ملفات خاصة

 
 
 

"أوروبا" لحيدر رشيد.. لعبة أداء وصمت

نديم جرجوره

كان السينمائي الدولي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

ميزات عدّة تسم "أوروبا" (2021، 72 د.) لحيدر رشيد: اعتماد مُطلق على جسد الممثل وحركاته وملامح وجهه وانفعالاته وسلوكه وتعابيره الصامتة. انعدام الكلام، رغم جُمل قليلة، تُقال في لحظاتٍ عابرة، وبعض الجمل كلمات لا أكثر. استعانة بواقعية حادّة، بتوغّل الكاميرا (مدير التصوير: ياكوبو ماريا كاراميلا)، أحياناً، في تفاصيل تُثير قرفاً وغثياناً. لقطات قريبة، كأنّ هناك رغبة في إرغام المُشاهد على الالتصاق بالشخصية تماماً، وتشكيل كائنٍ حيّ واحدٍ منهما. حركة كاميرا سريعة، أحياناً، لمواكبةِ مُطاردةٍ، أو لمُتابعةِ هروبٍ وركضٍ، أو للإمعان في نقل الواقعية بحذافيرها إلى صُور متتالية؛ وحركة هادئة، ترافق الشخصية في حميمية مسائل ومشاعر، كاهتمامٍ بجواز سفر، وبحثٍ عن مأكلٍ في غابةٍ مليئة بأشجارٍ وأنهارٍ ومتاهات، ومناجاة أمٍّ في خضم محاولة مستميتة لبلوغ مهجرٍ أوروبيّ، بعيداً عن خرابٍ يعتمل في بلدٍ وبيئة.

ميزات كهذه تجعل "أوروبا" ـ المشارك في النسخة الـ53 لـ"نصف شهر المخرجين"، في الدورة الـ74 (6 ـ 17 يوليو/ تموز 2021) لمهرجان "كانّ" السينمائي ـ اختباراً لكيفية تحويل الصمت والحركة والملامح إلى لغةٍ، تبوح بذاتٍ وروحٍ، وتعكس ألماً ورغبة في خروجٍ آمن إلى سكينةٍ وسلام. الاختبار يُنتج فيلماً، يمتلك شكلاً سينمائياً يتوافق وسيرة شابٍ يُدعى كمال (آدم علي)، يُعرف لاحقاً أنّه عراقيّ، يتسلّل عبر تركيا إلى بلغاريا، ويبدأ رحلة عذابٍ وخوف وقلقٍ وتحدّيات، قبل أنْ تحصل خاتمةٌ معلّقة أو مفتوحة أو ملتبسة، بعد لقاء غير متوقّع مع رجلٍ (بياترو سيسيريالو)، يدفعه إلى بحيرة كبيرة، رغم أنّ الكاميرا تبقى لصيقةً به، من دون كادرات واسعة، تُتيح رؤيةً خارج الشخصية وتفاصيلها وعالمها وانشغالاتها.

مُشكلةٌ أولى تتمثّل بمعلومات مكتوبة في مطلع "أوروبا"، عن وقائع تشهدها عملية تهريب المهاجرين من تركيا إلى القارة العجوز. معلومات كهذه تُلغي بعض الثقل الدرامي والتكثيف السرديّ، اللذين يعتمدهما حيدر رشيد في تصوير حكاية الهروب إلى حلمٍ، لن يُدرك أحدٌ مدى تحقّقه من عدمه. الإلغاء حاصلٌ، لأنّ المعلومات تؤثّر في مُشاهدٍ قبل مُشاهدته الحكاية المروية بالصُور والتمثيل، والتأثير يُمكن أنْ يكون إيجابياً، فيتعاطف المُشاهد مع الشخصية منذ البداية؛ ويُمكن أنْ يكون سلبياً، لأسبابٍ لها علاقة بنظرة المُشاهد وتفكيره ورؤيته الخاصة بأحوال الهجرة والمهاجرين.

في الحالتين، التأثير مُضرّ بمُشاهدةٍ، يُفترض بها أنْ تصنع كلّ شيءٍ في علاقة المُشاهد بما يُشاهده على شاشة كبيرة. يزداد الضرر، لأنّ "أوروبا" غير معنيّ البتّة بمؤثّرات خارجية، كالموسيقى مثلاً، لانغماسه العميق في واقعية قاسيةٍ، وفي اتّكائه على انفعالاتِ الشخصية وتعابيرها الصامتة، غالباً. التفسير الكامن في تلك المعلومات، المتعلّقة بوقائع مجحفة بحقّ ساعين إلى خلاصٍ ما عبر هجرةٍ غير شرعية، يوجِّه المُشاهد في متابعته، أو بعض متابعته على الأقلّ، أحداثاً يُمكن، بلغة سينمائية، قولها عبر صُور وأداءٍ واشتغالاتٍ درامية وفنية.

تقول المعلومات إنّ وصول المهاجرين إلى الحدود بين أوروبا وتركيا "مُنظَّمٌ من قِبل تنظيمات إجرامية، بالتعاون مع قوى شرطة الحدود وموظّفين كبار في الدولة". تذكر أنّ المهاجرين الباحثين عن أمان يتعرّضون لقهرٍ واغتصابٍ ممن "يُفترض بهم أنْ يكونوا حماةً للقانون، الذين يستغلّون المهاجرين بالعنف والترهيب، ويطردونهم إلى ما وراء الحدود". تُضيف أنّ هناك مراقبة للغابات الواقعة على تلك الحدود، والمراقبون أفراد ينتمون إلى جماعاتٍ مسلّحة ومنظّمة، مدنية وقومية، تُطلق على نفسها اسم "صيادو المهاجرين".

