ملفات خاصة

 
 
 

أفلام تونسية توجت في مصر ورفضت في تونس

لمى طيارة

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الثالثة والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

قرارات لجان تحكيم المهرجانات السينمائية غالبا ما تكون شخصية.

انتهت فعاليات الدورة الـ43 من مهرجان القاهرة السينمائي ولم تنته الزوبعة التي رافقت فوز ثلاثة أفلام تونسية فيه، فما هو سر هذه الزوبعة التي أثارها التونسيون أنفسهم نقادا وصحافيين وما هي علاقتها بأيام قرطاج السينمائية؟

انتهت منذ أيام الدورة الـ43 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وكانت دورة هذا العام قد حظيت بمشاركة عربية واسعة وخاصة من قبل دول شمال أفريقيا كتونس والمغرب والجزائر، وكانت للسينما التونسية حصة الأسد في ختام المهرجان من الجوائز، ففيلم لطفي عاشور الروائي القصير “نقطة عمياء” حصل على جائزة يوسف شاهين لأحسن فيلم قصير وهي جائزة لا يستهان بها لأنها تؤهل صاحبها للمشاركة في تصفيات جوائز الأوسكار.

كما حصل الممثل ظافر العابدين على جائزة الفبرسي (الاتحاد الدولي للنقاد) عن فيلمه الروائي الأول “غدوة” الذي قام بإنتاجه وإخراجه بالإضافة إلى لعب دور البطولة فيه، وحصلت الممثلة عفاف بن محمود على جائزة أفضل أداء عن دورها في فيلم “أطياف” للمخرج مهدي هميلي، بينما حصل المخرج أنيس الأسود على تنويه من لجنة التحكيم عن فيلم الروائي الطويل “قدحة”.

وكانت مجموعة من الصحافيين والنقاد التونسيين الحاضرين في دورة هذا العام من المهرجان قد أعربوا عن سعادتهم بفوز هذه الأفلام وفي الوقت عينه عن استهجانهم لرفض برمجتها داخل المسابقة الرسمية لمهرجان أيام قرطاج السينمائية، الأمر الذي استدعى منا في “العرب” الاستفسار حول هذا الموضوع وخفاياه.

أنيس الأسودقرارات لجان المشاهدة والتحكيم تخضع دائما لأذواق أصحابها

آلية الاختيار

من المعروف أن المهرجانات السينمائية وخاصة العربية منها تفتح أبوابها بالدرجة الأولى للأفلام المحلية، ومهرجان أيام قرطاج السينمائية تحديدا من المهرجانات التي تستقبل سنويا العشرات من الأفلام التونسية، وهذا إن دل على شيء فهو كثافة الإنتاج السينمائي التونسي في الوقت الذي تتراجع فيها سينمات العالم وخاصة العربي منه.

وتخضع معظم الأفلام السينمائية التي يسجلها أصحابها على منصات المهرجانات للمشاركة في المسابقات الرسمية لتقييمات لجان عديدة، منها لجان الفرز الأولي، كما يحصل مثلا في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وغيره من المهرجانات، وهي لجان تنتقي من المئات من الأفلام المسجلة في منصتها وفق قواعد وشروط التظاهرة، عددا لا بأس به من الأفلام ليتم تحويلها إلى لجان المشاهدة، والتي بدورها تقرر مدى أهمية الفيلم وصلاحيته للمشاركة في مسابقاتها.

وفي مهرجان القاهرة تحديدا تمنح الأفلام السينمائية فرصة أكبر للمشاركة في المسابقات وليس فقط العرض، على اعتباره مهرجانا يضم عدة مسابقات موازية للمسابقة الرسمية، وكلها لا تقل أهمية من حيث البرمجة أو لجان التحكيم.

أما في مهرجان أيام قرطاج السينمائية فالمسابقة الرسمية واحدة، وما تبقى من أنشطة موازية هو مجرد عروض سينمائية قد لا تحقق لأصحابها الهدف المنشود أو الجماهيرية المطلوبة، وخاصة إذا تضارب موعد عرضها مع عروض المسابقة الرسمية، فكيف يتم اختيار الأفلام التونسية للمشاركة في أيام قرطاج؟ وهل فعلا تم رفض برمجة الأفلام التونسية التي التحقت بمهرجان القاهرة وتوجت فيه؟

تقول نورس الرويسي التي تشغل منصب عضو في اللجنة الفنية لأيام قرطاج السينمائية ومديرة قسم الأفلام والبرمجة “بالنسبة إلى موضوع الرفض لم يحدث يوما في أيام قرطاج التونسية وأن تم رفض أي فيلم تونسي، فكل الأفلام التونسية التي تتقدم للمهرجان وتسجل على منصته من المفروض أن يتم قبولها وبرمجتها في المهرجان”.

نورس الرويسيالأفلام التونسية رغم عدم اختيارها في تونس فهي تستحق الفوز

وحول آلية الاختيار وعلى أي أساس تقوم تقول الرويسي “بعد أن تصل الأفلام وبحسب قانون أيام قرطاج السينمائية يتم تشكيل لجنة مستقلة لاختيار الأفلام التي ستشارك في المسابقة الرسمية، والتي يجب ألا تتجاوز الثلاثة أفلام، ونحن في إدارة المهرجان نتبنى آراءهم، لكننا في الوقت نفسه نملك الحق في برمجة أي فيلم لم يتم قبوله في المسابقة الرسمية ليعرض ضمن أحد الأقسام الموازية في المهرجان، كعرض خاص أو كعرض افتتاح أو في قسم الأفلام التونسية أو ما يسمى بنظرة على الأفلام التونسية”.

وتضيف “في دورة هذا العام من المهرجان وصلنا ما يقارب من 9 أفلام تونسية، وجرت نقاشات طويلة جدا بين اللجنة لاختيار ثلاثة منها فقط وإلا سيصبح المهرجان مخصصا للسينما التونسية لا مهرجانا عربيا أفريقيا، مما يعني أن المهمة كانت صعبه جدا”.

ولا تنكر الرويسي أن اختيارات اللجنة للأفلام عادة ما تخضع للأذواق الذاتية لأعضائها، وربما لو كانت اللجنة هذا العام مكونة من أشخاص آخرين لاختاروا ربما ثلاثة أفلام أخرى، أما عن رأيها الشخصي بالأفلام التونسية التي شاركت في مهرجان القاهرة فتقول “إنها كانت أكثر من جيدة وتستحق الفوز، وهذا أمر يدعو للفخر ويشرفنا كتونسيين، بالنهاية المهرجانات السينمائية تكمل بعضها البعض، وتتويج أي فيلم تونسي في مصر أو في أي بلد أفريقي، أو تتويج أي فيلم مصري في تونس هو شيء جميل، نحن كمهرجانات لسنا في موقع المنافسة في ما بيننا وإنما في موقع الداعم للسينما العربية ككل”.

وتشير الرويسي إلى أن “الأفلام التونسية الثلاثة التي شاركت في مهرجان القاهرة السينمائي وحصلت على جوائز، لم تكن من اختيارات اللجنة للمشاركة في المسابقة الرسمية ولكن تمت برمجتها في الأقسام الموازية، وبالتالي كان من حق أصحابها الرفض أو القبول بهذه المشاركة، وهذا ما حصل بالضبط، حيث كان أحدها مبرمجا كفيلم افتتاح والفيلم الآخر في قسم نظرة على السينما التونسية أو كعرض خاص، لكن أصحاب الأفلام رفضوا هذه المشاركة وهذا من حقهم، فمعظم المنتجين والمخرجين يفضلون المشاركة ضمن المسابقات الرسمية وليس خارجها، سواء في مهرجان قرطاج أو القاهرة أو غيره من المهرجانات، ولأن مهرجان القاهرة يشترط العرض العالمي الأول للفيلم أو العرض الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ففضل أصحاب الأفلام سحبها”. وتابعت “نحن في مهرجان قرطاج نتمنى لأفلامنا التونسية التواجد في مهرجانات دولية كبرى، ونفرح حين تتوج في الخارج ونعيد عرضها لاحقا في قرطاج وهذا يعتبر إضافة للسينما التونسية وتاريخها”.

أذواق شخصية

العرب” قابلت أيضا المخرج التونسي أنيس الأسود في مهرجان القاهرة للحديث عن الموضوع، وهو مخرج فيلم “قدحة” أحد الأفلام التونسية الروائية الطويلة التي لم تحظ بالقبول في المسابقة الرسمية من مهرجان قرطاج بينما شاركت في مهرجان القاهرة ضمن مسابقة آفاق السينما العربية التي يديرها الناقد رامي عبدالرازق، وكان الفيلم قد حظي بقبول جماهيري وبتنويه من لجنة التحكيم.

