ملفات خاصة

 
 
 

وثائقيان جديدان لرشيد مشهراوي: صُوَر تروي سيرة فرد وبلد وتاريخ

نديم جرجوره

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الثالثة والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

الصُّور الفوتوغرافية، مُرفقةً بتسجيلٍ سمعي بصري (شريط فيديو "في أتش أس")، عِمَاد "استعادة"، المُشارك في برنامج "روائع عربية"، في الدورة الأولى (7 ـ 15 ديسمبر/كانون الأول 2021) لـ"مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي". كاميرا صغيرة، محمولة على يدٍ واحدة، ركيزة "يوميات شارع جابريئيل"، المُشارك في مسابقة "آفاق السينما العربية"، في الدورة الـ43 (26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. الفيلمان وثائقيان جديدان (2021)، للفلسطيني رشيد مشهراوي.

مشتركات عدّة بينهما، تُلخَّص بـ: حضور طاغٍ لفلسطين، ذاكرة وتاريخاً وتحوّلاتٍ وحالات، مباشرة أو مواربة؛ السينما، صالاتٍ وصناعة أفلام وعاملين فيها؛ الذاتيّ، تجربة وعيشاً وعلاقات وأحاسيس. تفاصيل أخرى حاضرةٌ في بنية النص السردي، أو في هوامشه. شخصيات تظهر بين حينٍ وآخر، رغم أنّ في الـ"يوميات" هامشاً أوسع لها، فالشخصيات ركنٌ أساسيّ فيها. الذكريات الخاصة برشيد مشهراوي تنبثق من روايةِ آخر، أو من معاينته الذاتية راهناً يُقيم في جغرافيّته.

مدنٌ قليلة مذكورة في الفيلمين، تُصبح إحداها ديكوراً نابضاً بحياةٍ وارتباطات، تخضع كلّها لتبدّلات يفرضها كورونا في باريس (يوميات شارع جابريئيل). يافا أساس "استعادة"، لكنّ غزّة امتدادُ لهما (الأساس والاستعادة). التوغّل في أشياء من ماضٍ قريبٍ (في الـ"يوميات"، يذكر مشهراوي تاريخ ولادته: 18 يناير/كانون الثاني 1962)، والسفر في رحلة العودة إلى أزمنةٍ قديمة (بدءاً من عام 1913)، يكتبان بالكاميرا سيرة فردٍ وحكاية وطن وتفاصيل متغيّرات، معظمها مفروضٌ بقوّة احتلال (إقامة الكيان الإسرائيلي في فلسطين) وبسطوة وباء (كورونا). السيرة مكتوبة بسلاسة وتبسيطٍ، وبابتعادٍ عن كلّ زخرفة سينمائية، فالحكاية أهمّ، والتوثيق أهمّ، والاحتفاظ باللحظة الآنيّة، بتفاصيلها ورتابتها وتكرارها (الـ"يوميات")، نواة مطلوبة، وهدف يُرتجى تحقيقه.

صدفةٌ تمنح رشيد مشهراوي مادة بصرية تصلح لصُنع وثائقيّ، يُغذَّى بصُور فوتوغرافية، بالأسود والأبيض، ذات جودة فنية عالية ومُبهرة، تلتقط نبض حياة فلسطينية، بمختلف أشكالها ومروياتها ويوميات ناسها، قبل احتلالٍ يعجز، رغم آلته الحربية والأمنية والترهيبية، عن إلغاء تاريخ وذاكرة وبلدٍ وأرضٍ وشعبٍ. صُور مأخوذة من مصادر عدّة: فلسطين في الذاكرة، رائد دزدار، أحمد مروات، أرشيف الناصرة، أحمد داري، يافا أمّ الغريب، ذاكرة فلسطين الزراعية، مكتبة الكونغرس، مكتبة القدس الابتدائية، جمعية المحبة اليافية الخيرية، خميس حداد، مجلة "لايف"؛ بالإضافة إلى صحفٍ ومجلات فلسطينية صادرة قبل عام 1948.

غزارة الصُّور، التي تُكمِل مرويات طاهر القليوبي المسجّلة على شريط فيديو، تبدو كأنّها منبثقةٌ من حكاياتٍ يرويها الرجل بهدوء وحماسة في آن واحد، مع ابتسامةٍ توحي بصفاء وسكينة، لكنّها تقول قهراً وألماً.

في "استعادة"، يروي القليوبي ذاكرة وتاريخاً وعيشاً. عندما يذكر لحظتين اثنتين في سيرته وسيرة يافا وفلسطين، يشعر بغصّة تحول دون إكماله المرويّات: "حنجرتي تجفّ. لا أستطيع أنْ أتكلّم"، يقول، مُضيفاً أنّ حَلقه ينشف، وبلكنته اليافاوية الفلسطينية، يُكمِل: "ما بقدرش أتكلّم". الغصّة الأولى تحصل عندما يقول إنّ والدته من القدس؛ والغصّة الثانية عندما يروي سقوط يافا. يسرد شيئاً من زمن الخروج القسري. في الطريق، تقف الوالدة وتطلب من أولادها أنْ ينظروا إلى الخلف: "يا ولاد. اطّلعوا ع يافا وعبّوا عيونكم بيافا"، فبالنسبة إليها "الله أعلم" متى سيرون يافا مُجدّداً.

الصُّور الفوتوغرافية تلك، لبهاءٍ فيها منسوج بجماليات الأسود والأبيض، تكاد تخرج من أطرها وأزمنتها وجمودها، لما فيها من حيويةٍ، يكاد يصعب على التصوير الحيّ للّقطات نفسها أنْ يتفوَّق على بهائها وحيويتها. عالم متكامل من عيشٍ يومي في يافا، مع ناسها واشتغالاتهم ولحظات سكينتهم وأفراحهم ونضالاتهم وفرقهم الرياضية، وبطلهم في الملاكمة أديب الدسوقي، الذي سيغلب المصري محمد "الصخرة" فرج؛ مروراً بأقدم مطبعة في المدينة (1913)، وصالات السينما والحفلات الفنية والغنائية، المصرية غالباً. صنّاع أفلامٍ هم أبناء يافا، كإبراهيم سرحان ومحمد صالح الكيالي وأحمد حلمي الكيلاني وصلاح الدين بدرخان.

تقول الصُّور كثيراً، وطاهر القليوبي أيضاً، ومشهراوي يُمعن النظر في تلك الصُّور، التي فيها "حياة ولحظات عاشها ناس بكل ما فيها من ذكريات ومناسبات وحكايات". يقول إنّه، في كلّ مرة، يتملّكه شعور واحد، وسؤال واحد يتكرّر: "معقول؟". أيُعقل أنْ يحصل ليافا وأهل يافا "هذا كلّه"، مُشيراً إلى وحشية الإسرائيلي، المُدرك منذ البداية أنّ تحطيم إرادة الفلسطينيين بالبقاء والمواجهة ينبثق من كسر يافا وإخضاعها له.

فلسطين حاضرة في "يوميات شارع جابريئيل". تفشّي كورونا وحظر التجوّل والعزلة المنزلية منطلقات موحّدة لتصوير يوميّ لما يحدث في الشارع ومحيطه، أو بالأحرى لما لا يحدث. التكرار سمة. الوجوه نفسها. الروتين والأزقة والمدخل الضيّق للمبنى، وأصدقاء قلائل، وجيران أقلّ. لا شيء يحدث. هذا دافعٌ إلى تصوير يُكرّر رتابة الأشياء، ويُدخِل في التصوير لحظات ماضية، فرشيد مشهراوي فلسطينيّ، يُذكّر دائماً بأهوال يعيشها بلده. منع التجوّل بسبب كورونا يُشبه منع التجول الذي يفرضه الاحتلال على أبناء البلد. طلب "تصريح" للخروج من المنزل الباريسي يُشبه سردية الفلسطيني مع التصاريح والتفتيش الدائم في فلسطين المحتلّة. يستعيد مشهراوي لقطاتٍ من أفلامٍ له، كـ"حتّى إشعار آخر" (1993) و"توتّر" (1998)، ففيها ما يُشير إلى راهنٍ، وإنْ بشكلٍ آخر.