بعض تلك المعلومات قابلٌ لتفسير بصريّ، يحصل في لقطاتٍ قليلة (التعنيف اللفظي والقسوة اللذان يستخدمهما من يُسهِّل عملية الهروب لقاء أموال كثيرة؛ مُطاردة مسلّحين لمهاجرين، وقتل بعضهم أحياناً؛ نظرة خبيثة لأحد مُسهّلي الهروب من تركيا إلى أوروبا إزاء امرأة حامل؛ أصوات سيارات الشرطة، التي تُلاحق هؤلاء هنا وهناك؛ إلخ.). التفسير البصري متوافقٌ وأداء آدم علي، المتمكّن من تقديم شخصية كمال بكلّ ما تحمله من قهرٍ وإذلالٍ وخوف ورغبةٍ، واحتيال على ما يواجهه للحصول على ما يحتاج إليه، في رحلة الهروب. هذا يصنعه توليفٌ (حيدر رشيد وسونيا جانّيتو، كاتبا الفيلم أيضاً)، يمنح المَشَاهد حيويتها المطلوبة.

تجربة صُنع "أوروبا" تؤدّي إلى فيلمٍ، يُمكن تجريده من كلّ مضمونٍ خطابيّ عن هجرة ومهاجرين، وموقف أوروبا من الهجرة وكيفية تعاملها مع المهاجرين، لمتابعة أجمل وأدقّ لتفاصيل سينمائية. الإشارة إلى بلغاريا تحدّد فعلاً جرميّاً بحيّز واحدٍ، رغم أنّ التحديد مطلوبٌ، كاعتبار المُهاجر عراقياً، فهذا كلّه غير لاغٍ أهوال الهجرة ومصائب المهاجرين جميعاً، باختيار وسائل غير شرعية لبلوغ أمانٍ منشود. التوقّف عند "الحدود التركية مع بلغاريا" (كما في نهاية المعلومات) يؤكّد الجغرافيا التي تشهد فصول تلك الرحلة.

رغم هذا، يُتيح تجريد الفيلم من السؤال المباشر عن الهجرة والمهاجرين إمكانية معاينة مختلفة لمتتاليات بصرية، فيها من جماليات الصورة ما يكفي للتنبّه إلى حُسْنِ اشتغالٍ.

 

العربي الجديد اللندنية في

06.08.2021

 
 
 
 
 

فيلم «ريش» لعمر الزهيري: ذكر مصري لا ينفع

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي»: شاهدنا فيلم «ريش» للمخرج المصري عمر الزهيري في أسبوع النقاد في مهرجان كان، وفور إضاءة أنوار قاعة العرض بعد انتهاء الفيلم، كنا قد تيقنا أننا أمام فيلم مهم لم تشهد السينما المصرية ما يضاهيه إبداعيا منذ أعوام. ولم يخيب الفيلم الظنون، حيث فاز بجائزتي أسبوع النقاد الدولي في المهرجان، وبجائزة الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسى فيلم يجمع بين الواقع والفانتازيا، في ما يشبه عالم الواقعية السحرية، ليضعنا أمام صورة قاتمة ساخرة للأسرة المصرية، وللذكر المصري، وللمرأة في مصر وما تشهده من عذابات في المقام الأول.

ولتكن بدايتنا من عنوان الفيلم، «ريش».. الفيلم ببساطة عن رجل مصري، زوج وأب، يتحول إلى دجاجة، لم يختر الزهيري لفيلمه مثلا اسم «دجاجة» لأن في الدجاجة ما ينفع، فيها لحم يمكن أن يقيم الأود، أو يمد الصغار بالزاد، أو يوفر لهم البيض أو ما شابه. لكن ما نفع الريش! الريش هو سقط المتاع هو ما يُتخلص منه أو يُلقى في النفايات بعد الحصول على ما ينفع من الدجاجة.

هذا الزوج والأب المصري إذن هو سقط المتاع، هو ما لا يجدي وما لا ينفع.. هو أب وزوج فقير يحتفظ بجنيهاته القليلة في صندوق عتيق يحتفظ بمفتاحه، ويمن على زوجته بقروش معدودة تشتري بها ما يسد أفواه الصغار. ويقرر هذا الأب، الذي يعيش هو وأسرته في منطقة صناعية فقيرة، يكسوها دخان المصانع والغبار، أن يقيم حفل عيد ميلاد لطفله الصغير، وفي ذلك الحفل يتحول الأب بفعل لعبة ساحر إلى دجاجة. يترك زوجته خفيضة الصوت دوما، منحنية الهامة والرأس دوما، المنصتة لتعليماته دوما، لتواجه العالم في محاولة لتدبير قوت يومها، وما يوفر لقيمات معدودات لصغارها. لو أننا محل هذ الأم المسكينة، لربما فكرنا في ذبح هذه الدجاجة التي كانت أبا لإطعام الصغار. لكن هذه الأم والزوجة التي تشربت من المجتمع هذا التبجيل للرجل والأب والذكر، تقرر أن تمنح هذه الدجاجة/الزوج/الأب مكان الصدارة في البيت، متخلية عن غرفتها وفراشها لهذا الريش. بيد أن الأمر الساخر حقا في الفيلم هو أن هذا الزوج/الدجاجة ليس بأسوأ نماذج الرجال في الفيلم، أو في المجتمع المصري ككل. هو رجل أفضل ما يمكننا وصفه به هو أنه رجل قليل الحيلة، صاحب تطلعات ذكورية سلطوية على ضعفه. هو رجل يعيش خيلاء الذكورة على فقره، فيحدث زوجته عن بعثة زار فيها أحد البلدان، الذي يوفر لكل فرد بقرة يشرب حليبها باردا أو ساخنا، حديث يفترض به أن يبهر تلك المرأة الصامتة، التي لم تخبر من الدنيا شيئا. هو رجل يمني طفليه رثي الثياب بطاولة بلياردو. هو رجل يرى أن شراء نافورة يزين بها البيت الرث ويباهي بها ذاته أمام الجيران والأصدقاء خير من سداد إيجار منزله المتأخر المتراكم منذ عدة أشهر. هو رجل قدوته ومن يتطلع له في الحياة ليس خيرا من ذلك الذي يعمل في تهريب السلع والبضائع، بل إنه يتزلف إلى هذا المهرب علّه يحصل منه على بعض المال.

