ملفات خاصة

 
 
 

أفلام عربية تتسابق للفوز بجوائز سنوية

بعضها عن الأوضاع السياسية وأخرى عن ذوي القربى

بالم سبرينغز: محمد رضا

كان السينمائي الدولي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

مع انطلاقة الدورة المقبلة من مهرجان «كان» السينمائي التي ستقام ما بين السادس والسابع عشر من شهر يوليو (تموز)، يستعد «مركز السينما العربية» لإقامة حفله السنوي خلال أيام الدورة والتي سيتم فيه الاحتفاء بأحد النقاد العرب كما جرت العادة.

يأتي هذا النشاط لجانب قيام المركز بتوزيع جوائزه السنوية أيضاً على مجموعة من الأفلام العربية والأفلام الممولة أجنبياً من إخراج عرب. هذه الجوائز تجري بالتصويت عليها من قبل 166 ناقدا عربيا وأجنبيا يتم توزيع الأفلام عليهم تمهيداً لاختيار كل منهم أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل فيلم تسجيلي وأفضل سيناريو وأفضل ممثل وأفضل ممثلة.

دعم للسينما

تبدو المهمة عادية وبسيطة. يشاهد كل منا الأفلام ويختار منها ما هو أفضل في هذه المسابقات الستة. هذا يحدث في كل مكان حول العالم وبالطريقة ذاتها أو بنظام الاختيارين الأول (حيث تشترك كل الأفلام فيه) ثم بالتصفية (حين يتم تأليف القائمة القصيرة تمهيداً للتصويت الأخير). لكن التحري عن الأفضل بحد ذاته ليس مهمة تلقائية إلا في حالة أن الفيلم الذي يعاينه الناقد يفشي سره سريعاً فإذا به لا يستحق إلا قدراً محدوداً من الإعجاب.

في هذا الجانب هناك حقيقة أن عدداً محدوداً من الأفلام هي تلك التي يتم توفيرها للتصويت في مسابقة «مركز السينما العربية»، (20 فيلما هذا العام) وذلك عبر انتقاء ما سبق للمهرجانات العالمية أن عرضته من أعمال أو كان للمركز يد طولى في تبنيه على نحو أو آخر.

هذا يجعل المسألة أحادية إلى حد كبير. هناك ضعف هذه الأفلام التي تنتج في العالم العربي وليس من العدل أن يتم استثناؤها من التصويت (وعلى مرحلتين). مبدئياً، عدم وصول فيلم لمهرجان دولي (ووصوله بات أسهل من ذي قبل بسبب كثرة المهرجانات) ليس تبريراً كافياً لعدم تواجده في أي استفتاء من هذا النوع.

هذا ليس للتشكيك أو النيل مما يقوم به المركز في هذا الشأن مطلقاً، بل يدخل في عداد اقتراح تطويره خصوصاً في غياب اتحاد لنقاد السينما العرب أو لأكاديمية فعلية كتلك التي في العديد من عواصم العالم. والواقع أن «مركز السينما العربية» (يشرف عليه بنجاح السينمائي علاء كركوتي) يقوم بنشاطات عدة في مجال دعم السينما العربية عالمياً. له حضور في أكثر من مهرجان (بدءاً ببرلين و«كان») ويصدر مجلة تعريف بها، ويقيم حلقات تواصل ويبعث بمنتجين شبان إلى بعض المهرجانات ليكونوا على مقربة من الحدث لمتابعته والاستفادة منه.

الشأن الفلسطيني

أفلام هذه الدورة من المسابقة كان لا بد لها أن تتنوع نظراً لما تطرحه في الهيكلة والمعالجة أو في المضمون ورسالته. معظمها، ولقصور السينما العربية وحركتها الإنتاجية، لم يكن ليتم من دون تمويل مباشر من قبل شركات أوروبية (فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، سويسرا، دنمارك، برتغال). هذا يجعل منها أعمالاً مشتركة في أفضل الأحوال، لكن لهذا الموضوع حديث آخر مختلف.

من بين الأفلام العشرين التي تم التصويت عليها يوم الأحد الفائت ستة فقط يبدو أن تمويلها كان محلياً تماماً أو إلى حد غالب وهي «القصة الخامسة» (العراق، قطر) و«قبل زحف الظلام» (المغرب) و«الهدية» (المغرب) و«نرجس أ» (الجزائر) و«نفس» (لبنان) و«من أجل القضية» (المغرب).

