ملفات خاصة

 
 
 

«الهدية»: حكاية ياسمين التي تؤكد أنَّ فلسطين لا تُقهر

حزامة حبايب

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثالثة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

نال جائزة «بافتا» البريطانية كأفضل فيلم روائي قصير

فوز الفيلم الفلسطيني «الهدية» للمخرجة فرح النابلسي، بجائزة الأكاديمية البريطانية لعلوم السينما والتلفزيون «بافتا» في نسختها الـ74 عن فئة أفضل فيلم روائي قصير، يشكل نسمة منعشة ومبهجة وسط حالة عامة من الاختناق الإنساني. وإذا كانت هذه النوعية من الأفلام تجد صعوبة في الوصول إلى جمهور عريض من المشاهدين، لتبقى أسيرة صالات المهرجانات ذات الجمهور النخبوي أو المحدود، فإن عرض «الهدية» عبر منصة نتفليكس قد يُنصفه، على الرغم من محتوى المنصة المرتهن لذائقة ملتبسة.

في «الهدية» هناك فلسطين وأكثر. هناك قهر بالقنطار، ومحاولات حثيثة ومستمرة من الاحتلال الإسرائيلي لكسر الذات الفلسطينية وسحقها. لكن هناك في الوقت عينه الحبّ والتوق، وهناك دفء البيت، ودفء الأسرة، ودفء العناقات، وهناك سبب للاستيقاظ يومياً وتناول الإفطار على عجل ومواصلة الحياة، وتخطيط الزوج لمفاجأة الزوجة بهدية بمناسبة عيد زواجهما، عبارة عن ثلاجة جديدة، بدل تلك التي لم يَعُد بابها يُغلق.

على مدى 24 دقيقة، هي زمن الفيلم، يروي «الهدية» الذي شاركت النابلسي في تأليفه مع الكاتبة والمخرجة هند شوفاني، وقائع يوم في حياة يوسف وابنته ياسمين اللذين ينطلقان في الصباح لتسوق بعض الحاجيات للبيت وشراء الهدية المنتظرة، أي الثلاجة، في رحلة يقطعها آلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية يومياً للذهاب إلى أعمالهم، مضطرين خلالها للمرور عبر عدد من نقاط التفتيش، أو «المعابر» كما تُعرف، التي يمارس فيها جنود الاحتلال هوايتهم الأثيرة بإذلال الفلسطيني. من البداية، يقبض مشهد الاكتظاظ اللاإنساني على الحاجز الإسرائيلي بالقرب من بيت لحم على عنق الروح، وهو مشهد فيه من الألم والمهانة ما فيه. وتبدو الأجساد المتدافعة كأنها تتحرك بآلية مفصولة عن الواقع، فيما يوحي بحالة يومية عادية. وإذا كان هناك ما هو أقسى من المهانة فهو اعتيادها. لا أحد يفتح فمه بكلمة، لكن الوجوه التي تبدو كأنها صامدة على شعرة تحكي الكثير. ولعل وجه يوسف، الذي يجسد دوره باقتدار الممثل الفلسطيني صالح بكري، يشكل لوحة مرسومة بمشاعر جياشة تتأرجح بين الغضب والغيظ والمرارة والمقاومة الداخلية اليائسة. ولا يغيب عن المتفرج أن يضع نفسه مكان الأب الفلسطيني، الذي يشعر بالخزي والخجل كونه يتعرض للإهانة أمام طفلته، التي تجلس على الأرض، تتابع بصمت ممضّ مشهد إذلال والدها على أيدي جنود الاحتلال الذين يصرّون على احتجازه لبعض الوقت في «قفص» عند الحاجز، إلى جانب آخرين، إمعاناً في تحطيمهم.

وحين يتجاوز يوسف وطفلته ياسمين الحاجز، طاوييْن المهانة، ومتجاوزيْنها، رغم الرضّة النفسية التي خلّفتها فيهما، فإنهما يقتنصان لحظات فرح حقيقية وهما يتسوقان في بلدة بيتونيا. بل إن يوسف يشتري لطفلته تاجاً برّاقاً يضعه على رأسها، هي أميرته، حتى إننا كمتفرجين نكاد نطوي مهانة الصباح من ذاكرتنا، رغم القلق الماثل في الأجواء. ونشارك يوسف فرحته بالثلاجة التي يشتريها، مغتبطاً بقطعة القماش الحمراء التي يزين بها البائع هديته الأثيرة.

لكن الاحتلال البغيض يضنُّ على الفلسطيني بلحظة سعادة عابرة أو فسحة حياة حرة أو طبيعية في الحد الأدنى. فعند طريق عودة يوسف وياسمين للبيت، في سيارة نقل تحمل الثلاجة، يمنع الجنود المتمركزون على الحاجز السيارة من العبور، ممّا يضطر يوسف إلى إنزال هدية زوجته الثقيلة، وتثبيتها على عربة بعجلات لجرّها. وهناك عند نقطة التفتيش إياها، تبدأ حلقة جديدة من مسلسل الإذلال، إذ يستوقفه الجنود الإسرائيليون، يسألونه عن الثلاجة وعن سبب شرائها، وينقبّون في أكياس التسوق خاصته، حتى إذا سمحوا له بالمرور أخيراً، بعدما نال حصته من المهانة المعهودة، يكتشف يوسف أنه من المستحيل إدخال الثلاجة عبر بوابة الحاجز الحديدية المدوَّرة. كل ما يريده هو أن يذهب إلى بيته على الجهة الأخرى من الحاجز. كل ما يتمنّاه هو إيصال الهدية لزوجته. لكن الجنود يرفضون السماح له بأخذ الطريق الرئيسي المخصص للسيارات. عندئذ، لا يبقى أمام يوسف سوى إطلاق الغضب من قمقم الروح. يضرب الطاولة عند المعبر بيده، في اشتباك لفظي وعاطفي عنيف مع جنود الاحتلال، الذين يرفعون السلاح في وجهه، لكنه يواصل الصراخ فيهم، في تفريغ يائس لمشاعر الإحباط المتعاظمة داخله، فيما يشي اصطكاك أمشاط البنادق بنية إطلاق النار عليه. وحين يلتفت حواليه فجأة، وسط غضبته المستعرة، لا يرى ياسمين، طفلته، التي كانت تراقب الاشتباك بصمت.

