ملفات خاصة

 
 

المهمة التى ننتظرها من الجونة

سيد محمود

الجونة السينمائي

الدورة الخامسة

   
 
 
 
 
 
 

أخطر ما فى المناقشات التى صاحبت أحدث دورات مهرجان الجونة السينمائى يتعلق من وجهة نظرى بتمدد الروح الرقابية وتناميها لدى شرائح وفئات لم تكن ضمن التصنيف التقليدى للقوى المحافظة دينيا واجتماعيا.

وأظهرت مواقع التواصل الاجتماعى كيف أن الهجوم على المهرجان توسع، وشمل فئات جديدة، بخلاف الفئات التى كان المهرجان يستفزها طبقيا، سواء بسبب ارتباطه بعائلة تمثل الرأسمالية المصرية بكل ما لها وما عليها أو بسبب حديث الفساتين وفيديوهات السهرات التى ينظمها رجال الأعمال، وبعض رعاة الحدث على هامش الفعاليات الفنية وعروض الأفلام.

وهذه الحفلات التى لا يحضرها أغلب ضيوف المهرجان تستفز الفئات المهمشة من غالبية الناس وتشغلهم فى نفس الوقت، حيث تصبح بين يوم وليلة هى المواد الأكثر مشاهدة لأنها تظهر الحياة الخاصة للنجوم وهى مادة جاذبة للإعلام فى العالم كله.

تحقق هذه المواد الهدف الترويجى المقصود من المهرجان لدى مصمم (البيزنس موديل) الخاص به، فهذه النوعية من ردود الأفعال كانت متوقعة ومعمولا حسابها قبل إطلاق المهرجان وتؤكد مدى النجاح الذى تحقق فى لفت الأنظار للجونة كبقعة ساحلية جاذبة، لكن ما جرى أبعد من ذلك؟

تنامت نبرة الاستفزاز والتحفظ وطالت بعض القوى التى كان من المتوقع أن تسعى للحفاظ على المهرجان ودعمه كمناسبة ثقافية وفنية كبيرة سواء لمشاهدة الأفلام أو دعم صانعيها وهذا هو الجانب غير المرئى فى غالبية المواد التى أظهرتها مواقع التواصل الاجتماعى أو شرائح صناع المحتوى.

وجاءت أزمة فيلم (ريش) فى المجال العام، لتكشف عن هذا الجانب بوضوح، فالمواد المعروضة حوله لم تظهر أى نقاش نقدى جدى يتعامل مع مضمون الفيلم، وتورط الكل فى الخناقة ولم يتم أبدا الاستماع لوجهة نظر صانعيه فى هدوء وهذه هى المهمة التى كان ينبغى على الإعلام أن يؤديها قبل اشتعال فتيل الأزمة.

تحول الفيلم إلى مرآة من مرايا الاستقطاب السياسى، فالخلاف حول الفيلم كان من الممكن أن يتحول إلى أداة لصالحه تغنى النقاش العام، لكنها كادت أن تتحول إلى وسيلة لذبح صانعه الشاب بدلا من تكريمه بعد النجاح العالمى الذى حققه، ولم يكن تسريب الفيلم إلا أداة لخلق رأى عام مضاد ووسيلة للضغط كذلك على المهرجان ولجان تحكيمه.

وهنا الأزمة الحقيقية من وجهة نظرى، فقد أظهر المهرجان خواء الإعلام المرئى والمسموع وفقر الصفحات الفنية وعجزها عن تقديم صورة أمينة لما جرى هناك، وهذه هى المسألة التى ينبغى أن نفكر فيها لأسباب أبعد بكثير من المهرجان الذى تحول إلى كيان كبير ينبغى الحفاظ عليه بدلا من التسابق على هدمه وينبغى كذلك التمسك بإدارته التى نجحت هذا النجاح الباهر فى تأكيد حضوره العام وتبقى أمامهم مسئولية تثقيفية أخرى.

يدين أبناء جيلى بتكوين ثقافتهم السينمائية ومعارفهم حولها لبرامج تلفزيونية مثل نادى السينما الذى كانت تقدمه درية شرف الدين وأوسكار لسناء منصور ولبرنامج (زووم) لسلمى الشماع وبفضل هذه البرامج التى اعتمدت على جهود معدين بحجم يوسف شرف رزق الله وأحمد صالح وعلى أبو شادى تعرفنا على آراء ورؤى سامى السلامونى وسمير فريد وخيرية البشلاوى وإيريس نظمى وغيرهم من القامات النقدية التى جذبتنا إلى هذا العالم وهيأت عقولنا لاستيعاب سحره.

وأظن أن من حق الأجيال الجديدة أن تنمى ذائقتها الفنية وتؤهل لتلقى السينما بشكل حر وحى متحرر من دوائر الاستقطاب وضغوطه.

ونعلم جميعا أن الإعلام فى حالته الراهنة ليس مستعدا لأداء هذه المهمة التى ينبغى أن تكون واحدة من مهام الدورة المقبلة للمهرجان.

وأقترح على إدارته من الآن التفكير فى إنتاج ٣ رسائل يومية تبث عبر قناته الخاصة على يوتيوب لعلها تظهر دوره الحقيقى أمام الراى العام وتظهر حيوية ما يجرى من النقاشات الجدية حول الأفلام عبر لقاءات مع صانعيها ونقادها وعندما تتحقق هذه المهمة سيكون المهرجان فاعلا رئيسيا فى حياتنا الثقافية وربما يجد الناس الإجابة عن السؤال الذى يسأله الجميع: دى الفساتين لكن فين الأفلام؟

 

الشروق المصرية في

26.10.2021

 
 
 
 
 

مهرجان الجونة والكتابة عن أفلام لن يشاهدها أحد

أنيس أفندي

في الثالث عشر من أكتوبر الجاري، وقبل يوم واحد من بدء فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الجونة السينمائي، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية اشتعال النيران في جانب من مركز الجونة للمؤتمرات والثقافة الذي أصبح منذ الدورة الرابعة المنصة الرئيسية للمهرجان والتي تشهد مراسم حفلي الافتتاح والختام إضافة إلى عدد من العروض والفعاليات الخاصة.

