ملفات خاصة

 
 
 

"العائلة" بحسب توريتو:

مُطارداتٌ وإيراداتٌ تفوق الخيال

نديم جرجوره

كان السينمائي الدولي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

أيامٌ قليلة تفصل بين إعلان تييري فريمو عن اختيار مهرجان "كانّ" السينمائي فيلماً ينتمي إلى الـ"بلوكباستر (Blockbuster)، من دون ذكر اسمه، وكشف الاسم. مفاجأة أم لا؟ هذا غير مهمّ. التوقّعات تفشل في تحديد الفيلم المختار: Dune لدوني فيلنوف، أو "لا وقت للموت" (حلقة جديدة من سلسلة "جيمس بوند) لكاري جوجي فوكوناغا، أو "قصّة الحيّ الغربي"، اقتباسٌ جديد، بتوقيع ستيفن سبيلبيرغ، للكوميديا الموسيقية الأشهر ذات العنوان نفسه (1957)، لمبتكريها ليونارد برنشتاين وستيفن سوندهايم وآرثر لورنتس، المستوحاة بدورها من "روميو وجولييت" (1597) لويليام شكسبير (الأفلام الـ3 المذكورة مُنتجة كلّها عام 2021).

المندوب العام للمهرجان، الذي تُقام دورته الـ74 واقعياً بين 6 و17 يوليو/ تموز 2021، يُريد إثارة قلقٍ وانتظار، قبل "إفشاء السرّ". الدورة الجديدة مُنتظرة منذ العام الفائت. أفلام كثيرة مُختارة تصنع حماسة مهتمّين وترقّبهم، بسبب كلامٍ عنها، وتعليقات نقدية عليها. "الفيلم ذو الإنتاج الضخم" (إحدى ترجمات Blockbuster) مطلبٌ جماهيري لمهرجانٍ، عائدٍ إلى واجهة المشهد السينمائي الدولي بعد غياب عامٍ كامل، بسبب تفشّي وباء كورونا. الفيلم جزءٌ تاسعٌ من سلسلة "سريع وغاضب (Fast And Furious)" لجاستن لين، مع فِنْ ديزل وميشيل رودريغز، وجون سينا، الذي يؤدّي دور الشقيق غير المعروف سابقاً لدومينيك "دوم" توريتو (ديزل).

"فيلمٌ كوكبيّ"

في 3 يونيو/ حزيران 2021، يُعقد المؤتمر الصحافي السنوي لإدارة المهرجان، للإعلان عن أبرز تفاصيل الدورة الجديدة: "إنّه "بلوكباستر" كوكبيّ، سيُرضي روّلد المهرجان جميعهم"، يقول فريمو حينها، من دون ذكر اسم الفيلم. بعد 4 أيامٍ فقط (7 يونيو/ تموز)، تنشر إلسا كاسْلاسي، في "فارايتي"، مقالةً تذكر فيها أنّ "سريع وغاضب 9" الفيلم المقصود. غايل غولن، رئيس تحرير المجلة السينمائية الفرنسية "بروميير"، يشير إلى أنّ 14 يوليو/ تموز 2021 سيكون موعد إطلاق العروض التجارية للفيلم في الصالات الفرنسية، بعد وقتٍ قليلٍ على عرضه في "سينما دو لا بلاج"، على شاطئ الـ"كروازيت". هذه "هدية رائعة من "يونيفرسال فرنسا"، بمناسبة عودة المهرجان"، كما في تعليق على الـ"تويتر" الخاص بـ"كانّ" (8 يونيو/ حزيران 2021).

في افتتاحيته الخاصّة بالعدد الأخير (يوليو/ تموز ـ أغسطس/ آب 2021)، يُحلِّل غولن تعبير فريمو: "يجب القول إنّ السلسلة الصغيرة هذه متمكّنة من ترسيخ نفسها تدريجياً كأضخم إنجاز تشويقي في السينما". يُقارن بين حلقاتٍ من السلسلة بأفلام منتمية إلى الإنتاج الضخم أيضاً: قبل أشهرٍ مديدة على تحقيق "الرجل الحديدي (Iron Man)" لجون فارفو (2008)، "تلعب" الحلقة الرابعة من السلسلة (Tokyo Drift)، لجاستن لين (2006)، على مفهوم "الكون المشترك"، مُبتكرةً تلك "اللقطة الختامية المُدهشة". قبل عامٍ واحدٍ على إنجاز "المُستهلَكون (ترجمة حرفية للمفردة الإنكليزية The Expendables)، لسيلفستر ستالون (2010)، "يتسلّى" الجزء الرابع من السلسلة (2009، لين نفسه) "بجمع نجوم الأمس واليوم على ملصقه". برأي غولن، "تُغلِّف سلسلة "سريع وغاضب"، في أفلامها، التطوّرات كلّها لوسائل الترفيه الحديثة"، مُرجِّحاً، في الوقت نفسه، أنْ يكون قول فريمو (Un Blockbuster Planetaire) نابعٌ من هذا، مُضيفاً، في نهاية مقالته، ما يلي: "من دون شكّ، لهذه الأسباب، تُجمِع أفلام السلسلة إيرادات شعبية كبيرة" (يستخدم تعبير "تسونامي" حرفياً)، ويختم كاتباً: "في الأحوال كلّها، لهذا السبب، يُخصَّص غلاف العدد الصيفيّ بالحلقة الـ9".

الغلاف المذكور ينشر صورة لديزل واقفاً بين رودريغز (إلى يمينه) وجوردانا بروستر، التي تؤدّي دور ميا، شقيقة دوم. أما العنوان، فيعكس جوهر السلسلة وركيزتها الأساسية: "عائلة من ذهب". العائلة، هنا، تعني العلاقات الإنسانية المتينة التي يصنعها دوم مع كلّ من يُدخله إلى عالمه، بينما الـ"ذهب" يُشير إلى الإيرادات الضخمة، المُحقَّقة بين عامي 2001 (الحلقة الأولى، روب كُوِن) و2021 (الحلقة 9، لين أيضاً): 5 مليارات و891 مليوناً و45 ألفاً و797 دولاراً أميركياً، في مقابل مليار و269 مليوناً ميزانية إنتاج، بينها 200 مليون ميزانية الحلقة الأخيرة، التي تبلغ إيراداتها الدولية 500 مليوناً و537 ألفاً و250 دولاراً أميركياً، بين 25 يونيو/ حزيران و5 يوليو/ تموز 2021، بحسب "موجو"، الموقع الإلكتروني المتخصّص بالإيرادات، علماً أنّ العروض مستمرّة.

العائلة

في كلّ حلقة من حلقات "سريع وغاضب"، يتفوّه دوم توريتو باسم العائلة وفضائلها، ويمارس متطلباتها مع رفاقٍ يُشاركونه المخاطر من أجل عدالةٍ ما، تتفوّق عليها العائلة دائماً، أهميةً وانجذاباً. هذا غير حاصلٍ في كواليس المشروع. النزاع قائمٌ بين ديزل ودْوَاين "الصخرة" جونسن أولاً، ثم بينه وبين جايزون ستاتم، الذي "سيُهمَّش" في السلسلة، كما جونسن. في المقابل، هناك لقاءات دائمة بين ديزل وعددٍ من الممثلين والممثلات، والعاملين والعاملات في الفرق التقنية. لقاءات متعلّقة بمناسبات عائلية واحتفالات مختلفة، وأحياناً تحصل اللقاءات من دون سبب.

الحلقة الـ7 (2015) لجيمس وان (أعلى إيرادات دولية بين أفلام السلسلة، بتحقيقها ملياراً و516 مليوناً و45 ألفاً و911 دولاراً أميركياً، في مقابل ميزانية إنتاج تبلغ 250 مليون دولار أميركي)، خاصة بوداع بول واكر، الذي يتعرّض لحادث سير يودي بحياته (30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013) عن 40 عاماً. حلقة مؤثّرة، يُغنّي فيها ويز خليفة وتشارلي بوث أغنية See You Again، تكريماً لواكر.