إحدى المفارقات الرئيسية في الفيلم هي أن هذه الدجاجة التي كانت رجلا تعيش حياة أفضل مما يعيشه البشر في الفيلم. هذه الدجاجة تنام على فراش وتحصل على طعامها قبل باقي الأسرة، وحين تمرض تهرع بها الزوجة إلى المستشفى لتدفع مئات الجنيهات لعلاجها، رغم الهوان والذل والتنمر والتحرش الذي تواجهه الزوجة للحصول على قروش معدودة لإطعام الصغار. نرى اللحم قاسما مشتركا في العديد من مشاهد الفيلم، تعمل الزوجة في مصنع للحوم الدواجن بعد تحول الزوج، لحوم لا تجرؤ حتى على اشتهائها لفقرها الشديد، ثم نراها تعمل في قصر سيدة ثرية تطعم كلبها المدلل لحما تتوق الزوجة لمذاق قطعة منه، تسرقها خلسة للصغار، ثم نراها تنظف لحم السمك من الأشواك لتقدمه لمخدومها في متجر ما. هي امرأة فقيرة تشتهي اللحم بمعناه الحرفي، اللحم الذي يقيم أود الصغار ويغذي الجسد الضعيف، لكنها هي أيضا ينظر لها الرجال على أنها قطعة لحم يمكن افتراسها. تدرك بعد فترة وجيزة أن مساعدة الرجال لها لا تأتي إلا مشروطة بتحرشهم بها أو باستغلالهم لاحتياجها. هم يرونها قطعة لحم سائغة لمجرد غياب الرجل/الدجاجة.

يقدم الزهيري عالما سيرياليا غرائبيا، كما لو أن الأبوكالبس قد حل بمصر فاستحالت رمادا ودخانا وغبارا، لكن هذا الواقع الغرائبي الذي تواجهه هذه الزوجة والأم لا يختلف كثيرا عن المعاناة والتنكيل والتحرش والاستضعاف الذي تواجهه الكثير من النساء في مصر.

والسؤال الذي يراودنا أثناء مشاهدة الفيلم هو، ترى إذا عاد هذا الرجل إلى صورته الأولى وذهبت الدجاجة هل ستختلف حياة هذه المرأة؟ هل ستتحسن؟ هل ستجد بعض الراحة؟ ربما تشير نهاية الفيلم الصادمة إلى إجابة هذا التساؤل. واقع الحال هو أن هذه المرأة ستواجه الأمرين، وتواجه شظف العيش، وأعين الرجال وأيديهم، وستواجه قسوة المجتمع وغلظته، سواء كانت بمفردها أم حاملة لحفنة من الريش.

 

القدس العربي اللندنية في

05.08.2021

 
 
 
 
 

نبيل عيوش: الشباب العربي يعيش في واقع مغلق ويبحث عن هويته

فيلمه الجديد "علّي صوتك" عن الجيل الذي يقول "لا" للإرهاب

هوفيك حبشيان

قدّم نبيل عيوش في الدورة الأخيرة من مهرجان "كان" السينمائي فيلمه الأحدث "علّي صوتك" الذي كان منتظراً جداً. هذا أول دخول لهذا المخرج المغربي إلى مسابقة "كان" في إحدى المشاركات النادرة للسينما المغربية ضمن سباق "السعفة الذهبية". كل جديد لهذا الخمسيني الذي سبق أن أخرج سبعة أفلام روائية طويلة للسينما، أثار عبر الماضي سجالاً حاداً في المغرب، وخارجه، سجال كان يدور بين المحافظين والليبراليين، بين العروبيين والفرنكوفونيين، وغيرهم. آخر جدل كان يوم أنجز فيلمه الجريء "الزين اللي فيك" عن عالم الدعارة في مراكش. فيلمه الجديد لا يشذ عن القاعدة، ومن المنتظر أن يكون مادة دسمة للنقاش، فهو عن مجموعة شبان وشابات يمارسون موسيقى الهيب هوب والراب والرقص في سيدي مؤمن، أحد أفقر أحياء الدار البيضاء.

هذا الحي ليس فقط مصدر إلهام عند عيوش الذي صور فيه تحفته "علي زاوا"، و"يا خيل الله"، بل هو أيضاً البقعة التي أسس فيها قبل سبع سنوات مركزاً ثقافياً تقام فيه ورش لتعليم الموسيقى والرقص كنوع من رد حضاري على ظاهرة التطرف الديني التي جرّت الويلات على الحي، وترجمت بالإرهاب الذي رعاه تجار باسم الدين، وزرعوه في قلوب الشباب الذي يعاني الفقر والإقصاء والتهميش. هذا المركز الذي أعطى للشباب فرصة كي ينخرطوا في المجتمع بطريقة إيجابية، اختار عيوش من بين المنتسبين إليه ممثلي فيلمه الجديد، في نوع من تقارب بين الواقع والفن. وعلى رأس هؤلاء المدير الفني للمركز أنس بسبوسي الذي يلعب دور البطولة في "علّي صوتك". 

آراء متضاربة

في "كان"، أجريت لقاءً صحافياً مع عيوش ودار بيننا نقاش حول الفيلم وتفاصيله. بداية قلت له، "ما ترويه واقعي إلى حد بعيد. ولكوني أعرف المغرب جيداً، فالقصة لمستني في الصميم. كل هذه السجالات بين الشباب حقيقية، ولكن أكثر ما لفتني إصرارك على القول إن هؤلاء الشباب لا يأتون من كوكب آخر، بل انهم أبناء هذا المجتمع بكل تناقضاته: بعضهم، على الرغم من درجة معينة من التحرر الظاهري الذي هو عليه، ورث أفكار أجداده ولا رغبة لديه في الإزاحة عنها". كان رد عيوش: "أوافقك. كان مهماً عندي ان تتضارب الآراء، لا بل اخترتهم لهذا السبب. لأنهم يمثلون تيارات مختلفة داخل المجتمع المغربي. كانت لديهم آراء متضاربة في شأن السياسة والمجتمع والدين، وغيرها من المواضيع. في كثير من الأحيان، نراهم لا يتفقون. أنا شخصياً، نشأت على فكرة تقديس النقاش والعقل النقدي. لهذا السبب اخترت شباباً ينتمون إلى أفكار مختلفة، شرط أن لا يفسد الخلاف في الود قضية، وأن يحصل هذا كله في إطار من الاحترام المتبادل".