عن تلك المشاركة يقول الأسود “كنا قد قدمنا فيلم ‘قداحة’ للمسابقة الرسمية في مهرجان أيام قرطاج السينمائية ولكن لم يتم اختياره من قبل لجنة الاختيار، ونحن نحترم قرارات إدارة المهرجان مع تحفظنا على قرارات لجنة الاختيار التي كانت بالنسبة إلينا غير محترفة وضعيفة جدا، لكننا بالنهاية رضخنا لها كسينمائيين”.

وأضاف “كانت إدارة المهرجان قد اقترحت علينا عرض الفيلم في قسم ‘نظرة على السينما التونسية‘، وكنا في الوقت عينه نريد عرضه لأول مرة عالميا في قرطاج لظروف متعلقة بالفيلم، فوالد الطفل ياسين ترمسي الذي يلعب الدور الرئيسي في الفيلم ‘قدحة‘ كان مريضا وعلى فراش الموت، وكنا نود لوالده أن يحضر العرض العالمي الأول للفيلم في تونس، ولكن وقع إشكال مع المهرجان حول هذا العرض وحين توفي والد الطفل قبل أسبوع من افتتاح أيام قرطاج عزفنا تماما عن عرض الفيلم، وقررنا عرضه لأول مرة عالميا في مهرجان القاهرة. كنت أتمنى أن يكون حاضرا معي على الأقل طفلان منهم ولكن لسوء الحظ حضر جزء فقط من الفريق الفني بينما تغيب الأطفال أبطال الفيلم الخمسة تعاطفا مع ياسين وظروفه”.

ويتابع الأسود “عدم برمجة الفيلم في المسابقة الرسمية من أيام قرطاج لم يكن مؤرقا بالنسبة إلي وحدي كمخرج فيلم، وإنما أيضا بالنسبة إلى مخرج فيلم ‘أطياف‘ مهدي هميلي، ولطفي عاشور مخرج فيلم ‘نقطة عمياء‘ وظافر العابدين منتج ومخرج فيلم ‘غدوة‘، بالنهاية نحن دائما مع مهرجان قرطاج ودائما مع بريقه، لأن قرطاج أول مهرجان في أفريقيا والعالم العربي، وهو بالنسبة إلينا المهرجان الأول والأخير الذي نحبه وندافع عنه”.

وبالنسبة إلى مهرجان القاهرة يوضح المخرج التونسي “رغم أنني كنت أتمنى أن يكون وقع الفيلم على اللجنة أكبر وخاصة أن النقاد وبعض المخرجين قد أشادوا به، وكان له وقع جيد في صفوف الجمهور، إلا أن الأمر في النهاية ليس مجرد جوائز، وأنا سعيد بهذا التنويه الذي حصلت عليه من قبل لجنة التحكيم للفيلم”.

بالنهاية ربما تكون قرارات لجنة المشاهدة في أيام قرطاج السينمائية صائبة وربما تكون مخطئة، وبالمقابل ربما تكون قرارات لجنة المشاهدة في القاهرة وحتى لجان التحكيم فيه صائبة وربما العكس، لكن الكل يعلم وخاصة من سبق له وأن شارك في لجان اختيار أو لجان تحكيم، أن هذه قرارات اللجان دائما ما تخضع لأذواق وآراء أصحابها بالدرجة الأولى وهو أمر لا يمكن تجاهله.

كاتبة سورية

 

العرب اللندنية في

14.12.2021

 
 
 
 
 

عندما تخلى (الجان) عن وسامته من أجل الإنسانية:

العابدين: بطل فيلمى واقعى ولدىّ أمل فى غدٍ أفضل

كتب آية رفعت

«علاقة أب وابن ووطن» هذا كان ملخص ساعة ونصف الساعة تقريبًا من فيلم (غدوة) أول أفلام النجم «ظافر العابدين»، كمخرج ومؤلف، فهى قصة قد تبدو من خارجها أنها تخص المواطن التونسى فقط كبعد سياسى، ولكن تصل بأبعادها الإنسانية لكل مواطن بالعالم. ولم يتوقع البعض خروج «العابدين» عن الأدوار المألوفة له، فقد قام بتغيير جلده وأدائه وتحدى نفسه بتقديم عمل تونسى بأساليب عالمية.

وبعد اختيار لجنة الفيبريسى بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى للفيلم كأفضل فيلم فى الدورة الـ43 التى اختتمت الأحد الماضى، كان لـ«روزاليوسف» هذا الحوار مع «ظافر العابدين» والذى كشف لنا الكثير عن أسرار الفيلم واعماله المقبلة.

·        هل كنت تتوقع الفوز بجائزة بعد مشاركتك بمهرجان القاهرة؟

مشاركتى بالمهرجان فى حد ذاتها شرف لى خاصة أنه تمت مشاركته للمنافسة بالمسابقة الدولية بالمهرجان، ولم أكن أسعى للجوائز، كما أننى سعيد بأن عرض العمل الأول لى هنا بمصر التى أحمل لها ولجمهورها مكانة خاصة فى قلبى. فهذه ليست المشاركة الأولى لى بالمهرجان، فقد شاركت من قبل بأعمال قمت ببطولتها وأيضا كعضو بلجنة التحكيم.

·        فى البداية ما سبب اختيارك لفكرة فيلم (غُدوة)؟

منذ سنوات وأخى كان يعانى من أزمة نفسية بسبب حبه لبلاده تونس وإعطائه الكثير لها، بينما عندما أًصيب بمرض السرطان تأخر التأمين بالدولة بتوفير العلاج اللازم له، لا ندرى ما السبب الذى يجعل العلاج يتأخر لمدة تزيد على العام. ولولا استطاعتنا كأسرة بتوفير العلاج له خلال هذه الفترة لكان الأمر كارثيًا. فتأزمت حالة أخى كثيرًا لتأخر دولته التى يحبها عليه، رغم أنه يعطى لها كل حياته، ولا يتأخر عن دفع تأميناته وغيرها من حقوق الحكومة. ومن هنا بدأت أفكر فى العمل، وكيف أن يكون المواطن فى انتظار العدل والمساواة من دولته.

·        هل شخصية «حبيب» الحقوقى مستوحاة من شخص ما؟

ليس بالضبط، ولكنه مستوحى من الواقع، فهو شخص يدافع عن حقوق الإنسان ومهموم بالمواطن، ولكنه لا يرمز لشخص بعينه. فنحن عندما كنا نفكر بتقديم شخصية تدافع عن حقوق المواطنين وجدنا أن المحامين الحقوقيين هم الأكثر دفاعًا عن الآخرين ويتعرضون للكثير من المشكلات بسبب عملهم، ومن هنا وقع اختيارنا على المهنة، وبدأنا فى نسج الشخصية، وبالطبع بها قصص من الواقع ولكنها ليست لنموذج واحد.

·        كيف كانت التحضيرات النفسية للدور؟

استعنت بخبراء من الأطباء خاصة أن الدور به تركيبة نفسية معقدة جدًا، فهو شخص يبدو من الخارج أنه يعانى من مرض نفسى يفقده الامل فى كل شىء، بينما هو فى الواقع شخص متفائل، لذلك لم ينه حياته بالانتحار ولم يستسلم ولديه دائمًا أمل بالغد، ويظل يحاول ويطالب بحقوق المظلومين. فأردت توصيل فكرة أن ما يقابل الإنسان من معوقات لتحقيق حلمه أو الوصول لغد أفضل ليس معناه الإستسلام، بل على العكس فما نواجهه فى الحاضر هو ما سيرسم المستقبل، وهذا ظهر بوعد ابنه له بأنه سيكمل مسيرته ويحمل عنه الراية.

·        ألم تتخوف وأنت تقدم عملاً سياسيًا أن يحسبك البعض على توجه معين؟

أنا لم أتحدث عن أى توجهات سياسية، والعمل أيضًا ليس سياسيًا فأنا بنيته على القصة الإنسانية والعلاقة بين الأب والابن، فهو يحكى عن المواطن التونسى وتأثره بما حوله من أحداث. فلا يمكننى أن أقدم قصة أحد المواطنين دون التطرق للتغيرات التى تحاوطه، وإلا سأفقد المصداقية، ولكن العمل كانت فكرته الربط بين الماضى والحاضر والمستقبل، فالنضال من أجل حقوق المواطن التونسى سيكملها ابنه فى النهاية أى أنه هناك دومًا أمل فى غد أفضل.

·        لماذا اخترت هذا العمل ليكون أول مشروع إخراجى لك؟

فكرة العمل صممت أنا على كتابتها وإخراجها وتقديمها لأننى أريد أن أوصل تلك الرسالة بهذه الرؤية. فأردت أن أقدم تلك القضية بوجهة النظر الإنسانية وكنت متحمسًا لإظهارها للنور. وبشكل عام أنا بدايتى بالفن كانت من خلال الإخراج، فأنا عملت كمساعد مخرج لتعلم التمثيل من خلف الكاميرا، ورغم استمرارى بالعمل بالتمثيل فإن حلم الإخراج ظل يراودنى منذ سنوات ولكنه كان مؤجلاً.

