ملفات خاصة

 
 
 

"الموريتاني".. غوانتانامو صنع وحوشا بشرية من أناس أبرياء

طاهر علوان

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثالثة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

الفيلم يفضح ما ارتكبته الإدارة الأميركية من فظائع.

صورة الإرهاب والإرهابيين كانت ولا تزال علامة فارقة في السينما الأميركية. وهو تراكم طويل كان العرب والمسلمون أول ضحاياه. فلم تنصف تلك الأفلام قط مجتمعات بملايين من البشر حيث أظهرت أسوأ ما فيها من شخصيات. لكن هناك أفلام أخرى كشفت خفايا أكثر صدقا عن واقع العرب المشوهين على غرار فيلم “الموريتاني”.

كرست السينما الأميركية صورة مزرية للعرب كان قد ناقشها الراحل جاك شاهين في كتاب قيم عن صورة العرب الأشرار في السينما الأميركية، مستعرضا عشرات من الأفلام منذ بدايات السينما الأميركية حتى سنوات قريبة من وفاته.

 صورة الموريتاني والعربي والمسلم عموماً وقد اقترنت بأسوأ بقعة مكانية على مر التاريخ ألا وهي سجن غوانتانامو الفضيع، هي ما نشاهده من خلال فيلم “الموريتاني” للمخرج الأسكتلاندي كيفن مكدونالد في إضافة أخرى لمنجزه الممتد لعشرات من الأفلام الروائية ونيل جائزة الأوسكار عن فيلم وثائقي.

الفيلم له خطان دراميان وسرديان يسيران بالتوازي وهما الخط الذي تمثله المحامية والخط الذي يقوده المحقق العسكري

خطان دراميان

الموريتاني محمد ولد صالحي (الممثل الجزائري – الفرنسي طاهر رحيم) سوف يظهر في لقطات سريعة يفتتح بها الفيلم، وهو يمضي فيها عطلته بصحبة أهله وأقاربه في حفل زفاف عائلي، لتصله قوة من البوليس، وينتهي به الأمر مختفيا طيلة ثلاث سنوات ولا يعلم أحد عنه شيئا.

ولد صالحي شخصية حقيقية كان قد حصل على منحة دراسية في ألمانيا، وبمجرد وصوله إلى بلاده وحيث كانت قضية إرهاب 11 سبتمبر في ذروتها وبوش يصول ويجول حاملا راية البطولة والشجاعة يكون قد انتهى به المطاف إلى غوانتانامو.

في التفاصيل الأخرى السجناء المعزولون عن العالم وتدار في حقهم عمليات نفسية معقدة وعمليات تعذيب وانتزاع للمعلومات سوف يمرّ بها ولد صالحي فيما هو يكتب رسائله.

سوف يجد ولد صالحي نفسه في إطار ثلاث شخصيات هي التي سوف تقلب مصيره بشكل كامل، وهم المحامية الشرسة نانسي هولاندر (الممثلة جودي فوستر) ومساعدتها تيري دونكان (الممثلة شيرين وودلي) والمحقق العسكري ستيوارت كوتش سيديل (الممثل بينيدكت كومبرباتش).

الطبيعة المكانية المعلومة لسجن غوانتانامو والشخصيات من الجلادين والمحققين تتكامل في ذهن هولاندر وهي تشرع في قراءة ملف ولد صالحي ولتكتشف اعترافاته تحت التعذيب وكل جريمته أن قريبا له التحق ببن لادن وأراد أن يطمئن عائلته فاتصل بولد صالحي بهاتف أقمار صناعية يعود لبن لادن، لكن ذلك لا يكفي إذ يتم مرارا وتكرارا عرض أسماء مروان الشحي ورمزي بن الشيبة وغيرهم من الشخصيات المتورطة في جريمة سبتمبر.

يستخدم المخرج العديد من طرق السرد السينمائي لتجاوز النمطية المعتادة في مثل هذه الافلام، فهو يغوص في شخصية ولد الصالحي ويعود به إلى ذكرياته وطفولته التي تتكشف تباعا، وبذلك فإنه ظل يحاكي شخصية بشرية عادية وليس وحشا، ومن هنا سوف تكشف الرسائل التي سوف يكتبها عن العالم الحقيقي الذي يعيش فيه وهي الرسائل التي تمت مراقبتها من طرف الاستخبارات التي تدير المعتقل وشطب أبرز ما فيها من حقائق.

وخلال ذلك كان هنالك خطّان دراميان وسرديان يسيران بالتوازي وهما الخط الذي تمثله المحامية الشرسة نانسي ومساعدتها والخط الذي يقوده المحقق العسكري، فالمحامية كما سيظهر ليست معنية بالدفاع عن ولد الصالحي بقدر دفاعها عن الحقيقة وهو ما سيظهر عندما تقرر مساعدتها ترك العمل في الملف متأثرة بدعاية شرسة ضد تلك الوحوش البشرية.

في المقابل يرسم المخرج دورا مختلفا للمحقق العسكري الذي هو أيضا باحث عن الحقيقة المجردة، بينما رؤساؤه يحثّونه على سرعة إصدار قرار الإحالة بأقصى عقوبة ضد ولد صالحي، بينما هو يبحث عن أدلة كافية للإدانة.

ماكنة سلطوية

الكل يدور مع دوران ماكنة سلطوية مقفلة لا قرار لها ومجرد سماع أي اسم مرتبط بأحداث 11 سبتمبر فهو وحش بشري مهما كان، لكن للمحامية والمحقق العسكري وقفات أمام أطنان من الوثائق والاعترافات المكدسة في صناديق المخابرات والمحققين وكلّها بلا أدلة وفيما ولد صالحي يمضي سنوات امتدت الى 14 عاما بلا دليل إدانة ولا حكم قطعي.

على أن التحوّل الذي يشترك به كل من المحامية والمحقق على السواء هو ساعة أن يلتقيا في إطار حبكة درامية قوية سوف تدفع بالأحداث إلى الأمام، وهي اطلاع المحامية على الرسائل الشخصية لولد صالحي والتي يروي فيها لعائلته وأمه الحقيقة، ويشرح يومياته، وعلى الجانب الآخر التسجيلات شديدة السرية التي اطلع عليها المحقق العسكري والتي تكشف كيف تم تطبيق بروتوكولات التعذيب الممنهج بحق ولد صالحي بحسب توجيهات وزير الدفاع اليميني المتطرف في عهد بوش ديفيد رامسفيلد.

ولنعد إلى معطيات راسخة في تلك التراجيديا وهي ارتباط ذلك المكان وتلك الشخصيات بعمليات تعذيب ليس لها مثيل في التاريخ، وكان على المخرج فضحها بالكامل من خلال مشاهد مصنوعة بعناية شديدة هي خلاصة العبقرية الأميركية في انتزاع الاعترافات من الإيهام بالغرق والحرمان من النوم والسجن في مكان شديد البرودة والاعتداءات والتحرشات الجنسية وغيرها كثير.

