ملفات خاصة

 
 
 

فيلم «ريش» يحقق إنجازا جديدا للسينما المصرية فى مهرجان كان

أحمد فاروق

كان السينمائي الدولي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

· اقتنص الجائزة الكبرى فى مسابقة أسبوع النقاد الدولى ليكمل مسيرة «ستاشر» الفائز بالسعفة الذهبية العام الماضى.

· عمر الزهيرى: الفيلم معنى بالإنسانية وتم بناؤه على عالم غير معروف.. والجائزة تقدير للسينما المصرية والعربية والإفريقية

· أمير رمسيس: يطرح شكلا سينمائيا جديدا.. ولم نتردد فى دعوته للمشاركة فى مهرجان الجونة

· طارق الشناوى: الموسيقى المبهجة تحقق التوازن مع صورته القاتمة

· محمد حفظى: الفيلم مصرى 100%.. والجائزة ستمنحه انطلاقة كبيرة فى الداخل والخارج

اقتنص الفيلم «ريش» للمخرج عمر الزهيرى، الجائزة الكبرى فى النسخة 60 لمسابقة أسبوع النقاد الدولى، والتى أقيمت ضمن فعاليات الدورة 74 لمهرجان كان السينمائى، لتكون السنة الثانية للسينما المصرية التى تحقق فيها إنجاز كبير فى مهرجان كان، بعد فوز الفيلم المصرى القصير «ستاشر» للمخرج سامح علاء، بجائزة السعفة الذهبية العام الماضى.

«ريش» هو الفيلم الروائى الطويل الأول لمخرجه عمر الزهيرى، وأول فيلم مصرى يشارك فى مسابقة أسبوع النقاد، وقد خصص له المهرجان 5 عروض، ثلاثة منها الثلاثاء الماضى بقاعة «ميرامار»، بحضور المخرج عمر الزهيرى، وعدد من صناعه بينهم المنتج محمد حفظى، كما خصص له المهرجان عرضين فى اليوم التالى بقاعة ميرامار، و«ستديو ١٣»، قبل أن يعلن مساء الأربعاء عن فوزه بالجائزة الكبرى، وسط حالة من الاحتفاء النقدى.

الفيلم الذى اشترك فى كتابته إلى جانب المخرج السيناريست أحمد عامر، يقدم قصة أم تعيش فى كنف زوجها وأبنائها، حياة لا تتغير وأيام تتكرر بين جدران المنزل الذى لا تغادره ولا تعرف ما يدور خارجه ذات يوم يحدث التغير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، فأثناء الاحتفال بيوم ميلاد الابن الأصغر، يخطئ الساحر ويفقد السيطرة ويفشل فى إعادة الزوج، الذى كان يدير كل تفاصيل حياة هذه الأسرة، هذا التحول العنيف يجبر هذه الزوجة الخاملة على تحمل المسئولية بحثا عن حلول للأزمة واستعادة الزوج، وتحاول النجاة بما تبقى من أسرتها الصغيرة، وخلال هذه الأيام الصعبة تمر الزوجة بتغير قاس وعبثى.

يقول المخرج عمر الزهيرى لـ«الشروق»، إنه استقبل خبر فوز الفيلم بالجائزة الكبرى فى مسابقة أسبوع النقاد بسعادة غامرة، فالجائزة ضخمة جدا ومشرفة، مؤكدا أنه بشكل شخصى شعر بفخر شديد للسينما المصرية العظيمة التى ينتمى إليها، لأنه ابن المعهد العالى للسينما وتتلمذ على يد أساتذة عظماء وفنانين كبار فى صناعة السينما المصرية العريقة، كطالب ومشاهد ومساعد مخرج.

وأضاف، أنه شعر أيضا بامتنان كبير للحياة والظروف التى سمحت له أن يكون جزءا من هذا التاريخ بفيلمه، فالجائزة هى تقدير لمستوى الفيلم السينمائى وللسينما المصرية والعربية والإفريقية. فهى المرة الأولى فى تاريخ المسابقة يتم منحها لمخرج عربى، وقد كان هناك حفاوة شديدة وانبهار وتقدير كبير لما تم بذله من مجهود فى الفيلم، متمنيا أن تكون الجوائز والمهرجانات دفعة دعائية ونقدية أساسية لعرض الفيلم تجاريا وبالتحديد بشكل دولى.

وعن سبب حماسه لتقديم هذا الفيلم، قال عمر الزهيرى، إنه كان بدافع شخصى جدا تجاه خط الشخصية الرئيسية فى الفيلم هو الذى حمسه لتقديم الفيلم، وتطور تدريجيا مع الوقت، لكن كان أكثر ما حمسه لتقديم الفيلم هو الخط الدرامى الذى يبدو بسيطا ولكن بداخله شخصية شديدة القوة والتعقيد، نافيا فى الوقت نفسه أن يكون الفيلم معنيا بقضايا وأفكار بعينيها، ولكن الفيلم معنى بالإنسانية بشكل عام بغض النظر عن النوع سواء امرأة أو رجل، لذلك لا يوجد أسماء للشخصيات أو أماكن محددة متعارف عليها أو زمان، مجرد أشخاص فى الطلق يستطيع الجميع التفاعل معهم.

وأوضح الزهيرى، أنه يحب فن السينما المعنى أكثر بالمشاعر والمتعة البصرية والصوتية، ولا يفكر فى قضايا أو موضوعات، فقط يحكى قصته من جانب إنسانى ومن وجهة نظره الشخصية.. فاختيار الموضوع تم بناء على مشاعره تجاه القصة.

وعن سبب استغراق رحلة صناعة الفيلم ٥ سنوات كاملة، قال الزهيرى، إن إيقاعه نوعا ما بطىء فى التفكير والتأمل ويعتمد بشكل كبير على الابتعاد من وقت لآخر عن المشروع حتى يتبلور بداخله، وبالتالى الوقت يعتبر جزءا أساسيا من رحلة تنفيذ أى فيلم بالنسبة له، نافيا أن يكون واجه صعوبات أكثر مما يواجه أى فيلم آخر، وأن الأمر كان ميسرا وسلسا.

وأكد الزهيرى، أن الفيلم تم تصويره فى مصر، فى بعض الأماكن وكثير من الديكورات، وتم خلق عالم خاص للفيلم مستوحى من خياله وخيال مهندس الديكور عاصم على، فالفيلم مبنى من الأساس على عالم غير معروف. له قوانينه وأسلوبه، و لذلك أراد أن يخلق له أشخاصا شديدى الخصوصية مثل هذا العالم، وعليه تم التفكير بالاعتماد على أشخاص لم يقفوا أمام كاميرا من قبل وليس لهم أى خبرة بفن التمثيل، لخلق نوع من العفوية أمام الكاميرا لتجعل المشاهد ينغمس ويندمج ويتأمل هذا العالم مع هؤلاء الذين يبدون وكأنهم ولدوا فى هذا الكان وأن هذه حياتهم.

من جانبه قال محمد حفظى، المنتج المشارك لفيلم «ريش»، إنه تحمس للمشاركة فى إنتاج الفيلم، لعدة أسباب منها أن الأفلام القصيرة لمخرجه عمر الزهيرى كانت مميزة وتبشر بأن هناك مخرجا مهما ورائها، كما أن سيناريو الفيلم نفسه كان جاذبا جدا، مشيرا إلى أن رحلة الفيلم بدأت قبل 5 سنوات مع المنتجة الفرنسية، قبل أن يعرضوا عليه المشاركة فى الإنتاج قبل عامين، إلى جانب منتجين آخرين من هولندا واليونان، مؤكدا فى الوقت نفسه رغم أن الفيلم إنتاج مشترك مصرى أوروبى، لكنه مصرى 100%، لأن موضوعه مصرى ومخرجه مصرى وكاتبه مصرى، ويشارك فى إنتاجه مصريون.

وأوضح «حفظى»، أن مشاركة فيلم مصرى لأول مرة فى مسابقة أسبوع النقاد بمهرجان كان، كانت فى حد ذاتها حدثا كبيرا، وتوج ذلك الإنجاز بالفوز بالجائزة الكبرى، وهذا سيمنح الفيلم انطلاقة كبيرة ليس فقط فى رحلته القادمة مع المهرجانات، ولكن أيضا فى الأسواق داخل مصر وخارجها.

وعن تحدى شباك التذاكر، قال «حفظى» إنه لن يكون سهلا، نظرا لأن طبيعة الفيلم مختلفة بكل المقاييس وأفكاره خارج الصندوق، والجمهور لم يعتد على هذا الأسلوب من السرد، متمنيا أن يكون لديه فرصة فى العرض التجارى بمصر، ويحقق نجاحا جماهيريا، لأنه ملىء بالخيال، ومخرجه واع جدا.