·        لماذا لم يشهد مهرجان «قرطاج» التونسى العرض الأول للفيلم بدلاً من المشاركة به بمهرجان القاهرة؟ 

بالفعل عرضت العمل فى البداية على اللجنة الفنية بمهرجان «قرطاج»، وذلك لأنه عمل تونسى ويهم المجتمع التونسى فكان من الطبيعى أن تشهد بلاده العرض الأول.. ولكنهم رفضوه، ولا أدرى أسباب الرفض حتى الآن، ولم أسأل عنها، ولكنى شرفت وسعدت كثيرًا بمشاركته بمهرجان القاهرة السينمائى لأن مصر بلدى الثانى واحتضنتنى وأحس بالراحة بها ومع ناسها.. كما أسعدنى رد فعل الجمهور الذى شاهده من مصر ومن مختلف أنحاء العالم العربى، فتفاعلهم أسعدنى بوصول الرسالة الإنسانية لهم.

·        ما أصعب مشهد قدمته بالعمل كمخرج أو كممثل؟

كل مشاهد العمل صعبة جدًا وتحتاج لتركيز وتفاعل وجهد نفسى كبير، سواء كنت أمام الكاميرا أو خلفها، ولكن تحضيرات الفيلم واختيار الممثلين كانت الخطوة الأهم، لكى يكون لكل شخص منهم مكانه الصحيح..وبالمناسبة كنت قلقًا فى بداية التصوير من فكرة كونى أمثل أمام الكاميرا وأتابع خلفها فى نفس الوقت، ولكن مع بداية التصوير واحتراف فريق لعمل الذى عمل معى كانت الأمور سهلة ومرنة كثيرًا.

·        هل تحضيرات الفيلم أثرت على أعمالك الأخرى؟

ليس تمامًا، فالعمل أخذ فى تحضيراته وقتًا أقل من بعض الأفلام المشابهة له، خاصة أننى لم أستغرق وقتًا طويلاً فى إقناع المنتجة «درة بوشوشة» وباقى فريق العمل، كما أن كتابته مع السيناريست «أحمد عامر» كانت فى وقت قياسى، ولكن ما حدث من معوقات كانت خارجة عن إرادتنا، حيث توفيت والدتى بعد أول أسبوع من التحضيرات، والتى أهديتها هى ووالدى نجاح العمل، كما واجهنا ظروف الإغلاق بسبب فيروس الكورونا لفترة.

·        هل كنت ترغب بتغيير نمطية الأدوار المعتاد عليها فأنتجت لنفسك هذا العمل؟

أنا دومًا ما أبحث عن الجديد والمختلف فى الأدوار التى تعرض على، وأول دور قدمته فى مصر من خلال مسلسل (فيرتيجو) كان لشخص أبكم وكان يحمل تحديًا كبيرًا بالنسبة لى، ولكنى أنتجت هذا الفيلم لإيمانى بالفكرة والرسالة. فالفنان لا ينتج لنفسه لكى يقدم ما يريده، ولكن لإيمانه بشىء ما. فدخول الممثل لعالم الإنتاج يجب أن يكون مبنيًا على عمل متكامل وهدف محدد وليس لمجرد المشاركة بأدوار تشبع رغباته.

·        هل سيتم عرض الفيلم تجاريًا بتونس؟

من المؤكد سيتم طرحه قريبًا، ولكنى لم أحدد موعد طرحه بعد، وأنا أتمنى أن يتم عرضه ويصل لكل الجمهور العربى فى مختلف أنحاء العالم سواء عن طريق دور العرض أو المنصات الرقمية.

·        هل هناك مشاريع إخراجية جديد؟

نعم هناك مشروع لفيلم إنسانى اجتماعى درامى أعد له منذ 10 سنوات تقريبًا وأتمنى العمل عليه قريبًا، كما أننى يشرفنى تقديم عمل مصرى من إخراجى أيضًا، ولكنى لن أقدم أى عمل كمخرج إلا بعد إيمانى به وإحساسى أنه سيضيف لى

·        ما المشروعات الفنية الجديدة التى تعمل عليها؟

أنتظر عرض فيلم (العنكبوت) مع نخبة من نجوم مصر. وأعمل حاليًا على استكمال تصوير الجزء الثالث من مسلسل (عروس بيروت).  

 

####

 

بعد أن لمعت أسماؤهن وتألقت أعمالهن:

«السينمائيات العرب».. رحلة طويلة من القيود إلى الحرية

كتب آية رفعت

نادين لبكى، كوثر بن هنية، آيتن أمين، هيفاء المنصور، درة بوشوشة، مى المصرى، فرح النابلسى، نجوى النجار وغيرهن العشرات من صانعات السينما العربية، واللواتى استطعن فى السنوات العشر الأخيرة حفر أسمائهن فى المهرجانات العالمية، لتصل صورة المرأة العربية كصانعة للسينما لكل الجماهير بمختلف اللغات. بعضهن اخترن أن يتناولن قضايا مجتمعهن بمختلف فئاته، بينما البعض الآخر اخترن أن ينحزن لقضايا المرأة العربية فى محاولة منهن لكسر تلك القيود التى يفرضها عليهن المجتمع الذكورى.

وفى الأشهر القليلة الماضية حظيت المرأة بنجاح سينمائى كبير، حيث شهدت الدورة الماضية من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى مشاركة أكثر من 50 % من الأفلام لصانعات سيدات سواء بالإخراج أو الإنتاج. بينما استحوذت على الدورة الأعمال التى تناقش قضايا المرأة. ومن جانب آخر أعلنت إدارة مهرجان البحر الأحمر فى دورته الأولى تخصيصها للاحتفاء بالمرأة وبأعمالها، بل تم منح تكريم خاص للمخرجة السعودية العالمية «هيفاء المنصور» والتى صورت أول فيلم روائى بالكامل لها فى المملكة العربية السعودية عام 2012 وأحدث هذا الأمر ضجة كبيرة وقتها.

كما أعلنت أكاديمية الأوسكار عن استقبال 10 أفلام عربية للمنافسة على جائزة الأوسكار أفضل فيلم غير ناطق باللغة الإنجليزية، ومن بينها عملان لسيدات وهما (سعاد) من مصر للمخرجة «آيتن أمين» والذى شهد عرضه الأول بالدورة الماضية لمهرجان «كان» السينمائى الدولى.. والفيلم اللبنانى (كوستا برافا) وهو العمل الروائى الطويل الأول للمخرجة «مونيا عقل».

ورغم  المكانة التى وصلت إليها المرأة كصانعة سينما فإن هناك تحديات كبيرة تواجهها، كعراقيل داخل وخارج العمل، ومضايقات ومحاولات لحصرها فى موضوعات معينة.. «روزاليوسف» تفتح الحوار مع عدد من صانعات السينما العربية من مختلف الدول للتعرف على كيفية تحديهن للصعاب، وكسر قيود التابوهات والموضوعات التى يتناولنها فى أعمالهن.

غياب منظومة العمل

فى بداية حديثها قالت المخرجة السعودية «هند الفهاد» أنها بدأت بالعمل السينمائى منذ عام 2012، وفكرة وجود مخرجة لم تكن واردة بالسعودية وقتها، بالإضافة إلى معاناتها فى إيجاد فريق عمل للفيلم من إنتاج وتصوير وتمثيل وغيرها، لأنها لم تكن هناك منظومة أو مؤسسات للعمل السينمائى قبل 2017. ولكن حاليًا اختلف الأمر معها تمامًا، فأصبح أكثر سهولة، ولكن مع استمرار بعض التحديات الأخرى القليلة مثل عدم توافر ممثلات وعدم تأهيلهن للوقوف أمام الكاميرا، وفرق العمل السينمائى لا تزال محدودة جدًا بالمملكة السعودية.

وعن المكانة التى وصلت إليها المخرجة العربية والسعودية بشكل خاص قالت إنها فخورة بالمكانة التى وصلت إليها المخرجات السعوديات واللائى استطعن توصيل كل المشكلات وكل المعاناة للعالم أجمع. مؤكدة أن نجاحهن أصبح حافزًا لكل المخرجات لكى يعملن وينجحن ويصلن بأفكارهن لأبعد الحدود.

وأضافت الفهاد: «المرأة تستطيع أن تعبر برأيها ومن وجهة نظرها عن الإنسان الآخر، فهى لديها حس ورؤية مختلفة، فسواء كنا نقدم عملاً عن قضايانا أو قضايا الآخرين، فنحن نحمل لمسة مختلفة عن غيرنا فى تقديم القصص الإنسانية».