كشأنه كل عام، يتحول مهرجان الجونة السينمائي إلى مادة للتندر ومصنع للتريندات على مواقع السوشيال ميديا. لا يسأم الجمهور من ترديد نفس الآراء المثيرة للجدل والنكات اللاذعة والمهينة أحيانًا، بل إن الأمر وصل إلى تناقل العديد من المنشورات الشامتة في حريق مركز الجونة والتي أسف أصحابها لأن الحريق تقدم بضع ساعات عن موعد الافتتاح. وفي المقابل كان رد الأخوين ساويرس مثيرًا لمزيد من الاستقطاب إذ قال المهندس سميح ساويرس: «الكلاب تعوي والقافلة تسير»، وقال المهندس نجيب ساويرس: «موتوا بغيظكم» وهو ما دفع الكثيرين للمغالاة في انتقاد المهرجان واختزاله في مراسم السجادة الحمراء والفساتين المثيرة والحفلات الصاخبة.

وما بين الفريقين عكف البعض على تذكير الجمهور الغاضب بأهمية المهرجان الفنية بما يضم برنامجه من أفلام عالمية ومحلية هامة، وفعاليات يقوم عليها عدد من أهم صناع السينما حول العالم. غير أن هذا الحديث -المكرر أيضًا كل عام- لم يشفع لدى جمهور مواقع التواصل الاجتماعي الذين زادت حدة انتقادهم للمهرجان ومرتاديه.

لم يكد يمر اليوم الثاني من المهرجان حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتريند جديد على خلفية تصريحات الممثل شريف منير عن الفيلم المصري الفائز بجائزة أسبوع النقاد بمهرجان كان الفرنسي، «ريش»، واتهامه بالإساءة إلى سمعة مصر. وبعد أقل من 48 ساعة تم تسريب الفيلم ليصبح بمتناول الجمهور الذي انقلب أغلبه من الدفاع عن الفيلم ضد هذه التهمة الهزلية، إلى الهجوم عليه لأنه «قبيح» أو «غير مفهوم» أو «غير واقعي».

في وسط كل هذه الأجواء المشحونة، يقع النقاد -وأنا منهم- في حيرة شديدة من أمرهم. فكيف لنا أن نتعامل بجدية مع كل هذا العبث المجاني؟ كيف نقنع الجمهور أن مهرجان الجونة على قدر من الأهمية لصناعة السينما؟ وكيف نقنعه أن هناك ما هو أعمق وأكثر جدية من فساتين السجادة الحمراء وأجوائها المثيرة للجدل والتي تمثل الشاغل الأكبر لكل وسائل الإعلام؟ وأخيرًا والأهم: كيف نكتب عن أفلام لن يتسنى للجمهور مشاهدتها؟

شريك الغرفة الموهوب

أسعدني الحظ هذا العام أن يشاركني غرفة الفندق الصديق العزيز والناقد الجميل أحمد عزت عامر. إنني أزعم أن الجيل الحالي من النقاد يمثل نقلة نوعية كبيرة في هذا المجال الذي ظل مهجورًا لسنوات بعد رحيل أغلب رموز الجيل الأكبر والمؤسس للنقد السينمائي في مصر أمثال سمير فريد، ويوسف شريف رزق الله، وسامي السلاموني، وعلي أبو شادي وغيرهم. يأتي أحمد عزت في طليعة هذا الجيل الجديد بما له من اطلاع واسع على أغلب ألوان الفن السابع، وثقافة سينمائية لا تضاهى، ورؤية نافذة لمواطن الجمال في السينما الحديثة، وأخيرًا أسلوب عذب في الكتابة يجمع بين جمال البيان ورصانة الطرح.

قبل ساعات قليلة من بدء حفل الافتتاح، ذهبنا -عزت وأنا- لاستلام بطاقات المهرجان السحرية التي تكفل لنا حضور أربعة من عروض وفعاليات المهرجان بشكل يومي. وهناك صادفنا عددًا من الأصدقاء النقاد ممن حضروا لاستلام بطاقاتهم، دار بيننا حديث قصير عن برنامج العروض وتطبيق الهاتف المحمول الذي يمكننا من حجز التذاكر ويكفينا عناء التزاحم على الشباك. وضع كل منا خطته لملاحقة الأيام الثمانية القادمة للاستزادة بكل جديد وجميل أنتجته السينما العالمية هذا العام، لا سيما وأن أغلب هذه الأفلام لن يكون باستطاعتنا مشاهدتها في قاعة للسينما كما قدر لها أن تشاهَد.

في اليوم الأول للعروض شاهدنا الفيلم الفنلندي «الرجل الأعمى الذي لم يرغب بمشاهدة تيتانيك The Blind Man Who Did Not Want to See Titanic». كما يبدو من عنوان الفيلم فإن بطله الذي يعاني من إعاقة بصرية، لم يرغب أبدًا في مشاهدة فيلم «تيتانيك» الشهير، وفي الفيلم نفسه نعرف أن البطل الذي يعاني أيضًا من إعاقة حركية تلزمه كرسيًا متحركًا، قرر أن يخوض مغامرة خطرة بالسفر إلى مدينة أخرى لزيارة حبيبته التي تلقت لتوها أخبارًا غير سارة.

يقدم المخرج تيمو نيكي الفيلم من منظور بطله الأعمى، فلا نكاد نتبين من الشاشة إلا ياكو (الرجل الأعمى)، فيما تغيب باقي التفاصيل من حوله خارج تركيز العدسة، وهو ما يمنح المشاهد تجربة فريدة من نوعها ويجعله أكثر قربًا من الشخصية الرئيسية وأكثر قدرة على اختبار معاناتها مع الإعاقة المزدوجة.

خرجنا من الفيلم مبهورين بتجربة سينمائية مختلفة، وأقررنا أنه بالتأكيد أحد أفضل أفلام العام، وتوقعنا أن يكون له نصيب من جوائز الجونة. وقد صدق توقعنا إذ فاز الفيلم بجائزة نجمة الجونة الذهبية لأفضل فيلم روائي طويل، كما فاز بطله الممثل الفنلندي بيتري بويكولاينن بجائزة أفضل ممثل، وقد ذُهلنا لدى علمنا بأن الممثل نفسه يعاني من تلك الإعاقة المزدوجة في الحقيقة.

