ملفات خاصة

 
 
 

سمير غانم.. غياب البهجة

بقلم: أسامة عبد الفتاح

عن رحيل الفنان

سمير غانم

   
 
 
 
 
 
 

** نموذج للفنان الشامل الذي احتار النقاد طويلا في تعريفه والذي يجيد التمثيل وأداء الاستعراضات الراقصة والغناء أيضا

سبق أن وصفت رحيل عدد من كبار الفنانين – في هذا المكان – بأنه غياب لرموز للبهجة، ولا أبالغ إذا قلت إن رحيل الفنان الكبير سمير غانم (1937 – 2021)، الخميس الماضي، غياب للبهجة نفسها.

سنفتقد كثيرا من قضى عمره كله محاولا إسعاد الناس، دون شعارات أو ادعاءات أو مزاعم أو حتى مطالب. لم يُنصّب نفسه ملكا أو أميرا أو زعيما، ولم ينسب لنفسه دورا أو حتى اتجاها سياسيا، بل كان يكره السياسة، ويكره الصراعات والتناحرات بشكل عام، ويسعى لحياة بسيطة يتمتع بها ويحاول أن يُمتع الناس.

حتى المشاهد الحزينة والمؤثرة داخل أعماله الكوميدية كان يحوّلها – بخفة دمه – إلى مسخرة، لكن هذا لا يعني أنه غير قادر على أدائها، أو غير قادر، بشكل عام، على أداء الأدوار التراجيدية، بل كان ممثلا كبيرا، قادرا على أداء مختلف الألوان والأنواع، وأثبت ذلك عدة مرات طوال مشواره الفني، من البدايات إلى قرب النهايات في مسلسل "شربات لوز" (2012)، الذي جسّد فيه شخصية "حكيم" شديدة الصعوبة، عامل التطريز الفقير الذي يصعد إلى قمة عالم تصميم الأزياء، ويجد في العاملة "شربات" عودة لأصل تاه عنه ولعالم بسيط بريء حُرم منه.

والأهم أنه لا يحتاج إلى الأدوار التراجيدية لكي يثبت أنه ممثل كبير، فصاحب هذا الحضور الطاغي، الذي يشغل العين عمن سواه، ممثل كبير، ومن يكفيه مشهد واحد لكي يتذكره الجمهور، بل ولكي يجزم هذا الجمهور أنه أفضل مشاهد العمل، كما حدث في فيلم "عالم عيال عيال" (1976)، ممثل كبير، ومن يستغل الأعمال الكوميدية ليطرح قضايا اجتماعية مهمة بهذه القوة، مثل العديد من الأعمال، ومنها مسلسل "الكابتن جودة" – ومعظم مشاهده تراجيدية بالمناسبة، ممثل كبير.

وإذا أردت نموذجا للفنان الشامل، الذي احتار النقاد طويلا في تعريفه، فلا شك أنه سمير غانم، الذي يجيد التمثيل وأداء الاستعراضات الراقصة والغناء أيضا.. صحيح أنه ليس مطربا، لكنه يمتلك أذنا موسيقية ويستطيع الغناء بشكل سليم وبصوت مقبول خفيف الظل، وغنى في كثير من أعماله الفنية، خاصة فوازير "فطوطة" الشهيرة، وقبلها فوازير "ثلاثي أضواء المسرح"، فضلا عن غناء الاسكتشات والفقرات الكوميدية مع نفس الفرقة، وكان غناء صعبا لأنه كان على الهواء مباشرة في المسرح بمصاحبة آلات إيقاع قليلة، وأحيانا طبلة فقط، دون مساعدة أي أجهزة أو آلات أخرى.

ولابد من التوقف عند هذه الفرقة غير المسبوقة ولا الملحوقة في تاريخنا الفني، فإذا كان هواة المقارنات والتشبيهات و"البحث عن الأصول" يجدون في نجيب الريحاني وتلاميذه، مثل فؤاد المهندس، تأثرا بـ"تشارلي شابلن"، ويذهبون إلى أن إسماعيل ياسين ما هو إلا "فرناندال" المصري، فإن أحدا لم يجد أصلا ولا حتى شبيها لفرقة ثلاثي أضواء المسرح في الوطن العربي والعالم، لأنها – ببساطة – مصرية صميمة ليس لها مثيل.

وهذا التفرد لا يرجع فقط للطبيعة الخاصة جدا لتشكيل الفرقة والتنوع الذي ينطوي عليه هذا التشكيل، سواء من حيث التباين في الحجم والشكل بين أعضائها الثلاثة سمير غانم والضيف أحمد وجورج سيدهم، أو التباين في أساليب أدائهم وغنائهم، بل يرجع أيضا وبالأساس إلى تفرد النوعية التي كانوا يقدمونها، والتي يصعب تصنيفها، لكن يمكن تسميتها – تجاوزا – "الكوميديا الموسيقية" ذات الأشكال العديدة: الاسكتشات والاستعراضات والمسرحيات، فضلا عن اشتراكهم في العديد من الأفلام السينمائية، حيث كانوا – وعلى مدى سنوات طويلة – عنصرا أساسيا في خلطات النجاح المضمونة بعالم الفن السابع.

ومجرد عضوية سمير في الفرقة، ونجاحه الكبير معها، لا يعني فقط أنه فنان شامل، قادر على التمثيل والغناء وأداء الاستعراضات الراقصة، بل يعني قبل ذلك أنه فنان مهم له تاريخ طويل، والإنصاف يقتضي التأكيد أيضا على أن قيمته تتجاوز ذلك كله إلى حقيقة أنه فنان له دور في الارتقاء بفنون بلده، خاصة في فترة الستينات التي أعقبت استقرار نظام ثورة يوليو 1952، وشهدت طفرة في جميع المجالات الثقافية والفنية.

وبعيدا عن السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة، الذي نجح فيها جميعا ليحقق ما لم يحققه غيره، وبعيدا عن الفن بشكل عام، يمثل سمير غانم نموذجا فريدا للاجتهاد والإخلاص في العمل، ومن ثم تحقيق النجاح والتفوق.. فقد ظل يعمل لنحو ستين عاما متصلة، من بدايات الستينات إلى ما قبل وفاته بأيام قليلة - حين استغل إعلانا تليفزيونيا صغيرا لإضحاك الجمهور للمرة الأخيرة - وحالفه النجاح في معظم ما قدّم، فضلا عما هو أهم من النجاح: حب الناس غير المشروط وغير المحدود.

