم، أعطاني ملف للوكيشين - أماكن التصوير - ولتفاصيل المشاهد. وجدته دارس ومذاكر وعارف ماذا سيفعل جيداً قبل الدخول للتصوير. ذهنه حاضر، ويحضر على الورق، يعاين الأماكن، مثلا هناك مخرجين لا يحبوا عمل ديكوباج لكل مشهد، ويدخلوا اللوكيشين ويتم تصوير شيء مختلف خالص، لكن عمر يعرف ويحدد مسبقاً عندما يدخل اللوكيشن ماذا يريد منه، وهذا يُطمئن المنتج بقدر ما.

رغم التعديلات التي أجراها على السيناريو

السيناريو صحيح أنه تغير كثيراً.. لكن عمر كان معه سيناريو في النهاية.

·       هذه التغيرات لم تسبب لك قلقاً، ولو بسيطاً؟

التغيرات كانت في نفس الإطار.. بل كانت للأحسن، كل شوية كنت أقرأ نسخة للأفضل.. لأنه ليس مثل مخرجين آخرين يتمسكون بكل شيء كتبوه. كان يطور نفسه. أحياناً المنتج يشاور للمخرج علي مثل هذه الأشياء أو المناطق التي تحتاج للحذف أو البلورة، بأن يسأله: لماذا تريد هذا المشهد؟ هذا الخط ما فائدته الفنية والدرامية؟ الشخصية هذه ما قيمتها؟ فأحيانا المخرج يحتاج شخص يغربل له التراب من حول ألماظة الموضوع.

·       وأنت قمت بهذا الدور مع عمر؟

إلي حد ما، لكن هو نفسه كان يصل لتطوير جيد، أنا أعطيته ملاحظات ورد فعل «فيبداك»، لكن في الآخر جولييت المنتجة الفرنسية كانت هى أساس الموضوع. أنا أعتبرها عنصر مكمل في هذا المشروع، لأنها هى التي بدأت المشروع معه، وكانت تعمل بشكل قريب جدا منه.

·       اسمح لي هأسألك سؤال سخيف

حفظي يبتسم قائلاً: ياريت نفسي في سؤال سخيف من زمان.

·       البعض يرى أنك شاطر في الدخول في لحظات حاسمة لدعم السينما المستقلة؟ لكنك على الجانب الآخر لا تدعم هذه الأفلام ولا تساندها في دور العرض لتأخذ حظها في العرض، فمثلا لا تقدم لها دعاية كافية..؟

حفظي: أصل دي مش أفلام تجارية

·       كيف تصادر على الجمهور قبل أن تجرب معه؟.. أستعيد مثلاً تجربة «فيلم ثقافي» لم يكن به نجوم، وكان الجميع متخوف من التجربة، لكن المخرج كان مؤمن بعمله، ونسخ بوسترات وزعها على المعاهد والجامعات والمصانع وعلى الجدران في الشوارع؟

حفظي: فيلم ثقافي أحبه جدا، وأراه فيلم مسلي جدا، وشايفه فيلم تجاري جدا، رغم أنه مصنوع بشكل فني جيد، ليس هناك وجه للمقارنة بين فيلم ثقافي وفيلم «ريش»..

لكني لا أتحدث هنا عن فيلم «ريش» فقط.. لو تأملنا السينما المستقلة في العشر سنوات الأخيرة سنجد اسمك موجود على التترات كشريك أساسي في إنتاج أغلبها.

صحيح، لكن لما نقول سينما الآرت هاوس في العالم كله سنجد أن جمهورها محدود جداً، باستثناء فرنسا الدولة الوحيدة التي تجد فيها أفلام الآرت هاوس قاعدة جماهيرية، لكن في باقي دول العالم الأفلام المستقلة، والسينما البديلة المنتمية للأرت هاوس جمهورها محدود جدا، والنتيجة كنا نحاول وجربنا ووضعناها في ١٥ دار عرض فكان يتم رفع الفيلم من دور العرض بعد ثلاثة أيام، لأنه لا يوجد جمهور

·       بسبب مافيا التوزيع؟ 

ليس لها علاقة بمافيا التوزيع.. الفيلم لو ظل في السينما شهر فلن يذهب إليه الجمهور.. طبيعة هذه السينما أن جمهورها محدود، وفي رأيي أن هذه النوعية من الأفلام من الأفضل أن تنزل في أماكن يعرفها جمهورها، لكن أن نضعها في دور عرض لعامة الجمهور ففي رأيي أن هذا سيضر الفيلم، وهذا بناء على تجربة. مثلاً لما عملت «فيلا ٦٩»، عملت له دعاية ليست قليلة، وجعلته تقريبا في ٢٥ دار عرض، لكن الفيلم حقق نتائج سيئة جداً، في نفس الوقت، نزلت «فرش وغطا» في خمس شاشات فقط لكنه عمل فلوس أكثر، والأثنين «آرت هاوس».

·       آلا تشعر بالندم ولو قليلا لأن الإنتاج وإدارة مهرجان عريق أخدوك من الكتابة الإبداعية للسينما؟

طبعاً نفسي أرجع للكتابة، لكن صعب - وأنا عندي شركة، إضافة لإدارتي لمهرجان القاهرة - إني ألاقي وقت وراحة البال المطلوبة للكتابة. صعب جداً. 

·       ما الذي فعلته هذه الدورة وتعتقد أنه نجح في جذب الجمهور بهذا الشكل الرائع لقاعات السينما أثناء فعاليات المهرجان؟

الموضوع له علاقة باختيار الأفلام وموضوعاتها. مهم جدا أن يتم التسويق للبرنامج سواء على السوشيال ميديا وغيرها من وسائل التواصل، والإعلان عن كل الأفلام المهمة وما نريد التركيز عليه من أفلام نقوم بإنزال البوستر الخاص به قبلها، كذلك «الآبليكيشن» الخاصة بالمهرجان تنزل قبلها، وعليها البرنامج بالكامل. طبعا شباك التذاكر حاولنا هذا العام أن نسهل علي الناس أن تجد تذاكر بشكل مريح.. تفادينا مشكلة العام الماضي مع التذاكر، خصوصاً مشكلة إن بعض الأفلام كانت «سولد أوت» فكنا نسرع ونضع لها حفل إضافي.

·       اسمح لي السوشيال ميديا وهذه الدعاية كانت موجودة في الأعوام السابقة.. لكن أعتقد أن الاتفاقات الجديدة التي عقدتها لعبت دوراً.. ممكن تكلمنا عنها؟

حفظي: عملنا اتفاق مع الجامعة الأمريكية.. ومن سنتين عملنا اتفاقية مع جامعة القاهرة..