في اليوم الثاني كنا على موعد مع فيلم رائع آخر هو الفيلم الروسي «هروب الرقيب فولكونوجوف Captain Volkonogov Escaped» الذي تدور أحداثه في الاتحاد السوفييتي قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، ويتمحور حول شخصية فيدور فولكونوجوف المطارد من قبل السلطات لتمرده وهروبه بعد أن طواه شعور عميق بالذنب إزاء كل الأبرياء الذين قام بتعذيبهم قبل أن يحكم عليهم بالإعدام لأسباب تافهة. ينطلق فولكونوجوف في رحلة للبحث عن عوائل هؤلاء الأبرياء ليطلب منهم الغفران في محاولة أخيرة بائسة للتطهر، قبل أن يدرك في النهاية أنه ليس أهلاً للمغفرة، وأن الجنة لن تكون أبدًا مكانه.

تجربة بصرية مدهشة وأداء تمثيلي رائع من بطل الفيلم الممثل يوري بوريسوف الذي سيكون لنا معه موعد آخر في اليوم التالي وفيلمه «مقصورة رقم 6 – Compartment Number 6» الذي يشارك كذلك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الجونة السينمائي.

في اليوم الثالث ذهبنا للاستماع إلى محاضرة المخرج الأمريكي الشهير دارين أرنوفسكي صاحب علامات سينمائية مميزة مثل Requiem for a Dream (2000) وBlack Swan (2010) والذي رشح عنه لجائزة الأوسكار أفضل مخرج. كان من المقرر أن تقام محاضرة أرنوفسكي بقاعة أوديماكس بجامعة برلين، ولكن نظرًا للإقبال الكبير قرر المهرجان نقل المحاضرة إلى مركز الجونة للمؤتمرات والثقافة (بلازا المهرجان) والتي تتسع لعدد أكبر. تحدث أرنوفسكي عن رؤيته للعملية الإبداعية في صناعة السينما واستمع إلى تعليقات وأسئلة الحضور التي جاء أغلبها عن فيلمه الغامض Mother! (2017).

خرجنا من محاضرة أرنوفسكي وذهبنا لمشاهدة فيلم «مقصورة رقم 6» لمخرج فنلندي آخر هو يوهو كوشمانين والمقتبس عن رواية بالاسم نفسه للكاتبة الفنلندية روزا ليكسوم. تدور أحداث الفيلم داخل قطار تستقله بطلة الفيلم لورا، وهي فتاة فنلندية تذهب في رحلة إلى مدينة مورمانسك لمشاهدة نقوش أثرية بإحدى المناطق الثلجية النائية. أثناء رحلتها تتعرف لورا على رجل روسي يشاركها مقصورة القطار ورحلتها الطويلة إلى مورمانسك. مرة أخرى نلتقي بالممثل الروسي الموهوب يوري بوريسوف في شخصية مغايرة تمامًا عن تلك التي لعبها في «هروب الرقيب فولكونوجوف»، ومرة أخرى يدهشنا بأدائه المتقن والهادئ لشخصية صاخبة ومتمردة.

تجربة شاعرية أخرى خرجنا منها بانفعالات ومشاعر متنوعة غلب عليها الاستمتاع والرغبة الشديدة في الاشتباك مع هذه الحالة الإبداعية الجميلة بمحاولات موازية للخلق والإبداع، وبالأحرى محاولات مترددة للكتابة.

سيدي الرئيس.. ماذا أقول؟

مع كل فيلم جديد نخرج من قاعة السينما متلهفين لاستعادة أحداثه في مناقشات لا تتوقف مع عدد من الأصدقاء والنقاد من بينهم علياء طلعت وآية طنطاوي وفاطمة راجح، وأندرو محسن، ثم نعود إلى فندقنا -أحمد عزت وأنا- لمواصلة الحديث والانتقال من السينما إلى الموسيقى والاستماع إلى أم كلثوم ومحمد رشدي وكارم محمود، ثم نأوي إلى النوم على أمل في الكتابة بالغد. ويأتي الغد وتأتي معه المزيد من العروض، وتتراجع الرغبة في الكتابة أو القدرة عليها في ظل هذه الأجواء المشحونة، إذ كانت تصريحات شريف منير الغاضبة قد أعلنت بدء الهجوم على فيلم «ريش».

في ظهيرة اليوم التالي ذهبنا لمشاهدة العرض الثاني والأخير لفيلم «ريش»، في قاعة ممتلئة عن آخرها عجت بالضحك أثناء الفيلم، والتصقيف بعد انتهائه. أعجبنا الفيلم كثيرًا، وقررت أنا الكتابة عنه بينما فضل عزت تأجيل الكتابة.

شاهدنا فيلمًا آخر لم نتوقف عنده كثيرًا هو الكوستاريكي «كلارا سولا Clara Sola» ثم عدنا لتناول الغداء قبل الخروج مرة أخرى لمشاهدة فيلم ثالث. بعد الغداء بدأت الكتابة عن فيلم «ريش»، ثم توقفت بعد 700 كلمة، فقلت لعزت ساخرًا ومرددًا مقولة عادل إمام في فيلم «الأفوكاتو»: «سيدي الرئيس.. ماذا أقول؟»، والتي تحولت فيما بعد لنكتة ضمنية تعبيرًا عن عدم القدرة على الكتابة.

في مساء ذلك اليوم كنا على موعد مع أحد أجمل أفلام العام قادمًا هذه المرة من الشرق الأقصى وهو الفيلم الصيني «ثانية واحدة One Second». يدور الفيلم حول رجل يهرب من أحد السجون لملاحقة شريط سينمائي تظهر فيه ابنته، التي أجبر على الابتعاد عنها، في الجريدة السينمائية التي تسبق الفيلم وتضم عددًا من الأخبار المحلية. خلال رحلته يلتقي بمراهقة يتيمة تعول أخاها الصغير تسعى لسرقة شريط الفيلم. مغامرة مثيرة تطوقها الحميمية عبر علاقة أبوية رمزية تنشأ بين السجين الهارب والفتاة اليتيمة، وتحية رقيقة للسينما وسحرها الذي خلب عقول الجماهير في أحد أقسى الفترات من تاريخ الصين.