حظر التجوّل الباريسي بسبب كورونا يؤدّي بمشهراوي إلى مقارنةٍ، منبثقةٍ من انتمائه إلى فلسطين، رغم إقامته في باريس، المنتقل بينها وبين رام الله. الوباء يُساوي بين الناس جميعهم، ويضعهم في قاربٍ واحد. يقول ـ بلكنته الفلسطينية ـ إنّ الفلسطينيين مُقيمون في قاربٍ لوحدهم منذ 70 عاماً، ويغرقون لوحدهم منذ 70 عاماً، والجميع يتفرّجون عليهم. يُلمِّح، بمواربة جميلة، إلى التشابه بين وباءين: الأول متمثّل باحتلالٍ، والثاني بكورونا. يقول إنّ الجميع يُصبحون في قاربٍ واحد الآن، متسائلاً بما يشي بسخريةٍ مبطّنة: "ألأنّ الوباء مختلفٌ؟". فالجميع غير مكترث بوباء الاحتلال، في 70 عاماً.

الوثائقيان الجديدان يرسمان، بصُور وسردٍ، شيئاً من حكاية رشيد مشهراوي مع سيرته وبلده وتاريخه، ومع السينما والواقع والتبدّلات والعلاقات والصداقات.

 

####

 

تكريم تييري فريمو في "مهرجان القاهرة الـ43": "سينيفيلي" شغوف بالتاريخ والمستقبل

سعيد المزواري

يُكرِّم "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، في دورته الـ43 (26 نوفمبر/تشرين الثاني ـ 6 ديسمبر/كانون الأول 2021)، الفرنسي تييري فريمو، المندوب العام لمهرجان "كانّ" السينمائي، والمدير العامّ لـ"معهد لوميير" في ليون. تكريمٌ مستحَقٌّ لأحد أكثر الشخصيات تأثيراً في السينما العالمية اليوم. "سينفيلي" يتنفّس ثقافة الفنّ السابع وتاريخه، ومسؤول معروفٌ بعلاقاته الواسعة في الوسط الفني، وقدرته غير العادية على العمل المتواصل، وضبط التفاصيل الصغيرة إلى حدّ الهوس، بحسب متعاونين معه.

مواليد عام 1960، ورث فريمو حبّ السينما من والده المهندس في "كهرباء فرنسا"، قبل أنْ يُخصّص بحث تخرّجه بموضوع بدايات المجلّة السينمائية الفرنسية "بوزيتيف". لكنّ توظيفه أجيراً في "معهد لوميير" (الأخوان لوميير مؤسّسا السينماتوغراف، والاسم بالفرنسية يعني الضوء بالعربية) عام 1983، بعد تطوّعه فيه لفترة، قَطَع بحثه لنيل الشهادة المعمّقة في السينما. بعد ذلك، بدأ مسار تعلّم ميداني عن فنّ الاحتفاء بتاريخ السينما وصنّاعها، كمدير فنّي للمعهد، إلى جانب معلّمه برتران تافرنييه، مدير المعهد. معاً، نظّما احتفالاً بالذكرى المائة للسينما، عام 1995: "ذهبتُ إلى تافرنييه لمحاورته عن "سينفيليته"، وعلاقته الباكرة بـ"بوزيتيف" من أجل بحثي. عرضت عليه أنْ ألتحق بالمعهد كمتطوّع، فلم يتردّد في الترحيب بي. لم أغادر المعهد منذ ذلك اليوم، الذي صدف أيضاً أنْ شاهدتُ فيه "الخروج من معامل لوميير" للمرّة الأولى. باختصار، هناك أيّام فارقة في حياة كلّ امرئ. كان هذا حتماً أحدها، بالنسبة إليّ".

يسهر تييري فريمو منذ أكثر من 10 أعوام على تنظيم "مهرجان لوميير"، المتمحور حول إرث السينما، والاحتفاء بأبرز صنّاعها عبر جائزة لوميير، التي تعاقب على استلامها كبارٌ في الإخراج والتمثيل، أمثال كلينت إيستوود وكاترين دونوف ومارتن سكورسيزي وجين كامبيون. يشغل الرجل أيضاً مهمّة رئاسة شركة "سينما لوميير"، التي تُدير 3 صالات فنّ وتجربة، ويترأس "جمعية الأخوين لوميير"، المسؤولة عن أرشيفهما. من دون تناسي اشتغاله الإخراجي، إذْ أنجز "لوميير، وتبدأ الحياة" (2016)، وثائقي يرتكز على مونتاج 108 أفلام للأخوين مُخترعَي السينما، مع تعليق بديع يقرأه بصوته.

قبعات عدّة في حوزة رجلٍ لا يدّخر جهداً في المنافحة عن السينما وقضاياها، كلّما دعت الحاجة إلى ذلك. مثلٌ أول: في الفترة الحرجة، التي مرّت بها صناعة السينما، خصوصاً مُستغلّي الصالات، بسبب الإغلاق الاحترازي الذي تلى استفحال وباء كورونا، كتب رسالة مؤثّرة (28 ديسمبر/ كانون الأول 2020) احتفاءً بمرور 125 عاماً على تنظيم أول عرض سينمائي، جاء فيها: "تتعطّل صالات السينما للمرّة الأولى. ما لم تنجح في فعله الحروب العالمية، حقّقه وباءٌ (...). كنا نودّ من كتّاب الأعمدة أنْ يخطّوا، عوض مقالاتهم عن الموت المزعوم للسينما، وقفة تفكيرٍ رقيقة، أو بعض عبارات الاعتراف، وأنْ يُذكّروا بإسهام الفن السابع في الحضارة الإنسانية". مثلٌ ثان: مساندته منتجي أقراص "دي في دي" بعد الإعلان عن الضرر الكبير الذي أصاب مبيعاتهم في فترة الحجر الصحي: "أنا مجنونٌ بعشق الـ دي في دي. أعتقد أنّ صنع مكتبة أقراص أفضل من تخزين الأفلام في حاملٍ غير مادي. ناشرو الأقراص يعبّرون عن ضرورة الحفاظ على الـ دي في دي، باعتباره شيئاً ثميناً. إنّهم على حقٍّ. لا أحد يجرؤ على المناداة بتعويض الكتاب الورقي بالألواح الإلكترونية، لكنّ الجميع يتبجّحون بمواكبة التطوّر التكنولوجي عندما يتعلّق الأمر بالسينما".

تولّى فريمو، منذ عام 2007، مهمّة المندوب العامّ لأهمّ مهرجان سينمائي في العالم (مهرجان "كانّ")، بعدما شغل مهمّة المسؤول عن البرمجة فيه منذ عام 2003، بطلبٍ من جيل جاكوب. ينسّق المندوب العام عملية انتقاء الأفلام، ويسهر على نجاحها، بإشرافه على البرمجة الرسمية، التي تمنح المهرجان هويته، مُحقّقةً المزاوجة بين دواعي التسويق والصيت الإعلامي، وبصم اختيار فنّي يُنبئ بنوع السينما التي يدعمها المنظّمون، ونوعية المواهب التي يُراهنون عليها. كما يرأس المندوب العام أشغال فريق المهرجان طيلة السنة، ويشرف على فريق التنظيم، المؤلّف من مئات المتعاونين، أثناء انعقاد المهرجان، ويحرص على توفير أفضل الظروف لاستقبال ضيوف المهرجان من مختلف الاختصاصات.

طبع تييري فريمو برمجة "كانّ" باختيارات "سينفيلية" قوية، أهمّها إعطاؤه مكانة أكبر لسينما التحريك وأفلام النوع، تكلّلت بحصول أفلام راديكالية، مُتجذّرة في النوع، على "السعفة الذهبية" في الأعوام الأخيرة، كـ"بارازيت" (2019) للكوري الجنوبي بونغ جون ـ هو، و"تيتان" (2021) للفرنسية جوليا دوكورنو. كما ساهم في منح الفيلم الوثائقي حيّزاً أهمّ في البرمجة والأضواء، بإنشاء جائزة "العين الذهبية"، بالتعاون مع جولي بيرتوتشيلي، عام 2015.

تشرّبه من منبع الاعتناء بإرث السينما في ليون أسعفه، عام 2004، في تدشين فقرة "كلاسيكيات كانّ"، التي أضحت موعداً لا يُتخلَّف عنه لمشاهدة أفلام خالدة من سجل السينما العالمية، في نسخٍ مرمّمة، ووثائقيات حديثة عن أفلام وشخصيات من تاريخ السينما.

