ملفات خاصة

 
 
 

«ثقب في السياج» المكسيكي و«أبو صدّام» المصري يفوزان بأهم مسابقتين في {القاهرة السينمائي}

القاهرة: محمد رُضا

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الثالثة والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

لم يكن من السهل توقع أي من نتائج الدورة الـ43 لمهرجان القاهرة السينمائي. الأمر الوحيد الذي رجح الاحتمالات كان قوّة الأفلام الأجنبية، مقارنة مع مثيلاتها العربية، مما يرجح فوز أحد تلك الأفلام الآتية من وراء الحدود العربية. وهذا ما حدث فعلاً، فالجائزة الأولى ذهبت إلى الفيلم المكسيكي «ثقب في السياج» ليواكين دل باسو. والجائزة الفضية (الثانية في الأهمية) ذهبت إلى الفيلم الإيطالي «جسد ضئيل» للورا ساماني والبرونزية للفيلم الكوري «انطوائيون» لهونغ سيونغ يون.

الوجود العربي الوحيد في هذه النتائج جاء في نطاق جائزة أفضل ممثل، إذ نالها محمد ممدوح عن الفيلم المصري «أبو صدّام». المقابل النسائي ذهب إلى الممثلة الإيطالية سوامي روتورلو عن دورها في «كيارا» ليوناس كاربنيانو.

يكشف هذا قدراً من عزوف لجنة التحكيم التي قادها المخرج الصربي أمير كوستاريتزا عن منح الأفلام على نحو استرضائي. فمن فاز هنا فاز لأنّه استحق الفوز في إطار منافسة قوية أشرنا إليها في رسالة سابقة تحدثنا فيها عن عدم وجود توقعات، نظراً لعدد من الأفلام الجيدة الآتية من الدول الأوروبية والآسيوية، ونظراً لاختلاف المنوال والاهتمامات في الوسط الفني هنا.

وثبة لبنانية

وكنا كذلك أشرنا إلى أنّ الفيلم اللبناني «دفاتر مايا»، الذي عرضناه في نقد موسّع، هو أفضل ما شوهد لحينه وتبين لاحقاً أنّه بقي الأفضل بين معظم ما عُرض واستحق الفوز بالجائزة الأولى في مسابقة «آفاق السينما العربية»، التي حشدت أفلاماً قدمت إليها من السعودية ومصر والمغرب ولبنان وفلسطين والجزائر وتونس من بين أخرى.

«دفاتر مايا» لجوانا حاجي توما وزوجها وشريكها في كل أعمالها خليل جريج، تناول منظور الحرب اللبنانية وذكرياتها من زاوية غير مسبوقة وبأسلوب عمل ابتكاري جيد.

الجائزة الثانية في هذا المجال ذهبت أيضاً لفيلم لبناني هو «فياسكو»، لنقولا خوري. وجائزة الفيلم غير الروائي نالها الفيلم المصري «هنا القاهرة» لهالة جلال، وأحسن أداء تمثيلي حصدتها عفاف بن محمود عن دورها في فيلم «أطياف» لمهدي هميلي.

وهناك فيلم لبناني آخر حاز على التقدير هو «الغريب»، لأمير فخر الدين، الذي نال الجائزة الأولى في تظاهرة «أسبوع النقاد الدولية».

في واقعها حفلت السينما اللبنانية مؤخراً بنجاحات لا بأس بها في المحافل الدولية آخرها فوز فيلم «يوسف»، لكاظم فيّاض بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان «آسيا وورلد فيلم فستيفال»، الذي أُقيم في مدينة لوس أنجليس في مطلع الشهر الماضي.

وإذا ما عاينا وضع الإنتاجات اللبنانية خلال العام الحالي، نجد عدداً لا بأس به من الإنجازات التي ما زالت تحت مستوى الرادار ولم يُشر إليها، أو يراها أحد، مثل «حرب ميغيل» لإليان الراهب و«موت عذراء وخطيئة الموتى» لبيت بربري و«جفاف» لرمي عيتاني و«أخطبوط» لكريم قاسم.

وكان «النهر» لغسّان سلهب عُرض في نطاق «آفاق السينما العربية»، لكنه خرج بلا ذكر في نتائج هذه المسابقة. على ذلك ينضم هذا الفيلم إلى الأعمال المتعددة التي قدّمتها السينما اللبنانية في خضم هذه الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة.

القاهرة

الفيلم الفائز بالجائزة الأولى في المسابقة الرئيسية في مهرجان القاهرة هذا العام، «ثقب في السياج» هو ثاني فيلم لمخرجه المكسيكي يواكين دل باسو بعد عمله الأول Maquinaria Panamericana سنة 2016. الانتظار الطويل مردّه أنّ دل باسو في بلاده، من المخرجين المستقلّين، الذين كسواهم حول العالم، عليهم الانتظار طويلاً قبل أن يجدوا التمويل اللازم. والمرء لا يستطيع إلا أن يتخيّل أن المخرج، في هذه الأثناء عاين السيناريو أكثر من مرّة وأضاف إليه أو اختزل منه كما أراد.

الماثل على الشاشة مدهم وقاس. قدرة الفيلم على استحواذ انتباه الاهتمام لما وراء العروض المهرجاناتية صعب (كان شارك في مهرجاني فينيسيا ولندن هذه السنة). لكن موضوعه حافل بالإسقاطات الاجتماعية والثقافية التي تتمحور حول من يملك السُلطة وماذا يفعل بها.

يبدأ بتصوير حافلة من التلامذة الصغار تصل إلى منطقة محاطة بسياج على التلاميذ البقاء داخله. هي رحلة استجمام وصلوات دينية وانصياع لأوامر المرشدين والمعلّمين التي تبدأ بالتحذير من الخروج من هذا الموقع أو التعامل مع أي من السكّان. وهذا التحذير يأتي مصحوباً بعبارة… «وتذكروا أنكم مُراقبون». لا يكمل الخطيب العبارة ليشرح من يراقب من، لكنه يفصح عن أنّ الرقيب الأول هم المجموعة التي قادت هؤلاء التلاميذ إلى المكان المسيّج.

ما يعانيه هؤلاء الفتيان طوال الوقت هو أقسى الممارسات الممنوحة لمن هم فوق، في القيادة، على من هم تحت، التلاميذ. قد تذكرك بعض المشاهد بالنصف الأول من رائعة ستانلي كوبريك Full Metal Jacket سنة 1987. هناك شاهدنا ذلك المجنّد الشاب (فنسنت داونوفريو) يتلقّى تنكيلاً لفظياً وجسدياً من قبل العريف (ر. لي إرمي) حتى يفقد المجنّد اتزانه العقلي ويخسر شعوره بأي قيمة، فيقتل العريف من ثمّ يطلق النار على نفسه وينتحر.

في فيلم دل باسو النهاية ليست مماثلة، لكن قسوة الأساتذة والمشرفين على الطلاب تشبه قسوة العريف على المجنّد. ما يضيفه المخرج في هذا الوضع هو كيف ينفّس الأولاد ذلك العنف الممارس عليهم بأفعال عنف فيما بينهم. إنّه الضغط السيكولوجي الممعن، الذي لا يستطيع متلقيه درأه عن نفسه فيستدير صوب من لا حول له أو قوّة ليمارس التعنيف عليه.

وإذ يخلص الفيلم هذا الوضع موحياً ببنية اجتماعية متعددة الطبقات يحاول استغلال ما يستطيع من مواقف لدعم حالة من التشويق والغموض تبدأ من تحذير الطلاب التعامل مع ما وراء السياج (رغم استخدام الفيلم كلمة Fence لوصف الحدود التي لا يستطيع التلاميذ اجتيازها، فإنّ المعنى مزدوج، إذ يضم وصف ما هو خارج عن المخيّم أو الموقع الذي تدور فيه الأحداث). هذا التحذير يخلق حالة خوف مسبقة بين الفتيان وحالة من الغموض بين المشاهدين، لا يحاول المخرج هنا الانتقال من داخل المخيّم إلى خارجه، ولا التعريف بماهية الأحداث التي وقعت في السابق ويحذّر المشرفون الطلاب منها.