في صباح اليوم التالي استعدت شهية الكتابة وأتممت مقالي الذي عنونته «فيلم ريش بين البحث عن الفن والبحث مع الشرطة»، ثم انطلقنا لمشاهدة فيلم مصري آخر هو فيلم «أميرة» للمخرج محمد دياب والذي تدور أحداثه بالكامل في فلسطين المحتلة حول أحد السجناء الفلسطينيين الذي يقوم بتهريب نطفة منوية إلى زوجته التي لم يكتب له أن يعاشرها، لتكتشف الأسرة مفاجأة ستزلزل كيانها. خرجنا من الفيلم بمشاعر متضاربة غلب عليها الإحباط، فعلى ما يبدو أن الحسابات السياسية التي يفرضها موضوع الفيلم الشائك قد أضرت به وأحدثت الكثير من الفجوات الدرامية التي لم تشفع للأداء التمثيلي المتميز من صبا مبارك وعلي سليمان.

في المساء شاهدنا الفيلم النرويجي «أسوأ شخص في العالم The Worst Person in the World» الذي رشح للسعفة الذهبية بمهرجان كان الفرنسي هذا العام، وفازت بطلته الممثلة النرويجية ريناته رينسفي بجائزة أفضل ممثلة من المهرجان ذاته.

بعد الفيلم بدا أن الجميع في حالة نشوة شديدة سيما أحمد عزت الذي تحمس كثيرًا للكتابة عنه، أما أنا فخرجت بالكثير من التحفظات ولكني قررت تأجيل مناقشتها لحين انتهاء عزت من كتابة مقاله. لقد وجدت الفيلم مترنحًا بين نوع الفيلم الرومانسي وبين الفيلم المتمحور حول الشخصية، وفي النهاية فشل في الوفاء بأي منهما إذ قدم قصة رومانسية شديدة التقليدية وفي الوقت نفسه لم يتمكن من إحكام رسم شخصيته الرئيسية وصراعاتها الداخلية والخارجية، وانتقل من موضوع لآخر في شبه عشوائية لا يربطها رابط. وإن كنت رغم ذلك أقر بتجربة الفيلم الجذابة بصريًا، والأداء الرائع من بطلته، وبعض مواطن الكوميديا الطازجة.

فيلمان آخران وخاتمة

في مساء اليوم قبل الأخير كانت لنا تجربة محبطة مع الفيلم الفرنسي «واقعة Happening» والذي للمفارقة فاز بجائزة الأسد الذهبي (الجائزة الكبرى) من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. يدور الفيلم في فرنسا في الستينيات في زمن كان فيه الإجهاض جريمة يعاقب عليها القانون، ويتتبع الفيلم معاناة طالبة جامعية ومحاولاتها لإجهاض جنينها سرًا حتى لا تتعرض للمساءلة القانونية. تستعيض المخرجة الفرنسية من أصل لبناني، أودري ديوان، عن أزمة البطلة ذات الأبعاد الاجتماعية والثقافية والسياسية بتصوير -أو قل المبالغة في تصوير- محاولاتها القاسية للإجهاض، في مشاهد طويلة أتت على قسط كبير من زمن الفيلم.

أما ختام المهرجان فقد كان مسكًا خالصًا إذ شاهدنا أحدث أفلام المخرج الأمريكي الشهير ويس أندرسون، «ديسباتش الفرنسية The French Dispatch»، وبوصفه مخرجي المفضل فإنني أزعم أن هذا الفيلم هو أفضل أعماله حتى الآن.

يواصل أندرسون تقديم أسلوبه السردي والبصري المميز للغاية والذي أضحى نوعًا فيلميًا مستقلاً بذاته كما يذهب عدد من النقاد والمتخصصين، إذ يخلق عوالمه المميزة بأبعاد سيميترية وخطوط مستقيمة وألوان ناطقة. يدور الفيلم في مدينة إينوي الفرنسية الخيالية حول مجموعة من المحررين الصحفيين بإحدى المجلات الأمريكية الصادرة من فرنسا، ويترجم قصصهم الصحفية سينمائيًا. يضم الفيلم عددًا كبيرًا من نجوم السينما العالميين، وينتقل بسلاسة بين قصصه المختلفة، وبتعبيرية بين الأبيض والأسود والألوان، على خلفية موسيقى تصويرية جميلة للفرنسي ألكسندر ديسبليه في وجبة سينمائية دسمة سأفرغ لها مقالاً خاصًا في وقت لاحق.

على مدار الأيام الثلاثة الماضية منذ اختتام فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الجونة السينمائي، ترددت كثيرًا بشأن كتابة هذا المقال. من ناحية شعرت بضرورة وأهمية الكتابة بغرض التوثيق، ومن ناحية أخرى توقفت أمام عبثية المشهد وموقعنا منه نحن النقاد.

بعد تسريب فيلم «ريش» عاد إلى السطح مرة أخرى مصطلح قديم هو «فيلم مهرجانات» في إشارة إلى الأفلام الفنية التي لا يُقبل عليها سوى الجمهور النخبوي، وهو مصطلح آخر لا يقل غموضًا والتباسًا ولا يمكن بأي حال أن نصف به جمهور مهرجان الجونة على قلته، كما أن عددًا كبيرًا من الفنانين المصريين قد تنصلوا منه بانتقادهم لفيلم ريش «المعقد» و«غير المفهوم» و«البطيء». وإذا كنا نحن معشر النقاد قد عدمنا التواصل مع الغالبية العظمى من الجمهور خارج الجونة، ولا سبيل لنا في التواصل مع أهل هذا الفن «غير النخبويين»، فلمن إذن نكتب؟

ولكني في النهاية عكفت على الكتابة، عسى أن يتسنى لشريحة أوسع من الجمهور مشاهدة هذه الأفلام أو بعض منها ضمن فعاليات بانوراما الفيلم الأوروبي التي تقيمها سينما زاوية، أو أن يجد بعض منهم سبيلاً إلكترونيًا إليها بعد حين. وإلى أن يأتي ذلك الحين أقول: «سيدي الرئيس.. ماذا أقول؟»

 

موقع "إضاءات" في

26.10.2021

 
 
 
 
 

سبايا” داعش ورحلة البحث عن الخلاص

هيثم مفيد

في ليلة حالكة بشمال شرق سوريا، يقود رجلان سيارة دفع رباعي متهالكة إلى داخل الهول، وهو مخيم يضم لاجئين من عائلات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، في محاولة جريئة يغلفها الخوف والأمل من أجل العثور على فتاة أيزيدية كانت قد اختطفت قبل سنوات بعد مقتل أسرتها أمام عينيها، واحتجزت كـ “سبية” أو خادمة جنسية، لا تملك من أمرها إلا أن تلبي أوامر مالكيها. وبعد مهمة إنقاذ مرعبة تغادر الفتاة رفقة الرجلين خارج أسوار هذا السجن، وهم يحاولون تفادي مطاردات السيارات والرصاص.