وفياً لحسّ النقد الذاتي، لا يتردّد تييري فريمو عن الاعتراف بأبرز إخفاقاته، فيعضّ على شفتيه تحسّراً كلّما تذكّر كيف فرّط فريق الانتقاء بـ"تايك شيلتر" لجِف نيكولز، الذي أفلت من شِبَاك المسابقة الرسمية و"نظرة ما"، ليشارك في "أسبوع النقّاد"، ويُتوَّج بجائزته الكبرى، ويُصبح ـ بحسب كثيرين ـ أحد أفضل أفلام 2013. في لحظات انتشاء ومحطات خيبة وحزن، تَشكّل البرنامج اليومي للمشرف على مقاليد مهرجان عملاقٍ، اقتسم تفاصيلها في كتابه "مسابقة رسمية" (2017). مُؤلَّفٌ فريد، يجمع الملاحظات التي دوّنها في مذكّراته بين ختام دورة 2015 وختام دورة 2016: "أردتُ القول كيف تجري الأمور. أنْ أكتب عن وسطٍ مهني، مختلف ومشابه لأوساط أخرى، يُظهر التماسك فينةً، والانفلات والموهبة فينة أخرى. أردتُ أنْ أكون مخلصاً لكلمات روبيرتو روسّيليني: "أنا لستُ هنا لآخذ أو أصدر أحكاماً. أنا هنا لأعطي".

وثيقة مهمّة، تكشف طريقة اشتغال مهرجان "كانّ" من الداخل. علاقة المندوب العام مع لجان التحكيم والنقّاد ووسائل الإعلام، إلى تفاصيل أخرى مثيرة عن علاقاته بمخرجين وفنانين، يحضرون المهرجان. على غرار هذا المقتطف الطريف عن لقائه الأول بجوليا روبرتس: "رأيتُ جوليا، فقمْتُ بتحيّتها. حاولتُ التظاهر باللامبالاة، بينما أنا في قمّة الانتشاء من الداخل. عندما أمسكَتْ ذراعي لأقودها على الدرج، كنتُ على وشك أنْ أنزف من أنفي".

بالإضافة إلى السينما، هناك الـ"جودو". رافدٌ آخر غذّى حياة تييري فريمو وأسلوبه في العيش. مارسه منذ نعومة أظفاره، متنقّلاً بين قاعاته، حتّى أتقنه، وأضحى معلّماً لفنّ الاستعانة بقوّة الآخر، لطرحه على الأرض، بدل إيذائه. خصّص كتابه الثاني، "جودوكا" (2021)، لحكاية كيف ساهم الـ"جودو" في تشكيل قدره، حين مدّه بدروس ثمينة، ساعدته على شقّ طريقه، أهمّها التركيز الفائق، وتطوير قدرات الذات بتجريدها من كلّ الشوائب، والمثابرة في العمل، والإصرار على تحقيق الأهداف.

في الكتاب نفسه، يُحيّي الثقافة اليابانية، التي تركت تأثيراً كبيراً في نفسه، بتكريم جيغورو كانو، مبتكر الـ"جودو"، ومبدع أخلاقياته الرفيعة. من دون أنْ ينسى المرور على الأفلام اليابانية المهمّة، التي احتفت بالـ"جودو"، وأبرزها "أسطورة الجودو العظيم الجديدة" (1945) لأكيرا كوروساوا، الذي تُزيّن لقطة منه غلاف الكتاب.

في المزج بين الحزم اللّين للـ"جودو" والشغف السخي للسينما، يمكن رؤية المفتاح الأنسب لاكتشاف شخصية تييري فريمو. الحزم الشغوف دفعه إلى فتح أبواب "كانّ" أمام أفلام الاستديوهات الكبيرة الأميركية، مُصرّحاً بأنّه "يفضّل عملاً تجارياً جيداً على فيلمِ مؤلّفٍ سيّئ". لكنّه كان من أوائل الداعين إلى عدم التّساهل مع عرض أفلام المنصّات في المهرجانات، منتقداً بشدّة منحها بطاقة بيضاء لعرض أفلامها بحرية في المهرجانات الكبرى، ومُتمسّكاً بشرط خروج الأفلام إلى الصالات، كي تُنْتَقَى في المسابقة الرسمية لـ"كانّ"، بعد التجربة المريرة التي خاضها مع "نتفليكس" في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/أيار 2017)، عندما اختار فيلمين من إنتاجها، "حكايات مايروفيتز" للأميركي نواه بومباخ و"أوكجا" للكوري الجنوبي بونغ جون ـ هو. يومها، أخلفت المنصّة الأميركية وعدها بإطلاق الفيلمين في القاعات المظلمة، بعد مشاركتهما في المهرجان: "هناك حوارٌ مفتوحٌ وصريحٌ معهم، لكنّنا على خلاف. حسناً، إنّهم يمنحون الفرصة لمخرجي السينما حتى يشتغلوا. لكنْ، أعطوني اسم مخرج شابٍّ واحد اكتشفوه؟ مُهمّتنا نحن أنْ نساهم في بروز مواهب جديدة".

إنّه الحزم الشغوف نفسه الذي دعاه إلى رفض تخصيص حصّة ثابتة لأفلام المخرجات في المسابقات الرسمية لـ"كانّ"، مهما كان مستواها الفنّي، تلبيةً لنداء منتمياتٍ إلى جمعيات نسوية: "لا يُكلّفن أنفسهنّ عناء الحضور حين نخصّص عرضاً للاحتفاء بباربارا لودين" كما قال، من دون أن يمنعه هذا عن التأكيد بأنّه يُرجّح دائماً اختيار الفيلم المنجز من امرأة، في حالة تكافؤ مستوى فيلمين مرشّحين للمسابقة.

الإنسان تحصيلٌ لاختياراته في الحياة، كما يُقال. لعلّ هذا القول يجد تجلّيه الأقصى في حياة تييري فريمو. رجلٌ نذر اختياراته كلّها لخدمة السينما وقضاياها، عبر الاحتفاء بماضيها في ليون، والاعتناء بحاضرها ومستقبلها في "كانّ".

 

العربي الجديد اللندنية في

29.11.2021

 
 
 
 
 

فيلم (قودي سيارتي) وشاعرية الخطاب الصوفي في مهرجان ”القاهرة” السينمائي 43

بقلم: صلاح هاشم

لايمنع في أن تكون بعض الأفلام طويلة ، وذات طابع تأملي فلسفي ، أفلام تبدو مصنوعة لأصحاب النفس الطويل ، لكن بشرط أن تكون غير مملة..

أفلام من هذا النوع ،مثل فيلم ” سوقي عربتي ” DRIVE MY CAR الذي عرض على هامش المسابقة الرسمية للدورة 43 وشاهدته في المهرجان بالأمس، حصل على جائزة أحسن سيناريو في مسابقة مهرجان ” كان ” الفائت ، وصفقنا له طويلا في المهرجان مع النقاد، وكان مرشحا للحصول على سعفة كان الذهبية ، ينتمي الى هذا النوع ..

النوع التأملي الفلسفي البديع ، الذي يجعلك تسافر ،وتقطع رحلة طويلة في الفيلم، داخل أعماق النفس الإنسانية، لتكتشف حقيقتك، وتتطلع في المرآة الى ذاتك، وأنت تردد، : ( .. عجبا.. لا لا.. لست أنا هذا الشخص الذي كنت أعرفه )

وأفلام مثل هذا الفيلم ، لاتصنع فيلما ، لكي ترفه عنا،وتريح قلوبنا ، بل لكي تجعلنا نطرح، بهدوء وصنعة لطافة ، تساؤلات الوجود الكبري..وليس أقل.

وهنا لايصبح موضوع الفيلم، أن يحكي قصة – حيث أنه بلا قصة- مثل القصص التقليدية، في الأفلام التجارية، التي تلجأ الى أساليب الفيلم الهوليوودي، والتشويق، والمؤثرات الخاصة، وألاعيب ومبتكرات التكنولوجيا الحديثة للابهار، وتسرق روحك..

بل يحكي قصصا ، ويلتقي بناس،وينقل لنا لقطات ومشاهد، على طريق رحلة المخرج المسرحي في الفيلم ، الى مدينة هيروشيما في اليابان، حيث دعي لإخراج مسرحية (الخال فانيا ) لتشيكوف، بعدة لغات ، في مركز ثقافي

في مدينة هيروشيما التي دمرت في الحرب العالمية الثانية

غير أن هذا النوع من أفلام (سينما المؤلف ) قد يحتاج لذوق خاص وثقافة خاصة ومعرفة بالمسرح والسينما، وغرام بالقراءة التي لاتعرفها الأجيال الحالية.

ذوق لا يرضى أصحابه بأن تكون السينما فقط مجرد فيلم – شييء للاستمتاع و الاستهلاك والترفيه..

بل رسالة تطرح موقفا من أزمات عصرنا و تناقضات مجتمعاتنا الإنسانية على طريق التقدم ..

