ملفات خاصة

 
 
 

حضور عربي قوي بـ7 أفلام

مهرجان برلين السينمائي.. من وراء الشاشة

علا الشيخ

برلين السينمائي الدولي

الدورة الحادية والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

تقفل اليوم شاشات الكمبيوتر أو على أحسن تقدير شاشات التلفاز إذا كانت من النوع الذكي ومن السهل ربطها بالتطبيقات الإلكترونية، بعد مرور 5 أيام على مشاهدة أفلام الدورة 71 من مهرجان برلين السينمائي؛ وهي الدورة الاستثنائية في حضرة الجائحة، التي تم بثها عبر الأون لاين ومن خلال اشتراكات مسبقة من قبل المهتمين، كي يكونوا على موعد مع الإنتاجات الجديدة للسينما التي تمت صناعتها في زمن كوفيد-19.

دورة صعبة إذا ما قورنت بالعام الماضي أيام كان موضوع كورونا ما زال ضمن التشكيك، الخطوات المتسارعة للصحفيين والنقاد للحاق بالعروض الخاصة بهم في ساعات الصباح الأولى، المقاهي التي تدعم ذلك الصباح تضج بالطوابير التي تقف لاحتساء قهوة سريعة بسرعة الخطوات تجاه قاعة البلاس، البرد الشديد الذي لا يخففه سوى الجلوس على مقعدك الذي اعتدت عليه من سنوات واعتاد عليك، الوجوه الآتية من كل أنحاء العالم، الذين تلتقيهم كل عام حتى باتوا وجوهاً مألوفة تلقي عليهم تحيه الصباح، اللغات المتنوعة، التي يتم ترجمتها بشارة تظهر على الشاشة الكبيرة قبيل عرض الأفلام ترحب بالمشاهدين ومن بينها ترحيب باللغة العربية..

كل هذه التفاصيل وأكثر، باتت من ماضٍ ليس ببعيد، ومع هذا حاولت إدارة المهرجان أن تجعلك جزءاً من الحدث، بطريقة بث عروضها التي تشبه العروض الحية، وثمة توقيتات معينة لمشاهدة الفيلم، وهذا ما يحدث بالواقع، هكذا كان الحال خلال الأيام الماضية المتواصلة، والمتصلة مع أجهزة إلكترونية متعددة، تحتار إذا كان لون هذا الفيلم صحيحاً تارة، أو الصوت هكذا أو بسبب طقس المشاهدة الحالي تارة أخرى، وتشتاق إلى مؤتمر صحفي لفريق العمل بعد كل عرض لتسأل ما يجول بخاطرك أو أثر بك.

لكن لا شك أن برلين السينمائي تفوق بتحديه، خصوصاً مع مجموعة من الأفلام تحمل أسماء مخرجين مهمين، وقصصاً ملهمة، ظهرت الكمامات في بعضها، وتجاهلها البعض الأكبر. ففي هذه الدورة التي تم تقسيمها إلى جزءين؛ الجزء الأول عبر الأون لاين، والجزء الثاني الذي لم يعلن عن تفاصيله بشكل أوسع سيكون في شهر يونيو المقبل وبشكل واقعي وليس افتراضياً، وشهد الجزء الأول عروضاً متنوعة بين الأقسام المختلفة:

المسابقة الرسمية ضمت 15 فيلماً، بينها الفيلم العربي اللبناني «دفاتر مايا» للمخرجين جوانا حاجي توما وخليل جريج، وتم تناوله سابقاً، أما في قسم البانوراما، ثاني أكبر أقسام المهرجان فعرض 17 فيلماً بينها أفلام عربية، المصري «سعاد» للمخرجة آيتن أمين، والتسجيلي اللبناني «أعنف حب» للمخرجة اليان الراهب، ومن لبنان أيضاً الروائي الطويل «ع أمل تيجي» للمخرج جورج بيتر بربري. ومن قسم الفوروم 17 فيلماً، ومن قسم الفورم اكسبندد 26 فيلما بينها «سبع سنوات حول دلتا النيل» للمخرج شريف زهيري، واللبناني «كل نجومك تضع التراب على حذائي» إخراج هايج ايفازيان.