قد يبدو للوهلة الأولى أن المشهد من أحد أفلام الحركة الهوليوودية، لكنه واقع مؤلم تعيشه آلاف السبايا الأيزيديات اللاتي يحلمن بقليل من هواء الحرية بعيدًا عن قبضة الأسر؛ رحلة حاول المخرج السويدي ذو الأصول الكردية هوجير هيروري توثيقها في شريطه التسجيلي “سبايا”، بعد خمس سنوات من قيام داعش بقتل ألاف الأيزيديين، الأقلية الكردية، بعد السيطرة على محافظة سنجار في العراق، وخطف ما يزيد عن 7 ألاف فتاة.

سبايا” هو الفصل الأخير ضمن ثلاثية قدمها هيروري عن مآسي الحرب والانتهاكات القاسية للأيزيديين. بدأت في 2016، بفيلم “الفتاة التي أنقذت حياتي” وثق خلاله أزمة أكثر من مليون أيزيدي فروا من جحيم داعش؛ وبعدها بعام واحد قدم “مفكك الألغام” وهو تصوير مأساوي لخبير كردي فكك آلاف القنابل والألغام المزروعة على جوانب الطرق.

في فيلمه المتوج بجائزة الإخراج من مهرجان صندانس السينمائي وجائزة نجمة الجونة البرونزية في النسخة الخامسة لمهرجان الجونة السينمائي، لم يقم هيروري بسرد الأحداث من خلال المقابلات أو الاستعانة بمشاهد تمثيلية معدة مسبقاً، لكنه اختار توثيق قصته لحظة حدوثها الأن وهنا، فأضفت عليها شيء من العفوية والتلقائية للممارسات اليومية للشخصيات؛ فالمخرج لا يريد أن يؤطر أي من شخصياته تحت مسمى البطل، فمحمود وزياد، متطوعي مركز البيت الأيزيدي، ليسا الوحيدين المنخرطين في عمليات الإنقاذ، ولكن أيضا تواجه النساء المتسللات إلى المخيم – بعضهن محتجزات سابقات – أكبر المخاطر.

دعم أسلوبية هيروري طريقة تصويره للفيلم باستخدام الكاميرا المحمولة والتي لعبت دور المتلصص طوال الأحداث، سواء خلال عمليات التحري واقتحام المخيم التي قادها محمود وزياد للعثور على الفتيات المختطفات، أو إخفائها خلف نقاب ارتداه خصيصا للدخول خلف صفوف المتسللات اللاتي يدخلن بحثاً عن الفتيات أو جمع المعلومات عنهن، وهو ما أسفر عن مشاهد مرعبة، صادمة، ظهرت في بداية الفيلم ونهايته، تصور هول الحياة داخل مخيم الهول.

بعد عدة رحلات أخرى من هذا القبيل، وربما المئات بعد توقف الكاميرات عن التسجيل، ينقلنا هيروري إلى فصل آخر هام يخفف من وطأة المأساة على المشاهدين، وهو رحلة تعافي الفتيات تمهيداً لعودتهن إلى الحياة الأسرية الطبيعية. هنا نلتقي بعائلة محمود ووالدته سهام وزوجته زهراء، التي نراها تتذمر باستمرار بسبب انهماك زوجها في العمل، ولكنهما لا يدخران أي جهد ليس لتوفير السلامة الجسدية لهؤلاء الفتيات وحسب، وإنما لتمهيد الطريق نحو عملية الشفاء النفسي؛ هذا المناخ ساعد الفتيات لمشاركة تجاربهن المؤلمة براحة وصدق.

إن ما نحاول التقاطه في هذا الفصل ليست تلك النغمة الميلودرامية المصاحبة لقصص الفتيات لدر عطف المشاهدين، وهو ما حاول هيروري الابتعاد عنه بصورة كبيرة، وإنما تصوير تلك الندوب النفسية التي ستظل تلازم هؤلاء الفتيات طيلة حياتهن. فوسط مجموعة من المحادثات اتخذت طابع الحوارات الثنائية، نغوص داخل العوالم النفسية المحطمة للفتيات اللائي يتساءلن عن قيمتهن ومستقبلهن، يستغربن كيف من المفترض أن يجلب الإله الخير ومع ذلك يسمح بحدوث ذلك الدمار. تقول احداهن: “أنا اكره هذا العالم، كل شيء أسود”، وتتحدث أخرى بشكل مأساوي عن كيفية بيعها لـ 15 رجلاً مختلفاً ذاقت مع كل منهم كافة أشكال العنف الجسدي والجنسي، أو الفتاة التي ترفض عائلتها ومجتمعها قبول ابنها كونه نتاج علاقة مع داعشي، ما يولد لديها شعوراً بالاغتراب والحسرة في آن واحد. فلا تجد الكثيرات منهن بديلاً عن الانتحار حتى بعد إطلاق سراحهن.

وعلى الرغم من سوداوية الصورة وكآبتها، يُبقي هيروري على تلك النغمة المفعمة بالأمل، ذلك السلاح الوحيد الذي يمتلكه محمود ورفاقه في إنقاذ المزيد، وتمتلكه الفتيات أيضا لجمع شتات من تبقى من أرواحهن، وهو ما تم تصويره في مشهد بديع تقوم فيهم الأم سهام بإحراق ملابس السبايا السابقة في فناء المنزل، كفعل يرمز إلى عملية الولادة من جديد.

سبايا” قصة قلما نراها تقدم بهذا الطرح الجرئ والمخيف سواء على مستوى السيناريو أو التصوير؛ هوجير هيروري يورطنا في أحداثها بصورة مباشرة ليذكرنا بأن مخلفات الحروب ليست بضعة مبانٍ متهدمة، ولكن قلوب مجروحة وأرواح منكسرة تتألم بصمت رغبة في الخلاص.