وأضاف «حفظى»، إلى أن تصنيف بعض الأفلام المستقلة بأنها أفلام مهرجانات، يظلمها فى العرض التجارى، ولكن فى الوقت نفسه لن ينكر أحد أن للسوق والجمهور المصرى طابعا خاصا، يجعله يقبل على مشاهد الأفلام التجارية أكثر فى دور العرض، ولكن ربما يكون العرض على المنصات الرقمية والقنوات الفضائية تعويضا لهذه الأفلام وينصفها.

«السينما المصرية تعيش فى أحسن مراحل حياتها»، هكذا اختار الناقد السينمائى طارق الشناوى أن يبدأ التعليق على فوز فيلم «ريش» بالجائزة الكبرى فى مسابقة أسبوع النقاد الدولى، بعد عام من فوز الفيلم القصير «ستاشر» بالسعفة الذهبية لمهرجان كان، مؤكدا على أن «ريش» فيلم رائع، رغم أن فيه خشونة وصدق الواقع، فهو يتحدث عن المرأة المقهورة، وفى الوقت نفسه عندما تتحمل المسئولية، تكون جديرة بها، وتستطيع المواجهة، وهذه من الملامح الجميلة فى الفيلم.

على مستوى الصياغة البصرية، يرى «الشناوى»، أن الفيلم ممتع، رغم مأساة الأسرة الفقيرة وحياتها الصعبة التى تتناولها الأحداث، مشيرا إلى أن الموسيقى الجميلة تلعب دورا رئيسيا فى تحقيق التوازن مع الصورة القاتمة، وظلت طوال الفيلم تصنع نوعا من السحر والبهجة، من خلال موسيقى وأغان لمحمد سلطان وبليغ حمدى وهانى شنودة.

عقب فوز الفيلم بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد الدولى، أعلن مهرجان الجونة السينمائى، عن مشاركته، فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة للدورة الخامسة التى تقام خلال الفترة من 14 إلى 22 أكتوبر المقبل.

وقال المخرج أمير رمسيس المدير الفنى لمهرجان الجونة، إن حصول «ريش» على الجائزة الكبرى فى مسابقة أسبوع النقاد، خبر عظيم للسينما المصرية بكل المقاييس، ويدعو للفخر، فهذه هى السنة الثانية على التوالى، التى يحصل فيها فيلم مصرى على جائزة كبرى بمهرجان كان، بعد حصول فيلم «ستاشر» لسامح علاء العام الماضى على جائزة السعفة الذهبية بمسابقة الفيلم القصير.

وأكد «رمسيس» أنه شاهد معظم أفلام مسابقة أسبوع النقاد هذا العام، ورغم أن الأفلام كانت قوية جدا، لكن فيلم «ريش» كان مميزا جدا فنيا وفرض نفسه، فهو يطرح لغة وشكلا سينمائيا جديدا قلما نشاهده فى السينما المصرية، ولذلك نعتبره فيلما مجددا بشكل مذهل، فهو محاولة لصنع سينما خاصة جدا، لا نمتلك إلا احترامها، حتى إذا أعجبت جزءا من الجمهور ولم تعجب البعض الآخر، مشددا على أن عمر الزهيرى صنع فيلما ينتمى إليه تماما، خارج أى حسابات لها علاقة بما تريده صناعة السينما.

وتابع قائلا: «لذلك بمجرد انتهاء عرضه الأول الثلاثاء الماضى، والذى شاهدته برفقة مدير مهرجان الجونة انتشال التميمى، لم نتردد فى أن نرسل له دعوة رسمية ليشارك فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الجونة. فالفيلم يستحق ويجب الاحتفاء به».

ومسابقة أسبوع النقاد الدولى، تهدف إلى تسليط الضوء على الأفلام الأولى والثانية من إخراج صانعى الأفلام من جميع أنحاء العالم، ويتنافس على جوائزها هذا العام 7 أفلام روائية طويلة و6 أفلام فى عروض خاصة، وافتتح الأسبوع بفيلم من خارج المسابقة هو «روبوست» للمخرجة كونستانس ماير، مع النجم جيرار ديبارديو، واختتم فعالياته بالفيلم التونسى «مجنون فرح» للمخرجة ليلى بوزيد، والذى يروى قصة أحمد شاب فى الثامنة عشرة من عمره، وهو فرنسى من أصل جزائرى نشأ فى ضواحى باريس. يلتقى على مقاعد الجامعة شابة تونسية تدعى فرح، وصلت مؤخرًا إلى باريس فتشتد الروابط بينهما ويقع أحمد فى حبها بشكل عميق ورغم شدة العشق والوله بها إلا أنه يحاول بشتى الطرق مقاومة الشعور الجارف تجاهها وصد نفسه عنها.

يذكر أن المخرج عمر الزهيرى درس السينما فى معهد السينما بالقاهرة، وعمل كمساعد مخرج مع أهم المخرجين المصريين مثل يوسف شاهين ويسرى نصر الله، وأخرج فيلمه القصير الأول زفير (2011) وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة فى مهرجان دبى السينمائى الدولى، وفى 2014 قدم عمر فيلمه القصير الثانى ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375.

 

الشروق المصرية في

15.07.2021

 
 
 
 
 

فيلم «ريش» لعمر الزهيري: عالم جميل للغاية

محمد طارق

ضمن عروض مسابقة أسبوع النقاد الدولية في دورتها الـ60 الموازية للدورة الـ74 لمهرجان كان السينمائي، عُرض فيلم «ريش» لعمر الزهيري، الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجه والمصري الأول الذي يشارك في المسابقة. تتألف المسابقة من ستة أفلام أخرى جميعها غير عربية، ويرأس لجنة تحكيم المسابقة المخرج الروماني الشهير كريستيان مونجيو الذي استلهم معظم صناع السينما المصرية المستقلة أسلوبه هو ورفاقه أصحاب الموجة الرومانية الجديدة.

زهيري الذي أنجز «ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375» عام 2014 وشارك به ضمن مسابقة «سيني فونداسيون» لمدارس السينما المقامة بجانب مسابقة الأفلام القصيرة في مهرجان كان، يعود بفيلم يطور أسلوبه السينمائي الذي اعتمده في فيلمه القصير ليصل إلى مرحلة أكثر نضجًا، كما يختلف عن باقي صناع جيله في استخدام أسلوب العبث، الذي لم يتجه إليه المخرجون المصريون المستقلون إلا نادرًا

يعتمد الفيلم على حبكة غرائبية فضفاضة، إذ ينطلق من احتفال أسرة مصرية فقيرة بعيد ميلاد لطفل من أطفالها، ذلك الاحتفال الذي يقوم به ساحر تافه بخدعة تؤدي إلى اختفاء الأب وظهور دجاجة مكانه، لتنقلب حياة الأسرة رأسًا على عقب، يظهر الأب قبل ذلك كمدير أوحد للأسرة، مهما كانت أحلامه أو قراراته تافهة، فهو يعد الأبناء بشراء فيلا كبيرة بها حمام سباحة وطاولة بلياردو، ويحضر فسقية تزين البيت برغم تردي حالته ونقص احتياجاته الأساسية، على الجانب الآخر فالأم تبدو صامتة مطيعة لما يأمرها به الزوج، ومهمشة داخل البيت بشكل كبير

رجال تعرف جيدًا ما تفعله!

ظهور شخصيات الذكور إما يشبه الأب المتسلط الذي يجبر الجميع على سماع حكاياته عن شربه للبن من البقر الصغير مباشرة، لأن المستمعين لا يجرؤون بطبيعة الحال على الاعتراض، أو الساحر الذي ينهر الحضور حتى بعد أن حول الزوج إلى دجاجة قائلًا «محدش يتدخل في شغلي أنا عارف أنا بعمل إيه».

الصورة الثانية تتمثل في الشخص البيروقراطي الكسول الذي يستمتع بإدخال الأم في متاهات بيروقراطية لصرف معاش لها بعد اختفاء الأب، بينما تكمن الصورة الثالثة للرجال في الفيلم في الرجال ذوي القدرة على حل المشاكل، لكنهم ينتظرون ثمنًا بالطبع لقاء قوتهم ووجودهم. في مقابل ذلك كله توجد امرأة وحيدة معظم الوقت هي الأم، تنصاع لرجل تلو الآخر، فكلما سقط أحدهم حل الآخر مكانه، وكأنها دائرة مفرغة من التحكم في النساء لا تنتهي حتى وإن تغيرت أشكالها

تبدو تلك الغرائبية كجزء من عالم يصنعه الفيلم تبرر تفخيم الأشياء وجعلها كاريكاتورية للغاية، من أجل طرح شخصيات نراها يوميًا بشكل أكثر وضوحًا أو يخلع عن تلك الشخصيات غطاءها المزيف الذي تضعه في العالم الحقيقي.