الانتقال من الغموض إلى التشويق ومن التشويق إلى الرعب يأتي لاحقاً بعد أن يعرض المخرج لما يمكن له أن يؤكد أنّ هناك ما يُريب فعلاً لا داخل المخيّم فقط بل خارجه أيضاً. التوليفة الكاملة تتبدّى منذ ربع الساعة الأولى من ثمّ تتصاعد، وهي رصد ما يحدث لمجموعة من الأولاد القابعين تحت سُلطة فوقية طاغية، مما يجعل بعضهم يمارس العنف على الآخرين بدورهم.

كل ذلك يدلف بالفيلم إلى حالة هستيرية شاملة بلا شخصية (أو شخصيات محورية). على قوّة عرضه ومفاداته (السلطتان الدينية والسياسية تعملان معاً كما حال مفادات الإسباني الراحل لوي بونيَل) يجد المشاهد نفسه بريئاً مما يدور. يخلق الفيلم مسافة آمنة في الوقت الذي يطالع عن كثب فوضى الحياة في ذلك المخيّم. يستعرض ويدلي بأبعاده ومضامينه، لكنه لا يسعى لتوفير عمل يذهب باتجاه المشاهدين، بل يتركهم في الوضع الحيادي وإن كان لا يخلو من القلق والتساؤل.

حدث على الطريق السريع

باقي الأفلام التي فازت بالجوائز (باستثناء «بنات عبد الرحمن» لزيد أبو حمدان الذي خرج بجائزة الجمهور) سبق وعرضناها في حينها. لكنّ فوز الممثل محمد ممدوح عن دوره في «أبو صدّام» يستحق التوقف عنده بإمعان.

«أبو صدّام» هو فيلم للمخرجة نادين خان (ابنة المخرج الراحل محمد خان) التي كانت حققت فيلماً واحداً من قبل هو «هرج ومرج» سنة 2012. (شوهد في مهرجان دبي حينها) كشف عن استعداد فني جاهز للانطلاق. هذا الفيلم الثاني هو الانطلاق فعلياً، لكنه ليس بالفيلم الخالي من الشوائب ونواحي الضعف في نطاق الكتابة. مثل فيلمها السابق، يحمل في طيّاته موهبة واضحة، لكنها لا تزال تحتاج إلى ترتيب المفادات حسب أولوياتها. هو فيلم طريق نتعرّف فيه على «أبو صدّام» (كما يؤديه محمد ممدوح بجدارة) يقود شاحنة كبيرة فارغة تنطلق من موقع بعيد إلى موقع بعيد آخر وإلى جانبه الفتى حسن (أحمد داش). الأول يقود والثاني يساعد لقاء أجر. أبو صدّام والشاحنة التي يقود يتماثلان في القوّة والهيمنة وإرشاداته للفتى حسن هي أوامر عليه تنفيذها: «عينك على الطريق» يطلب منه أكثر من مرّة، لكن عين الفتى على حقيبة أبو صدّام المودعة في خزنة صغيرة فوق رأسه تحمل مبلغاً من المال. على الطريق يسرقها ويحاول الإفلات من عمله، لكنها يعيدها إلى مكانها حين يدرك أنّه لن يستطيع الابتعاد عن أبو صدّام حال يكتشف هذا سرقته. من ثم يقتنص فرصة أخرى ويسرق المال، قبل أن يعيده مرّة ثانية إلى حيث وجده خوفاً من بطش أبو صدّام.

بالنسبة لـ«أبو صدّام»، الذي يحمل بدناً ضخماً يعفيه عن أن يكون ضحية ما ويلقّب نفسه بـ«ملك الطريق»، شخصيته ليست بلا ضعف شديد. كان تعارك مع زوجته التي طلبت تدخل شقيقها، مما اضطره لقبول وساطة حين وصل إلى عرس مقام في منطقة صحراوية. لكنه وبعد أن أعلن أنّه قبل الوساطة يهدد زوجته بالمزيد من العنف إذا ما اتصلت بذويها وأنّها إذا تركت البيت فهي لن تعود إليه. هذه المنطقة تبقى رخوة في السيناريو. صراخ أبو صدّام الدائم يمنع المُشاهد من معرفة القصّة الخلفية تماماً. كان يمكن لمشهد واحد (ربما في المقدّمة) أن يفي بغرض التمهيد، لكن نادين خان توفر كل الحوارات الهاتفية بمنوال واحد.

مشكلة أبو صدّام الأخرى، هي أنّه مع بداية الرحلة، وبينما كان يحاول تجاوز حافلة أقدمت فتاة تقود سيارة حمراء على مضايقته باستخدام بوق السيارة لتتجاوزه. عندما سمح لها بذلك أخذت تهدده بتصرّفاتها الانتقامية قبل أن تنطلق بعيداً. يلتقي بها لاحقاً في استراحة على الطريق. لا يتحدّث معها، لكنّ عينيه تتشبّع من النظر إلى محاسنها. تشعر بالخطر. تنصرف.

هي ذاتها التي ستبلغ عنه أمن المنطقة فإذا بالأمن، في نهايات الفيلم، يوقفه نتيجة ذلك الإبلاغ. عند هذه النقطة يكون «أبو صدّام» قد وقع تحت الضغط النفسي الناتج عن مغامرة أخرى غير موفّقة إذ كان التقى، خلال العرس، براقصة دعاها لمشاركته الشاحنة فوق سرير في المقعد الخلفي. لا نرى ما حدث بالفعل، لكنه كان راضياً من ممارسة الحب على عكسها. يحاول ممارسة الحب من جديد معها لكي يؤكد سطوته، لكنّها تصدّه وتضربه تاركة ورماً في جبهته. كل ذلك، وفوقه الشكوى التي تقدّمت بها السائقة الشابة وأدت إلى احتجازه لساعات زادت من غليانه وكشفت له أنّه ليس «ملك الطريق»، وأن قوّته ليست مطلقة. حين يرى سيارة حمراء يعتقد أنّها هي ذاتها التي أضافت إلى متاعبه ينطلق صوبها ويصدمها رغم أنّها ليست السيارة ذاتها. أبو صدّام» فيلم مفعم تدرس فيه المخرج شخصية محددة وواضحة. لا تحاول نادين خان الخروج بمفاد اجتماعي ما، بل تسرد حدثاً طويلاً واحداً بمفارقاته. وإذا ما كان الفيلم افتقد شيئاً فهو ذلك المفاد المطلوب. هذا يتّضح أكثر عندما نقارن بين فيلمها هذا وفيلم ستيفن سبيلبرغ Duel الذي كان أول فيلم له يُعرض عالمياً (سنة 1971). في ذلك الفيلم (وهناك أمثلة أخرى) شاهدنا رجلاً يقود سيارته على طرق ولاية أريزونا. هناك خلاف مع زوجته (بصوت طبيعي لكن هذا ليس مهمّاً في هذه المقارنة كون الأداء الصوتي هو نتيجة السلوك والثقافة الاجتماعية)، وشاحنة كبيرة تطارده طوال الطريق. المفاد هنا هو أنّ الشاحنة (التي لا نرى سائقها) ترمز إلى الاضطهاد أو القوى غير المنظورة التي تهيمن على مقدّرات الناس أو النظام ضد الفرد. ما يخلو منه «أبو صدّام» هو هذا التعامل مع الحالة الماثلة لإخراجها من مجرد حكاية إلى وضع تحتضن فيه مفاداً أعلى.

 

####

 

الأفلام الأولى للمخرجين تحصد جوائز «القاهرة السينمائي»

دورته الـ43 شهدت حضوراً عربياً مميزاً وزخماً فنياً لافتاً

القاهرة: انتصار دردير

إذا كان مهرجان القاهرة السينمائي قد رفع شعار «تعاقب الأجيال» في دورته الـ43 التي اختتمت مساء أول من أمس، فإنه وفق متابعين ونقاد قد حقق هذا الشعار واقعياً بجوائز مستحقة للأفلام الأولى أو الثانية للمخرجين الذين تصدروا المشهد بشكل خاص في السينما العربية، وأكدوا صعود جيل جديد من صناع الأفلام الموهوبين، كما حققها كذلك في حفل الختام، حيث شارك فنانون كبار في توزيع الجوائز على الفائزين.