"هذه الفكرة (العائلة) ركيزة أساسية للسلسلة، منذ الحلقة الأولى. نعمل كلّ شيءٍ كي نحافظ عليها في الأفلام كلّها، بصرف النظر عن الشكل الذي تتّخذه عائلة "سريع وغاضب" هذه"، يقول نيل آيتش موريتز، "المنتج التاريخي" للسلسلة، في حوار مع غايل غولن ("بروميير"، العدد نفسه). يُضيف: "اليوم، جميع الذين يعملون في السلسلة يشعرون، حقيقةً، بالانتماء إلى خلية، واسعة جداً بالتأكيد، لكنّها موحّدة للغاية". يُشير إلى أنّ المقصود بهؤلاء هم الممثلون المغادرون، مؤكّداً أنّه على تواصلٍ معهم لمعرفة أخبارهم، أو لتهنئتهم بأفلامٍ جديدة لهم. يُفسِّر حضور مفهوم العائلة منذ البداية، بقوله إنّ جميع أعضاء فريق دومينيك توريتو "هامشيّون"، وإنّهم "سيعثرون، في سياق الحكاية، على أشقاء وشقيقات، بل على أبٍ أيضاً، في العصابة. براين أوكونور (واكر) غير مُدركٍ هذا، عند ظهوره للمرّة الأولى. لكنّه، هو أيضاً، يبحث عن عائلة، وإنْ يحضر في العصابة كمحقِّق متخفٍّ في أعمالها. سيكتشف تحديداً ما ينقصه: هذه الأخوّة غير الحاصل عليها، سابقاً، أبداً".

جزء أساسيّ من الحوار يُركّز على العائلة. يردّ موريتز على سؤال سبب الإصرار على النقطة الواردة أعلاه، بالقول إنّ "الجميع يتحدّثون عن هذا الموضوع. الجماعات كلّها في القارات كلّها". يُضيف: "كلّ واحدٍ منّا، إنْ شئنا أو لا، يريد الانتماء إلى "عائلة". هذه الأفلام تُظهر جيداً إلى أي حدٍّ نحن محتاجون إلى انتماءٍ كهذا، كما تُظهر لماذا البعض منّا يريد عائلة".

غير أنّ وقائع عدّة تُشير إلى نقيض ما يقول به موريتز، الذي يُصدر ـ قبل أشهرٍ قليلة ـ بياناً يؤكّد فيه أنّ "سريع وغاضب" يتحدّث عن العائلة: "وكما يحدث أحياناً، فإنّ الحاصل بيننا شجار عائلي صغير". هناك، أولاً، "المعركة" الناشبة بين فن ديزل ودْواين جونسن، صاحبي العضلات المفتولة، إذْ يخشى الأول أنْ يُصبح الثاني ظلاًّ له، ما أدّى به إلى نبذه وتجاهله في الأفلام. عام 2018، يتقدّم موريتز بدعوى قضائية بسبب غياب اسمه عن "جينيريك" فيلمٍ منبثق من السلسلة، لكنّه غير مُعتَبرِ إحدى حلقاتها: "سريع وغاضب يُقدِّم: هوبس وشاو" (2019) لديفيد ليتش. يريد أنْ يُذكر اسمه بصفته "المنتج الرئيسي".

يتردّد في أوساط إعلامية وصحافية أنّ موريتز، مع كلّ حلقة من حلقات السلسلة، يُفاوض مُجدّداً على عقوده. "هوبس وشاو" سيكون الضربة الأكبر، فتُصرفه "يونيفرسال" من السلسلة، والنزاع يُحلّ سلمياً، بعد دفع مبلغ ضخم.

عدوٌ أم شقيق؟

الحلقة الـ9 من السلسلة، المعروضة "خارج المسابقة" في الدورة الحالية لمهرجان "كانّ"، تروي صداماً ينشأ فجأة بين توريتو وعدوٍّ جديد، غير متوقّع البتّة، يُدعى جايكوب (جون سينا)، سيُكشَف لاحقاً عن "هويته الحقيقية": إنّه الشقيق الأصغر لدوم، الذي يعيش حياةً هانئة ومُسالمة مع حبيبته وزوجته ليتيسيا (ليتي) أورتيز توريتو (ميشيل رودريغز) وابنه الصغير براين (اسم بول واكر، المحقِّق الذي يخترق "عائلة" توريتو للإيقاع بها، قبل أنْ يُصبح فرداً أساسياً فيها، وصديقاً حميماً لدوم، وزوج شقيقته ميا)، بعد إنقاذه من سيفر (تشارليز ثيرون) في الحلقة الـ8 (2017)، لأف. غاري غراي.

إنْ يكن جون سينا، أحد أبرز نجوم المصارعة الحرّة، تماماً كـ"الصخرة" جونسن، وستايتم أيضاً حاضرون في السلسلة، فإنّ نجوماً آخرين يحضرون فيها، لهم في السينما أفلامٌ تمزج بين التشويق والمغامرة والاختبارات الإنسانية والنفسية والاجتماعية، وبعضها منتمٍ إلى الخيال العلمي، أمثال تشارليز ثيرون وهلن ميرن وإيفا مانديز وكيرت راسل وغال غادوت ولوكاس بلايك وغيرهم. الأساسيون هم، إلى ديزل ورودريغز وبروستر: تايريس غيبسن ولودا كريس وناتالي إيمانويل. هؤلاء يلتقون، مجدّداً، مع راسل وثيرون وميرن في الحلقة الـ9.

سلسلة مليئة بالمغامرات والمخاطر، ولقطات عدّة تشهد أحداثاً يستحيل أنْ تحصل واقعياً، وبلدانٌ متفرّقة تجري فيها مطاردات جوية وبرّية، ومعارك بين أصحاب عضلات مفتولة ومحترفي فنون قتالية، وكثيرٌ من الحبّ، في عائلةٍ أو بين عاشِقينسلسلة راسخةٌ في أذهان متابعين لها يصعب حصر عددهم، رغم أنّ شبّاك التذاكر يُلمّح إلى "أنّه كبيرٌ جداً". عدو يُصبح حليفاً، ومحقّق يلتزم القانون ثم يتحوّل إلى شريكٍ لربّ الأسرة، دومينيك توريتو، في مطارداتٍ تبقى خارج القانون، وعميل استخباراتي يُدعى "السيّد شخص" (كيرت راسل) يجد في الـ"عائلة" أداة لإلقاء القبض على مطلوبين دوليين لـ"العدالة الأميركية".

تُرى، ما الجديد في الحلقة الجديدة؟

 

العربي الجديد اللندنية في

09.07.2021

 
 
 
 
 

فرنسوا أوزون عرض جديده في كانّ: على هذه الأرض ما (لا) يستحق الحياة

المصدر: النهار - هوفيك حبشيان

منذ سنوات وفرنسوا أوزون يُخرج تقريباً فيلماً كل عام. مرةً يخيب، ومرةً يصيب. جديده، "كل شيء كان جيداً"، المعروض في مسابقة مهرجان كانّ السينمائي الرابع والسبعين (٦-١٧ الجاري) جوهرة خالصة. فيلم يُضحكنا ويُبكينا. لكنّ أهميته في أنّنا نبكي متى يجب أن نضحك، ونضحك متى يجب أن نبكي، ولا نشعر بالذنب. وأحياناً، يدهمنا الشعوران معاً!

الفيلم مقتبس من كتاب لإيمانويل برنهايم (شريكة سيرج توبيانا، المدير السابق للسينماتيك الفرنسية). هذه قصّة برنهايم مع والدها وثّقتها في رواية. إنّها حكاية عجوز ثمانيني يريد التخلّص من حياة مثقلة سئمها. لم يعد يريدها جملة وتفصيلاً. متعبٌ، ويعاني أمراضاً مزمنة جعلته طريح فراش المستشفى. هو ليس رجلاً عادياً، بل صناعي يهودي كبير وجامع أعمال فنية. رصيده كبير مع الكآبة. منفصل عن زوجته التي لا يطيقها بسبب أهلها. هي الأخرى مريضة. لكن هذا ليس موضوع الفيلم.