قد يسأل المشاهد وهو يتابع أحداث الفيلم عن متطلبات الشباب في الفيلم. صحيح أن كثيراً منها يأتي على لسانهم في الأغاني، لكن ليس عيباً طرح سؤال كهذا على عيوش كي يأتينا بالخلاصة الواضحة. يقول: "هؤلاء الشباب يحتاجون إلى أن تنصت اليهم السلطات وينصت اليهم المجتمع، وكذلك أن تخصص لهم فضاءات من الحرية. أعتقد أن الأجيال الجديدة في العالم العربي تعيش في واقع مقفل مع القليل جداً من المساحات التي تتيح لها تحرير طاقاتها. وهذا ما يأتي في أي حال على لسان الشباب في الفيلم. هم في أمس الحاجة إلى أن يعلنوا عن هويتهم من دون قيود. هذا هو مطلبهم الأساسي. ثم هناك أيضاً مطالب اجتماعية مثل العثور على عمل والحق في الاستشفاء والعدالة الاجتماعية، ولكن هذه مطالب عامة تخص الشعب بأكمله، وليس هم فقط". 

مدرسة الإيجابية

عيوش وبسبوسي أسّسا معاً مركزاً ثقافياً يدور حول ما يعرف بـ"مدرسة الإيجابية"، ولكن ما هي هذه المدرسة تحديداً، وعلامَ تشجع؟ يقول بسوبسي الذي كان حاضراً خلال المقابلة: "برنامجنا مخصص بالكامل لممارسة وتعليم ثقافة الهيب هوب وعناصرها المختلفة من مثل الراب والرقص والغرافيتي. هدفنا الأساسي هو نقل كل المعلمومات التي هم في حاجة إليها عن تاريخ هذه الثقافة، وصولاً إلى تحولها حركة احتجاجية عالمية. كان هذا ضرورياً، لأن الشباب يفتقدون المعلومات المتعلقة بهذا الفن. ويقتصر فهمهم له في الجانب التجاري. عليهم أن يعلموا بأن الهيب هوب فن مطلبي يتيح لنا التعبير عما يحثنا على الثورة في واقعنا اليومي. إنه فن يجعلنا نقول للناس ما لا نستطيع أن نقوله في وجوههم. قبل تأسيس هذا المركز، كان هؤلاء الشباب أناساً عاديين، واليوم أصبحوا فنانين ونماذج لشباب بلادهم، ومع هذا الفيلم أصبحوا فخراً".

هذا الحي عرفه عيوش في أواسط التسعينيات يوم أن صور فيه فيلماً وثائقياً، ثم عاد والتقط فيه مشاهد من "علي زاوا". وقتذاك، كان حياً فقيراً مليئاً بالعشوائيات، فأضحى بحسب عيوش أرضاً خصبة للإسلاميين من كل حدب وصوب. هؤلاء جاؤوا ينشرون فيه عقيدتهم بين الشباب. يروي عيوش قائلاً: "هناك خلايا إرهابية نشأت في هذا الحي. إلا أنه تغير كثيراً منذ ذلك الحين. بعد التفجيرات، تدخلت السلطات المغربية لتغيير التخطيط العمراني الخاص بالحي. تم هدم بعض العشوائيات وتشييد مبانٍ مكانها. وأحياناً ارتكبت السلطات الأخطاء نفسها التي ارتكبت في أوروبا، أي إنها أهملت الجانب المتعلق ببناء صلة عميقة بين الناس والمكان الذي يعيشون فيه. وهذه من الأسباب التي جعلتنا نؤسس هذا المركز الثقافي. كان الحي معزولاً عن بقية أحياء الدار البيضاء، وعندما كنت أصور "يا خيل الله" اكتشفت أن كثيراً من الشباب لم يضعوا أرجلهم في وسط المدينة، وذلك لصعوبة التنقل. فالأمر كان يحتاج إلى الصعود في سيارة أجرة، وهذا مكلف. والعكس صحيح: أي إن الناس الذين يقطنون في وسط المدينة لم يعتادوا على زيارة سيدي مؤمن. ثم، حصل ما كان إيجابياً: تم إنشاء خط تروماي يربط وسط المدينة بسيدي مؤمن، وهذا خلق صلة، وهذه الصلة التي يجب أن تكون على مستويين، ساهمت في إبعاد تجار الدين عن المنطقة. الجدير بالذكر أن المستوى الأول هو طرد من رؤوس الناس فكرة أنهم مواطنون درجة ثانية. والمستوى الثاني هو جسدي محض. هذه الصلة، خلافاً للماضي، أصبحت متوافرة اليوم، وهي غيرت كل شيء". 

حي الإبداع والفن

من الصعب لمن شاهد الفيلم ألا يتذكر "يا خيل الله"، أحد أشهر أعمال عيوش الذي عرض في "كان" قبل نحو عقد وهو يحكي عن الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت الدار البيضاء عام 2003... "هل يمكن القول إن الفيلم الجديد هو المقابل الإيجابي له؟"، هذا هو السؤال الذي شغلني خلال المشاهدة، وطرحته على عيوش، فوجدته مؤيداً لإحساسي. قال: "نعم، إنه كذلك تماماً... "يا خيل الله" كان يروي كيف تحول أولاد في العاشرة من العمر إلى قنابل إنسانية لارتكاب عمليات إرهابية في قلب المغرب. أما "علّي صوتك" فيتعقب الجيل الذي ما بعد جيل الإرهاب، حتى إننا نسمع أحدهم يقول للثاني، "أنت لم تكن قد وُلدت بعد عندما وقعت التفجيرات. فـ18 سنة تفصل بين اللحظتين. الانتحاريون كانوا يستعدون للقيام بعملهم في اللحظة التي كان يولد فيها هؤلاء الشباب. الفرق مع هذا الجيل هو أنه يرى الأشياء من منظار إيجابي. هو هنا ليقول "لا، نحن لسنا بؤرة إرهابيين، نحن حي للإبداع والفن"، وهكذا.