 

موقع "عين على السينما" في

26.10.2021

 
 
 
 
 

بطلا «كباتن الزعتري» يحلمان باحتراف كرة القدم والتمثيل

القاهرة: انتصار دردير

داخل مخيم «الزعتري» للاجئين السوريين في الأردن، تبدو الحياة ضيقة، لكن الأحلام كبيرة والآمال معلقة تنتظر انفراجة تعيد اللاجئين إلى سابق حياتهم، لكن الحياة تستمر، ويمارس الشابان فوزي قطيش ومحمود داغر - الفاران وأسرتاهما من قصف درعا منذ عام 2012 - هوايتهما في لعبة كرة القدم التي يجدان فيها متنفساً في ظل انقطاع الدراسة في المخيم، تظهر مهاراتهما ويتفوقان بشكل ملحوظ، ما يلفت نظر المخرج المصري علي العربي خلال تردده كمراسل حربي على المخيم، يقرر أن يدعم حلمهما ويساندهما وينقل حكايتهما للعالم عبر فيلمه «كباتن الزعتري» الذي فاز بجائزة أفضل فيلم عربي وثائقي طويل بمهرجان الجونة السينمائي في دورته الأخيرة، وكان قد عرض للمرة الأولى في مهرجان صندانس خلال دورته الافتراضية الماضية، وحظي باهتمام كبير، وأشادت به مجلة «فارايتي» الأميركية، كما شارك في أكثر من 70 مهرجاناً دولياً، وتوج مؤخراً بجائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان «هوت سبرينغز» المؤهل لتصفيات الأوسكار.

يتتبع الفيلم رحلة الشابين على مدى سبع سنوات منذ كان عمرهما 17 عاماً، تتسلل الكاميرا إلى تفاصيل عديدة تكشف كثيراً من المعاناة والإحباطات في حياة اللاجئين، ترى أفقهما خلال تدريباتهما الرياضية، والمباريات التي تجري في المخيم، وخلال رحلتهما إلى دولة قطر عام 2017، أثناء مشاركتهما في البطولة العربية للناشئين ضمن فريق «أحلام سوريا»، ما بين المباراة والمخيم، يرصد المخرج الفرحة في عيون أفراد أسرتيهما، حيث يجتمعون لمشاهدة المباراة، وكيف حقّق الشابان نجاحاً وتحدياً لكل الظروف الصعبة التي يعيشانها.

وفي حفل ختام مهرجان الجونة السينمائي، وقف الشابان محمود وفوزي على المسرح يعبران عن فرحتهما بالنجاح الذي حققه الفيلم.

عن ظروف تصوير الفيلم يقول فوزي لـ«الشرق الأوسط»: «حينما جاء المخرج علي العربي إلى المخيم، لم يبدأ بالتصوير وإنما تحدث معنا وشاركنا لعب الكرة، والتقط صوراً لنا، واقترب منا حتى صرنا أصدقاء، من ثم بدأ التصوير. للأمانة لم نشعر بوجوده، وكان يقصد ذلك، فقد وضع الكاميرا بعيداً، مؤكداً لنا: «عيشوا حياتكم بشكل عادي، تحدثوا كما يحلو لكم، اطرحوا كل أفكاركم، انسوا تماماً أن هناك كاميرا تصوركم، فقد أراد أن نبدو على طبيعتنا». أما محمود فيقول: «هناك مصورون كثيرون يترددون على المخيم، ومن الصعب أن يمنح اللاجئ الثقة لأي شخص، لكن جمعتنا 8 أعوام مع المخرج، منها سبعة أعوام في التصوير وعام خلال المونتاج، كان يأتي إلينا كل سنة ويبقى معنا عدة أشهر، وقد وعدنا منذ البداية أن هذا الفيلم سيشاهده كل العالم، ووفى بوعده بالفعل، فهناك من سمعوا عن المخيم لأول مرة من خلال الفيلم». لم يلفت الفيلم الأنظار إلى مهاراتهما في كرة القدم فقط، بل لفت أيضاً إلى موهبتهما في الأداء أمام الكاميرا، الأمر الذي جعل البعض يتوقع احترافهما التمثيل، يؤكد فوزي: «احتراف كرة القدم هو حلمنا الأول، ونتمنى أن نجمع بينه وبين التمثيل، لكننا في الحقيقة لم نكن نمثل في أي مشهد بالفيلم، بل كنا نعبر بشكل واقعي عن حياتنا وأحلامنا، وكان المخرج يقف بعيداً ليصور كل شيء حتى مشاجراتنا كلها كانت مواقف طبيعية».

وعن رد فعلهما بعد مشاهدة الفيلم، يقول فوزي: «حينما شاهدنا الفيلم اندهشنا من كل هذه المشاهد، خاصة أن بعضها مرّ عليه سبع سنوات، كنا صغاراً، لكن سعادتنا كبيرة أن تطرح أزمتنا من خلال هذا الفيلم الذي لم يعرض في المخيم بعد، فقد كان كل سكان المخيم يعلمون أن فيلماً يصور، لكن حتى أنا ومحمود لم نكن نعلم ما سيكون عليه الفيلم، ولم نستوعب الأمر إلا بعدما شاهدناه»، ويستكمل محمود: «فكرة خروجنا من المخيم، وأن يشاهدنا الناس في كل الدول التي عرض بها الفيلم ويدركون أزمتنا، فهذا شعور لا يوصف وخطوة كبيرة كنا نحلم بها».

في أحد مشاهد الفيلم تحدث محمود وفوزي عن أن كل ما يحتاج إليه اللاجئ فرصة وليس شفقة، نتمنى أن تتاح لنا فرصة الاحتراف بالخارج، لقد كنا نعيش في بيوتنا قبل الحرب، من يشاهدنا يستغرب كيف تمضي حياتنا كل هذه السنوات، فلا توجد خصوصية في المخيم، لذلك نتمنى أن نغادره وهذا شعور كل اللاجئين أيضاً. ويسرد الفيلم كذلك عودة الشابين إلى المخيم بعد رحلة قطر، حيث يواصلان تدريباتهما وتدريب أجيال جديدة من الأطفال السوريين الموهوبين، وحسبما يؤكد فوزي: نواصل تدريباتنا بالمخيم، وندرب أجيالاً جديدة، لكن مفوضية شؤون اللاجئين لا تسمح بالخروج لنا، والسفر يتم عن طريق الشريط الحدودي، ولا بد من معرفة مسبقة بتفاصيل الرحلة وتوقيت العودة، ونتمنى أن نحترف في أي دولة وأن نكمل تعليمنا، فالمخيم يضم مواهب كثيرة من رسامين ومغنين وموسيقيين ولاعبي كرة قدم.