المهم: لهذا الرجل ابنتان. إحداهما هي صوفي مارسو، حنونة وملتزمة، تمضي أيامها في المستشفى حيث يرقد والدها؛ هذا الرجل الذي لا يُطاق، صاحب الكاراكتير الصعب، نموذج للشيخ الفرنسي المتذمّر. سيحدث الكثير في الفيلم: بلقطات قصيرة ومكثّفة، سيروي أوزون لنا، في أجواء تذكّرنا أحياناً بـ"حبّ" هانيكه، حكاية عن الحياة والحب والموت.

الرجل عنيد، متشبّث برأيه. يفرّق جيداً بين العيش والبقاء على قيد الحياة. وهو الآن باقٍ فقط، أما العيش فغير مسموح له في ظروفه الصحية التي ألّمت به. لذلك يطلب من ابنته أن تُنهيه. لا أن تقتله، بل أن توفّر له ظروف الرحيل بكرامته، منعاً لعذابات الجسد التي ما عادت تُحتمل. هذا الأمر سيوجِد صراعاً كبيراً عند الابنة. هي تحبّ والدها رغم إدراكها بأنه كان والداً غير صالح.

صحيح أنّ الفيلم عن الوالد، لكنه أيضاً عن الابنة. طلبُ الأب من ابنته مرافقته إلى محطته الأخيرة، يثير لديها أسئلة وجودية فتعيد التفكير في علاقتها به. ما كان يقيناً يصبح شكّاً، ومن هنا يولد الفيلم. رغم أنها تعترف بتمنّيها موته مراراً في طفولتها، فلا يُخفى على أحد أنّ هذا شيء وذاك شيءٌ آخر. خلال عملية البحث عن وسيلة للإتاحة للوالد الانطفاء بسلام (لا حلّ سوى سويسرا)، ستواجه الابنة - ومعها أختها بدرجة أقل - العديد من المساءلات القانونية.

أما أوزون، فبلؤمه وسخريته سينظر إلى هذا العالم المتهاوي بلا أحكام، لا بل بنظرة المستمتع الرقيق. ينظر إلى الرجل (الذي يترك في شأنه العديد من الثغرات) بالكثير من العاطفة والحشمة والتفهم. لا يبالي البتة بأي حقيقة ثابتة، منتهية الصلاحية. بالنسبة إليه، هناك حقيقة واحدة، حقيقة الشخص نفسه، التي تتكوّن من ظروف عيشه ورغباته. لا حقائق جاهزة تهبط من فوق. في يد أي شخص آخر، أمكن هذه الميلودراما الأسرية الوقوع في فخ الكاريكاتور، إلا أنّ أوزون يتقن صنعته ويعرف كيف يلتقط المناطق الرمادية عند الشخصيات، فهو قدير في تصوير كل شيء وأي شيء.

هناك لحظة سينمائية كبيرة في الفيلم، عندما تُحقق الابنة رغبة والدها في أن يتناول العشاء لمرة أخيرة في مطعمه المفضّل: نراه يأكل بشراهة، مستمتعاً بكل لقمة يضعها في فمه. مع ذلك، لن تساعده المتعة في التمسّك بالحياة. فالعذاب هو القاعدة عنده، أما المتعة فهي الاستثناء. في مشهد آخر، يتفاجأ بطلنا المُحتضر بكلفة أن يموت الإنسان بكرامته في أحد مراكز برن السويسرية (١٠ آلاف أورو)، فيسأل ماذا يفعل الفقير إذا وُضع في حالة مماثلة لحالته. تردّ عليه ابنته: ينتظر الموت! ردٌ يقول ما نلحظه منذ البداية: استحالة إنجاز مثل هذا الفيلم في بيئة غير ميسورة، لضرورة أن ترتبط الشخصيات بروابط حب وكراهية ومال وعلاقة قوّة.

تبقى الإشادة بأداء أندره دوسولييه. الممثّل الكبير يذوب في الدور لدرجة التحوّل الشكلي الكامل. ليت لجنة التحكيم تلتفت لعبقريته في تحويل رجل لدينا كل الأسباب لكرهه إلى شخصية نذرف عليها الدمع.

…وليوس كاراكس خذلنا!

خذلنا ليوس كاراكس بشدة في افتتاح مهرجان كانّ مع "أنيت" (مسابقة). أخرج من تحت قبعته شيئاً فاتراً، عملاً ضائعاً في متاهات مخيلته، لا يثير الحماسة التي أثارتها أفلامه السابقة، هو الذي كنا نتوقع منه عملاً ينسف فيه السينما التقليدية، بعد تسع سنوات من "هولي موترز”.

الحكاية بسيطة ومعقّدة في آن واحد. بسيطة في مستواها الأول، ومعقّدة لأن المدرك للطبقات التي يبني عليها كاراكس أفلامه عادة، يعرف جيداً ان المخرج لن يكتفي بحكاية زوجين فنّانين (آدم درايفر وماريون كوتيار) يرزقان بطفلة غريبة. يعلم ان هناك شيئا آخر خلف هذا كله، فهذه الحكاية هي الواجهة التأسيسية، الحجّة، القاعدة التي ينطلق منها، لكن لا تعني شيئاً في ذاته.

لا يمكن وصف "أنيت" بالفيلم السيئ، لا يصلح هذا النعت لتناول العمل، تحديداً لأنه يصعب التقاط هنة أو عيب فيه بسهولة. اذاً، أين المشكلة؟ 

لا مادة لقصّة في "أنيت" تضمن وجود نصّ سينمائي من ساعتين وعشرون دقيقة. هذا أول ما يصدم في الفيلم الذي يدور على نفسه من دون توقّف. لا يكترث كاراكس بالحفر والغوص بل بالتحليق والهروب. وطبعاً، نحلّق معه تكراراً، وكثيراً، ونستمتع بذلك، ولكن دائماً عيننا على السقوط المدوي. لا نمشي معه على طول الخط حتى النهاية. هناك مانع لا بل موانع. المشكلة حيناً في الايقاع وحيناً آخر في غياب الانفعالات والمشاعر. ينبذ كاراكس الدنيوي حبّاً بالسماوي، لكن كلّ ما هو دنيوي يتعقّبه. في المحصلة النهائية، ونظراً للقليل الذي يمتلكه من مواد، كان الأجدر ان ينجز من "أنيت" فيلماً قصيراً، ململماً، بدلاً من هذا الفتح الذي لا ينتهي. الا اذا اعتبر كاراكس ان ما يقدّمه من لقيات بصرية تنتمي إلى عالم الغرابة والجنون، مادة كافية لعمل متكامل. هو المسوّر بجدران من الغموض، يفعل المستحيل للاستمرار في هذه الحالة، بغض النظر عن النتيجة.

 

####

 

فيلم عن الموت الرحيم أبكى جمهور مهرجان "كان" وأضحكه

"كل شيء كان جيدا" للفرنسي فرنسوا أوزون يجسد صراعا أخيرا بين أب وابنته

هوفيك حبشيان

لم نحتج إلى الانتظار طويلاً في مهرجان "كان" السينمائي (6 – 17 يوليو (تموز) كي نظفر بالفيلم الذي يمكن القول إنه أول عمل ممتاز يستحق المشاهدة في تشكيلة هذا العام. إنه "كل شيء كان جيداً" للمخرج الفرنسي الكبير فرنسوا أوزون، هذا الفنان الغزير إنتاجاً وله دائماً ما يقوله في مواضيع اجتماعية ونفسية ذات عمق إنساني.

في هذا الفيلم يتعلق الموضوع برجل ضاق ذرعاً بالحياة، بعد إصابته بسكتة دماغية شلت حركته وحاصرته في وضع صحي لا يُحسد عليه. لرجلنا ماضٍ حافل، فهو عاش الحياة على أوسع نطاق. هو صناعي سابق متذوق الفن، يطارد كل ما له قيمة من لوحات ومقتنيات. لكن له أيضاً سجل طويل من الاكتئاب المزمن. المهم أن الرجل ما عاد يحتمل عذاباته، سواء الجسدية منها أو الروحية، وهي مترابطة. فيطلب من ابنته أن تساعده في إنهاء حياته مرفوع الرأس، بكرامته، كما عاش دائماً. لكن في بلد مثل فرنسا، قد تصل المساعدة على مثل هذا الفعل إلى خمس سنوات سجناً. المادة القانونية واضحة: عدم إسعاف إنسان في حالة خطر. إذاً، لا بد من سويسرا حيث القوانين أكثر تسامحاً مع الموت الرحيم. ذلك أن ما يبحث عنه هذا الأب المحتضر ليس سوى الموت الرحيم، الذي يلجأ إليه كل من قُطع أمله من الحياة وما عاد يحتمل الأوجاع جراء المرض.