ما كان من الممكن لقاء عيوش من دون الحديث عن الاتهامات التي تُساق ضده في المغرب، فهو بالنسبة لكُثر يغازل الغرب بمواضيع فيها كثير من التنميط، لا بل يصنع الأفلام لجمهور غربي ولمفهوم غربي استشراقي للعالم العربي. موضوع دقيق قد يعرفه المخرج جيداً وقرأ عنه مراراً في الإعلام. هناك عدد من النقاد يعتبرون أن النجاح الذي يحظى به في الغرب وقبوله في المهرجانات الدولية ما هما سوى نتيجة حتمية لانصياعه للرؤية الغربية في تناول بعض الإشكاليات الاجتماعية مثل الإرهاب وقضية المرأة وحرية التعبير، وسواها. طرحت عليه السؤال وأنا أعلم مسبقاً جواب عيوش الذي كان قد رد على الانتقادات ذات مرة ناصحاً المغاربة بزيارة بلدهم في تعليق لئيم وساخر. يقول: "ما قلت لك للتو إنني أحارب فكرة تنميطنا في الغرب يتناقض مع الاتهامات هذه، ثم إنني أحاول في المرتبة الأولى أن أنجز أفلاماً تعجبني. وإذا حدث أن نال أيضاً إعجاب الغرب وإعجاب العالم بأسره فليكن. سأكون سعيداً. هدف أي فيلم هو الانتشار. الأفلام تنال الإعجاب لأنها فيها جانب من العالمية، وهي قادرة على مخاطبة المغربي واللبناني والياباني والأميركي في الوقت ذاته، وفي هذا يكمن جمال السينما. يجب ألا نخاف من هذا، بل على العكس إنه مصدر فخر لي. مثلما هناك أفلام أميركية تتوجه للعالم أجمع، هناك أيضاً أفلام مغربية وعربية قادرة على جذب جمهور غربي". 

 

الـ The Independent  في

10.08.2021

 
 
 
 
 

المخرج التشادي محمد صالح هارون أدخل السينما لبلاده التي لم تعرفها من قبل

المغرب: عبد الكريم واكريم

 لم تعد سينمات العالم الثالث ومن ضمنها الأفلام المنتمية للقارة الإفريقية مطلوبة بكثرة في المحافل الدولية السينمائية الرئيسة، كما كان عليه الحال فيما مضى، خصوصا أن «السياسة» أصبحت في كثير من الأحيان من بين المحددات التي تجعل المسؤولين عن المهرجانات الدولية ككان وبرلين والبندقية يتحمسون لأفلام العالم الثالث، مع اشتراط ضرورة احتوائها على توابل فنية تجعل مشاركتها في مهرجان كبير أمرا مقبولا ولا يثير شبهة المنفعة السياسية.

ضمن هذا السياق، وبعد الغياب السينمائي للقارة السمراء عن المهرجانات الدولية الكبيرة، ثمة سينمائي أفريقي ظهر اسم بقوة، هو الذي لا تكمن قوة أفلامه في ما هو سياسي فقط - رغم أن كل أفلامه تدور حول تيمات سياسة، ولو أنها على خلفيات أحداث اجتماعية أهم وبشكل موارب- بل في ذلك البعد الإنساني الواسع الذي تحمله شخوص هذه الأفلام أيضا.

إنه المخرج السينمائي التشادي محمد صالح هارون، المخرج الافريقي الأكثر حضورا في المحافل الدولية السينمائية ككان والبندقية، منذ ما يناهز الخمس عشرة سنة الماضية، فأفلامه كلها تقريبا مرت بأحد هذين المهرجانين، اللذين يُعدان الأهم سينمائيا على الإطلاق، ونالت أكبر جوائزهما.

لا يمكن للمتتبع للمسار السينمائي لمحمد صالح هارون سوى أن يُعجب بتفرد هذا المخرج، الذي أدخل السينما لبلد لم يكن يعرفها من قبله. فأسلوبه سينمائي خالص، يعتمد الصورة بالأساس ويجعل الحوارات لا تبوح بكل شيء، بقدر ما تكون مُكمِّلا لما تعبر عنه الصورة.

من بين أهم مميزات الأسلوب السينمائي لمحمد صالح هارون، كونه يتبع في كل أفلامه مسار شخصية واحدة أو اثنتين، والتي تكون في أغلب الأحيان هامشية ومختلفة عما يحيط بها، وتصارع ظروفا قاسية وتتنازعها أحاسيس متناقضة ومتضاربة، تجعلها منقسمة على ذاتها بين ما يُفرض عليها أن تفعله وتكونه وما تحس به وتراه من وجهة نظرها صائبا

وهكذا نجدها مُمزقة بين طموحات جارفة تفوق قدراتها وتتعارض مع إكراهات واقع بئيس وحاط من إنسانيتها.

ف «كري كري» الذي يحمل آخر أفلام محمد صالح هارون اسمه، شخصية هامشية، يشكو من عجز خُلقي كونه أعرج، لكن هذا لا يمنعه من محاولة تحدي إعاقته طوال الوقت وحتى آخر لحظات الفيلم.

تدور أحداث هذا الفيلم حول مهربي البنزين والغاز في (تشاد)، وهو أول فيلم للمخرج الذي تجري وقائعه في فترة ما بعد الحرب التشادية، إذ كل أفلام صالح هارون الأخرى تدور أحداثها على خلفية للحرب الأهلية التشادية.

يحاول محمد صالح هارون في أفلامه عدم السقوط في الخطاب المباشر بابتعاده عن تصوير الصراع المسلح وجعله موضوعه الأساسي، 

مفضلا الانحياز إلى جانب شخوص هامشية لا دور لها في الصراع الدائر، بقدر ما تكون ضحية له وفاضحة لمآسيه ونداءاته، بما تتميز به من براءة وطُهر يتناقضان مع المحيط الذي تنتمي إليه.

ويظل أجمل ما في أفلام هارون هو ذلك الحياد الإيجابي الذي يميز أسلوب كبار المبدعين (كانوا روائيين أم مخرجين) الذين لا يدَعون مواقفهم الايديولوجية تطغى على البناء الدرامي لأعمالهم، إلى درجة قد يُظهرون فيها الشخوص التي تحمل ايديولوجيات مضادة ومختلفة لما يتبنونه أو يؤمنون به بمظهر كاريكاتوري أو قبيح، يمثل الشر المطلق في مواجهة خير مطلق. إذ ليس في أفلامه أبيض صاف مقابل أسود قاتم، بل بها كثير من اللون الرمادي، بحيث تصبح المواقف ملتبسة والشخوص تتنازعها دوافع متناقضة، ويصعب الحكم عليها وإدانتها، إذ قد تكون في الآن نفسه جلادا وضحية، ظالمة ومظلومة، شريرة وخيِّرة، وهي على العموم حاملة لتلك المتناقضات التي تجعلها تستحق أن تكون إنسانية بامتياز.