الجيل الجديد أكثر جرأة 

أما المخرجة الفلسطينية «نجوى النجار» فقالت إنها كمواطنة فلسطينية تواجه العديد من التحديات ليست فقط كسيدة، ولكن كفنانة متواجدة بفلسطين، فهناك دومًا تحديات بالنسبة للقصة التى يكتبونها وهل ستنقل معاناتهم للعالم وكيف يتم نسجها، بينما تواجه هى وباقى صناع الأفلام تحديات بالنسبة للتصوير فهناك أماكن لا تسمح قوات الاحتلال بالتصوير فيها، وتذكر أن بآخر عمل لها تم القبض علىّ وسجن أربعة من العاملين معها بالفيلم.

وأضافت قائلة: «عندما يستطيع أى صانع للأفلام الوصول للعالمية فهذا يعنى أنه امتلك الجرأة والمقدرة على توصيل آرائه وأعماله لكل شعوب العالم، وبالتالى فإن وصول المرأة لهذه المكانة يعنى تمكنها من الوصول إلى شبكة التواصل لكى يصل صوتها لكل العالم».

كما قالت النجار إنها لا تؤمن كثيرًا بأن المرأة هى الأجدر لتناول قضايا المرأة فلا شك أن هناك خصوصيات تعنى المرأة وتفهمها وتستطيع أن تنقل مشاعرها، ولكن هذا ليس معناه أنها لا تستطيع أن تعبر عن قضايا الرجل. فهناك رجال استطاعوا أن يعبروا عن قضايا المرأة أكثر من المرأة نفسها. مؤكدة أنها عن نفسها تسعى للقصص الإنسانية التى تستطيع من خلالها تقديم قصص الحياة سواء كانت عن رجل أو امرأة.

وفى نهاية حديثها قالت «النجار» إنه من المؤكد وجود قيود على بعض الأفكار التى تطرحها كصانعة سينما، ولكن وجود الجرأة وفريق عمل مؤمن بهذه الأفكار يجعل الأمر أسهل. مضيفة أن هناك بعض السيدات اللاتى يضعن حدودًا لجرأة أفكارهن خاصة أن السيدة تفكر بزوجها وأولادها والمجتمع من حولها.. فالأمر يحتاج لجرأة وصراحة وهذا ما تراه فى مخرجات الجيل الجديد واللاتى يتميزن بجرأة كبيرة فى طرح أفكار شائكة وغير متعارف عليها.

قضايا المرأة تُحل بالتكاتف

«دائما الأمر بالنسبة للسيدة يكون صعبًا» هكذا بدأت المنتجة والمخرجة التونسية «مفيدة فضيلة» حديثها حيث قالت: إن بدايتها بالسينما كانت بالفنون البصرية ولم تكن تتعامل مع أشخاص كثيرًا فعملها مع التكنولوجيا أكثر. وعندما دخلت مجال الإخراج بدأ الأمر يكون مختلفًا لأنها يجب أن تكون صوتها عاليًا، وفى محاولات دائمة لإثبات الذات.

وأضافت قائلة: «على الرغم من كون المجتمع التونسى يتميز بتحرره كثيرًا فى الأفكار ولكن لايزال هناك تفرقة والأولوية أو الأكثرية للمخرجين الرجال.. أما بمجال الإنتاج أصبحت أكثر معرفة بأسلحتى للتعامل مع المجال الذى يستحوذ على أغلبه ذكور».

كما قالت «فضيلة» إن فكرة المجتمع الذكورى ليست متواجدة مع صانعات الأفلام بالوطن العربى فقط، بل مسيطرة فى العالم الغربى أيضا وأكبر دليل على ذلك مطالبات صانعات الفن والسينما  بأوروبا بتطبيق قانون الـ50 % والذى يضمن تمثيل المرأة بنسبة 50 بالمائة فى جميع المهام. مؤكدة أننا فى 

أواخر عام 2021 ولا نزال نطالب بالمساواة أو بعض الحقوق مما نعتبره نوعًا من الكوميديا السوداء، ولكننا وصلنا فى النهاية إلى أن فكرة التواجد والنجاح جعلت فكرة عمل المرأة بالسينما أمرًا واقعًا معترفًا به.

وقالت «مفيدة» إن الأهم هو دعم المرأة للنساء الأخريات سواء بدفعهن للأمام أو مساندتهن أو دعمهن.. فمن المهم أن تنجح السيدة العربية لكى تشجع الأخريات على تحدى الصعاب.

التعامل معى كبنى آدم

رغم كون اسم والدها المخرج الراحل «محمد خان» كان سندًا كبيرًا لها فى بداياتها فإن المخرجة «نادين خان» قالت إنها عندما بدأت عملها فى صناعة السينما منذ عام 1998، بدأت فى خلق شخصية تواجه بها العالم الذكورى المسيطر على المهنة.. حيث بدأت فى توجيه المحيطين بها للتعامل معها كبنى آدم بغض النظر عن كونها أنثى.. مؤكدة أن مهنة صناعة السينما أغلبها من الذكور، ولكن فى السنوات الأخيرة بدأت صانعات السينما والمخرجات فى إثبات أنفسهن وتحقيق النجاح بشكل كبير، وذلك رغمًا عن أى تحدٍ يمكن أن يواجههن.

وأضافت أنها سعيدة بالمكانة التى وصلت إليها المرأة العربية حتى الآن، مؤكدة أنها ضد حصر دور المخرجات فى سرد مشاكل المرأة أو التعبير عنها فى أعمالهن، فالمخرج يمكنه تقديم العمل الجيد بغض النظر عن جنسه. مضيفة أن هناك مخرجين رجالاً مثل أبيها الراحل كانوا الأكثر تعبيرًا عن قضايا المرأة ومشاعرها.

 

مجلة روز اليوسف في

12.12.2021

 
 
 
 
 

الفنانة اللبنانية منال عيسى.. لا يهمني أن أخسر فني من أجل فلسطين

د. أمــل الجمل

يشهد لها الكثيرون بقدرتها على تثبيت قدميها بقوة في أرض فنون الأداء، نجوميتها في أفلام عربية وفرنسية تؤكد ذلك. حققت تلك المعادلة الصعبة في اختياراتها الفنية، في تحقيق التوازن بين فنها بما يُحقق لها جماهيرية وإشادة نقدية، وبين الإلتزام بمناقشة قضايا وطنها لبنان، والدفاع عن عشقها الأبدي فلسطين، متأثرة بما يدور من حولها في العالم بأسره في تلك الأيام الصعبة. مع ذلك لاتزال ضحكتها البريئة الطفولية تسبق حديثها الفطري التلقائي غير المنمق، تشبه نفسها وفقط، نصدقها حين تقول «أحب فن الحياة، لا أحب الكذب، ولا أجيده.».. إنها الفنانة اللبنانية الشابة منال عيسى بطلة «الباريسية» لدانيال عربيد، و«البحر أمامكم» لإيلي داغر، و«دفاتر مايا» وغيرهم من الأعمال. بمناسبة عرض فيلمها للثنائي جوانا حاجي توما وخليل جريح ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الثالث والأربعين كان لنا معها هذا الحوار. 

·       دخلت عالم الفن السابع بمحض الصدفة. بفيلمك الأول: «الخوف من اللاشيء» أو «الباريسية»، عمرك وقتها لم يتجاوز الثالثة والعشرين، لكنك استطعت أن تلفتي إليك الأنظار بقوة، بتلقائية أدائك، تٌوجتِ بجائزة أفضل ممثلة من مهرجان الأقواس.. ماذا كان شعور؟ أليس أمراً مربكاً؟ وهل شعرت بأن الجائزة منحتك ثقة في أدائك واتجاهك للتمثيل؟

منال: كان فيلم دانيال أول شيء لي، كنت أقدم امتحان نهاية الجامعة، وأصور الفيلم بنفس التوقيت، بعدها مباشرة عدت إلى لبنان، فلم أشعر بأني ممثلة، لم أشعر بجو الأضواء والشهرة، أكملت حياتي بشكل عادي، كنت أقوم بأشغال لها علاقة بدراستي للهندسة. بعد قليل بدأنا نحضر مهرجانات مع دانيال وحدث حول الفيلم ضجة كبيرة، ثم حصلت على جائزة عنه، لم أكن موجودة بتلك المرة مع دانيال. ثم في مسابقة «سيزار» كنت بين ١٥ ممثل يتنافس على جائزة «أحسن موهبة واعدة»، كانوا يمتدحونني فقلت بدهشة: «كيف تعطوا جائزة لشخص لا يعرف إن كان سيمثل مرة ثانية بشكل جيد أم لا؟ يمكن أنا محظوظة إني مثلت جيد هنا، وربما لن أستطيع التمثيل مرة ثانية.» لأني كنت أشعر بكذبة ما في موضوع النجومية. عموما، كان هذا العالم جديد وغريب علىَّ، لكنه كان لذيذ. أتذكر أنني أخذت جائزة في لبنان أيضاً، وكان أمر مضحك، لم أكن أعرف ماذا أقول، قلت بارتباك: آه أوكي، بس أنا مش مبسوطة بحياتي، وشكرا، ولا أدري إذا كان المفروض أن أشكركم.» كنت أشعر بأنني لست بخير، ولا في حالة جيدة.. كنت بأشعر باللامبالاة. وحتى أثناء تصوير فيلمي الثاني كنت مقتنعة بأني لن أكمل تمثيل. كنت أتنقل بين حياتين وبين عمل وآخر مختلف عنه. مع ذلك كنت أقول لدانيال: أكثر شيء أحبه ما بين الأكشن والقطع، لا أحب عمل الحوارات، ولا أحب أن أحكي عن حالي. كنت دائما بهذه الحالة المزاجية. لا أفضل تسليط الأضواء على. كنت هروبية، وأفضل الإختباء. 