هذا من جانب الأب، أما من جانب الابنة فالحكاية لها وجهة نظر مختلفة تماماً. مقابل تعصب الأب للموت وتمسكه به أشد تمسك وإصراره على الرحيل بأسرع وقت، هناك الابنة وتساؤلاتها، فماضيها في كنف هذا الأب (تصفه بالسيئ) الذي يتفجر فجأةً في مخيلتها. هي تحاول إقناعه بالعودة عن قراره، وتسعى إلى المماطلة وتأجيل الموعد المرتقب لعل وعسى. إلا أن الرجل ثابت على موقفه. يعرف جيداً وهو في الخامسة والثمانين أن ما هو فيه يصعب تسميته عيشاً، بل إنه بقاء على قيد الحياة، والفرق بينهما شاسع.

خارج الميلودراما

لم يقدّم أوزون محاضرة أخلاقية ولا دراسة مصوّرة عن الموت الرحيم. هذه الميلودراما الأسرية كانت أصبحت كاريكاتورية لولا براعته، رقته وتعاطفه وتفهمه أسباب كل إنسان. لا يدين أياً من الشخصيات وأفعالها. لا أحكام مسبقة في شيء. مجرد حكاية عائلية عن الحياة والموت وما بينهما من حبّ وكراهية وغيرة ولا مبالاة، تلسع في أماكن كثيرة من وجدان المُشاهد. هذا المُشاهد الذي حتماً سيجد شيئاً من تفاصيله في بعض المواقف التي يصوّرها الفيلم. فالكل في النهاية يملك أباً وأمّاً، الأمر الذي يسهل عملية التوحد مع الشخصيات. لكن أوزون يذهب أبعد من هذا كله من خلال جعل حالة اليأس التي يعاني منها الأب غير عنيفة وثقيلة على المُشاهد. بمعنى آخر، لا يشعرنا بذنب، ولا يحاول استدرار العواطف. بل حتى نضحك حين يجب أن نبكي ونبكي حين يجب أن نضحك، وهذا بسبب أن المخرج يحاول دائماً خلط الأوراق.

خلف مظاهر التفوق الاجتماعي والسلطة والجاه، هناك رجل معذّب لا يشبه ألبتة العالم البراق الذي يحيط به. يحوم حوله شبح الموت، هذا الذي كان يحوم أيضاً في أرجاء منزل الزوجين البورجوازيين في فيلم "حبّ" للمخرج النمساوي ميشائيل هانكه الذي ربح عنه جائزة "السعفة الذهبية". والبورجوازية ليست كلمة اعتباطية تُذكر هنا في المقال، فالأب، هو من هذه الطبقة ولولا انتماؤه إليها ما كان للحكاية أي وجود أصلاً، إذ إن كلفة الموت الرحيم عالية جداً تصل إلى عشرة آلاف يورو عداً ونقداً. عندما يعلم الأب من ابنته أن موته سيكلف هذا القدر من المال، يسألها عمّا يفعله الفقراء إذا أرادوا موتاً رحيماً، فترد ابنته بالقول "الفقراء ينتظرون الموت"! 

مسألة انتظار

هي مسألة انتظار إذاً. فالمال لا يشتري فقط الحياة بل ويشتري الموت أيضاً بهدوء على فراش في سويسرا وعلى أنغام موسيقى كلاسيكية. وقد يموت الغني وبطنه مليء بكل ما لذ وطاب له من أصناف مأكولات. هذا ليس مجرد فرضية، بل مشهد أساس في الفيلم نرى فيه الأب وابنته وحبيبها يتناولون الطعام في مطعمه المفضّل تحقيقاً لرغبة أخيرة لديه. اللافت أن شهيته للأكل لن تعيد إليه شهيته للحياة. ربما لأنه يعلم أن الملذات عابرة، تدوم برهة، أما العذابات فساكنة في وجدانه للأبد.

مرة جديدة يؤكد أوزون أنه أحد أفضل السينمائيين الفرنسيين، وهو قادر على أفلمة كلّ شيء تقريباً. لا توجد قصة عصيّة عليه. الحكاية التي أفلمها هنا هي في الأساس قصة حقيقية عاشتها إيمانويل برنهايم (1955-2017) وروتها في كتاب صدر قبل ثمانية أعوام، علماً بأنها عملت على نصين لأوزون. حكايتها مع والدها مؤلمة، لكنها تلخص الكثير من الدروس في الحياة.

أخيراً، لا بد من التنويه بالممثّل الكبير أندره دوسولييه، الذي لا فيلم من دونه. استطاع أن يقدم شخصاً نصدقه ونتعاطف مع ألمه رغم معرفتنا المسبقة بأنه ليس أكثر الناس لطفاً. أداؤه هنا مدهش، فرض عليه تحولات خلقية كاملة، ومَن لا يعرف قبل الدخول إلى الصالة أن خلف هذا الثمانيني المحتضر يقف أندره دوسولييه فسيتفاجأ عندما يصعد جنريك النهاية ويقرأ اسمه. فعلاً الرجل مدرسة ويستحق أن يفوز بجائزة التمثيل في "كان" هذا العام، على الرغم من أن المهرجان لا يزال في أوله والوقت لا يزال مبكراً للكلام عن أي جائزة. أما صوفي مارسو في دور الابنة فتقدم هنا أحد أهم أدوارها.

 

النهار اللبنانية في

09.07.2021

 
 
 
 
 

"آنيت" يفتتح "كانّ"... قسوة ومآسٍ ومشاعر متناقضة

باريس/ ندى الأزهري

"احبسوا أنفاسكم حتّى نهاية العرض". يُنبّه ليوس كاركس (1960)، في مُقدّمة فيلمه "آنيت" (2021)، على لسان البطل. يُهيّئ لاختناقٍ وحَبْس أنفاسٍ، وربما لدموع، لمَ لا؟ يُحيل إلى لازمةٍ، تتكرّر في الفيلم، النَفَس كرمزٍ للحياة والموت أيضاً.

قسوةٌ وعتمة وسحر. طفولة مُحطّمة، وقصّة حبّ مأساوية، في "آنيت"، الذي افتتح الدورة الـ74 (6 ـ 17 يوليو/ تموز 2021) لمهرجان "كانّ" السينمائي، المُشارك في المسابقة الرسمية، والمعروض حالياً في الصالات الفرنسية. الفيلم الطويل السادس، والأوّل باللغة الإنكليزية للفرنسيّ كاركس، في 37 عاماً من حياته المهنية، وصفه نقّادٌ بأنّه، من بين أفلامه كلّها، الأقرب إلى الجمهور، والأكثر تحكّماً كذلك.

لعلّ جائزة إخراجٍ تنتظره، كما يتنبأ البعض من الآن. لكنْ، هذا ليس كلّ شيء. هناك من كرهه أيضاً. هذا فيلمٌ يُحَبّ بشدّة، أو يُنفَر منه، أو يحتار المُشاهد بأمره. مشاعر متناقضة عند مُشاهدته. جاذبٌ وساحرٌ ومؤثّر تماماً في مَشَاهد، ومُزعجٌ وخانق كلّياً في أخرى. يأخذُ مُشاهده كلّيا للحظاتٍ، ويدعه خارجاً في أخرى. بعد اختلاط مشاعر وآراء ومواقف، يبقى أثرٌ غريب لا يُمحى، ولا يُفسَّر تماماً.