هذا الأخير واحد من أربعة أفلام تدور حول الشأن الفلسطيني. أخرجه حسن بنجلون حول ما قد يصيب موسيقي فلسطيني من صعوبة انتقال ما بين المغرب والجزائر عندما يطلب منه إقامة حفل فيختار السفر براً مع منتجة فرنسية ينتقل دورها من الفضول إلى التعاطف وهي تجد رفيقها يواجه تحديات إنه فلسطيني. الفيلم هو كوميدي في أساسه وفيه حلقة ضعيفة يكشف عنها في نهاية مطافه.

الفيلم الثاني هو «غزة مونامور» للفلسطينيين طرزان وعرب ناصر (إنتاج فرنسي ألماني وبرتغالي وقطري لكنه يحمل اسم هوية منبعه فلسطين) حول الصياد الواقع بين حبه لأرملة ويوميات حياته المبعثرة في غزة. الفيلم الثالث هو «200 متر» للأردني أمين نايفة حول الزوج (علي سليمان) الذي عليه اجتياز الجدار القائم للوصول إلى ابنه الصغير الراقد في المستشفى. الفيلم الرابع هو أيضاً باسم فلسطين (لكن تمويله الفعلي يبدو ورد من آيرلندا ولوكسمبرغ) وعنوانه «بين السماء والأرض» لنجوى نجار وهو عن زوجين يدخلان الأرض المحتلة لإنهاء ترتيبات الطلاق ليكتشفا ما لم يكن بحسبانهما.

تناولنا هذه الأفلام في حينها (شوهدت في القاهرة وفينيسيا من قبل وأعيدت مشاهدة بعضها للمناسبة) وهي جزء من إنتاجات عدة تطرح المسألة الفلسطينية على مستويات عدة وبنتائج فنية مختلفة.

أفلام ذوي القربى

أفلام القضايا نشطة في عالمنا وتجد ملاذها الأول في السينما غير الروائية. من الجزائر هناك «نرجس أ» لكريم عينوز عن دور المرأة في المظاهرات السلمية في الجزائر، و«قبل زحف الظلام» للمغربي علي الصافي حول سينمائيين عانوا من تبعات معارضتهم للحكومة والرقابة فتم تغييبهم عن العمل وذلك في رحى مطلع الثمانينات. ثم «نحن من هناك» للسوري وسام طانيوس (يحمل الفيلم هوية لبنانية - فرنسية) حول قريبين للمخرج يتركان سوريا إلى ألمانيا للعيش بعيداً عن الأحداث.

في المقابل هناك أفلام تسجيلية لا علاقة لها بأسباب سياسية مثل «نفس» للبنانية رمي عيتاني حول أحد «قبضايات» حي باب التبانة الذي يوزع وقته بين الإدمان على المخدرات وتوزيعها. جهد المخرجة هو الوحيد اللامع في هذه المادة الواقفة عند حد التكرار أكثر من مرة. «أمهات» للمغربية مريم بكير هو من بين تلك الأفلام التي لا تترك أثراً يذكر رغم نبل رسالتها. والفيلم المصري «عاش يا كابتن» لمي زايد يخطف الاهتمام لبعض الوقت ثم يتخلى عنه. في «الجنة تحت أقدامي» للبنانية ساندرا مهدي يتمحور حول ثلاث أمهات ما بين ألمانيا ولبنان يسعين للاحتفاظ بأولادهن بعد حالات طلاق أحياناً بعد حكم القضاء. ومن المخرجة المغربية كريمة سعيدي «طريق للبيت» ذلك الاهتمام بذوي القربى (كما الحال في «نحن من هناك») إنما على نحو أفضل ابتكاراً. أم المخرجة مصابة بالألزهايمر وساندرا تحاول استنطاقها حول ذكرياتها قبل فوات الأوان.

فيلمان من النوع والاهتمام ذاته هما المغربي «ذا بستكارد» لأسماء المدير و«القصة الخامسة» لأحمد عبد (العراق). الأول عن المخرجة تزور القرية التي ولدت أمها فيها (تصوير بديع لطبيعة خلابة، والثاني عن المخرج يزور أباه الذي اعتزل الحياة الاجتماعية ويعيش في مقطورة قديمة مكتفياً بذكرياته.

بالعودة إلى الروائي يبرز فيلمان لهما علاقة بالموضوع السوري: «مفاتيح مكسورة» لجيمي كيروز حول عازف في بلدة احتلتها قوات داعش وانتقاله إلى المدينة البعيدة ليجلب مفاتيح البيانو التي كسرها رئيس الميليشيا. الفيلم الآخر هو «المترجم» لرنا قزقز وأناس مخلوف حول العائد إلى سوريا من مهجره في سيدني، أستراليا، للبحث عن مآل شقيقه الذي سجن بسببه. لجانب «تحت السماوات والأرض» و«قبل زحف الظلام» و«تحت السماء والأرض» للبناني روي عريضة من بين الأجدى كتابة وإخراجاً.