وتميزت الدورة 43 باختيار أفلام مهمة داخل أو خارج مسابقاته، كما تميزت بزخم الفعاليات والتكريمات والمؤتمرات الصحافية التي عقدت لصناع الأفلام، و«درس السينما» الذي ألقاه المخرج الصربي أمير كوستوريتسا رئيس لجنة التحكيم، والحوارات التي ضمت نجوم السينما العربية، من بينهم المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد.

وأشعل ظهور نجمين كبيرين في حفل الختام الإعجاب والتصفيق داخل مسرح الأوبرا، فقد فوجئ الجمهور بصعود الفنان الكبير رشوان توفيق، على المسرح، ليسلم جائزة أفضل ممثل التي فاز بها الفنان محمد ممدوح عن فيلم «أبو صدام»، وهو ثاني أفلام المخرجة نادين خان ابنة المخرج الكبير الراحل محمد خان.

بينما ظهرت الفنانة الكبيرة لبنى عبد العزيز، لتسليم جائزة أفضل ممثلة التي فازت بها «سوامي روتولو» بطلة فيلم «كيارا».

ووفقاً للناقد السينمائي خالد محمود، فإن الدورة الـ43 للمهرجان قد ضمت مجموعة من الأفلام الجيدة، سواء في مسابقة الأفلام العربية أو القسم الرسمي خارج المسابقة، منوهاً بأن المهرجان واجه تحديات عدة في ظل تنافسه مع مهرجانات عربية أخرى.

ويقول محمود لـ«الشرق الأوسط»، «كانت المنافسة على الأفلام العربية أشد لمحدودية الإنتاج، غير أنه نجح في الاستحواذ على أفلام جيدة تميزت بمستواها الفني رغم أن بعضها يمثل أعمالاً أولى للمخرجين، كما أن المسابقة الدولية ضمت أفلاماً جديدة ومميزة، أما الجوائز فيظل لكل لجنة تحكيم خصوصيتها، لكن أحياناً تتوافق الرؤى مع الجمهور والنقاد».

واعتبر محمود أن «فوز فيلم (بنات عبد الرحمن) بجائزة الجمهور كان مستحقاً، لأنه حقق تماساً مع المشاهدين منذ أول عرض». ويرى أن «الأفلام العربية في السنوات الأخيرة شهدت نضجاً كبيراً من حيث الأفكار المطروحة ومستوى الإنتاج، لكن مهرجان القاهرة السينمائي يحتاج دعماً كبيراً أكثر من أي وقت مضى ليسترد بريقه بشكل تام».

وحصدت السينما العربية جوائز مهمة، فقد فازت تونس بثلاث جوائز، من بينها جائزة أفضل ممثلة في مسابقة «آفاق السينما العربية» للممثلة عفاف بن محمود عن دورها في فيلم «أطياف» للمخرج مهدي الهميلي، ورُغم تغيبها عن المهرجان فقد أثارت شجن الحضور خلال عرض الفيلم بأدائها الصادق لشخصية الأم التي يتهمها زوجها بالزنا؛ وفاز الفنان ظافر العابدين بجائزة الفيبرسي «سمير فريد» عن أول أفلامه مخرجاً «غُدوة»، والفيلم من تمثيله وقصته، كما شارك في كتابة السيناريو مع أحمد عامر، وقد طرح من خلاله قضية مهمة، بعد عشر سنوات من انطلاق ثورة الربيع العربي في تونس، ومدى تحقيقها طموحات المواطن التونسي. وحصل فيلم «قدحة» لأنيس الأسود على تنويه خاص من لجنة التحكيم، وفاز فيلم «نقطة عمياء» للطفي عاشور بجائزة يوسف شاهين كأفضل فيلم روائي قصير، التي تؤهله للمشاركة في سباق الأوسكار، كما فاز الفيلم السوري «الغريب» للمخرج أمير فخر الدين بجائزة شادي عبد السلام كأفضل إخراج، وجائزة أفضل فيلم عربي بالمهرجان، وتميز الفيلم بتفوق عناصره الفنية.

وذهبت «جائزة سعد الدين وهبة لأحسن فيلم» بمسابقة آفاق السينما العربية، لـ«دفاتر مايا» من إخراج جوانا حاجي توما، وخليل جريج.

وفازت السينما المصرية بجائزة أفضل فيلم غير روائي للوثائقي الطويل «من القاهرة» للمخرجة هالة جلال، التي تتبعت من خلاله رحلة فتاتين مصريتين تعيشان وسط زحام وفوضى المدينة، وقالت هالة لـ«الشرق الأوسط»، إن الجائزة تتويج لمجهود كبير بذلته وفريق العمل على مدى سنوات حتى يخرج للنور. وحصل الفيلم الأردني «بنات عبد الرحمن» على جائزة الجمهور (يوسف شريف رزق الله)، الذي يتناول أزمة أربع شقيقات والتي تتفجر مع اختفاء والدهن، وعبرت الفنانة صبا مبارك لـ«الشرق الأوسط» عن سعادتها بهذه الجائزة التي تتم بتصويت الجمهور، مؤكدة أنها تمنت الفوز بها، خصوصاً بعدما أثار سيناريو الفيلم حماسها منذ قراءته للمرة الأولى، وهو من تأليف وإخراج زيد أبو حمدان في أول أفلامه الطويلة.

وتوج فيلم «الثقب في السياج» من إنتاج المكسيك وبولندا بجائزة «الهرم الذهبي» لأفضل فيلم بالمسابقة الدولية، فيما حصل فيلم «جسد ضئيل» على جائزة «الهرم الفضي»، والفيلم الكوري «إنطوائيون» على جائزة الهرم البرونزي.

 

الشرق الأوسط في

07.12.2021

 
 
 
 
 

خريف السينما العربية في القاهرة السينمائي.. والْإِجَابَةِ: «تُونُسَ»!

مجدي الطيب

* في «غُدْوَة» تنديد بالديكتاتورية ودعوة لتكريس العدالة وإعلاء قيمة الحقيقة.

* .. وفي «قُدْحَة» فضح للصراع الطبقي والفقراء الذين يدفعون ثمن الحياة الأبدية للأغنياء!

اتسمت أعمال الدورة ال 43 لمهرجان القاهرة السينمائي (26 نوفمبر – 5 ديسمبر 2021) بحضور كبير للسينما العربية، حتى تخاله مهرجاناً دولياً للفيلم العربي، أو كأنه تحول إلى ساحة لانتفاضة سينمائية عربية، أعلنت عن نفسها في «ميدان الأوبرا» !

غير أن المفارقة المثيرة أنك لو سألت : «من وراء هذه الانتفاضة ؟» فستجد أن الْإِجَابَةِ : « تُونُسَ» !

بالفعل تركت السينما التونسية بصمتها، بقوة، على المهرجان؛ من خلال ثلاثة أفلام هي : «أطياف» و«غُدْوَة» و«قُدْحَة»، وفي حين لم أتمكن من مشاهدة فيلم «أطياف» (تونس / لوكسمبورج/ فرنسا / 122 دقيقة)، إخراج مهدي هميلي، (تسجن «آمال»، في تونس العاصمة، على خلفية اتهامها بالزنا، وبعد إطلاق سراحها تبدأ رحلة البحث عن ابنها الوحيد، والعثور على ما فقدته من ذاتها، والتصالح مع مجتمع عنيف ومتطرف).