أما قسم برلين سبيشال فقد شهر عرض 11 فيلما، وقسم مسلسل برلين عرض 6 أفلام، وبالنسبة لقسم لقاءات (وهو قسم مستحدث تم اعتماده العام الفائت) عرض 12 فيلماً من بينها الفيلم الوثائقي (كما أريد) للمخرجة الفلسطينية سماهر القاضي، وبهذا يكون أول فيلم عربي في هذا القسم. فيما عرض قسم أجيال 15 فيلماً، وعرضت مسابقة الأفلام القصيرة 20 فيلماً، كما عرض قسم السينما الألمانية 6 أفلام، وقسم العروض الاسترجاعية 27 فيلماً.

وهذه لمحة عن المشاركات العربية من خلال مركز السينما العربية الذي يشارك للسنة السابعة على التوالي، في المهرجان مع شركاء تحت مظلته تتنوع بين المؤسسات والشركات والمهرجانات السينمائية: الهيئة الملكية الأردنية للأفلام (الأردن)، روتانا (السعودية ومصر)، فيلم كلينك (مصر)، مهرجان الجونة السينمائي (مصر) مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (مصر)، Greener Screen (الإمارات)، شركة Lagoonie Film Production (مصر)، شركة MAD Solutions (مصر والإمارات)، Telescope Film (الولايات المتحدة الأمريكية).

ناقدة سينمائية OlaAlsheikh@

 

####

 

أفلام «برلينية».. صناعة نسائية

علا الشيخ

السينما هي السينما، بعيدا عن تصنيفها سينما نسائية أو ذكورية، وهذا التصنيف تم إلغاؤه من قبل مهرجان برلين السينمائي حين أعلن أن جائزة التمثيل لن تقسم إلى جائزة أفضل ممثلة وأفضل ممثل، وهذا الحال الذي يجب اعتماده تجاه صناع الأفلام، فالفيلم الجيد سيجد طريقه ليحتفى به بعيدا عن الجندرية، ومع هذا من الصعب تجاهل السعادة بوجود أسماء لصانعات أفلام أثبتن قدرتهن على التنافس بسبب القيمة الفنية التي قدمنها، وليس بسبب وضعهن في خانة أنهن نساء فيجب دعمهن، والدورة 71 من مهرجان برلين السينمائي شهدت على هذا، وتصدرت أسماء مخرجات بينهن عربيات مقالات وأحاديث المتابعين الذين شاهدوا أفلامهن عبر الأونلاين. وسابقا تم تناول الفيلم الأول الذي عرض في المهرجان ضمن المسابقة الرسمية وهو (أنا رجلك) للممثلة والمخرجة الألمانية ماريا شرادير، وفي نفس المسابقة تم عرض الفيلم الإيراني «أغنية بقرة بيضاء» (سيتم الحديث عنه لاحقا) للمخرجة مريم مقدم التي مثلت في فيلم المخرج المعارض الإيراني جعفر بناهي ستائر مغلقة، وأيضا ينافس على الدب الذهبي الفيلم اللبناني «دفاتر مايا» للمخرجة جوانا توما خليل (تم تناوله سابقا)، كما شهدت المسابقة الفيلم التسجيلي (السيد باهمان وفصله الدراسي) للمخرجة الألمانية ماريا شبيث، إضافة إلى الفيلم الفرنسي (أمي الصغيرة) للمخرجة سيلين سياما.
في المقابل تظهر أسماء لمخرجات أيضا في الأقسام الأخرى، من بينهن أسماء لمخرجات عربيات، مثل المخرجة اللبنانية إليان الراهب وفيلمها التسجيلي (أعنف حب) الذي عرض في قسم البانوراما، وفيلم (سعاد) للمخرجة آيتن أمين الذي عرض أيضا في نفس القسم، ومن الأسماء العربية النسائية أيضا المخرجة الفلسطينية سماهر القاضي (كما أريد) الذي يعرض في قسم لقاءات وتم تناوله سابقا
.

أما اليوم فسنتناول فيلمي «أعنف حب» لإليان الراهب، و«سعاد» لآيتن أمين، المعروضين في قسم البانوراما.