في لوس أنجليس اليوم، هنري (آدم درايفر)، وآن (ماريون كوتيار)، يُشكّلان ثنائياً مثالياً، تحت الأضواء. ولادة طفلتهما الأولى، آنيت، الغامضة وذات المستقبل المؤلم، تقلب حياتهما. كوميديا موسيقية، مستوحاة من سيناريو للموسيقييّن رون وراسّل مايِل، تتفرّد في سردها الغنائي الشجن، وأجوائها المقلقة. مُحيّرةٌ في رقتها وعنفها، ومُفجعةٌ في تشاؤمها. قصّة حبّ عادية، يُخرجها كاركس ـ بأسلوبه المُجدِّد والمُبالِغ أيضاً ـ من نمطيتها، لتغدو مأساة أسطورية. لغةٌ بصرية مُبتكرة، والموسيقى (الأخوان مايل) أجمل ما في الفيلم.

هنري فنان خشبة (ستاند آب)، يقف وحيداً عليها ليُثير، بقوّة وثقة، جمهوراً عريضاً في لوس أنجليس، مُلقياً نكاتٍ هازئة وفجّة وساخرة.

اختار الكوميديا للتعبير فقط، كما قال هازئاً للجمهور، لأنّه عبرها يُمكنه قول الحقيقة، وإلا فالقتل مصيره. يسخر من كلّ شيء: من "كراهية مُتبادلة بين المسلمين والكاثوليك" و"بين بورنديين وروانديين"؛ ومن صوابية سياسية وأخلاقية (من دون أنْ يُسمّيها) تطمس الحقائق؛ ومن الضحك نفسه، الجدير بالأغبياء والعجائز. علاقته مع آن ـ نجمة الأوبرا ذات الصوت الملائكيّ، والرقيقة والهادئة ـ تكشف هشاشة الحبّ وقوّته، لعنته وبركته، عتمته وضوؤه. علاقة نرجسية، حلّت عليها اللعنة، لتوصل الطرفين إلى الهاوية. العدم، النرجسية، الحبّ، اللعنة، النَفَس، الخوف: مُفردات تتكرّر في الحوارات المغناة، تعكس نرجسية المشاهير (مرايا تنعكس فيها صورة آن)، واللعنة التي تصيبهم (انطفاء الرغبات)، والخوف الذي يشعرون به قبل كلّ تجربة (آن تتلّوى قبل بدء الحفل الأوبرالي).

يسرد "آنيت" هذه المشاعر غنائياً، بعذوبة ومأساوية. معها، يكشف عالم الاستعراض للنجوم والإعلام المُتطفّل، ويسخر من الجمهور أيضاً، ويُسخّف كلّ هذه النجومية، والتظاهرات، وومضات الـ"فلاشات"، ووابل الأسئلة، والجماهير المحتشدة، واستعراض المشاهير، كاشفاً كلّ مستورٍ في حياتهم. يُلمّح إلى قضية "أنا أيضاً (MeToo)"، النسوية الأميركية، لكنّه يُثير ارتباكاً في موقفه منها. يتساءل عن تهجّم واتّهام بالعنف، "مُفاجئين" في توقيتهما، على هنري من نساء: لِمَ ظهرتْ المُتّهِمات الآن بالذات؟ في الوقت نفسه، يؤكّد هذه الصفة لدى بطله مع الزمن، وسوء تصرّفه مع طفلته آنيت. هذه الطفلة التي اختار كارَكس تجسيدها على شكل لعبة متحرّكة كرمز، جاء ثقيلاً ومُزعجاً، للتلاعب بها من قِبل الأبوين.

لكنْ، عبر مَشاهد رقيقة (عملية الولادة)، وأخرى آسرة (غناء آن في الغابة الكثيفة)، ومُقلقة (العاصفة في المركب)، ومُمتعة (غناء بدايات الحبّ)، تُسرَد حكاية عن الحياة والعلاقات الأسرية والزوجية، ويُستحضَر استغلال الطفولة، ونكسات المشاهير، وعالم "الشو بزنس".

مَشاهد مصحوبة بموسيقى قاتمة ومُضيئة، شاعرية ومأساوية، وهبت الفيلم أبعاداً وحرية استثنائية، وأثارت مشاعر تعاطفٍ عميق مع شخصياتٍ مجروحة. فرقة "سباركس"، مؤلِّفة موسيقى "آنيت"، تأسّست عام 1968 في لوس أنجليس، تعزف موسيقى "بوب" و"روك" بقيادة الأخوين رون وراسّل مايل، اللذين صنعا اسماً لهما بفضل أغنية أيقونة، بعنوان "هذه المدينة ليست كبيرة بما يكفي لكلينا" (1974). التقى كارَكس بهما، ويعرف موسيقاهما منذ المُراهقة، وظهر مشهدٌ في فيلمه "هولي موتورز" (2012)، يستمع فيه البطل إلى أغنية لهما.

لذلك، لم يتخيّل كارَكس تصوير "آنيت" في مكانٍ غير لوس أنجليس، رغم التكاليف المالية الضخمة، فكانت معظم المشاهد الخارجية في مدينة فرقة "سباركس"، لا سيما تلك التي يقود فيها هنري درّاجته النارية في شوارعها ليلاً، ونزهات العاشِقَين في الغابة، مُقلقة الأجواء، في جوف الوديان، بينما بنى لمَشاهد أخرى ديكوراتٍ في بلجيكا وألمانيا. أصرّ كارَكس على أنْ يُغني البطلان بصوتيهما، لا سيما في المَشاهد المباشرة التي تُظهرهما وهما يغنّيان.

ماريون كوتيار، الرائعة بحضورها، أقلّ إقناعاً وهي تغنّي منها وهي تمثّل. أما آدم درايفر، الجندي السابق في الـ"مارينز" في العراق، فكسبته السينما

 

####

 

فنانون فلسطينيون ينسحبون من مهرجان "كان" بعد تصنيف فيلمهم إسرائيلياً

رام الله/ العربي الجديد

أصدر ممثلون وممثلات فلسطينيون بياناً رفضوا فيه المشاركة في دورة 2021 من مهرجان "كانّ" السينمائي في فرنسا، إثر تصنيف المهرجان فيلمهم "ليكن صباحاً" على أنه إسرائيلي.

ونشر الفنانون بيانهم في صفحاتهم على مواقع التواصل، قائلين: "ليس بمقدورنا أن نتغاضى عن التناقض الكامن في تصنيف الفيلم في مهرجان "كانّ" على أنه فيلم إسرائيلي، بينما تواصل إسرائيل حملتها الاستعماريّة المستمرة منذ عقود، وممارساتها في التطهير العرقي، والطرد، والفصل العنصري الموجه ضدنا، ضدّ الشعب الفلسطينيّ".

وفيلم "ليكن صباحاً" مستوحىً من رواية الكاتب سيد قشوع، بذات الاسم، ويتناول "حالة الحصار"​، وهو عنوان ديوان شعري للشاعر محمود درويش صدر عام 2002، إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية بين عامي 2000 و 2005.

ووفق البيان، "تجسد حالة الحصار هذه في الجدران الإسمنتية السميكة، والحواجز العسكرية، والعوائق المادية والنفسية، إضافةً إلى سياسات الإذعان وانتهاك هوية الفلسطينيات والفلسطينيين، وثقافتهم وحركتهم وحقوق الإنسان الأساسية".

ومضى البيان يقول: "تستمر ممارسات التطهير العرقي المستمرة منذ عام 1948 في جميع أنحاء فلسطين التاريخية، ويواجه الفلسطينيون القمع والتجزئة الاستعمارية التي تفرّقنا عبر إدارة حياتنا المادية والملموسة، من خلال فرض أوضاع قانونية من قبل إسرائيل في فلسطين التاريخية.

وأضاف: "عادةً ما تنصاع الحكومات والمؤسسات الثقافية حول العالم للتقسيمات السياسية المفروضة علينا نحن الفلسطينيين في إسرائيل والقدس الشرقية والضفة الغربية وغزة والشتات. عبر هذه الانقسامات تُدار ممارسات القهر ضدنا كشعبٍ واحدٍ، وهي ممارسات تسعى إلى تشتيتنا وفصلنا عن تاريخنا المشترك وثقافتنا متعددة الأوجه وهويتنا".