·       بالإضافة لقاعة إيوارت لتقديم عروض المهرجان، ما مضمون الاتفاقية؟

تذاكر مجانية، تخفيضات، مشاركة الطلاب كمتطوعين في المهرجان، عمل أشياء مختلفة.. وهو طبعا أمر يساعد، كذلك اختيار أفلام مهمة تكون الناس سمعت عنها من قبل، سواء حصلت على جوائز، أو عُرضت في مهرجانات مهمة. حتى الأفلام الأمريكية ترقى لمستوى المسابقة، وبعضها يقوم ببطولتها نجوم شعبوية، أو أفلام الناس سمعت عنها من قبل. أيضاً بدأنا نُنوع في الأفلام  فهناك «ميد نايت سيكشنى، فيه تنوع.

بخصوص أفلام المسابقة الدولية.. بداية أحييك على جرأتك في عرض فيلم ظافر العابدين «غدوة».. أنا شخصياً أحببت الفيلم، لكن لاحظت أن الأجانب لم يتفاعلوا معه بنفس الشكل..

الصراحة، أنا أحببت الفيلم، ورغم معرفتي أن بالمسابقة أفلام مستواها قوي جدا، لكن عجبني جهود ظافر كمخرج، وفاجئني كممثل، شعرت أنه هنا عمل أحلى أدواره،، فإنه يخرج لنفسه، أيضاً، ومعه منتجين كبار مثل درة بوشوشة، ولينا شعبان. عنده عناصر جيدة في التصوير، وجميع فريق العمل سانده بفيلمه الأول.

·       وكيف حصلت على الفيلم للبرمجة ضمن المسابقة؟

 وصلني اقتراح بالفيلم عن طريق درة بوشوشة.. بعدها بشهر أرسله ظافر لنا، شاهدته أنا وأندرو  محسن وعلطول قررنا وضعه بالمسابقة. 

·       يدور في الكواليس أن مهرجان القاهرة السينمائي يأخذ ما يتبقى من مهرجان الجونة، أو تحصلون على ما يرفض الجونة عرضه، أو ممكن بصيغة آخرى ما يفيض عن حصة الجونة من العروض.

الجونة لا شك أنه عمل شغل كويس قوي في الأفلام العربي. لماذا؟ أولاً: لأنه ينتقي خمسة أفلام فقط ليكونوا ضمن المسابقة الرسمية له. إحنا في المسابقة العربية نحتاج ٨ أفلام على الأقل، وأحيانا نصل إلي ١٢ فيلم. إضافة إلي إحتياجنا لفيلم أو اثنين داخل المسابقة الدولية أيضاً.. فلما تقارني مستوى ١٢ فيلم عربي غير لما تقارني مستوى خمسة. أكيد الخمسة دول هيكونا أفضل الاختيارات، لكن ليس متاح لنا اختيار ١٥ فيلم عظيم في مساباقات مختلفة. أيضاً الجونة يساعده أن جوائزه أكثر من جوائزنا المالية. ثالثا: الجونة اكتسب سمعة جيدة جدا في الوسط السينمائي، والعربي والدولي، فلن أُنكر وجوود تنافس بيننا وبين الجونة علي الفيلم المصري والعربي العرض الأول، لكن السنة الماضية وهذه الدورة يوجد أفلام جيدة، وفيه مخرجين أنا بأشتغل معاهم يقولون: «كان نفسنا ألا تكون رئيس القاهرة السينمائي لأننا نحب أن نشارك في المهرجان».. نص الأفلام العربية المشاركة في الجونة أنا تقريبا عنصر مشترك فيها.. هذا سبب آخر.. «أميرة، وريش، والزعتري ..» ثلاثة من خمسة أفلام هم من إنتاجي أو توزيعي .. أكيد وجودي كمنتج يعطل ويحرم أفلام عديدة من المشاركة في مهرجان القاهرة.

·       أليس في أجندتك محاولة لجذب رجال أعمال لمزيد من دعم القاهرة السينمائي ورفع القيمة المالية لجوائزه؟ أم ما هو طموحك له مالياً؟

ممكن نعمل هذا، لكن أنا أتمنى شيء آخر.. مثلا الهرم الذهبي رفضت أن يكون جائزة مالية.. أنا شايف أن المفروض أن الهرم الذهبي جائزة لها أهمية خاصة سواء بفلوس أو من غير فلوس.. مثل السعفة الذهبية أو الأسد الذهبي، هؤلاء لا يُعطون فلوس، فالقيمة في الجائزة ذاتها. هناك جوائز آخرى فضلنا أن تكون فلوس، مثل جائزة الجمهور، جائزة أفضل فيلم عربي، وجائزة في الأفلام القصيرة، وأيضاً هذا العام هناك جائزة مالية في أسبوع النقاد.. كل سنة نحاول أن نُكبر الجوائز المالية.

·       وطموحك لمهرجان القاهرة في السنوات القادمة؟

طبعا طموحي إن المهرجان يكون قادر على أن يستقطب نجوم عالميين، ويجذب اهتمام الصناعة العالمية أكثر، أن يكون فيه بعض الضيوف يأتون على حسابهم، فلا ندعو كل الناس.. فلو كنا ندعو ٢٥٠ أو ٣٠٠ أو  ٣٥٠.. أتمنى أن يحضره ألف شخص.. ساعتها سيكون المهرجان بثقل المهرجانات الكبرى التي يذهب إليها العالم كله.      

·       أمير كوستوريستا .. كيف أقنعته برئاسة لجنة التحكيم الدولية.. أعرف أن مهرجانات آخرى عرضت عليه ورفض؟

هو يُحب مصر. كنت قابلته من سنتين لما كان عضو لجنة تحكيم بمهرجان فينيسيا، بمسابقة آفاق، وكانت هند صبري معه في نفس لجنة التحكيم. الحقيقة، هي التي عرفتنا عليه، فاقترحت عليه الأمر فقال لي: «هذا العام صعب، لكن من الممكن أن أحضر السنة القادمة».. ثم حدثت كورونا.. فقال لي: «أنا وعدتك، بس الصراحة أنا خايف من كورونا لكن لما يبقى فيه لقاح هأجي..» السنة دي مكانش عنده حل غير إنه يفي بوعده ويأتي.

·       كان من بين فاعليات المهرجان هذا  العام حضور بارز لاحدى المنصات الالكترونية، فى رأيك ما السبب وراء دخول المنصات كجزء من مهرجانات السينما، هل تفرض نفسها كأمر واقع؟

حفظي: المنصات هى اللي شايلة السينما الآن..