 

الشرق الأوسط في

11.06.2021

 
 
 
 
 

كانّ يعود هذا الصيف: لا، الجائحة لم تقتل السينما!

هوفيك حبشيان - المصدر: النهار

كانّ دورة 2021 لم يعد مهمّة مستحيلة كما كنّا نتخيله قبل أشهر قليلة. بل انه موعد محدد وثابت لا رجوع عنه ينتظره المجتمع ال#سينمائي هذا الصيف من 6 تموز إلى 17 منه في المدينة الساحلية الفرنسية الشهيرة. بعد دورة أُلغيت العام الماضي بسبب استحالة اقامتها في ظلّ تفشّي الوباء وتحوّله جائحة، قرر القائمون على أكبر تظاهرة سينمائية في العالم، المضي في تنظيم أول كانّ في فترة ما بعد الكورونا والعودة التدريجية إلى الحياة في أوروبا. الأمر الذي ما كان ممكناً من دون دعم السلطات التي كانت بدأت تخفف اجراءات السلامة وترفع القيود التي ضيقت الخناق على الثقافة والفنّ وأنهكت العاملين فيهما. فالسينمات والمسارح عادت إلى نشاطها السابق بدءاً من 19 الشهر الماضي، والتقطت شيئاً من أنفاسها. أول يوم افتُتحت فيه الصالات كان يوم "نصر" أعاد الأمل إلى نفوس العاملين في هذا القطاع المهدد بالانهيار. فلم يبق عملياً أي سبب حقيقي لحجب دورة اضافية من كانّ، وقد تبين ان تأجيله من أيار إلى تموز فكرة جيدة لكسب المزيد من الوقت.    

الخميس الفائت، عقدت ادارة المهرجان مؤتمراً صحافياً عرضت خلاله البرنامج الحافل الذي يبشّر بـ"نهضة" تعيد الأمور إلى نصابها وتساهم في اعادة دوران العجلة السينمائية والاقتصاديات المرتبطة بها. "يجب تغيير كلّ شيء كي يبقى كلّ شيء على حاله"، كما يقول أمير سالينا في "الفهد" لفيسكونتي. فهذا المهرجان بكلّ ما يمثّله من قيم بورجوازية على مستوى التمسّك بالامتيازات والمكتسبات، يطبّق مقولة الأمير بحذافيرها، مغيراً الكثير من أجل البقاء والصمود في وجه الصعوبات والمتغيرات. كانّ منبر أساسي غيابه خسارة لا تعوَّض، سواء للجمهور أو لأصحاب الأفلام ولكلّ مَن يقف بين هذا وذاك. يأتينا المهرجان كلّ عام باكتشافات جديدة من كلّ أصقاع الأرض. مهما كثر الحديث أخيراً عن موت السينما بالصيغة التي نعرفها حالياً، فإن كانّ يقبت العكس، باستثنائه الثقافي ونضاله من أجل إبقاء الأشياء على حالها. وكما قال المفوض العام للمهرجان تييري فريمو خلال المؤتمر الصحافي: "الاقبال الشديد على الصالات في أول يوم افتتاحها حيث سجّلت 300 ألف مشاهد، دليل على ان فكرة موت الصالات فكرة غير واقعية". لا بل عكس ذلك: مدينة كانّ سفتتح قريباً مجمّعاً سينمائياً ستُعرض فيه أفلام المهرجان!  

إعادة نظر في "نظرة ما"