يكفي أن قصة ولد صالحي البريء بعد 14 عاما من السجن في غوانتانامو والتعذيب الممنهج انتهت به حرّا لتتحول قصّته إلى موضوع عالمي ينتهي بنشر يومياته في غوانتانامو في كتاب ترجم إلى العديد من لغات العالم، وهو ما يظهر في لقطات وثائقية مؤثرة في نهاية الفيلم.

كاتب عراقي مقيم في لندن

 

العرب اللندنية في

02.05.2021

 
 
 
 
 

الفيلم الأمريكي «يهوذا والمسيح الأسود»:

هوليوود تُعرّي ذاتها العنصرية

مروان ياسين الدليمي

بعد مشاهدة الفيلم الأمريكي «يهوذا والمسيح الأسود» إنتاج 2021 للمخرج شاكا كينغ، يبرز أمامنا تساؤل مهم: هل يمكننا القول بأن هوليوود بدأت فعلا خلال السنين الأخيرة تعيد النظر في خطابها العنصري ضد السود، بعد ان مارست ضدهم طيلة العقود الماضية سياسة وحشية، عمدت فيها إلى شيطنتهم واحتقارهم، تماما مثلما فعلت مع الهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا؟

يمكن الاستدلال من خلال هذا الفيلم إلى هذا المتغير، نظرا لأهمية المادة التاريخية التي تناولها، والمتعلقة بحزب الفهود السود» الذي تأسس عام 1966 في كاليفورنيا من قبل هيوي ب. نيوتن وبوبي سيل. ما ينبغي الإشارة إليه في هذا السياق، ان هامش التحول النوعي الذي بدأنا نشهده، في بنية الخطاب الفني لمجموعة أفلام عرضت خلال الفترة القصيرة الماضية، إذا ما قورن بالتاريخ الطويل للسينما الأمريكية الذي تجاوز المئة عام، نجده لا يكفي لتحقيق تصالح مع الذات، بالقياس إلى الكم الكبير الذي أنتجته هوليوود من أفلام كانت في معظمها تميل بشكل صريح إلى عدم إنصاف السود، وما تعرضوا له من تمييز عنصري. ومع ذلك علينا ان نكون على قدر من التفاؤل، فنحسب هذا الفيلم نظرا لجرأة ما طرحه، في إطار تعديل الانحراف الفكري الذي كان قد أصاب العقلية الأمريكية تجاه السود وبقية الأقليات والشعوب، منذ ان زحفت قوافل المغامرين والباحثين عن الذهب من القارة الأوروبية باتجاه القارة البكر قبل أكثر من عقدين من الزمان.

جرأة الفيلم تأتي من انه أماط اللثام عن تورط مكتب التحقيقات الفيدرالي في عمليات تجنيد عدد من العملاء السود داخل حركة الفهود، مثل وليام أونيل (لعب دوره الممثل ليكيث ستانفيلد) الذي كان الشخصية المحورية، بالتالي كان هؤلاء العملاء سببا رئيسيا في ما تعرضت له الحركة من عمليات اتسمت بالعنف المفرط من قبل الشرطة الاتحادية، وبسببها تكبد الفهود خسائر بشرية، ربما أكثرها فداحتها قادتها، أبرزهم نائب قائد الحركة في ولاية الينوي فريد هامبتون، الذي لم يتجاوز الواحد والعشرين من عمره ساعة مقتله (لعب دوره الممثل دانيال كالويا) إضافة إلى ممارسات أخرى تورط فيها مكتب التحقيق الفيدرالي كشف عنها الفيلم، مثل توزيع منشورات مضللة باسم الحركة بهدف تشويه سمعتها وخلق انشقاقات داخلية وايقاعها في نزاعات مع جماعات مسلحة سوداء، كانت تقاتل هي الأخرى دفاعا عن حقوق السود ولكن بوسائل أخرى لا تلتقي مع الافكار الماركسية التي تبناها الفهود. وقد أدرك مكتب التحقيقات الفيدرالي خطورة التحركات التي أقدم عليها هامبتون عندما بدأ يعمل على تشكيل تحالفات مع عصابات وميليشيات مؤثرة كانت تنافسه في الحضور والنفوذ بين أوساط السود، إضافة إلى انه نجح في ان يمد نطاق التواصل المجتمعي مع حركته من خلال برنامج الإفطار المجاني للأطفال وإقامة المستوصفات المجانية وتشجيع التعليم للأطفال السود، والذي ساعده على تحقيق تلك المكاسب ما كان يمتلكه من مهارات عالية في إلقاء الخطب الحماسية، بالتالي نجح في تشكيل تحالف متعدد الأعراق لا يضم السود فقط بل جماعات من البيض الرافضين للنظام الرأسمالي.

دلالة العنوان

جاءت الدلالة الرمزية لعنوان الفيلم خيارا استعاريا موفقا جدا، لانه استدعى حدثا تاريخيا خالدا في الذاكرة الجمعية للأمريكان، من ذوي الأصول الأفريقية، وأخذ به إلى ناحية ما يؤسسه فعل الخيانة من تداعيات خطيرة سواء في الماضي البعيد أو الحاضر، بالتالي يصعب محو نتائجها وآثارها، مهما تقادم الزمن عليها، ليس على الذين وقعوا ضحية للخيانة فقط، بل إلى من تورط في ارتكاب هذا الفعل المشين، لتبدو الخيانة بمثابة لعنة قدرية تلاحق الخونة وتقض مضاجعهم ولابد من ان تقتص منهم في يوما، مثلما حصل لوليام أونيل الذي اختار طريق الانتحار خلاصا من عذابات الضمير. ومن هنا نجد التعالق قائما من الناحية الرمزية بين حكاية الفيلم والسردية التاريخية للعلاقة التي حكمت يهوذا بالمسيح.

