«البحر
أمامكم» إلى أول عرض عالمي ضمن «كان السينمائي»
إيلي داغر: تقدير عملي بهذا الشكل هدية أنستني كل تعبي
بيروت: فيفيان حداد
يبدو أن قصة المخرج اللبناني الشاب إيلي داغر مع مهرجانات
كان السينمائية طويلة وتحمل له دائماً المفاجآت السارة. كان في التاسعة
والعشرين من عمره عندما حصد في عام 2015 «السعفة الذهبية» في المهرجان نفسه
عن فيلمه «موج 92».
اليوم وبعد مرور نحو ست سنوات على نجاحه الأول، ها هو يعود
إليه من جديد من باب عرض فيلمه الروائي الطويل «البحر أمامكم». ويأتي ذلك
ضمن موعد عروض «الأسبوعين للمخرجين»
(La Quinzaine)،
والتي تأتي بموازاة أيام المهرجان، وتعتبر انطلاقة عالمية لأي مخرج يشارك
فيها. فهذه العروض تغامر وتختار مخرجين صاعدين لإيمانها بموهبتهم
السينمائية. سبق وشارك فيها مخرجون كانوا مغمورين، وتحولوا إلى عالميين
أمثال سكورسيزي وكوبولا.
ويعلق إيلي داغر في حديث لـ(«الشرق الأوسط»): «جاء وقع
الخبر علي كمكافأة وهدية أنستاني كل تعبي. فإن يتم تقديري من قبل جهة
سينمائية بهذا المستوى لا بد أن ينعكس علي إيجاباً محلياً وعالمياً».
يخبرنا إيلي عن موضوع الفيلم باختصار فهو لا يرغب في كشف
ملامحه أو الإفصاح عن تفاصيله، «يحكي عن حالة الركود واللاوضوح التي نعيشها
اليوم ولا نعرف أي مصير ينتظرنا».
أما القصة فتدور حول جنى، فتاة لبنانية تعود إلى وطنها بعد
فترة دراسة أمضتها في فرنسا. لم توفق في إقامتها هناك، وتتوصل إلى اتخاذ
قرارها بالعودة إلى بلادها بعد نحو 4 سنوات من ابتعادها عنه. تكتشف البلد
من جديد وعلاقتها بالمدينة التي تركتها وكانت لا تزال فتية. فنطل معها على
أوضاع لبنان والركود المسيطر على أجوائه واللاحلول العائمة على مشكلاته،
والضبابية الحائمة فوق حاضره ومستقبله.
ويعلق إيلي داغر في سياق حديثه: «هي موضوعات تلفتني وتهمني
وتتعلق ببلدي، فجميعنا عندنا هاجس الغد في لبنان، لا سيما جيل الشباب.
بعضهم يغادر الوطن على أمل... ولكن الهجرة لا تكون دائماً الحل المناسب».
وكما في فيلمه القصير السابق «موج 92»، كذلك في فيلمه
الجديد، يستوحي إيلي داغر أحداثه من تجارب واقعية، ويقول: «هي قصص تشبه
أخرى كثيرة حصلت مع أشخاص أعرفهم من أقرباء وأصدقاء. في فيلمي «موج 92»
تحدثت عن المدينة المثقلة بمشكلة النفايات، كان ذلك في عام 2015. هذه
المشكلة تفاقمت بعد وقت قصير، وها نحن اليوم نقف أمام نفس المعضلة».
مشروع الفيلم كان قد حصد جوائز عديدة، منها أفضل فيلم في
ورشة «فاينال كات» في مرحلة ما بعد الإنتاج من «مهرجان فينيسيا السينمائي
الدولي». وجائزة منصة الجونة ضمن المشاريع في مرحلة التطوير، وجائزة مالية
من مؤسسة دروسوس. كما فاز بمنح من «مؤسسة الدوحة للأفلام» و«الصندوق العربي
للثقافة والفنون» (آفاق) و«صندوق البحر الأحمر» لدعم الأفلام وغيرهم.