فيلم زهيري لا يتناول المرأة كتناولها في أفلام مستقلة مصرية تناولت النساء مثل «أخضر يابس» لمحمد حماد أو «الخروج للنهار» لهالة لطفي أو «نوارة» لهالة خليل. فهو يتناول الوضع بلغة بصرية تشابه لغة ألبير قصيري أو ميلان كونديرا الأدبية، تناول لا يأخذ العالم الذي تعيش فيه على محمل الجد مهما بلغت قسوته وينهي القصة بحادث عنيف آخر يصبح متسقًا متناغمًا مع السياق العام. لكن المميز في الفيلم يبقى متعلقًا بالأسلوب والعالم البصري الذي يبنيه لفيلمه وشخصياته، سواء على مستوى التصوير أو تنسيق المناظر أو المونتاج وغيرها من الخيارات السينمائية.

ضع تلك الفازة في مقلب النفايات، ستضفي عليه الأناقة بلا شك

أول ما يلفت النظر في الفيلم بالتأكيد هو مواقع التصوير، سواء الداخلية أو الخارجية، فلا شيء جميل في هذا العالم المهترئ، شقة الأسرة على سبيل المثال تتسم بحوائط رمادية متآكلة متسخة وكذلك كل ملابس وتفاصيل الشخصيات، الجمال الوحيد الممكن رؤيته يتمثل في إعلانات التلفزيون القديم، المواقع الأخرى تشمل الأراضي المحيطة بالمصانع وغرف الموظفين في المصنع وحتى محل الهمبورجر الذي يظهر بشكل لا يقل غرائبية عن باقي الأماكن، مكان واحد يختلف عن تلك الأماكن هو قصر تخدم فيه الأم لبعض الوقت، وهو مكان فارغ به تمثال وحيد وأرضيات رخامية فخمة وحمام سباحة ضخم، عدا ذلك فكل شيء لا يتسم بأي جمال أو نظافة

إضافة إلى المواقع ذاتها، فإن التفاصيل البصرية الموضوعة بداخل تلك المواقع سرعان ما تخلق الجو العام للفيلم. فالأب يحضر في قلب البيت المتآكل الفسقية لأنها ستجعل البيت “شيك” على حد تعبيره، إضافة إلى ذلك، فصديقه الذي يبدو في مكانة مديره يدخن سيجاره من خلال فلتر ذهبي مزيف ويرتدي ساعة ذهبية ويمنح صديقه (الأب) هدية عبارة عن زجاجات ويسكي صغيرة غالبًا ما تكون مهربة، ليرسم موضعه الاجتماعي في عيد ميلاد الابن. أضف إلى ذلك ديكور عيد الميلاد، الذي يتوسط غرفة المعيشة المهترئة ويضيف إليها بلالين معلقة بالسقف، وأورج وكرة أضواء نيونية رخيصة وساحر شنطة يعمل في الأفراح وأعياد الميلاد ليبهر الناس بخدع تعادل في رداءتها كل ما يحيط به

الألوان المستخدمة في الفيلم تعزز من كل ذلك، فما بين الرمادي والأصفر والأخضر الباهت، يظهر عالم زهيري الما بعد أبوكاليبسي (Post- Apocalyptic)، الذي يعتمد على التجريد والتغريب، فلا اسم لشخصية ولا مكان واحد معروف يمكن الإحساس بتواصل معه، ولا وقوف عند حدث درامي مهما كانت ضخامته، استمرارية عبثية دون وجهة أو هدف. أيضًا، لا وجود لعناصر تدل على مصرية الفيلم إلا من خلال اللغة وبعض التصرفات البيروقراطية أو سطور الحوار الكليشيهية المستخدمة التي ترتبط بالواقع المصري، لكن في وقت أسبق على العالم المعاصر. فالعناصر الموجودة تشتمل على تلفزيون صغير قديم وسيارة فولكس فاجن موديل التسعينيات، والألحان الكلاسيكية لبليغ حمدي أو ألحان الثمانينيات لهاني شنودة وغيرها من الأغاني المرتبطة بزمن أقدم، هي عناصر في ذاكرة المجتمع لكنها غالبًا ما تصور كدلالة على عالم نوستالجي قديم يود الشعب العودة إلى «ذهبيته».   

دجاجة وقرد وكلب 

يكرس استخدام الحيوانات في الصورة غرائبيته الساخرة العبثية، فتحول الأب السلطوي المتحكم في حياة أسرته إلى دجاجة يدل على سقوط تلك السلطة، ووجود القرد على زجاج سيارة الصديق الأمامي وتدخله في حياة الأسرة الفاقدة للأب يعبر بشكل ما عن تعامل المجتمع بعد اختفاء «ذكر» الأسرة البالغ، والحيوانات المذبوحة والمقطعة (لم يتم إيذاء حيوانات بشكل فعلي داخل الفيلم) بيد الأم تعبر عن حالتها، إضافة إلى المدير الذي يتناول الجمبري والجرجير في أوقات العمل والتي تعزز «فحولته» كما يتخيلها، وكلاب الحراسة التي توقف كل معتد على جزء صغير من طعام المرأة الثرية صاحبة الفيلا.  

كل هذه التفاصيل تجعل العالم بعيدًا عن عالم المشاهد، وتجعله على قدر مأساويته يبدو مضحكًا غريبًا على غرار كوميديا تاتي وروي أندرسون المعروفة باسم كوميديا التهريج، التي تحيل أفظع التصرفات البشرية إلى شيء مضحك. تؤكد الكادرات الثابتة المستخدمة على مدار الفيلم مدى رتابة الزمن وسقوط الشخصيات في عالم من التيه لا وجود فيه لأهمية أو معنى. تقع الأم داخل الكادر في مساحات ضيقة محاصرة بأجساد الرجال الضخمة أو بتمثال رخامي يقف منتصبًا خلفها بينما تمسح الأرضيات، لكنها ربما تكون الشخصية الوحيدة التي يولي المخرج أهمية خاصة لوجهها إذ يضعه في لقطات مقربة على عكس باقي اللقطات التي عادة إما لقطات كاملة أو واسعة لمنظر كامل أو لتفصيلة ثانوية مثل النقود الذابلة من كثر الاستخدام أو السجائر المشتعلة في أيدي الموظفين

فيلم «ريش» لعمر زهيري عمل فني أصيل وطازج على السينما المصرية، يؤسس لأسلوب قلما استخدم في الأعمال السينمائية المصرية والعربية، من خلال عناصر بصرية ومواقع تصوير لم يقترب أحد إليها إلا في عوالم فنون الفيديو ليخلق منها غرائبية مثيرة تضع كل القضايا اليومية وتصورها من منظور مختلف بعيد، قد تضحك عليه في البداية، لكن مع مرور الوقت ربما تدرك مدى تشابه كل تلك السخرية مع عالمنا الذي نعيش به

 

موقع "إضاءات" في

15.07.2021

 
 
 
 
 

مسابقة كان 74 (3): تجارب متباينة مخلصة لأساليب صناعها

أحمد شوقي

نواصل تحليل أفلام المسابقة الدولية لمهرجان كان السينمائي الدولي الرابع والسبعين، مع خمسة أفلام جديدة من المسابقة نصل بها لتغطية 14 فيلمًا من أصل 24 تتنافس على السعفة الذهبية، أرفع الجوائز السينمائية السنوية. وفي هذه المجموعة الثالثة تجارب يجمعها إخلاص كل منها لخصوصية أسلوب صانعه الذي عرفناه من خلال أعماله السابقة.

ثلاثة طوابق Three Floors – ناني موريتي (إيطاليا)

ينتمي ناني موريتي إلى نوعية صناع الأفلام الذي يرفضون تغيير مسارهم المميز، فلا يحب الإيطالي المخضرم الذي فاز بالسعفة الذهبية قبل عشرين عامًا بالضبط عن "غرفة الابن The Son’s Room" أن يدخل أراضٍ جديدة سرديًا وبصريًا، فقط يستمر فيلمًا بعد آخر في إعادة اكتشاف نفس المساحة الدرامية: حيوات البشر العاديين، وكيف يمكن لترتيبات القدر وأحيانًا المصادفات أن تؤثر بشكل غير قابل للتصحيح أو التراجع.