خطاب الفيلم السيري ذاتي، يتحدث عن الزعيم الأسود فريد هامبتون نائب رئيس حركة الفهود السود في ولاية ايلنوي، الذي حظي نجمه النضالي بالصعود في خمسينات وستينات القرن الماضي بين الأمريكان من ذوي الأصول الأفريقية، والنهاية السريعة التي انتهت بها حياته، بعد ان تعرض للخيانة من قبل شخص أسود يدعى ويليام أونيل، سبق له ان مارس النصب والاحتيال والسرقة وهو في عمر السابعة عشرة، قبل ان يصبح أبرز عنصر أمني في حماية هامبتون نفسه، وجاء سقوطه في مستنقع الخيانة بفعل عملية مساومة مارسها معه ضابط كبير اسمه روي ميتشل يعمل في مكتب التحقيقات الفيدرالي، خيره بين ان يدخل السجن بسبب تورطه في عملية انتحال لصفة ضابط في مكتب التحقيقات حتى يتمكن من سرقة إحدى السيارات أو أن يصبح عميلا متخفيا داخل حركة الفهود السود، وكانت عملية اختياره من قبل الضابط ميتشل قد تمت بعد ان وجد فيه نقاط ضعف يمكن استثمارها لصالح تجنيده، أبرزها رغبته الشديدة في ان يصبح شخصا ثريا مهما كان الثمن، وبذلك قدم أونيل لمكتب التحقيقات ما تحتاجه من معلومات، أدت إلى سحق عدد كبير من أعضاء الحركة بعد ان داهمت الشرطة الاتحادية مقراتها، ومن ذلك نجد الفيلم لا يخرج في تصنيفه عن أفلام السيرة، رغم ان السيناريو لم يتوسع كثيرا في متابعة السيرة الذاتية للشخصية المحورية فريد هامبتون بقدر ما كان محوره الأساسي، نسج حبكة درامية تفضح الممارسات المشينة التي تورط بها مكتب التحقيقات الفيدرالي بهدف تصفية وتشويه وإضعاف الحركات الثورية للسود، وتحقق هذا المنحى في البناء عبر التركيز على شخصية ويليام أونيل بنفس القدر الذي ناله فريد هامبتون من اهتمام وربما أكثر.

يتحول القوس العاطفي في حبكة الفيلم عندما يقع هامبتون في حب ديبورا جونسون، التي كانت إحدى المنتميات إلى حركة الفهود السود، وبعد القبض على هامبتون وسجنه بزعم سرقته ما قيمته 71 دولارا فقط من جهاز الآيس كريم، يبدأ أونيل في الصعود إلى رتبة نقيب أمن في مكتب التحقيقات، وعندما يحدث تبادل لإطلاق النار بين شرطة شيكاغو وأعضاء حركة الفهود في مكتب الفرع، يتسلل أونيل من الباب الخلفي للمبنى وينجح في الهرب، بينما يُقتل عدد من عناصر الحركة ويتم اعتقال البقية. وعلى اثر ذلك يحاول أونيل الإقلاع عن كونه مخبراً ولكن الضابط ميتشل يذكره بامكانية زجه بالسجن لتورطه في انتحال صفة ضابط في الشرطة وسرقة سيارة، فيضطر إلى الاستمرار في العمل. ومن بعد ان يتم إطلاق سراح فريد هامبتون من السجن، ويلتم شمله مع ديبورا التي كانت حاملا بطفله، يأمر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيه إدغار هوفر إنهاء حياة هامبتون قبل ان يستأنف قضيته أمام المحكمة. فيُستدعى أونيل من قبل الضابط ميتشل لكي يساعد المكتب في وضع خطة للخلاص من هامبتون، وكانت وسيلة ميتشل بالضغط على أونيل تذكيره تحذيره من أن حركة الفهود السود، ستنتقم منه إذا اكتشفوا أنه مخبر، فيرضخ للأمر الواقع ويوافق، فيستلم قنينة مهدئات يضع ما بداخلها من مسحوق في مشروب هامبتون أثناء اجتماع الحركة، وفي هذا اللقاء يعرض زعيم عصابة متحالفة مع حركة الفهود على هامبتون ما يكفيه من المال للفرار من البلاد إلى كوبا أو الجزائر تجنبا لمحاكمته وسجنه، لكنه يرفض، وبدلاً من ذلك يأمر بان يتحول هذا المال لتأسيس صندوق لدعم وعلاج المرضى تحت اسم رفيقه جيك الذي سبق ان قتلته الشرطة. ومع تقدم المساء يحتسي هامبتون المشروب، بينما يغادر أونيل المكان، وبعد ساعات تقتحم الشرطة المكان وتقتل عددا من أفراد الحركة وتطلق النار على هامبتون الذي كان غارقا في حالة من الغيبوبة، وكانت مكافأة أونيل من قبل الضابط ميتشل ان منحه مالا ومفاتيح محطة للوقود أصبحت ملكا له.

قيمة الوثيقة

اللقطات الأخيرة من الفيلم تستعرض مقاطع أرشيفية لخطب هامبتون، وموكب جنازته، ومثلما ابتدأ الشريط السينمائي بمقابلة تلفزيونية أجريت مع أونيل عام 1989 اعترف فيها بتجنيده من قبل مكتب التحقيقيات الفيدرالي، يختتم الفيلم أيضا بهذه المقابلة، التي يقول أونيل في نهايتها تبريرا لخيانته «أعتقد انني سأترك التاريخ يتحدث نيابة عني». ثم يُظهر تايتل النهاية عددا من الأسطر تخبرنا أن أونيل استمر في العمل كمخبر للشرطة الاتحادية، قبل أن يموت منتحرا في 15 كانون الثاني (يناير) عام 1990 والذي يصادف التاريخ الذي شهد ولادة الزعيم الأسود مارتن لوثر كنغ. وأن زوجة هامبتون وعائلة صديقه كلارك الذي قتلته الشرطة أيضا، رفعتا دعوى قضائية ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 1970ولكن بعد 12 عامًا تمت تسويتها مقابل مبلغ قدره 1.85 مليون دولار تم دفعه إلى العائلتين، وأن الولد الوحيد لفريد هامبتون أصبح رئيسًا في مجلس إدارة أشبال حركة الفهود السود.

وفي إطار بحثنا عن معلومات تتعلق بخلفية إنتاجه، وجدنا ان سيرة فريد هامبتون كانت مطروحة للنقاش لدى صناع الفيلم منذ عام 2014 من قبل الأخوين شاكا كينغ وكيث لوكاس وويل بيرسون، وقد اكتملت الاستعدادت النهائية للإنتاج في عام 2019 بمباركة عائلة هامبتون التي كانت داعما كبيرا لإنتاجه.

الفيلم تم عرضه لأول مرة في مهرجان صندانس السينمائي في 1 فبراير (شباط ) 2021 وحال عرضه اشاد به معظم النقاد الأمريكان، ونال المخرج شاكا كينغ حصة الأسد من مقالات التقييم، إضافة إلى فريق الممثلين خاصة كالويا وستانفيلد، ولهذا لم يكن مفاجئا ان يفوز كالويا بجائزة أفضل ممثل مساعد في حفل توزيع جوائز الأوسكار، وجائزة كولدن كلوب، وجوائز أخرى منها جائزة النقاد، وجائزة نقابة ممثلي الشاشة، كما حصل الفيلم على ستة ترشيحات لجوائز الأوسكار، بما في ذلك أفضل صورة، وأفضل ممثل مساعد لستانفيلد، كما فاز بجائزة أفضل أغنية أصلية «Fight for You».