واحتج الفنانون على فرض صناعة السينما العالمية إنتاجهم الإبداعي تحت التسمية الإثنية القومية المعرَّفة بـ "إسرائيليّ"، معتبرين أن ذلك يسهم في "استدامة واقع غير مقبول قد فُرض علينا نحن الفنانين الفلسطينيين مواطني إسرائيل وحملة جوازها، وهي مواطنة فرضها علينا الاستعمار الصهيوني لمواصلة قمع الفلسطينيين في فلسطين التاريخية، ومن ضمنها إنكار لغتنا وتاريخنا وهويتنا، إضافةً إلى استخدام الرقابة وسنّ القوانين العنصرية الاستعمارية".

وذكّر البيان بأحدث قضايا الساعة من هجمات يومية يقوم بها مستوطنون متطرفون وعنصريون بحماية الشرطة والجيش الإسرائيلي في بلدات وأحياء فلسطينية.

وختم بالقول: "لا نعتبر رفضَنا المشاركة في مهرجان "كان" في ظل الظروف البيروقراطية التي تصنّف الفيلم على أنه فيلمٌ "إسرائيليٌّ" خطوة رمزية فحسب. نعارض بشدة إدراجنا في مثل هذه المناسبات من خلال تكرار إقصائنا ومحونا كفلسطينيات وفلسطينيين".

وصدر البيان بأسماء الفنانين أليكس بكري، وجونا سليمان، وإيهاب إلياس سلامة، وسليم ضو، وإيزابيل رمضان، وسامر بشارات، ويارا جرار، ومروان حمدان، ودريد لدّاوي، وعرين سابا، وأديب صفدي، وصبحي حصري.

 

####

 

طاهر رحيم بفيلم "الموريتاني"... 14 عاماً من الظلم في غوانتانامو

(فرانس برس)

يتألق الممثل الفرنسي من أصل جزائري طاهر رحيم إلى جانب الأميركية جودي فوستر في فيلم "الموريتاني" The Mauritanian، الذي يتزامن بدء عرضه في فرنسا في 14 يوليو/ تموز الجاري مع وجود نجميه في مهرجان كان، وهو فيلم قوي يشكل إدانة للتعسف، إذ يتناول قصة موريتاني سُجن في معتقل غوانتانامو الأميركي بتهمة الإرهاب، ويكافح لإثبات براءته.

ويؤدي طاهر رحيم في الفيلم دور الموريتاني محمدو ولد صلاحي الذي اشتُبه ظلماً بكونه إرهابياً واعتُقِل لمدة 14 عاماً في هذا السجن العسكري من دون توجيه تهم إليه ومن دون محاكمته. أما دور محاميته التي نجحت بفضل إصرارها القضائي ضد الإدارة الأميركية في تحريره، فتتولاه جودي فوستر.

ويبدأ الفيلم بمشهد يدور في الصحراء الموريتانية، لكنه سرعان ما ينتقل إلى الزنازين المظلمة للقاعدة الواقعة في جزيرة كوبا، حيث اعتقل صلاحي، على غرار نحو 800 "أسير حرب" آخر، منذ 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

وقال طاهر رحيم لوكالة "فرانس برس" رداً على سؤال عن الفيلم خلال موسم الجوائز الأخير "إنها قصة حقيقية تستحق ويجب أن تُروى. ما حدث لهذا الرجل أمر فظيع لكنه يحمل في قلبه رسالة مغفرة وسلام، وهذا هو الأهم في الواقع".

ورُشح الفيلم لجائزة "بافتا"، فيما فازت جودي فوستر بجائزة "غولدن غلوب" لأفضل ممثل مساند عن دورها فيه كمحامية لا تكتفي بخوض المعركة القانونية، بل تتمثل مهمتها الدقيقة أيضاً في إقامة علاقة ثقة مع هذا السجين المنفصل عن العالم الخارجي.

تجربة حقيقية للتعذيب

يصوّر الفيلم الذي أداره المخرج كيفن ماكدونالد (وهو أيضاً مخرج فيلم السيرة الذاتية " آخر ملوك اسكتلندا" عام 2006) ظروف الاعتقال القاسية في القاعدة الأميركية، حيث تعددت ضروب الإذلال وأساليب التعذيب، سواء بواسطة محاكاة الغرق أو الحرمان من النوم أو التسبب بالدوار من خلال رفع صوت الموسيقى إلى أقصى درجة.

ورغم مرور 20 عاماً على ما حصل في 11 سبتمبر/ أيلول، لا يزال موضوع الفيلم مطروحاً بقوة، إذ كان نحو 40 معتقلاً لا يزالون في غوانتانامو في مايو/ أيار الفائت، مع أن الرئيس السابق باراك أوباما وعد في عام 2009 بإغلاقه. وتُتهم واشنطن بالاحتجاز غير القانوني وانتهاك حقوق الإنسان والتعذيب، فيما لم تثبت الشبهات أخيراً إلا بالنسبة إلى بضع عشرات فحسب من المعتقلين.

وشكّل أداء طاهر رحيم عنصراً مهماً في الفيلم، إذ يصعب التعرف عليه في بعض الأحيان، بخديه الأجوفين وشحوبه ورأسه الحليق، ما يذكّر كثيراً بدوره في فيلم "آن بروفيت" لجاك أوديار الذي أدى فيه دور السجين قبل 12 عاماً وكان باكورة بروزه.

وروى رحيم أن "الطريقة الوحيدة" التي وجد أنها تجعل "مشاهد التعذيب الفظيعة هذه حقيقية" هي "تجربتها إلى حدّ ما، والاقتراب (من الواقع) قدر الإمكان". وأضاف "ما نراه في الفيلم، فعلته في الواقع. وضعت أغلالاً حقيقية، ومكثت في هذه الزنازين الباردة، وتعرضت لمحاكاة الغرق وللإطعام بالقوة".

وشرح لوكالة فرانس برس قائلاً "اضطررت إلى تغيير نفسي جسدياً، ولإنقاص وزني كثيراً في وقت قصير (...) ما جعلني في وضع خاص جداً من الناحية النفسية".

شجاعة وعناد

ويجسد طاهر رحيم ببراعة الشجاعة والعناد اللذين تحلى بهما محمدو ولد صلاحي خلال انفصاله عن العالم وخضوعه للاستجواب تلو الآخر. وقد روى الأخير قصته بعد إطلاق سراحه في كتاب اقتُبس الفيلم منه.

وشكّل هذا الفيلم الذي اعتبره رحيم التجربة "الأكثر قوة" في حياته المهنية خطوة جديدة في المسيرة العالمية لهذا الفرنسي الذي نشأ في بلفور (شمال شرق فرنسا) ضمن عائلة متواضعة وكبيرة من أصل جزائري، والمتزوج حالياً من الممثلة ليلى بختي وله منها ولدان.

ولاحظ رحيم أن "التمثيل بلغة أجنبية مختلف. فالجسم والوجه يتحركان بشكل مختلف، واستخدام الكلمات ليس نفسه، لذا فإن الانفعالات العاطفية وتأدية الشخصية مختلفان حتماً، وهذا أمر مثير جداً للاهتمام".

ويشارك رحيم البالغ 39 عاماً في أفلام خارج فرنسا منذ نحو عشر سنوات بالتوازي مع أدواره في السينما الفرنسية، وبرز أخيراً في مسلسلَي "ذي إدي" و"ذي سربنت"، وهو حالياً عضو في لجنة التحكيم المرموقة لمهرجان كان السينمائي، حيث مُنحت جودي فوستر سعفة ذهبية فخرية عن مجمل مسيرتها.

 

العربي الجديد اللندنية في

10.07.2021

 
 
 
 
 

مهرجان كان.. حين تنتصر السينما على الجائحة

حكيم مرزوقي

ثلاثة أوقفوا "كان": الحرب العالمية، حركة مايو 68.. وكورونا.

أعرق تظاهرة سينمائية في العالم

يكاد كل شيء يكون هو نفسه أو يتجدّد بشكل يدعو إلى الرتابة منذ سنوات التأسيس التي سبقت الحرب العالمية الثانية (1939)، والتي عطلت انطلاقته الحقيقية، فكان عليه الانتظار إلى سنة 1946 كي يغدو قبلة لعشاق الفن السابع. ولم يعطل سير هذا العرس السينمائي سوى حدثين مزلزلين: الأول مدّ ثوري من صنع الاحتجاجات الطلابية المعروفة بحركة مايو 1968، والثاني وباء فايروسي بات يعرف بكوفيد – 19.