 

جريدة القاهرة في

25.05.2021

 
 
 
 
 

نهاية تراجيدية لملك الكوميديا.. سلام بقى يا «سمورة»

ريهام جودة

صوته وطريقته وهو يودعنا كل مساء عقب فوازير «فطوطة» مغنيًا «سلام بقى وبكرة تجونا.. أنستونا» لا يزال يتردد فى آذاننا، اعتدنا منذ طفولتنا أن يؤانسنا سمير غانم، أن يبهجنا، بسبب «إفيه» ألقاه، مشهد ضحكنا عليه، تعبيرات عفوية ميزته، فزورة فكرنا معه لحلها، تفاعلنا مع «سمورة» و«فطوطة»، و«نقارهما» أحيانًا أو هزار لهما معًا، صدقنا أنهما شخصيتان منفصلتان.

فى طفولتنا، كان سمير غانم سبب ضحكتنا، نسينا معه همنا، تحملنا البقاء فى منازلنا فى زمن لم تكن السوشيال ميديا قد وُلدت بعد، وكان التليفزيون متعتنا الوحيدة، فأصبح سمير فردًا من الأسرة فى كل بيت مصرى وعربى، وحين كبرنا ظل سمير غانم واحدًا منا، نشاركه ضحكاته فى أفلامه، ويشاركنا احتفالاتنا فى كل مسرحية نتابعها له خلال أى مناسبة أو احتفال بالعيد، ظل رمزًا للسعادة وللبهجة والارتجال، كنا نستحضر إفيهاته مع أصدقائنا لنضحك ونسعد ونأنس بموهبته وحضوره.

من تابع أعمال سمير غانم وأسعدته، غير من اقترب من ذلك النجم المتواضع المبهج حتى وهو مُتعَب.. كان سمير غانم فى الأعوام الماضية وفى عرضه المسرحى الأخير «الزهر لما يلعب» يتحرك مستندًا إلى عكاز، يقف ويجلس على مقعد بين مشهد وآخر، وظل يواجه الجمهور على المسرح، ويعرض لهم يوميًا فى عز «السقعة» - كما وصفها - حين بدأ تقديم مسرحيته الأخيرة، فى ديسمبر 2019، حتى فبراير 2020، حين تم غلق المسارح بسبب كورونا، دون أن يعتذر ليلة للجمهور، كان يرى المسرح التزاما واحتراما وعهدا منه للجمهور الذى نزل من بيته ودفع ثمن التذكرة لمشاهدته وللضحك معه، فلا يصح أن ينزل الجمهور من بيته ليراه بينما يعتذر أو يكون خارج «موود» الضحك.

«الناس نزلت تضحك عندى وتنفّس عن نفسها.. مينفعش أخذلها».. هكذا كان مبدأ هذا النجم الكبير، الذى لم يحصل على ما يستحقه من تكريمات، لكنه لدى جمهوره حصد أهم تكريم ووداع شعبى، أكد عليه هذا الحزن الذى سببه رحيله فى كل بيت، ولا يزال حتى الآن، وتضاعف بعدم قدرة زوجته الفنانة دلال عبدالعزيز على توديعه، بعد 37 عامًا من الزواج، الذى سبقه أعوام من الحب.

فى آخر مكالماته لى فى رمضان الماضى، كان سمير غانم سعيدًا بنجاح إعلانه، كشف عن تلقيه اتصالات عديدة لتهنئته بهذا النجاح والظهور العائلى، فى حملة إعلانية بدأتها ابنته إيمى ثم دلال وشاركهما سمير الظهور، وكان ينتظر مشاركة ابنته «دنيا»، لكن إصابتها بـ«كورونا» عطّلت الأمر.

كان سمير لأول مرة منذ فترة مهمومًا وقلقًا على غير عادته التى عرفته بها، فقد كان يحرص على بث البهجة وإرسال النكات والفيديوهات القصيرة المرحة من فترة لأخرى، لكن «كورونا» داهمت أسرته، التى دائما ما كان يؤكد أنه لا يتحمّل عليها أى مكروه، ويصاب بالقلق والتوتر إذا مرض أى منهم.

هذه المرة كانت الضربة موجعة، والقلق مضاعفًا لدى سمير غانم، لدرجة أن مقربين منه مازحوه للتهوين من هول الأمر وبث الطمأنينة فيه أن «العين» أصابت العائلة، إذ أصيبت ابنته دنيا بـ«كورونا»، فتوقف تصوير مسلسلها «عالم موازى» الذى كان من المفترض أن تعود به بعد غياب لجمهورها، ثم زوجته الفنانة دلال عبدالعزيز، ومن قبلهما الفنان حسن الرداد، زوج ابنته «إيمى» التى تحدث فى اتصاله عن قلقها عليه خوفًا من أن تصيبه «كورونا» هو الآخر، «الكل فى عزل.. وربنا يستر».. هكذا تحدث سمير غانم، كان على يقين وأمل أنه وأسرته سيتعافون، لكن القدر شاء إرادة أخرى، نهاية تراجيدية لملك الكوميديا، خلّفت الحزن والوجع والقلق والانكسار فى أعين ابنتيه، وبعد أن كانت عائلة سمير غانم حتى وقت قريب الأكثر بهجة وإسعادًا للجميع بمجرد أن يطل أى فرد منها على الشاشة والمسرح، أو فى احتفال فنى، أصبحنا قلقين على «دلال» حين تعلم بخبر وفاته، ورحيله دون وداعها، ودون حضورها جنازته، تلك الفنانة الكبيرة، التى لم تفوّت «واجب» لمؤازرة زملائها، لكنها غابت دون إرادتها عن وداع حبيبها بعد كل هذا الحب وعِشرة السنين، وقلوبنا معها أن تتجاوز تلك المِحنة التى فقدت فيها مؤنسها، وأن تتحول إلى مِنحة كما عودتنا دلال عبدالعزيز.