 

####

 

منيه عقل لـ«الشرق الأوسط»: لا أريد أن أكون الضوء الوحيد في حياة والديّ

فيلم المخرجة اللبنانية «كوستا برافا» يحصد جائزة «الجونة الخضراء»

بيروت: فيفيان حداد

«طفولتي الجميلة، وأبي المحب، هما ما دفعاني إلى الشغف بالسينما». هكذا تشرح المخرجة اللبنانية منيه عقل أسباب دخولها عالم السينما، حيث تعطي الطفولة دوراً بارزاً في فيلمها «كوستا برافا».

الفيلم سبق وشارك في عدة مهرجانات عالمية، وحصد مؤخراً جائزة «الجونة الخضراء» في «مهرجان الجونة السينمائي». كما حاز على جائزة أفضل عمل أول من قبل الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين (فيبرسي).

وعما يعني لها هذا النجاح في الجونة تقول لـ«الشرق الأوسط»: «أهم ما حققته من هذه الجائزة ومن مشاركتي في المهرجان، هو رؤية الفرح يلمع في عيون الطفلتين التوأم اللتين شاركتا في الفيلم. فمرافقتهما لي إلى مصر كانت رحلة سفرهما الأولى، حيث شعرتا بالفخر وكانتا سعيدتين إلى أبعد الحدود. كما أنهما استطاعتا من خلال مشاهدتهما الفيلم معي، فهم واستيعاب ما قدمتاه من عمل رائع. فالفرصة لم تسنح لهما من قبل لمشاهدته كاملاً. خلال تصويرنا الفيلم كانتا بمثابة جرعة أمل لكل الفريق. فالجميع كان حزيناً وموجوعاً عندما قررنا استكمال تصوير العمل، بعيد انفجار بيروت، إلّا أنّ وجودهما زودنا بأشياء كثيرة اعتقدنا أننا خسرناها إلى الأبد، وأهمها الإقبال على الحياة».

وهل انفجار بيروت حاضر في الفيلم؟ «يبدأ الفيلم بمشهد التقطناه على المرفأ أثناء نقل تمثال منه إلى الجبل. الفكرة لم تكن، في البدء، ترتكز على أخذ لقطة للمرفأ وهو مدمر، إذ لم يكن قد حصل الانفجار بعد. ولكن جاء سياق الفيلم وعودتنا إلى التصوير بعد هذا التاريخ المشؤوم ليفرض علي ذلك. وقلت في نفسي إنّه من الأفضل ألا أكذب، وأن أظهر الواقع على حقيقته. فهذه مأساة لا يمكن تجاوزها».

تؤكد منيه أنّ نجاح الفيلم في «الجونة» السينمائي، فتح له أبواباً كثيرة، خصوصاً أنّ أمامه مشواراً طويلاً. فهو يشارك قريباً في عدة مهرجانات سينمائية من بينها مهرجان «أجيال» في قطر و«سيفيللا» في إسبانيا. وشارك في أخرى بلوس أنجليس وفيلادلفيا وفرنسا ولندن. «ولكن تبقى تمنياتي المهمة والكبرى أن يُعرض في لبنان، وأطمح أن يكون ذلك في السنة المقبلة».

يحكي الفيلم عن الفساد وتلوث البيئة. وهو من بطولة نادين لبكي وصالح بكري. يلعبان فيه دور زوجين يقرران ترك التلوث السام لمدينتهما بيروت، على أمل بناء حياة مثالية لهما في منزل بالجبل. لكن أحلامهما تتحطم عندما يُبنى مكب نفايات بجوارهما، ما يؤدّي إلى مواجهة القمامة والفساد اللذين كانا يأملان في تركهما وراءهما.

تعبر منيه عقل في الفيلم، عن كل ما يخالجها من أحاسيس حملتها معها من طفولتها. فتبرز أهمية دفء العائلة في نمو الأولاد بصورة صحيحة، ومدى تأثرهم بالأب والأم، وبالدور الكبير الذي يلعبانه في رسم شخصيات أطفالهما من دون أن يدريا. كما تخصص مساحة من فيلمها لألعاب طفولية تقليدية، يتشارك فيها كل أفراد العائلة. «بالفعل أنا متأثرة بهذه الألعاب لأنّ والديّ كانا يتشاركاها معنا بشكل دائم. كان والدي يردد على مسامعنا بأنها كانت ملاذه ليحمينا من ألعاب الكبار على الأرض، حيث يأخذنا إلى عالم آخر حقيقي يشبهنا بعفويته». وهل شخصية وليد في الفيلم تشبه شخصية والدك؟ «نعم ولا. والدي هو صديقي المفضل والأقرب. زودني بالقدرة على التخيل والمقاومة والدفاع عن نفسي. شخصية وليد (بطل الفيلم) لا تمثل والدي، ولكن كمية الحب الذي تبادله إياه ريم الصغيرة استوحيتها من علاقتي معه».

شاركت منيه عقل في تظاهرات «طلعت ريحتكم» في عام 2015، احتجاجاً على تكدس النفايات في شوارع بيروت، وإقفال مكب الناعمة، وانبعاث الروائح النتنة من مكب «كوستا برافا» في منطقة الأوزاعي. «كانت الأوضاع في لبنان لا تُحتمل، ومشكلات النفايات تفوق الطبيعة، كأنه كتب علينا العيش مع الوجع والألم. شعرت بأنّ فساد رجال السياسة خطف منا حياتنا الكريمة. وفي مكان آخر، أحسست بأنّ لبنان كسر قلبي. فأنا أعشقه وهو كل شيء بالنسبة لي، أفتخر به لأنّه بمثابة عائلتي الحقيقية، ولا أستطيع تركه أو الابتعاد عنه لوقت طويل. قررت أن أصور هذا الفيلم لأنقل مشاعر لبنانيين كثر يتألمون، وبينهم والداي، فهما يقاومان أيضاً، على طريقتهما. هناك جزء كبير مني في كل شخصية من شخصيات الفيلم، وألم أهلي».