ترى، ما الذي يمكن أن تلتقطه عينا مراقب حصيف لـ مهرجان كان السينمائي هذا العام، ويصلح أن يختزل هذه الدورة في رمزية مختصرة ومعبرة؟

لا شيء مميزا يمكن أن تلتقطه عينا مراقب حصيف للدورة 74 من عمر هذا المهرجان، غير جديد الأفلام والنجوم، سوى ظهور عدد من النجمات بشعرهن الأبيض، كالأميركية آندي ماكدويل ومواطنتها جودي فوستر، خلافا لما درجت عليه الممثلات اللواتي يتجنبن عادة تركَ شعرهن على طبيعته في إطلالاتهن على السجادة الحمراء.. فما دلالة ذلك؟

إنها تعبيرات كورونا المتمثلة في ما يمكن أن يخلقه الحجر الصحي من آثار ظاهرية وباطنية تتمثل في استخلاص الحكمة من العمر الذي لا يمكن تحديه عبر الماكياج وقصات الشعر بل من خلال أعمال تخلدها الكاميرا عبر معجزة السينما.

تخوّفات وتحديّات

المهرجان إعادة إطلاق للسينما بعد صدمة كورونا وإقامته تعني دفعة للسينما بعد أكثر من عام من الخوف وتوقف الكثير من الأنشطة

عودة مهرجان كان هذا العام بعد اختفائه القسري أو الطوعي السنة الماضية، بسبب الجائحة، أثارت تعليقات متباينة التفسيرات، فمنهم من رأى مدينة كان قد عادت تعيش بعضا ممّا صنع مجدها وشهرتها في العالم، وعاد إليها أهل السينما، في مشهد مبهج يواكب تفاصيل العودة إلى الحياة التي تحدث تدريجيا في كل مكان.

ومنهم من رأى أن ما يحدث على “الكروازيت” من حشد غفير و”تقارب اجتماعي” أمام القصر الذي تقام فيه التظاهرة، لحظة الافتتاح، يدلّ على أن الوباء قد انتهى أو سقط من الحسابات، وأن الجمهور ملّ وما عاد يكترث كثيرا، في حين يتوجس كثيرون ويبدون مخاوفهم من عودة هذا القاتل الشبح في الشتاء على إيقاع موجات جديدة كما في أفلام الرعب.

القائمون على التنظيم يراهنون على أن تكون هذه النسخة، علامة على التجاوز الجزئي للجائحة التي رهنت العديد من الفعاليات الثقافية عبر العالم لأكثر من عام. وقال المفوض العام للمهرجان تييري فريمو “لم ننته من الجائحة بعد وينبغي تاليا توخي الحذر. نحن معتادون على تبادل القبلات في أعلى الدرج، لكننا لن نفعل ذلك… ومع ذلك ستكون قلوبنا حاضرة”.

كلّ هذه الأسئلة والتخوفات والتحديات هي من صلب السينما نفسها وواحدة من مواضيعها، لذلك كان مهرجان كان عبر تاريخه الذي وثقته الكاميرا في ما تكتبه بنفسها عن نفسها.

خلف الكاميرا

في ظل هذه الجدلية الجمالية، افتتح المخرج الفرنسي ليوس كاراكس مسابقة المهرجان بفيلمه “أنيت”، وهو كوميديا موسيقية من بطولة ماريون كوتيار وآدم درايفر مع فرقة “سباركس” الأميركية الشهيرة التي تولت السيناريو والموسيقى.

وفي المسابقة أيضا أفلام لمخرجين سبق أن رفعوا السعفة الذهبية، مثل أبيشاتبونغ وبراسيتاكول (السعفة الذهبية عام 2010) بفيلمه الأول باللغة الإنجليزية خارج تايلاند “ميموريا” والإيطالي ناني موريتي عن فيلمه “ثلاثة طوابق”.

وكان لا يتغافل أبدا عن الربط بين حاضره وأمسه، وذلك في سعي دؤوب إلى إعطاء هوية حيّة ومرجعية دائمة لأعرق تظاهرة سينمائية في العالم.

بدا ذلك واضحا في حفل الافتتاح الذي قدمته الممثلة دوريا تيلييه بأسلوب شفاف وعميق ورشيق من خلال مونولوغ على شكل تحية للسينما وأهميتها في الحياة الثقافية للشعوب. ذكرت تيلييه وشددت على كلمة “سحر” في حديثها عن الفن السابع. الجمهور الذي اجتمع في صالة “لوميير” الضخمة بدا متأثرا ومنسجما مع كلامها. قالت إن ما تحبه في السحر هو أنه يعتمد على عمل الناس الذين في الكواليس، أي كل الذين يشتغلون خلف الكاميرا. كلمة تيلييه لم تكن تخلو من الرومانسية الممزوجة مع خفة الدم، والتعرض إلى الجائحة بشيء من السخرية إلا أن أجمل ما قالته هو أن المهرجان لطالما كان مكانا كي يظهر الناس أنفسهم، والآن مع ارتداء الكمامات يرون ولا أحد يراهم حقا. ثم أردفت ببعض المزح “جميل جدا أن نرى صالة مليئة بمشاهدين، ولا نعرف مَن هم. ربما من الجيد أن نرى من دون أن يرانا أحد”.

دوريا تيلييهجميل أن نرى صالة مليئة بمشاهدين ولا نعرف مَن هم

أما الأكثر عمقا ودلالة في كون المهرجان يكرم نفسه بنفسه، فهو ما جاء في كلمة الممثلة الأميركية جودي فوستر التي منحت “سعفة” فخرية عن مجمل مسيرتها المهنية التي بدأتها قبل نحو خمسين عاما وهي في الثامنة من العمر.

 ويذكر أنه في شهر مايو 1976، وعندما كان عمرها 13 عاما فقط، صعدت جودي فوستر السلالم في قصر كروازيت الفرنسي، وقدمت فيلم “سائق التاكسي” للمخرج مارتن سكورسيزي، وغادرت مع السعفة الذهبية.

وعادت جودي فوستر مرة أخرى، بعد خمسة وأربعين عاما، لتتلقى السعفة الذهبية هذه المرة لنفسها. ومنذ عام 1976، جمعت أفلامها السينمائية الكبيرة بين المعايير العالية والنجاح الجماهيري، وقسّمت وقتها بين التمثيل (العديد من الأعمال، نحو 50 فيلما)، والإخراج (4 أفلام روائية)، وقد حصلت على جائزتي أوسكار.

قالت فوستر، وهي تشير إلى الفترة الماضية التي عاشها الناس في الحجر الصحي “أليس من الجميل الخروج من المنزل؟”.

المخرج الإسباني ألمودوفار، الذي تميزت أفلامه بإعطاء البطولة للمرأة، وصف بدقة شديدة أهمية فوستر، متسائلا مَن كان ليظن أن الفتاة الصغيرة في “سائق التاكسي” ستصبح يوما ما هذه السيدة. وبفرنسية تتحدثها بطلاقة، قالت فوستر إن الحجر الصحي ساعدها في إعادة اكتشاف السينما وأضحى مناسبة لها لمشاهدة العديد من كلاسيكياتها.

المهرجان العريق حريص على كل شاردة وواردة، ولم ينسَ الأفلام التي تم اختيارها العام الماضي في الدورة الملغاة وحملت ختم كان، فوجّه دعوة إلى صنّاعها للتواجد بين الحضور.

المخرج الأميركي سبايك لي رئيس لجنة التحكيم، قال في المؤتمر الصحافي المخصص قبل الافتتاح “كان هو أعظم مهرجان سينمائي في العالم. السينما ومنصّات المشاهدة يمكنها التعايش معا. في ما مضى، كنّا نعتقد أن التلفزيون يمكنه قتل السينما، ولكن السينما ستبقى وستعيش”. وأضاف الرجل الذي كان يرتدي بدلة زهرية اللون “المهرجان إعادة إطلاق للسينما بعد صدمة كورونا. إقامته تعني دفعة للسينما بعد أكثر من عام من الخوف وتوقف الكثير من الأنشطة السينمائية”.