 

####

 

مدرسة البهجة الكاملة

عزة كاملا

ما كل هذا الحزن والحب فى رثائه؟ لماذا نبتهج بهجة غريبة عندما نشاهده على شاشة التليفزيون، ونردد الإفيهات التى يطلقها بسلاسة منقطعة النظير، ولها جمال خاص ومدهش، لماذا يجعلنا نقهقه حتى تهتز أجسامنا عندما تذهلنا إيحاءاته وتعبيرات وجهه، وتدهشنا حركات جسده، ودرجات صوته المختلفة وإيماءاته الذكية؟ لماذا يضحكنا من قلوبنا حتى تدمع أعيننا وهو يرتدى إكسسوارات وملابس عجيبة؟

من أين تأتى كل هذه السطوة المرحة، رغم أنه لا يقدم أى إسقاطات سياسية، ولا يستخدم عظة أو «مونولوج» أخلاقيًا مغلفًا بحس كوميدى مثل آخرين من زملائه؟ ولم يدّع يومًا ما أنه صاحب قضية رنانة، ربما لأنه يقدم كوميديا أكثر رحابة، وأشد نضارة، تنفض عنا الكآبة المفرطة التى تعترض حياتنا يوميًا، وتهوّن علينا سحق الحياة الرتيبة.

كوميديا سمير غانم بسيطة، ولكنها حقيقية، غرضها إسعاد الجميع، الضحك من أجل الضحك، كوميديا بعيدة عن الابتذال والتجريح، يقدمها بارتجال وبديهة سريعة ومتميزة، تجعلنا نستمتع بها، ونتماهى مع صوته ومظهره وحركات جسده، يناوشنا بلطف ابتغاء إسعادنا، وبخفة دمه وروحه خفيفة الظل، يصول ويجول على خشبة المسرح الذى يُعتبر مملكته وساحة حريته، ويقدم لنا فوازيره الرمضانية، ويخترع شخصية فطوطة التى يعشقها الكبار والصغار، ويخلق تميزه وبصمته فى المسلسلات التليفزيونية، حتى لو ظهر فى مشاهد قليلة، كما فعل فى الإعلان التجارى.

سجله الفنى حافل بمسيرة إسعاد الناس، البساطة والضحك والحب هم زاده وزواده، لم نسمع عنه أى نوع من التعالى، أو التجريح فى أى شخص من داخل الوسط الفنى أو خارجه، كان زوجًا وأبًا محبًا، وورثت منه ابنتاه حب الفن وخفة الدم.

آمن سمير غانم بنفسه وأخلص للضحك، وكان هذا سر نجاحه وتألقه واستمراره فوق العادة، امتلك ذكاءً حادًا، وأدرك كيف تكون اللعبة الحلوة للاستمرار والبقاء، وبحس سليم وبوعى اتخذ قرارًا صائبًا، وعمل على تغيير شكله، وابتدع طريقة فى استخدام لغة الجسد والتلوين الصوتى، لم يستطع ابتكارها أو تجريبها نجوم الكوميديا السابقون عليه أو المعاصرون له.

اتخذ طريقًا مختصرًا لامتلاك قلوب الجميع على اختلاف طبقاتهم وانتماءاتهم الطبقية والقومية، لقد تسلل ببطء عبر العواصف والأزمات والأحداث التاريخية التى مرت بها البلاد، وظل يتربع على عرش الكوميديا بأعماله الغزيرة حتى بعد أن تجاوز الثمانين من عمره.

ستظل ذكراه بهجة لا تغيب، ذكرى حلوة عطرة، رحم الله سمير غانم، الذى أمتع وأفاد على مدى عقود عديدة، سلام ورحمة لأرواح ثلاثى أضواء المسرح.

 

المصري اليوم في

25.05.2021

 
 
 
 
 

سمير غانم.. سياسى رغم أنفه

عادل السنهورى

رحل الفنان سمير غانم، وترك وراءه سؤالا آثار الجدل بين محبيه وعشاق فنه الكوميدى البسيط. هل تعمّد ملك دولة الكوميديا الحديثة فى مصر النأى عن السياسة والابتعاد عن شرورها، على طريقة المثل الشعبى الدارج "ابعد عن الحب وغنّى له"؟!

سمير غانم رحل وترك تراثا إنسانيا مهولا فى علاقته بكل زملائه وأصدقائه فى الوسط الفنى وخارجه. الكل أحبه، وهو أحب الجميع. وقوفه إلى جوار زملائه، وإلى جوار الشباب ولو بمشهد واحد، أمر معروف عنه، فهو مجامل بامتياز. مُحب لم يهوَ إقحام ذاته فى معارك شخصية لن تُفضى إلا إلى "العكننة" والخصام، وهو الفنان الذى اعتاد إضحاك الناس ورسم البسمة على وجوههم، والتعايش فى سلام وأمان نفسى، فكيف يدخل فى صراعات فنية وخصومات شخصية؟!

النقاد والفنانون والجمهور أيضا اعتبروا أن مساحة الحزن التى غطت أرجاء مصر والعالم العربى دليل على مساحة الحب الكبيرة لنجمنا الراحل الجميل "سمير" - هكذا كنا نسميه - إلى جوار جورج والضيف، الذى قاد جيلنا طوال 50 عاما للبسمة والضحكة والإفيه المفاجئ والمدهش وغير التقليدى فى كل أعماله.

أعتقد أن "سمير" مات من الضحك وليس من شىء آخر، مع تقديرى لهيبة الموت ومأساة المرض، فلم تفارق الضحكة حياته، وكلما شاهدناه انتظرنا كل كلمة منه لنضحك ونُفرّج عن همومنا، فقد أصبح علامة تجارية مسجلة للضحك والابتسام، منذ ظهوره وطوال 60 عاما أثمرت أكثر من 300 عمل فنى.

انحاز سمير غانم إلى الضحك فقط بكل ما يحمله ذلك من بساطة وسهولة فى الأداء والإلقاء والتعبير بالحركات والملابس، والحوار المفاجئ الذى كان الجمهور يتمنى ألا ينتهى، ولهذا أيضا كان الضحك قانون النجاح وميزان العلاقة بين خشبة المسرح ومقاعد الجمهور، وهذا هو سر تفرّد "سمير" وتميّزه عن أقرانه من فنانى الكوميديا، واحتلاله عرش هذا النوع الفنى دون منافسة أو منافس، فمسرح الارتجال فاز به "سمير" فى مواجهة مسرح الجدية والرصانة لدى محمد صبحى، والمسرح التجارى عند عادل إمام.

السؤال؛ هل ابتعد سمير غانم عن السياسة عمدا؟ وهل بالفعل لم يحاول الاقتراب من السلطة أو خطب ودّها أو مداهنتها باستغلال جماهيريته العريضة؟ دائما ما كان يقول: "أنا لا أفهم فى السياسة مطلقا"، وذلك رغم بعض مسرحياته الكوميدية التى تعرضت لمقص الرقيب، مثل: جحا يحكم المدينة، وأخويا هايص وأنا لايص، التى حول فيها السياسة إلى "إفيهات" غارقة فى الضحك.