في فيلمه الجديد المأخوذ عن رواية الكاتب الإسرائيلي أشكول نيفو يمد موريتي تجربته لتشمل أربع عائلات تعيش في بناية واحدة من بنايات روما الكلاسيكية الأنيقة، العائلات تعيش في منزل من ثلاثة طوابق يشهد كل منها حكاية (هناك حكاية تجمع أسرتين من الأربعة). وتشهد حياة كل منهم ذروة خلال ساعات، تبدأ بحادث سير في المشهد الأول للفيلم.

مونيكا (ألبا رورفاكر) امرأة على وشك الولادة، تغادر منزلها ليلًا متجهة إلى المستشفى وحيدة، لتشاهد سيارة مسرعة يقودها الشاب المخمور أندريا (أليساندرو سبيردوتي) فيصدم امرأة تسير في الشارع، قبل أن تقتحم السيارة واجهة البناية محطمة جدار مكتب لوتشيو (ريكاردو سكامارتشيو) الجار الذي يعيش في الطابق الأرضي مع زوجته وابنته الصغيرة. نعلم لاحقًا أن أندريا هو ابن القاضي فيتوريو (ناني موريتي نفسه) ودورا (مارجريتا باي)، المختلفان حول كيفية التعامل مع تمرده، واللذان يعلمان أن السجن أصبح مصيره الأقرب بسبب الحادث. أما لوتشيو والذي يعتمد وزوجته على ترك الطفلة مع جيرانهما العجائز، فيتسبب حادث في سيطرة الهوس عليه اعتقادًا أن جاره العجوز قد انتهك الابنة جنسيًا.

تعمدنا سرد الملخص كاملًا للتأكيد على أمرين: زخم الدراما في كل خط من الخطوط الثلاثة، وقدرة موريتي الدائمة على توظيف مجموعة من أهم الممثلين في السينما الأوروبية يشكلون معًا باقة تمثيلية تمنح أفلامه ثقلًا دائمًا على مستوى الأداء.

الفيلم المقسم إلى ثلاثة أقسام، أولها مدته ساعة وفيه نشاهد التبعات الشيقة دراميًا وإنسانيًا لنقطة الانطلاق سابقة الذكر، قبل قسمين كل منهما نصف ساعة تقفز الحكاية في كل منهما خمس سنوات للأمام (أي أن الأحداث بشكل تقريبي تدور بين أعوام 2010 و2015 و2020).

يطرح موريتي بطبيعة الحال سؤال الزمن، وكيف يمكن لمرور الأعوام أن يغير من ديناميات العلاقات بين البشر، محبة كانت أو عداء. لكن أزمة "ثلاثة طوابق" تكمن في أن كل جزء من الثلاثة أضعف من سابقه، وأنه كلما قفز النص خمس سنوات أتت مصائر الشخصيات أقرب للميلودراما التليفزيونية منها للتطور ذي النبرة الواقعية المسيطر على القسم الأول من الفيلم.

وبالنظر إلى فيلموغرافيا ناني موريتي وأعماله السابقة، يبدو "ثلاثة طوابق" فيلمًا صغيرًا مشابهًا لأعمال سابقة دون إضافة جديد. فيلم يحمل قدرًا من الزخم الإنساني والدراما المؤثرة، لكنه سيبقى ذي قيمة محدودة في مسيرة واحد من أساتذة السينما المعاصرين.

قد سيارتي Drive My Car – ريوسوكي هاماجوتشي (اليابان)

هناك تيمات متكررة في روايات وقصص الكاتب الياباني الشهير هاروكي موراكامي يعرفها جميع القراء، بدأت في مرحلة رواياته الواقعية واستمرت مع بدء ارتباطه بالفانتازيا. إخلاص الشخصيات لروتين يومي، علاقات الزواج طويلة الأمد وتأثيرها على المشاعر، التعامل مع فعل الخيانة، واللقاءات غير المتوقعة بين شخصيات لديها ماضي يجمعها، وبالطبع الإيقاع الهادئ الذي تحدث التغيرات فيه للشخصيات بتراكم المشاعر الطفيفة كل يوم.

معرفة هذه التيمات يجعلنا نقول أن "قد سيارتي" لريوسوكي هاماجوتشي هو أحد أكثر المعالجات الفيلمية إخلاصًا لأدب موراكامي، بصورة تجعله عملًا مشبعًا لمحبي الكاتب صاحب العوالم شديدة الخصوصية، والذي تظهر كتاباته في مسابقة كان للمرة الثانية خلال ثلاث سنوات، بعدما نال "إحراق Bruning" للكوري لي تشانج دونج إعجاب الجميع عام 2018.

المخرج هاماجوتشي هو الآخر ظاهرة حديثة تستحق الإعجاب، فالرجل يعيش قمة نشاطه وتألقه الفني، في سبتمبر الماضي فاز فيلم "زوجة جاسوس Wife of a Spy" الذي كتب السيناريو الخاص به وأخرجه صديقه كيوشي كوروساوا بالأسد الفضي لمهرجان فينيسيا، قبل أن يفوز فيلمه كمؤلف ومخرج "عجلة الحظ والخيال Wheel of Fortune and Fantasy" بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان برلين مارس الماضي، وها هو بعد أربعة أشهر فقط يظهر في مسابقة كان، في حدث بالغ الندرة أن يتنافس نفس الفنان في المهرجانات الثلاثة الكبرى خلال أقل من عام.

يجيد هاماجوتشي التعامل مع قصة موراكامي "قد سيارتي"، وهي قصة متوسطة الطول من حوالي 30 صفحة افتتح بها مجموعته "رجال بلا نساء"، تنطلق الدراما فيها من اضطرار ممثل ومخرج مسرحي لأن يغير روتينه اليومي ويستعين بسائقة تقود سيارته الشخصية خلال إخراجه عرضًا مسرحيًا في مدينة أخرى. الحدث الذي يؤخره هاماجوتشي لما بعد مرور 40 دقيقة من الفيلم، معتبرًا تلك الدقائق مقدمة للفيلم الذي يصل زمنه لثلاث ساعات، حتى أن تترات البداية لا تظهر إلا بعد مرور كل هذه الدقائق!

القرار وإن كان مختلفًا عن الأصل الأدبي إلا أنه يعبر عن وعي عميق بجوهر القصة، فالمقدمة الطويلة نفهم من خلالها ماضي البطل كافوكو، سواء قصة الحب الذي يمزج بين الانجذاب الفكري والجنسي مع زوجته المؤلفة أوتو والتعايش مع ألم فقد ابنتهما الوحيدة، أو صدمته باكتشاف خيانتها له وتعامله مع الاكتشاف، ثم انتهاء كل شيء بالوفاة المفاجئة لأوتو، ليكون لانتقال كافوكو إلى هيروشيما وتعرفه على السائقة ميساكي واكتشافه أن الممثل الشاب الذي كانت زوجته تخونه معه ضمن ممثلي العرض، هذا الثقل الدرامي الذي يمتد أثره حتى النهاية.

تسير الأحداث بإيقاع هادئ ناضج، يحتاج مشاهد صبور لا ينتظر دراما ضخمة ولا مواجهات صاخبة في كل مشهد، بل يتفهم الشخصيات ويتابع تطور علاقاتها ورؤيتها للعالم شيئًا فشيئًا، في أحد أقوى أفلام المسابقة حتى الآن.

جزيرة بيرجمان Bergman Island – ميا هانسن لوف (فرنسا)

لعل أكثر ما يميز أفلام الفرنسية ميا هانسن لوف هو أبرز عيوبها في الوقت ذاته. فالمخرجة ذات مسيرة ملفتة للانتباه في قدرتها على تجاهل كل الأفكار الكبرى التي تسيطر على العالم بشكل عام وعلى صناع الأفلام بشكل خاص. ففي الوقت الذي ستجد في أغلب الأفلام فكرة ما يمكن ربطها بجدل قائم، فإن هانسن لوف تهتم بأمور ذاتية تمامًا، هواجس وأفكار تخصها تبقى متاحة لمن يمكنه التماس معها، فمن يجد هذا الاتصال يستمتع، ومن لا يعثر عليه تبقى علاقته بالفيلم مبتورة كليًا.

في فيلمها الجديد تذهب ميا إلى جزيرة فارو أو "جزيرة بيرجمان" كما صار الجميع يعرفها، فهي الجزيرة التي قصدها المخرج السويدي الأسطوري إنجمار بيرجمان ليصور فيها بعض أفلامه، ثم قرر الانتقال والعيش فيها حتى نهاية حياته. الأمر الذي حولها مزارًا سياحيًا يقصده محبو أفلام بيرجمان لزيارة منزله وأماكن تصويره وتفاصيل حياته اليومية، وصارت كذلك مقصدًا فنيًا لكُتاب وصناع أفلام يذهبون هناك لقضاء منح إقامة لإنجاز أفلامهم.