هنا نصل إلى نهاية الفيلم المبهرة؛ إذ يقف يوسف ومعه جنود الاحتلال مصدومين أمام المشهد غير المتوقع، وهم يشاهدون ياسمين تجرّ الثلاجة، هدية أمها، على الشارع الرئيسي، المخصص للسيارات، بعدما غافلتهم أثناء اشتباكهم، لتمضي بها إلى البيت. اليوم عيد زواج أبيها وأمها، ولا توجد أي قوة، حتى قوة الاحتلال، يمكن أن تحول دون أن تحتفل أسرتها بهذا اليوم.

ياسمين، ابنة أبيها وأمها، ابنة فلسطين، تعرف الطريق إلى بيتها، والأهم تعرف كيف الوصول إليه. والناظر إلى الطفلة وهي تمضي بخطوات واثقة، وثابتة، غير هيّابة، وسط عجز جنود الاحتلال عن القيام بشيء حيالها أو إيقافها، يتيقَّن بأن فلسطين لن تُقهر.

تُقدِّم النابلسي حكاية فلسطينية مطرَّزة بلغة مقتصدة وعاطفة شجية، ومشهدية بصرية فائقة التكثيف والحساسية، ضمن حبكة، تنجح في تقديم واقع غاية في التعقيد في سياق سردي سلس، وبسيط ظاهرياً، لكنه كالموج الذي يتصاعد حثيثاً من الأعماق، حاملاً معه كتلة جارفة من المشاعر.

لقد اختارت النابلسي، في أول تجربة إخراجية لها، عنوانا دالاً للفيلم بالإنكليزية هو «The Present»فالمفردة تعني «هدية» كما تعني أيضاً «الحاضر» أو «الراهن». قد يكون هذا حاضر فلسطين لكنه حتماً ليس مستقبلها؛ المستقبل الذي سوف تصنعه ياسمين، ومعها ياسمينات فلسطين اللاتي سيتفتّحن في أرضها.

 

القدس العربي اللندنية في

17.04.2021

 
 
 
 
 

الفيلم الفلسطيني الهدية «The Present»:

حيوات مقهورة على حواجز الاحتلال

رامي أبو شهاب

غالباً ما تبدو الأفكار الأقل بساطة، ربما الأكثر قدرة على أن تترسخ في الوعي، فالإنسان يغيب في زحمة المقولات الكبرى ليتناسى أن المعنى من الحياة أن تبدو لنا في تكوينها الأكثر بساطة، بل أن تكون أكثر قرباً من الطبيعة عينها، ولا سيما في انسجامها، وعفويتها، ونظامها الداخلي، ولعل ما يحدثه الإنسان على تكوينه وسياقه، وما يحيط به ليس سوى تشوهات ستنقضي وتتلاشى في مواجهة حتمية الحياة، إذ لا يمكن لنا أن نجد لهذه التشوهات من تفسير سوى إنها نمط من أنماط التهديدات المستمرة لكائنات تتطفل على هذا الوجود فيبتر تدفق المعنى الطبيعي للحياة.

هكذا تبدو مقولة فيلم المخرجة الفلسطينية فرح النابلسي بعنوان هديةThe Present الذي أنتج عام 2020، ويعرض حالياً على أهم المنصات الرقمية. هذا الفيلم الذي تمكن من أن يصل إلى موقع متميز، حيث رشح لجائزة الأوسكار عن فئة الأفلام القصيرة، بالإضافة إلى ترشحه لجائزة «البافتا» عن أفضل فيلم قصير، حيث تبلغ مدة الفيلم خمساً وعشرين دقيقة.

يتصدر الفيلم ملصق ترويجي بسيط، لكنه بدا نابضاً وحيوياً، وربما لافتاً للانتباه، كونه يختزل رسالة واضحة، وعميقة، حيث نرى أبا وابنته الصغيرة في طريق ما، وهما يديران ظهرهما للعالم، فنستدعي على الحال أيقونة (حنظلة) للفنان والرسام الفلسطيني العالمي ناجي العلي، في حين جعلت منصات العرض الرقمي ملصقها قائماً على صورة الأب (يوسف) في تعبيرات وجه تعكس طلاقة الحياة وحيويتها، في ظل وجوده مع ابنته، في عالم يقاوم كل ما يبتر سلسلة هذا الوجود، فالإنسان على مرّ التاريخ يعاني من ذلك التعارض بين وجوده في مواجهة قوى الديكتاتورية والفساد، والعنصرية، وكل ما يعطل معنى الحياة.

لا يمكن إلا أن نرى في كل عمل فلسطيني جزءاً من صورة كلية تسعى لأن تعيد موضعة الخطاب الفلسطيني، في مواجهة مشاريع المحو والإقصاء، ولا يمكن إلا أن نقرّ بأنه لم يتبق لنا صوت حقيقي سوى هذه الأصوات التي تأتي من لدن فنانين وأدباء ورسامين وشعراء وروائيين، خاصة في ظل تصفية الصوت الفلسطيني المقاوم، وتدجينه على أيدي النخب السياسية، التي تجمدت في لعبة السلطة والوهم.

تختزن رؤية المخرجة الفلسطينية فرح النابلسي طاقة تعبيرية متحررة من التنظير، وأنماط الحوار، والسرد الطويل، حيث تترك الحبكة ببساطتها، وأداء الممثلين الموفق، ودلالات المكان، وواقعية التصوير، مجالاً للاستغراق بالفكرة التي تنهض على بناء مشهدية شديدة الحساسية والعمق، تعضدها عفوية الأسلوب الإجرائي، فتتسرب مشهدية الفيلم في الوعي البعيد، وتترك صدى محملاً بالخيبة عند تبلور الفكرة والشعور والأثر، فهي لا تكتفي بأن تجعلنا نعلق في حبكة تتأتى جماليتها أو تعقيدها من كونها أبسط مما ينبغي، غير أننا مع نهاية الفيلم نستشعر هذا القدر الكبير من الألم، والخيبة والخسران، حيث يرسم الفيلم ظلالاً داكنة تحيط بأسئلة تتعلق بقدر الفلسطيني الأكثر كآبة على رأي إدوارد سعيد.

ينفتح الفيلم على الممثل الفلسطيني صالح بكري وهو يجسد شخصية «يوسف» الأب الذي يستيقظ صباحاً قرب جدار الفصل العنصري، في مشهد تختزله تقنية الإخراج العفوية، التي تعمد إليها الأفلام بميزانية ضئيلة، عبر توظيف كل ما يتوفر ببساطة لتمكين الاستناد الواقعي القائم على حيز التصوير، الذي يعج بحيوات الفلسطينيين الذين لا ينتمون إلى الكادر السينمائي، فجاء توظيفهم حساساً جداً، وموفقاً في سياق الفيلم.