·       ألم يثاورك القلق لبعض اللحظات من جرأة الدور في بعض مشاهده؟

منال: بالفيلم كثير من قصص حب، والأشياء التي تحدث بين الحبيبين. لكني لم أشعر بالقلق. دانيال تعرف جيدا كيف تشتغل مع الممثل طويلا، فلم أشعر بصعوبة في أداء هذا الدور، عادي، الممثل لابد أن يعرف كيف يؤدي كل المشاعر. 

·       ألم ينتابك الخوف أن يتم حبسك في هذا النمط من الأدوار إذا بدأت به مشوارك الفني؟

لا. أنا أصلا أثناء تصوير هذا الفيلم لم أكن أعرف هل سأكمل تمثيل أم لا؟ إنها أكثر فترة في حياتي كنت أفكر: ماذا أريد أن أفعل في حياتي؟ وماذا أريد أن أكون.؟» تقريباً، منذ الفيلم الخامس أو السادس بدأت أقول أوكي، أريد أن أكون ممثلة، وأريد أن أمثل هذا الدور، فلم أكن أخشى من أن يتم حبسي في دور نمطي، برأيي، إذا لم يكن الممثل موهوب ومحترف فلن يجد عالم يشتغل معهم، لكن لا أحد يقدر يحبسني في دور. جاءتني أدوار فيها عُري ورفضتها. لأن بالنهاية فيلم دانيال كان مختلف، ليس مجرد مشهد بين شاب فتاة، هناك أشياء أعمق بالفيلم يتم مناقشتها.  

·       إذاً، ليس العري هو الفيصل.. بدليل جاءتك أدوار بها لقطات مماثلة وقمت برفضها.. لماذا؟

منال: جاءتني أفلام وعملت كاستنج، أرفض الفيلم لما أحس أني غير قادرة على تمثيل الدور، أو عندما لاأحب الفيلم. عمري ما رفضت فيلم بسبب مشهد، لأن مَنْ يرفض الفيلم لهذا السبب لا يكون ممثل، أنا لابد أن أحب الفيلم، والشخصية، حتى لو اضطرني ذلك للسقوط من البلكونة، أو «هيشحروني» على الأرض، مهما صار لي بالفيلم. بينما أرفض الفيلم إذا به فكرة أزعجتني، خارجة من إسرائيل أو دفاع عن إسرائيل، أشياء من هذا القبيل. هناك أفلام عملتها ثم قلت: «ياريتني ما عملتها»، لكن فكرة الندم بسبب مشهد؟ لا.. المهم بالنسبة لي وجود الاحترام والشغف. أما إذا كان الموضوع عُري وفقط فأكيد سأدرك هذا وسأشعر به، وأكيد لن أصور المشهد أو الفيلم. 

·       هل تركت لك مساحة من الارتجال أو حرية التعبير؟ هل كان بينكما نقاشات واختلاف في الرأي حول بعض المشاهد؟

منال تضحك: كان معنا ممثل يحب الارتجال فكنت أنا وهو نرتجل سويا. دانيال عربيد فنانة لا تقبل أن يكون هناك غلطة واحدة في المشهد، دانيال محاربة مع الإنتاج، وتصارع الوقت، تحاول أن تصور أكثر، فبين كل هذه الأشياء لم نكن نختلف بالرأي. كنا نحاول أن نحكي لنفهم المشهد، وما يحدث لهذه الشخصية. أنا محظوظة أنني بدأت بهذا الفيلم. عمل جماعي لا وجود فيه للأنانية. كان فيه شفافية بيني وبين دانيال. فقط كنت أتصور أن أدائي سيء، وأن الفيلم سيفشل بسببي، كنت مشحونة بالخوف، ومضغوطة بسبب الثقة في. كنت قطعت اتصالي بالعالم، لا أحكي مع أحد، أركز فقط بالدور، لم يكن هناك مجال للتفكير بشيء آخر، مَنْ يعمل بالسينما ليس عنده حياة آخرى.. ١٢ أو ١٣ ساعة تصوير، مسئولية كبيرة، لأني كنت مهمومة طول الوقت أن يخرج الفيلم بشكل جيد، أما أجمل لحظة لما المنتجين قالوا لي: «إن دانيال سعيدة بأدائي..» هنا ارتحت، وزال الضغط وخوفي من فكرة أني أدمر الفيلم.   

·       هل تضعين لنفسك مشروعاً أو طموحاً معيناً تريدين تحقيقه؟ أم تتركين الأمر للصدفة، واختيارات السوق؟

منال: فيلم «الباريسية» أعطاني أشياء جميلة وأضواء. طموحي الآن للسينما عموما، فهناك نتفليكس موجودة وممكن نقدم أفلام من إنتاجها، خصوصاً أن الناس لم تعد تذهب للسينما كثيراً، خصوصاً مع الإغلاق بسبب كورونا، وهذا خلق التساؤلات عن أهمية السينما، ولماذا نعمل بها؟ طموحي أن أمثل أفلام كثيرة جميلة، مستوى أعلى وأعلى، وبصراحة أحب أن أعمل مع عالم في تجاربهم الأولي وأتعرف على وجهات نظرهم، أريد العمل في أفلام تجعلني أكبر، أحب أن أشعر أنني أقدم شيئاً لحالي، وللعالم الذين يشاهدون الفيلم.

·       هل تقرأين في الأدب والسير الذاتية وتبحثين أحياناً عن أدوار؟ وهل يمكن أن تفكري ذات يوم في الإنتاج للقيام ببطولة أدوار أنت شغوفة بتجسيدها؟

منال: لا أفتش على أدوار، أغلب الأفلام تصلني بالصدفة أو عبر الترشيح وأنا أقرر بالإيجاب أو الرفض. وأنا أعرف إلي أين أذهب وأي أدوار أحب أن أعمل. المهم أن أجد شخصاً أتفق معه ونعمل سوياً عملاً جميلاً جدا. لكن فكرة أن أنتج فيلم؟ لا، أراها فكرة غريبة، ولا أدري لماذا يقرر ممثل أن يدفع أموال حتى يمثل دور؟. لكن ممكن أكتب سيناريو مع آخرين.

·       هذا حدث في السينما المصرية.. نور الشريف أنتج أفلام لنفسه لأنه كان مغرم بأداء شخصيات أو أدوار معينة، فريد شوقي أنتج لنفسه لما المنتجين حاصروه بأدوار نمطية فأعاد إكتشاف نفسه وأفلت من فخ النمطية ببراعة، كذلك في السينما العالمية سنجد توم كروز أحياناً يُنتج لنفسه، إيثان هوك، وجودي فوستر وغيرهم كثير.. والآن فيما يخص السيناريو.. هل خضت تجربة الكتابة السيناريو بنفسك؟

منال: كتبت سيناريو طويل، تقريباً منتهي، لكن الكتابة ليست سهلة، كذلك الإنتاج والسينما، عندي  استراحة الآن، عشت فترة في لبنان، ثم رجعت لفرنسا من ثلاثة أشهر. فيه بعض التردد، السيناريو كتبته كله في أربع أيام فقط، ثم بدأت إعادة الكتابة، وأعود إليه بين وآخر عندما يسألني أحد عنه.. لكن لابد أن أبحث عن تمويل، أحتاج أن يكون عندنا عالم صح حتى نعمل على الفيلم.

·       قلت ذات يوم: «أعرف جيدًا ما يمكنني قبوله من أفلام تشعرني بالرضا، وما لا يمكنني قبوله من أفلام.» فهل تحدثينا عن معيار اختيارك للأفلام أو الأدوار التي تعشقين تمثيلها؟ وهل من الممكن أن يُغويك دور مهم جدا، لكن مضمون الفيلم يكون ضد قناعاتك؟؟

منال: إذا الدور كان حلو جداً والفيلم ضد قناعاتي أكيد لن أمثله. مستحيل. لا أقدر. أصلاً إذا الفيلم لم يعجبني لا أطيق الكاركاتر أصلاً. في بعض الأوقات أقبل فيلم، وأشعر أني كنت أتخيل أنه جيد، فأحاول على قدر ما أستطيع تجميله بالاشتغال عليه كثيرا. أغلب الأوقات الأفلام التي لم تعجبني كانت قليلة. الأفلام التي مثلتها أغلبها حلوة، مهما كان التصوير صعب. أوقات اشتغلنا على أفلام كان تمويلها قليل جداً، وحاربنا وحاولنا بكل طاقتنا لأجل أن نُكمل الفيلم، إنها ساحة حرب.