الوثائقي «أعنف حب»

لدى مخرجة الأفلام الوثائقية اللبنانية إليان الراهب قدرة غريبة في استفزاز شخصياتها، بحيث عندما تتعرف عليهم في المشهد الأول من أفلامها تشعر أنه من الصعب على مثل هذه الشخصيات أن تروي حكايات خاصة، وهذا حدث فعلا في فيلمها ليالي بلا نوم وفيلمها ميل يا غزيل، أما بالنسبة لفيلمها الجديد الذي عرض في قسم البانوراما في مهرجان برلين السينمائي، ثمة تحد مختلف، فالجرأة التي تتميز بها الراهب، التي تحوم عادة حول ما حدث فعلا في الحرب الأهلية اللبنانية، تعدتها هذه المرة لترصد ماضي ميشيل، الشاب اللبناني الذي هاجر بالثمانينات إلى إسبانيا، بعد أن كان مقاتلا في الكتائب، حسنا إلى هنا تبدو الحكاية مألوفة أو مكررة، لكن مع الراهب ثمة أسرار دائما تستطيع الكشف عنها.

في أعنف حب، تقرر الراهب أن تستخدم تقنية الكولاج في تتبع حكاية ميشيل، بحيث تعيده طفلا ومراهقا وشابا، بتقنية القص واللزق، فتضفي شيئا من الكوميديا على قصة لا شيء أمامها سوى البكاء.

فالراهب التي قصدت برشلونة للبحث عن حبيبة والدها السابقة وبرأسها أن تصنع فيلما عنها، غيرت كل خطتها عندما قابلت ميشيل، الذي كان من المفترض أن يساعدها بالبحث عن تلك الحبيبة واسمها (باكيتا) فلدى الراهب حكاية معها، لأن كل مشكلة تحدث بينها وبين أمها تذهب للبكاء ويلحق بها والدها ويحدثها عن تلك الحبيبة لدرجة أنها شعرت أن باكيتا هي المفترض أن تكون أمها، قصة كشفت عنها الراهب في المشاهد الأخيرة في الفيلم وهي تحكيها لأمها، فموضوع الأم أساسي في الفيلم، وهو الذي يجب العودة له للحديث عن ميشيل.

فقد تم ذكر تقنية الصناعة التي اعتمدتها الراهب، لذلك يحتمل الفيلم أن يكون خليطا بين توثيق وتسجيل وحتى روائي ومسرحي، فهي تحاول البحث عن شخصيات عبر اختبار أداء لتمثيل قصة ميشيل، بحيث يجلس إلى جانبها ليقارب بين ما يعلق بذاكرته وبين شكل الشخصيات التي تريد تأدية دورها لأجله، وهنا عملية تتحول إلى إعطاء ميشيل فرصة ليتخلص من كوابيسه، المرتبطة بعقد ساهمت فيه أمه، شقيقه الي، وبشير جميل على ما يبدو.

عندما تسأل الراهب ميشيل عن سنة تاريخ ميلاده، يجيبها «31 أكتوبر 1994» مع أن عمره قارب على الخمسين، لكن هذا التاريخ هو يوم وصول ميشيل إلى إسبانيا، لذلك يعتبره يوم ميلاده.

ميشيل شخصية هاربة من كل شيء يحيط به، قالت أمه له يوما «أنت مستحيل تكون ابني»، تراكمات هذه العلاقة غير السوية جعلت ميشيل يعيش مع أمنياته التي تتلخص بقتل أمه وقتل أخيه الذي تفضله العائلة، وهذا الشعور هو السبب في التحاقه ضمن صفوف الكتائب بمعركة الجبل، الذي لا يعرف صدقا من كان يقاتل من فيها.

أحلام ميشيل دائما فيها قتل الآخر، والتي عملت الراهب إلى تحويلها كقصص كرتونية على أمل التخفيف من وطأتها. والأهم أن ميشيل الهارب حتى من اسمه بحيث غيره إلى ميغيل ليتناسب وإسبانيا التي يعيش بها، أنه قرر أن يحكي كل ما في جعبته، حتى لو اختلطت القصص ببعضها وتزعزعت ثقتك إذا كانت حقيقة أم خيالا.

ساعتان هما مدة الفيلم، تقسمهما الراهب إلى عناوين أشبه بعناوين لوحات، وتفاصيل عاشها ميشيل جعلته يصل إلى حالة الرضا، تكمن في قصة أحد عناصر الكتائب الذي قرر أن يقوي قلب ميشيل عبر حكاية قالها بكل فخر «بشاتيلا بعد ما صفيت عيلة كاملة، انتبهت لبنت صغيرة شقراء حلوة، رحت اغتصبتها وقتلتها بعدها»، هنا شعر ميشيل بأنه إذا لم يهرب سيؤول حاله مثل حال الطفلة الفلسطينية التي يتغنى راوي حكايتها بفخر اغتصابها. وبالفعل هرب ميشيل إلى إسبانيا والمفارقة أن الهروب كان بمساعدة أمه، التي ماتت بسورية قبل أن تشهد الدمار الكامل فيها.