إن الموت في فلسطين يبدو بطيئا، أو مؤلماً، حيث الاغتيال لوعي أجيال وأجيال تواجه كل يوم هذا التكوين الشاذ، وغير الطبيعي لمعنى الاحتلال على مدار عقود طويلة، فتشوهت الذاكرة، وبدا الاحتلال أمراً يكمن في لاوعي هذا الجيل، حيث بترت هذه الجدران الأسمنتية والحواجز الحديدية مداه البصري.

تبدو الافتتاحية، وكأننا نبتدئ الحكاية من زمن يتكرر، أو مستمر، وأزلي، حيث الجدار ينهض بكل قبحه وجبروته، فعلى ما يبدو أن (الأب) قد قضى ليلته على الحاجز، قبل أن يعود إلى المنزل، حيث توجد زوجة وابنة صغيرة جميلة اسمها (ياسمين)، تمارس العائلة يومياتها أو تسعى لأن تبدو طبيعية جداً، كأي عائلة تمارس فعل الحياة، نرى في مشهد الزوجة (نور) التي تؤدي دورها الممثلة نور كمال باشا في استقبال زوجها المنهك، وفي الصباح تعدّ الفطور مع تبرمها الصامت من براد أو ثلاجة قديمة لا يغلق بابها بشكل جيد، ومع قرار الأب الذهاب لشراء بعض الحاجات من بلدة «بيتونيا» يصطحب معه ابنته الصغيرة، كي يقوما بمفاجأة الأم بهدية بمناسبة ذكرى عيد زواجهما، وتتمثل بشراء براد جديد، في الطريق تنهض الحواجز لتعيق التدفق الطبعي للحياة، والمشاعر، بما في ذلك اليومي والطبيعي، حيث يخضع الأب وابنته لتحقيق أو تفتيش دقيق يمتد إلى فترة طويلة على حاجز رقم (300)، يحجز الأب في قفص حديدي على الحاجز بعد أن يفقد أعصابه نتيجة الاستفزازات المستمرة من قبل جنود الاحتلال، حيث نراهم في وجوههم التي تعكس مرجعياتها، أنها أتت من أصقاع لا يوحدها سوى الغطرسة، في حين تنظر الابنة بعيون قلقة وخائفة إلى والدها من خارج القفص المؤقت للاحتجاز، وهنا تسعى فرح النابلسي إلى التركيز على مناخ الحدث، بما في ذلك رمزية كتل الحديد ممثلة بالقفص، والوجوه الغربية، كما انكسار الطفولة، وسطوة الغريب، مع تركيز على فائض القهر الذي لا ينتهي، يخرج الأب فيجد ابنته قد بللت ثيابها نتيجة الانتظار الطويل، بعد ذلك يذهبان إلى السوق ويشتريان بعض الحاجيات، يصلح الأب من شأن ابنته بشراء ثياب جديدة، والأهم أنهما يشتريان براداً جديداً للأم، يحمله البائع مع الأب والابنة لتوصيله بسيارة نقل، لكن الحاجز يقف لهم بالمرصاد، فيقرر الأب وضع البراد على عربة نقل صغيرة يجرها يدوياً مع الابنة كي يتجاوز بعض الحواجز التي تمنع وصول السيارات، وحين يصل إلى الحاجز الأخير، أو الحاجز الذي شهده في الصباح نواجه حدثاً مفصلياً في تكوين سلسلة الأحداث، ولاسيما حين يصعب أو يستحيل تمرير البراد من البوابة أو جهاز التفتيش الإلكتروني.

إنها إحالة استعارية تحتمل قدراً كبيراً من السوداوية، التي تقترب من تجسيد الملهاة والمأساة على حد سواء، تمتد المفاوضات طويلاً مع الجنود للسماح بعبور البراد من مكان آخر، أو بمعنى آخر تمريره من جانب البوابة، لننتهي إلى كل ما يمكن أن نلمحه في تلك التقاطعات من المشاهد، التي لا يتحدد بأداء الممثل صالح بكري المتقن في اختزاله لقدر كبير من الألم والخيبة والغضب وحسب، إنما في تعبيرات الفتاة الصغيرة، أو الابنة «ياسمين» التي ترى أن عالمها لا يبدو سوى سجن كبير، يغتال روحها الصغيرة بما في ذلك عائلتها الصغيرة، إنه توتر وقهر مستمر، أو يبدو خرقاً لتكوين طبيعي، حيث يصادر الكيان المحتل معنى حياة ملايين البشر، فالجغرافية الفلسطينية أمست أشلاء، مبعثرة، وبشعة، جزراً صغيرة معزولة، كما هي مثيرة للحنق والخيبة، فذات الفلسطيني تعاني كل يوم من تداعيات الجدران والحواجز. إنه قهر جمعي لملايين البشر، ولعلي لا أبالغ حين أصف هذه الممارسة تجاه المكان والإنسان بأنها مماثلة في تكوينها واستراتيجيتها بما كان في معسكرات الاعتقال النازية في الحرب العالمية الثانية، غير أن العملية هنا تقع على مستوى وطن بأكمله، حيث قهر لملايين البشر بشكل بطيء، إنها سياسية تحويل حياة الفلسطيني إلى جحيم، عبر ممارسات عميقة التمكين لنماذج من العنصرية التي ما زالت كامنة في وعي كيان الاحتلال.
إن الموت في فلسطين يبدو بطيئا، أو مؤلماً، حيث الاغتيال لوعي أجيال وأجيال تواجه كل يوم هذا التكوين الشاذ، وغير الطبيعي لمعنى الاحتلال على مدار عقود طويلة، فتشوهت الذاكرة، وبدا الاحتلال أمراً يكمن في لاوعي هذا الجيل، حيث بترت هذه الجدران الأسمنتية والحواجز الحديدية مداه البصري، لقد بدا أقرب إلى فعل تشويه لصورة فلسطين طبيعياً وتاريخياً، وهذا يستهدف تحويلها إلى شيء منمّط مثير للكآبة، إذ أمست بلداً مقطع الأشلاء، لا يحمل أي صيغة بالتكامل والانسجام لا على مستوى الطبيعة فحسب، وإنما على مستوى قطع التواصل بين الإنسان والآخر في قرية واحدة، بين الإنسان وأحلامه، لقد ولدت هذه الأجيال في ظل الجدار، فلا جرم أن نرى في المشهد الأب وابنته يسيران في ظلال العتمة، وهما يحملان البراد بعيداً، بعد أن انقضى يوم طويل، إذ تبدو لنا مبادرة الفتاة الصغيرة بالطلب من والدها الانسحاب صيغة لأن تحافظ على حياة والدها، وأن تسعى لاستعادة حياتها الطبيعة؛ فتطلب من الأب التراجع، فيقود الأب وابنته البراد على العربة الصغيرة، ليمضيا عائدين في الطريق أو في شارع صغير ضيق، على جوانبه إضاءة شاحبة تلقي بظلال ربما تمتد لتحيل إلى هذا الاحتلال البغيض، لكن الخيبة تبدو أكبر مما تحتمل، هكذا تبدو لنا الرؤية الإخراجية، وقد راهنت على أن قيم البساطة ربما الأكثر قدرة على أن تحفز الوعي، والطاقة، وأن تثير وعياً كونياً أو عالمياً بأزمة الفلسطيني، كونها تخاطب عبر مشاهده وفكرته البسيطة الإنسان الكامن فيه، فالفيلم لم يلتفت لصيغ خطابية مباشرة لا يمكن لها أن تمسّ وجدان مشاهد كوني، لقد أدركت فرح النابلسي رؤيتها الإخراجية لتقدم فيلماً يحتمل الكثير من التطور على مستوى الإخراج، لكن الأهم أنه أدرك أدوات خطابه، ومقصدية رسالته بشفافية وعمق.