تذهب كريس (فيكي كريبس) وزوجها توني (تيم روث) في واحدة من تلك الإقامات. كلاهما صانع أفلام وإن كان توني أكثر نجاحًا وشهرة، وكلاهما يحاول العمل على مشروعه الجديد خلال الإقامة في المنزل الذي صور فيه بيرجمان فيلم "مشاهد من زواج"، الذي تصفه المرأة القائمة على رعاية المنزل بأنه "الفيلم الذي تسبب في طلاق الملايين حول العالم"!

في الأمر إشارة ذاتية واضحة لحياة ميا هانسن لوف، وللعلاقة التي جمعتها لسنوات طويلة مع المخرج الفرنسي ذائع الشهرة أوليفيه أساياس وانتهت مؤخرًا بالانفصال. وكأن المخرجة تحاول في أحد مستويات فيلمها تحليل ماضيها مع شريكها السابق، وبحث شكل العلاقة بين فنانين كلاهما شخص جيد محب مؤمن بالآخر (فلا توجد مشكلات حقيقية بين بطلي الفيلم)، لكن أسباب الانفصال تبقى موجودة تحت السطح تنتظر الفرصة كي تظهر.

يقدم الفيلم كذلك تحية سينيفيلية كبيرة لبيرجمان وسينماه، لا سيما في نصف الفيلم الأول الذي ننطلق المخرجة فيه في رحلة لجزيرته، رحلة فعلية بزيارة مواقع الحياة والتصوير، ورحلة فكرية بالنقاشات المستمرة بين الأبطال ومن حولهما عن سينما بيرجمان وحياته، مع إشارة للجانب المظلم في حياة الرجل وهو أنانيته وغياب دوره كأب لتسعة أبناء أنجبهم من ست زيجات.

خلال النصف الثاني تتحول هانسن لوف لتقنية الفيلم داخل فيلم، عندما تبدأ كريس في سرد الفيلم الذي بدأت في كتابته والذي تدور أحداثه بطبيعة الحال في جزيرة فارو، ليتنقل السيناريو بذكاء بالغ بين حياة كريس وحياة بطلتها المناظرة لها، قبل أن تذوب الفوارق بين الواقع والخيال في نهاية أفضل ما فيها هو انفتاحها على كافة الاحتمالات. نهاية تكمل فيلمًا ستكون علاقة أي مشاهد معه قطعية، فإما أن يمسّ شيئًا داخلك فتقع في غرامه، أو تجد نفسك تتابع أحداثًا لا تدري لماذا يمكن أن تروى في فيلم.

أنفلونزا بيتروف Petrov’s Flu – كيريل سيربرينيكوف (روسيا)

لن تجد مراجعة نقدية غربية واحدة أو حتى خبر نُشر قبل عرض الفيلم في كان لا يشير لحقيقة تعرض المخرج كيريل سيربرينيكوف للإقامة الجبرية في منزله على هامش فساد مالي خلال إدارته لأحد المسارح الروسية. العقوبة التي أنهاها المخرج وصار بإمكانه الخروج والعمل ليصور "أنفلونزا بيتروف"، وإن لم يُسمح له بعد بمغادرة البلاد، لذا فقد عُرض الفيلم وظل مخرجه في موسكو.

التفاصيل تغيب عن تلك القضية، التي يُظهرها الإعلام الغربي باعتبارها قضية رأي تم تلفيق التهمة فيها لسيربرينيكوف بسبب آراءه المعارضة وأفلامه التي تشير دائمًا لعلاقات مثلية يجرمها القانون الروسي. لكن الخبرة علمتنا أن الفارق بين رأي الإعلام الغربي والواقع دائمًا كبير، وأن المخرج الذي تمكن من تصوير فيلم بهذه الضخامة يصعب أن يكون هناك تضييق حول عمله.

الأزمة هنا أن السينما تذوب وسط أحاديث السياسة، وكل تفصيلة في الفيلم يُسرع النقاد الغربيون ليفسروها على طريقتهم ويمنحوها بُعدًا نضاليًا، والمناضل بالطبع يستحق الحفاوة أكثر من غيره (سينما سيربرينيكوف في مواجهة سينما ميا هانسن لوف)، وهو ما حدث مع ذلك الفيلم العسير على الفهم، والذي حاول فيها المخرج فعل كل شيء شكلًا ومضمونًا فانتهى المستوى متخبطًا.

أسرة يتشارك أفرادها الثلاثة اسم "بيتروف" يخوض كل منهم أحد أغرب أيام حياته في روسيا ما بعد سقوط الشيوعية: الجميع مصاب بأنفلونزا ترفع درجة حرارته وتضعه في حالة أقرب للهذيان، فيبدأ كل منهم في خوض رحلته الداخلية: الأب (سيميون سرزين) عامل صباحًا ورسام كوميكس مساء، يبدأ في رحلات تخيلية للحظات من ماضيه أقرب لمنطق الحلم، بعضها مصور بالأبيض والأسود والبعض مصوّر بنسب عرض قديمة وصورة أقرب للتصوير بالخام.

الزوجة (تشولبان خاماتوفا) أمينة مكتبة تمتلك سرًا خطيرًا، ففي أوقات تتحول عينيها للون الأسود وتمتلك قدرات خارقة على الطيران والضرب كأبطال القصص المصورة، وتنفتح شهيتها على إراقة الدماء حتى أنها تتخيل ذبح ابنها (فلاديسلاف سميلتيكوف) الذي يُكمل مثلث الأنفلونزا بهذيانه المتعلق بالكائنات الفضائية التي اختطفته وأثرت عليه!

فيلم جنوني كما يمكن لكل من يقرأ الملخص السابق أن يتخيل قدر صعوبة استيعاب ما يحدث فيه، لدرجة جعلته أحد أكثر أفلام المسابقة التي شهدت خروج المشاهدين خلال العرض الصحفي. وبالرغم من الجهد الواضح والتميز البصري، إلا أن الفيلم يختبر في كل لحظة قدرتك على المواصلة وأنت بالكاد تفهم ما تراه أمامك، خاصة مع زمن الفيلم الممتد لساعتين ونصف.

يمكن الاختلاف والاتفاق كثيرًا على المستوى الفني العام للفيلم، وعلى فكرة جودة التفاصيل على حساب وجود شيء يمكن تلقيه من الفيلم ككتلة واحدة، لكنه بالتأكيد ليس عملًا نضاليًا، وحتى الصورة السوداوية التي يُظهر فيها العالم السفلي للمجتمع الروسي لطالما شاهدناها في أفلام أخرى لم يتم منع مخرجيها من السفر. وفي تقدير كاتب هذه السطور هو استمرار للضجة المثارة حول سيربرينيكوف لأسباب لا تتعلق بمحتوى أعماله.

الرسالة الفرنسية The French Dispatch – ويس أندرسون (الولايات المتحدة)

قد يكون ويس أندرسون هو أكثر صانع أفلام معاصر يمكن معرفة أي مشهد، بل أي لقطة، من إخراجه بمجرد إلقاء نظرة عليها. هذه المهارة الخاصة على توظيف الألوان والديكور، والتكوينات التي تميل لوضع الشخصيات في المنتصف واستخدام السيمترية بين نصفي الكادر، وبالطبع اللقطات بالغة الاتساع للمباني. كلها بصمات تجعل الفيلم الجديد لويس أندرسون حدثًا بصريًا في حد ذاته.

"الرسالة الفرنسية" حدث بصري وفني أيضًا، قرر أندرسون وأصحاب حقوق الفيلم تأجيل عرضه عامًا كاملًا بعدما كان من المقرر أن ينطلق في كان 2020، وهو الأمر المنطقي ليس فقط للحصول على عرض عالمي أول كبير حقيقي لا افتراضي، ولكن لأن الفيلم مشروع ضخم لم يكن من الممكن عرضه خلال العام الماضي وسط الجائحة وتأثيرها على اقتصاديات السينما.