تفصيل آخر في حياة ميشيل أيضا له تأثيره في عملية التهذيب التي قررها في روحه، وهي تقلا المربية السورية التي تعيش في سورية حاليا، عندما يذكرها ميشيل يبكي، والغريب أنه وصل إلى حد البكاء على ما يحدث في سورية وهو الذي كان يوما يتمنى زلزالا أرضيا ينهيها من الوجود. هنا تعي كم كان الزمن كفيلا في تصفية روحه، هنا تدرك فعلا أن تاريخ ميلاد ميشيل كان في 1994، تاريخ بدأ بسرده في أول الفيلم وانتهى معه مرة أخرى مع أمنية أن يجد من يحبه قبل موته.

الروائي الطويل «سعاد»

بعد فيلمها الروائي الطويل الأول فيلا 69.. لفتت المخرجة آيتن أمين الانتباه لها، بالرغم من تجربتها السابقة في صناعة عدة أفلام وثائقية، وأثبتت اختلافها عندما توجهت للدراما في إخراج مسلسل سابع جار، هذا العام استطاع فيلمها الروائي الثاني (سعاد) التواجد في أهم مهرجانين، بحيث تم اختياره في مهرجان كان (الدورة الملغاة) لينتقل بعدها إلى قسم البانوراما في مهرجان برلين السينمائي.

أهمية هذا الفيلم الذي ينتمي إلى السينما المستقلة، أنه تميز بطريقة إدارة أمين للممثلات، وهنا نتحدث عن ممثلات غير معروفات، وهذا بحد ذاته نجاح يحسب لأمين، بحيث استطاعت مع وضوح في ارتجالية الحوار أن تقدم فيلما يوصلك إلى حد اللبس في كونه تسجيليا أم روائيا من شدة الطبيعية في كل عناصره، حتى في اللقطات المهزوزة.

فالفيلم يدور حول حكايات فتيات مراهقات، يعشن الوهم الذي يسيطر عليهن نتيجة ما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي، وينقسم الفيلم إلى ثلاثة أجزاء تحمل أسماء الشخصيات الرئيسية فيه، سعاد، رباب، أحمد.

ومن ناحية أخرى، ركزت أمين على أن تكون البطولة لطبقة اجتماعية تعتبر هي الأكثرية في مصر، والتي لا تنتمي إلى العشوائيات ولا إلى الطبقة الغنية، ولم تصل حتى للوسطى، هذا الشكل من الطبقة هو الذي تشاهده في كل مكان وشارع في مصر، أشكالهن، أزياؤهن، طريقة حديثهن، هي قدمت الشكل المصري السائد، والذي عادة لا يحمل البطولة في السينما وتحديدا التجارية منها أو الدراما إلا بعدد قليل، وهذه قوة أخرى تحسب في الفيلم.

الحس الوثائقي تستشعر به، بسبب طريقة السرد والحوارات التي تلمس أنها ارتجالية أكثر منها نصا مكتوبا، لذلك تشعر بقرب الشخصيات وتتفاعل معها، تحديدا سعاد وشقيقتها رباب، وصديقاتهن اللواتي تحمل كل واحدة منهن حلمها أو وهمها الخاص.

الوهم في شخصيات فيلم أمين، هو نسج القصص والكذب، والتخيل، هو وهم أبيض على غرار كذب أبيض، تعيشه تلك المراهقات اللواتي لا يتركن هواتفهن النقالة بل يتورط بعضهن في قصص كثيرة، مثل قصة سعاد التي تنتهي بشكل لا تعرف إذا كان انتحارا أم بالفعل سقطت بالخطأ من الشرفة حسب رواد العزاء، فهي تتعلق بأحد مشاهير السوشال ميديا الذي يوهمها أيضا بحبه ويزيد من طلباته التي عادة ما تنفذها سعاد، علاقة تشبه الكثير من القصص التي يتم تناقلها في الوسط الافتراضي، لتنتقل الحكاية إلى شقيقتها الأصغر سنا رباب، التي تجدها بالرغم من ظهور وعيها في بداية الفيلم تنساق وراء حكايات سعاد، تشعر بالبداية أنها تريد الانتقام لشقيقتها، لكن بعد ذلك يتغير كل شيء تحديدا بعد أن تسافر الإسكندرية للقاء أحمد الذي كانت تحبه سعاد، ولأحمد قصة مغايرة تنتهي معها أحداث الفيلم.