كاتب أردني فلسطيني

 

####

 

النجمة فيولا ديفيز لـ«القدس العربي»:

نستحضر مآسي الأفارقة الأمريكيين وتطلعاتهم

حسام عاصي/ لوس أنجليس – «القدس العربي»:

صنع فيلم «قاع ماريني الأسود» تاريخاً الأسبوع الماضي عندما فاز بطلاه الراحل تشادويك بوزمان وفيولا ديفيز بجائزتي «نقابة ممثلي الشاشة» لأفضل ممثل وأفضل ممثلة على التوالي، وهذه هي أول مرة تذهب الجائزتان لممثلين أسودين.

تشادويك، الذي نال شهرته بفضل أدائه دور البطولة في فيلم مارفيل «الفهد الأسود» والذي توفي الصيف الماضي، بسبب مرض السرطان، حصد كل الجوائز الآنفة كـ«الغولدن غلوب» وجوائز جمعيات النقاد، ويتوقع أن يفوز في الأوسكار هذا العام، أما ديفيز فقد رُشحت لكل تلك الجوائز وفازت بجائزتين، من ضمنها جائزة نقابة ممثلي الشاشة، التي تفوز بها للمرة السادسة، لتصبح أكثر الممثلات فوزاً بها. وفضلاً عن كونها أكثر الممثلات الإفريقيات الأصل ترشحاً للأوسكار، حيث نالت أربعة ترشيحات، وفازت مرة واحدة، فإنها أيضاً أول ممثلة سوداء تفوز بجائزة «الإيمي» للتلفزيون، كما تعتبر السوداء الوحيدة التي جمعت بين جوائز «توني» للمسرح و«الإيمي» و«الأوسكار».

في «قاع ماريني الأسود» تقدم ديفيز تقمصاً مذهلاً لشخصية ماريني، إحدى أوائل مطربات البلوز وأهمهم في عشرينيات القرن الماضي، التي سحرت بغنائها آنذاك السود والبيض على حد سواء، وكانت تلقب بأم موسيقى البلوز.

وفي حديث مع ديفيز عبر خدمة زووم، قالت لي إنها سلمت نفسها لكل ما تعرفه عن ماريني. «لأنه في التمثيل، عليك أن تكرم الإنسان الذي تجسده. لا يمكنك تحويله إلى النسخة التي تريحك عن شخص ما. فأردت بالتحديد أن يبدو جسدها بطريقة معينة. كنت أعلم أن وزنها يتجاوز الـ 250 رطلاً وكانت أسنانها ذهبية، ودائماً ما كانت تبدو وكأنها تتصبب عرقاً، ومكياجها عندما أدت عروض الخيمة بدا وكأنه طلاء دهني يذوب من وجهها وباروكاتها المصنوعة من شعر الحصان. بعد ذلك اعتمدت فقط على ما كتبه أوغست ويلسون».

أوغست ويلسون، الحائز على جائزة «بوليتزر» هو كاتب مسرحية «قاع ماريني الأسود» المقتبس عنها الفيلم، وهي واحدة من عشر مسرحيات، معروفة بدورة بتسبرغ، تسرد مآسي الأمريكيين الأفارقة وتطلعاتهم خلال كل عقد في القرن العشرين.

قصة الإنتماء

وقد نالت ديفيز جائزتي «توني» للمسرح عن أدائها دورَي البطولة في مسرحيتين هما: «الملك هيدلي الثاني» و»حواجز» التي أدت دور البطولة في نسختها السينمائية الى جانب دينزل واشنطن، الذي أيضا قام بالإخراج، ونالت الأوسكار عن أداء نفس الدور وهو دور روز.

«أتماهى مع أوغست لأنه يكتب عنا» تعلق ديفيز. «إنه ينتمي للأفارقة الأمريكيين، ويكتب بالطريقة التي نتكلم فيها أنا وعماتي وزوجي وأمي. كل ما عليك فعله هو أن تستسلم لكلماته».

ولد ويلسون لأب ألماني وأم أفريقية عام 1945 في حارة فقيرة يقطنها أفارقة وسوريون وفلسطينيون في مدينة بتسبرغ.

ورغم كون والده أبيض البشرة إلا أنه تعرض للعنصرية منذ صغره. فانضم في الستينات الى منظمة أمة الإسلام، التي كانت ترتكز على تفوق العرق الأسود على العرق الأبيض، وكان متأثراً بتعليمات الزعيم المسلم مالكوم اكس.

وفي عام 1969 اعتنق الإسلام لكي يتزوج من مسلمة وهي بريندا برتون، وأنجبا معاً ابنة واحدة وهي سكينة أنصار. ومع أنه ترك أمة الإسلام بعد طلاقه من برتون عام 1927، إلا أن صدى أفكارها تردد في رواياته، حيث تتصدى شخصيات السود للبيض بشجاعة وترفض الانصياع لهم، تماماً كشخصية ماريني.