ويظهر لنا هذا الجانب بوضوح في فيلم «دارات» من خلال شخصية «نسرات» مجرم الحرب السابق الذي تتقاذفه مشاعر الندم على ما بدر منه في الماضي، محاولا فعل الخير والتوبة، رغم أن ماضيه لا يكف عن ملاحقته.

يتناول المخرج التشادي في هذا الفيلم، الذي نال عنه جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان البندقية السينمائي، تيمة الثأر في مقابل العفو والصفح، من خلال مسار شاب قادم من قريته النائية إلى العاصمة نجامينا قصد الثأر من مجرم الحرب السابق قاتل والده، 

بعد صدور عفو شامل عن كل من ارتكبوا جرائم أثناء الحرب التي وضعت أوزارها للتو، لكن وبعد أن يجد حاتم البالغ من العمر 16 سنة قاتل والده «نسرات» ويشتغل معه في مخبزه الصغير متحينا الفرصة لقتله، تنشأ بين الاثنين بالتدريج علاقة غريبة تجعل الشاب يكتشف تجاه قاتل والده مشاعر ابن لأبيه، لم يسبق له أن عرفها من قبل، محاولا التنصل منها دون أن ينجح في ذلك.

«دارت» فيلم مليء بالمواقف الإنسانية التي استطاع محمد صالح هارون صياغتها بأسلوب جمالي متميز ومبتكر سنجده في أفلامه الأخرى، بحيث يصبح من بين أهم لمساته التي تميزه كمخرج مبدع ذي بصمة ورؤية خاصتين.

 

الصباح العراقية في

16.08.2021

 
 
 
 
 

فيلم «ميموريا» : صوت غامض يربط الحاضر بالماضي البعيد

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي» :يبدأ «ميموريا» للمخرج التايلندي أبيشاتبونغ ويراسيتاكول، الحائز جائزة لجنة التحكم في مهرجان كان السينمائي لعام 2021، بصمت ممتد وامرأة في فراشها، ويقطع هذا الصمت المطول صوت ارتطام، كما لو أننا في صمت وهدوء يضمان الكون، لا يقطعهما إلا ضجيج بشري لا يلبث أن ينتهي لتعود السكينة مجددا. ربما يكون هذا الارتطام الذي يوقظ تلك المرأة من مرقدها في مستهل الفيلم دعوة لها حتى تخرج من سُباتها وعيشها في اللحظة الآنية للتواصل مع حيوات أخرى وأبعاد أخرى للوجود لا نعيها نظرا لانشغالنا بالصخب الدائم للحياة.

في «ميموريا» أول فيلم ناطق بالإنكليزية للمخرج التايلندي، يصحبنا ويراسيتاكول في عالمه التأملي، الذي ينداح كقصيدة. ربما لا يمكننا أن نسبر أغوار كل ما تحمله هذه القصيدة البصرية من معنى، لكنها تأسرنا بإيقاعها الهادئ، وتبقينا تحت سطوتها طويلا. يصحبنا المخرج في رحلة ندرك فيها أن الحاضر والماضي، ومن هم على قيد الحياة ومن رحلوا عنها يمكنهم أن يجتمعوا. يدعونا الفيلم للتساؤل عما يبقى منا عندما نرحل من هذه الدنيا. ترى هل نندثر ونفنى تماما؟ أم هل تبقى منا ومضات وأصوات يمكن للعالم الإصغاء إليها إذا أمعن النظر وأصغى جيدا. «ميموريا» فيلم ينسينا في صحبته الصخب، وحين يصمت ضجيج العالم ندرك معنى أعمق وأرحب للحياة والكون.

قد يبعد الإيقاع الرتيب الهادئ للفيلم بعض المشاهدين، لكن أولئك الذين يسمحون لإيقاعه الهادئ ونغماته الخفيضة أن تتغلغل في أعماقهم سيجدون فيه الكثير من الرحابة، والتأمل والعمق الفكري والإنساني. يقدم ويراسيتاكول فيلما متطلبا، يدعونا إلى التعمق في ما يحمله من أفكار ومن بعد إنساني، ويجعلنا نمعن النظر في وجودنا على الأرض. وكما اعتدنا من ويراسيتاكول في فيلميه «العم بونميه يتذكر حيواته السابقة» المتوج بالسعفة الذهبية في مهرجان كان عام 2010، و»مقبرة الروعة» يمضي «ميموريا» كحلم يحمل في طياته الكثير من التأمل الوجودي.

الشخصية المحورية في الفيلم، الذي تدور أحداثه في كولومبيا في أمريكا اللاتينية، هي جيسيكا (تيلدا سوينتون في أداء مُلهم) التي تحاول الوصول إلى سبب هذه الطرقات الغامضة التي لا يسمعها إلا هي. تبحث جاهدة عن مصدر هذه الطرقات الغامضة، التي تشبه ارتطام جسم معدني بمبنى. رحلة بحث تبحر فيها جيسيكا في أعماقها، وفي أسباب وجودها وأسباب وجودنا على الأرض. قد يختبر إيقاع «ميموريا» ورحلة جيسيكا الشبيهة بالحلم صبر البعض، لكن هذا البحث المتأمل هو الهدف الرئيسي للفيلم.