·       لكن أمير كوستوريستا قال في الماستر كلاس الذي نظمه له مهرجان القاهرة هذه الدورة  أن: «المنصات الإلكترونية تقتل دور العرض السينمائي»..؟

أنا مثلا بأشتغل مع شاهد. الأفلام تُعرض في السينما ثم تعرض على المنصة. كذلك أمازون.. هي نتفليكس فقط التي تُنتج أفلامها للعرض على منصتها.. وهذا سبب الحرب الدائرة بين فرنسا ونتفليكس.. الموزعين ودور العرض الفرنسية ترفض أنه ينزل على المنصة أو حتى بعد فترة قصيرة.. لكن هذا ليس واقعي. العالم كله يتحرك في هذا الاتجاه، فإن لم يتحركوا ويجدوا بديلاً هيخسروا أفلام كثيرة.. فيلم «روما» نموذجاً. أنا طبعا مع الدفاع عن المشاهدة في دور العرض السينمائي، لكن أيضاً هناك بعض الأفلام المكان اللي تتشاف فيه أكثر هو المنصات.. وكوروونا عجلت بهذا.

·       وجود فاعلية للمنصة الإلكترونية بمهرجان القاهرة هل كان جاذباً للجمهور؟

جاذبة للجمهور ومفيدة للصناعة. وكمان فيه مشاركة مع نتفليكس. كانوا شركاء من خلال عدة محاضرات وندوات.

·       فيما يخص «ملتقى القاهرة السينمائي» تم اختيار 15 مشروعاً للمشاركة في نسخته الثامنة ضمن مهرجان القاهرة الدورة ٤٣. وذلك من بين أكثر من 110 مشروعات من مختلف أنحاء العالم العربي.. سؤالي: ما مصير هذه المشاريع؟

مصير هذه المشاريع الفرص التي تأتيها من خلال اللقاءات حيث تُتيح لهم خبرة، تفتح لهم أبواب. فكل سنة يوجد ورشة إنتاج لتطوير هذه المشاريع بشكل أفضل. يكون فيه منتجين حاضرين من العالم، مما يتيح الفرص للإنتاج المشترك، ويكون فيه موزعين، مديرين مهرجانات، صناديق دعم… مثلا المسئول عن قناة آرته الفرنسية كان موجود هنا، وكان يقابل كل المشاريع.. وهذه فرصة جيدة، وغيره من روؤساء الشركات، فالمشروع يعرض أمام رجال الصناعة. ميزة هذا أن المشروع حتي لو لم يأخذ جائزة فإنه يوضع علي الخريطة.. فلو أخذ جائزة سيكون التركيز عليه أقوى.

·       هل هناك شروط لعرض أول بمهرجان القاهرة للأفلام الفائزة بدعم هذه الجوائز..؟

أنا أرى أن هذا شرعي، لكن لو كانت قيمة الجائزة كبيرة.. إنما لو الجائزة عشرة أو خمسة عشر ألف دولار فإنه من الصعب أن تفرض شرط العرض الأول علي المنتج، فمعظمهم سيقول: لا، خلاص، لا أريد هذه الجائزة.. لو فيلم ميزانيته ٧٠٠ ألف دولار أو مليون دولار، مؤكد سيقول: ممكن أتنازل عن الجائزة وأحصل علي حريتي في الذهاب للمهرجان الأفضل للفيلم.. لكن لو الجائزة قيمتها ٤٠ ألف أو خمسين أو حتى مائة ألف ممكن ساعتها نشترط مثل هذا.

·       مهرجان القاهرة السينمائي كان دائما له إصدارات سينمائية.. دورة سمير فريد مثلاً أصدرت ١٤ كتاب في الثقافة السينمائية، وحتى قبل سمير فريد كان هناك دائما عدد من الإصدارات تتراوح ما بين ستة أو سبعة كتب.. الآن يكتفي مهرجان القاهرة بإصدارين عن المكرمين المصرين وفقط؟

حفظي: أولاً الورش والمحاضرات العملية والحلقات النقاشية أري أنها أكثر فائدة من إصدار الكتب.. طبعا الكتب للمكرمين أساسين.. دورة سمير فريد كان المهرجان متعطل دورتين.

·       اسمح لي أشعر أن هناك محاكاة لمهرجان لبعض المهرجانات الخاص. بينما مهرجان القاهرة السينمائي مهرجان عريق تدعمه وزارة الثقافة... فلما تكون السينما المصرية عندها مشكلة في التوثيق، وعندنا نقص في الكتب التنظيرية، وهناك فصول مفقودة من تاريخ السينما المصرية، عندنا فجوة كبيرة في التأريخ والتوثيق للسينما، فإذا مهرجان القاهرة الذي يعتبر المهرجان الأول بمصر لم يفعل ذلك وهو المهرجان الوطني فمَنْ سيفعل ذلك، خصوصا أن دور النشر لا تهتم بالثقافة السينمائية؟

حفظي: ممكن يكون عندك حق، السنة دي فعلا أنا شايف إن الإصدارات كان ينقصنا كتاب ثالث من وجهة نظري. السنة الماضية كان عندنا مئوية فيلليني.. بس الكتاب ده كان المفروض يكون موازي للبرنامج الخاص بالمهرجان، كنا نحاول أن نعمل برنامج موازي وفشل قبل المهرجان بثلاثة أسابيع.. كان هناك نية لهذه الفعالية، كنا بدأنا نُعد فعلا لهذا الكتاب، لكن البرنامج لم يكتمل لظروف الكورونا لأن هناك إناس اعتذرت. 

·       وماذا عن التحديات؟

حفظي: لازلنا لم نخرج من كورونا.. تداعيات الظرف العام، والتطعيم.. كنا نحاول أن نلحق نطعم عدد كبير من الصحفيين. كان هناك تحدي أننا نوفر ميزانية أكبر للمهرجان. كذلك، المنافسة مع مهرجانات آخرى، تنسيق المواعيد، السفر أيضاً كان به تحديات.. ناس في وسط المهرجان لغت السفر بسبب إغلاق الحدود.

·       الملاحظ أن المسابقة الدولية، كل فيلم بها كان به بعض المزايا، لكن يظل مستوى الأفلام بها ليس بنفس قوة الأفلام خارج المسابقة.. فماذا عن طموحك لها؟

حفظي: شغالين علي تحسين علاقتنا بالموزعين والمنتجين حتى يكون لنا الأولية في الحصول على بعض الأفلام. طبعا السفر والاحتكاك بصناع الأفلام في المهرجانات الكبرى يساعد في ذلك.. مهم جدا أن نبني علاقات سواء مع المخرجين أو المنتجين أو الموزعين، لأنه كل ما سمعة مهرجان القاهرة السينمائي  تتحسن سنتمكن من جذب الأفضل له.

 

موقع "مصراوي" في

14.12.2021

 
 
 
 
 

دفاتر مايا.. آن وقت الحساب

ناهد صلاح

أكثر من 40 عامًا ومازال المشهد السينمائي اللبناني، يطرح حكايات الحرب الأهلية في لبنان ويثير أسئلتها القاسية، ربما خوفًا من النسيان أو التراكم أو حتى التأقلم، وربما لأن حكايات الحرب منقوصة؛ لم تكتب كاملة، أو لأن الجرح لم يلتئم وأن الواقع الحالي كالحرب، يزداد قسوة ويحتاج إلى نوع من التأمل.. لعل غموض الماضي والحاضر ينكشف في أفلام لم تتعامل أغلبها مع الحرب كغيمة عابرة في الفضاء السينمائي، إنما وثقت بشكل وآخر لمعاناة بشرية في واقع كابوسي لم ينته بعد.