«السبب في أن أوغست ويلسون كتب دورة مسرحيات العصر تلك هو كي نتمكن من رؤية كيف أن الثقافة الخارجية كانت تتحكم بالعلاقات والناس فيها» تقول ديفيز «وهذه روعة أوغست ويلسون؛ إنه يعرّف الجمهور بمن نكون وما نحن عليه حقاً، وليس ما يريدوننا أن نكون. لقد كانت ماريني ذلك الشخص الذي يمكنه أن يخبرك قد تظنّ أن هذا ما بإمكانك تجاوزه معي، لكنّك لن تتغلب علي فيه. هذا هو عام 1927 وهو مطلع القرن العشرين، حيث وصلت عمليات الإعدام خارج إطار القانون وقوانين جيم كرو العنصرية إلى ذروتها. لم يكن لدى السود قوانين حقوق التأليف والنشر. وبالتالي كان ذلك امتداداً لما كان يحدث عام 1927». فعلاً فرغم حرمان السود من حقوقهم المدنية ومن العدالة أمام القانون، وتنكل الشرطة والمليشيات العنصرية لهم، إلا أن ما ريني تتسم بجسارة وثقة نفس فائقة. ففي طريقها إلى استوديو باراماونت في شيكاغو لتسجيل ألبومها، تصطدم عربتها بعربة سائق أبيض، فيطالب الشرطة بمعاقبتها، لكنها تتصدى له وتحمله مسؤولية الحادث. فيحضر مدير الأستوديو الأبيض ويتوسل للشرطة أن تتركها وشأنها. ومع ذلك تتجاهل مدير الأستوديو وتعامله باستهتار وكبرياء وتتآمر عليه، مدركة أنه بحاجة لغنائها الذي يدر له الأرباح الهائلة.

«أعتقد أن الأمور كانت كذلك، لكنني لا أظن أن تلك القصص تُروى في هوليوود» توضح ديفيز. «كان هناك مفهوم بأن السود آنذاك حينَ لم يكن لديهم أيَّة حقوق كانت رؤوسهم منحنية دوماً، وكانوا دائماً متملقين وهذا ليس صحيحاً. كان هناك العديد من الحوادث، حيث لجأوا إلى السباب ودافعوا عن أنفسهم، أعتقد أننا ننظر دائماً إلى الشخصيات الملونة من خلال مصفاة البِيض، لكن عندما ترى الأشخاص السود في السياق من خلال كاتب أفريقي أمريكي فإنك ترانا على حقيقتنا».

ماريني تتصرف بفظاظة تجاه البيض والسود، فهي ترفض التسجيل حتى يحضروا لها مشروب كوكا كولا مثلجا، وتفرض على فرقتها الموسيقية أن يسجل ابن أختها الثقيل اللسان افتتاحية الأغنية. «مع أعضاء الفرقة كنت أرغب في إظهار جانبها القيادي ولكن من جهة أخرى أردت أن أظهر جانبها الأمومي مع ابن أختها وجانبها الحنون مع حبيبتها. أشعر وكأن هذا يلخص حقاً العلاقة التي تربطها بهم والاحترام الأساسي بالطبع» توضح ديفيز.
لكن ماريني تواجه متمرداً في فرقتها وهو العازف الشاب الطموح، ليفي (تشادويك بوزمان) الذي يصف أنغامها بالنشاز ويخطط ليحل مكانها ليقدم أنغاماً حديثة تتلاءم مع الزمن. كما يغري حبيبتها الشابة.
«ماريني تكره ليفي» تضحك ديفيز. «عندما تتعرف عليها ربما تكون قد اقتربت من نهاية حياتها المهنية. الأمر كما تقول كاري فيشر: ما الشهرة إلاّ الغموض قبل أن يحضر وهي كانت على مشارف ذلك الغموض. وهنا لديك ليفي، الذي يمثل كل ذلك ويحاول أن يسرق حبيبتي لذلك أراه كتهديد مطلق».

ضحايا للعنصرية

وذلك ما يميز شخصيات ويلسون، فهي ليست مجرد ضحايا للعنصرية في أمريكا، وخصومها ليسوا من البيض وحسب، فويلسون يغوص في مجتمعهم الأسود ويسبر علاقاتهم مع ذويهم. ماريني شخصية مركبة تعيش صراعات نفسية واجتماعية كامرأة وسوداء ومثلية. فهي تصر على استقلاليتها في العمل لتفادي تحكم الرجال بها، وتتحدى المجتمع والقانون بارتباطها رومانسياً وجنسياً مع نساء أخريات، وتخشى المطربين الشباب الذين يحاولون استبدالها بسبب جيلها المتقدم ولا تثق بمدراء الاستوديوهات الذين يحاولون استغلالها. «فعلاً فهو يسبر إنسانيتنا ووجعنا وضعفنا وحسنا الفكاهي ودعاباتنا جميعها» تقول ديفيز. «نحن لسنا مجرد نماذج بدائيّة أو أجهزة لإحداث تغيير في شخصية بيضاء، لدينا استقلالية كاملة في العوالم العشرة، التي كتب عنها وهذا ما يجعله عظيماً بل يمكنك أيضًا الجلوس بيننا». كما يتطرق أوغست إلى علاقة شخصياته مع ربهم؛ ففي أحد المشاهد يثور تشادويك غضباً على الرب بعد أن يسرد قصة والده الذي تم شنقه على يد ميليشيات البيض العنصرية أمام أعينه، بينما كان طفلاً. وعندما حاول عبثاً أن يتصدى لهم، طعنوه بالسكين وما زال أثر ذلك الطعن يذكره بتلك الحادثة المفجعة التي تحرمه من النوم». «في الكثير من أفلام السود كانت لدينا مشاهد صادمة، حتى بعد اغتصاب أطفالنا وقتلهم وتشويههم ترانا لا نزال نحمد الرب، لكنني أعلم أنه في الحياة على أرض الواقع عندما يحدث أي شيء كارثي أول من تغضب منه هو الله، لأنه سمح بذلك» تقول ديفيز. ويلسون أوصى بمنع الطقوس الدينية في جنازته، كما رفض طرح رواياته سينمائياً على يد مخرجين أو منتجين بيض، إلى أن تعهد النجم الهوليوودي دينزل واشنطن بإنتاجها كلها، مستهلاً بـ «حواجز» الذي نال أربعة ترشيحات أوسكار وفاز بواحدة عام 2017. أما «قاع ماريني الأسود» فقد نال خمسة ترشيحات أوسكار ويتصدر حالياً تكهنات الفوز بجائزتي أفضل ممثل، وأفضل ممثلة لبوزمان وديفيز.

 

القدس العربي اللندنية في

18.04.2021

 
 
 
 
 

هوليوود: خطوات نحو تحسين تمثيل ذوي الاحتياجات الخاصة

(فرانس برس)

تضم ترشيحات جوائز الأوسكار هذا العام أعمالاً عدة تتمحور حول ذوي الإعاقات، في خطوة حاسمة نحو تعزيز تمثيل هذه الفئة في هوليوود، غير أن خبراء في قطاع السينما يؤكدون ضرورة بذل جهود أكبر في هذا المجال.