يبدأ الفيلم بتلك الطرقات غير المبررة أو المفهومة، التي توقظ جيسيكا من نومها في مكان لا تألفه. تأتي جيسيكا، وهي بريطانية تمتلك مزرعة متخصصة في النباتات النادرة في مديين في كولومبيا، إلى العاصمة بوغوتا لزيارة شقيقتها المريضة، وهناك في بوغوتا تبدأ سماع هذه الطرقات التي لا يسمعها سواها. وفي رحلتها عن البحث عن ماهية الطرقات، تتعرف على مهندس صوت يُدعى إيرنان، تحاول جيسيكا مع إيرنان تخليق صوت يشبه تلك الطرقات الغامضة. لكن الحصول على صوت مشابه مسجل على اسطوانة لا يمنحها القدرة على فهم هذا الصوت، أو يطلعها على مصدره، ولا يمنحها القدرة على فهم ما تسمعه هي دون سواها. لا تبحث جيسيكا عن مبرر طبي أو صحي لهذا الصوت الذي يطاردها ويوقظها من نومها، بل تسعى إلى ما هو أعمق من ذلك. تأخذها رحلة بحثها هذه إلى أعماق تاريخ كولومبيا وماضيها السياسي، وما مرت به من مآس وآلام. وتواجه في رحلة بحثها الحاضر والماضي، اللذين يمتزجان ويتعايشان، وتمضي في رحلة بحثها لتصل إلى الكشف الذي ينتهي به الفيلم. يأتينا «ميموريا» كحلم، أو رؤية متأملة للوجود. قد لا تجد جيسيكا تفسيرا للظاهرة الصوتية التي تواجهها في الطب الحديث، لكن وجودها وسط الغابات الرحيبة في كولمبيا يعطيها القدرة على التواصل مع ماضي هذه البلاد وأهلها، كما لو أن الحاضر والماضي يتزامنان ويتعايشان. لا يسعى ويراسيتاكول إلى فهم ماضي كولومبيا وما مرت به من أحداث ومآس فقط، بل يسعى إلى فهم الماضي الإنساني بأسره. هذه الطرقات الغامضة، ربما تشير إلى ما مرّ بذلك البلد في أمريكا اللاتينية من عنف وأحداث جسام، وربما يشير إلى العنف الذي يحدثه الإنسان والدمار الذي يلحقه بالطبيعة. تذهب جيسيكا لاستكشاف منطقة أثرية في عمق الغابات في كولومبيا، لكنها تلتقي في رحلتها برجل يربط الماضي بالحاضر ويقدم لها تفسيرا لتلك الظاهرة الصوتية التي شغلتها طويلا. يقدم ويراسيتاكول تفسيرا قد يثير عجب الكثيرين، لكنه يأتي متسقا مع النهج التأملي لمخرج الفيلم.

تؤدي تيلدا سوينتون دور جيسيكا بإتقان وحساسية بالغين. تبدو سوينتون، بجسدها النحيل وبشرتها شاحبة البياض، كمرأة تعاني من أرق وألم لغز كبير لا يمكنها تفسيره. جيسيكا غريبة في بلد غريب، وفي بيئة تختلف كل الاختلاف عن بيئتها، وتجسد سوينتون شعور جيسيكا بالغربة والوحشة، بنظرتها الزائغة القلقة وبكل تعبيرات وجهها المرهق الغارق في تأمل دائم.

 

القدس العربي اللندنية في

18.08.2021

 
 
 
 
 

دميانة نصار بطلة فيلم "ريش":

كان نفسى أكون زى الفنانين بس كنت خايفة جوزى يمنعنى

كتب بهاء نبيل

حل صناع وأبطال فيلم "ريش" الحاصل على جائزة الفيبريسي لأفضل فيلم في الأقسام الموازية وجائزة أفضل فيلم بأسبوع النقاد بمهرجان كان، ضيوفا فى برنامج "معكم" للإعلامية منى الشاذلى المذاع على قناة Cbc، وكشفوا عن بداية فكرة الفيلم واختيار أبطاله، حيث قالت بطلة الفيلم دميانة نصار: "جاء المخرج عمر الزهيرى في الصعيد وكان عاوز واحدة تعمل دور في فيلم، وبنتى عرفتنى المعلومة دى فقلتلها ماشى هاروح أشوف".

وتابعت دميانة نصار: "كان دايما جوايا إحساس نفسى أكون زى الفنانين ولكن عمرى ما اتكلمت وقلت حاجة لحد وكله جوايا وبقولى نفسى أكون زى الفنانين، ومكنتش بتكلم في الموضوع ده خالص، وخايفة زوجى يمنعنى، ولكن لما عرض المخرج عمر الزهيرى الموضوع واخدت رأيه قالى ده حلو ليكى ووافق علطول".

وقال المخرج عمر الزهيرى: "طريقتى فى الشغل عكس كل الطبيعى سواء في اختيار الأفكار أو طريقة تنفيذها وأنا بشتغل بالحدث والإحساس، وكل اللى بدور عليه طلة معينة ولما شوفتها في دميانة شوفت كل الفيلم اللى في بالى في اللحظة دى، وأنا بهتم بطريقة الناس الحقيقية اكتر من التمثيل نفسه، ومن هنا اشتغلت على الانطباع اللى جالى".

وتدور قصة الفيلم حول أم تعيش في كنف زوجها وأبنائها، حياة لا تتغير وأيام تتكرر بين جدران المنزل الذي لا تغادره ولا تعرف ما يدور خارجه، ذات يوم يحدث التغير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، فأثناء الاحتفال بيوم ميلاد الابن الأصغر، يخطئ الساحر ويفقد السيطرة ويفشل في إعادة الزوج، الزوج الذي كان يدير كل تفاصيل حياة هذه الأسرة، هذا التحول العنيف يجبر هذه الزوجة الخاملة على تحمل المسؤولية بحثاً عن حلول للأزمة واستعادة الزوج، وتحاول النجاة بما تبقى من أسرتها الصغيرة، وخلال هذه الأيام الصعبة تمر الزوجة بتغيرٍ قاسٍ وعبثي.

ويمزج الفيلم بين الواقع والفانتازيا، إذ يتناول قصة أب يقرر إقامة عيد ميلاد ابنه الأكبر فيحضر ساحرا لتقديم بعض الفقرات المسلية للأطفال، وفي إحدى الفقرات يدخل الأب في صندوق خشبي ليتحول إلى دجاجة ومع محاولة الساحر إعادته مرة أخرى تفشل الخدعة ويبقى الأب في هيئة دجاجة.