تتألف التشكيلة الرسمية من 65 فيلماً تأتي الينا من بلدان وثقافات مختلفة. بالمقارنة، كان عدد الأفلام 57 في التشكيلة الرسمية خلال آخر دورة. هذا العدد اختير من بين 2000 فيلم شاهده المبرمجون. هناك الكثير من الأفلام التي أحبوها ولكن لا مكان لها. حرص كانّ على اعادة النظر في الأقسام. "نظرة ما" الذي يتضمن 18 فيلماً، عاد إلى ما كان عليه في بداية انطلاقته، أي عاد محلاللاكتشافات والتوغّل في كلّ ما هو مستجد ومثير ويأتي بوعود سينمائية جديدة. لا نكاد نتعرف على اسم واحد من بين تلك التي عدّدها فريمو في قسم "نظرة ما"، حتى انستة منهم يخطون أولى خطواتهم لصناعة فيلم روائي طويل. لفتنا وجود "أم جيدة"، فيلم الممثّلة والمخرجة التونسية الفرنسية حفصية حرزي؛ عمل كبير بحسب فريمو عن الفقر في فرنسا صُوِّر في مرسيليا. فقرة جديدة أُضيفت أيضاً إلى التشكيلة الرسمية: "كانّ بروميير". هذه تضم أفلاماً لا تخضع لمعايير واضحة ويبدو كأنها سقف الذين لا يؤويهم أي سقف. يقول فريمو انها تضم أفلاماً لسينمائيين مكرسين سبق ان كانوا في المسابقة. في هذا القسم (10 أفلام) نجد أحدث أعمال الفرنسيين آرنو دبلشان وماتيو أمالريك والبريطانية أندريا أرنولد والكوري الجنوبي هونغ سانغ سو والأميركي أوليفر ستون وغيرهم. الأخير يعود إلى قضية شغلته طويلاً وهي اغتيال الرئيس السابق للولايات المتحدة جون كينيدي، بناءً على مستندات جديدة حصل عليها. تبقى هناك ثلاث فقرات تنطوي على أعمال رهن الاكتشاف: خارج المسابقة، عروض منتصف الليل (فيلمان سيتم الاعلان عنهما لاحقاً) وعروض خاصة. في الفقرة الأخيرة (التي يقول عنها فريمو بأنها فقرة السينمائيين الذين يعطوننا آخر مستجداتهم)، نجد فيلماً جماعياً عن الوباء في عنوان "عام العاصفة الأبدية" الذي يشارك فيه سينمائيون مثل الإيراني جعفر بناهي والتايلاندي أبيشاتبونغ فيراسيتاكول.

هذا البرنامج هو خلاصة عام ونصف العام من العمل، لا خلاصة عام واحد فحسب. عدد من السينمائيين لم يوافقوا على الحلّ الذي اقترحه المهرجان في دورة 2020 الملغاة والذي يقتضي بختم مجموعة أفلام كانت مختارة قبل الالغاء، بختم كانّ! مَن لم يقبل هذه التخريجة، فضّل تريث النسخة الحضورية للمهرجان. بعضهم يعود اذاً في 2021، أشبه بالناجي من الغرق، وهذه حال الهولندي بول فرهوفن الذي سيعرض فيلمه الأحدث "بينيديتّا" عن راهبة مثلية تدعى بينيديتّا كارليني (قصّة حقيقية حدثت في القرن السادس عشر)، مع العلم ان الفيلم كان جاهزاً لدورة العام الماضي. معلومة على الهامش: جميع الذين شاركوا في الدورة الرمزية للعام الماضي، دعاهم المهرجان إلى مدينة كانّ كضيوف. 

سينما في ظلّ الجائحة

على سبيل التمهيد، كشف فريمو ان الحجر الصحي الذي عشناه طوال الأشهر الماضية، كان له تأثير بالغ في الإنتاجات التي لم تتوقف بالرغم من كلّ شيء. فالاختيارات تشهد على هذا: هناك أفلام صُوِّرت بدافع الضرورة، أحياناً بهواتف محمولة للتعبير عن لحظة، عن إحساس، عن فكرة شعر صاحبها بضرورة الافصاح عنها. بحسب فريمو ان الأفلام هذا العام تحذّر الإنسان من الأخطار التي تتهدده، بأسلوب شاعري يحضّه على خوض معركة البقاء. أفلام تحسس المُشاهد بهول الخسارة وتطرح بعض الأسئلة الجوهرية مثل: مَن نحن وماذا حلّ بالكوكب الذي يؤوينا؟ في هذا الصدد قال فريمو ان الناس عندما سيشاهدون هذه الأفلام بعد عشرين سنة قد يسألون لماذا الشخصيات تلبس الكمامات؟