ويقول المرشح لجائزة أوسكار أفضل ممثل بدور ثانوي عن فيلم "ساوند أوف ميتال"، الذي يتناول قصة عازف درامز يفقد السمع، بول راسي، إن استوديوهات هوليوود "لم تقم بعمل جيد قبلاً، لكنهم يعلمون ذلك ونحن هنا لنخبرهم بالأمر".

ويعتبر الممثل المولود لوالدين أصمّين، والذي عانى اضطرابات في السمع، أنه "واحد من الأشخاص الذين يجب أن يكونوا في المقدمة لمنع تراجع الزخم".

ويوضح لوكالة "فرانس برس" أن "علينا تذكيرهم بجميع الفنانين الصمّ وذوي الاحتياجات الخاصة الموجودين لدينا، وجميع العباقرة الموجودين هنا".

ويبدو الحذر مبرراً، خصوصاً لكونها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها قطاع السينما تحقيق تقدم في الموضوع قبل العودة إلى عاداته القديمة.

ففي 1948، فازت جاين ويمان، وهي ممثلة لا تعاني اضطرابات في السمع، بجائزة أوسكار عن دورها كامرأة صمّاء في "جوني بيليندا". لكن راسي يرى أن إسناد هذا الدور إليها وليس إلى شخص يعاني فعلا إعاقات سمعية كان خيارا غير موفق.

كذلك سجلت هوليوود تقدماً كبيراً سنة 1987 مع منح جائزة أوسكار أفضل ممثلة إلى مارلي ماتلين، وهي امرأة صمّاء، عن دورها في فيلم "تشيلدرن أوف إيه ليسر غاد".

غير أن الجوائز التي تكافئ فنانين من ذوي الإعاقات لا تزال قليلة جداً مقارنة مع التقدم المسجل على صعيد تمثيل الأقليات الإثنية أو المثليين على الشاشة الكبيرة.

ويقول دوغ رولاند، مخرج فيلم "فيلينغ ثرو" القصير المرشح هذه السنة للأوسكار، إن "ذوي الاحتياجات الخاصة غالباً ما يكونون في المرتبة الأخيرة بين هذه الفئات المهمشة".

ويوضح المخرج، الذي لا يعاني إعاقات جسدية، أن فيلمه مستوحى من لقائه مع رجل أصمّ وضرير كان يحتاج للمساعدة في اجتياز طريق في نيويورك.

نظرة دونية

واستعان دوغ رولاند في فيلم "فيلينغ ثرو" بالممثل روبرت تارانغو، الذي أصبح أول شخص أصمّ وأعمى يؤدي دوراً رئيسياً في فيلم.

وبفضل هذا الفيلم القصير الذي حاز دعم مارلي ماتلين كمنتجة منفذة، يرغب المخرج في إسماع صوت ذوي الإعاقات.

غير أن هذا الكفاح دونه عقبات كبيرة في قطاع الترفيه، حيث لا تزال الأفكار النمطية "متجذرة بعمق"، من دون أن يكون الأشخاص على دراية بذلك في أغلب الأحيان، وفق دوغ رولاند.

ويقول إن ذوي الإعاقات غالباً ما يُنظر إليهم بنظرة "دونية"، كما لو أنهم "أشخاص غير مكتملين حتى".

ويؤكد راسي أن "الناس يخافون مما لا يعرفونه أو يشعرون بأنهم مهددون"، مضيفاً "الصمم إعاقة غير مرئية، إذ لا يشي أحد لدى أي كان بأنه أصم"، بحسب الممثل.

وبسبب النقص في التجهيزات الملائمة، يشكل النفاذ إلى مواقع التصوير مهمة مستحيلة لبعض الفنانين ذوي الإعاقات الحركية أو البصرية.

وقد وجّه نجوم في هوليوود، بينهم إيمي بولر وناومي هاريس، رسالة مفتوحة إلى شركات الإنتاج السينمائي، تحضهم على الاستعانة بصورة طارئة بأخصائيين في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة لإزالة هذه العقبات".

الأقلية الأكبر

ولمحاولة تغيير الأوضاع، أطلق الممثل نيك نوفيكي سنة 2013 جائزة سينمائية، تشترط أن يكون عضو واحد على الأقل في الفريق الفني أو طاقم الممثلين من ذوي الإعاقات.

ويقول نوفيكي "عندما بدأت في ذلك، كنا نعاني حقًا سوء تمثيل أكثر بكثير مما هو الوضع حالياً". وكان الممثل الذي يعاني شكلاً من أشكال التقزّم قد سئم من إسناد صنّاع الأفلام إليه الأدوار المرتبطة حصراً بقصر قامته.

ومن الأعمال المرشحة أيضاً هذه السنة لجوائز الأوسكار، فيلم "كريب كامب" الوثائقي، الذي أنتجته شركة أسسها باراك وميشال أوباما. وهو يتناول إقامة مخيم للعطلات للشباب ذوي الاحتياجات الخاصة في سبعينيات القرن العشرين، والدور الحاسم الذي أداه ذلك في الدفاع عن حقوق ذوي الإعاقات في الولايات المتحدة.

ويؤكد نوفيكي أن "هذا من أجمل الأفلام التي أعرفها وأكثرها نبذاً للإقصاء"، مشيداً بعمل مساعد المخرج جيمس لوبريشت، وهو شخص مقعد.

ويقول إن عدد ذوي الإعاقات يُقدّر بمئات الملايين حول العالم، ما يجعلهم "الأقلية الأكبر"، داعيا إلى منح أفراد هذه الفئة مكانتها الصحيحة في الأفلام.

 

العربي الجديد اللندنية في

19.04.2021

 
 
 
 
 

بافتا 2021: تنوع حقيقي في عالم افتراضي

سناء عبد العزيز

كان من المتوقع أن يختلف حفل توزيع جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام هذا العام عنه في العام الماضي. وليس ذلك بسبب ما فرضته الموجات المتتالية لفيروس كورونا من أجواء شديدة العزلة، بل بالأحرى، نتيجة للتحول المذهل الذي شهدته الجوائز على مدار العام السابق بأكمله، وهو ما أمكن استشفافه عبر قوائم البافتا القصيرة قبل الإعلان عن نتائجها النهائية، متمثلًا في اتساع نطاق المرشحين وتنوعهم، وترشيح 16 شخصًا ضمن 24 من ذوي البشرة الملونة، وأربع من المخرجات لأول مرة في تاريخ الجائزة.