وفي ما يبدو أن «المصالحة»، أصبحت الهاجس، الذي يؤرق السينمائيون التونسيون، وإن اختلف التوجه، والهدف؛ ففي فيلم «غُدْوَة» (101 دقيقة)؛ الذي يُعد أول تجربة للممثل التونسي ظافر العابدين؛ كمخرج ومنتج وكاتب للقصة التي صاغ لها السيناريو الكاتب والمخرج المصري أحمد عامر، يتبنى «حبيب» (ظافر العابدين)، محامي حقوق الإنسان، الذي تعرض للسجن إبان حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ما انعكس سلباً على حالته الذهنية، والبدنية، وتفرغ للدعوة إلى توضيح الحقيقة، تكريس العدالة، ثم المصالحة، ولا تدري هنا أية مصالحة يقصدها «العابدين»، ومع من؟، لكنه يُقدم فيلماً له أهميته، في سياق مناهضة الكبت والقهر وانتهاك الحريات، وإهدار الآدمية، وادانة الديكتاتورية، والانتهازية السياسية (صديقه المناضل القديم «سي علي» (غانم الزرلي)، الذي قفز على مبادئه، ومواقفه، القديمة، بعد ما تربع على كرسي السلطة، وراح يُطالبه بأن ينسى «الماضي» ويُركز في «المستقبل»، لكن «حبيب»، الذي يبدو كمريض الوهم، يعيش، في خياله، قصة حب وجارته «سعدية» (رباب السرايري)، فيما يؤمن أن المستقبل لا يجيء ما لم يعد حق ضحايا الانتهاكات الجسيمة، وتظهر الحقيقة، لكنه في نظر زوجته «لمياء» (نجلاء بن عبد الله)، التي انفصلت عنه، مخبولاً يهذي، بينما يُشفق عليه نجله «أحمد» (أحمد بن رحومة )، ويؤمن، في قرارة نفسه، بأنه «ضحية» أيضاً، ومن ثم يُكمل، بعد اعتقال الأب، مشواره، ويحمل عنه أمانة الدعوة إلى البحث عن الحقيقة، والمُطالبة بتكريس العدالة، وانتظار الثورة الجديدة.

لكن قضية الفيلم الحيوية لم تشغل «العابدين» عن تقديم نفسه كمخرج؛ فوظف أغنية «عندما يأتي المساء» لعبد الوهاب، وتحديداً مقطع «لم أجد في الأفقِ نجماً واحداً يرنو إليَّ»، بشكل رائع، ودان القهر والقمع بكل صوره (اعتقال شاب في الحافلة لمجرد أنه جاء من بلدته يبحث عن وظيفة في العاصمة)، ولخص شخصية البطل، بذكاء ووعي شديدين؛ عندما أظهره كمدمن قراءة لرواية «المحاكمة» The Trial للكاتب الشهير فرامز كافكا، وكأنه يوميء إلينا أن «حبيب» هو نفسه «جوزيف ك»، بطل كافكا، الذي استيقظ ذات صباح ليجد نفسه مُعتقلاً . وإضافة إلى هذا كله نجح ظافر العابدين، كمخرج، في إحكام قبضته على ممثليه، وإظهار أفضل ما في جعبتهم؛ مثلما فعل مع أحمد بن رحومة، الذي جسد دور ابن البطل «حبيب»، بثقة، وبراعة، وحرفية، والأهم أنه – أي «العابدين» - اكتشف نفسه كممثل قدير مختلف عن كل ما قدمه من أدوارمن قبل!

التكثيف في «قُدْحَة»

«أولادكم ليسوا لكم .. أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها»، مقولة للشاعر جبران خليل جبران، من كتابه (النبي)، صدَر بها المخرج التونسي أنيس الأسود فيلمه الروائي الطويل الأول «قُدْحَة» (92 دقيقة)، الذي أظهر من خلاله قدرة عالية على الإيجاز، والتكثيف، وقدم رسالته شديدة الأهمية، بسلاسة، وفطنة، ومن دون مباشرة، أو خطابة؛ فالذاكرة تفودنا إلى أفلام كثيرة؛ لعل على رأسها الفيلم المصري «إلحقونا» (1989)، تأليف إبراهيم مسعود، وإخراج علي عبد الخالق، وبطولة نور الشريف، الذي كان أول فيلم عربي يتناول قضية سرقة الكلى، بواسطة مافيا عالمية لها فروع مصرية، لكن أنيس الأسود، الذي كتب سيناريو فيلم «قُدْحَة»، بمشاركة شامة بن شعبان، التي جسدت شخصية أم في الفيلم، عالج القضية بشكل احترم عقلية المُتلقي، ولم يلجأ إلى تلقينه، كما تفعل غالبية الأفلام العربية؛ فالفيلم يأخذ انتباهك إلى الطفل «قُدْحَة» (ياسين ترمسي)، ومغامراته مع رفاقه الصعاليك، الفقراء، على الشاطيء، وتظن أنك بصدد فيلم عن المراهقين، ويستمر في التغرير بك، عقب إصابة الطفل في حادث، يستدعي نقله إلى المشفى، وصدمة الأم «بركانة» (درصاف ورتتانى)، لأنها عاجزة عن تدبير كلفة عملية ابنها، وتتصور، كمتفرج ساذج، أن تدخل العائلة الارستقراطية، المكونة من «مُعز»(جمال العروى) وزوجته (شامة بن شعبان)، والجدة (الفنانة القديرة أنيسة لطفى)، كان لوجه الله، ومن باب الإنسانية؛ عندما وافقت على تحمل كلفة علاج «قُدْحَة»، قبل أن ينزاح الغموض تدريجياً، ويبدأ المخرج في إزاحة الغمامة عن عين المتفرج، الذي يُدرك بعدها أن عائلة «المُعز» فعلت صنيعها من أجل ابنها «أسامة» (أحمد زكريا شيبوب)، الذي يُعاني الفشل الكلوي، وفي حاجة إلى جراحة عاجلة، ومن ثم فالطفل الفقير «قُدْحَة» ( اسمه مُرادف الشعلة)، هو كبش الفداء، أو الأضحية، التي تُقدم لافتداء «أسامة» !

الصراع الطبقي، في أكثر صوره استفزازاً، وعنجهية ونعالي وكبر الطبقة الأرستقراطية، في تعاملها والطبقة الفقيرة، والمال القادر على شراء كل شيء، ورسائل كثيرة؛ من بينها مثلاُ ظاهرة «الحراقة»، كما يُطلق عليها في تونس، في إشارة إلى الهجرة غير الشرعية، تبناها فيلم «قُدْحَة»، الذي بدا وكأنه يقود «شُعلة» التنوير، وبمثابة «شرارة» الثورة، ومع نُبل قضيته، وبلاغة رسالته، تواضع المخرج كثيراً، ولم يتعال، في طرحه السينمائي، واختار البساطة كلغة فنية، سواء في التصوير (مديرا التصوير أمين المسعدي وأدونيس بن رمضان) أو السرد، والبناء، والميل للغموض، كسبيل للتشويق، ويكفيه أنه ترك لنا، وحدنا أن نبحث ونتقصى، ونقرأ، ونفهم، ونصل إلى بقية مقولة جبران خليل جبران : «أولادكم يأتون إلى العالم, ويعيشون معكم, لكنهم ليسوا ملكاً لكم .. تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم, لكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم, لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم».

 

ميدل إيست بزنس المصرية في

07.12.2021

 
 
 
 
 

"القاهرة السينمائي"..7 أفلام تقول أشياء عن مستقبل السينما العربية

محمد صبحي

"هدفي الرئيسي هو دعم صناعة السينما في مصر والدول العربية". كانت هذه كلمات محمد حفظي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي حتى قبل بدء فعاليات دورته الـ43 في 26 تشرين الثاني الماضي.

كلمات تُرجمت في اختيارات برمجة المهرجان، أبعد من الاحتفاء بالعرض العالمي الأول للفيلم الطويل للممثل التونسي ظافر العابدين، "غدوة"، حيث حضرت إنتاجات عربية أخرى جديرة بالاهتمام. وإن كانت بعض العناوين المعروضة، مثل "دفاتر مايا" لمايا حاجي توما وخليل جريج و"مجنون فرح" لليلى بوزيد و"الغريب" لأمير فخر الدين، قد جاءت بختم الجودة من مهرجانات أخرى أثقل وزناً، مثل "برلين" و"كانّ" و"فينيسيا"، فإن العديد غيرها - من دون خلفية دولية كبيرة - عُرض في القاهرة، وللمرة الأولى في بعض الحالات. هذا لا يعني بالضرورة احتفاءً مطلقاً بالدورة وتنظيمها، بالنظر لما خالطها كالعادة من سقطات واختيارات وتسويات وأمور أخرى ليست بغريبة على كافة المهرجانات والفعاليات السينمائية العربية.