أكثر ما يشغل رواد كانّ هو المسابقة. هذه التي تحتوي هذا العام على 24 فيلماً من المفترض انها من "زبدة الأفلام". لجنة التحكيم يترأسها المخرج الأميركي سبايك لي الذي كان من المقرر ان يترأسها العام الماضي، على ان يُعلن عن أسماء الأعضاء في الأيام المقبلة. المهرجان كما بات معلوماً سيكرم الأميركية جودي فوستر (58 عاماً)، وسيفتتح بفيلم "أنيت" لليوس كاراكس، المخرج الفرنسي الذي كان غائباً عن الـ"كراوزيت" منذ 2012، تاريخ عرض "هولي موترز". يعود إلى الساحة بميوزيكال ناطق بالإنكليزية، تمثيل ماريون كوتيار وآدم درايفر. المسابقة تضم أيضاً ثلاثة سينمائيين سبق ان نالوا "السعفة": الإيطالي ناني موريتي الذي يوثّق في "ثلاث طبقات"،يوميات قاطني بناية تشير سلوكياتهم إلى عالم يصعب فيه التعايش. إلى موريتي الذي يعود إلى كانّ بعد 20 سنة من"غرفة الابن"، هناك الفرنسي جاك أوديار "المسعَّف" عن "ديبان". جديده "لي أولمبياد" عن الجالية الآسيوية في احدى دوائر باريس. فائز أخير بـ"السعفة" يشق طريقه إلى المسابقة: التايلاندي أبيشاتبونغ فيراسيتاكول سيعرض "ميموريا"، أول فيلم له يلتقط مشاهده خارج وطنه، واستعان فيه بالممثّلة البريطانية تيلدا سوينتون. إلى هؤلاء، هناك أيضاً أسماء تكرّست في محافل دولية وتدخل مسابقة كانّ للمرة الأولى. هذه حال شخصين: المجرية إيلديكو إنييدي التي كانت فازت بـ"دبّ" برلين قبل أربعة أعوام عن "جسد وروح"، تحضر بـ"قصّة زوجتي"، أفلمة لمسرحية للكاتب المجري ميلان فوست تروي حكاية رجل يكتشف ان زوجته تخونه، والمخرج الإسرائيلي ناداف لابيد الذي فاز بالجائزة نفسها في برلين قبل عامين عن رائعته السينمائية "مرادفات"، وهو يشارك بفيلم "ركبة أهد" عن حياة السينمائي ووحدته ومكانه في العالم، عابرا من فيلم إلى فيلم. 

أميركيون مقابل فرنسيين

الأميركيون مع كلّ الصعوبات التي تعيق طريقهم، هم أقلية في المسابقة، قياساً بحجم إنتاجهم. شون بن في صدارة الأفلام الأميركية التي يبلغ عددها ثلاثة. مع "يوم العَلَم"، ترى هل ستتكرر التروما التي عاشها قبل خمس سنوات عندما عرض "الوجه الأخير"، فيلمه السيئ جداً الذي كرهته الصحافة، أم انه يعود إلى سابق مجده؟ وس أندرسون هو الأميركي الثاني وننتظر له على أحر من الجمر "البرقية الفرنسية"، مع شلته المعتادة، هو الذي لا يخيّب ظننا عموماً. وتختتم القائمة الأميركية بـ"صاروخ أحمر" لشون بايكر، صاحب "مشروع فلوريدا". فيلمه هذا عن ممثّل بورنو يواجه سكّان قريته التي يعود اليها بعد سنوات غياب. 

هذه دورة فرنسية بامتياز. هل خضع فريمو وفريقه لضغوط الوسط السينمائي الفرنسي؟ سؤال من الممكن الرد عليه بعد مشاهدتنا للأفلام لا قبلها. قد تكون الأفلام الفرنسية المختارة فعلاً أفلاما مهمة… سبعة مجموعها في المسابقة، أي انها تشكّل نسبة ٣٠ في المئة. سبق ان ذكرنا كاراكس وأوديار، أما البقية فهم: ميا هانسون لاف ("جزيرة برغمان") وكاترين كورسيني ("الكَسر") وبرونو دومون ("فرنسا") وجوليا دوكورنو ("تيتان") وفرنسوا أوزون ("كلّ شيء كان على ما يرام"). 

سننتظر أيضاً المخرج الإيراني أصغر فرهادي على الـ"كروازيت"، العائد بفيلم "قهرمان"، على أمل ان يكون أفضل من فيلمه الأخير "الكلّ يعلم"، الذي صوّره في إسبانيا. ليس بعيداً من إيران، ثمة بلاد اسمها روسيا يحكمها ديكتاتور يحبس الفنانين، وكيريل سيريبرينيكوف أحد ضحاياه. هذا الذي اعتُقل بعد "تلبيسه" قضية فساد، يعود بـ"رشح بيتروف"، بعدما كان أبهر كثيرين بـ"ليتو". في جديده، يموضع كاميراه في الفترة التي تلت سقوط الاتحاد السوفياتي، لمرافقة كاتب قصص متسلسلة في يوم من حياته. لكن يبدو ان السلطات لن تجيز سفره إلى كانّ. تبقى افريقيا التي "يمثّلها" هذا العام إثنان من أولادها البررة: المغربي نبيل عيوش مع "علّي صوتك" والتشادي محمد هاورن صالح مع “لينغي".  