ولذلك أعتبر أن فيلم ( سوقي عربتي ) الذي نشاهد فيه أناس عاديين وإنطوائيين في الخارج، لكنهم ، ” قتلة ” في الداخل، في القاع ، في دواخلهم ، من أعظم الأفلام ،لمن يفهم ويتأمل ويتذوق ، ويريد مشاهدة سينما أخرى، غير السينما التي عودتنا هوليوود عليها، ويستمتع بجمال آخر..

جمال صوفي وروحاني، مثل نسمة ، مثل عبير ، ومتوحد بكل العناصر، ومن يريد هذا الجمال ويستمتع ويستلذ به، سيعجبه فيلم (سوقي عربتي)، ويستمتع به من جديد مع كل مشاهدة جديدة، لأنه لا يحكي حكاية، بل ألف حكاية وحكاية،ليدخلك من باب الحكايات الى باب الدهشة،وسوف يتذكر دوما وجوه أبطاله ، لأنهم يشبهوننا، وقتلة ، مثلنا

فيلم ( سوقي عربي )عن تطهير القلوب وغسيل الذنوب، بمسرحية ( الخال فانيا ) للكاتب المسرحي الروسي العظيم أنطون تشيكوف، ولذلك أعتبر الفيلم بمثابة “تحية” رائعة A TRIBUTE الى تشيكوف الكاتب العظيم ، من مخرج وكاتب سيناريو ياباني متميز، بعد أن غسل تشيكوف قلبه. .

فيلم يطهرنا بعد مشاهدته من كل أدراننا..

ويجعلنا نتصالح مع أنفسنا والعالم

ويستحق التأمل والمشاهدة عن جدارة.

 

سينما إيزيس في

29.11.2021

 
 
 
 
 

خلية نحل وكيف حققت فريج سلامها النفسي

صفاء الليثي

سيارة معطلة في ينبوع ليس به أسماك منذ الحرب ، الموقع قريب من منزل أسرة الفيلم مطل على ربوة بها خلايا نحل، امرأة تعمل به لتحصل على العسل، قرص نحلة تتسلل من قناع الوجه، في المرآة تتفحص الإصابة فنشاهد غيرها، وجه البطلة في لقطة مقربة يعكس التحدي، لا تمثيل هوليودي ولا مساحيق تجميل، وجه صامت حزين، ملامح قوية لفريج المختفي زوجها بسبب الحرب، وعليها أن ترعى أسرتها، الجد والد الزوج وابنتها المراهقة وابنها الصبي، هي تحصل على العسل وتملأ برطمانات زجاجية، توصل الجد الى سوق البلدة ليبيعه، العسل لا يباع، ولم يعد كافيا كمصدر للدخل، يرفض الجد التسليم بموت الأب وتتحمل فريج كل شي من إصلاح صنبور المياه ، إلى قيادة السيارة في بلد رجاله متعطلون ويجلسون على المقهي يسبون المرأة لأنها تقود سيارة وتعمل، يصفونها بالعاهرة لأنها تتحمل مسئولية أسرتها وترعى الجد المُقعد وطفليها. حين تفكر في بيع تربيزة عمل الزوج المختفي لتتمكن من بدء مشروع لتتمكن من الإنفاق على بيتها يغضب الجد بشدة، فتلغي صفقة البيع، تتعامل مع بائع خضروات تشتري منه بالأجل وتعد صلصة بمساعدة جارات لها، البائع يتحرش بها تصده بعنف، تسقطه على الأرض من سيارتها، تعمل بجد ثم تلقي له بنقود دينها، نقود كسبتها من عملها المنزلي . ومع استمرار فريج في العمل دون الالتفات لشتائم المتعطلين، تنضم اليها الابنة، ويتخذ الجد قراره بالموافقة على الكشف عن رفات الزوج/ كما ينضم إلى مشروع إعداد صلصة الفلفل المنزلية، وبعد نجاح مشروعهم الصغير يقيمون ما يشبه الحفل، وترقص نساء البلدة سعيدات.

النساء تعملن وتنجحن والرجال المسنين ما زالوا على المقهى، والرجال الشباب مفقودين، فريج لا تتعرف على بقايا متعلقات الأب، تبكي بحرقة، هي متعلقاته ولكنها ترفض التسليم بموته. وينتهي الفيلم بلوحة تعريف عن مصدر أحداث الفيلم في عام 1 في كوسوفو، حيث اختفاء الرجال دون الوصول إليهم أو إلى جثثهم. في قرية كروشا وحدها حيث تدور أحداث فيلم خلية نحل يختفي 64 رجلا شابا ويتأكد موتهم، أما البعض فما زالوا يأملون أن يعودوا إلى الحياة.

اختيار المخرجة لعنوان فيلمها لا يدل فقط على خلية النحل بأرض الجد، ولكنه يحيلنا إلى فريج التي تعمل كحلية نحل ، بدأب وصبر، بعزيمة وإصرار، لا تقف عاجزة تتنظر معونة لن تكفي أسرتها، تتحمل سخافات قرية في بلدة منهارة اقتصاديا واجتماعيا بموروثات رجعية عن رفض عمل المرأة، ورفض قيادة السيارة كما لو كانت خطيئة تستحق بسببها أن توصف بأنها عاهرة وتلقى عليها أحجار ويكسرون زجاج السيارة ، هي بصبر تحاول لصق ورق مكان زجاج النافذة يساعدها ابنها الصبي، فريج تكشف عجزهم وتنطعهم، وتكسب احترامنا. وأجده جديرا بالمنافسة بقوة في جوائز النقاد العرب لأفضل فيلم أوربي عرض بمهرجان القاهرة 43. لتميز عمل مخرجته وقيادتها للممثلة الرئيس وكل من أدوا شخصيات العمل.

خلية نحل ، إخراج بليرتا باشولي، كوسوفو ، إنتاج 2019، مدة عرضه 84 ق، لغة الفيلم الألبانية، والفيلم يقدم نموذج قوي لامرأة تواجه المجتمع الأبوي وتنجح في إدارة مشروعها المنزلي ، وتصبح قائدة لمجموعة من نساء القرية تواجهن واقعهن وتنجحن دون تنازلات.

حصد الفيلم جوائز عديدة ، أولها جزائز مهرجان سندانس جائزة لجنة التحكيم الكبرى، جائزة جمهور السينما العالمية جائزة جمهور السينما العالمية جائزة جمهور السينما العالمية جائزة جمهور السينما العالمية جائزة الجمهور ، وجائزة الإخراج. كما فازت الممثلة يلكا جاشي بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان بلد الوليد، وفاز الفيلم بجائزة الأفضل في المهرجان نفسه. وفي مهرجان وارسو فاز بأفضل فيلم ومنحت للمخرجة. ولدت المخرجة بليرتا باشولي عام 1983 في كوسوفو ، ودرست الفلسفة ثم السينما في جامعة بريشتينا. واصلت تدريبها في مدينة نيويورك - مدرسة تيش للفنون - السينما والتلفزيون. كما رشح لتمثيل بلده في جائزة الأوسكار لأفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية.

شبهت بعض الأقلام فيلم ريش بسينما أوربا الشرقية، وسخر البعض الآخر من هذا التشبيه، ورغم أنني لم أكتب عن هذا التشبيه في مقالي عن ريش إلا أنني بعد مشاهدة خلية نحل، وبعد تمتعي بأدا الممثلة الذي أجده في نفس مدرسة أداء دميانة نصار بطلة ريش ، وجه يعبر بصمت ودون افتعال التقمص لمدرسة تمثيل قديمة تذكرنا بأننا نشاهد فيلما ممسرحا. أداء دميانة نصار المصرية الصعيدية، وأداء يلكا جاشي من كوسوفو يحيلنا إلى الواقع المعيش ويجعلنا نصدق قضية كل منهما في مجتمع ذكوري واجهته كل منهما بعد اختفاء الزوج. .

 

نشرة القاهرة السينمائي في

29.11.2021

 
 
 
 
 

"المسابقة الرسمية" يسخر من غرور بعض الممثلين ويزلزل أبراجهم العاجية

فايزة هنداوي

لكل مهنة أمراضها، خاصة المهن التي تحقق لصاحبها كثير من الشهرة والنجومية، وهناك كثير من الأفلام التي ناقشت أمراض الشهرة، من أجملها فيلم "وجه من الزحام" لإيليا كازان، الذي ناقش التحول الذي يحدث لعازف صغير حالم، عندما يصبح مذيعا تليفزونيا تتهافت عليه القنوات ويحقق أعلي نسبة إقبال جماهيري، فيتحول لطاووس مغرور متعجرف.