أما عن علاقته بالزعماء الذين حكموا مصر، فقد أحب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وقد حضر "ناصر" ذات مرة عرضا لثلاثى أضواء المسرح، سمير وجورج والضيف، وقدموا أمامه الاسكتش الكوميدى الشهير "كوتوموتو يا حلوة يا بطة". ربما لم يضحك "عبد الناصر" ظاهريا، وإنما ضحك من داخله بدليل أن الثلاثى قدم عدة "اسكتشات" فى زفاف ابنتيه منى وهدى، بحضور الزعيم ووسط ابتسامته

رغم ابتعاد سمير غانم عن السياسة؛ إلا أنها جذبته إليها رغم أنفه.كيف؟

عقب نكسة 5 يونيو 1967 قدم ثلاثى أضواء المسرح عرضا مسرحيا بعنوان "مطلوب ليمونة"، تأليف أشهر مذيعى الإذاعة وقتها، الإعلامى الكبير أحمد سعيد، المحسوب على النظام الناصرى. لم يتصور "سمير" ورفيقيه جورج والضيف أن هذا العرض المسرحى بالتحديد سيتعرض لتدخل الرقابة، بعدما أنفقوا كل ما جمعوه من عملهم فى الملاهى الليلية بشارع الهرم لتحقيق طموحهم فى المسرح، لكنهم فوجئوا بإزالة إعلانات المسرحية من الشوارع، ومحوها تمامًا بأمر من وزير الداخلية شعراوى جمعة، الذى التقى بهم وتساءل، حسب رواية سمير: "قصدكم مطلوب ليمونة، فى بلد قرفانة"، معتبرا الاسم إسقاطا سياسيا، وهو ما لم يكن فى حسبانهم، فقرروا عرض مسرحية "عزبة الورد" من تأليف على سالم  وإخراج الفنان عبد المنعم مدبولى، وحضر شعراوى جمعة ليلة عرضها الأولى وأجاز المسرحية.

أما السادات فكان رجلا محبا للفن، وللمسرح تحديدا، وكان ضحوكاً، قدّم "سمير" أمامه عروضا كوميدية برفقة جورج سيدهم بعد وفاة صديقهما الضيف أحمد، ويتذكر سمير: "لم أنس هذه الحفلة التى قدّمنا فيها المخرج محمد سالم لتبادل التحية مع السادات". 

زاد خوف "سمير" من السياسة بعد تعرضه فى مسرحية "جحا يحكم المدينة" التى كتبها وحيد حامد لرقابة حادة، وتواجد الرقيب فى المسرح كل ليلة عرض بالعام 1985، وكان النص يناقش الفساد والانتهازية والرشوة. ويحكى سمير غانم فى لقاء تليفزيونى: "كان الرقيب يحضر وفى يده سكريبت المسرحية، يدقق فى كل كلمة، ما دعانى للخروج عن النص، وأبلغته أنه لا فائدة مما يفعله، خاصة أن الجمهور يضحك، كان يقيدنى، لكن خروجى عن النص المكتوب ضاعف حيرته، وزاد حرصه على التدخل لإزالة أية عبارة أو جملة". 

موقف آخر غريب تعرض له سمير غانم خلال الثمانينيات، فعقب عودة العلاقات المصرية العربية، تلقى دعوة رسمية لعرض مسرحية "المتزوجون" فى دمشق، لكن اعترض المسرحيون السوريون على عرضها، لأنها تنتمى للمسرح الضاحك دون مضمون، بحسب وجهة نظرهم، بينما ينحاز المسرح السورى للمدرسة الجادة والأعمال التاريخية، فاضطرت الدكتورة نجاح العطار، وزيرة الثقافة فى وقت الرئيس حافظ الأسد، والتى شغلت منصب نائب الرئيس بشار الأسد لاحقا، إلى الاعتذار للفرقة، والنجمين سمير وجورج، وفى موقف يحدث لأول مرة بسبب عرض مسرحى، أرسلت الوزيرة الاعتذار ليُنشر فى الصحف المصرية الرسمية

هذه المواقف كلها، التى وجد سمير غانم نفسه خلالها غارقا فى السياسة رغم أنفه، لم تدفعه إلى الاقتراب من السلطة أو التودد لها، وإنما قرر حماية فنه وموهبته من خلال الجمهور والأعمال المخلصة للبهجة، ما حافظ على استمرار مسيرة ثلاثى أضواء المسرح، ومسيرة سمير شخصيا.. ولنا عن الثلاثى قصة أخرى.

 

####

 

الجدعنة وقت الشدة والتخطيط.. سر نجاح زواج سمير غانم ودلال عبد العزيز

كتبت - نورا طارق

رحل عن عالمنا منذ أيام الفنان الكبير سميرغانم، بعد أن ترك لنا تراث ضخم من الأعمال الفنية الكوميدية، وترك أيضًا نموذجًا لأسرة ناجحة وعلاقة زوجية وعلاقة حب ناجحة كانت ولا زالت محط إعجاب الجميع، الذين طالما تساءلوا عن سر نجاح علاقته بزوجته الفنانة القديرة، دلال عبد العزيز، وكيف استمر زواجهما بهذا النجاح طوال هذه السنوات، وهذه العوامل، نستعرضها فى هذا التقرير، وفقاً لما ذكره الثنائى فى تصريحات لهما فى برامج فنية.

دلال أفضل مخططة ومدبرة منزلية

تحدث الفنان الراحل، سمير غانم، عن زوجته الفنانة، دلال عبد العزيز، فى آخر لقاء تلفزيونى له، حيث أشار إلى أن زوجته مديرة منزل من الطراز الأول، تعرف كيف تدير بيتها وتخطط وترتب كل شىء، وتجيد حل المشاكل المختلفة، حيث قالت :" دلال دى أسطورة، ماشاء الله عليها مخ،  ست بتعرف تخطط، هى الإدارة والبيت كله ".

الجدعنة وقت الشدة

ومن العوامل التى ساعدت على نجاح زواج الثنائى الشهير، هى الوقوف بجانب بعضهما وقت الشدة، وهذا ما أشار إليه الفنان الراحل في لقاء تلفزيوني حيث قال :" قبل جوازنا، أخويا المتوفى كنا بنعمله عملية بره عشان ينقل الكلى وأنا سافرت معاه، وجت وقفت جنبى الحقيقة، جدعة بفظاعة، تحسى إن الست دى صعب الاستغناء عنها".