في مطلع هذا الأسبوع، أعلن كلٌّ من "اسبوع النقّاد"و"اسبوعا المخرجين" عن الأفلام التي ستملأ الصالات التي يعرضان فيها اختياراتهما، وواحدة منها خضعت للترميم حديثاً. سنعود بالتفاصيل إلى هذه الأفلام، مع التذكير بأن "البحر أمامكم" للبناني إيلي داغر (الحائز "سعفة" الفيلم القصير في العام 2015) يشارك في أحد هذه الأقسام الموازية.  

كانّ بلا قبلات؟ 

يعرف المهرجان جيداً ان الحضور سيكون أقل. ولكن سيعوَّض بالسيّاح القادمين إلى كانّ في حرّ تموز مقتنصاً الفرصة لتوريطهم في الحدث. في المقابل، كيف سيتم التعاطي مع موضوع الكورونا؟ هذا سؤال أساسي لا مفر منه. لا شيء واضحاً مئة في المئة في هذا الشأن. الزامية خضوع المشاركين لفحص بي سي آر كلّ 48 ساعة أربكت البعض وأثارت سخرية البعض الآخر. لكن مَن تلقى اللقاح أو صاحب مناعة، معفى منه. المهرجان قال انه لن يتساهل وفي الوقت نفسه صرّح أحد المسؤولين فيه بأن الاجراءات كارتداء الكمّامة الالزامية داخل الصالة لن تكون على حساب المتعة. مع ذلك، هناك احساس بأن الكورونا انتهى وهذا كله ليس سوى شكليات، خصوصاً ان سهرات العشاء لن تتوقف (وإن على طاولات من ستّة أشخاص فقط). فهل يمكن مثلاً فرض تباعد اجتماعي في مكان مثل كانّ، خصوصاً ان الصالات ستعمل بقدرة استيعابية نسبتها مئة في المئة؟ هناك أيضاً معاناة استقبال ضيوف من بلدان لا يزال الوباء فيها ناشطاً. المهرجان وعد بأنه سيلجأ إلى السلطات العليا لحلّ مسألة استقدامهم. ولكن هل هذا الكلام يطمئن الأميركيين الذين لا يعرفون كيف سيعودون إلى بلدهم اذا جاؤوا إلى كانّ، أو البريطانيين الذين قيل لهم بأنهم يحتاجون إلى حجر صحي فور وصولهم؟ هذه هموم تُضاف إلى الهموم التي تحملها الأفلام معها من سائر أنحاء الأرض. والأنكى ان القبلات والأحضان… غير مرغوب فيها!

 

النهار اللبنانية في

11.06.2021

 
 
 
 
 

محمد صالح هارون.. من جبال أبيشي إلى حدائق باريس

محمد جدّي حسن

"كل ما أردّته هو أن أؤسس مدرسة للسينما في بلادي، كي يجد الفن السابع نفساً، ولكي لا ينتهي الأمر مع وفاتي. لكنهم لم يسمحوا لي بذلك". 

ثمّة رابط واحد يجمع كل أفلام محمد صالح هارون. الحرب. رغم أنه أنتج أفلاماً لا علاقة قريبة لها بالحرب، إلاّ أن الحرب كانت هي الهاجس، عاش المخرج أهوال الحرب الأهلية التشادية نهايات السبعينات وبدايات الثمانيات، فتأثر بها كثيراً، لذا لا ينفك يحضر الأجواء العسكرية؛ طبول الحرب، تقارير الإذاعات المحذرة، أزيز الطائرات، دوي قصف من هناك وهناك، الإهانات عند نقاط التفتيش، من خلال انفعالات أبطاله، من الذعر الذي يعتريهم، التوتر الذي يصاحبهم كلما رأوا جندياً أو زيّا عسكريا. المخرج قضى شبابه خائفاً. هرب كغيره من الهاربين في اتجاه الحدود. تلقّى رصاصة طائشة كادت تودي بحياته. لم ينسَ كل هذه الأجواء فنقلها إلى فنه.

حتّى تاريخ كتابة هذه المقالة، هو الأول والأخير في الفن السابع من هذه البلاد، فقبله لم تعرف البلاد مُخرجاً، وحتى الآن، وقد طرق أبواب الستين، لم يتمكن تشاديّ آخر من إخراج ما يمكن أن يقترب من باكورة أعماله.