بيل موراي، أوين ويلسون، تيلدا سوينتون، إليزابيث موس، فرانسيس مكدورماند، بينوتشو ديل تورو، ليا سيدو، أدريان برودي، تيموثي تشالاميت، جيفر رايت، ليف شرايبر، إدوارد نورتون، كريستوفر فالتز، ماتيو أمالريك، ساشا رونان، ويليام ديفوى، وآخرين. طاقم تمثيل مرعب يمكن لكل اسم فيه أن يكون مصدر جذب لفيلم كامل. فكيف يمكن لفيلم واحد أن يجمعهم؟ وكيف يمكن لهذا العدد من نجوم الصف الأول في السينما العالمية الموافقة على الظهور في أدوار لا تتجاوز عدة مشاهد وأحيانًا مشهد واحد؟

الإجابة هي ثقتهم في المشروع وصانعه، الثقة في ويس أندرسون الذي يظهر معه الممثلون دائمًا في صورة مغايرة عن كل أعمالهم الأخرى، وفي المشروع الذي يأتي هذه المرة في صورة من الصعب تخيلها سينمائيًا: في صورة مجلة!

"الرسالة الفرنسية" هو اسم المجلة الخيالية التي أسسها ناشر أمريكي مخضرم (بيل موراي) في مدينة فرنسية وهمية، ليجمع خلالها فريق من أمهر الصحفيين والمراسلين، ليقدم الفيلم العدد الأخير من المجلة والذي يتم نشره بعد وفاة المؤسس. وبالتالي، فقد قام أندرسون بتقسيم الفيلم إلى خمسة أقسام، مقدمة خفيفة من موضوعات الرحلات، ثم ثلاث موضوعات كبيرة من أقسام الفن والسياسة والطهي، ثم خاتمة هي أخبار الوفيات بنعي الناشر المؤسس.

كيف يمكن أن نشاهد مجلة في فيلم سينمائي؟ هذا السؤال الذي يجيب عنه أسلوب ويس أندرسون. والذي يقدم هنا واحدًا من أكثر الأفلام الأنطولوجية فرادة، سواء في اختلاف الشكل الذي يُقدم به كل جزء أو قصة، في النبرة التي تتغير في كل مرة لكنها تحافظ على هارمونية كأي مجلة جيدة التحرير، وفي الحس المحب لصناعة النشر على الطريقة الكلاسيكية، وبالرغم من النبرة الساخرة المألوفة فإن أندرسون يقدم في كل لحظة تحية للصحافة التي لم تعد كما كانت منذ بدأ عصر الأنترنت ومطاردة أعداد الزوار على حساب المحتوى.

"الرسالة الفرنسية" فيلم يصعب تلخيصه، لكنه وجبة سينمائية خفيفة الظل، مشبعة بصريًا ودراميًا، وتجربة مختلفة عن كل ما يمكن أن تراه على الشاشة. لذا فإن وجود ويس أندرسون وسط منافسة كان أمر منطقي، وربما يكون فوزه بإحدى الجوائز كذلك.

 

موقع "في الفن" في

15.07.2021

 
 
 
 
 

مهرجان كان 2021:

«أسوأ شخص في العالم» ليواكيم ترير: هكذا كنا عندما كنا في العشرين

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي»: في بداية فيلم «أسوأ شخص في العالم» للنرويجي يواكيم ترير، الذي ينافس على السعفة الذهبية في مهرجان كان في دورته الرابعة والسبعين (من 6 إلى 17 يوليو/تموز الجاري) نستمع إلى صوت الراوي العليم الملم بكل شيء يعرّفنا بيولي (رينات راينسفيه) وهي في عامها الجامعي الأول. بنبرة من التعاطف الذي يخفي بعض التهكم، يخبرنا الراوي أن يولي، بعد أن حصلت على درجات مرتفعة في دراستها المدرسية قررت دراسة الطب، لكن بعد أشهر من الدراسة قررت أن الطب وتشريح الجسد ليس ما ترغبه، بل ترغب في دراسة النفس البشرية، فبدّلت مجالها إلى علم النفس، ثم بعد عدة أشهر أخرى، اكتشفت أن ما تود أن تفعله هو أن تكون مصورة فوتوغرافية، واستثمرت مال دراستها في شراء معدات التصوير.
نضحك ونحن نرى يولي تبدل المجالات والقناعات، بثقة كبيرة في كل مرة، لتعود لتبدلها مجددا بعد عدة أشهر. لكننا حين نضحك لا نضحك سخرية من يولي، بل نضحك لأنها تذكرنا بذواتنا في عمرها. هذه المحاولات لمعرفة ما نريد من الحياة، هذه المحاولات لاكتشاف ذواتنا، هذه الرغبة في اكتشاف الطاقات الكامنة في داخلنا وتجريب كل مناحي الحياة، كلها أمور عشناها ولمسناها في أنفسنا، وربما نحاول حتى الآن تلمس طريقنا في الحياة واكتشاف العالم وذواتنا.

يولي، الشخصية الرئيسية في الفيلم ليست منفردة في محاولاتها لفهم ذاتها، وفي تنقلها من مجال إلى مجال، بل هي تعبير عن جيل بأكمله، أو ربما تعبير عن جميع من مروا بالعشرينيات من العمر، وتقلبوا فيها وتبدلت قناعاتهم، علّهم يعثرون على ذواتهم. نشاهد يولي وهي تبدل العشاق والأصدقاء الواحد تلو الآخر، وهي في رحلتها لاكتشاف ذاتها، ونكاد أن ننظر إليها بتعالي من يكبرها عمرا ويزيد عنها حكمة، لكننا في نهاية المطاف نرى فيها ذواتنا السابقة، أو ربما نحن لهذه الرغبة في التجريب التي فقدنا بعضها مع مرور الأعوام.

لا يطلق ترير أحكاما على يولي، ويجعلنا نتعاطف كل التعاطف مع ترددها وجنونها وتغيراتها. في فيلم قسم إلى اثني عشر فصلا ومقدمة وخاتمة، تظهر عناوين كل منها على الشاشة، كما لو كنا نقرأ السيرة الذاتية ليولي، يتتبع ترير بحساسية وتفهم كبيرين يولي وحياتها وقصص حبها، نراها تعيش الحياة بحلوها ومرها، وبأيامها العابرة وأحداثها العادية. كما لو كنا نعبر بحرا هادئ الموج، يصحبنا ترير في رحلة فيها من الحكمة والعذوبة الكثير، كما لو كان يعفينا ويعفي يولي ذاتها من الحرج، حين تعود بذاكرتها إلى عشرينيتاها من العمر، عندما تتذكر طيشها وحيرتها وترددها وقلقها، فلولا هذه التقلبات لما وصلت للثلاثين.

لا يمكننا قط تصور يولي كأسوأ شخص في العالم، كما جاء في اسم الفيلم، بل هي شخص يوبخ ذاته على قصوره وعلى طموحاته المهشمة وعلى فرصه الضائعة. يتتبع سيناريو الفيلم، الذي كتبه ترير مع إسكيل فوغت، الذي تعاون مرارا مع ترير في كتابة سيناريو أفلامه، حياة يولي بحساسية ورهافة شديدة. وهذا النص الإنساني البليغ عن حياة يولي في عقدها الثاني وبدايات عقدها الثالث ما كان ليصبح على هذه الدرجة من التأثير دون الأداء البديع لكل من رينت راينزفيه في دور يولي، وأندريس دانيلسون لي، في دور أكسل، حبيب يولي وصديقها، ذلك الحبيب الذي غادرته يوما في بحثها عن ذاتها، وفي مسعاها لفهم الحب والعلاقات.

في «أسوأ شخص في العالم» أنجز ترير فيلما يجمع بين الرقة والحساسية في التناول والعمق، فيلما يضحكنا تارة، ويشجينا تارة، ونعيش معه ذكريات عشرينياتنا تارة، ويجعلنا نتساءل عن معنى النضج تارة.