استغرق تحضير وكتابة الفيلم عدة سنوات وصوّر في فترة بلغت
نحو العام. ويوضح إيلي داغر: «عملية التصوير بأكملها جرت في لبنان، تنقلت
بين عدة مناطق، بينها بيروت والبقاع وفي الشمال. ورغم أني كتبت القصة قبل
عدة سنوات فإن مشاهده سيكتشف مدى اتصاله بالواقع الذي عشناه في السنتين
الأخيرتين. التجربة كانت رائعة رغم مرورها بتقاطعات عدة، بينها الأزمة
الاقتصادية والثورة والجائحة، ومن بعدها انفجار بيروت. ولكني ثابرت
واستمررت في عملي ضمن رؤيتي الخاصة له، حتى عملية التمويل حملت المصاعب،
ولكني تمسكت بتنفيذه على المستوى المطلوب، وأنهيته تماما في مارس (آذار)
2021. لقد عشت كل هذه الأوضاع التي مرت على البلاد كغيري من اللبنانيين. لم
أغادر لبنان إلا لأيام قليلة، عندما سافرت إلى بلجيكا كي أنفذ عملية الميكس
للصوت».
الفيلم هو من تأليف وكتابة إيلي داغر، ومن بطولة منال عيسى
ويارا أبو حيدر وربيع الزاهر وروجر آزار. أما الإنتاج فيعود إلى شركة
أندولفي برودكشن (المنتج أرنو دوميرك)، بالتعاون مع «بيشسايد» و«أبوط
برودكشن» وتتولى شركة «ماد سوليوشن» توزيعه.
وعن نقاط الاختلاف بين فيلمه الأول القصير والثاني الروائي
الطويل يقول إيلي داغر: «اللغة السينمائية التي أستخدمها تبقى هي نفسها، إذ
أحب أن أحكي القصة تماماً كما أراها من وجهة نظري. في عملي الأول قصدت أن
تكون الشخصيات تجريدية، أما في فيلمي الثاني فرغبت أن يدور موضوع الفيلم
حول شخصيات حقيقية. فهنا نتابع فيلماً روائياً طويلاً مدته نحو الساعتين
وفي «موج 92» الأمر يختلف، لأنه يحمل موضوعاً غامضاً، من خلال متحرك قصير».
ويعترف إيلي داغر بأن لديه شغفاً في تعامله مع الممثلين
ويقول: «لقد التقيت بمنال عيسى قبل ست سنوات وتصادقنا، خصوصاً أن لدينا نفس
وجهات النظر والآراء حول قصص كثيرة، وهو ما حافظ على علاقة مهنية وطيدة
بيننا. أحب العمل مع الممثل، وأعتبر أنه يحمل لي خبرات جميلة أضيفها إلى
خلفيتي الفنية في الإخراج».
وعما يتوقعه لعالم السينما بعد الجائحة يقول: «عالمياً
السينما آخذة إلى النهوض من جديد، فهواة العروض السينمائية لا يستغنون عن
الأصلية منها عبر الشاشة الذهبية. فالاستمتاع بقصة الفيلم والصوت وحركة
الكاميرا، لا يمكن أن تؤمنها عروض المنصات الإلكترونية. أما في لبنان وبعد
الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار بطاقات الدخول إلى صالات السينما، لا شك
أنها ستؤثر سلباً على شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين، وهذا الأمر أجده
سيئاً جداً، إذ سيفرز فئة محرومة من السينما».
بين 7 و17 يوليو (تموز) المقبل تنطلق عروض «الأسبوعين
للمخرجين» في «مهرجان كان السينمائي». «لا شك أني سأحضر عروض فيلمي والتي
أعتقد أنها ستكون على يومين متتاليين. متحمس جداً لهذه التجربة التي
سأخوضها على مستوى عالمي. لا أريد أن أتوقع الكثير سيما وأن لا جوائز تمنح
عن هذه العروض. ولكني أفكر بطريقة إيجابية، إذ إن الفيلم لاقى التقدير لدى
القيمين على هذه العروض. فعملي صادق وضعت فيه كل جهودي وعندي ثقة بما أقوم
به. أنتظر أن أتلقى ردود فعل المشاهدين مباشرة في الصالة، وما بعد العرض
أيضاً، لأنه سيجري مناقشته. وبما أني عملت كل شيء بالشكل الصحيح وحسب
المطلوب، فلا أتوقع السلبية أبداً». |