لم تقتصر هذه التغييرات على ترشيحات الأفلام فحسب، بل امتدت إلى العضوية، والمصوتين، ودور الحكام في التصفيات النهائية. كأن الهيئة المانحة للجوائز تبرهن على براءتها من رد الفعل العنيف لهشتاغ #BaftasSoWhite، الذي انتشر في العام الماضي. وبقدر ما تشير هذه التغيرات إلى تطورها الإيجابي بعد أن اتهمت بالتحيز للمشاهير من ذوي البشرة البيضاء، تفتح طريقًا غير مسبوق نحو الهامش.

بدء الحفل الافتراضي

عوضًا عن الحفل السنوي المعتاد، بثت الأكاديمية البريطانية للأفلام حفلها الافتراضي هذا العام على مدار ليلتين، 10 ـ 11 أبريل/ نيسان، من قاعة رويال الملكية بلندن، من دون جمهور، أو سجادة حمراء. التقى فيه المشاركون عبر الفيديو، لمتابعة التتويجات بالجوائز، ولتجاوز الخلل الفني في جوائز "غولدن غلوب"، التي أعلنت قبل أسابيع، قام فريق بافتا بفاصل زمني مدته ساعتان ونصف الساعة بين الحفل الفعلي وبثه، لتفادي مشاكل زووم من جهة، ومحو الألفاظ الخادشة من جهة أخرى.

"ذهبت جائزة أفضل طاقم تمثيل لبطلات الفيلم الدرامي البريطاني "روكس/ Rocks"، رغم ميزانيته المنخفضة، ورغم أن طاقمه فتيات مراهقات يقف معظمهن أمام الكاميرا للمرة الأولى"

خصصت الليلة الأولى لتوزيع الجوائز التقنية التي غالبًا ما يتم تجاهلها، أو حذفها، ببساطة من الحفل، بعد تكريم اسم الأمير الراحل فيليب، دوق إدنبرة، وأول رئيس لـ"بافتا"، الذي توفي قبل يومين من الحفل. وشملت جائزة أفضل مؤثرات بصرية لفيلم الإثارة والخيال العلمي "عقيدة/ Tenet"، من تأليف وإخراج كريستوفر نولان، وهو أول فيلم لنولان بعد غياب طويل. كما ذهبت جائزة أفضل طاقم تمثيل لبطلات الفيلم الدرامي البريطاني "روكس/ Rocks"، رغم ميزانيته المنخفضة، ورغم أن طاقمه من الفتيات المراهقات يقف معظمه أمام الكاميرا للمرة الأولى، إخراج سارة غافرون. بينما فاز فيلم الدراما الأميركي "رقصة ما ريني/ Ma Rainey’s Black Bottom" بجائزتين؛ أفضل تصميم ملابس وأفضل مكياج وتصفيف شعر، بطولة الممثل الراحل تشادويك بوسمان في دوره الأخير الذي ترشح عنه لأكثر من جائزة. أما "مانك/ Mank"، للمخرج الأميركي ديفيد فينتشر، الذي يتناول حياة كاتب سيناريو فيلم المواطن كين، هيرمان جي مانكيفيتش، فبعد أن تصدر السباق إلى جوائز الأوسكار، فاز بجائزة أفضل تصميم إنتاج، وفاز بجائزة الصوت وأفضل مونتاج الفيلم الدرامي الأميركي "صوت المعدن/ Sound of Metal"، من إخراج داريوس ماردر.

شملت الليلة الأولى، أيضًا، الإعلان عن جائزة أفضل فيلم بريطاني قصير، التي ذهبت إلى الفيلم الفلسطيني "الهدية/ The Present"، المرشّح للدورة الثالثة والتسعين من الأوسكار، وهو التجربة الإخراجية الأولى لفرح النابلسي. وتدور أحداثه حول معاناة الشعب الفلسطيني في اجتياز المعابر، ونقاط التفتيش الإسرائيلية، من خلال رحلة أب مع ابنته الصغيرة نحو بلدة قريبة لشراء هدية لأمها بمناسبة عيد زواجهما. وفي كلمتها التي وجهتها عبر الإنترنت، شكرت النابلسي القائمين على الجائزة، وفريق العمل الذي ساعدها على إنجاز هذا الفيلم، وأهدت الجائزة للشعب الفلسطيني الصبور. وحصل فيلم "البومة والقطيطة/ The Owl and the Pussycat" على جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة قصير، قبل أن تختتم بافتا ليلتها الأولى بمنح جائزة أفضل مساهمة بريطانية في السينما للممثل والمخرج والمنتج وكاتب السيناريو، نويل كلارك.

جولة أخرى

وزعت الجوائز الـ 17 المتبقية في الليلة التالية على قناة "بي بي سي 1"، وكان من نصيب الفيلم الأميركي "نومادلاند" 4 جوائز، منها: جائزة أفضل فيلم، وجائزة أفضل تصوير سينمائي، ومنحت بطلته فرنسيس ماكدورماند جائزة أفضل ممثلة دور رئيسي. لم تكن ماكدورماند حاضرة افتراضيًا، غير أنها بعثت برسالة نقلها المقدم ريتشارد إي غرانت، وتقول فيها: "شكرًا أيها الشعب البريطاني العزيز، أقبل بتواضع هذه الجائزة نيابة عن قبيلة نومادلاند". وبفوز مخرجته كلوي تشاو، دخلت التاريخ باعتبارها ثاني امرأة تحصل على هذه الجائزة، والأولى منذ سنوات طويلة. سبق لـ"نومادلاند" أن توج بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي، وما زال ينتظر جولة أخرى مع جوائز الأوسكار بعد أيام.

"بافتا في نسختها الـ 74 منحت هوبكنز جائزتها عن أفضل ممثل رئيسي في فيلم "الأب"، الذي نال استحسان النقاد والجمهور، وحصل، أيضًا، على جائزة أفضل سيناريو مقتبس"

مع الإتيان على ذكر "جولة أخرى"؛ الفيلم البارز والممتع والرهيف، الذي فاز بجائزة البافتا لأفضل فيلم أجنبي، ظهر توماس فينتربيرغ مرتديًا بدلة رسمية ومحاطًا بزملائه وعائلته في كوبنهاغن، وهو يقول: "راودتني قليل من الشكوك حول أن يعجب البريطانيون بفيلم عن الشرب"، ثم شكر ابنته إيدا، المؤيدة المتحمسة للمشروع التي ماتت بشكل مأساوي في بداية تصوير الفيلم، مشيرًا إلى أن "التكريم الذي حظينا به يعني لنا أكثر مما تتخيلونه".
كان لفيلم الكوميديا السوداء "شابة واعدة/ Promising Young Woman" الذي كتبته وأخرجته وشاركت في إنتاجه إيميرالد فينيل، حظّ في جائزتين؛ جائزة أفضل سيناريو أصلي، وأفضل فيلم بريطاني، تسلمتهما فينيل من منزلها، موجهة الشكر لبطلته كاري موليجان على براعتها في الأداء، وهو ما أسهم في نجاح الفيلم