لا يوجد حل وسط مع فيلم سعاد، إما أن تقبله أو ترفضه، ولكل جانب الأسباب المقنعة، وهذا من شأنه وضع الفيلم في خانة الاختلاف بالرأي تجاه طريقة صناعته، وهل إذا كان هذا الشكل بالفعل هو شكل السينما المستقلة؟

ناقدة سينمائية OlaAlsheikh@

 

عكاظ السعودية في

05.03.2021

 
 
 
 
 

"مضاجعة فاشلة أو بورنو مجنون" يفوز بـ"دبّ" برلين:

ضرب سينمائي تحت الحزام

المصدر: "النهار" - هوفيك حبشيان

منذ عنوانه، نلمس في "مضاجعة فاشلة أو بورنو مجنون" للروماني رادو جود، شيئاً ممّا نتوقعه، خصوصاً اذا كان الواحد منا مطلعاً على أعمال المخرج السابقة. ومع ذلك لا يزال يفاجئ. هذا فيلم عُرض في مسابقة مهرجان برلين (١-٥ الجاري) ونال اليوم جائزة "الدبّ الذهب" في دورة أقيمت "أونلاين"، ويمكن القول ان مشاهدته توفّر بعض المتعة التي، اذا حدثت، لا يمكن انكارها. من جهة، أسعدني ان الفرجة المنزلية لعروض البرليناله أتاحت لي العودة غير مرة إلى بعض المشاهد لمجرد الاستمتاع بها، ومن جهة أخرى، أدرك تماماً ان فرصة مشاركته مع المتفرجين قد فاتتني، وأعتقد انه كان نال نصيبه من القهقهة في عروض الصحافة الصباحية.

مع جديده الكوميدي هذا، يصعد جود درجة أو أكثر في مقياس الاستفزاز الذي أخذ يتطور عنده منذ فترة. في آخر فيلم شاهدته له، "لا أكترث اذا دخلنا التاريخ باعتبارنا برابرة"، نبش جود في التاريخ الروماني الذي ينكره أحفاد مَن صنعه، من خلال متابعة الاستعدادات التي تجريها مخرجة لتقديم عرض كبير في احدى ساحات المدينة عن مجزرة أوديسّا (١٩٤١)، وهي تسعى في خطابها إلى وضع الأصبع على بعض الحقائق عن فصل أسود من تاريخ رومانيا لطالما سعت السلطات إلى اخفائها: تورّط بلادها في قتل ليس أقل من ٣٠ ألف يهودي في أوديسّا خلال الحرب العالمية الثانية تحت حكم الماريشال الطاغية أنتونيسكو. تحاول مارين إخراج حقائق إلى الضوء وتكريسها شعبياً، وهي حقائق لا تزال علاقة الرومانيين بها تتراوح بين النكران الكلّي والنسيان الجزئي.

في هذا العمل الجدلي الجديد، جود الذي يمنح الانطباع بأنه يحركش في وكر دبابير، لا يزال في تلك الساحة التي كانت تقف فيها مخرجة العرض التاريخي الكبير لتحاجج زمرة من الوطنيين والشوفينيين والتحريفيين. كأن رادو جود أضحى مارين لكن من خلف الكاميرا. مع الفرق ان لا مكان للديبلوماسية هنا، بل هدم كامل لمسلمات مجتمع، بكلّ ما يملكه من سخرية ونقد لاذع وجنون وجرأة. وفي هذا المجال يمكن التأكيد انه يتحرك بحرية، من دون أي اعتبارات تكبله.

الفيلم من ثلاثة فصول: نرى في الفصل الأول شريطاً جنسياً سجّلته مدرّسة (كاتيا باسكاريو) مع زوجها، ومن سوء حظها تم تسريبه إلى الإنترنت، وبات متاحاً على مواقع البورنو، محدثاً فضيحة مجلجلة في محيطها ومن حولها وداخل صفّها الدراسي، في بلاد ذات ميول طهرانية وفي مجتمع أرثوذكسي يدّعي الحفاظ على الأخلاق الحميدة.