الحب الحقيقى

جمع الحب الحقيقى بين الفنان الراحل وزوجته دلال عبد العزيز، وهو ما ساعد على استمرار زواجهما، وتعتبر قصة حبهما من أشهر قصص المشاهير فى مصر، حيث ذكر الفنان الراحل فى أحد البرامج التليفزيونية، إصرار دلال على الزواج منه رغم فرق السن بينهما، كما أكد خلال حديثه حبه الشديد لها، حيث قال :"قولت لها يادلال أنا أكبر منك بعشرين سنة، قالت لى مايهمكش، وأتجوزنا وجت دنيا ووراها إيمى حبيبتى، وبعدين اكتشفت مع الوقت إن ربنا بيحبنى إنى أتجوزت دلال".

الإخلاص والوفاء

ومن العوامل التى ساعدت أيضاً على نجاح الزواج، الإخلاص، حيث أكد الفنان الراحل على إخلاصه لزوجته، قائلاً فى أحد البرامج التليفزيونية، :"مادام حصل جواز وإنجاب خلاص، دلال ممكن تكون مع صديقاتها فى فرح وعيد ميلاد وأنا مش معاها ويطلعوا عليا شائعات لكن الكلام بيدخل الودن دى ويخرج من الناحية التانية".

خفة الدم

تمتع الفنان الراحل سمير غانم، بخفة دم، فكان كوميديان من الدرجة الأولى أمام الشاشة وفى المنزل، وهذا ما أكدته، الفنانة دلال عبد العزيز، فى أحد البرامج التليفزيونية، أثناء حديثها عن علاقتها بزوجها، حيث أكدت على أن الفنان الراحل، أحيانا يكون مكتئب وهذا حال معظم الفنان الكوميدنات، ولكن كان يتمتع بخفة دم، حتى إنه كان يدبر لى المقالب الكوميدية وكذلك كان يفعل مع أفراد العمل معه أثناء تصويره للأعمال الفنية. 

 

اليوم السابع المصرية في

25.05.2021

 
 
 
 
 

ثقافة «التحريض» .. وكوارث «الترند»!

شريف عارف

فجأة ودون مقدمات، تحولت مواقع التواصل الاجتماعى خلال الأيام القليلة الماضية إلى ساحات محاكم، تصدر أحكاماً مطلقة دون إجراءات للتقاضى، أو حتى أبسط حقوق المتهم فى الدفاع عن نفسه!

قبل أيام ودعنا واحداً من أبرز نجوم الكوميديا فى العصر الحديث، وهو الفنان الكبير سمير غانم، الذى أمتعنا على مدى أكثر من نصف قرن بأعمال صنعت الضحكة الراقية الخارجة من القلب، وقدم بأسلوبه تنويعاً وحضوراً حتى أيامه الأخيرة.

الملفت فى جنازة الفنان الكبير، هو هذا العدد من «الانتهاكات» غير المسبوقة لحرمة الموت أولاً، ثم التدخل فى الحياة الشخصية لأسرته حتى لحظات الدفن وهو يوارى الثري.

لا أتخيل كل هذا العبث والخلل فى متابعة لحظات الدفن، وتسارع المصورين للحصول على سبق واهم، دون مراعاة لشعور أهل المتوفى، إضافة إلى عدد الحكايات المختلقة والادعاءات الكاذبة، تحت مسميات «شاهد رد فعل» ، «ماذا فعل؟» «لحظة دخل الفنان» ، «أين اختفي..؟» وغيرها من العناوين البراقة التى تستهدف بالدرجة الدخول فى سباق «الترند»، وأن تحتفظ هذه الحكاية به على مواقع «السوشيال ميديا»!

نحن إذن أمام عالم جديد، بلا مواثيق شرف، أو أعراف مهنية، نحن أمام عالم من "كوارث الترند"، الكل يريد الخلود لأطول فترة ممكنة، أن يكون حديث الناس مهما كان يمثل ذلك من جرائم فى حق الآخرين وحياتهم الخاصة.

قبل أن يتسرع البعض، ويتهمنى بمعاداة الإعلام الذى أنا واحد من العاملين به، لا بد وأن أؤكد أننى من المؤيدين لتصوير الجنازات، ومواكب رحيل العظماء، وتوثيق لحظات الحزن كما نوثق للحظات الفرح تماماً، وأعتبر أن ذلك هو أكبر خدمة نقدمها للذاكرة الوطنية وللأجيال المقبلة، لأنه من المؤكد أن هذه المواد ستكون مشروعات مستقبلية لتوثيق ما، كما حدث من قبل فى جنازات المشاهير والعظماء.

لكن الحقيقة أنه مع هذا التأييد، لا بد أن تكون هناك معايير أخلاقية، تحفظ الحرية الشخصية والحياة الخاصة للناس، فما الذى سيجنيه المصور من الدخول إلى المقبرة لحظة الدفن؟ ما الذى يريد أن يراه المشاهد فى ذلك؟ أين الانفراد فى ذلك؟ ..كلها أسئلة منطقية لا تزال تبحث عن إجابات!

قبل عقود طويلة، كان عملاق الصحافة مصطفى أمين يكتب مازحاً أنه يتمنى أن يضعوا معه الأوراق والأقلام فى قبره كى يكتب تحقيقاً عن يوم القيامة، هذا التمنى كان نوعاً من التقدير للمهنة، وحديثاً هدفه إبراز أن الصحفى يعيش ويموت صحفياً!

ظاهرة أخرى لا تقل أهمية عن التدخل فى الحياة الشخصية، وهى «ثقافة التحريض»، فهى من الممكن أن تكون وجهات نظر شخصية لبعض الأفراد، لكن الملفت هو أن تتحول إلى موجات تستغلها بعض اللجان الإلكترونية فى قيادة الرأى العام بكل سهولة.

فى ذات يوم تشييع الفنان الراحل سمير غانم، حضر جمع غفير من الفنانين مراسم التشييع، وفى المساء شاركت بعض النجمات بينهن يسرا وليلى علوى وإلهام شاهين فى حفل زفاف.

فى كلتا الحالتين أرى أنها مجاملة، أيًا ما كانت صورتها أو شكلها، ولكنى أنظر بدقة إلى التناول الغريب للقصة، والتصعيد المتسارع فى التحريض ونغمة الكراهية، لدرجة أن مواقع التواصل الاجتماعى كادت أن تنصب المشانق للفنانات المشاركات فى حفل الزفاف.