 

القدس العربي اللندنية في

01.05.2021

 
 
 
 
 

"كوليت" تنتزع "أوسكار": انفعالاتٌ أقوى من التوثيق

نديم جرجوره

في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، حكايات غير منتهية. يعثر كثيرون فيها على ما يمسّ كيانهم الإنساني والأخلاقي والثقافي، فيشتغلون عليه لتوثيقه وتقديمه إلى العالم، درساً في تحصين الذاكرة من الاندثار، والناس من النسيان. اليهود بارعون في نبش حكاياتٍ تؤكّد محرقةً معروفة تفاصيلها وخباياها. لآخرين مصائب جمّة فيها أيضاً، فالتعذيب والتنكيل والتغييب والقتل أمورٌ يُعانيها مقاومو النازيين في بلدانٍ يحتلّونها. أشكال القتل النازيّ متنوّعة. الجُرم واحدٌ.

حكاية جديدة ترويها كوليت ماران ـ كاترين (25 إبريل/ نيسان 1929)، بعد 75 عاماً على حدوثها. تنخرط في المقاومة الفرنسية، كشقيقها جان ـ بيار، الذي يُعتقل لاحقاً، ويُرحَّل إلى معسكر اعتقال في ألمانيا، اسمه "دورا"، يُعرف لاحقاً بـ"نوردْهاوزن دورا". المعسكر مصنع عسكريّ نازيّ لصُنع صواريخ V2، يعمل فيه بالإكراه 60 ألف سجين من 21 بلداً، ويُقدَّر عدد الوفيات منهم بـ20 ألفٍ. موت جان ـ بيار (17 عاماً) حاصلٌ في 22 مارس/ آذار 1945، قبل 3 أسابيع فقط على تحريره على أيدي جنود أميركيين.

هذا في "كوليت" (2020)، للأميركي أنتونيو جياكينو (1968)، الفائز بـ"أوسكار" أفضل فيلم وثائقيّ قصير، في النسخة الـ93، المُقامة في 25 إبريل/ نيسان 2021. تبلغ السيّدة ماران ـ كاترين 92 عاماً. تظهر أمام كاميرا روز بوش صلبة، لكنّ انفعالها إزاء مأساتها باقٍ بحدّة وحيوية. رفضها زيارة المكان الألماني لوفاة شقيقها صامدٌ سنين مديدة، لكنّ لوسي فووبْل تحرّضها على ذلك. الشابّة (17 عاماً) مهتمّة بتاريخ الحرب والمقاومة، وتعمل في متحفٍ تاريخي، وتريد توثيق الحكاية، فتُرافق العجوز في رحلةٍ برّية من "كاين" الفرنسية إلى "نوردْهاوزن" الألمانية. الجولة صعبة. الذكريات، رغم قلّتها، ثقيلة الوطأة. التوتّر الغاضب، الذي تُبديه كوليت أمام عُمدة البلدة الألمانية أثناء تكريمه لها، مُثير للتساؤل عن حالةٍ ملتبسة: أهذا توتّر نابعٌ، فعلاً، من ثقل ذكريات قديمة، ومناخٍ مؤثّر، وحكاية قاسية؛ أمْ أنّ اقتناص فرصةٍ كهذه ضروريٌّ، بالنسبة إلى امرأة عجوز فرنسية، تبدو متَعَالية على جارٍ ألمانيّ، يتمسّك بذاكرته بهدف عدم نسيانها، وبمسؤوليته عن أفعالٍ نازيّة يريدها شواهد على معنى الجريمة، يرتكز عليها ألمان كثيرون، في مسارهم نحو المستقبل؟

اللقطة تلك مزعجة. تكريمها نابعٌ من التزام أخلاقيّ ألماني إزاء مقاومة الجرم النازيّ. معسكر الاعتقال في "دورا" غير مختلفٍ كثيراً عن المعسكرات الأخرى، رغم أنّه مصنع صواريخ. الموت فيه متأتٍ من تعذيب ومهانة وإرهاق وانعدام كلّ حسٍّ بشريّ. لكنّ "كوليت" غير متوقّف عند لحظة كهذه، ربما تكون صادقة. معنى انفعال كوليت غامض، كسببه الفعليّ. لكنّ الكاميرا تلتقطه، فتبقى في سياقٍ دراميّ، يريد تصالحاً ما مع ماضٍ أليم.

 الرحلة برمّتها عادية، سينمائياً. المفردات الوثائقية لا جديد في اشتغالاتها، ولا إضافات جماليّة. اللقاءات قليلة، فالأهمّ كامنٌ في كوليت، محور كلّ شيء. الأرشيف القليل متمثّل بأشرطة (بالأسود والأبيض) للمعسكر ـ المصنع، ولأمكنة تُصبح الآن أمثلةً تُذكِّر بالعار النازيّ، فتمنح الألمان اغتسالاً منه، والعالم تنبيهاً إليه. المعلومات المكتوبة بين لقطات مختلفة ضرورية (محطات في تاريخ المعسكر ـ المصنع، أسماء أمكنة وشخصيات، متاحف، إلخ.). المدّة القصيرة (24 دقيقة) منبثقةٌ من صِغر الحكاية، وقلّة عدد صانعيها والشاهدين عليها، واكتفاء الحدث بمقتل مُقاوم فرنسيّ في معسكر اعتقال نازيّ.

تذرف كوليت دمعاً، فالمُصاب كبيرٌ بالنسبة إليها، رغم عيشها مع شقيقها أقلّ من 15 عاماً. لا ذكريات وفيرة بينهما، باستثناء مرحلة قصيرة من اشتغالهما في المقاومة الفرنسية للنازيين. جان ـ بيار (1926)، يُعتَقل عند بلوغه 17 عاماً. بعد عامين، يموت في المصنع. العجوز والشابّة تزوران المكان معاً، وأمكنة أخرى محيطة به، لمعاينةٍ عمليّة، يُفترض بها منح العجوز شيئاً من أثر شقيقها، وإعطاء الشابّة صورة أخرى للذاكرة، أكثر واقعية وحسّية. 24 دقيقة كافية لحكاية مُختصرة في عمر حربٍ. لكنّ موت الشقيق جُرمٌ نازيّ، وفعل المقاومة ـ الذي يلتزمه ـ أساسيّ في تاريخ بلدٍ وأناسٍ.

المأزق الأخلاقيّ غير معقود على الجُرم النازيّ فقط. القيادات الأميركية والسوفييتية (السابقة) والفرنسية تتعاون مع نازيين عاملين في المصنع، بعد تحريره. القيادة الأميركية تمحو آثاراً كثيرة مرتبطة بالمصنع، فجنودها أول الداخلين إليه. الحاجة إلى معلومات ووثائق أهمّ من ذاكرةٍ، تبدو أقوى من كلّ تغييب، طالما أنّ جيلاً تلو آخر يتميّز بأفرادٍ توّاقين إلى المعرفة.

اقتصار "كوليت" على 24 دقيقة نابعٌ من قلّة المعطيات، فجان ـ بيار مقتولٌ في سنّ باكرة، وكوليت تُكمِل حياةً عادية لامرأة، تهتمّ بوالدتها حتى وفاتها، وتعمل في منشآتٍ فندقية. هذا غير واردٍ في الفيلم، المرتكز أساساً على زيارة مؤجّلة منذ سنين، تقوم بها عجوزٌ، تريد تحرير قلبها وروحها من وطأة الألم، فهذا شقيقها، وموته بظرفٍ كهذا قاسٍ.