·       أنت فنانة تحملين الجنسية اللبنانية والفرنسية؟ تجيدين ثلاثة لغات؛ العربية والفرنسية والإنجليزية، فهل ترين التزاوج الثقافي ميزة أم نقمة؟

منال: أنا لبنانية، وفلسطينية بالقلب. أعتقد أن كل شيء فيه تزاوج به ميزة، لكن ممكن الإنسان يُحيله إلى نقمة، حسب الشخصيات وقناعاتها، ممكن يكون هناك مجموعة أشخاص متفقين على فكرة معينة، شيء معين محدد وتسير الأمور وتُنجز. أنا عموما عرفت أنني أستريح أكثر مع الناس «الرواق»، الناس البسيطة، التي لا تَدَّعي بأنها شخصيات مهمة.

·       ولماذا أشعر أحياناً من حديثك أنك غاضبة من شيء ما .. ففي أحد حواراتك قلت: «بأحس حالي شخص على باله يلاقي شيء.. لأنه ما عنده شيء، أو ما ظل عنده شيء،  بأدور على شيء، لأن ما صار عنده شيء، أو ما حس أن عنده شيء..»

منال: أعتقد أن كل العالم هكذا.. «على باله يلاقي شيء.. لأنه ما عنده شيء، أو ما ظل عنده شيء. أو بيدور على شيء، لأن ما صار عنده شيء، أو ما حس أن عنده شيء..» لكن أنا الأمر اختلف بالنسبة لي الآن، لأن صار عندي ابنتي - «تقبر قلبي» - أحبها، وأتجنن عليها. لا أتذكر متى قلت هذه الجملة لكن ربما لأني كنت مقيمة في لبنان وسعيدة ببلدي، فشعرت أنه راح مني، مع ذلك عندي أمل إني سأجده.. لا أعرف. 

·       لك تصريح آخر: «بأحس حالي لا أنتمي لأي بلد.. يمكن اللاجيء محظوظ أنه ينتمي لبلد،، لكن أنا ما أنا فخورة أني أنتمي للبنان؟» .. طبعاً أقدر شعورك، وكثير منا فات في مثل هذا الشعور في أوقات الضعف التي قد تمر بها بلاده.. لكن ألا تعتقدين أن هناك جوانب إيجابية لاختلاطك بثقافات عدة؟

منال: كلماتي قلتها لأن كان عندي غضب بسبب العنصرية بلبنان، وأسلوب التعامل مع العاملات، وضع جنسية الولد، ومليون قضية، منها فساد السياسيين والنظام وانهيار البلد. أكيد هناك، جوانب إيجابية للاختلاط الثقافي، لكن المحزن أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش في بلده، أنا بصراحة لا أحب الاختلاط أثناء الشغل، أفضل أن أجلس في البيت أنا وابنتي نلعب فيديو جيمز، نختلط مع أصحابها، عملي أيضاً في الأفلام اليونيفريسال أمر إيجابي أيضاً.   

·       اشتهرت بردود أفعالك السياسية، التي تعبر عن موقف سياسي في محافل ومهرجانات دولية، مثلما فعلت في مهرجان كان السينمائي الدورة الحادية والسبعين، حين قمت برفع لافتة كبيرة مدون عليها جملة «لا للهجوم على غزة» لتسجّيل موقف من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني خلال التظاهرات المنددة بتدشين السفارة الأميركية في القدس. بالطبع تصرفك فيه نبل وتعبير عن الغضب.. وقد لاقت هذه اللفتة تعاطفاً وتأييداً كبيراً علي مواقع السوشيال ميديا بعد نشر صورتك هذه.. لكن سؤالي؛ ألا تخشين أن مواقفك السياسية، أو ردودك أفعالك هذه، قد تؤثر سلباً على مشوارك المهني في عالم فن الأداء؟ فمثلاً يمكن أن تهتم الميديا أكثر بمواقفك السياسية أكثر من مناقشة أعمالك؟ أو أن لوبي الإنتاج الأجنبي يعاقبك على دعمك لفلسطين؟ والدليل على ذلك أنه أصبح يُطلق عليك لقب المشاغبة.

منال بصوت ضاحك يمتزج بالجدية الساخرة: نعم أنا مشاغبة. مَنْ لا يعجبه هذا هو حر. وأنا لا أخشى على مشواري المهني أبدا أبدا، وإذا لم يريدونني في أفلامهم فلن يهمني ذلك. بصدق، لا يهمني هذا الشيء، الصراحة أنه بعد هذا الموقف عملت مع ناس رائعين. من ناحية آخرى يوجد إسرائليون يُريدون العمل معي، ويحاولون التحدث معي وأنا أقول لهم: «ابعدوا عني.. ابعدوا عني»، وأظل أتخانق معهم.. هناك امرأة قالت لي: «إذا لم تشتغلي معهم لن تصلي إلى أي مكان،» فقلت لها: «أنا لا أريد أن أصل لمكان أصلاً. ليس مهماً». لأنه لاشيء يفرق معي، وأكون سعيدة جدا عندما أتصرف هكذا. ربما أموت غدا وكله يروح، فأريد لما أموت أكون سعيدة بنفسي وفخورة بها. طبعا أوقات أنخدع، مثلاً صورت فيلم واكتشفت أن المخرجة تعمل مع سياسي بلبنان، عرفت بالصدفة، لن أقول اسم الفيلم، ولن أذهب لأي مكان معه عندما ينتهي، سأكمل تصويره فقط لأني ملتزمة بالتوقيع على عقد، لكني لن أتحدث عنه ولن أنشر عنه شيء وكأنه لم يكن وإذا سُئلت عنه سأقول أني لا أحب الحديث عنه، لأن المخرجة لم تكن صريحة معي ولم تخبرني أن أحد السياسين الفاسدين ساعدها بالتمويل. ومرة مخرجة اسرائيلية حاولت كثيرا أن أعمل معها، وتدعي أنها تحب لبنان وفلسطين، فرفضت تماما، لأنها لن تضحك علىَّ.. فحبي لفلسطين إلى الأبد.

·       عندما تم اختيارك لتجسيد مشهد فيديو حي مع مؤسسة «أبعاد» بعنوان «حاكم المغتصب وما تحكم عالضحية»، والفيديو جاء نتيجة عرض تفاعلي على طريقة عروض «الهابينينغ».. قرأت تصريحاً لك بأنك طلبت من المؤسسة أن يترك لك مساحة من الارتجال .. فهل يتحق ذلك في أدوارك بالأفلام الروائية؟

منال: صحيح طلبت منهم أن أرتجل رغم أن السيناريو كان مكتوب.. كان هدفي من الإرتجال أن نمنح فرصة لتفاعل الناس، كي يصدقونا.. لكن الحقيقة كان رد فعلهم فيه قسوة، وكان مخيف. عندما انتهيت منه كنت أشعر أني لست بخير. فكل ما كنت أطلبه منهم مجرد تليفون أتحدث فيه، أو أن أحدهم يسلفني ٢٠٠٠ ليرة حتى أركب سيرفيس وأعود لأهلي، لكنهم رفضوا مساعدتي. تخيلي. بخصوص أعمالي الآخري ومساحة الارتجال فيها فإنه يتوقف على العمل وطبيعة المشهد.. «دفاتر مايا»، مثلا كان اتفاق بيني والمخرجين جوانات حاجي وخليل جرييح أننا نشتغل على المشهد ونطوره.. هو في الأساس عمل بيني وبين المخرج ونقرر ماذا سنفعل سوياً.

·       هل الأفلام التي مثلت فيها وتناولت إشكاليات لبنانية عبرت عن كل هواجسك تجاه لبنان؟ أم لازال لديك أفكار ترغبين في تجسيدها والتعبير عنها؟ سواء في لبنان أو الوطن العربي؟

منال: فيلم «دفاتر مايا» و«البحر أمامكم»، وفيلم «الباريسية»، كلهم حسيت فيهم بمشاكل لبنان، وفيه أكيد مليون خبرية وناس نحكي عنهم، وحالات نفسية وشباب وأمهات، ممكن يعملوا مليون فيلم.. أهم شيء أن يتواجد التمويل والدعم لهؤلاء الموهبين والعالم الصح، أن يتوفر إنتاج يساعد العالم الصح بأفلامها، فيكون المخرج مُحاط بناس تساعده علي تحقيق فيلمه. مثلاً؛ أنا بفيلمي الذي أكتبه أحكي عن الشباب في لبنان الذين بدون أهل، أو تُركوا ويعيشون بمفردهم، هذا الموضوع يشغلني كثيراً. هناك قضايا آخرى كثيرة.