الخطير هو ما ذكرته النجمة إلهام شاهين فى تصريح صحفى عن حقيقة الصورة المتداولة لها بصحبة الفنانة ليلى علوى، على مواقع التواصل الاجتماعى، والتى اتهمها رواد المواقع بذهابها لحفل زفاف فى مدينة الجونة عقب حضورها الجنازة.

إلهام شاهين قالت: الصورة المتداولة هى صورة تم التقاطها قبل وفاة سمير غانم فى أحد المطاعم فى مدينة الجونة واللى كان عبارة عن حفل عشاء للضيوف الذين أتوا لحضور حفل الزفاف!

نحن لا نتحدث عن واقعة .. ولكن الكارثة فى «واقع» نعيشه كل يوم.

 

بوابة الأهرام المصرية في

25.05.2021

 
 
 
 
 

سمير ودلال.. قصة حب بدأت بـ«  أهلا يا دكتور» وانتهت في المستشفى

مايسة أحمد

سميرغانم ودلال عبد العزيز جزء من تاريخ فني بدأ من الستينيات، وإستمر حتى الآن.. حياة بأكملها داخل وخارج المنزل.. مواقف كوميدية وتراجيدية.. لحظات قوة وضعف.. إنجازات وإنكسارات.. لا أحد ينسى أعمالهما الفنية.. كم أضحكونا وأبكونا.

حتى المرض تشاركا فيه، والآن لا نملك إلا أن ندعو لها بالشفاء وللفنان القدير بالرحمة بعد إصابتهما بفيروس «كورونا» اللعين.

البداية كانت بالبحث عن بديلة للفنانة آثار الحكيم لبطولة مسرحية  «أهلا يا دكتور» عام 1981 التي يقدمها سمير، ورشح الفنان جورج سيدهم دلال، وبالفعل عملت بروفة في المسرحية ونجحت، ويقول سمير إنها من يومها بدأت تركز مع المسرحية ومعه هو شخصيا.. ومعجبات سمير كن كثيرات، ودلال كانت لهن بالمرصاد، ووهبت حياتها في إيقاف شقاوته وإفساد كل مغامراته النسائية.

المفاجأة أن كواليس المسرحية لم تشهد لقاءهما الأول الذي سبق ذلك بسنوات طويلة، حيث كانت دلال طفلة تصيف في إسكندرية مع أهلها، وكان «ثلاثي أضواء المسرح» يقدمون عرضا مسرحيا هناك، وجريت دلال خلف سمير لتلقي السلام عليه وهو داعبها ولعب في شعرها، وبعدما تزوجته وذكرته بذلك الموقف رد مازحا: «لو كنت أعرف إني هتجوزك كنت غرقتك في الميه»، كم هي غريبة تدابير القدر فقد كانت طفلة تجري ورا نجمها المفضل.

 كونا ثنائيًا رائعًا.. وتعاونا في العديد من الأعمال رغم أن فارق العمر بينهما حوالي 23 عامًا.. دلال أحبت سمير وكانت تسمع دائما جملة «ما تتعبيش نفسك سمير غانم مش بتاع زواج»، ودخلت معهم رهان إنها ستتزوجه.. وظلت تُحب سمير وتطلب منه الزواج رغم أن هناك عدد كبير من النجوم الكبار راهنوها أنها لن تستطيع الزواج منه لأنه مبيتجوزش، وكان من بينهم عبد المنعم مدبولي ومحمود مرسي ومحمود المليجي وغيرهم وجورج سيدهم قال لها: «اسأليني أنا».

لكن دلال أصرت على الزواج من سمير ونجحت في أن توقعه في غرامها.. وكانت تتبعه بسيارتها في كل مكان يذهب إليه حتى أن الفنان فؤاد المهندس فى إحدى المرات كان يجرب سيارتها ووجد العداد وصل إلى 12 كيلو فقال لها: «أكيد 11 كيلو منهم لف وراء سمير غانم». وقد فعلت دلال كل ذلك رغم أن سمير يكبرها بـ23 عام كاملة، لكنها كانت وما زالت تحبه بجنون.

كانوا بيصورا فيلم «يارب ولد»  وكان أول فيلم لدلال والفنان فريد شوقي راح اتكلم مع سمير عندما شعر بحبها له وقال لسمير: «مش عاوز تتجوزها ليه ما هي زي القشطة اهيه»، فرد عليه سمير: «خلاص هتجوزها علشان خاطرك إنت».

أضافت دلال: «شنكلته لأني كنت بحبه بصدق والرجال يشعرون بالصادقين وأنا كنت صادقة وبريئة.. وأستمرت قصة الحب بيننا 4 سنوات لم ينطق أحد منا عما بداخله من مشاعر، لكن كان هناك إعجاب متبادل، فقد كان يقوم بتوصيلى من التصوير للبيت، وكان يشتري لي عقد فل.. وبعد ما اتجوزنا قال لبائع الفل: خلاص بقي اتجوزنا».

وقد كشف سمير سرًا خطيرًا خلال حواره في برنامج «100 سؤال» مع المذيعة اللبنانية راغدة شلهوب، عندما قال أنه قام بخيانة دلال 6 مرات أثناء فترة الخطوبة، لكنه لم يخونها أبدا بعد الزواج.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

25.05.2021

 
 
 
 
 

سمير غانم... من أجل ضحكةٍ لا أكثر

محمد جابر

لسنوات طويلة، لم يتم التعامل بجدية وتقدير مع الكوميديان المصري سمير غانم. كانت الحفاوة دائماً من نصيب فناني كوميديا آخرين، بينما اقترن اسم غانم بالـ"هلس" والضحك وأفلام المقاولات المصرية التجارية في الثمانينيات. لكن، من حسن الحظ أنّه مع الوقت، ومع الإنترنت، وسيطرة جيل جديد ومعطيات مختلفة عما هو سائد في الثقافة الشعبية، أصبح سمير غانم واحداً من أبرز رموز الكوميديا المُحتفى بهم في تاريخ السينما والمسرح والتلفزيون المصري، ورأى تقديره بعينه قبل رحيله، بعد عقود طويلة من التقليل منه.