زهايمر الأب وحكمة الجدة في "ميناري"

لعل محبي الممثل الشهير، أنتوني هوبكنز، توقعوا له الفوز بكثير من الجوائز عن أدائه المميز في فيلم "الأب/ The Father"، منها جائزة "غولدن غلوب"، التي ذهبت بضربة قدر للراحل تشادويك بوسمان عن "رقصة ما ريني"، لكن بافتا في نسختها الـ 74 منحت هوبكنز جائزتها عن أفضل ممثل رئيسي في الفيلم الذي نال استحسان النقاد والجمهور، وحصل، أيضًا، على جائزة أفضل سيناريو مقتبس. وفي اجتماع عبر الإنترنت، شارك هوبكنز صناع فيلمه سعادته بفوزه الذي قد يجرب مرة أخرى مع الأوسكار، ونشر على صفحته الشخصية مقطعًا منه.

في فئة جائزة أفضل ممثل مساعد، نال دانيال كالويا جائزة عن دوره في فيلم "يهوذا والمسيح الأسود/ Judas and the Black Messiah"، وهي الجائزة المرشح لها في الأوسكار عن الدور نفسه، بينما تستمر بطلة فيلم "ميناري/ Minari" الكورية يون يوه جونج، في تحقيق إنجازاتها غير المسبوقة، بحصولها على جائزة أفضل ممثلة مساعدة، لتصبح أول امرأة آسيوية تفوز فيها. وفي مقطع طريف، أثار ضحك الجميع، ذكرت أن اختيارها ينفي إشاعة أن الشعب البريطاني "متغطرس"، كما يصفونه.

زمالة بافتا.. أعلى وسام تقدير

منحت الأكاديمية جائزة زمالة بافتا هذا العام، وهي أعلى وسام تقديرًا لـ "الإنجاز المتميز في الصورة المتحركة"، للمخرج التايواني، آنج لي، الحاصل على ثلاث جوائز أوسكار، فضلًا عن عدة جوائز أخرى.

"جائزة أفضل فيلم بريطاني قصير ذهبت للفيلم الفلسطيني "الهدية/ The Present"، المرشّح للدورة الثالثة والتسعين من الأوسكار، وهو التجربة الإخراجية الأولى لفرح النابلسي"

وفي مقطع فيديو، أبدى "لي" تقديره الخاص لهذا الحب، لأن بريطانيا كانت "السوق الوحيدة" التي حقق فيها فيلمه "عاصفة ثلجية/ The Ice Storm" أية إيرادات. "أنا مدين لهم بكثير، إذ جعلوني أتجرأ على المغامرة في العديد من أنواع الأفلام الأخرى، وأمدوني بالشجاعة لتوسيع آفاق رؤيتي وفتح قلبي. بالنسبة لي، هذا ما تدور حوله صناعة الأفلام: الشجاعة على جعل أنفسنا تنفتح على الحقيقة من خلال القصة ومن خلال المشهد والصوت المنعكس على تلك الشاشة الفضية. هكذا تواصلت مع العالم، وهذا ما أحب أن أفعله. إن الحصول على هذه الجائزة يمثل تقديرًا للأشخاص الذين يتواصلون بالطريقة نفسها".

بافتا في ثوب جديد

على مدار العشرين عامًا الماضية، حرصت الأكاديمية البريطانية للأفلام على أن يقام حفلها قبل أسبوعين من حفل الأوسكار، وهو ما أكسبها ذيوعًا خاصًا، ومع إرجاء موعد إقامة الحفل هذا العام لمدة شهرين، وبدء المرحلة النهائية للتصويت على جوائز الأوسكار، باتت هي الفرصة الأخيرة للفت انتباه أولئك الذين لم يصوتوا بعد على ترشيحات الأوسكار. مع كل ذلك، فإن شيئًا من المغالاة يشوب تلك التغييرات الإيجابية الطموحة، وبخاصة بعد أن انتقدت في عام 2020، بسبب قائمتها العتيقة التقليدية والمثيرة للإزعاج، فإذا بها تنفض عنها غبار الماضي في نسختها الـ74، بنحوٍ، وإن بدا مبالغًا فيه، يكشف عن مدى التصلب في جوائز أخرى، ويفضي إلى تنوع حقيقي في حفل افتراضي.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

18.04.2021

 
 
 
 
 

تفاصيل حفل الأوسكار المقبل في ثوب جديد .. كمامات ومجال أكبر للحديث

كتب: رويترز |

قال منتجو حفل جوائز الأوسكار المقرر الأسبوع المقبل، إن الاحتفال سيبدو في هيئة فيلم إذ سيُمنح الفائزون وقتا أطول للحديث كما ستلعب الكمامات دورا رئيسيا فيه.

كان الوباء و3 من المنتجين الجدد وراء ابتكار نسخة جديدة للحفل التقليدي الذي يمنح أرفع الجوائز في عالم السينما في حضور آلاف من النجوم وكبار التنفيذيين بالقطاع.

وستقام معظم فقرات حفل 25 أبريل في محطة قطارات يونيون بوسط مدينة لوس انجلوس حيث يقام مسرح لهذه المناسبة.

وقال المخرج ستيفن سودربيرج، الذي ينتج الحفل بالتعاون مع ستيسي شير وجيسي كولينز، خلال مؤتمر صحفي: «لن يكون (الحفل) مثل أي حفل نُظم في السابق».

وأضاف سودربيرج الذي أخرج فيلم «عدوى» (كونتيجن) عام 2011 إن الوباء «فتح المجال لتجريب شيء لم يجر تجربته من قبل».

وقال سودربيرج إن الحفل سيصور كفيلم حيث سيجسد المقدمون، ومنهم براد بيت وهاريسون فورد وهالي بيري، «أنفسهم أو نسخة من أنفسهم على الأقل».

كانت كلمات الفائزين بالأوسكار في السابق تقتصر على نحو 45 ثانية لكن سودربيرج قال إن حفل هذا العام «سيفسح لهم المجال. سنشجعهم على أن يحكوا قصة ويتحدثون عن شيء شخصي».

وسيتمكن المرشحون الذين سيتعذر عليهم السفر إلى لوس انجليس من المشاركة عبر اتصال بالأقمار الصناعية من مناطق شتى بأنحاء العالم لكن الحفل لن يسمح بالمشاركة عبر تطبيق زوم.

 

المصري اليوم في

18.04.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004