·       أنت مشهورة بالجرأة، وبالقدرة على امتصاص ردات الفعل الجماهيري والتفاعل معها .. من أين اكتسبت تلك الجرأة.. من والدتك أكثر أم من والدك؟ وأيهما كان له التأثير الأقوى على شخصيتك؟ ولماذا كنت تخافين من والدك؟ وهل تشعرين أحيانا بأن الجرأة تكون مُضرة؟

منال: الجرأة عمرها ما كانت مضرة .. أبداً. لا أعرف هل تأثرت بماما أو بابا. أعتقد أن الجرأة تأتي من التجارب ومن الخبرة.. فأن يكون لديك القدرة على أن تحاول أن تعيش تحتاج جرأة. بالنسبة لي تصرفاتي لا أعتبرها تتصف بالجرأة، المسألة أن لاشيء يفرق معي، لا أهتم بما يقول الناس، يهمني فقط هل سيكون المخرج سعيد بأدائى؟ وهل الفكرة أنا مقتنعة بها؟. غير هذا لا يهمني الكثير. أنا أحب الحقيقة، أكره الكذب والنفاق، أنا شخص بسيط. بخصوص علاقتي بأبي؛ أنا أحبه كثيراً، أما الخوف فلا أعتبره شيئاً غريباً، كان طبيعي أن أشعر بذلك أثناء تصوير بعض مشاهد الفيلم.. لأنه برأيي أنه حتى لو كان أب فرنسي شاهد ابنته تُقبل شاب سيُصاب بالجنون.. مع ذلك قلت لدانيال: «هذا شغل، ويُمكنه ألا يشاهد الفيلم لو أراد.» لأنه ممكن أشتغل بعمل آخر فلا يحبه، ممكن أختار مهنة آخرى ولا يحبها كما يفعل الأهل أحياناً.

·       ماذا عن أحلامك؟ وهل هناك مشروع حاليا تعملين عليه؟

منال: اشتغل على مشروع فيلم للمخرجة سالى الحسيني بعنوان «السباحات» يحكي عن سارة مارديني ويسرا مارديني، المهاجرتين من سوريا، عبر البحر والبر، رحلتهما إلي ألمانيا والقبض على سارة، في ليسبوس باليونان، هى وأصدقائها المتطوعين بتهمة تبيض أموال والتجسس بينما الحقيقة أن القبض عليهم تم لأنهم يساعدون اللاجئين. بالفيلم أُجسد دور سارة، نشتغل عليه لصالح نتفليكس. نحاول أن نحكي عن الفتاتين بطريقة نتمنى أن العالم يقدر أن يفهمها، فقد اضطروا أن يهربوا، وأصبحوا بلا وطن. ثم أخيرا للأسف تم تأجيل محاكمتها، فلاتعرف سارة ماذا ستفعل بحياتها.. لكن كل هذا له دلالة، إذ يكشف مدى كره الدول للاجئين، هذا الشيء مزعج جدا، لا أعرف ما الذي يُمكن أن يحققه الفيلم لتلك القضية، لكننا نحاول أن نبذل أقصى ما بوسعنا للتوعية بها، وان شاء الله خير. أيضاً، لدى أفلام آخرى، انتهيت من العمل على فيلم ألماني. كذلك أنتظر فيلم «فوليا»، وفيلم«إلكترا حبيبتي».

 

الجزيرة الوثائقية في

13.12.2021

 
 
 
 
 

"أسوأ شخص في العالم": أسئلة عصرية تحتاج إلى أجوبة

عبد الكريم قادري

اقتطع المخرج النرويجي يواكِم تْريَر 4 أعوام من حياة جولي (ريناته راينسْفي)، بطلة فيلمه "أسوأ شخص في العالم" (2021)، أو "جولي (في 12 فصلاً)" كترجمة عربية لعنوانه الفرنسي، فاختار المرحلة العمرية المهمّة في حياتها، وأحاطها بأسئلته المعقّدة عن الوجود وأسبابه، والنفس البشرية وتقلّباتها، ليس فقط من الناحية الفيزيائية، التي تعكسها الملامح والتجاعيد، بل من خلال تقلّب العاطفة وتغيّرها، وانقلاب المزاج، وعدم رسوِّه على طريق واحدة، انطلاقاً من أحلام وكوابيس هذه الشابة الفوضوية، التي ستبلغ 30 عاماً، عندما بدأت حياتها تتعقّد وتتّجه نحو الغموض واللاشيء والفوضى.

حينها، تداخلت عندها الأولويات، ولم تعد تعرف ما تفعله. تركت دراسة الطب، بحجّة أنّ الطب لم يكن أحد أحلامها. عادةً، يُعتَبر هذا التخصّص حلم طلبة كثيرين، وحلم عائلاتهم أيضاً، ومؤشّراً على ذكاء كلّ من يدرسه. جولي رأته مهنة مستقبلية لا إبداع فيها، لذا بدأت تدرس علم النفس، لتفهم سلوك البشر أكثر. بعد فترة، تركته أيضاً، إذْ وجدت أنّه لا يلبّي رغباتها المهنية في الحياة. ثم بدأت تجربة جديدة، باختيارها الفنّ. أرادت أنْ تكون مُصوّرة محترفة، تمضي بقية حياتها في هذا المجال، تحبس الأحداث والذكريات في أطرٍ تلتقطها بآلة التصوير.

ارتبطت بعلاقة غرامية مع كاتب قصص مصوّرة مشهور، يُدعى أكسل (أندش دانيَلسن لي)، أُعجبت بحياته وطريقة عيشه، فأقامت معه في بيت واحد. بين حين وآخر، تكتب مقالات أدبية عن مواضيع حسّاسة، كالعلاقات الحميمة. لاحقاً، تشعر أنّ علاقتها به باتت جامدة. لهذا، أقامت علاقة أخرى مع النادل أيفِنْد (هربرت نوردْرِم)، متواضع الذكاء والوسامة، بعد تعرّفها عليه في حفلة لم تكن مدعوة إليها، كانت تمرّ قرب مكان إقامتها صدفة، فأعجبتها الأجواء، ودخلتها متطفّلة. التقت هذا الوافد الجديد إلى حياتها، وتبادلت معه نقاشاتٍ يراها كثيرون تافهة وغير سوية. افترقا، ثم التقيا بعد فترة، صدفةً أيضاً، في مكتبةٍ تعمل فيها. كان مع زوجته، لهذا افترق كلّ واحد منهما عن شريكه في ما بعد، ثم تزوّجا، لتشعر لاحقاً أنّها تركت حياتها وراءها، من دون أنْ تحقّق شيئاً، بسبب التسرّع والمزاج والفوضى والحَمل.

هذه المقدّمة القصصية ضرورية لفهم عناصر الفيلم، المرتكز على "ثيمةٍ" أكثر من أي شيء آخر. فيه، يطرح يواكِم تْريَر أسئلة عصرية مهمّة عن العلاقات بين الأفراد: الزوج ـ الزوجة، الابنة ووالداها المنفصل أحدهما عن الآخر، الابنة وأخواتها غير الأشقّاء، المرأة ومستقبلها وماضيها. إضافةً إلى مشاكل النسوية، بعد توظيفه مشهداً مهمّاً للغاية: واجهت مذيعةٌ أكسل، بقولها إنّه ينتصر للذكورية على حساب المرأة، ما أدّى إلى نقاشٍ حامٍ. شاهدت جولي اللقاء، مستعيدة فترة علاقتها به، فأحسّت أنّها كانت تابعة له، ومتأثّرة بطريقة كلامه وطرحه الأفكار، بثقافته الموسوعيّة ونظرته إلى الأشياء. لهذا، تركته لتتحرّر من التبعية، أو ممّا اعتبرته خادشاً لأنوثتها.

علاقة أخرى تُقيمها جولي مع شخصٍ تتفوّق عليه ذكاءً. كأنّ العلاقات بين الرجل والمرأة يجب أنْ تُقاس بالميزان، ليتمّ حفظ الانسجام بينهما. كما أشار تْريَر إلى الأمومة والمُعاصَرة والحرية والاستقلالية والمشاكل البيئية، ومفاهيم عدّة، ومصطلحات مختلفة، تثير اهتمام العصر ونقاشاته عنها.