للدمع حضورٌ، فالعجوز منفعلةٌ، ولوسي متأثّرة، رغم جمال الطبيعة والمكان الألمانيين، في راهنٍ يُصرّ على ذاكرة أمكنة وأناسٍ. لذا، يبدو "كوليت" انفعالياً رغم معطيات التاريخ والوقائع المدرجة في سرده، إذْ يُراد له تأثير عاطفي إزاء جُرمٍ نازيّ، يحضر في ذاكرة وثقافة وعيشٍ، وإنْ بدرجات مختلفة.

ربما لهذا كلّه، ينتزع "كوليت" جائزة "أوسكار" في زمن كورونا، وارتباكات "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" إزاء مسائل حسّاسة، كالأقليات والمرأة والأعراق والماضي، وتخبّط هوليوود، أحياناً، في علاقتها بتاريخ أميركا.

 

العربي الجديد اللندنية في

03.05.2021

 
 
 
 
 

في هوليوود لا يمكنك الاستناد على جودة فنّك من أجل البقاء على قيد الحياة

حسام عاصي/ لوس أنجليس – «القدس العربي»:

بعد أن أُعلن عن هبوط حاد في نسبة مشاهدة حفل توزيع جوائز الأوسكار الأسبوع الماضي، إذ تدهورت إلى ما يقارب عشرة ملايين مشاهد وهي الأدنى في تاريخ الأوسكار، تسابق المعلقون والخبراء في طرح آرائهم عبر وسائل الإعلام حول أسباب ذلك التراجع الحاد؛ منهم من لام جائحة كوفيد 19، التي حرمت الأفلام الضخمة من الانطلاق في دور العرض ما حال دون تأهيلها للمنافسة وحضور نجومها على البساط الأحمر، آخرون لم يستغربوا الهبوط ووصفوه بأنه استمرارية لتلاشي اهتمام الجماهير بجوائز الأوسكار، الذي بدأ منذ أكثر عقدين، وذلك لأنها صارت تكرّم أفلاماً صغيرة لم تشاهدها الجماهير في دور العرض، إذ بلغ دخل جميع الأفلام المرشحة لأوسكار أفضل فيلم هذا العام 30 مليون دولار، بينما حصد الفيلم الفائز «نومادلاند» ما يقارب 6 ملايين دولار في شباك التذاكر وهو أدنى دخل حققه فيلم فائز بالأوسكار. فكيف تفوز هذه الأفلام الصغيرة بجوائز الأوسكار؟

في العقود الستة الأولى من تأسيس جوائز الأوسكار، هيمنت عليها أفلام استوديوهات هوليوود، التي كانت من بطولة أبرز نجومها، وتتصدر دخل شباك تذاكر دور العرض. لكن منذ أوائل التسعينيات، بدأت أفلام مستقلة، كانت تعرض في المهرجانات السينمائية ودور العرض الفنية وحسب، تظهر في ترشيحات الأوسكار وتفوز ببعض فئاتها مثل «قدمي اليسرى» و»جنس وأكاذيب وشريط فيديو» و»لعبة البكاء» وذلك بفضل حملات جوائز لا سابق لها قام بها منتجها وموزعها هارفي واينستين.

انهيار امبراطورية واينستين

عام 1979، أسس الأخوان هارفي وبوب واينستين شركة «ميراماكس» لتوزيع أفلام فنية من إنتاج شركات مستقلة، كانت تختفي بعد عرضها في المهرجانات السينمائية لعدم قدرتها على منافسة أفلام هوليوود المهيمنة على دور العرض آنذاك، بفضل الحملات الدعائية الضخمة التي كانت تستثمر فيها الاستوديوهات الكبرى.
لم يملك واينستين ميزانيات الاستوديوهات الضخمة، ولم يكن بإمكانه أن ينافسها في حلبة الحملات الدعائية، التي كانت تصل إلى جماهير عريضة في كل أرجاء العالم من خلال الصحف الكبرى ووسائل الإعلام الأخرى كالتلفزيون والراديو. فقرر أن يواجهها في معارك الجوائز الأقل تكلفة، لأنها تتطلب استهداف بضعة آلاف من المصوتين وحسب، وهكذا عندما يترشح فيلم ما لجائزة مهمة أو يفوز بها، يثير اهتمام الإعلام ويصل الى الجماهير العالمية.

«لن تنجح الأفلام إلا إذا أشيد بها» قال لي واينستين في مقابلة أجريتها معه عام 2015. «بحلول وقت عرض الفيلم في دور السينما، يكون قد فاز في مهرجان أو رُشح لجوائز الغولدن غلوب وربما الأوسكار، وبالتالي إنه مجرد تضافر لتلك الإضافات التي تدفع أحدهم أخيراً إلى دور العرض. فعلى سبيل المثال لو لم يحصل فيلم «قدمي اليسرى» على الإشادة والترشيحات الخمسة للأوسكار، ولو لم يفز دانيل داي لويس لم يكن ليوجد فيلم أو نجاح ولم يكن هناك داع لصنع فيلم آخر مثله. فكل فيلم فائز يمهد الطريق للمرحلة التالية.»

في حملة جوائز الفيلم الإيرلندي «قدمي اليسرى» أقنع واينستين طاقم إنتاج الفيلم وممثليه بالانتقال من إيرلندا الى لوس أنجليس خلال موسم الجوائز، ورتب لهم حفلات ليلية صاخبة استضاف فيها أيضاً مصوتي الجوائز والنقاد للتعرف عليهم. «كان نموذج عمله هو الحصول على جوائز بأي ثمن، فهو لم يملك خياراً آخر» قال لي طوني أنجيلوتي، الذي وظفه واينستين عام 1991 للعمل على حملاته الترويجية. «أتذكر أنه أراني فيلم بيلي بوب ثورتون «سلينغ بليد» الذي خسر تجارياً بعد انطلاقه، وقال لي: أريدك أن تعيش مع هذا الفيلم للأشهر الستة المقبلة وتركز عليه، ففاز بجائزة الأوسكار. الأمر نفسه مع فيلم «ساعي البريد» الإيطالي الذي فشل في الولايات المتحدة، لكن بعد ثمانية أشهر حصلنا على أوسكار عنه.»

واينستين أراد أن يفوز بأهم أوسكار وهي أفضل فيلم، وكان متأكداً أنه سيحصل عليها عن تحفة كوينتين تارانتينو «بالب فيكشن» لكن هوليوود، التي كانت أيضاً تسيطر على أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة، حرمته منها ومنحتها لفيلم استوديو «باراماونت» (فورست غامب» عام 1995 فقرر موزع الأفلام المستقل أن ينتقم منها.