بعد استقلال البلاد بعام واحد، ولد محمد صالح هارون 1961  في شرقي البلاد، في مدينة صغيرة تحيطها الجبال والجفاف تسمى أبيشي. قضى طفولة هادئة، بين الخلوة والمدرسة، تعلم الفرنسية وتحدّث العربية الدراجة، وبعد بلوغه الرابعة عشرة أطلق الثوار رصاصتين على أول رئيس للجمهورية. بعد تلك الرصاصتين عاش بضع سنوات في ظل حكم عسكري انتقالي وثورات وحكومات ضعيفة قدمت له الرصاص والدماء. أيّام دراسته الثانوية كانت سنوات حرب أهلية، رأى فيها كل الفظائع التي بإمكان البشر اقترافها. انغمس في مشاهدة الأفلام الهندية، الوحيدة التي كانت تصل إلى مدينته الجبلية.

وصل إلى العاصمة أنجمينا أوخر العام 1981 كي يجهز أوراقه للسفر إلى فرنسا لإكمال دراسته، وبينما كان يقضي النهار بين بيت عمٍ له وشارع شارل ديغول حيث المكاتب الدولية ووكالات السفر، اندلعتْ الحرب داخل العاصمة الصغيرة، وأثناء هروبه نحو الحدود الكمرونية تلقى رصاصة كادت أن تقضي عليه، وهكذا وصل إلى فرنسا بإصابة بالكاد التأمت

زنجيٌ في باريس 

متعطشاً إلى التحرر، متذوقاً لأشعار ليپولد سيزار سنغور، معترفاً بواقع كونه أسود، معتبراً أن هذه ميزة ذكاء وأصالة، وصل محمد صالح هارون إلى باريس متأثراً بالحركة "الزنوجية". مبجلاً ذاته محتقراً الآخرين وقارئاً جيداً لإيميه سيزار، متسلحاً بذكاء يجعله نرجسياً إذا لزم الأمر

بكل هذا الحمل جلسَ على مقاعد Consevatoire libre du cinéma français  محتمياً بمعطف قصائد افريقية علّها تنجيه من شتاءات باريس. درس الإخراج وتخرج بعد ثلاث سنوات، فلم يجد عملاً يراكم تجربته، والعودة لم تكن خياراً، فالبلاد كانت في قبضة ديكتاتوريّ يقمع كل الأصوات. كان مجال الإعلام يبدو واعداً لشاب قدم من بلادٍ تريد فرنسا أن تعرف كل شيء عنها، فالتحق بمعهد الإعلام في بوردو وبفضل الإعلام عمل في مجلات وصحف عالمية أكسبته المال والعلاقات، ومكّنته من إخراج الأفلام على طريقته.

البداية كانت في العام 1994 حين أخرج فيلمه Maral Tanie - الزوجة الثانية، ناقش فيه قضية الزواج المبكر، لكن البداية الحقيقية كانت في العام 1999 حين قدمّ فيلمه الطويل "وداعاً  إفريقيا"، وحاز أفضل عمل أول في مهرجان فينيسيا. بعد عامين، أخرج فيلماً قصيراً بعنوان "رسالة من نيويورك"، وفي العام نفسه، فاز بجائزة أفضل فيديو في الدورة الحادية عشرة لمهرجان السينما الإفريقية في ميلانو. وفي ثاني إخراج له، لفيلم طويل بعنوان "أبونا"، فاز بجائزة أفضل صورة في FESPACO... وفي العام 2007 فاز فيلمه Daratt بالجائزة الفضية في ياننيغا كما فاز بأفضل صورة. وفاز فيلم "دارات" أيضاً بجائزة أفضل فيلم في مهرجان فينيسيا، وكأن أول فيلم تشادي يفوز بهذه الجائزة.

"دارات" أو "موسم جاف" كان من أروع ما قدمته السينما الافريقية. تدور الحكاية حول شاب يسمى "أتيم" يغادر البادية كي يصل إلى العاصمة أنجمينا لينتقم لمقتل والده. سريعاً يجد قاتل والده الذي كان مجرم حرب.. لكنه الآن يدير مخبزاً صغيراً. يعمل أتيم في المخبز ويشاهد يوميات الرجل ويشعر تجاهه بمشاعر مختلفة عن تلك التي غادر بها قريته.