نتعقّب المدرّسة وهي تمشي في شوارع المدينة. تعبر الطرق فالساحات وتعرج على هذا المكان أو ذاك، وأحياناً تتحدّث على الهاتف لمناقشة مشكلتها مع أحدهم. هذه المتتاليات تموضعنا في قلب العاصمة بوخارست، في نبضها اليومي، في زحام العابرين الذين يرتدون الأقنعة في ما يبدو واحدا من أوائل الأفلام التي صُوِّرت خلال الوباء. هذه اللقطات الطويلة والمتكررة مثيرة، تترك خلفها احساساً غريباً بالعفوية والطزاجة. اسلوبيتها تقطع مع حاضر السينما التي تغلب عليها السرعة. رادو جود متمهّل، لديه متسع الوقت ليؤسس لخطابه. يحرك الكاميرا بلا توقف؛ مسار الكاميرا عنده يشي بأنها أكثر من اداة لالتقاط الصور. بل انها تقيّم، تغمز وتوحي، وهي تلتفت شمالاً ويميناً في هذه المدينة الأشبه بسوبرماركت ضخم. مدينة هي في الحقيقة كتلة استهلاكية معلقة في الفراغ.

الجزء الثاني شيء يشبه الأنتولوجيا: تفكيك للمفاهيم في الثقافة الشعبية الرومانية. الكلمات والتعابير والمواقف كلها تصبح مادة للعب والسخرية. تجميع يكاد يطال كلّ المواضيع الجدلية. مقابل كلّ كلمة نكات، خبريات تاريخية، لقطات أرشيفية، كلها تطمح إلى فضح الرجعية السائدة في رومانيا الحالية، وذلك على المستويات كافة، من السياسة إلى الدين. خلطة تغلب عليها الصبغة الكارتونية، كوكتيل من الحقائق التي لا تصوّر المجتمع في أزهى عصوره وأفضل تجلياته. فنعلم مثلاً من جملة ما نعلمه ان ستة أطفال رومانيين من أصل عشرة، يتعرضون للعنف الأسري، وطبعاً تقع المعلومة في الفقرة المخصصة لـ"العائلة".

مع نهاية الجزء الثاني، يسود اعتقاد سريع عندنا بأننا رأينا كلّ شيء. لكن، في خيال الفيلم المزيد. يأتي الجزء الثالث، كمحاكمة شعبية، سياسية، أخلاقية، للمعلّمة وهي تجلس أمام الأهالي (في حضور ممثّلي العسكر والكنيسة) للدفاع عن نفسها ضد الاتهامات التي تطالها. ستكون وحيدة في مواجهة الأهالي واستهجانهم الرخيص، حائرة أمام اتهاماتهم بإفساد الأطفال. كيف تتجرأ على ممارسة الجنس وأمجاد البلاد التي لها شأن عظيم عند حراس الفضيلة والتاريخ، لم تُنقل بعد بحرفيتها إلى الأجيال الصاعدة؟

ألوان الباحة الخارجية للمدرسة حيث يدور الجزء الثالث، توحي بمحاكمة هزلية. في اي حال، ستكون مسرحاً لكلّ الأفكار البليدة والسمجة والرجعية التي جمعها رادو بثقافة المتضطلع من الشيء: هوموفوبيا، معاداة للسامية، شوفينية، مفاهيم لا تقيم وزناً للعصر الذي نعيش فيه، نقاشات لا يمكن ان تكون أي مدخل لشيء يجوز التعويل عليه. الهدف من هذه "المسرحية" كشف ازدواجية المعايير والنفاق الاجتماعي اللذين يغرق فيهما المجتمع الروماني المعاصر - ولا شك انه ليس الوحيد في ذلك.

يتقن رادو حرفة عدم السقوط في الجدية وهو يتكلّم عن أشياء جدية جداً. هذا هو الاسلوب بعينه. فيلمه ذروة في الكاريكاتور الاجتماعي والهجاء السياسي، يقنع بخياراته السردية والجمالية، ويفرض جنونه ولو انه يرتب لنفسه مكاناً متقدماً في سجل السينما الفجة التي لا تؤمن بالـNuance. هذه المرة يذهب أبعد من المرات السابقة، مختاراً المواجهة، وهذا يعني امكان الاذعان للخطابية أحياناً. لا يوجد شك اننا حيال نص سينمائي "متوحش" كما قالت عنه لجنة التحكيم البرلينية، يضرب من تحت الحزام، مستمتعاً في سره، وأغلب الظن انه سيفتتح السجال على نطاق واسع.