وعندما كان يروج لـ «المريض الإنكليزي» عام 1997 كسر قواعد حملات الأوسكار، إذ أرسل الفيلم على شرائط فيديو إلى بيوت المصوتين ثم اتصل بهم جميعا للتأكد من مشاهدتهم له، ودعا مصوتي الجوائز لحفلات صاخبة للتعرف على طاقم الفيلم وغمرهم بالهدايا، ما أسفر عن فوز الفيلم بتسعة جوائز أوسكار من ضمنها أفضل فيلم. «الأمر الأهم في حملات الأوسكار هو أن يشاهد المصوتون الفيلم» يقول واينستين. «ببساطة، إذا لم تشاهد الفيلم فلن تصوت له، وبالتالي علي أن أجعلك تشاهد فيلمي بطريقة ما، وهذا يتطلب قدراً هائلا من الجهد.»

«كان الأمر آنذاك أشبه بالغرب المتوحش فلم تكن «هناك قواعد تكسر» يضيف أنجيلوتي. «كان يجرب أمراً وإذا قيل له إنه لا يستطيع فعله، يتوقف. الأمر لم يكن عدائياً في السبعينيات والثمانينيات كما أصبح عليه في التسعينيات وحتى اليوم، فأفلام الاستوديوهات كانت معروفة ولم تكن في حاجة لحملات جوائز، كما أن الاستديوهات كانت تملك المال الكافي للترويج لأفلامها عند إطلاقها في دور العرض». فوز «المريض الانكليزي» الهائل في الأوسكار دفع واينستين لخوض معركة الجوائز ضد تحفة ملك هوليوود ستيفن سبيلبرغ «إنقاذ الجندي رايان» بفيلمه الهزلي «شكسبير عاشقاً» مستخدماً نوعاً جديداً من الحملات، وهي الحملة السلبية، التي كثيراً ما استخدمها معي كأحد المصوتين لجوائز الغولدن غلوب؛ فعندما كنت أمدح فيلماً من إنتاج استوديو آخر أمامه، كان يقترب مني ويهمس في أذني أمراً سلبياً عن ذلك الفيلم، ويحثني على مشاهدة فيلمه والانتباه لبعض عناصره المميزة، أو يحكي لي قصة مثيرة عن مخرج الفيلم أو أحد ممثليه.

فيلم «إنقاذ الجندي رايان» تفوق على «شكسبير عاشقاً» في كل المستويات، لكن واينستين أثار إشاعات بأنه ليس إلا معركة دموية مثيرة في الحرب العالمية الثانية، بينما روّج بأن فيلمه «شكسبير عاشقاً» الذي يتمحور حول وقوع وليم شكسبير بحب ممثلة في مسرحيته، يكرم الأدب والمسرح وفن التمثيل، ما أقنع الكتاب والممثلين، الذي يشكلون أغلبية مصوتي الأوسكار بالتصويت له، وهو ما نتج عن فوزه بست جوائز من ضمنها أفضل فيلم.

إنتصار «شكسبير عاشقاً» على «إنقاذ الجندي رايان» صدم هوليوود وصناعة الأفلام. فقررت الإستوديوهات أن تسلك نهج حملات واينستين من أجل التصدي له، وصارت تقتنص موظفيه ومساعديه للعمل لحسابها وإدارة حملاتها. نموذج واينستين تستند عليه الآن كل شركات الأفلام المستقلة مثل «فوكس سيرتشرلايت» التي أنتجت فيلم «نومادلاند» ويعتمد على لفت انتباه الإعلام وتنبيه صناع الأفلام بأنهم إذا جلبوا أفلامهم إلى هذه الشركات سيحصلون على حملة أوسكار، و»قد نجح ذلك» يقول أنجيلوتي، الذي بات مدير حملات جوائز استوديوهات «يونيفرسال» و«ديزني انيميشن» و«بيكسار» وحقق لها العديد من الجوائز من ضمنها جوائز أوسكار أفضل الأفلام مثل «الكتاب الأخضر» و «قصة اللعبة 3 و 4» و«شجاع» و «فوق». آخرها كان فيلم بيكسار «روح» الذي فاز بأوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة الأسبوع الماضي.

أنجيلوتي يؤكد أنه لا يمكن لفيلم أن يُرشح أو يفوز بجائزة أوسكار بدون حملة ترويج، فقبل بداية موسم الجوائز، يجلس مع الاستوديوهات لاختيار الأفلام ذات الحظوظ الأوفر في الترشح أو الفوز بالجائزة، بناء على عناصرها التي قد تجذب مصوتي الجوائز. ثم يتفقون على سرد مثير وجذاب لمصوتي «الغولدن غلوب» و»البافتا» والنقابات المهنية والأوسكار.

«بدلاً من محاولة بيع الفيلم لمليار شخص على هذا الكوكب، نحاول بيعه لبضعة آلاف من المصوتين» يقول أنجيلوتي. «عليك أن تعرف ما الذي يروق لهم بشأن الفيلم. ثم تصمم الإعلانات والسرديات التحريرية وتقدمها للصحافة، وتنتج مواد جديدة، وتجند خدمات منتجي ومخرجي وممثلي الفيلم لنقل تلك الرسالة. وعادة يكون ذلك مجرد شكل مغاير لحملة إطلاق الفيلم الترويجية وأحيانا يكون مختلفاً تماماً.»

الجوائز لا تركز على القيمة الفنية للأفلام

قلما تركز حملات الجوائز على القيمة الفنية للأفلام وأحياناً تتجاهل مضمونها عندما تشعر أن الفيلم المنافس يتفوق عليها، فتبحث عن عناصر أخرى تساهم في جذب اهتمام المصوتين؛ مثل عرق أو جنس صناع الفيلم أو صلة موضوعه مع الأحداث السياسية والاجتماعية المعاصرة.

نهاية عام 2009 كان فيلم جيمس كاميرون «أفاتار» يتصدر دخل شباك التذاكر وتكهنات الفوز بجوائز الأوسكار بفضل إبداعه الفني وتحذيره من آثار تدمير البيئة، لهذا لم تحاول حملة فيلم زوجته السابقة كاثرين بيغلو «خزانة الألم» الذي تجاهلته جماهير السينما في دور العرض، مواجهته على المستوى الفني والمضموني، بل سلطت الضوء على كون بيغلو امرأة تصنع فيلم «ماتشو» عن مفككي القنابل في حرب العراق في صناعة أفلام يهيمن عليها الرجال.

وهكذا تحولت المعركة بين الفيلمين إلى منافسة بين رجل وزوجته، فاختار مصوتو الأوسكار الزوجة وصنعوا تاريخاً، إذ باتت بيغلو أول امرأة تفوز بجائزة أفضل إخراج وأفضل فيلم.