استغل يواكِم تْريَر قوالب واتجاهات سينمائية عدّة. أحياناً يُدخل المُشاهد في أجواء رومانسية وأحلام وردية، ينتقل بعدها إلى الكوميديا، كمشهد لقاء جولي وزوجها أيفِنْد وصديقيهما، بعد تعاطيهم مخدّرات اعتقدوا أنّها منتهية الصلاحية وغير فعّالة، لكنْ حَدَث العكس، فبلغوا مرحلة مُتقدّمة من النشوة. استعار تْريَر عيونهم ليرى عبرها العالم المحيط بهم. أوجد مقالب مُثيرة لضحكٍ مستمر، كما فعل مع كلمات الراوي، اللطيفة والساخرة، في تعامله مع تقلّبات جولي وفوضها. ثم غيّر مزاجه كلّياً، ببثّه مَشاهد محزنة للمرحلة التي وصلتها جولي، خاصة بعد علمها أنّ أكسِل بات في مرحلة متقدّمة من مرض سرطانيّ، تُسبِّب له ألماً شديداً.

الشابة الجميلة والحيوية، ذات الحركات الخفيفة، والمتطلعة إلى المستقبل، حفظت الدرس أخيراً. بدأت تلتحم بالواقع، وتتعرّف أكثر على جدرانه العالية، وطرقه الملتوية، وشعابه المختلفة. لكنّ سؤالاً يُطرح انطلاقاً من عنوان الفيلم: أكانت جولي سيئة إلى هذا الحدّ، كي تكون "أسوأ شخص في العالم"؟ الجواب بسيط: لم تكن مثالية، لكنّها لم تكن سيئة. لاحقت نزواتها وفوضاها. في النهاية، تفطّنت لهذا كلّه، وبدأت تنسجم مع أسس الحياة التي يفرضها الواقع، انطلاقاً من فرضيات المجتمع، وتوقعات الناس ونظراتهم. معطيات يجب أنْ تتعاطى معها كي لا تُصبح "أسوأ شخص" بالنسبة إليهم.

لم يعتمد يواكِم تْريَر، رفقة إسكيل فوغْت، المتعاون معه في كتابة السيناريو، على العناصر الكلاسيكية للسرد، التي تركّز على قصة واحدة تُدعَم بأحداثٍ ومواقف ثانوية تُعينها، بل اختار قصصاً ومواقف مختلفة، كان بوسعه حذف بعضها من دون قَطع خيط السرد الذي اعتمده. هكذا جاءت اللمسة وروح التجديد، ناقلاً روح المدينة وأسرارها عبر تتبّع خطوات جولي فيها، مُجمّداً الشخصيات والكومبارس في الشوارع، وتاركاً بطلته تقفز وتجري فيها، كأنّه يحقّق رغبتها في إيقاف الزمن لتحقيق ما تريد. ساهم المُصوّر كاسبر توكسِن في إبراز هذه الجمالية، باتّخاذه زوايا تصوير مناسبة وذكية.

استطاع يواكِم تْريَر توظيف سحر ريناته راينسْفي ـ جائزة أفضل ممثلة في الدورة الـ74 (6 ـ 17 يوليو/تموز 2021) لمهرجان "كانّ" السينمائي ـ وجاذبيتها وقوّة ملامحها، عاكساً إياها بما يخدم الأحداث. كأنّه، عند كتابته السيناريو مع فوغْت، استحضرها، فحدث انسجامٌ مع جولي، فبدا الدور مشغولاً على مقياسها، وتعاطت معه بحِرفية وإقناع. كما حدث مع أندش دانيَلسن لي، بتأديته دور الكاتب الرزين المنتصر لفكرته وطريقة حياته وأفكاره، والمُحبّ الوفي الذي لا يريد التغيير. ورغم وضوح فارق السنّ بين الممثلين، أظهرا انسجاماً واضحاً، كأنّهما مع فوغْت ورقة رابحة لتْريَر، بعد مشاركتهم إياه في أفلامٍ عدّة له، عرفت نجاحاً كبيراً، فلم يتخلّ عنهم في جديده هذا.

 

العربي الجديد اللندنية في

13.12.2021

 
 
 
 
 

جسد ضئيل” الحائز على الهرم الفضي بمهرجان القاهرة السينمائي

جيهان عبد اللطيف بدر

تحاول امرأة شابة تدعى “أجاتا” في إيطاليا التي تعيش في قرية لصيد الأسماك في إحدى الجزر الإيطالية في بداية القرن العشرين (1900) إنقاذ روح طفلتها المولودة ميتًة لإعادتها إلى الحياة لفترة كافية ليتم تعميدها وذلك لأن  التقليد القديم فى الكاثوليكية المعروف باسم “نظرية ليمبو” يقر بأن الأطفال الأموات غير المعمٌدين قد عُلقوا بين الخلاص والدينونة، ليسوا مطهرين من الخطيئة الأصلية، ومحكوم عليهم بالتجول إلى الأبد في “ليمبو”. تسمع ” أجاتا ” عن كنيسة في أعالي الجبال البعيدة ” وادى دوليس” حيث يُمنح الأطفال نفسًا واحدًا طويلاً بما يكفي لتعميدهم وإنقاذ أرواحهم، فتقوم برحلة يائسة مع جثة ابنتها الصغيرة مخبأة في صندوق تحمله على ظهرها للوصول إلى مكان غامض لإنقاذ روح ابنتها وتلتقي فى طريقها بالفتى ” لينكس” وهو صبي صغير لديه عيون ثاقبة ودامعة والذي يعرض على  آجاتا” مساعدتها وينطلقا فى مغامرة يائسة لمحاولة تحقيق المعجزة في رحلتها الشاقة.

إن قرار الذهاب في رحلة بحثًا عن الأمل هو نوع من التمرد الاجتماعي للمرأة والإيمان بالأساطير المنسوبة للدين حيث يرفض الزوج “ماتيا” الانضمام إليها، معتقدًا أنه سيكون لديهما المزيد من الأطفال وأن الكاهن لن يعمد طفل إذا لم يسبق له أن تنفس. يظهر تعاطف المخرجة وتفهمها تجاه المرأة ليس فقط من خلال شخصية “أجاتا” ولكن الفيلم كله جزء من العالم النسائي والرجال لا يظهرون كثيراً طوال الفيلم، والتركيز كله علىأجاتا ” التى تظهر في كل مشهد تقريبًا حيث تقوم المخرجة بالتركيز على ملامحها التى يظهر من خلالها الاجهاد والحزن والتصميم على مواصلة الرحلة للنهاية وبرغم أن قرارها أدى إلى نبذها من قبل عائلتها ولكنه منحها حرية كبيرة.

هذه قصة أم حزينة تكتشف عالمًا يائسًا وجشعًا  قليل الرحمة حيث تظهر الروح المجتمعية للمرأة وطريقة تعاملهن مع بعضهن البعض فغالبًا ما يُنظر إلى “أجاتا “على أنها سلعة:، ففى بداية الرحلة كانت على وشك بيعها كممرضة إلى مالك أرض ثري، حتى العصابة التي تقابلها فى العربة الخشبية ترأسها سيدة تحمل السلاح ويعاملونها هى ورفيقها بوحشية ظناً منهم أن الصندوق الذى تحمله به أشياء ثمينة تستحق السرقة ولكن المرأة تتعاطف معها وتتركها بعدما ترى جثة الطفلة… وبعد ذلك، عندما يتم رعايتها من قبل احدى السيدات بعد انهيارها أثناء الرحلة تطلب منها السيدة نقود ولكنها لا تملك شىيء فتطلب منها قطع شعرها لبيعه، وتقول لها المرأة “لا شيء لا شيء “. يبدو أن أجزاء جسمها عبارة عن سلع يتم شراؤها أو تداولها.

يتميز هذا الفيلم بخطوات بطيئة جدًا مما يعني أنه يتعين على المشاهدين الانتظار بصبر حتى يتذوقوا طعم النتيجة بأكملها. أظهرت المخرجة بكفاءة العلامات التى تظهر على الانسان عندما يحزن لفقدان الأحبة.

يحتوى الفيلم على مشاهدة صعبة ولكنها تستحق المشاهدة، وتم تصوير هذا الفيلم بشكل جميل واضح فيه الكاميرات المحمولة التى  تعطى إحساساً بالقرب من أبطال الفيلم والتركيز على الملامح وكأن المشاهد يعيش بينهم من خلال الجمع بين اللقطات الطويلة والبطيئة.

هناك بعض اللقطات الواضحة تحت الماء تعطى حالة من الرهبة حين توشك الأم على الغرق وتنهار قبل الوصول لنهاية الرحلة ولكن رفيقها ” لينكس ” يستكمل السير حتى الكنيسة ليقابل سيدة ذات ملامح صارمة تجعله يساعد الطفلة على أن تحيا لفترة وجيزة وفجأة نرى الطفلة تحت الماء مع أمها لتعميدها ولا يتضح للمشاهد لإذا كان ذلك حقيقياً أم خيالاً.

إنه فيلم غارق في الدراما المحزنة ولكن به لمحة عطف ومحبة من خلال حب الأم لطفلتها وخوفها عليها من حمل الخطيئة ولمحة دينية لإصرار الأم على تعميد طفلتها برغم موتها عند ولادتها.

 

موقع "عين على السينما" في

13.12.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004