ما يهمّ هنا هو الإشارة إلى تلك الأفلام أدناه، وهي مجموعة صغيرة منتقاة لا تشترك في جودتها النسبية فحسب، بل توضّح التنوع الحالي لسينما عربية تتجه نحو المستقبل بخطوات متباينة المحطّات، كما أصحابها ورؤاهم...
لا يمكن الحديث عن هذه الأفلام من دون البدء أولاً بـ"أبو صدّام"، الفيلم المصري الوحيد المنافس على "جائزة الهرم الذهبي"، أكبر جوائز المهرجان. في الفيلم نتابع رحلة الشخصية التي أعطت الفيلم عنوانه (يؤدي الدور محمد ممدوح، جائزة أفضل ممثل) ورفيقه في السفر، وهما يكتشفان عبر الطرق المصرية قصصاً وأشخاصاً تقودنا إلى الأسباب التي دفعت أبو صدّام، وهو سائق شاحنات ثقيلة، للعودة إلى مقصورة القيادة بعد انقطاع عن العمل دام لسنوات. للحديث عن هذه الشخصيات، وعن عالم ذكوري للغاية، لدينا المخرجة نادين خان، التي تقارب الموضوع بلغة تبدو بعيدة جداً من المعتاد في هذه الأجزاء، لتنجز فيلماً يجعلها أخيراً "تؤخذ بجدّية" ويؤكّد موهبتها التي قدّمت لمحات منها في فيلمها الأول قبل عشر سنوات تقريباً
.

أيضاً في المسابقة الرسمية للمهرجان نجد "بنات عبد الرحمن"، وهو كوميديا ​​درامية من الأردن للمخرج زيد أبو حمدان في أولى تجاربه السينمائية. هنا نتبع أربع شقيقات مختلفات للغاية يجتمعن للمرة الأولى منذ سنوات في بيت أبيهن الذي سيتعيّن عليهن إيجاده بعدما خرج ولم يعد. في رحلة بحث طويلة وحافلة بالمفارقات والشجارات وفرص إعادة النظر، ينتصب الفيلم كوميديا ​​تحرُّر، ونادياً نسائياً للتمكين، من دون أن ينسى القضايا الاجتماعية والسياسية المتعلقة بدور المرأة في المجتمع العربي، مثل العنف الأسري وزواج القاصرات والتمييز بين الجنسين والنقاب. مزيجٌ عربي النكهة يواكب صعود الخطاب النسوي عالمياً، في لعبة سينمائية مُجرَّبة ومضمونة التأثير، ليس على مستوى الجمهور المحلي فحسب وإنما بإمكانها العيش بسهولة في العروض الدولية لجمهور أوسع. وبالفعل، حصد الفيلم جائزة تصويت الجمهور.

ومن الأردن نقفز إلى السعودية، بفيلم يمثّل أول إنتاجات مهرجان البحر الأحمر السينمائي، لكن عرضه الأول أقيم في القاهرة. الحديث هنا عن "بلوغ"، أنطولوجيا فيلمية بتوقيع خمس مخرجات سعوديات (هند الفهاد، جواهر العامري، نورا الأمير، سارة المسفر، فاطمة البنوي)، تظهر أن ثمة أسماء جديدة في المشهد السينمائي السعودي ستضاف إلى جانب الرائدة هيفاء المنصور. من ضغوط النضوج وعبور الطفولة إلى المراهقة، إلى أعطاب الذاكرة وخرف الشيخوخة، أو الأمومة، أو الإجهاض، أو حتى مجرد الحق في القيادة.. يتناول الفيلم موضوعات مُلحّة وحَسَّاسة (بالمعايير السعودية) لا تؤكد على دور السينما كسلاح لإبراء الذمّة وكشف المسكوت عنه فحسب،  وإنما أيضاً لمكافحة الكليشيهات والتصورات الخاطئة والسطحية عن المرأة السعودية.

من مسابقة آفاق السينما العربية، يأتي اقتراح آخر، "قدحة" أو "حياة ثانيةللتونسي أنيس الأسود. دراما عن صبي يحمل الفيلم عنوانه، دهسته سيارة، ثم اكتشف أن والدته - أثناء رقاده في المستشفى - وافقت على بيع إحدى كليتيه لزوجين ثريَين يعيشان معها الآن تحت سقفٍ واحد. مصير تلك الكلية يؤول إلى أسامة، ابن الزوجين الثريين، الذي سيتحد مع قدحة لمساءلة أخلاقيات الصفقة بأكملها. على طول الطريق، هناك نقد للمجتمع وللبنية الأسرية حيث يعاد النظر والتشكيك في سلطة الآباء على أطفالهم. حكاية تأملية ومباشرة بعيون طفل صغير يكتشف العالم، تأخذ من قول جبران "إن أولادكم ليسوا أولاداً لكم. إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها..." منهجها لتشييد تجربة سينمائية بصرية تبرز التباين بين رؤية الصغار والكبار.

بعيداً من مشهديات الحرب والبطولة الأميركية، لا يطالعنا كل يوم إنتاج سينمائي تجري أحداثه في عراق ما بعد الغزو. "كلشي ماكو" (أو"نهرنا .. سماؤناكما يقول عنوانه الإنكليزي) للمخرجة البريطانية الجنسية العراقية المولد ميسون الباجه جي، ينقلنا إلى العراق حيث تمكث رائحة البارود في الهواء و"لا شيء يعمل"، وتحديداً في خلفية أعمال العنف الطائفي في الأسبوع الأخير من العام 2006، بين عيد الميلاد وعيد الأضحى. الفيلم المعروض للمرة الأولى في مهرجان سراييفو وشهد عرضه الإقليمي الأول في القاهرة، لا يخفي مظهره محدودية ميزانيته، ولا تكوينه الأقرب للمسرح والأفلام التلفزيونية، لكنه يجد قوته في نصوصٍ وشخصيات، مصممة بعناية وذكاء لإظهار عدد لا نهاية له من العقبات التي يتعيّن على العراقيين مغالبتها، والتي تتجاوز الإرهاب.

يتبقى فيلمان يمثلان جزءاً من السِجل الوثائقي المنتعش عربياً في السنوات الأخيرة. في "تمساح النيلللمصري نبيل الشاذلي، نتابع البورتريه الحميمي لعبد اللطيف أبو هيف، الرجل الذي أدركته البطولة وهو لا يزال طفلاً في العاشرة بمدينة الإسكندرية، والذي سيرى إرثه معترفاً به دولياً في العام 2001، عندما حصل على جائزة "سبّاح القرن العشرين" واعتبره الاتحاد الدولي لمحترفي السباحة الطويلة أعظم سبّاح في التاريخ. عبر مقابلات معه ومع آخرين من أفراد العائلة والمعارف وبالاستعانة بالأرشيف، يعيد الصديق القديم الاعتبار لشخصية كاريزمية وسبّاح أسطوري لم يجد التكريم اللائق في بلده، وعلى طول الطريق يوازي الفيلم المسارَ الرياضي-الشخصي بحديث عن المسار السياسي لمصر على مدى عقود، ما يعلي من قيمته التاريخية والتوثيقية.

وأخيراً هناك "من القاهرة"، وهو فيلم تسجيلي شخصي وبسيط بتوقيع المصرية هالة جلال، تتابع فيه هبة، وهي مصورة صحفية وفنانة وأمّ عزباء تكافح من أجل تغطية نفقاتها. في جلسة علاجية، تلتقي هبة بآية، وهي شابة فقدت والديها وتحاول التوافق مع التوقعات الاجتماعية لمحيطها بارتداء الحجاب. فيلم آخر يسائل وضع المرأة في العالم العربي، وفي هذه الحالة يتعلّق الأمر بالعاصمة المصرية، التي تحاول المخرجة إسكات خوفها الذاتي منها بالتفتيش في قصص سيدتين من سكّانها تعانيان قسوة العيش والاعتداء الجسدي واشتراط المجتمع الأبوي قبول المرأة في وضع المفعول به فقط. حصد الفيلم جائزة أفضل فيلم غير روائي في مسابقة "آفاق السينما العربية".