وفي فيلم "المسابقة الرسمية" الذي عرض في مهرجان القاهرة السينمائي في افتتاحية عروض الدورة الثالثة والأربعين، ناقش الفيلم أمراض الشهرة والأبراج العاجية التي يعيش فيها بعض الممثلين، بعد أن تخدعهم الأضواء والنجومية والجوائز.

الفيلم شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته الأخيرة، من إخراج ماريانو كوهن، وجاستون دوبرات، بطولة، بينيلوبي كروز، أنطونيو بانديراس، خوسيه لويس جوميز، أوسكار مارتينيز.

ورغم جدية الفكرة، التي يناقشها الفيلم، إلا أن صناعه نجحوا في تقديمها بشكل كوميدي، انتزع كثير من الضحكات من جمهوره، ليبدو حتي أنه يسخر من السينما ومن السينمائيين ، فهو يقدم فيلما داخل الفيلم.

يبدأ الفيلم بمشهد تأسيسي، لعيد ميلاد قطب صناعة الأدوية (خوسيه لويس جوميز) ، الذي يعاني من أزمة في أواخر حياته بعد حفل عيد ميلاده الثمانين، يريد أن يترك أثرا يذكره به العالم، فيقرر في البداية بناء جسر يحمل اسمه، لكنه يتراجع عن هذه الفكرة، ويقرر إنتاج فيلم كبير يحصل من خلاله علي جوائز هامة، حيث يري إنها الطريقة الأكثر ضمانا لتخليد اسمه، فيختار قصة حاصلة علي جائزة هامة بعنوان "المنافسة"، دون أن يقرأها، ويكلف المخرجة "لولا" الحاصلة علي السعفة الذهبية.

يدور الفيلم الذي ينتجه رجل الأعمال الثري، حول شقيقين، تدور بينهما خلافات تؤدي في النهاية إلي قتل أحدهما للآخر واحتلال مكانه بدم بارد.

يوحي الفيلم في البداية، إنه سيدور حول الصدام بين عالمي الفن والتجارة، حيث تظهر لولا شديدة المتطلبات، وتسعي للمخاطرة، التي لا يفضلها أصحاب الأموال، ولكن رجل الأعمال الثري منحها الحرية الكاملة، ووافق علي كل مطالبها، دون أدني تدخل في أعمالها.

تختار لولا ، فيليكس ريفيرو (بانديراس) ، الممثل والرمز الجنسي، الذي فاز بالعدد من الجوائز، ولكنه يقدم ايضا أفلام بهدف الأموال فقط، ويؤدي مارتينيز، إيفان توريس ، وهو ممثل مسرحي يحظى بمكانة كبيرة وهو أكثرتقديرا لقيمة الفن.

وقد اختارتهما لولا بسبب اختلاف أسلوبيهما، حتي ينشأ توتر بينهما أثناء التصوير، فيضفي علي الفيلم التوتر المطلوب، وبالفعل تنشأ بينهما خلافات شديدة تؤجج الصراع أثناء البروفات المتزايدة طيلة تسعة أيام، حيث يتبادلا الأعمال الانتقامية النابعة من الغرور والشعور بالأفضلية.

لولا أيضا تؤجج الصراع، حيث اعترفت إنها تحب المعاناة أثناء تصوير أفلامها، في توجه سادي مازوخي، وتضع "تمارين" للممثلين اللذين يختبران غرورهما الهش ، ويصبح الخط الفاصل بين الواقع والخيال غير واضح، وسط بحر من الأكاذيب، كما يجدد المعركة القديمة بين مدرسة "الفن من أجل الفن"، أم "الفن من أجل الجماهير"، وهي معركة لايمكن لأحد أطرافها أن ينتصر.

تستمر لولا في تعذيب فريقها بطريقة لها إيحاءات جنسية ، مدعومة بالمظهر العصري البارد لمنزلها.، مما يوتر العلاقة بينها وبين ريفيرو وفيليكس.

و يصل هذا التوتر إلي ذروته، عندما قامت بتحطيم كل الجوائز التي حصلا عليها في تاريخهما، بتمريرها من خلال آلة تقطيع المعادن، لكسر غرورو أبراجهما العاجية، ولأول مرة نري مخرجة تقوم بالاساءة لضحاياها من الرجال علي عكس المتعارف عليه، من اساءة الرجال للمثلات النساء واستغلالهن.

في هذه الأثناء ، يتحد البطلان في محاكاة ساخرة للذات، ولكن يستمر ريفيرو في التقليل من أهمية الأعمال التي قدمها فيليكس.

كانت الأزياء والماكياج ملائمين جدا لطبيعة الشخصيات، حيث جاءت ملابس إيفان تقليدية ووقورة، بينما جاءت ملابس فيليكس صاخبة، كما نجحت مصممة الأزياء واندا موراليس، في تصميم ملابس أضفت لمسة عصابية علي شخصية رولا ، خاصة السروال القصير الذهبي، كما كان للشعر المجعد الأحمر تاثيرا علي استقبال المشاهدين للشخصية.

ولعب أداء الممثلين دورا كبيرا في انجذاب الجمهور للفيلم، حيث قدموا أدوارهم بفهم للشخصيات وخفة دم كبيرة، وخاصة بينولبي كروز فقد أكدت أنها ممثلة كوميدية من طراز رفيع من خلال دور المخرجة التي لا تتواني عن فعل أي شيء إخلاصا لأحلامها الفنية.

ديكور القصر الواسع الذي تم التصوير فيه ساعد علي رسم المواقف الكوميدية، كما ساعد علي إضفاء أجواء البرودة والخواء في علاقة الثلاثي، ونجح السيناريو في خلق مواقف كوميدية طريفة، كما نجح كذلك في خلق حبكة جيدة وتحريكها إلي الأمام مع تطور الشخصيات، والسخرية منها، ففيلم "المسابقة الرسمية" يسخر من غطرسة وحماقة مهنة التمثيل، ولكنه في نفس الوقت جاد في تقديمه للسحر الذي يؤدي إلى تقديم أداء رائع.

ورغم أنه فيلم كوميدي مرح، إلا أن الضحكات تبدأ في التوقف عندما ندرك أن السخرية ما هي إلا قناع لواقع قاس، حيث يبدو الأمر وكأننا نشاهد عرضًا واقعيًا مكتوبًا، خاصة مع اقتراب النهاية، عندما نشعر أن الأبطال الثلاثة دخلوا في طريق اللاعودة، بعدما تسبب فيليكس في إصابة إيفان بغيبوبة طويلة، وقام بأداء الشخصيتين الرئيسيتن في الفيلم فتكسر " لولا" الجدار الرابع وتشير إلى أن الصراع لم ينتهي بعد، في إشارة إلي أن صراعات الحياة لا تنته، وربما يكون تمهيدا لجزء ثان من الفيلم.

 

الفجر الفني المصرية في

29.11.2021

 
 
 
 
 

«داوود عبد السيد بمناسبة مرور 30 عاماً على الكيت كات»:

كان عنوانه «عرايا في الزحام» لكن الرقابة غيرته

القاهرة ـ  «سينماتوغراف»

أعرب المخرج داوود عبد السيد، عن سعادته البالغة للاحتفاء بفيلم «الكيت كات»، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ43، مشيداً بالحضور الذي وصفهم بـ«الأجيال العظيمة والجميلة»، مع تواجد عدد من صناع الفيلم من بينهم، الفنان أحمد كمال، الموسيقار راجح داوود، مصمم الديكور أنسي أبو سيف، مدير التصوير محسن أحمد بينما غاب شريف منير، عايدة رياض، حسين القلا، وسيتم بعد حلقة النقاش عرض نسخة مرممة من فيلم «الكيت كات» بمناسبة مرور 30 سنة على العرض الأول له.

وكشف المخرج داوود عبد السيد، أسباب اختياره رواية «مالك الحزين»، للكاتب إبراهيم أصلان، بشأن تحويلها إلى فيلم سينمائي بعنوان «الكيت كات»، قائلاً: «مش عارف أنا اللي اخترت الرواية، ولا هي اللي اخترتني».

وأضاف أن رواية «الملك الحزين»، كانت أولى الروايات لإبراهيم أصلان، متابعاً: «لما قريت الرواية لاقيت نفسي بعيد قراءتها تاني.. وبعد ما خلصتها كان عندي معالجة سينمائية لها.. أنا معجب جدا بكتابات إبراهيم أصلان».

وتابع عبد السيد، «أنا لم ألتزم بجميع الشخصيات الموجودة بالرواية، ولم ألتزم بختام الرواية أيضاً، عندما خرجت انتفاضة الخبز في السبعينيات»، مضيفا أن: «الاقتباس لا يعني الالتزام بحرفية العمل الأدبي».