بدأت رحلة سمير غانم من مسرح جامعة "الإسكندرية" عام 1959، حيث كان يرأس فريق التمثيل، وفاز بمسابقة "كأس الجامعات" حينها، لتلتقطه عين مخرج تلفزيوني كبير هو محمد سالم، مع فكرة ثورية غريبة لديه، وهي جمعه برئيس فريق التمثيل بجامعة "القاهرة" الضيف أحمد، ورئيس فريق التمثيل في جامعة "عين شمسجورج سيدهم، لتكوين فريق واحد يدعى "ثلاثي أضواء المسرحبفرضية أنّ التباين الشكلي وطبيعة الكوميديا بين الثلاثي سينجحان بين الجمهور.

نجح رهان سالم، وصار الثلاثي، غانم وسيدهم والضيف، من أهم الظواهر الفنية والثقافية في مصر خلال الستينيات، سواء في المسرح أو التلفزيون أو السينما، وحتى الحفلات والراديو والمناسبات الوطنية، سواء بأغانيهم أو استعراضاتهم أو تمثيلهم وأدائهم الكوميدي، كانوا موجودين في كلّ مكان خلال الستينيات. من الملفت أنّه في تلك المرحلة، كان سمير غانم هو الأقل تقديراً بين الثلاثة، إلى درجة أنّ الكاتب الساخر محمود السعدني، حين أصدر في نهاية الستينيات كتاباً عنوانه "المضحكون" عن علامات الكوميديا في مصر، قال إنّ سيدهم والضيف موهوبان بالفطرة، ويمكن لكلّ منهما أن يستمر وينجح بمفرده، بينما هاجم غانم بعنف، ووصفه بأنّه "كذاب زفة" ويحتاج للثلاثي كي يظلّ موجوداً. وهي النبوءة الظالمة التي أثبتت خطأها تماماً في الآتي من السنين.

في عام 1970، رحل الضيف أحمد فجأة. وبعد الصدمة الكبيرة بسبب رحيل موهبة استثنائية، كان أمام سمير غانم وجورج سيدهم سؤال كبير عن الكيفية التي سيعملان بها بعد رحيل ثالثهم؟ كانت البداية من محاولة ضم ممثلين آخرين مكان الضيف، ومع فشل ذلك، بدأ غانم وسيدهم يعملان معاً كـ"ثنائي". وفي تلك الفترة، ظهر بشكل واضح - وعلى عكس نبوءة السعدني السابقة - مدى ذكاء سمير غانم وقدرته المدهشة على الارتجال وخلق الكوميديا وتوليد الضحك من أماكن غير متوقعة تماماً. يظهر هذا الفارق بشكل واضح في مسرحيات تلك الفترة التي شارك في بطولتها مع سيدهم، مثل "موسيقى في الحي الشرقي" و"جوليو ورومييت"، عامي 1971 و1973، قبل أن يصل الفارق إلى ذروته مع مسرحية "المتزوجون" (1976)، التي أوضحت قدرات غانم وهيمنته على المسرح والجمهور، ليصبح من تلك اللحظة وبشكل نهائي نجماً كوميدياً ناجحاً بشكل منفرد، وليس جزءاً من ثلاثة أو اثنين.

تلك المرحلة هي الأطول في مسيرة غانم، استمرت من منتصف السبعينيات وحتى التسعينيات تقريباً، كانت السمة البارزة فيها هي الأعمال الكثيرة جداً (شارك مثلأً في 14 فيلماً عام 1977 وفي 11 فيلماً عام 1984). وكان محبوباً من قبل الجمهور، لكنّه غير مقدر مطلقاً من النقاد أو الفنانين الآخرين، ثم السمة الأهم المرتبطة به هو نفسه، وهي إيجاد "صوته" الشخصي وما يريد تقديمه، فكما قال مراراً (وقتها ولاحقاً) إنّ هدفه الوحيد والأساسي هو "إضحاك الناس" وإنّه لا يريد أن يحمل هماً اجتماعياً أو سياسياً، ولا أن يقدم عِبرة أخلاقية في أيّ مما يقدمه. لكنّه فقط يسعى إلى الضحك و"الانبساط"؛ سواء انبساطه الشخصي بالعمل المُكثف، من دون تفكير والارتجال الدائم في شخصياته المختلفة، أو انبساط الجمهور ورنة ضحكهم في المسرح وقاعات السينما.

لم يكن غانم يهتم في تلك المرحلة بأن يكون بطلاً أو سنيداً أو ضيف شرف، شارك في عشرات الأعمال، وأصبح بعضها من العلامات التلفزيونية والسينمائية لاحقاً؛ مثل شخصية "فطوطة" الكرتونية في الفوازير الرمضانية على مدى أعوام عدة، أو شخصية "ميزو" في المسلسل الذي يحمل الاسم نفسه (1977)، أو أفلام كوميدية استثنائية، مثل "4-2-4" (1981)، و"تجيبها كده تجيلها كده" (1982)، و"يا رب ولد" (1984)، و"الرجل الذي عطس" (1985).

مع نهاية الثمانينيات، وتغير شكل الإنتاج السينمائي في مصر، لم يعد غانم يعمل بالكثافة نفسها، اكتفى ببعض الأعمال التلفزيونية والمسرحية غير الناجحة.

لكنّ التغير الحقيقي في النظر إليه حدث بعد ذلك في الألفية الثالثة، سواء في بزوغ جيل جديد من الكوميديانات، أهمهم الثلاثي أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو، يتحدثون بكثافة عن مدى تأثرهم بسمير غانم وشكل الكوميديا التي قدمها. أو شكل الكوميديا المختلف الذي انتشر في مصر مع توفر الإنترنت، والمرتبط بمقاطع قصيرة أو صور متحركة أو "ميمز"، ليتم النظر لسمير غانم بشكل مختلف بغض النظر عن قيمة الأفلام التي شارك فيها، فالمهم وما تبقى منها لمحات شديدة العبقرية والذكاء يراها الناس منفردة، ويبدأون بالتفكير بالتالي في أسلوب الكوميديا الذي اتبعه غانم، ومزاوجته لفنون غير معروفة حينها (الـ"ستاند آب كوميدي" أو الكوميديا الحركية باستخدام الملابس مثلاً) بطريقة فريدة لا يقاربه فيها أيّ كوميديان مصري آخر.