تتعرف يولي على أكسيل، الكاتب ومؤلف القصص المصورة، وهما في طورين مختلفين من أطوار التطور وتكوين الشخصية. أكسل في مستهل الأربعين، مستقر ماديا، ويسعى لأن تكون يولي شريكته التي ينجب منها أطفاله، هو يعلم أنها تصغره بأكثر من عشرة أعوام، وما زال يعتريها الطيش والرغبة في التغيير، اللذين عادة ما يرافقان الشباب، لكنه يحبها ويسعد برفقنها، كما تسعد هي بوجودها معه، لكن فكرة وجود شريك دائم، وأطفال فكرة بعيدة كل البعد عن يولي، التي تسعى للحرية والتجريب وعيش شبابها دون ما يكبلها.
في عطلة نهاية أسبوع مع أسرة أكسل، تقابل يولي شقيقة أكسل وزوجها وطفليها. أطفال يصيحون، وزوجان يتشاجران، والكثير من المسؤوليات والواجبات العائلية. هذا تحديدا ليس ما تريده يولي. هي لا تجد نضجا أو سعادة في تلك الالتزامات. هي تريد لنفسها أن تحلق بعيدا وأن تركض متلهفة للقاء حبيب. ونجدنا نتساءل وما العيب في خيار يولي؟ ألسنا جميعا نتوق إلى الحرية وإلى الانعتاق مما يكبلنا؟

هذا الشعور بأنها في علاقة توشك أن تكون دائمة، وهذا التورط في مسؤولية تُلقى على عاتقها مثل مسؤولية أسرة وأطفال، يدفع يولي إلى البحث عن متنفس للحرية، عن علاقة لا مسؤولية فيها ولا قيود. ذات ليلة تلتقى بذلك الآخر الوسيم، الذي نعرف لاحقا أن اسمه أيفيند (هيربرت نوردام) يلتقيان ويتبادلان الغزل والقبل والضحك، دون التزام ودون أن يتبادلا حتى اسميهما. هما متقاربان سنا، لا يرغبان في القيود ويريدان الاستمتاع بالحياة، دون مسؤولية أطفال، أو علاقة دائمة. في مشهد بديع، حين تقرر يولي أنها عندما تكون في صحبة أيفيند، يقف الكون بأسره يتوقف الجميع عن السير وتتوقف المدينة عن الحركة، ولا يبقى متحركا حيا متدفقا مقبلا على الحياة إلا يولي وأيفيند. هما المتحرك الوحيد في حياة أصابها الركود. هذه الحيوية والحركة والعاطفة، هو ما تبحث عنه يولي، وما تعتقد أنها ستحققه مع أيفيند. ألسنا جميعا في قلوبنا التي أثقلتها الأحمال والمسؤوليات نتوق إلى تلك الحرية؟ يثير الفيلم تساؤلنا عن الحب: ترى من نحب؟ ولم نحب؟ أنحب الشخص لذاته؟ أم لأنه يعكس رغبة من رغباتنا؟ ترى هل يدوم الحب، أم هو مؤقت ومشروط بتغير شخصياتنا عبر السنين؟

في «أسوأ شخص في العالم» أنجز ترير فيلما يجمع بين الرقة والحساسية في التناول والعمق، فيلما يضحكنا تارة، ويشجينا تارة، ونعيش معه ذكريات عشرينياتنا تارة، ويجعلنا نتساءل عن معنى النضج تارة. وما كان له أن يكون بهذا التأثير دون ترير ودون السيناريو المحكم لترير وأكسل فوغت. وما كان لكل هذه العناصر، دون رينات راينسفيه، التي قدمة شخصية يولي بعمق وحساسية كبيرين.

 

القدس العربي اللندنية في

15.07.2021

 
 
 
 
 

"علّي صوتك" فيلم مغربي ينافس على السعفة الذهبية في كان

نبيل عيوش يسافر بفناني هيب هوب من الدار البيضاء إلى العالمية.

تعتبر مشاركة فيلم “علّي (ارفع) صوتك” للمخرج المغربي نبيل عيوش ضمن مهرجان كان السينمائي في دورته الـ74 سابقة في تاريخ السينما المغربية، وهو الفيلم الذي نجح في بلوغ أبرز حدث سينمائي منتظر خلال السنة الجارية، بعد الأزمة الصحية العالمية. ويمثل هذا الحضور في المسابقة الرسمية لسنة 2021 تتويجا هاما لمسيرة عيوش وشاهدا على الإشعاع الدولي المتصاعد للسينما المغربية في العقود الأخيرة.

الدار البيضاء (المغرب) – حقق المخرج المغربي نبيل عيوش حلما من “أحلام الطفولة” باختيار فيلمه “علّي صوتك” لأول مرة ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي، وهو عمل يغوص في عوالم شباب مهووسين بالهيب هوب.

ويشبّه المخرج الذي يحمل أيضا الجنسية الفرنسية، مازحا، شعوره للمشاركة في الحدث العالمي بفرحة “الحصول أخيرا على حلوى اشتهيتها طويلا”، كما يقول متحدثا في مكتبه الأنيق بالدار البيضاء.

حي سيدي مومن

"علّي صوتك" يتناول قصة مراهقين مهووسين بثقافة الهيب هوب وهو عمل متخيل رغم أنه متجذر في الواقع

في سن 52 عاما، أصبح عيوش ثاني مخرج سينمائي مغربي يتم اختيار أحد أعماله للمهرجان السينمائي الكبير الذي يختتم دورته الرابعة والسبعين السبت في جنوب فرنسا. وكان المهرجان استضاف فيلم مواطنه عبدالعزيز رمضاني “إيقاعات وأرواح” العام 1962.

ويتناول “علّي صوتك” قصة مجموعة من المراهقين المهووسين بثقافة الهيب هوب، “لديهم أشياء كثيرة يودون قولها من دون أن يمتلكوا أدوات التعبير”، كما يوضح عيوش، معربا في نفس الوقت عن “سعادة” ممزوجة بنوع من “الحياء” لوجوده في كان إلى جانب قامات سينمائية كبيرة.

تدور أحداث الفيلم في حي سيدي مومن الهامشي بالدار البيضاء، الذي اشتُهر العام 2003 عندما خرج منه معظم الانتحاريين الذين نفذوا هجمات دامية في العاصمة الاقتصادية وقتها خلفت 33 قتيلا.

وسبق للمخرج أن صوّر في هذا الحي مشاهد من فيلمه “علي زاوا” سنة 1999 عن قصة أطفال مشردين. كما عاد ليصور فيه مشاهد من فيلم “يا خيل الله” (2012) المستوحى من رواية للكاتب ماحي بينبين حول تطرف الانتحاريين الـ12 الذين نفذوا هجمات 2003.

وفي العام 2014 أسس عيوش في هذا الحي المركز الثقافي “النجوم” الذي يقدم ورشات لتعلم الموسيقى والرقص للشباب، في حي عانى طويلا من غياب أي مرافق ثقافية. وقد استقطب من بين رواده جل ممثلي فيلم “علّي صوتك”.

لم أصور البؤس

حظي اختيار “علّي صوتك” للمسابقة الرسمية في كان بإشادة واسعة في المغرب، خلافا لردود الأفعال النارية التي أثارها عرض فيلمه ما قبل الأخير “الزين اللي فيك” في فقرة “أسبوعي المخرجين” خلال دورة 2015 لمهرجان كان.

فقد مُنع الفيلم الذي يصور أوساط الدعارة في عاصمة السياحة المغربية مراكش، من العرض في قاعات المملكة، واتهم بيان رسمي عيوش بـ”المس بالقيم الأخلاقية والمرأة المغربية”.

نبيل عيوش يعتبر ثاني مخرج مغربي يتم اختيار أحد أعماله لمهرجان كان في إنجاز هام للسينما المغربية

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ تلقى المخرج تهديدات وتعرّض لحملة انتقادات واسعة على المواقع الاجتماعية. “صفحة لم أطوها تماما بعد، لكن جراحها اندملت ولم تنقص شيئا من عزيمتي”، كما يقول عيوش اليوم.

ويتهم منتقدو المخرج، الذي يدير أيضا شركة للإنتاجات التلفزيونية، بالإساءة إلى صورة البلد واستغلال بؤس الآخرين أو السعي لتصوير ما يطلبه الجمهور الغربي.

لكن عيوش يرد على هذه الانتقادات مؤكدا “من يقول إنني أستغل بؤس الآخرين لا يشاهد أفلامي، لم أصور أبدا البؤس ولا تتضمن رؤيتي ولو ذرة بؤس واحدة”.

ويضيف “صحيح أنني أريد لأفلامي أن تسافر خارج المغرب، لكن جمهوري الأول هو المشاهد المغربي”، هذا المشاهد الذي اكتشف عيوش لأول مرة العام 1999 بفيلمه “مكتوب” والذي عرض أيضا في إطار مهرجان برلين السينمائي لذلك العام.

أسلوب جديد

في المقابل يبدو فيلم “علّي صوتك” أكثر حميمية بالنسبة إلى المخرج ويشبه رجع صدى لطفولته التي قضاها في منطقة سارسيل ضواحي باريس. وهي المرحلة التي احتفظ منها بذكرى “دار الشباب التي كانت بمثابة معبد بالنسبة لي، فيه تعلمت رؤية العالم”. تجربة أراد عيوش تكرارها بتأسيس مركز “النجوم الثقافي” في حي سيدي مومن بالدار البيضاء.

وتقول مديرة المركز صوفيا أخميس “التعابير التي يستعملها الشباب في المركز تدل على أن لديهم أفكارا وتساؤلات حول مستقبلهم ونظرة نقدية لما يجري في المغرب، من المهم الاستماع إليهم”.