يضع المخرج بطله بين خيارين، الثأر أو الصفح. والعظيم جداً أن المخرج يقف بحياد جميل أمام أحداث عمله كأي مبدع لا يقحم أفكاره الإيديولوجية أو الدينية في فنه. وفي مايو/ايار 2010 اختير فيلمه "رجل يصرخ" في اللائحة القصيرة في مهرجان "كان"، وتوّج بجائزة لجنة التحكيم. تتويجات وتكريمات، صعود وارتقاء، هكذا وصل محمد صالح هارون إلى العالمية وصار اسمه معروفاً بين محبي الفن السابع

مستنقع السياسة

في شباط/فبراير 2017، وصل محمد صالح هارون إلى مطار حسن جاموس الدولي في أنجمينا حاملاً قرار تعيينه وزيراً للثقافة! كان أول سؤال واجهه المخرج هو: لماذا ترغب في أن تكون وزيراً في ظل حكم ديكتاتوري، بينما أنت تملك المال والجاه والشهرة؟ أتيت لأساعد الشباب؛ قلبي صافٍ وضميري مرتاحٌ. هذا ما قاله المخرج، لكنه واجه انتقادات حادة لأن المتابعين اعتقدوا أنّ إخراجه وثائقياً عن الديكتاتور السابق حسين حبري، كان بطاقته إلى مفاتيح الوزارة لأن الوثائقي "كان تلميعاً للنظام الحاكم". 

بصرامة واعتدال تعلمهما في باريس، أراد أن يقود الوزارة، واجه العديد من المشاكل مع شباب من إفريقيا لا يريدون العمل بقدر ما يرغبون في كسب المزيد من المال عبر الصفقات والفساد الإداري. بعد سنة من تولّيه المنصب، قدم المخرج استقالته في ظروف غامضة جداً. قال أنه استقال لأنهم لم يسمحوا له بالعمل، وقالوا إنهم طردوه، ولا نعرف ما حصل حقيقةً حتى اليوم.

عاد الوزير إلى شقّته في باريس، وأطلق طلقته عبر صفحات مجلة "جون أفريك" قائلاً:

"لم أصبح وزيراً لأغسل ذاكرة تشاد". عبارة أحدثت ضجة. وأكدّ لاحقاً بأنّ كل ما أراده هو جلب أسماء لامعة إلى البلاد. لكنه لم يرد غسل ذاكرة تشاد. وسعى لإنشاء مدرسة للفن السابع، لكن الواقع قزّم طموحاته.

في العام 2018 عاد إلى فنه بعد الخيبات التي تلقّاها في ميدان السياسة، وأخرج فيلمه "موسم في فرنسا"، عن مهاجر من إفريقيا الوسطى يحاول أن يجد الإستقرار في فرنسا مع أسرته الصغيرة، مواجهاً كل المتاعب الذي يتعثر بها المهاجرين.

وجهاً لوجه مع الفنان 

ذات ظهيرة قائظة في نيسان، اجتمعنا تحت شجرة ظليلة، على بعد أمتار من حيث يسكن، كي نزور المخرج والروائي، كي نتعلم شيئا من الآتي من باريس. كان الحر شديداً والهواء ساخناً. تجمعنا هناك ودلفنا على المكتبة وتمكنا من شراء أربع نسخ من روايته التي نشرها في "غاليمار" بعنوان jibril ou les ombres portées. جلسنا على حصير ووضع طستاً مليئاً بالماء أمامنا، بعد لحظات وصل وهو ينفث سيجارته مرتدياً جلابية واسعة كتلك التي اعتاد السودانيون ارتداءها طوال الوقت. كان في أواخر الخمسين، نحيلاً أسمر، يلمع في وجهه نورٌ وهالةٌ يمتلكها أولئك الذين يعيشون في أوروبا. سلّم علينا وهو يعدّل من نظاراته ويفتل شنباته الرمادية. بفرنسية أنيقة تحدث زهاء ساعة، طرحنا خلاها بضع أسئلة عن الثقافة والأدب والسينما.

كان الجميع منزعجاً من الترفّع الذي أظهره أثناء اللقاء وإنهاء الجلسة في وقت قصير بحجة أنه دقيق في مواعيده. لا يزعجني هذا التعالي الذي يتمتع به الأدباء، خصوصاً أنني وقتها كنت أحلمُ بكتابة رواية، بينما أنا أمام شخص كتب روايته قبل سنوات. تمكنت من لفت انتباهه رغم أنني الوحيد الذي طرح سؤاله بالعربية.

دائماً يختار بطله من الهامش، وعبر كاميراته الدقيقة يتابع مسار حياة الشخصية. ولأنه روائي أيضاً يرفض السقوط في الخطاب المباشر وإعطاء الدروس. لذا لا يرتمي في الصراع مباشرة ليتحدث عن الحرب، إنما يتناول ما حول الحرب وما تخلفها من أشخاص وأماكن. ينحاز لشخوص هامشية، لا دور لها في الصراع، لكن حمم النيران تصلها لتعاني

 

المدن الإلكترونية في

11.06.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004