 

المدن الإلكترونية في

07.12.2021

 
 
 
 
 

أبوصدام وغدوة و"السولد أوت" في مهرجان القاهرة السينمائي

بسنت حسن سلامة

لست من هواة التكرار، ولكن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ43 كان مصراً وبشكل عجيب على تكرار رفع شعار الـ(sold out) وكأنه فيلم (الافتتاح) مثلاً أو عرضه المستمر! حدث ذلك في أكثرية عروض المهرجان، وإن بات الأمر جلياً أكثر للجمهور العادي في العروض العربية المتهافت عليها، وبدأ الشعار مع الفيلم الأردني (بنات عبدالرحمن) رائعة المخرج الأردني الشاب (زياد أبوحمدان) وعمله الأول الذي كان عرضه العالمي الأول، وشارك أيضاً في المسابقة الرسمية للمهرجان واستحق وعن جدارة جائزة الجمهور، وكان يستحق ما هو أكثر. ويبقى الجمهور أقوى من ألف ناقد متحذلق.. عُرض الفيلم مرتين وفي عرضيه في المهرجان رفع شعار الـsold out تحديداً لحملة البادجات الصحفية وغيرهم، فاشتريت تذكرته لأفاجأ كما كان الحال في العام الماضي بأن قاعة عرض مسرح النافورة (التي تسع حوالي ألف كرسي) ثلثها فارغ! وإن كانت الإجراءات الاحترازية مبرراً لشعار "السولد أوت" العام الماضي فدورة 2021 خلت من أي إجراءات احترازية سوى عبوات الكحول التي وُضعت على باب بعض القاعات (ليس كلها) وقامت وزارة الصحة مشكورة بتوفير لقاح (جونسون) لرواد المهرجان الذي لم يلزم العاملين فيه ولا رواده بارتداء الكمامات إلا عند دخول القاعة كمطلب شكلاني بحت ولا يهتم بعد ذلك المسؤولون عن القاعات من العاملين في المهرجان بارتداء الجمهور للكمامة أثناء العرض أو مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي (كرسي وكرسي فارغ) الإجراء الذي حجب من جميع دور العرض في المهرجان وخارجه باستثناء قاعة إيوارت التاريخية العريقة بالجامعة الأمريكية بالتحرير.
بل لم يرتدِ العاملون في المهرجانات
mask الجائحة المتعارف عليه عالمياً.. وبالطبع ومادامت شيم العاملين في المهرجان من أكبر رأس فيه لأصغرها كانت هي خلع الكمامة، فلا عجب من عدم التزام رواد المهرجان بها! وربما اكتفى القائمون على المهرجان في هذه الدورة بحملة التطعيم التي قامت بها وزارة الصحة رغم أن اللقاح ثبت علمياً أنه لا يفعَّل عند متلقيه قبل مرور أسبوعين من تلقيه. وطُلب من حاملي البادج تقديم ما يثبت تلقيهم للقاح شرطاً لتسلم البطاقة والاكتفاء بذلك رغم ثبوت أن تلقي اللقاح لا يمنع الإصابة بالفيروس الوبائي وفتحت الصالات على اتساعها، وسُمح بتراص الحضور جنب بعضهم البعض. ورغم ذلك ظل شعار السولد أوت قائماً، وظل ثلث الكراسي شاغراً تقريباً وحُرم الكثيرون من مشاهدة بعض الأفلام بسبب شائعات الكراسي التي نفدت وهي مجرد شائعة بشهادة غالبية من ارتادوا القاعات التي أعلنت عن امتلائها. ولاأعرف تحديداً لصالح من هذا الادعاء.. هل هو نوع من الدعاية للمهرجان؟ أو إثارة الجدل والحديث عن الحدث عموماً؟ أو عدم الاهتمام بارتياد الجمهور والنقاد للأفلام، ففعاليات أخرى قد تكون هي الأهم من وجهة نظر القائمين على الحدث! وإن صح ذلك فهل هذه الفعاليات (الأهم) يسمح بها للجمهور أو حتى الصحفيين؟ والإجابة هي لا.
فالفعاليات الأخرى كحفلات الافتتاح والختام والـ(
after party) بل حفلات العشاء شبه اليومية التي كانت تقام لضيوف المهرجان لا يسمح فيها بدخول الجمهور ولا حتى (الصحفيين أو النقاد)، وصار هنالك خلط غريب أراه متعمداً يجمع بينهما، فالصحفي يتم اعتباره ناقداً وربما العكس، وانصرف بعض النقاد (الشباب) عن مهنة النقد الحقيقية ومشاهدة الأفلام والكتابة عنها، فنقاد هذا الزمان معنيون بالعمل في شركات الإنتاج والتوزيع والدخول للجان التي تمنح الجوائز للأفلام التي أنتجتها ووزعتها نفس الشركة التي يعمل فيها الناقد! وبالتالي صار من يشارك في إنتاج الفيلم أو توزيعه هو نفس الشخص الذي يقرر دخوله للمسابقة، ثم يمنحه أيضاً الجوائز، وهذا خلط وتضارب وتوازٍ في المصالح يضر حتماً بالمصداقية والنزاهة والشفافية ويضرب في حيادية الجوائز ويطرح تساؤلات مهمة ووجودية وجب طرحها عن الجوائز التي تمنح بل مانحيها (لجان أو جهات المنح) والأفلام التي أنتجتها أو وزَّعتها تلك الشركة وزجت بالناقد الذي يعمل معهم ويتقاضى أجراً منهم في اللجنة المحكمة التي تمنح الجائزة وتحولت المهرجانات من عروض ومسابقات للأفلام تتنافس، وكذلك ندوات وجلسات نقاشية وبحثية لإثراء وعي وذائقة المتلقي وتقديم جرعات سينمائية طازجة إبداعية لحلقة محكمة ومفرغة تدور في فلك من ينتج ويوزع ويمثل في لجنة التحكيم ليمنح الجوائز لهذا دون ذاك لمآرب تعود بالنفع عادة على جهة الإنتاج أو التوزيع، وصار هنالك ربط حادث بين الاثنين (الإنتاج والتوزيع) فهي شبكة من العلاقات التي تدور داخل فلك تلك الدائرة الصغيرة المغلقة على نفسها؛ فيؤدي هذا لذاك وينتفع هذا من ذاك، ويحتج البعض لتبرير ذلك بعمل الناقد الراحل سمير فريد لعام أو أكثر في شركة إنتاج ليبية كانت تحمل آنذاك اسم (شعاع)، وهو قول حق يراد به باطل، فتلك كانت سابقة وحيدة لم تتكرر حينها، وكانت موضع انتقاد كبير رغم عدول الراحل الكبير عنها، وكان آنذاك مجرد مستشار أو بلغة العصر (doctor script
) ولم يتجاوز الأمر حينها ذلك ولم يتسع ليشمل الجوائز واللجان والتوزيع وخلافه. ورغم ذلك تم اليوم تعميم التجربة باستباحة أكبر من نقاد اليوم لمجال الإنتاج والتوزيع والعمل في المنصات الربحية والتي صارت بديلاً للسينما ووسيطاً موازياً من شأنه القضاء على فن السينما بمرور الوقت، وبالتالي يعمل الناقد السينمائي ضد فن السينما وصناعتها وبات الأمر وكأنه شيء عادي وأصبح شائعاً وطبيعياً، ولم يعد منتقداً أو مقصوراً حتى على ناقد بعينه فهم مجموعة كاملة مغلقة على نفسها أقرب للشلة أحدثت ما يسمى بـ(الشلالية النقدية) التي سيطرت على السينما في العالم العربي وسيطرت أيضاً على (سوق الفيلم) العربي الذي تحتكر توزيعه شركة بعينها لها دوماً الصدارة والهيمنة، إلى جانب هيمنة شلة أخرى تربطها مصالح وبيزنس ببعضها البعض هيمنت هي الأخرى على سوق الإنتاج، ودخل مخرجون شباب في شراكات وأسسوا شركات مع شركة المنتج الذي يرأس حالياً مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهو مهرجان الدولة المصرية لا رجال الأعمال والمنتجين والموزعين!.