وأوضح أن عدم التزامه بالرواية، لا يُعني عدم تقديره للكاتب إبراهيم أصلان، موضحا أن «الأسد لما بياكل رجل الغزالة بياكلها كلها، وده اللي حصل معايا في الاقتباس من الرواية َالاقتباس مش معناه الالتزام بالعمل الأدبي، هو ازاي تهضمه وتطلعه، ومش معناه اني مش مقدر الرواية، أنا مقدر الرواية بشكل كبير».

ولفت إلى أن الكاتب الراحل إبراهيم أصلان، اطلع على النسخة الأولية من السيناريو، بينما لم يُبد اعتراضات إطلاقا، «اعتبرت رد فعله بمثابة موافقة على تحويل الرواية لفيلم».

وهاجم المخرج داود عبد السيد الرقابة على المصنفات الفنية، مشيرًا إلى أن الرقابة تعمدت تغير اسم فيلم الكيت كات، والذي يحمل اسم آخر.

وأضاف خلال الندوة، قائلاً: «رئيس الرقابة الحالي الدكتور خالد عبدالجليل يعلم جيدًا رأيى في النقابة سوء من قبل أو حاليًا، ولكن دائمًا يغفر لي حديثي عن النقابة». رغم أن اسم الرواية لا يحمل في معناه أي إغراء أو محتوى جنسي.

وأشار عبد السيد أن أفضل اسم للفيلم هو “عرايا في الزحام” بالفعل، وأضاف ساخراً: ربنا يخلي لنا الرقابة وتحافظ على أخلاقنا أكتر.

واسترسل: اسم “عرايا في الزحام” لم يقصد المعني الحادش للحياء الذي حجبته الرقابة بسببه، ولكان كان الغرض منه رصد ما يدور داخل الاحياء الشعبية، من معرفة تامة بأدق تفاصيل حياة بعضهم البعض، نتيجة لقرب المنارل من بعضها، وهو ما يؤدي إلى مزيد من التداخل في الحياة  ومنع الخصوصية، الأمر الذي يجعلهم عرايا فكرياً  أمام بعضهم البعض.

وأضاف: “لولا تدخل للرقابة حينها في ذلك الأمر لكان ظهر الأمر بالاسم المناسب له، ولكن لسوء تفكير الوقاية، والتي أصبحت أكثر سوءاً حالياً، لم يظهر الفيلم بشكله واسمه المناسب ”.

وأكد المخرج داود عبدالسيد أن الفيلم مأخوذ عن رواية للكاتب إبراهيم أصلان استلهم منها قصة الشيخ حسني بطل فيلم الكيت كات، والتي قدمها الراحل محمود عبدالعزيز.

وقال عبد السيد عن اختيار بطل الفيلم: «لما تعرفت على محمود عبد العزيز في فيلم الصعاليك، اكتشفت إنه ممثل شاطر جدا، وكان بيستعد لتصوير مسلسل رأفت الهجان، وبدأ يتخلى عن ظهوره كجان وطلع عنده كرش، وقتها لقيته في شخصية الشيخ حسني».

وأشار مخرج «الكيت كات» «إلى أن الفنان الراحل محمود عبد العزيز، بدأ في العمل على شخصية «الشيخ حسني»، في الفيلم، وذهب إلى جمعية النور والأمل الخاصة بالمكفوفين لإتقان جميع التفاصيل الخاصة بالشخصية التي قدمها خلال الفيلم، ومنهم شخصية شيخ كفيف.

وقال المخرج داوود عبد السيد، إن الشعب المصري والدولة جميعاً كانت مصابة بالعجز بعد عام 1976٧، وهو ما انعكس على شخصيات فيلم الكيت كات.

 وأوضح مخرج الكيت كات، أن شخصية الشيخ حسني كانت مثالاً على العجز المنتشر في شخصيات الفيلم ، لكنه كان رافضاً للاعتراف بذلك.

 وأكد المخرج داوود عبد السيد، أن الجيل الحالي الأفضل في صناعة السينما، لأنها تمتلك الكثير من الإمكانات بخلاف طموحهم الذي يؤهلهم لتقديم أفضل شيء لديهم، وارتباطهم بالعالم عن طريق التكنولوجيا.

جدير بالذكر، أن داوود عبد السيد مخرج ومؤلف مصري، بدأ العمل کمساعد مخرج ﻓﻲ بعض الأفلام أهمها “الأرض” لیوسف شاهین، صنع بعد ذلك 9 أفلام من أهم الأعمال ﻓﻲ تاریخ السینما المصریة، من بینها “أرض الخوف” و”قدرات غیر عادیة“.

 

####

 

بروفايل: «تيري فريمو» الذي يكرمه «القاهرة السينمائي الـ43»

القاهرة ـ «سينماتوغراف»

يُكرِّم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في دورته الـ43، الفرنسي تيري فريمو، المندوب العام لمهرجان “كانّ” السينمائي، والمدير العامّ لـ”معهد لوميير” في ليون. وهو تكريمٌ مستحَقٌّ لأحد أكثر الشخصيات تأثيراً في السينما العالمية اليوم. تيري فريمو  الذي يتنفّس ثقافة الفنّ السابع وتاريخه، ومسؤول معروفٌ بعلاقاته الواسعة في الوسط الفني، وقدرته غير العادية على العمل المتواصل، وضبط التفاصيل الصغيرة إلى حدّ الهوس، بحسب متعاونين معه، نتعرف على سيرته الذاتية في السطور التالية.

هو من مواليد عام 1960، ورث فريمو حبّ السينما من والده المهندس في “كهرباء فرنسا”، قبل أنْ يُخصّص بحث تخرّجه بموضوع بدايات المجلّة السينمائية الفرنسية “بوزيتيف”. لكنّ توظيفه أجيراً في “معهد لوميير” (الأخوان لوميير مؤسّسا السينماتوغراف، والاسم بالفرنسية يعني الضوء بالعربية) عام 1983، بعد تطوّعه فيه لفترة، قَطَع بحثه لنيل الشهادة المعمّقة في السينما. بعد ذلك، بدأ مسار تعلّم ميداني عن فنّ الاحتفاء بتاريخ السينما وصنّاعها، كمدير فنّي للمعهد، إلى جانب معلّمه برتران تافرنييه، مدير المعهد. معاً، نظّما احتفالاً بالذكرى المائة للسينما، عام 1995: “ذهبتُ إلى تافرنييه لمحاورته عن “سينفيليته”، وعلاقته الباكرة بـ”بوزيتيف” من أجل بحثي. عرضت عليه أنْ ألتحق بالمعهد كمتطوّع، فلم يتردّد في الترحيب بي. لم أغادر المعهد منذ ذلك اليوم، الذي صدف أيضاً أنْ شاهدتُ فيه “الخروج من معامل لوميير” للمرّة الأولى. باختصار، هناك أيّام فارقة في حياة كلّ امرئ. كان هذا حتماً أحدها، بالنسبة إليّ“.

يسهر تيري فريمو منذ أكثر من 10 أعوام على تنظيم “مهرجان لوميير”، المتمحور حول إرث السينما، والاحتفاء بأبرز صنّاعها عبر جائزة لوميير، التي تعاقب على استلامها كبارٌ في الإخراج والتمثيل، أمثال كلينت إيستوود وكاترين دونوف ومارتن سكورسيزي وجين كامبيون. يشغل الرجل أيضاً مهمّة رئاسة شركة “سينما لوميير”، التي تُدير 3 صالات فنّ وتجربة، ويترأس “جمعية الأخوين لوميير”، المسؤولة عن أرشيفهما. من دون تناسي اشتغاله الإخراجي، إذْ أنجز “لوميير، وتبدأ الحياة” (2016)، وثائقي  يرتكز على مونتاج 108 أفلام للأخوين مُخترعَي السينما، مع تعليق بديع يقرأه بصوته.