 فيلم "دفاتر مايا - Memory Box"، من إخراج جوانا حاجي توما وخليل جريج (حصل مؤخرًا على جائزة سعد الدين وهبة لأحسن فيلم في مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائي الـ 43) يعد واحدًا من هذه الأفلام التي تناولت الحرب الأهلية، لكن بمعالجة مختلفة ومميزة.

 إنه ليس فيلمًا سياسيًا أو تحليليًا يرمي إلى نقطة معينة، فارتكازه على الحرب يأتي من زاوية إنسانية محضة، تقدم في سرد بصري لافت، علاقة اللبناني بالماضي، بالحرب وذكرياتها، حيث يشتغل على الحاضر المأهول بتفاصيل كثيرة من الماضي، وبمعادلة أن هناك واقع قديم أفضي إلى النتيجة الحالية، وأن القصة تسكن الذاكرة وتأبى أن تغادرها.

 لا يقول الفيلم ما هي بيروت، أو ما هي الحرب، لا يعطي تفسيرًا، بل رواية تحتوي استفهامات كثيرة عن المدينة ونبضها والسِيَر الذاتية التي يتضمنها، فهناك أكثر من سيرة: الجدة والأم والابنة، أجيال متعاقبة وكل جيل يختلف عن الأخر بمقدار حساسيته تجاه الحرب وخبرته بها، الجدة عاشت الحرب وشجعت العائلة على الخروج من لبنان، وبالتالي فإن الأم صارت في كندا، وابنتها المراهقة لا تعرف الحرب ولا حتى تتحدث اللغة العربية بشكل جيد، إنها تنتمي إلى جيل تائه بين ماض لا تستوعبه في بيروت، وقلق وعدم إدراك تعيشه في حاضرها بكندا.

 الابنة هنا هي إشارة الانطلاق التي يستعيد الفيلم بسببها الذكريات حتى لو كانت هذه الذكريات مؤلمة، ترفض الأم وهي المصدر الأساسي للحكاية، استرجاعها وعيشها مجددًا، تريد التعافي، ولكن كيف يحدث هذا التعافي بينما الواقع يفاجئها دومًا بكارثة جديدة، حتى أن مخرجا الفيلم، حسب تصريحاتهما الصحفية، قدما هذا الفيلم إثر انفجار مرفأ بيروت، لأنهما اعتزما هذه المرة المحاسبة وليس إظهار الصدمة أو المطالبة بالصمود.

 المحاسبة هنا جاءت من جيل جديد يرغب في الحياة والحب، يحيا في جغرافيا مختلفة وزمن مختلف، ليلتقي الماضي والحاضر في صياغة سينمائية ذكية ومتبصرة، أتقنها الثنائي الموهوب، جوانا حاجي توما وخليل جريج، هي إضافة إلى رصيدهما الحافل بأفلام مثل: أسميرنا (2016)، النادي اللبناني للصواريخ (2012)، بدي شوف (2008)، طفولة (2006)، يوم آخر (2005)، رماد (2003)، خيام 2000-2007 (2008)، البيت الزهر (1999)، وغيرها من أفلام متنوعة بين الطويل والقصير، الروائي والوثائقي. 

 ولد "دفاتر مايا" من سطور رسائل وأشرطة كاسيت، كانت المخرجة أرسلتها في سنوات مراهقتها إلى صديقتها "ليز" في الثمانينيات القرن العشرين خلال الحرب اللبنانية، لنكتشف من خلال أحداث الفيلم قصة حب عاشتها الأم على خلفية الحرب المتوحشة، تلك الحرب التي قضت على حبها بعد أن انضم حبيبها للكتائب وأصبح طرفًا في الحرب اللعينة، فـ"مايا" لبنانية هاجرت إلى مونتريال بكندا منذ أكثر من 30 عامًا، يصلها الآن بعد أن صارت أمًا لفتاة هي "أليكس"، شحنة غير متوقعة من صديقة قديمة تعيش في فرنسا، الشحنة هي عبارة عن صندوق يحتوي بعض شرائط الكاسيت والصور، بينما ترفض مايا والجدة فتح الصندوق الذي وصل في يوم ثلجي ناصع البياض، كأن بياض الثلج يشير إلى النسيان الذي تصورت الجدة أن تسلل إلى ابنتها، لكن الحدث يتطور، حين يقود الفضول الحفيدة لتفتح الصندوق وتكتشف خفايا لم تكن تدركها في حياة أمها، إذ يتبين حالة التوتر بين الأم والابنة، الناجم عن تركيبات متباينة للشخصيتين، الأم تخشى الماضي وتحرص على إخفاء قصة حبها القديمة، والابنة تستمد شجاعتها من عصرها الحديث وتُفضل الإفصاح والمواجهة.

الابنة/ الحفيدة "أليكس" هي من يخاطبها الفيلم وهي من تصنع الحدث، بعد أن تصور بهاتفها محتويات الصندوق وتحول الصور إلى لقطات متحركة، وهنا تعثر على إجابة عن سر حزن أمها الخفي في عيونها، وهنا يتحول الحدث من كندا وثلوجها إلى لبنان ونار الحرب الأهلية في ثمانينيات القرن الماضي.

من تفاصيل القصة نتوقف عند الملامح الفنية والجمالية والدرامية، التي صنعها الثنائي في فيلم وقف عند الحد الفاصل بين ذاكرة الماضي وأسئلة الحاضر، فهو ليس فيلمًا لبنانيًا آخر عن الحرب، بل عمل إبداعي يغوص في متاهة العلاقات المرتبكة بالذات الموزعة بين السابق واللاحق. إنه فيلم مصنوع بشفافية ومرارة وقسوة: شفافية الانخراط الصادق في تفاصيل إنسانية، ومرارة الخيبات والانكسارات التي صنعت جيلًا (أو أكثر) من اللبنانيين، وقسوة أن يكون المرء عالقًا في فراغ وطن أو في ارتباك مسار حياتي.

لا يخوض مباشرة في الحرب اللبنانية، لكنها حاضرة بقوة ليس في البنية الدرامية للفيلم فقط، لا يصنع الثنائي جوانا حاجي توما وخليل جريج مرافعة سينمائية ضد الحرب، بل يقدمان فيلمًا تتنوع فيه ما بين كتابة النص القوية والعمل البصري السلس في اعتماده إيقاع هادئ، تعتمل فيه حالات الغضب المكبوت والعصبية وملامح الارتباك والخيبات، ثم الأمل في غد أفضل، كل هذا حضر في أداء تمثيلي وهنا أخص بالذكر منال عيسى وحضورها بحساسية فنية وإنسانية ملحوظة، ومدركة لما تحتويه الشخصية من ثقل درامي وإنساني.