يعد "ريش" هو أول الأفلام الروائية الطويلة للمخرج عمر الزهيري، وقد اشترك في تأليفه مع السيناريست أحمد عامر وهو من إنتاج الفرنسيين جولييت لوبوتر وبيير مناهيم من خلال شركة Still Moving، بالمشاركة مع وLagoonie Film Production للمنتجة شاهيناز العقاد وفيلم كلينك والمنتج محمد حفظي، درك جان وارينك وكوجي نيليسين (Kepler Film)، جيورجوس كرنفاس وكونستانتينوس كنتفركيس (Heretic) وفيرونا ماير، وتتولى توزيعه في العالم العربي شركة Film Clinic Indie Distribution.

وتم تطوير مشروع الفيلم بدعم من جائزة baumi لتطوير السيناريو، تورينو فيلم لاب ومؤسسة Cinefondation، ونال جائزة الأطلس لما بعد الإنتاج في ورشة الأطلس ضمن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش 2020.

 

####

 

بطلة فيلم "ريش": سألت ابنى يعنى إيه مهرجان كان..

والمنتجة: زغرط وعيط فى نفس الوقت

كتب بهاء نبيل

حل صناع وأبطال فيلم "ريش" الحاصل على جائزة الفيبريسي لأفضل فيلم في الأقسام الموازية وجائزة أفضل فيلم بأسبوع النقاد بمهرجان كان، ضيوفا فى برنامج "معكم" للإعلامية منى الشاذلى المذاع على قناة Cbc، وتحدثوا عن كواليس المشاركة في مهرجان كان وحصوله على الجائزة، حيث قال المنتج محمد حفظى: "لم أتوقع أن يحصل الفيلم على جائزة بهذا الحجم مش عشان بقلل من الفيلم ولكن عشان محصلتش قبل كدة، لأن مفيش أى فيلم عربى أخدها، فكانت مفاجأة، بس كنت حاسس إن الفيلم هيتم اختياره للمشاركة في مهرجان كان".

وتابعت المنتجة شاهيناز العقاد: "أنا مروحتش مهرجان كان بس مكنتش متخيلة إننا هناخد جائزة وكلمت محمد حفظى وعمر الزهيرى وقالولى احنا قاعدين مع بعض ومش مصدقين فقلتلهم أنا كمان مش مصدقة، وحفظى بعتلى الفيديوهات من الحدث وقالى مبروك، وحمدت ربنا إنى مكنتش معاهم لأن أنا كنت حاسة أن قلبى هيقف أكننا أخدنا كاس العالم وقعدت أزغرط وأعيط في نفس الوقت".

وقال المخرج عمر الزهيرى: "أنا بشوف السينما أنواع مختلفة عندنا في سينما تجارية وفى سينما بنحتاجها من حين لآخر تربك اللى متعارف عليه وأنا بحب لما اشتغل على فيلم إنى أكون أنا بس اللى ممكن أعمله، والحاجة التانية والمهمة اننا نعمل حاجات للجمهور ميكونش معتاد عليها ويكون فيها شوية خيال مع وجود المشاعر الإنسانية العادية".وقالت دميانة نصار، بطلة الفيلم: "لما المخرج عمر الزهيرى عرض عليا الدور قالى انى هعمل نفس شخصيتى بنفس شكلى بنفس ملابسي اللى بلبسها، وقلتله أنا مش متعلمة فقالى عادى وأن الدور مش هيكون في كلام كتير وهايكون صامت أكتر".

وعن لحظة علمها بفوز الفيلم بجائزة مهرجان كان قالت دميانة نصار: "ابنى بيقعد على النت وهو اللى عرفنى الخبر، كان عندنا عيد وكنت راجعة من الكنيسة وهو قالى عندى ليكى خبر حلو وأن الفيلم أخد جايزة في مهرجان كان، فقلتله يعنى إيه مهرجان كان، وقلتله انا رايحة أنام فقالى استنى هاشرح ليكى وقعد يشرحلى ويقرأ لى اللى مكتوب على النت".

وتدور قصة الفيلم حول أم تعيش في كنف زوجها وأبنائها، حياة لا تتغير وأيام تتكرر بين جدران المنزل الذي لا تغادره ولا تعرف ما يدور خارجه، ذات يوم يحدث التغير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، فأثناء الاحتفال بيوم ميلاد الابن الأصغر، يخطئ الساحر ويفقد السيطرة ويفشل في إعادة الزوج، الزوج الذي كان يدير كل تفاصيل حياة هذه الأسرة، هذا التحول العنيف يجبر هذه الزوجة الخاملة على تحمل المسؤولية بحثاً عن حلول للأزمة واستعادة الزوج، وتحاول النجاة بما تبقى من أسرتها الصغيرة، وخلال هذه الأيام الصعبة تمر الزوجة بتغيرٍ قاسٍ وعبثي.

ويمزج الفيلم بين الواقع والفانتازيا، إذ يتناول قصة أب يقرر إقامة عيد ميلاد ابنه الأكبر فيحضر ساحرا لتقديم بعض الفقرات المسلية للأطفال، وفي إحدى الفقرات يدخل الأب في صندوق خشبي ليتحول إلى دجاجة ومع محاولة الساحر إعادته مرة أخرى تفشل الخدعة ويبقى الأب في هيئة دجاجة.

يعد "ريش" هو أول الأفلام الروائية الطويلة للمخرج عمر الزهيري، وقد اشترك في تأليفه مع السيناريست أحمد عامر وهو من إنتاج الفرنسيين جولييت لوبوتر وبيير مناهيم من خلال شركة Still Moving، بالمشاركة مع وLagoonie Film Production للمنتجة شاهيناز العقاد وفيلم كلينك والمنتج محمد حفظي، درك جان وارينك وكوجي نيليسين (Kepler Film)، جيورجوس كرنفاس وكونستانتينوس كنتفركيس (Heretic) وفيرونا ماير، وتتولى توزيعه في العالم العربي شركة Film Clinic Indie Distribution.

وتم تطوير مشروع الفيلم بدعم من جائزة baumi لتطوير السيناريو، تورينو فيلم لاب ومؤسسة Cinefondation، ونال جائزة الأطلس لما بعد الإنتاج في ورشة الأطلس ضمن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش 2020.

 

اليوم السابع المصرية في

20.08.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004