وفي عام 2017، كان فوز الفيلم الموسيقي «لا لا لاند» بأوسكار أفضل فيلم مؤكداً، إلا أن حملته تدهورت إثر تسلُمَ دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة ذلك العام، وتحريضه ضد الأقليات العرقية، فصار يواجه حملات مضادة اتهمته بالعنصرية لاستخدامه شخصيات بيضاء البشرة لطرح رواية عن موسيقى الجاز، ما دفع مصوتي الأوسكار إلى منح جائزة أفضل فيلم لـ «ضوء القمر» وهو أول فيلم جميع طاقم ممثليه من السود يحقق ذلك.

«هوليوود تبنت تكتيكات حملات السياسيين في واشنطن» يضحك أنجيلوتي.»بعضها يكون قبيحاً إلا أن جميع الاستديوهات تنكر تورطها في الحملات السلبية وترفض الاقتراب منها. لكن واينستين لم يخجل من استخدامها وكان معروفاً بأنه يقف وراءها.»

رغم محاولة الأكاديمية كبح واينستين من خلال فرض قيود على حملاته إلا أنه استمر في حصد جوائز أوسكار، محققاً 81 منها فضلاً عن 341 ترشيحاً، إلى أن نُبذ من هوليوود عام 2017 بعد اتهامه بالتحرش الجنسي. هذه الأيام، معظم حملات الجوائز يقودها تلاميذه، الذين ما زالوا يتبعون نهجه.

«في هوليوود لا يمكنك الاستناد على جودة فنك من أجل البقاء على قيد الحياة» يقول أنجيلوتي. «إذا أردت أن تحقق شيئاً أو أن تفوز بجائزة، فعليك أن تطلبه وإلا لم يعرك أحد إهتماماً.»

إذا مثلها مثل هوليوود، جوائز الأوسكار تجارة، تستثمر الاستوديوهات فيها ملايين الدولارات من أجل إثارة اهتمام الجماهير بأفلامها ورفع دخلها في شباك التذاكر أو على منصات البث الإلكتروني أو رفع مستوى أسعار أسهمها في البورصة.

 

القدس العربي اللندنية في

04.05.2021

 
 
 
 
 

تسليع البشر في الرجل الذي باع ظهره

رحمن خضير عباس

الرجل الذي باع ظهره، هو أحد الأفلام التي ترشحت للقائمة القصيرة لجوائز الأوسكار ، وهو من إخراج الفنانة التونسية كوثر بن هنية، التي اقتبست قصته من حكاية نشرتها الصحافة عن الفنان البلجيكي ويم ديلفوا ،

الذي وشم ظهرَ شخصٍ اسمه تيم شتاينر،وكانت الاتفاقية بينهما تقضي بأن يلتزم شتاينر بحضور معارض الفنان باعتباره لوحة ، وفي حالة موته يلتزم بالموافقة على التنازل عن جلده ، الذي سيعود إلى المالك .

وقد اقتنصت المخرجة الشابة هذه الثيمة، لتبني من خلالها بعض القضايا الفكرية المثيرة للجدل ، ومنها تسليع الإنسان وجعله بمثابة تحفة فنية خاضعة لشروط السوق ،كما عالجت كيف يُمكن أن يتحوّل البشر إلى عبيد ، حينما يتخلون عن الوطن ،أو يفرّط الوطن بهم.

والفيلم يتمحور حول شاب سوري اسمه وسام علي يتعلق بحبيبته عبير ، وحينما كانا في القطار يبدو جريئاً في مطارحتها الغرام ،ثم إعلانه بين المسافرين أنه يبحث عن الحرية في الرأي ، ويريد من الجميع أن يشهدوا على زواجه منها ، ولكن الاستخبارات السوريّة تعتقله، وتحقق معه على أقواله ويتهم بأنه يشكل خطرا على البلد بأفكاره التي تدعو إلى العصيان!

غير أنه يهرب من المعتقل ، وينجح في الوصول إلى لبنان أيضاً ، ولكنّ حبيبته عبير تتزوج من زياد الذي يعمل في السفارة السورية في بروكسل .

وفي لبنان يستطيع أن يعمل مع بعض السوريين المهاجرين ،في معامل الدواجن لقاء أجور زهيدة، وفي سبيل أن يحصل على الغذاء المجاني يذهب إلى المعارض الفنية التي تقدم الأكل والمشروبات لضيوفها ، ويلتقي وسام بالصدفة بفنان بلجيكي في إحدى تلك الصالونات ، والذي يعرض عليه فكرة وشم ظهره ،على أن يلتزم (وسام) بأن يرافق الفنان في الكاليريهات الفنية في أوروبا، لعرضه كلوحة فنية ، لقاء انتشاله من الفقر وتزويده بتأشيرة (شنكن)، التي تتيح له السفر إلى جميع بلدان الاتحاد الأوروبي، وهكذا ينتقل وسام علي إلى أوروبا ، على أمل اللقاء بحبيبته عبير ، والتي يتصل بها مراراً عن طريق السكايب ،ولكن زوجها زياد ، اصطحب زوجته إلى المتحف الذي يتفرج فيه الناس على ظهر عشيقها ، في محاولة منه لكشف حقيقة وسام ،كي يسقط في عين عبير ، وتحدث مُشادّة بين واشتباك بالأيدي بين الغريمين وسام وزياد ، ونتيجة لذلك تتعرض بعض مُقتنيات المتحف إلى التدمير ، فيُقَدّم زياد إلى المحكمة ، لكن وسام يتنازل عن حقّه في مقاضاة زياد إكراما لحبيبته.

ويستمر وسام في عمله كتخفة فنية ، ويُطلب منه أن يحضر إلى سوق المزايدات لبيع لوحة ظهره ،وبينما الحضور يتزايدون لشراء الظهر الموشوم. يقف وسام أمام الجميع ،ويتظاهر بأنه يحاول أن يفجر نفسه ، مما يُثير هلعا عاماً وتحدث فوضى في الصالة، وهكذا يتحرر من ارتباطه بالعقد ، ويلتقي بعبير التي انفصلت عن زوجها، ويقرران العودة إلى مدينة الرقة في سوريا.

قد تكون الترجمة الفرنسية للفيلم أكثر دقةً من العربية والإنجليزية، ( الرجل الذي باع جلده) فمفردة جلد أكثر دلالة على روح الاستلاب الذي شكّل هاجساً للفيلم ، ورغم أن مسار الفيلم ينطلق من الأزمة السوريّة ومشكلات الحرب ، ولكنّه لا يتناول هذا الموضوع إلا بشكل عابر ، مُرَكّزاً على فحوى الاستلاب ، فوسام الهارب من القمع ،والباحث عن الحرية والحب ، قد باع جلده من أجل التمتع بمباهج الغرب ،أسوةً بفاوست الذي تقول الأسطورة الألمانية إنّه باع روحه إلى الشيطان ، مقابل أن يعيش في مباهج الحياة. لقد كان وسام الذي يمثل دوره باقتدار( السوري/الكندي) يحيى محياني ،يعيش متأرجحاً ما بين الخجل من كونه سلعة لا علاقة لها بكينونته ،بل مجرد كونه جلداً موشوماً ، ينبغي المحافظة عليه من أجل ذلك ، أما قيمته كإنسان فلا وجود لها ، فهو الآن جلد للفرجة والتأمل ،ورغم أن هذه الخاصيّة وفرت له البحبوحة في العيش، والتمتع بمباهج الحياة الأوروبية وفي صالوناتها ،، ولكنّها جردته من روحه التي باعها للفنان.