وتضيف “الهيب هوب يحظى بإقبال كبير في المغرب”. ويقترح المركز الثقافي تدريبات على فنون الراب والبيت بوكس والغرافيتي إضافة إلى دروس في المسرح والغناء واللغات الأجنبية.

في هذا المركز تحديدا اختمرت فكرة الفيلم في ذهن عيوش بينما كان يتابع عروضا فنية لشباب من رواده. ويقول “أمر مدهش رؤية أولئك الشباب وهم يرقصون أو يتلون نصوصا فنية. أردت أن يسمع العالم بأسره ما يودون قوله”.

من أجل “إظهار هذه الشبيبة الرائعة” غيّر عيوش طريقة عمله مواصلا لمدة عامين التصوير والمونتاج مع “إعادة كتابة السيناريو باستمرار”، إذ يظل الفيلم عملا متخيلا رغم أنه متجذر في الواقع.

أثمرت هذه المغامرة أيضا فكرة أخرى بإطلاق شركة إنتاج متخصصة في موسيقي الهيب هوب “نيو ديستريكت” أواخر العام الماضي. ويلعب مديرها الفني أنس بسبوس، وهو مغني راب سابق، هو الآخر دورا في فيلم “علّي صوتك”.

 

####

 

السعودية في أكبر تمثيل لها في مهرجان كان السينمائي..

فرصٌ واعدة لمستقبل السينما العربية

السعودية تسعى لتسريع نمو الإنتاج السينمائي وإطلاق جيل جديد من السينمائيين فضلاً عن دعم المبدعين الراسخين.

الرياض– برهن الجناح السعودي المُشارك في الدورة الـ74 من مهرجان كان السينمائي على الدور القيادي الذي تؤديه المملكة في إنتاج السينما في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، حيث احتوى الجناح على أكبر تمثيل من نوعه في تاريخ المملكة، بعدد الجهات المشاركة فيه، ومستوى المبادرات التي انطلقت منه، والتي أخذت بُعداً إقليمياً لافتاً.

وقدمت المبادرات السعودية المعلن عنها من الجهات المشاركة في الجناح السعودي في المهرجان، خارطة طريق لمستقبل إنتاج السينما العربية والوصول بها إلى العالمية، ووضعت نقطة تحول تختصر الكثير من الخطوات وتسابق الزمن لتحقيق قفزة في منظومة سوق الإنتاج والإبداع السينمائي، حيث أعلن القائمون على مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عن تلقيهم منحةً إضافية بـ4 ملايين دولار من هيئة الأفلام لدعم صانعي الأفلام العرب، في حين أعلن مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” عن إنتاج فيلمين جديدين “بحر الرمال” و”طريق الوادي” بشراكات بين سينمائيين سعوديين وعرب.

وكانت المبادرات السعودية المعلن عنها ضمن مهرجان كان السينمائي نوعية، حيث تنوعت بين تلك التي تتبنى الإنتاج السينمائي وتدعم المواهب والفاعلين في الإنتاج، وبين تكفّل ببث الحيوية والتحفيز المعنوي والمادي لكافة أطراف منظومة السينما العربية، وخلق مسارات جديدة للمنافسة بما يرفع جودة المنتجات وسقف طموح السينمائيين.

وتبرهن هذه المبادرات على أن مستقبل السينما العربية يحظى بمناخ وبيئة جاذبة واحترافية تعزز من فرص العطاء، كما توفر مساحة ووجهة للمبدعين لتبادل الخبرات والتجارب بما يحاكي ورشة عمل تعليمية وعملية لنهضة تحمل بصمة عربية فريدة على الشاشة السينمائية.

وتعد الجهات السعودية المشاركة في الجناح السعودي بالمهرجان، من الجهات القيادية في إنتاج السينما العربية، ومن عناصر الحراك المؤثرة والداعمة لمبدعي الأفلام السعوديين والعرب، ما يجعل من المملكة قائدة للحراك السينمائي العربي، ومحطة مهمة للإنتاج السينمائي في منطقة الشرق الأوسط وحاضنة رئيسية للإبداع العربي.

ومن أهم الجهات السعودية المشاركة والداعمة للسينما نجد مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، وهي منظمة مستقلة غير ربحية أُنشئت لدعم إنتاج السينما، وقد أعلنت عن تأسيس “صندوق البحر الأحمر” بميزانية بلغت 10 ملايين دولار بهدف إنتاج 100 فيلم طويل وقصير، بالإضافة إلى حلقات مع مخرجين من العالم العربي وأفريقيا، في حين كشفت المؤسسة خلال الأيام الماضية ضمن مشاركتها في الجناح السعودي بمهرجان “كان” أن الصندوق يتلقى 4 ملايين دولار إضافية من هيئة الأفلام، وسيدعم هذا التمويل تطوير 40 فيلماً جديداً من صانعي الأفلام السعوديين والعرب، لتمكين مجموعة أكبر من صانعي الأفلام الموهوبين في المنطقة، من خلال المساعدة في مراحل التطوير ومراحل الإنتاج وما بعد الإنتاج، مما يتيح أن تخرج هذه الأعمال إلى النور.

وسيتم توزيع التمويل من الصندوق، المفتوح حالياً لتقديم الطلبات، على مجموعة مثيرة وفريدة من نوعها من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والأفلام الوثائقية والرسوم المتحركة ومشروعات المسلسلات، كما سيتم إعادة ترميم ما يصل إلى 10 أفلام كلاسيكية من العالم العربي، حيث يهدف الصندوق إلى تسريع نمو الإنتاج السينمائي وازدهاره وإطلاق جيل جديد من منتجي الأفلام، فضلاً عن تقديم المساعدة للمبدعين الراسخين.

وصندوق البحر الأحمر هو جزء من التزام مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي تجاه قطاع الشاشة الإقليمي، والذي يشمل أيضاً إطلاق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الافتتاحي في الفترة من 6 إلى 15 ديسمبر 2021، والذي من المقرر أن يجلب أفضل ما في السينما العربية والعالمية إلى مَعلَم منطقة جدة التاريخية القديمة ذات الإرث الراسخ، المنتمية لسجلات منظمة اليونسكو العالمية.

ومن المشاركين في الجناح السعودي أيضا نجد مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، وهو منتج مستقل رائد في المملكة، ويهدف إلى دعم إنتاج السينما من خلال تنمية المواهب المحلية ورعاية قطاع السينما وإنتاج الأفلام، ويحرص على تقديم العديد من المبادرات التي تدعم قطاع الأفلام، وتوفر مساحة لتمكين ودعم المواهب وتنمية مهاراتهم، إلى جانب إتاحة الفرصة للمبدعين في عرض أعمالهم الفنية، من خلال مهرجان “أفلام السعودية” لمساعدة مخرجي ومنتجي الأفلام على تحقيق أحلامهم، ولكونه أحد أكبر منتجي الأفلام في المملكة بحيث أنتج أكثر من 20 فيلماً، وحاز 15 منها على جوائز محلية وإقليمية ودولية، كما يوفر المركز تجربة تعليمية فريدة من خلال برنامج التدريب الذي يقدم للموهوبين في مجال إنتاج الأفلام.

وأعلن مركز “إثراء” عن إنتاج فيلمين جديدين خلال المشاركة في الجناح السعودي المقام في مهرجان كان، حيث سيقدم كاتب السيناريو والمنتج المصري محمد حفظي فيلم “بحر الرمال”، كما سيقدم المخرج السعودي والحائز على العديد من الجوائز خالد فهد فيلم “طريق الوادي”، واللذين من المقرر إطلاقهما في عام 2023، حيث يحرص المركز على استقطاب المواهب السعودية ومبتكري إنتاج الأفلام، ويتبع إطلاق هذين الفيلمين النجاح الدولي للفيلم التجريبي الأول الذي أنتجه المركز عام 2018 بعنوان “جود” والذي يتمحور حول انعكاسات تأملية غير تقليدية لدورة الحياة.

الجدير بالذكر أن مشاركة المملكة في مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته 74 الذي تشرف عليه هيئة الأفلام، تأتي من خلال جناح سعودي، مصمم بطريقة عصرية، وتشارك فيه عدة جهات حكومية وقطاع خاص وشركات سعودية متخصصة في المجال وداعمة لإنتاج الأفلام المحلية والعربية، وهي: هيئة الأفلام، وزارة الاستثمار، الهيئة الملكية للعلا، مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، مجموعة قنوات MBC، إثراء، شركة نيوم، أفلام نبراس، cinewaves، تلفاز 11، Arabian Pictures، بالإضافة إلى مجموعة من صنّاع الأفلام والمهتمين بهذا المجال.

 

العرب اللندنية في

15.07.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004