قبعات عدّة في حوزة رجلٍ لا يدّخر جهداً في المنافحة عن السينما وقضاياها، كلّما دعت الحاجة إلى ذلك. مثلٌ أول: في الفترة الحرجة، التي مرّت بها صناعة السينما، خصوصاً مُستغلّي الصالات، بسبب الإغلاق الاحترازي الذي تلى استفحال وباء كورونا، كتب رسالة مؤثّرة (28 ديسمبر 2020) احتفاءً بمرور 125 عاماً على تنظيم أول عرض سينمائي، جاء فيها: “تتعطّل صالات السينما للمرّة الأولى. ما لم تنجح في فعله الحروب العالمية، حقّقه وباءٌ كورونا. كنا نودّ من كتّاب الأعمدة أنْ يخطّوا، عوض مقالاتهم عن الموت المزعوم للسينما، وقفة تفكيرٍ رقيقة، أو بعض عبارات الاعتراف، وأنْ يُذكّروا بإسهام الفن السابع في الحضارة الإنسانية”. مثلٌ ثان: مساندته منتجي أقراص “دي في دي” بعد الإعلان عن الضرر الكبير الذي أصاب مبيعاتهم في فترة الحجر الصحي: “أنا مجنونٌ بعشق الـ دي في دي. أعتقد أنّ صنع مكتبة أقراص أفضل من تخزين الأفلام في حاملٍ غير مادي. ناشرو الأقراص يعبّرون عن ضرورة الحفاظ على الـ دي في دي، باعتباره شيئاً ثميناً. إنّهم على حقٍّ. لا أحد يجرؤ على المناداة بتعويض الكتاب الورقي بالألواح الإلكترونية، لكنّ الجميع يتبجّحون بمواكبة التطور التكنولوجي عندما يتعلّق الأمر بالسينما“.

تولّى فريمو، منذ عام 2007، مهمّة المندوب العامّ لأهمّ مهرجان سينمائي في العالم (مهرجان “كانّ”)، بعدما شغل مهمّة المسؤول عن البرمجة فيه منذ عام 2003، بطلبٍ من جيل جاكوب. ينسّق المندوب العام عملية انتقاء الأفلام، ويسهر على نجاحها، بإشرافه على البرمجة الرسمية، التي تمنح المهرجان هويته، مُحقّقةً المزاوجة بين دواعي التسويق والصيت الإعلامي، وبصم اختيار فنّي يُنبئ بنوع السينما التي يدعمها المنظّمون، ونوعية المواهب التي يُراهنون عليها. كما يرأس المندوب العام أشغال فريق المهرجان طيلة السنة، ويشرف على فريق التنظيم، المؤلّف من مئات المتعاونين، أثناء انعقاد المهرجان، ويحرص على توفير أفضل الظروف لاستقبال ضيوف المهرجان من مختلف الاختصاصات.

طبع تيري فريمو برمجة “كانّ” باختيارات قوية، أهمّها إعطاؤه مكانة أكبر لسينما التحريك وأفلام النوع، تكلّلت بحصول أفلام راديكالية، مُتجذّرة في النوع، على السعفة الذهبية في الأعوام الأخيرة، كـ”بارازيت” (2019) للكوري الجنوبي بونغ جون ـ هو، و”تيتان” (2021) للفرنسية جوليا دوكورنو. كما ساهم في منح الفيلم الوثائقي حيّزاً أهمّ في البرمجة والأضواء، بإنشاء جائزة “العين الذهبية”، بالتعاون مع جولي بيرتوتشيلي، عام 2015.

تشرّبه من منبع الاعتناء بإرث السينما في ليون أسعفه، عام 2004، في تدشين فقرة “كلاسيكيات كانّ”، التي أضحت موعداً لا يُتخلَّف عنه لمشاهدة أفلام خالدة من سجل السينما العالمية، في نسخٍ مرمّمة، ووثائقيات حديثة عن أفلام وشخصيات من تاريخ السينما.

وفياً لحسّ النقد الذاتي، لا يتردّد تيري فريمو عن الاعتراف بأبرز إخفاقاته، فيعضّ على شفتيه تحسّراً كلّما تذكّر كيف فرّط فريق الانتقاء بـ”تايك شيلتر” لجِف نيكولز، الذي أفلت من شِبَاك المسابقة الرسمية و”نظرة ما”، ليشارك في “أسبوع النقاد” ، ويُتوَّج بجائزته الكبرى، ويُصبح ـ بحسب كثيرين ـ أحد أفضل أفلام 2013. في لحظات انتشاء ومحطات خيبة وحزن، تَشكّل البرنامج اليومي للمشرف على مقاليد مهرجان عملاقٍ، اقتسم تفاصيلها في كتابه “مسابقة رسمية” (2017). مُؤلَّفٌ فريد، يجمع الملاحظات التي دوّنها في مذكّراته بين ختام دورة 2015 وختام دورة 2016: “أردتُ القول كيف تجري الأمور. أنْ أكتب عن وسطٍ مهني، مختلف ومشابه لأوساط أخرى، يُظهر التماسك فينةً، والانفلات والموهبة فينة أخرى. أردتُ أنْ أكون مخلصاً لكلمات روبيرتو روسّيليني: “أنا لستُ هنا لآخذ أو أصدر أحكاماً. أنا هنا لأعطي“.

وثيقة مهمّة، تكشف طريقة اشتغال مهرجان “كانّ” من الداخل. علاقة المندوب العام مع لجان التحكيم والنقّاد ووسائل الإعلام، إلى تفاصيل أخرى مثيرة عن علاقاته بمخرجين وفنانين، يحضرون المهرجان. على غرار هذا المقتطف الطريف عن لقائه الأول  بجوليا روبرتس”: رأيتُ جوليا، فقمْتُ بتحيّتها. حاولتُ التظاهر باللامبالاة، بينما أنا في قمّة الانتشاء من الداخل. عندما أمسكَتْ ذراعي لأقودها على الدرج، كنتُ على وشك أنْ أنزف من أنفي“.

بالإضافة إلى السينما، هناك الـ”جودو”. رافدٌ آخر غذّى حياة تييري فريمو وأسلوبه في العيش. مارسه منذ نعومة أظفاره، متنقّلاً بين قاعاته، حتّى أتقنه، وأضحى معلّماً لفنّ الاستعانة بقوّة الآخر، لطرحه على الأرض، بدل إيذائه. خصّص كتابه الثاني، “جودوكا” (2021)، لحكاية كيف ساهم الـ”جودو” في تشكيل قدره، حين مدّه بدروس ثمينة، ساعدته على شقّ طريقه، أهمّها التركيز الفائق، وتطوير قدرات الذات بتجريدها من كلّ الشوائب، والمثابرة في العمل، والإصرار على تحقيق الأهداف.

في الكتاب نفسه، يُحيّي الثقافة اليابانية، التي تركت تأثيراً كبيراً في نفسه، بتكريم جيغورو كانو، مبتكر الجودو، ومبدع أخلاقياته الرفيعة. من دون أنْ ينسى المرور على الأفلام اليابانية المهمّة، التي احتفت بالـ”جودو”، وأبرزها “أسطورة الجودو العظيم الجديدة” (1945) لأكيرا كوروساوا، الذي تُزيّن لقطة منه غلاف الكتاب.

في المزج بين الحزم اللّين للـ”جودو” والشغف السخي للسينما، يمكن رؤية المفتاح الأنسب لاكتشاف شخصية تييري فريمو. الحزم الشغوف دفعه إلى فتح أبواب “كانّ” أمام أفلام الاستديوهات الكبيرة الأميركية، مُصرّحاً بأنّه “يفضّل عملاً تجارياً جيداً على فيلمِ مؤلّفٍ سيّئ”. لكنّه كان من أوائل الداعين إلى عدم التّساهل مع عرض أفلام المنصّات في المهرجانات، منتقداً بشدّة منحها بطاقة بيضاء لعرض أفلامها بحرية في المهرجانات الكبرى، ومُتمسّكاً بشرط خروج الأفلام إلى الصالات، كي تُنْتَقَى في المسابقة الرسمية لـ”كانّ”، بعد التجربة المريرة التي خاضها مع نتفليكس في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو 2017)، عندما اختار فيلمين من إنتاجها، “حكايات مايروفيتز” للأميركي نواه بومباخ و”أوكجا” للكوري الجنوبي بونغ جون ـ هو. يومها، أخلفت المنصّة الأميركية وعدها بإطلاق الفيلمين في القاعات المظلمة، بعد مشاركتهما في المهرجان: “هناك حوارٌ مفتوحٌ وصريحٌ معهم، لكنّنا على خلاف. حسناً، إنّهم يمنحون الفرصة لمخرجي السينما حتى يشتغلوا. لكنْ، أعطوني اسم مخرج شابٍّ واحد اكتشفوه؟ مُهمّتنا نحن أنْ نساهم في بروز مواهب جديدة“.