 

####

 

"اعتمد صيغة افتراضية"... قائمة بالفائزين بالدورة الـ71 لمهرجان برلين

المصدر: "أ ف ب"

حرص مهرجان برلين، وهو أحد أهم المهرجانات في أوروبا، على استمراريته هذه السنة على الرغم من القيود الصحية، فاعتمد الصيغة الافتراضية، وقصّر مدة المهرجان إلى خمسة أيام بدلاً من 11 يوماً. ويأمل المنظمون في أن يتمكنوا من تعويض ذلك من خلال العروض المفتوحة للجمهور في حزيران. وعلى العكس من ذلك، لا يزال مهرجان "كانّ" يرفض اعتماد الخيار الافتراضي، إذ يعتبر منظموه أن لا معنى لإقامته إذا لم يكن حضورياً، وإذا جُرّد تالياً من نكهة التلاقي في موقع الحدث والاشتراك معاً في حضور ال#أفلام في القاعات.

في الآتي، قائمة بالفائزين في #مهرجان برلين ال#سينمائي بدورته الحادية والسبعين والتي أُعلنت الجمعة في ختام نسخة افتراضية استمرت خمسة أيام.

- جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم: "باد لاك بانغينغ أور لوني بورن" (Bad luck banging or loony porn) للمخرج رادو جوده (رومانيا)

- الجائزة الكبرى للجنة التحكيم، الدب الفضي: "ويل أوف فورتشن أند فانتاسي" (Wheel of Fortune and Fantasy) لريوسوكي هاماغوتشي (اليابان)

- جائزة لجنة التحكيم، الدب الفضي: "مستر باخمان أند هيز كلاس" (Mr Bachmann and His Class) لماريا ستيف (ألمانيا)

- جائزة الدب الفضي لأفضل مخرج: دينيس ناغي عن "ناتشورال لايت" (Natural Light) (المجر)

- جائزة الدب الفضي لأفضل أداء تمثيلي: الألمانية مارين إيغرت عن دورها في "أيم يور مان" (I'm your man) (ألمانيا)

- جائزة الدب الفضي لأفضل أداء تمثيلي في دور ثانوي: المجرية ليلا كيزلينغر عن دورها في "فوريست - آي سي يو إيفريوير" (Forest - I See You Everywhere)

- جائزة الدب الفضي لأفضل مساهمة فنية: ييبران أسود عن مونتاج فيلم "أونا بيليكولا دي بوليثياس" (Una película de policías) لألونسو رويزبالاسيوس (المكسيك)

- جائزة الدب الفضي لأفضل سيناريو: "إنتروداكشن" (Introduction) لهونغ سانغسو (كوريا الجنوبية)

الفائزون في السنوات العشر الأخيرة

في الآتي، قائمة بالفائزين بجائزة الدب الذهبي في السنوات العشر الأخيرة، من مهرجان برلين السينمائي.

- 2021: "باد لاك بانغينغ أور لوني بورن" (Bad luck banging or loony porn" de Radu Jude) لرودي جوده (رومانيا)

- 2020 : "ذير إز نو إفيل" (There is no evil) لمحمد رسولوف (إيران)

- 2019 : "سينونيمز" (Synonymes) لناداف لابيد (إسرائيل)

- 2018 : "تاتش مي نات" (Touch me not) لأدينا بينتيليي (رومانيا)

- 2017 : "أون بادي أند سول" (On Body and Soul) لإلديكو إنيادي (المجر)

- 2016 : "فاير أت سي" (Fire at Sea/Fuocoammare) لجانفراكو روزي (إيطاليا)

- 2015 : "تاكسي" (Taxi) لجعفر بناهي (إيران)

- 2014 : "بلاك كول، ثن أيس" (Black Coal, Thin Ice) لدياو يينان (الصين)

- 2013 : "تشايلدز بوز" (Child's Pose/Pozitia copilului) لكالين بيتر نيتزر (رومانيا)

- 2012 : "سيزر ماست داي" (Caesar Must Die) لباولو وفيتوريو تافياني (إيطاليا)

 

النهار اللبنانية في

05.03.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004