على هذا الأساس، فثمة اهتمام كبير برسم الشخصية وإبراز دورها وحالاتها النفسية والمناخات التي تعيش فيها، ما أسهم في إضفاء الحيوية على الفيلم إجمالًا، ليبقى واحدًا من الأفلام اللبنانية المترعة بالجماليات فنيًا وتقنيًا ودراميًا، استخدامه للتحريك وتقنيات الانترنت الحديثة، عمل على إثراء جماليات الصورة، إضافة إلى انشغاله دراميًا بهموم الفرد وهواجسه وكذا بالتحولات النوعية في المجتمع بكل حيرته وتشوشه، وجنوحه إلى ضرورة الحساب، بل وأن هذا وقت الحساب في حرب هي جريمة أنهشت جسد بلد متهالك، منخرط في لعبة الموت والانشقاقات.

 

اليوم السابع المصرية في

15.12.2021

 
 
 
 
 

مهرجان القاهرة ينتصر للمهمشين

الهويـــة والمواطنـــة

كتب تقرير- مى الوزير

بعيدًا عن كل الشعارات السياسية، وبمنأى عن كل اللغات واللهجات، اجتمعت لغة السينما التى تنتصر للإنسان وقضاياه ومعاناته، على مدار أيام انعقاد مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الـ 43، فبالرغم من تعدد القضايا المطروحة إلا أن التيمة الأساسية لمعظم الأفلام ركزت على طرح أساسى وتساؤل مهم عن حقوق الإنسان البسيطة ومعاناته فى الحصول عليها، بل وتأثير تلك المعاناة على الشخوص وعلى استكمال رحلتهم فى الحياة. ألقت القضايا الإنسانية بظلالها على أفلام هذه الدورة بوضوح، وكانت الطرح الأبرز فى اختيارات إدارة المهرجان لأفلام دورتها الحالية، وهو ما نتناوله فى السطور التالية.

معاناة المرأة

الفيلم الأردنى «بنات عبدالرحمن» الذى تقوم ببطولته صبا مبارك وفرح بسيسو ومريم الباشا وحنان حلو، يبدأ بسرد تفاصيل حياة أربع أخوات لكل منهن حياة مختلفة بل ومتناقضة تمامًا عن شقيقاتها، فمنهن المقهورة من زواج من رجل يقمعها وأطفالها باسم الدين ويسلبهم حريتهم، ويظهر ذلك فى أول مشاهد الفيلم وهى تجبر ابنتها المراهقة على تغطية شعرها قبل ذهابها للمدرسة بشكل مبالغ فيه، خوفًا من أبيها. كما يتضح مدى قمعه لها فى اختيار ملابسها والنقاب الذى لا يظهر ملامحها.

أما الأخت الثانية فتبالغ فى الاهتمام بمظهرها، وفى عصبيتها الزائدة فى التعامل مع كل من حولها، ونعلم مع الأحداث ملاحقتها لزوج ثرى لا تستطيع التواصل معه سوى من خلال سكرتيرته، التى جندتها لنقل أخباره ولا نراه مطلقًا فى الأحداث. بينما الأخت الصغرى تعيش حياة متحررة فى دبى، ولكنها شديدة القلق فيما يتعلق بعلاقتها بأسرتها التى انقطعت عنها سوى من خلال رسائلها مع الأخت الكبرى، والتى تحاول إصلاح العلاقة بينها وبين والدها، فهذه الأخت الكبرى «زينب»، والتى جسدتها الفنانة فرح بسيسو، لم تتزوج وفضلت رعاية والدها وأخواتها بعد وفاة أمهن، حيث تعمل «خياطة» لمساعدة أسرتها، لكن تأخرها فى سن الزواج جعلها مهزوزة نفسيًا بسبب خوفها من «كلام الناس»، فتغلق باب غرفتها لترتدى فساتين الأفراح التى تقوم بخياطتها لبنات الحى، وتحتفظ لنفسها بقطعة من كل ثوب.

مع عرض ملامح كل شخصية من شخصيات بنات عبدالرحمن، يبدأ المخرج زيد أبو حمدان فى متابعة كل منهن من خلال معاناتها فى مجتمعها المنعزل، والرابط بينهن ألا وهو الأب الذى اختفى فجأة، فاجتمعت بناته بالصدفة، لتبدأ رحلة البحث عنه ورحلة تصاعد الخلافات المتراكمة بينهن أثناء بحثهن عن الأب، فنرى تجسيد معاناة المرأة العربية بشكل عام من خلال نظرة المجتمع لـ«خلفة البنات»، ونُكران الأب لكونه «أبوالبنات» ونكرانه لهذا من خلال تلقيب نفسه وسط أصدقائه بـ«أبو على».

تستمر رحلة «بنات عبدالرحمن» فى البحث عن أبيهن، وكذلك البحث عن أنفسهن، حتى يتحررن من كل قيودهن، وتسقط خلافاتهن المتراكمة. ورغم النقاط الداكنة فى «حدوتة» كل شخصية، إلا أنه تم طرحها ومعالجتها بشكل كوميدى خفف من وطأة تلك المعاناة، خاصة لحظات تحرر كل شخصية من قيودها، فبنات عبدالرحمن لم يكن يبحثن عن أبيهن بل كانت رحلة للبحث عن أنفسهن.

رحلة البحث عن هوية

يناقش فيلم «رجل بلا وطن» اضطهاد المسلمين فى أكثر من دولة انتقل إليها البطل «نواز الدين صديقى»، فمن خلال رحلته للبحث عن حياة جديدة، يضطر للتعلق بهوية أخرى مزيفة واسم وديانة اختارهم له صديقه، ليحصل على وظيفة فى مجتمع جديد لا يرحب بالمسلمين.

الفيلم الذى تحمس له بطله ومخرجه «مصطفى سروار فاروقى»، يشكل قصة حقيقية عانى منها كل من انخرط فى هذا المجتمع، وكانت هويته عائقًا أمام تقبله، بل ومحاكمته بسببها وليس بسبب أفعاله، فبسبب لون بشرته ودينه يتعرض البطل طوال الوقت لأزمات فى مجتمع هرب إليه لينجو بنفسه من أزمات طائفية ومادية فى وطنه.. كوميديا سوداء يسخر فيها المخرج من واقع مؤلم، ومعاناة شخص يبحث عن النجاة طوال حياته.

«نافين» الشاب المسلم الذى أوهم مجتمعه الجديد وحبيبته كذلك أنه هندوسى لكى يهرب من الاضطهاد، وتبدأ رحلته فى البحث عن الاستقرار، ينتهى به الأمر بفقدان حياته على يد متطرفين بسبب لون بشرته.