هذا الزخم والتقدير لسمير غانم وصل لذروته في تكريمه عام 2017 في الدورة الـ39 من مهرجان القاهرة السينمائي، ليصعد حينها على المسرح ويبدي سعادته باللحظة غير المتوقعة، التي يُكرّم فيها للمرة الأولى على شيء واحد أراد فعله طوال حياته... وهو إضحاك الناس. كانت لحظة أنصفه فيها الزمن أخيراً، ومن حُسن الحظ أنّه عاشها قبل رحيله.

 

العربي الجديد اللندنية في

26.05.2021

 
 
 
 
 

ماجدة موريس تكتب:

من أحب الثاني أكثر سمورة أم الجمهور؟

خطف سمير غانم الأضواء من كل الأحداث هذا الأسبوع برحيله وكأنه فاجأنا مع علمنا أنه في المستشفي وحالته صعبة، هل كان وجوده الفني الطويل الممتد في حياتنا أكبر من أن نصدق رحيله؟ أم وجوده المرئي حتي الرحيل من خلال إعلان عن شركة اتصالات قدمه مع ابنته إيمي؟ وهل من الممكن أن يستدعي الموت- في زمن الكورونا الصعب- كل هذه المشاعر المتدفقة تجاه أي أنسان، مهما كان دوره ؟مع توالي رحيل الأحباء والأقرباء في كل ساعة وتحول صفحات التواصل الاجتماعي الي ساحات للتأبين والعزاء؟ الحقيقة أن سمير غانم أدهشنا برحيله بقدر ما أدهشنا بوجوده، بل إن رحيله أعاد لنا اكتشاف وجوده، ومدى إشعاعه لمدة تزيد على النصف قرن، وربما أثار دهشتنا أكثر ما أعدنا تذكره عن ملامحه الفنية، وإلى أي درجة اختلفت عن غيره من أهل الفن، وكيف امتزجت مع ملامح شخصية وإنسانية في سبيكة غير معتادة، بل فلنقل نادرة في هذا الزمان تحديدا، وبالطبع فإن مدخلنا هنا للتعامل معه كان الفن، لكنه ليس معزولا عن الإنسانية، خاصة أن العاملين به هم تحت حراسة ومتابعة دائمة من المعجبين والمتطفلين، وكتائب السوشيال ميديا ونشطاء التريند، وسمير غانم لم يكن فنانا كبيرا وقديرا فقط، وانما كان رأس مؤسسة فنية مهمة تضم زوجته الفنانة الممثلة القديرة دلال عبدالعزيز، وابنتاهما دنيا الممثلة والمغنية الرائعة، وشقيقتها إيمي، فنانة الكوميدياالصاعدة، وكلتاهما لديها الموهبة لفن الاستعراض مثل الأب، تقدمانه حين يحتاجه العمل، بينما كان الأمر مختلفا معه، فقد بدأ بفن الاستعراض مع كوميديا الفارس من خلال أول عمل في تاريخه كفنان في نهاية الخمسينيات من الألفية السابقة، ومع «ثلاثي اضواء المسرح» الفرقة التي كونها مع چورچ سيدهم والضيف أحمد وضع بصمته وصورته الأولي كشاب محب للفن، ويمارسه بما يمتلكه من قدرات ومع اعتزازه بشكله الطبيعي، وصلعته، ونظارته، بدون تجميل.

رجل الشو الأول

هل كانت مسيرة سمير غانم ستتغير لو لم يجد مساحة لتقديم الاستعراض ويلمع فيها في بدايته؟ وهل كان ممكنا أن يتحول إلى نجم الاستعراض الأول في مصر لو توافرت امكانيات هذا؟ أنه مع المبدع محمود رضا فقط هما النجمان اللذان قدما بطولات تعتمد علي الاستعراض في التليفزيون والسينما، في عز الابداع التليفزيوني لم يخف سمير غانم من المقارنة بنيللي نجمة الاستعراض والفوازير، فيقدم فوازير «فطوطة» ويسبح ككائن خيالي كأنه قادم من عالم ديزني وهو يرقص ويغني ويواجه نفسه، بحجمه الطبيعي، ، وفي حلقات «سمورة» يتزايد ألقه وشغبه الجميل معبرا عن فرحة بلا حدود من خلال أداء مرح وشديد الجاذبية لكل الأعمار ومع نهاية زمن الاستعراض في التليفزيون المصري ينتقل غانم الى الأداء فقط، والكوميديا بالطبع، ومن خلال لزمات، او ابتكارات أدائية تخصه وحده، سواء في اسلوب تلقي حركة الغير، او التفاعل مع الحدث والحوار، لنري ردا فعلا مختلفا، ويخصه هو للدرجة التي دفعتنا كجمهور للشغف بما يقوله، وما يتلقاه، ومن هنا زادت علاقته بنا، وتراكمت، وبدت كأنها معرفة قديمة ومتينة، خاصة مع إعادة عرض مسرحياته علي الشاشات الصغيرة مرارا، وللدرجة التي أصبح بعضها وكأنه جزء من مفردات الحياة لإقبالنا عليها بلا ملل مثل «المتزوجون»، التي حفظناها ومثل «موسيقى في الحي الشرقي» و«أهلا يا دكتور»، لكننا لم نتوقف عن الشغف بها هل كنا نحتاج هذه الأعمال من اجل البسمة فقط ؟ ام العشرة ؟ أم المودة لصاحبها؟

وساعة الجد يمكنك البكاء

في العقد الأخير أصبح سمورة داعما لابنتيه فنيا، فهو أب في الحقيقة، وعلى الشاشة، وهو ما كان يثير دهشة البعض من جمهوره، ومنهم من قال لي انه يري العكس، فهو ينصرف لمتابعته اكثر من دنيا وإيمي، وأظن انه كان يعيش فنه كما يعيش حياته، يدعم الموهوبين الجدد، وبينهم ابنتاه، ويرحب بكل عمل يضعه معهم بلا تكبر، ويجرب الجديد مع العمر الكبير وهو ما حدث منذ سنوات في مسلسل ليسرا بعنوان «شربات لوز» قام فيه بدور صاحب أتيليه للأزياء يرفض سلوكيات أشقائه تجاه فتاة عملت معه فيقف بجانبها ويدعمها باقتدار وبشكل يدفعك للدهشة من بعده الطويل عن التراچيديا مع قدراته التعبيرية الهائلة، لكنه اختار مبكرا، وفضل ان يكون صانع البسمة، وليس الدمعة، وهو ما وصل للملايين من محبيه، وأبنائهم فصنعوا له هذا الوداع الاسطوري، وداعا سمير غانم.

 

الأهالي المصرية في

26.05.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004