إنّه الحزم الشغوف نفسه الذي دعاه إلى رفض تخصيص حصّة ثابتة لأفلام المخرجات في المسابقات الرسمية لـ”كانّ”، مهما كان مستواها الفنّي، تلبيةً لنداء منتمياتٍ إلى جمعيات نسوية: “لا يُكلّفن أنفسهنّ عناء الحضور حين نخصّص عرضاً للاحتفاء بباربارا لودين” كما قال، من دون أن يمنعه هذا عن التأكيد بأنّه يُرجّح دائماً اختيار الفيلم المنجز من امرأة، في حالة تكافؤ مستوى فيلمين مرشّحين للمسابقة.

الإنسان تحصيلٌ لاختياراته في الحياة، كما يُقال. لعلّ هذا القول يجد تجلّيه الأقصى في حياة تييري فريمو. رجلٌ نذر اختياراته كلّها لخدمة السينما وقضاياها، عبر الاحتفاء بماضيها في ليون، والاعتناء بحاضرها ومستقبلها في “كانّ“.

 

####

 

«كريم عبد العزيز في ندوة تكريمه»:

شخصية بطل «الفيل الأزرق» لم تغادرني و لو أخرجت أختار قضية التحرش

القاهرة ـ  «سينماتوغراف»

شهدت ندوة النجم كريم عبدالعزيز، التى أقيمت اليوم ضمن فعاليات اليوم الثالث من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ 43، حضورًا جماهيريًا وإعلامياً  وفنيًا كثيفًا بدار الأوبرا المصرية، وجاءت بعد منحه جائزة فاتن حمامة للتميز فى حفل افتتاح المهرجان، وذلك تقديراً لمسيرته الحافلة بالنجاحات والأعمال السينمائية البارزة فى مسيرته الفنية.

وقال محمد حفظي رئيس المهرجان في بداية الندوة إن تكريم الفنان كريم عبد العزيز من أهم فعاليات القاهرة السينمائي فهو فنان يملك المغامرة، مؤكدًا أنه كمنتج وسيناريست كان يتمنى التعاون مع كريم في أي عمل». وتم عرض فيلم مختصر لعدد من اللقطات المهمة من أفلام كريم عبدالعزيز.

أدار الندوة الناقد الفني طارق الشناوى، وحملت شعار “كاملة العدد” بعدما نفذت تذاكر حضورها بعد ساعات من طرحها، وعلق الشناوي الذى ألف كتاباً عنه تحت عنوان “واحد من الناس” أن كريم ممثل متعدد الوجوه، ولا يراهن سوي على الممثل بداخله ولديه قدرة كبيرة على أن يصدقه الجمهور في مختلف انماط التي يقدمها على الشاشة.

بدأ كريم حديثه معتذراً للحضور عن تأخيره، مؤكداً أن السبب هو الزحام الشديد، معبراً عن سعادته بتكريمه بجائزة تحمل اسم الفنانة فاتن حمامة ومن مهرجان عريق مثل القاهرة السينمائي، مشيراً إلى أن هذا أكبر تكريم حصل عليه، وقال خلال الحوار: “أعتبر أن تلك الأيام هي الأهم في حياتي وأتوجه بالشكر إلى محمد حفظي رئيس المهرجان على تلك الدعوة“.

وذكر أننا كجيل عكس الجيل الذي يسبقنا وعدم ظهورنا كثيراً وغيابنا عن الجمهور لفترات كانت غلطة نحاول تجاوزها حالياً.

وأضاف أن بداياته كانت مع «اضحك الصورة تطلع حلوة» وأن الله وفقه منذ بداياته للوقوف أمام النجم العظيم أحمد زكي، «كنت مدفي بالكبار في بداياتي الفنية“».، هكذا عبر، واسترسل إن الصعوبات التي واجهته في مسيرته الفنية هو إثبات الذات في البدايات وبناء الاسم في السوق والمحافظة عليه، فجيلنا واجه تغيرات كثيرة

وأشار إلى أن الجيل الحالي من الفنانين واجه صعوبات عديدة وتعددت الأنظمة السياسية وكذلك ثورات، لكن أنا نشأت في منزل المخرج محمد عبد العزيز وهو والدي وله دور هام في نجاحي.

وعلق قائلاً: «فيه ناس مش طايقاني بعد التكريم ونصيحتي للجيل الجديد أن يحب عمله فنحن لم نخترع السينما وورثناها من الجيل السابق». 

وأشار كريم، إلى أن حصر الفنان في أدوار معينة أمر طبيعي، إذ أن الفنان لا يستطيع أن يفرض نفسه على مخرج، موضحًا أنه اعتذر عن الكثير من الأعمال ليس لضعفها، وإنما كان يسعى لتقديم دور معين ليصبح نقلة في مشواره الفني

وصرح: “تعلمت من العديد من أساتذة الفن منهم عادل إمام، ومحمود عبدالعزيز، وأحمد زكي، ولابد أن يكون للإنسان هدف ويضع أمامه خبرات الجيل الذي سبقه”، موضحًا أن نصيحته للجيل الجديد هو الالتزام واحترام الصناعة واحترام العمل

وحكى كريم عبد العزيز كواليس موافقته على تقديم فيلم “الفيل الأزرق” وتحمسه للشخصية، قال، إن المخرج مروان حامد أرسل له رواية أحمد مراد قبل طباعتها، وقرأها وهي مكتوبة بالقلم الرصاص، أعجب بها كثيراً لكنه شعر بالخوف من خوض التجربة.

وتابع كريم حكايته، أنه اتصل بالمخرج مروان حامد وأخبره أنه سيقدم الفيلم، فقال له مروان حامد: “لا أنت مش هتعمل الفيلم أنا عارفك أحنا أصحاب من 25 سنة فلو مش هتعمله عندنا أفلام تانية فمتعطلنش” لكنه أصر على تقديمه.

وأضاف كريم عبد العزيز: “عجبتني الرواية وقلت أنا هعمله عليا وعلى أعدائي” مؤكداً أن الفيلم جعله أكثر جرأة وجعله يخرج من منطقة كان يخشى الخروح منها، وأشار كريم إلى أن نجم الفيلم الحقيقي هو الجمهور لأنه استقبل هذا الفيلم، ويصنف رعب، وهذا جعله يشعر أن هناك جمهور جديد يتقبل سينما مختلفة.

وتحدث كريم عن مدى تأثر الممثل نفسياً بالشخصيات التى يؤديها معبراً عن عدم تصديقه لذلك في البداية ” كنت أستخف بهذه الأقوال لكنني مع الوقت تأثرت نفسياً مثل الآخرين، فحتى الآن لم تغادرني شخصية يحيي راشد التى جسدتها في “الفيل الأزرق”.

وحول فكرة جمال الممثل كمقياس للنجاح، قال: لا أقيس الرجل بالجمال، ولا يقلقني فكرة السن انا ممكن امثل وانا بعرج، ففكرة الوسامة نعمة من الله لكن ابيع افلامي بأدائي وليس بوسامتي

وأوضح كريم عبد العزيز سبب ظهوره بشارب ثقيل حالياً، أن ذلك يرجع إلى الشخصية التي يقدمها في فيلم “كيرة الجن” “أحمد كيرة”، مشيراً إلى أن التصوير لا يزال مستمرا لذا عليه أن يحافظ على نفس الشكل.

درس كريم عبد العزيز الإخراج بمعهد السينما، رغم بدايته المبكرة كممثل منذ طفولته في أفلام منها” المشبوه” و”البعض يذهب للمأذون مرتين”، وقال عن ذلك: “إن حلمي بممارسة الإخراج لم يمت، لكننى لا أضع خطة ولا موعداً لتقديم أفلاماً من إخراجي، وربما لو فكرت في إخراج فيلم قصير سأختار قضية التحرش لأنها تدفعني إلى طرحها”، ونفي عبد العزيز أنه يتدخل في عمل المخرجين أو المؤلفين في أفلامه ” لا أتدخل في السيناريو ولا الإخراج لكننى أقول وجهة نظري في العمل، وعادة أقرأ السيناريو مرتين، الأولي لمعرفة طريقة حكيه ورؤية كاتبه، وفي الثانية أراجع الشخصيات بالفيلم، وليس لدي مانعاً في التعامل مع مخرجين أو كتاب جدد”.

وعن لحظات تكريمه في حفل افتتاح المهرجان، قال كريم عبد العزيز إنه تفاجأ بأن تقوم منى زكي بتقديم تكريمه، مضيفًا هي أكثر الفنانات التي جمعتنا أعمال سوياً فكانت فرحتي بها من القلب، وأشار كريم إلى أن ماجد الكدواني فنان حقيقي وصاحب صاحبه ووجوده بجانبي نعمة في حياتي فهو تركيبة كبيرة ومميزة.

 

موقع "سينماتوغراف" في

29.11.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004