تتابع عقل: «ولدت في عام 1989. كنت لا أزال في رحم أمي والحرب دائرة في الخارج، هذا يعني أني عشتها بشكل وبآخر. وعندما حصل انفجار بيروت لمست هذا عن قرب. ليس من المنطقي بعد مرور 40 عاماً على الحرب اللبنانية أن يعيش والداي تجربة قاسية كهذه مرة جديدة. يكفيهما ما عاشاه من قبل، وكان من الأفضل لهما اليوم أن يستمتعا بحياتهما، ويأخذا جرعة من الراحة».

وعن ردود فعل والديها بعد أن حصد فيلمها هذه الجوائز، تقول: «يعدانه بمثابة شعاع أمل، كانا يحتاجانها في هذه الأوقات العصيبة. فهو أعاد البسمة إلى ثغرهما. ولكني في المقابل لا أرغب في أن أكون الضوء الوحيد الذي ينير حياتهما. كنت أتمنى أن يكون بلدي بخير وأن يمنحهما هذا الضوء. فهما من أعطياني القوة والشجاعة لأكمل طريقي بعزم وصلابة، ويستحقان كما جميع اللبنانيين وطناً يكرمهما، ويؤمن لهما أبسط حقوقهما الإنسانية؟».

لامست عقل مشاعر الإنسانية وأهمية العائلة في حياة الناس، وهو ما حرّك لدى مشاهديها من عرب وأجانب أحاسيس يفتقدونها في زمننا الحالي. فهل قصدت الإضاءة على هذا الموضوع؟ ترد: «الجائحة لفتت نظرنا إلى أهمية الوقت الذي يجب أن نعطيه للأشخاص الذين نحبهم. وعرفنا أنّنا كنا نضيع وقتنا بأمور تافهة. شخصياً أحب لمّة العائلة، حتى فريق عملي أعده عائلتي الثانية. الجميل في الفيلم ونحن نجول به من بلد إلى آخر، رؤيتنا قدرته على ملامسة الناس. في لندن أسرّت لي إحدى النساء أنّه فتح عينيها على أهمية دور الأم. وقالت لي إحداهن إنّ الفتاة الصغيرة ريم تشبهها كثيراً، وغالبية الناس أحبتها لأنّها كانت بمثابة المحرك الفعلي للم شمل العائلة. وبالوقت نفسه استوعب كثيرون أنّ تلاقي العائلة ليس بالضروري أن يحدث في بيت واحد. فالعائلة عندما تفترق كما تروي قصة الفيلم، نلاحظ أنّها تبقى مساندة لبعضها. وأنا أيضاً والداي مطلقان، وعلى الرغم من ذلك، بقيت أُسس العائلة حاضرة بقوة بيننا جميعاً».

تخبرنا عقل عن كيفية اختيارها لأبطال فيلمها «كوستا برافا»: «صلاح بكري كتبتُ الدور من أجله. سبق وتعرفت إليه منذ سنوات قليلة، ورأيته مناسباً جداً. أما نادين لبكي فأجرينا معاً جلسات طويلة وعديدة نبحث في شخصية ثريا التي ستلعبها في الفيلم. أحبتها كثيراً، خصوصاً أنّها شخصية جديدة لم يسبق أن قدمتها من قبل. فهي تتناول المرأة والأم بصورة مغايرة، وبكثير من العفوية».

وتتابع عقل: «بحثت كثيراً عن فتاة تلعب دور ريم الصغيرة، وبالصدفة شاهدت فيديو قصيراً لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أعجبتني وطلبت من قسم الإنتاج (جنجر برودكشن) العثور عليها. تبين أنّها لها شقيقة توأم. عندما تعرفت إليهما (سيانا وجيانا رستم) لمست الفرق بين شخصيتيهما، وقررت إشراكهما معاً في الفيلم. أما ناديا شربل (ابنة الممثلة كارين رزق الله) فلم أكن أعرفها من قبل، ولكن وصلني عنها أصداء جيدة. إنّه الفيلم الأول لها، فقد سبق وشاركت في مسلسلات تلفزيونية. اجتمعت بها وطرحت عليها بعض الأسئلة من دون إجراء أي تجارب تمثيلية. بعد مرور 15 دقيقة على اجتماعنا معاً، استنتجت أنّها الشخص المناسب للدور (تؤدي دور الابنة الكبرى للعائلة)».

وتختم عقل بأنّها تطمح أن يصل لبنان إلى شاطئ الأمان: «أتمنى أن يأخذ اللبنانيون استراحة طويلة من المشاكل التي تحيط بهم، فيتخلصون منها بشكل دائم، ويتحررون من أوجاعهم. همي الأول والأخير اليوم يرتبط باللبنانيين المتألمين، ومن بعدهم يأتي اهتمامي بمهنتي وبالسينما».

 

الشرق الأوسط في

26.10.2021

 
 
 
 
 

عقب أنباء عن استبعاده..طارق الشناوي :

انتشال التميمي مستمر في منصبه مديراً لمهرجان الجونة

كتب: سعيد خالدفاطمة محمد

أكد الناقد طارق الشناوي استمرار انتشال التميمي في منصبه كمديرا لمهرجان الجونة السينمائي الدولي بدورته السادسة، وأن كل ما تردد عن استبعاده وتغيير الإدارة عاري تماما من الصحة.
واضاف «الشناوي» على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: «سيواصل انتشال قيادته الفنية لمهرجان الجونة في دورته السادسة وغير صحيح تماما ما تردد عن الاستعانة ببيتر سكارليت لإدارة المهرجان العام المقبل، ومن المنتظر أن يصدر خلال ساعات بيان بهذا المعني من قبل إدارة المهرجان».
وكانت أنباء قد ترددت بقوة عن وجود خلافات جسيمة داخل إدارة مهرجان الجونة السينمائي، وهو ما نتج عنه العديد من السلبيات التي تم رصدها للمرة الأولى طوال عمر المهرجان، منها ما هو فني وآخر تنظيمي، ونتاج لتلك التخبطات تقدم أمير رمسيس المدير الفني للمهرجان باستقالته رسميا لإدارة المهرجان معلنا عدم استمراره في منصبه وكان ذلك قبل ختام فعاليات الدورة الخامسة ب 48 ساعة.

 

المصري اليوم في

26.10.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004