شاب مضطرب أنهكه الهرب ومحاولات التعايش، لكنه يتغلب على كل هذه المشاكل بالتأقلم والسخرية من نفسه فى مشاهد مصحوبة بخفة ظل وسلاسة فى الأداء، نقلت لنا كم البؤس الذى يعيشه «نافين» إلى أن قُتل على يد متطرفين.

«قدحة» بعيون الصغار 

يتناول فيلم «قدحة» مشاكل وصراعات مختلفة ظهرت فى العالم العربى فى العقود الأخيرة، ولكن بعيون أطفال هذا العالم، الذين تنعكس تلك المشكلات على عالمهم وعلى تكوينهم النفسى، حيث جسد لنا محاولاتهم للتعايش فى ظل هذه الضغوط، وكيف يمكن لعالمهم الصغير أن يترجم كل هذا العبث فى العالم الخارجى.

«قدحة» طفل تونسى يفقد أباه فى رحلة هجرة غير شرعية. طفل يجد رفاهيته فى التنزه مع أصدقائه والتحرش اللفظى ومعاكسة الفتيات وتصويرهن فى شوارع تونس. يستعرض المخرج بكاميرته خلال رحلاتهم فى التنزه حالة الفوضى والطبقية من حى إلى آخر. يجد «قدحة» نفسه وقد باعت أمه كليتها لعائلة ثرية لإنقاذ ابنها بمقابل مادى كبير، فتكون صدمته فى والدته التى فعلت هذا بسبب الفقر والعوز

مشاعر الغضب والحزن تُرجمت فى عيون أبطال العمل المراهقين، وأدارها المخرج «أنيس الأسود» بحرفية كبيرة، مصحوبة بموسيقى تصويرية مؤثرة، خاصة فى مشاهد صامتة تترجم كل القهر والألم الذى يعانى منه الطفل.

 

####

 

ظافر العابدين: قدمت فصامًا واقعيًا.. والإنتاج حقق حلمى

حوار: نرمين حلمى

استطاع النجم التونسى ظافر العابدين أن يحرز هدفًا فنيًا جديدًا، على مستوى علاقته بالجمهور العربى، ومسيرته الفنية التى تخطت الـ 38 عملاً فنيًا تقريبًا، ليس على صعيد التمثيل فحسب، بل بنجاحه فى تجربة التأليف (القصة) بالاشتراك مع السيناريست أحمد عامر والإنتاج بجانب درة بوشوشة والإخراج لأول مرة بفيلم «غُدوة».

حظى الفيلم الروائى التونسى بحضور فنى وجماهيرى ونقدى كبير أثناء عرضه بالعاصمة المصرية القاهرة، فضلاً عن حصده جائزة الاتحاد الدولى للنقاد (الفيبريسى)، بعد مشاركته ضمن المسابقة الدولية للدورة الـ (43) لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى.

مجلة «صباح الخير» التقت بالنجم ظافر العابدين، أثناء تواجده فى مصر على هامش فعاليات المهرجان لهذا العام، للحديث عن كواليس «غُدوة» وتحديات تعدد مهامه الفنية به لأول مرة بعيدًا عن مسئوليات التمثيل، وخطته التوزيعية للفيلم فى وسائط فنية متعددة من المهرجانات والسينمات، فضلاً عن أعماله المقبلة والكثير من التفاصيل الفنية..وإلى نص الحوار.

·        بداية.. لماذا اخترت عرض «غُدوة» العالمى الأول بمهرجان مصرى وليس تونسيًا؟

مشاركة الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى شرف كبير ومهم كثيرًا بالنسبة لى، ورصد آراء الشعب المصرى الذى تجمعنى به علاقة حب قوية خلال مسيرتى الفنية. أسعدتنى للغاية ردود أفعال الجمهور والنقاد بعد عرضه، والحقيقة إننى قدمته بالفعل فى مهرجان «أيام قرطاج» التونسى، لكنهم لم يقبلوا مشاركته لأسباب لا أعلمها.

·        هل ترى أن ذلك القرار جاء بسبب أنه فيلم سياسى؟

لا أعلم، لكننى لا أرى أن «غُدوة» فيلم سياسى، فهو درامى إنسانى اجتماعى حول علاقة أب بابنه، وتدور الأحداث خلال يوم ونصف، نعايش تجربتهما والتحديات التى تواجههما مع رصد ما يحدث فى بلاده تونس والظروف التى يمر بها المجتمع سياسيًا وإقتصاديًا. لم أنشغل بتفسير الجمهور له أثناء التصوير، ما يهمنى واقعية القصة المرتبطة بقدر تفاعلهم معها.  

·        وما موقف الرقابة التونسية؟

عُرض فيلم «غَدوة» عليهم وشاهدوه بالطبع ووافقوا عليه واتصور فى تونس، ولم يعترضوا أو يحذفوا أيًا من مشاهده

·        وماذا عن كواليس التصوير وتناوب الأدوار بين مسئوليات التمثيل والإخراج والإنتاج؟

استمتعت بكل مرحلة ولم تكن صعبة على الإطلاق، استغرق حوالى 4 أسابيع ونصف متتالية فى التصوير، وكانت الأجواء سلسة وتسير كما كان مخططًا لها باستثناء صعوبة الظروف التى حدثت بسبب وفاة والدتى وتأثرى بها. تشرفت بالتعاون مع كل فريق العمل؛ كلٌ بذل مجهودًا مقدرًا ومؤثرًا لخروج الفيلم بهذه الصورة

·        نشاهدك فى دور الأب «حبيب» تجسد حالة مريض الفصام والمعاناة من الهلاوس جيدًا..هل استعنت بطبيب نفسى؟

نعم بالطبع. زرت مستشفيات واستشرت طبيبًا نفسيًا حول أعراض هذا المرض، وتفاعلت مع حالات مرضية، عايشت ما يشعرون به من أجل المصداقية والتعمق فى هذه الشخصية الدرامية المركبة ودوافعها وما تشعر به بعيدًا عن الأداء «الكاريكاتورى أو الكليشيه»، كما أن المعاناة التى رأيتها مع شقيقى بعد إصابته بالسرطان وسُبل توفير العلاج، ألهمتنى بقصة هذا الفيلم وإلقاء الضوء على الواقع المتناقض بتونس.

·        مع اقتراب نهاية الفيلم، نرى ظافر العابدين يصعد مشتتًا على سطح إحدى العمارات، معطيًا إيحاءً بنيته فى الانتحار، لكننا نجد فى الأحداث بقية إلى أن تأتى النهاية التى تحمل قدرًا من الإيجابية والأمل فى الغد..فهل كانت مطروحة نهايته بالانتحار وتم تغييرها أم اختيرت كذلك من البداية؟

 لا. هذا الاختيار جاء لإبراز معاناته اليومية الدائمة، يرى دومًا أن الناس لا تفهمه، فضلاً عن شعوره بالعديد من الاضطرابات النفسية. هذه النهاية لم تتغير وكانت مكتوبة من البداية فى السيناريو؛ الذى يحفزك لطرح عدة تساؤلات للنهايات المتوقعة أثناء المشاهدة، حياة البطل «حبيب» كلها اختيارات؛ كلٌ منها يوصله لأخرى؛ خاصة أنها شخصية درامية إيجابية تسعى دومًا للمحاولة والتغلب على ظروفها الصعبة.