ورغم أن الموضوع الرئيس للفيلم هو الحرب ونتائجها ،وضياع الأجيال من الشباب الذين تطحنهم الحاجة ، ويفشلون في تحقيق طموحاتهم ، لذلك فيجدون في الغرب ضالتهم. ولكن المخرجة كوثر بن هنية لم تتناول هذه المواضيع بشكلها النمطي ، في الهجرة غير الشرعية وقوارب الموت ، بل لجأت إلى تناول الموضوع من زاوية أخرى . وهو أن الإنسان سيتجرد من إنسانيته أحياناً ،عندما يهاجر عن الوطن ، وإن الغرب لايفتح ذراعيه إلا من زاوية المصالح ، وكأن الهجرة تلبس رداء العبودية، ولكن هذه المرة عن طريق الفن التشكيلي الذي يُفترض أنّه أكثر نقاءً من غيره من المرافق الحياتية ، لأن شعار الفن هو محاولة تأكيد قيم الأنسنة بين البشر. ولكن الفن في هذا الفيلم يتحول إلى سوق تجارية، غايتها الثراء والربح على حساب مبادئ الحرية والكرامة.

ويبدو لي أن الفيلم قد وقع في مطبات صغيرة في مجال كتابة السيناريو ،وكأن ثمة صعوبة في وضع نهاية ملائمة له ،تنسجم وطبيعة الرؤية نحو مفهوم الاستلاب ، والذي دعا وسام الشاب السوري لبيع روحه (لشيطان شنكن).

فهل كان كل ذلك في سبيل الهرب من واقع القمع؟

أم في سبيل اللحاق بحبيبة تخلت عنه وارتبطت بشخصٍ آخر؟

ولا شك أن انتهاج الفيلم للتفسير الثاني يجرده من بعض واقعيته ، كما أن فرار وسام علي بسهولة من قبضة المخابرات السورية، يعوزه الإلمام بطبيعة تلك الأنظمة في الفتك بمن تظن أنهم معارضون لها ، واستحالة فرصة الهرب .

وتبقى عودة العاشقين ( عبير ووسام) إلى الرقة غير مقنعة أيضاً ، نظراً للظروف الأمنية واحتمال التعرض للاعتقال والموت ، ولاشك أن هذه النقاط الضعيفة في سيناريو الفيلم ستؤثر على مصداقيته،

ولكن من ناحية أخرى، كان الفيلم رائعاً في قدراته الفنية الحافلة بالإثارة ، والتي تجعل المشاهد معلقاً بسحر انتقالاته، وقدراته على التأثير، واستخدام المؤثرات البصرية الموحية والقادرة على وضع المشاهد في بؤرة التوتر ، إضافة إلى ازدواجية اللغة مابين السورية الدارجة والإنجليزية والفرنسية والتي جعلت الحوار أكثر تلقائية، وهو ينساب بعفوية من فم الممثل الذي لا يتورع باستخدام اللغة اليومية ولاسيما ( السوقية منها) ، للتعبير عن حالات إحباطه ، إضافة إلى التأثيرات اليومية كاستخدام وسائل التواصل والإتصال.

كما ازدان الفيلم بفخامة الديكورات، ولاسيما في الفنادق الضخمة وصالونات الفن، سواء كان ذلك في لبنان أو أوروبا، كما أن ظهور الممثلة الإيطالية الشهيرة مونيكا بيلوشي ، التي مثلت دوراً ثانوياً كضيفة شرف ، مما منح الفيلم رونقاً أكثر جمالية، ولم تكتفِ المخرجة بذلك ، بل منحت دوراً صغيراً للفنان التشكيلي الذي اقتبست قصة فيلمها منه.

 

المدى العراقية في

05.05.2021

 
 
 
 
 

العنصرية والرشاوى والتحيز ضد المرأة تقلب منصات البث الرقمى على جوائز جولدن جلوب

كتبت : شيماء عبد المنعم

أعلن عدد من عمالقة البث الرقمى وعلى رأسها منصة "أمازون" مقاطعة رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود المختصة بتوزيع جوائز جولدن جلوب، عقب اتخاذها عدد من القرارات الإصلاحية بزعم التنوع والنزاهة والشفافية، لكن المنصات الرقمية وصفت القرارات بالسطحية وغير المجدية.

ويأتى قرار المقاطعة رغم إعلان رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود، الاستجابة لكثير من الطلبات الخاصة باستحداث منصب المسئول عن التنوع، والتشديد على ضم صحفيين سود، وتوسيع نطاق المتقدمين للانضمام لعضوية الرابطة، حيث تم إضافة 20 عضوًا جديدًا على الأقل هذا العام إلى أعضائها الحاليين البالغ عددهم 87 عضوًا، وتوسيع كشوف العاملين بها بما يصل إلى 50% خلال الثمانية عشر شهرا القادمة، وذلك وفقًا لما نشره hollywoodreporter.

لكن منصات البث الرقمى لا تزال ترى هذه القرارات شكلية ولا تحقق كل الطلبات، وردًا على هذه الإجراءات الهامشية، قالت جينيفر سالك، رئيسة استديوهات أمازون، في بيان، "لم نعمل مع رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود منذ طرح قضايا الفساد والعنصرية لأول مرة، ومثل بقية شركاء الصناعة، ننتظر قرارًا صادقًا وهامًا قبل المضي قدمًا".

وتأتي المقاطعة بعد أن أثار التحقيق الذي نشرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" جدلًا واسعًا، والذي أشار إلى عدم وجود أي صحفي أسود بين أعضاء لجنتها العليا المكونة من 87 شخصًا والمعنيين باختيار الأعمال السينمائية والتلفزيونية المرشحة وكذلك إعلان الجوائز كل عام.

وذهب التحقيق إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث كشف عن وقائع فساد كبرى بين أعضاء الرابطة المخضرمين، بما في ذلك تلقي الرشاوي والهدايا باهظة الثمن والإقامة في فنادق خمس نجوم والسفر إلى دول أوروبية على نفقة كبرى استديوهات هوليوود للتأثير في قراراتهم أثناء التصويت سواء للأعمال المرشحة أو الفائزة. في حين لا يتم دعوة أي صحفي آخر حال كتابته أي مقال سلبي أو طرح وجهة نظر مغايرة.

 

اليوم السابع المصرية في

09.05.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004