أمر مدهش وشديد الغرابة والالتباس وبدا ذلك واضحاً وجلياً في دورة هذا العام وبدأت بشائره فعلياً في الدورات السابقة حتى تفشى الأمر عاماً بعد عام ووصلنا للهيمنة الحادثة حالياً وزج بالمهرجان العريق- المملوك والممول من الدولة- في تلك الدائرة العنكبوتية وتاه واحتار مرتادو المهرجان بين جنبات تلك المنظومة غير الصحية فنفاجأ مثلاً بأن افتتاح أعرق مهرجان في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وهو مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يخلو من فيلم الافتتاح!! في سابقة عجيبة وغريبة فالافتتاح المبهر والأوبريت والاستعراض وظهور النجوم والصناع على السجاد الأحمر والتكريمات شيء بديع وأخاذ، ولكن أين فيلم الافتتاح؟ فجواب السينما عنوانه الفيلم وأول القصيدة كانت حفلاً لا فيلماً في مهرجان سينمائي معني بتقديم أحدث وأهم إنتاجات العام من هنا وهناك.. فنراه يهتم بحفلة المهرجان وحفلة العشاء لضيوفه ونجومه ومنتجيه وموزعيه ويلغى فيلم الافتتاح لصالح الحفلتين، وكأن المهرجان حفل خاص يقام للنجوم والصناع ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالسينما!.

فتقليد (فيلم افتتاح المهرجان) معمول به في كل مهرجانات العالم الكبيرة والعريقة رغم وجود الاحتفالات والسجاد الأحمر وتقديم العشاء، فكل هذا لا يجب الفيلم أو يجعله أولوية ثانوية كما حدث في دورة المهرجان في 2021 والتي كان الحفل والعشاء فيها أولوية تسمو وتعلوعلى الفيلم (السينما) وعرض فيلم الافتتاح صبيحة أول يوم من عروض المهرجان لأنه لم يعرض في ليلته الافتتاحية.. لذلك آثرت الجلوس في البيت واعتبرت أن المهرجان (سيبدأ فعلياً عند بدء عروضه) فهكذا هي المهرجانات الحقيقية.. ومنذ بدء العروض تكرر- كما سبق أن أوضحت- شعار (السولد أوت) الذي رفع بدءاً من عرضي الفيلم الأردني والذي كان لا بد من التواصل مع شركة (mad solution) من أجل لقاء مخرجه أو الحديث معه! لأنها الشركة الموزعة للفيلم ولا بد من استئذانها قبل إجراء حوار مع المخرج!.

وعادة ما تكون اللقاءات في المهرجان بترتيب مع المركز الصحفي ولا علاقة للشركة المنتجة بذلك لكن المركز الصحفي أبلغني بأن لقاء المخرج يتطلب الحديث مع شركة التوزيع واستئذانها قبل إجراء أي حديث مع المخرج الذي قدم عملاً متماسكاً بديعاً سأفرد وأخصص له مساحة من كتاباتي قريباً.

ثم تكرر شعار السولد أوت مع الفيلم المصري الروائي المشارك في مسابقة المهرجان وهو فيلم المخرجة (نادين خان) والذي عرض مرتين ولم أستطِع مشاهدته ولا شراء تذاكره المباعة.. ومن تمكن من الدخول للقاعات التي عرض فيها الفيلم في المرتين أكد على توفر الكراسي التي كان بعضها فارغاً، فشاهد الكرسي الفارغ الفيلم الذي لم يتمكن من أرادوا مشاهدته من مشاهدته.. أما الفيلم التونسي (غدوة) والذي شارك به مؤلفه ومخرجه ومنتجه ومثل فيلم النجم التونسي (ظافر العابدين) الذي ذاع صيته كنجم في الدراما المصرية أولاً ثم الدراما اللبنانية وقدم مسلسلات ناجحة في مصر ولبنان وسجن داخل أسوار الدراما ومسلسلات الصابون، لأنه شاب وسيم ذو قدرات شكلية لافتة للأنظار، وما لا يعرفه غير المتخصصين أن ظافر درس السينما في بريطانيا وشارك بأدوار في أفلام أمريكية وفرنسية، فأراد أن يطرح نفسه بشكل مختلف كصانع أفلام من خلال فيلمه المتقن (غدوة) واختار مصر لتكون منفذه وبوابته الآمنة للدخول لعوالم السينما وسوق الفيلم العربي ليصبح نجم شباك سينما بفيلم ناطق بالدارجة التونسية وليكون (الغد) أو (غدوة) هو ماينتظر (العابدين) في ثوبه الجديد سينمائياً وآثر أن يكون عرض فيلمه العالمي الأول في مهرجان القاهرة في 2021، وليس في مهرجان بلده مهرجان (قرطاج) فالقاهرة كانت بوابة عبوره لمشاهد التليفزيون وستكون القاهرة هي أيضاً بوابته لانطلاقة سينمائية واعدة، وبذلك يكون قد وفَّر (ظافر العابدين) جهداً كبيراً على المبرمجين في مهرجان القاهرة، بعد أن قدم لهم فيلمه الجديد والجيد على طبق من ذهب بل سمح لهم بعرضه ثلاث مرات في إطار المهرجان الذي رفع أيضاً القائمون عليه شعارهم الأثير (السولد أوت) ! وإحقاقاً للحق فقد بذل المركز الصحفي جهوداً مضنية لتذليل العقبات أمام مرتادي المهرجان وحملة البادجات قدر ما استطاعوا ولم يتجاهلوا أحداً وساعدوا في حل المشكلات وأية عراقيل قدر استطاعتهم فالمهرجان العريق نجح عبر تاريخه وسنواته الطوال في إيجاد وإعداد كوادر جيدة لديها من الولاء وحب السينما والإخلاص في عملها الكثير لتقدمه وترأس المركز الصحفي هذا العام ولأول مرة صحفي شاب دءوب ومحبوب ومحترف يحترم نفسه ومهنته ولا يعمل بوجهين وأظهر تفانياً حقيقياً وأدار المركز مع بقية الزملاء التاريخيين والقدامى ومن استقدمهم حديثاً ليغزلوا معاً فسيفساء من الإتقان والمرونة سهلت الأمور على رواد المهرجان، وفقاً لما كان متاحاً لديهم دون تخاذل أو تعالٍ، فالشكر موصول للصحفي المحترف (محمد عبدالرحمن) وفريقه الجديد والفريق القديم بقيادة ناريمان وهند وفاتن ونيفين الزهيري دينامو (الريد كاربت) أو (وحشها) كما وصفها رئيس المركز الصحفي استحقاقاً لها على ما تبذله من ضبط لإيقاع السجادة الحمراء في الحدث الكبير الذي شاركت فيه أفلام وضيوف من الشرق والغرب وامتلأ ببرامج للعروض تقام كل منها في قاعات متفرقة داخل حدود دار الأوبرا المصرية وامتدت لخارجها فكانت تقام عروض في سينما الزمالك 1و2 إلى جانب عروض قاعة إيوارت التاريخية لأول مرة هذا العام وأقيمت ندوة مفتوحة للمخرج العالمي الكبير (الأمير كوستوريتسا) رئيس لجنة التحكيم، إلى جانب ندوات المكرمين (نيللي) و(كريم عبدالعزير) والاحتفاء بـ30 عاماً على عرض فيلم (الكيت كات) بحضور طاقم الفيلم واللقاء الذي تم بين الموسيقار (هشام نزيه وإي إر عبدالرحمن الموسيقي الهندي الشهير) الذي تم تكريمه على المسرح قبل عرض فيلم (no man land) والذي وضع له موسيقاه التصويرية وظهر الارتباك وعدم الاستعداد بادياً على رئيس المهرجان ومديره وهما على خشبة المسرح عندما طلب المصورين رفع الاضاءة ليتمكنوا من التقاء الصور للموسيقار الهندي فكان رد السيد (محمد حفظي) غير الموفق للمصورين والحضور قائلاً لهم (الموسيقار بتتسمع موسيقاه مش لازم يتشاف) فلماذا إذن وقف معك على المسرح وقدمته إن كان ليس لزاماً للحضور رؤيته فقط عليهم الاستماع لأعماله الموسيقية! في حين رد المدير الفني للمهرجان بعصبية وتوتر على المصورين الذين طلبوا إضاءة المسرح وكرروا الطلب بصوت عالٍ فرد (طيب خلاص عارفين إن مافيش إضاءة)!