·        وماذا عن أصعب مشهد بالنسبة لك فى «غُدوة»؟

الحقيقة لا أستطيع وصف مشهد محدد بـ «الأصعب»؛ فكلها بها صعوبة واحتاجت لقدر من التركيز والتحضير الجيد قبل التنفيذ

·        ألم تفكر أن اللهجة التونسية بين حوار أبطال «غُدوة» ربما تعوق فهمه بين جمهور المجتمعات العربية الأخرى مثل مصر؟

لا إطلاقًا..والدليل على ذلك أن الجمهور المصرى تفاعل مع الفيلم أثناء وبعد العرض. كان اختيارها مهمًا للغاية؛ بوابة لإدراك المجتمع التونسى ومعاناته، يجب أن نبذل مجهودًا أثناء المشاهدة للتعرف إليه والتقرب منه كما هو، وتصل مشاعر ناسه بصدق.

·        وماذا عن المفاضلة بين عرض «غُدوة» فى السينمات أو على المنصات الرقمية؟

ليس مؤكدًا حتى الآن، لكن نخطط لعرضه فى دور عرض السينما التجارية أولاً فى جميع أنحاء الوطن العربى ويشرفنى بمصر بالطبع، ثم بعد ذلك نطرحه على أى من المنصات الرقمية الشهيرة.

·        هل ترى أن خوضك تجربة الإنتاج أتاح لك الفرصة فى تقديم نفسك بشكل مختلف للجمهور بعيدًا عن الأدوار الرومانسية؟

بالتأكيد، الإنتاج أعطاك فرصة تقديم عمل فنى تحلم تقوم به، بشرط أن تبنى عملًا لا يعتمد على إرضاء رغبات نفسك كممثل فقط، بل متكاملاً ويصل للناس أيضًا. هذه الشخصية مختلفة عما قدمته على الشاشة من قبل سينمائيًا ودراميًا وهذا حمسنى لتجسيدها. أول دور قدمته فى مصر ليس رومانسيًا بالعكس، فهو كان يعانى من «تهتهة» ويتكلم بالإشارة فى مسلسل «فيرتيجو»؛ بدايتى فى مصر لم تتعلق بالوسامة وهو من أقرب الأدوار لقلبى، وكذلك مسلسل «تحت السيطرة» وفقًا للموضوع الذى يناقشه «الإدمان»، وهكذا أبحث دومًا على التنوع فى الأدوار التى أقدمها على الشاشة بعيدًا عن القولبة الفنية.

·        وماذا عن تكرار تجربة الإخراج سواء فى مصر أو خارجها؟

أتمنى تكرارها بالطبع، فى عمل فنى آخر سواء فى مصر أو خارجها، إذا كانت تجربة مناسبة وجيدة فلا أرفضها بكل تأكيد.

·        أخيرًا.. حدثنا عن أعمالك المقبلة وما إذا كنت ستشارك فى الماراثون الرمضانى المقبل.

لن أشارك فى موسم دراما رمضان 2022. وأنشغل حاليًا بالجزء الثالث من مسلسل «عروس بيروت»، كما أتشرف بالمشاركة فى السينما المصرية بدور رئيسى فى فيلم الأكشن والإثارة «العنكبوت».

 

####

 

غـدوة وبنـات عـبدالرحمـن

مرايــا المجتمعــات العربيـــة

كتب جيهان الجوهرى

انتهت فعاليات الدورة 43 لمهرجان القاهرة السنيمائى الدولى بنجاح كبير يُحسب لرئيسه محمد حفظى ولفريق عمل المهرجان ككل، ولأننى مُقتنعة أن نجاح أى مهرجان يكون بأفلامه، فمن المؤكد أن أفلام هذا العام كانت شديدة التميز، بدليل الإقبال الجماهيرى عليها، فلأول مرة تتحقق مقولة «كامل العدد» على شباك التذاكر فى قسم «الأفلام القصيرة».

وقد اخترت التوقف عند فيلمين يستحقان الاحتفاء بهما؛ أولهما الفيلم التونسى «غدوة»، وذلك لعدة أسباب، أولها أنه شارك فى المسابقة الدولية وفاز بجائزة الاتحاد الدولى للنقاد «الفيبريسى»، والسبب الثانى بطل الفيلم نفسه، ظافر العابدين، الذى يقدم تجربته الإخراجية الأولى، بجانب مشاركته فى التأليف مع السيناريست أحمد عامر وفى الإنتاج مع درة بوشوشة، والذي نتفاجأ أيضًا بقدرته على التنوع بأدوار مُختلفة عن المعتاد، فضلا عن قدرته على الفصل بين دوره كممثل ومخرج، وكيفية إدارته للممثلين المشاركين معه.

غدوة

اختار ظافر تقديم أول تجاربه من خلال فيلم سياسى سايكو دراما، يتحدث فيه عن إحدى قضايا وطنه، بالإضافة إلى أن دوره بالفيلم يكشف عنه كمُمثل من العيار الثقيل،بعيدًا عن أدوار الدنجوان المعتادة، فهو هنا يجسد شخصية مُركبة مليئة بالصراعات النفسية الداخلية لـ«حبيب» المُحامى الذى يعانى من انفصام بالشخصية، قد يكون نتيجة تعرضه لتعذيب أو ممارسات ضد حقوق الإنسان إبان الثورة التونسية عام 2011، مما جعله يتخيل حديثه مع آخرين لا يراهم أحد سواه، وتصل تخيلاته إلى أنه مُطارد من أجهزة النظام السابق، لذلك يغلق باب شقته ونوافذها بطريقة تترجم إحساسه بالخوف والاضطهاد.

نعلم من خلال الأحداث أنه غير مسموح له بممارسة مهنته كمُحامِ، نظرا لحاجته للعلاج بأحد مستشفيات الأمراض النفسية، خاصةًأنه مُمتنع عن تناول الدواء الخاص به، وهو ما انعكس على سلوكياته فى الحياة العامة، وظهر ذلك فى الشعارات التى أطلقها فى وسيلة المواصلات أو مع النائب العام الذى استوقفه ليعرض قضيته عليه، ومن خلال الجُمل المكتوبة بنهاية أحداثه ستتأكد أنك أمام فيلم يتحدث مُخرجه ومؤلفه عن وضع قائم بوطنه تونس، ومعاناة ضحايا الثورة وذويهم فى الحصول على حقوقهم.