أين العرب

ولسائل أن يسأل: أين العرب من هذا المهرجان الضارب في التاريخ والمشرع على كل جهات الإبداع في الشرق والغرب؟ أين الكاميرا العربية مما وصل إليه فن الصورة والخيال في مختلف أصقاع العالم؟ هل كنا مجرد مجاورين لضفاف المتوسط، ولا تزور الأقدام العربية مدينة كان إلا للتسوّق والتنزه أو للتستر بالجهاد في أبشع الصور وأشدها قتامة، أم كان لنا بعض الصولات الموفقة فوق السجاد الأحمر، وإن كانت سريعة وخاطفة.

 سيكون فيلم “علّي صوتك” الذي تم إنتاجه من طرف شركة “عليان للإنتاج” واستفاد من صندوق دعم الإنتاج السينمائي المغربي، هذا العام ضمن 23 فيلما تتنافس على السعفة الذهبية للمهرجان.

تييري فريمولن نتبادل القبلات أعلى الدرج ولكن ستكون قلوبنا حاضرة

ويرصد الفيلم رحلة التحرر عبر موسيقى الهيب هوب، من خلال تسليط الضوء على أحد الأحياء الشعبية بالدار البيضاء، حي سيدي مومن، الذي بنى فيه المخرج مركزا ثقافيا، في محاولة منه ومن مجموعة من الناشطين الثقافيين والفنيين بالمدينة من أجل انتشال شبابها من مخالب الإرهاب.

هذا على مستوى المنافسة حول الجائزة الكبرى في الأفلام الروائية الطويلة، أما مسابقة “نظرة ما”، فتنافس المخرجة التونسية – الجزائرية، والتي تحمل الجنسية الفرنسية حفصية حرزي بفيلم “أم طيبة”، الذي يسرد حكاية مدبّرة منزل تحاول مساعدة ابنها المقبوض عليه بتهمة التورّط في حادث سطو.

وكذلك يسعى المخرج اللبناني إيلي داغر الحاصل على السعفة الذهبية من قبل عن أفضل شريط قصير بفيلم “موج 98” (2015)، إلى الحصول على الجائرة للمرة الثانية بفيلمه “البحر أمامكم” ضمن برنامج نصف شهر المخرجين، الذي يحكي قصة الفتاة، جنى، التي تعود فجأة إلى بيروت، في محاولة لاستعادة ذكرياتها وعاداتها وعلاقاتها التي افتقدتها أثناء رحيلها.

أما المخرج المصري، عمر الزهيري فيشارك في مسابقة “أسبوع النقاد” بأولى تجاربه الطويلة “ريش”، الذي تدور أحداثه في أجواء خيالية حول أمّ تفني حياتها من أجل زوجها وأولادها، وتعيش حياة رتيبة داخل المنزل، لكن حياتها تتبدل تماما عندما يفشل ساحر في السيطرة على ألعابه، ويحول زوجها إلى دجاجة.

وفي النهاية تختتم فعاليات أسبوع النقاد بفيلم المخرجة التونسية، ليلى بوزيد “مجنون فرح”، الذي يحكي قصة شاب في الثامنة عشرة من عمره، وهو فرنسي من أصل جزائري نشأ في ضواحي باريس، ويحاول مقاومة نداء قلبه الذي نبض بالحب لشابة تونسية على مقاعد الدراسة في الجامعة.

الحقيقة أن الحضور العربي وإن بدا متفاوتا بين دورة وأخرى، وكذلك في حجم المشاركة بين دولة وثانية، فإنه لافت للانتباه من خلال أسماء شبابية واعدة في السنوات الأخيرة، ظهرت وسط أحداث عاصفة وكسرت الركود المخيم الذي تسبب فيه جيل من السينمائيين ظلوا مسيطرين على الساحة.

أفلام مرت بكان

المهرجان يعيد الحياة إلى مدينة كان

الأسماء الموجودة في لجان التحكيم بكان، تقيم الدليل على هذا الأمر مثل الممثل الجزائري الأصل طاهر رحيم، الذي شارك لأول مرة في هذا المهرجان بفيلمه “النبي” للمخرج جاك أوديار عام 2009، وحصل على إعجاب النقاد حينها، ثم عاد في الدورة التالية ليفوز بجائزتي سيزار لأفضل ممثل واعد وأفضل ممثل.

كذلك ينضم للجنة تحكيم مسابقتي الأفلام القصيرة ومسابقة “سيني فونداسيون” كلّ من المخرجة التونسية كوثر بن هنية، التي ترشح فيلمها “الرجل الذي باع ظهره” لجائزة الأوسكار هذا العام، حيث نافس في فئة الأفلام الروائية الدولية، والمخرج المصري سامح علاء، الذي فاز العام الماضي بالجائزة الأولى والسعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير في دورة العام الماضي للمهرجان عن فيلمه “أخشى أن أنسى وجهك”.

ولوحظ تنامي المواكبة العربية للمهرجان من خلال منصات فاعلة ومؤثرة كمركز السينما العربية الذي عمل على إطلاق مجلة السينما العربية، وتقديم جوائز النقاد للأفلام العربية وجائزة الإنجاز النقدي، وإطلاق قائمة الـ101 الأكثر تأثيرا في العالم العربي.

سبايك لي رئيس لجنة التحكيمكان هو أعظم مهرجان، في ما مضى كنّا نعتقد أن التلفزيون يمكنه قتل السينما ولكن السينما ستبقى وستعيش

الحقيقة أن السينما العربية كانت حاضرة في مهرجان كان منذ منتصف ستينات القرن الماضي. وقد رصد الناقد السينمائي جوزيف فهيم أبرز الأفلام العربية التي شاركت في مهرجان كان على مدار تاريخه، والتي تتباين في موضوعاتها وجمالياتها ورواياتها. ومن هذه الأفلام:

الحرام” (1965) للمخرج هنري بركات، ويتناول الفيلم قصة فلاحة مصرية تضطر إلى إخفاء حملها بعد تعرّضها لحادثة اغتصاب؛ خشية أن يلاحقها العار.

الأرض” (1969) للمخرج يوسف شاهين، وبرع الفنان الراحل محمود المليجي في أدائه لدور أحد صغار المزارعين الذين يواجهون ملاك الأراضي من أجل وصول المياه إلى أراضيهم.

وفيلم “وقائع سنوات الجمر” (1975) للمخرج محمد لخضر حامينا، وهو الفيلم العربي الوحيد الفائز بجائزة السعفة الذهبية، متفوقا على أفلام لمارتن سكورسيزي، وفيرنر هيرتسوج، ومايكل أنجلو أنطونيوني.

فيلم “ريح السدّ” (1986) للمخرج التونسي نوري بوزيد، الذي وضع على الخارطة لأول مرة مع فيلمه المثير للجدل عن نجار شاب تهدد حياته المخاطر بفعل التحرش الجنسي من قبل رئيسه في العمل.

فيلم “خارج الحياة” (1991) للمخرج مارون بغدادي، وهو قصة حقيقية عن اختطاف وتعذيب مصور فرنسي من قبل ميليشيا لبنانية في بيروت.

وفيلم “صمت القصور” (1994) للمخرجة مفيدة التلاتلي، ويتناول قصة غامضة عن ابنة خادمة في سن المراهقة (النجمة هند صبري في أول ظهور لها على الشاشة) تنشأ في منزل أرستقراطي في نهاية الحكم الاستعماري الفرنسي في تونس.

يد إلهية” (2002) المخرج إيليا سليمان الفلسطيني، لا يزال واحدا من الأفلام العربية الأكثر راديكالية حتى الآن. تميز “يد إلهية”، الحائز على جائزة لجنة التحكيم، بتنسيق العمل والصوت بدقة لتسليط الضوء على العبثية الهائلة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وأخيرا فيلم “على حافة الهاوية” (2011) للمخرجة للمغربية ليلى الكيلاني التي حققت قفزة لها في صناعة الأفلام مع هذا الفيلم الشجاع، الذي يتناول دراما الجريمة حول فتاتين تعملان بمصنع وتجدان نفسيهما تنزلقان إلى عالم الجريمة.

كاتب تونسي

 

العرب اللندنية في

10.07.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004