وهذا جانب من الارتباك الذي بدا في بعض جوانب الفعاليات التي كانت ربما ثقيلة على القائمين على المهرجان فلديهم مهام أخرى ربما يرونها الأهم مثل الحفلات الخاصة في قاعات الفنادق بعيداً عن المسرح والندوات والتكريمات والعروض فالالتقاء مع المنتجين والموزعين والنجوم ورؤساء المهرجانات المختلفة هو الأهم وخصوصاً مدير (مهرجان كان) الذي كرم في حفل الختام في دورة 2021 السيد (ثري فريماكس). والذي بفضله تعرض أفلام المنتج محمد حفظي في مهرجان (كان) وتمنح جوائز.

 

المدار المصرية في

07.12.2021

 
 
 
 
 

ظافر العابدين: تفاعل الجمهور المصري مع «غُدوة» أكبر نجاحاتي

إسراء مختار

حصد النجم ظافر العابدين جائزة «الفيبريسي» بمهرجان القاهرة السينمائي، عن فيلمه «غدوة tomorrow» الذي يتولى بطولته وتأليفه وإخراجه وإنتاجه، ويقدم الفيلم ظافر في صورة جديدة غير نمطية كممثل مبدع خارج قالب الشاب الوسيم، وككاتب مهموم بشئون الوطن، وكمخرج مبدع في تجربته الإخراجية الأولى.

ويدور الفيلم حول رجل عانى ظلما كبيرا إبان فترة حكم بن على لتونس، وبعد قيام الثورة، لم يتمكن من التحرر من الماضي الذي ظل يلاحقه بمشكلاته وأمراضه النفسية، وبينما يبحث هو عن العدالة شأنه شأن آلاف الذين عانوا من الظلم والاستبداد، يراه المجتمع مريضا يقلب في دفاتر الماضي.

وأعرب ظافر، عن سعادته الكبيرة بمشاركة الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى، وقال إن عرض الفيلم للمرة الأولى عالميا فى مهرجان القاهرة شرف كبير لي، لأني أعتبر مصر بلدي الثاني، وعندما قدمت الفيلم للمشاركة في المهرجان فوجئت باختياره في المسابقة الرسمية، وشعرت بسعادة كبيرة وحماس، وتكلل الأمر بحصول الفيلم على جائزة النقاد في مهرجان كبير بحجم القاهرة في أول تجربة إخراجية.

ويقول ظافر: إن هذا العمل يعد أحد أهم التجارب بالنسبة لى، وقمت باستمداد الفكرة من تجربة مر بها شقيقى، ولكنها لم تكن تجربة سياسية، فقد كان مريضا بالسرطان واحتاج نحو عام من الإجراءات حتى يحصل على دوره فى العلاج، لذا فقصة الفيلم مستلهمة من قصة إنسانية، والفيلم نفسه لا يناقش قضية سياسية ولكنه يناقش قضية إنسانية تتخطى حدود تونس، لأنها تعبر عن شكل معاناة الناس، وفكرت فى الكثير من القضايا التى يمكن طرحها فى هذا الشأن، فهى قصة انسانية اجتماعية تحكى عن فكرة اعتبار الحقوق تسقط بالتقادم، ويحكى الفيلم مشكلات المجتمع الذى نعيش فيه، فهو دراما إنسانية صادقة فى الأساس وليس مجرد استعراض لقضية سياسية.

وأضاف ظافر، أن التركيبة النفسية للشخصية التى تعانى من بضعة أمراض كالفصام والهلاوس دفعته للتواصل مع أطباء نفسيين والجلوس مع مرضى لخروج الشخصية بشكل صادق، وقال إن هذا الفيلم أهم مشروع فى حياته لأنه يقدمه بصورة مختلفة وفى حكاية إنسانية فريدة تمتد خارج حدود البلاد.

وقال ظافر: "رغم إننا بذلنا جهدا كبيرا ليخرج الفيلم بصورة رائعة لكننا لم نشعر بالضغط لأننا نعمل بحماس كبير، وإيمان بالفكرة التى نناقشها، وأردت أن أتولى بطولة الفيلم لأننى كنت متفاعلًا جدا مع القصة".

وعن اتهامه بأنه يروج لفكرة المصالحة مع الإخوان فى تونس قال: "هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، فالفيلم لا يتحدث عن أى مصالحة مع طرف بعينه، ولكنه يستعرض الصعوبات التى تواجه المواطن التونسى فى الحصول على أبسط حقوقه، وهو عمل إنسانى اجتماعى أسرى بحت، وبدلا من الإسقاط على السياسة من خلال قصة اجتماعية، قمنا بالإسقاط على الأوضاع الاجتماعية من خلال قصة تحمل بعدا سياسيا، ولكنه ليس الخيط الوحيد فى العمل".

وأكد ظافر تطلعه لعرض الفيلم فى تونس وجميع الدول العربية وعلى المنصات الرقمية، وتمنيه أن يراه الجمهور فى كل العالم وأن يصل لأكبر قطاع من البشر.

وأضاف: "حفاوة الجمهور بالفيلم واستقباله له وتعاطفهم مع القصة أكبر جائزة بالنسبة لى، فهذا الفيلم مصنوع بكثير من الحب لأجل هؤلاء".

وقال: "حماسى للعمل جعلنى أبذل جهدا كبيرا فى كل تفاصيله، وكنت مستمتعًا بكل مراحل الفيلم، ومتطلعًا لخروجه للنور بأفضل صورة، خاصة إنه يعتبر تجربة أتفرد فيها بالعمل ككتابة وإخراج وتمثيل، ومعظم الجهد الذى بذلته فيه كان وراء الكاميرا، وتلقيت ثمرة هذا الجهد برد فعل الجمهور خلال المهرجان على الفيلم، واكتمال العدد، والكلام الإيجابى عن الفيلم".

وعن الصعوبات التى واجهته فى العمل قال ظافر: "تعرضت لبعض الصعوبات العامة مثل جائحة كورونا وما أحدثته من إغلاق فى كل العالم، ومشكلة شخصية تمثلت فى وفاة والدتى بعد شهر من تصوير العمل، لذا حرصت على أن تكون الشخص الذى أهديه الجائزة التى حصدتها عن الفيلم".

وعن إطلالته على الجمهور المصرى لأول مرة باللهجة التونسية قال: "اللهجة التونسية ليست عائقا، ويجب أن يتعرف الجمهور العربى على لهجات وثقافات البلاد الآخرى، فاللغة فى النهاية واحدة، والإحساس هو الأهم فى إيصاله للناس، أما اللغة فى البلاد العربية لا أراها عائقا على الإطلاق".

وبسؤاله عن أسباب رفض الفيلم فى مهرجان قرطاج: قال "إنه لا يفضل الحديث عن تفاصيل الأمر، وأن المهم فى النهاية أن الفيلم خرج للنور، وفى مهرجان كبير مثل القاهرة، بل وحصد جائزة قيمة فى المهرجان، وكل تلك التفاصيل تجعله سعيدا ولا ينظر للخلف ليبحث عن الأسباب".

وأخيرا أكد ظافر إنه سيطل مجددا على الجمهور المصرى فى السينما المصرية بمشاركته فى فيلم «العنكبوت» مع النجم أحمد السقا، والمقرر طرحه فى موسم رأس السنة.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

07.12.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004