لذلك كان اسم الفيلم مُعبراً عن وجهة نظر المخرج وإيمانه بغد أفضل لمُجتمعه، ودعم وجهة نظره بوجود المُمثل الصاعد «أحمد بن رحومة» فى دور الابن، كدلالة رمزية على المُستقبل. ففى ظل الارتباك النفسى الذى يعيش فيه البطل نجد ابنه «أحمد» البالغ من العمر 15 عاما، هو الداعم الوحيد لوالده، ومن خلالهما نشاهد علاقة أبوية فريدة، خاصة بعد انفصال الوالدين، حيث نرى كيفية تعامل الابن مع والده وخوفه عليه وكأن الأدوار تبدلت بينهما، وهذا ما نلاحظه فى أكثر من مشهد، أبرزها هلع الابن عندما استيقظ ولم يجد والده فى الشقة ثم اكتشف أنه فوق سطح المنزل ليستنشق الهواء، ومشهد الحمام بعد الضرب المُبرح الذى تلقاه والده على أيدى رجال النائب العام، ومشهد محاولة الابن الاطمئنان على والده أثناء تأدية الامتحان.

ورغم الوضوح والمُباشرة فى الخط السياسى بالفيلم فإنه لم يخصم من الخط الدرامى للعلاقة الإنسانية الخاصة بالأب وابنه،بل خلق حالة من المواءمة الدرامية حققت قدرًا جيدًا من الرضا على الشريط السينمائى. أيضا لا يمكن تجاهل دور ديكور شقة البطل المُتهالكة التى عبرت عن حالةالمُجتمع التونسى، والتى أشار إليها بطل الفيلم فى حوار دار بينه وبين ابنه أنها بحاجة لطلاء،فى إشارة منه لحالة المجتمع. إذا أردت تقييم الفيلم لابد أن يستوقفك أنها التجربة الإخراجية الأولى لأحد أبطال العمل، ويقع عليه عبء الجمع بين الإخراج وإدارة المُمثلين ،بخلاف تركيزه فى تجسيد شخصية مُركبة ومُرهقة بمواصفات «حبيب»، لذلك من الطبيعى وجود ملاحظات على الفيلم، لكن ذلك لا ينفى كونه يستحق الاحتفاء به وبصانعه ظافر العابدين، وأن نقول له «برافو فعلتها عُقبال عندنا»،فبعد الفنان الراحل نور الشريف لم يتحمس أى مُمثل لخوض تجربة مُماثلة.

بنات عبدالرحمن

يأتى الفيلم الأردنى «بنات عبدالرحمن» للمخرج زيد أبو حمدان على قائمة الأفلام المهمة التى عرضت ضمن المسابقة الدولية بالمهرجان، وفاز الفيلم بجائزة تصويت الجمهور «جائزة يوسف شريف رزق الله». ما يميز العمل هو طرحه لفكرة كيفية سيطرة الفكر الذكورى على طموح ومستقبل المرأة العربية عموما، وقد اختار مؤلف الفيلم ومُخرجه تقديم فكرته من خلال سرده لحكايات أربع شقيقات، الصلة مقطوعة بينهن، فكُلً منهن لها عالم خاص وشخصية مُختلفة عن الأخرى، لكن جمعتهن رحلة بحث عن والدهن، الذى اختفى فجأة بمجرد مشاهدته لابنته الكبرى التى فاتها قطار الزواج وهى ترتدى أحد فساتين الزفاف الذى قامت بتفصيله.

الحقيقة أن الممثلات الأربعة كانت بينهن مباراة جبارة فى الأداء التمثيلى، أولهن فرح بسيسو، الشقيقة الكُبرى، وهى شخصية عذبة هادئة فى تعبيراتها عن الشخصية، وعكست ببراعة فكرة المؤلف وما يريده بفيلمه، حيث شاهدنا كيف استسلمت لقانون المُجتمع الذكورى،خاصة بالمنطقة الشعبية التى تُقيم فيها، وكيف ضحت بشبابها من أجل خدمة والدها، وحملت لقب «عانس»، بخلاف تخليها عن هواية العزف على الجيتار، وعودتها له بعد تصاعد الأحداث بشخصيتها، وتصديها لأهل الحارة الذين يلقون بأسرارهم على ماكينة الخياطة التى تعمل عليها. أما صبا مبارك التى لم تكشف عن موهبتها بشكل كامل أو مخزونها الإبداعى فى العديد من الأدوار الدرامية، أعلنت عن نفسها فى «بنات عبدالرحمن» كمُمثلة من العيار الثقيل من خلال دور الشقيقة المُنتقبة المُتزمتة دينيا، التى رضخت بحكم تربيتها الخاطئة لزوج غليظ القلب، فنلاحظ جبروتها وتناقض شخصيتها عندما قررت التمرد على زوجها، والتفاعل بشكل مُختلف معه ومع شقيقاتها.

أما حنان حلو «سماح» فهى الشقيقة الثالثة المُتحررة المتزوجة من ثرى، وتحرص على مراقبته لشكها فى خيانته لها،لتكتشف فى النهاية ما لم تكن تصدقه أو تتخيله. أما أصغر الشقيقات فهى مريم باشا «ختام»،التى تمردت على العالم الذى نشأت فيه واختارت السفر والاستقلال بشكل كامل عن الأسرة، لكنها عادت لتحصل على مُباركة والدها للزواج ممن اختارته.

حرص مخرج الفيلم ومؤلفه على تضافر الشخصيات الأربعة الرئيسية بفيلمه، لطرح فكرته من خلال القضايا المُختلفة للشقيقات الأربعة، وشاهدنا براعته فى كيفية رسم كل شخصية على حدة، وكيفية تحولها وتمردها على حالها وعلى المُحيط الذى تعيش فيه، لكنهن فى الوقت ذاته لم يحمّلن والدهن مسئولية تربيتهن على الخضوع لفكر المٌجتمع الذكورى الذى نشأن به.

تحية للمخرج زيد أبو حمدان على اختياره لبطلات فيلمه، وكشفه لمناطق أداء مُختلفة لديهن، خاصةً صبا مبارك التى حصرها المخرجون فى نوعية معينة من الأدوار، وفى تصورى أن شخصية «آمال» المُنتقبة المُلتزمة التى تحولت شخصيتها بعد لقائها وتفاعلها مع شقيقاتها، ستُغير نظرة المُخرجين لها فى نوعية الأدوار التى يرشحونها لها لاحقا، وتحية أخرى لصبا مبارك التى شاركت فى إنتاج الفيلم مع «آية حوش»، فقد ذكرتنى بإلهام شاهين فى تصديها لإنتاج أفلام مهمة تلعب فيها أدوارا مُختلفة تضيف لرصيدها الفنى الكثير.

 

صباح الخير المصرية في

15.12.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004