ملفات خاصة

 
 
 

"الموريتاني"... وثيقة إدانة للجرائم الأمريكية ضد حقوق الإنسان في جوانتانامو

علا الشافعي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثالثة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

·        الفيلم يطرح علامات الاستفهام حول مفهوم العدالة الأمريكية "العرجاء" و"سطوة القوة"

·        العمل يسرد قصة المعتقل السابق بمعتقل جوانتانامو محمدو ولد صلاحي الذي قضى 14 عاماً ظلماً خلف القضبان

ماذا تفعل عندما تجد نفسك متهما بجريمة لم ترتكبها، ما هو رد الفعل الإنساني عندما تتغير حياتك 180 درجة من مهندس واعد ومقبل على الزواج وتأسيس حياة، لتجد نفسك متهما بالإرهاب ومتورطا مع "القاعدة".. كيف سيكون حالك عندما تذهب بسيارتك وراء الشرطة، وأنت مقتنع تماما أن الأمر لن يتعدى الاستجواب، وإنك ستعود لحضن والدتك وعروسك، ثم تختفي لسنوات طويلة إلى أن تظهر في سجن جوانتانامو، والأقسى هو كيف سيكون حالك ورد فعلك عندما تحصل على حكم بالبراءة، وتمكث في السجن 7 سنوات أخرى دون مبرر سوى أن الآمر الناهي والحاكم الأمريكي لا يرغب في إطلاق سراحك، لا يفرق هنا أن يكون بوش أو أوباما بل ما يهم المحققون ومسؤولو "سي أي إيه" ووزير الدفاع شخصيا والرئيس الأمريكي أن يكون هناك مجرم، ( حتي لو كان إنسانا بريئا) يقدم للشعب الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر؟

تلك التساؤلات وغيرها من علامات الاستفهام حول مفهوم العدالة الأمريكية "العرجاء" و"سطوة القوة" يطرحها فيلم " الموريتاني" الذي يسرد قصة المعتقل السابق بخليج جوانتانامو محمدو ولد صلاحي الذي قضى 14 عاماً خلف القضبان، والفيلم مأخوذ عن مذكرات ولد صلاحي والتي كتبها في المعتقل وترجمت إلى لغات عدة، وحققت مبيعات قياسية.

المدهش في الفيلم من وجهة نظري تلك القدرة غير العادية من محمدو في مواجهة كل هذا الظلم، خصوصا وأنك مع كل مشهد، ومع زيادة جرعات التعذيب والإهانات المتكررة تتوقع أن يقتل محمدو نفسه، أو أن يفقد إيمانه ببراءته، ولكن المفارقة أنه كان يزداد قوة وإيمانا، ويردد دائما أنه سيخرج من هذا المعتقل، ويعود لحضن والدته التي ودعته في مشهد شديد الرقة، وهي تجري وراء سيارته وسيارة الشرطة التي اصطحبته من حفل زفافه بدعوى استجوابه فقط، بعد شهرين من حادث البرجين في 11 سبتمبر، وهو يطمئن الأم أنه سيعود بعد قليل، ولكن نظراتها تؤكد أن الأمر لن يكون بهذه السهولة، وأنها قد تكون المرة الأخيرة التي تري محمدو، فتجري وراء السيارة، وتنظر نحو ابنها الذي انتزع من حضنها ساهمة، ومع كل لقطة نراه يقاوم رغم تعرضه لأنواع مختلفة من التعذيب من بينها التعرض للبرد القارس، والإهانات الجنسية، والحرمان من النوم، الإيهام بالغرق، وأخيراً التهديد بسجن والدته واغتصابها.

تزداد دهشتنا، ونتساءل كيف استطاع أن يظل عاقلاً من دون أن يصيبه مس من الجنون جراء اعتقاله 14 عاماً في جوانتانامو من دون توجيه أي اتهام له أو محاكمته، كيف يبتسم صلاحي ويردد أغاني بوب ديلون؟.

أن تكون صلاحي

محمدو صلاحي ملامحه تشبه الكثير من ملامح الأطفال الذين ينشأون في بيئة بسيطة وفقيرة، فهو يحاكي المئات من أبناء القارة الأفريقية الحبلى بالمشاكل والظلم، ولكن تفوقه الدراسي يشكل مفتاح الخروج من الواقع الصعب الذي يعيشه، فيحصل على منحه إلى ألمانيا، ومثله مثل الكثيرين أيضا يكون منزله البسيط مفتوحا للمغتربين أمثاله، والباحثين عن فرص أفضل في الحياة في هذا العالم المتقدم أو الأول. هو ابن العالم الثالث الفقير الذي لم تغيره الحياة الجدية، ومثل العديدين أيضا لديه قريب أو أكثر من المتشددين، والذين وصل الأمر بهم إلى الانضمام إلى "القاعدة".

تلك الملابسات هي التي جعلت من ولد صلاحي متهما بالتخطيط لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، بل أحد المخططين الكبار من وجهة نظر القيادة الامريكية، وكبار المحققين الذين كان كل همهم تستيف الورق، وأخذ اعترافات تحت وطأة التعذيب.

كان من الممكن أن يتوه مخرج الفيلم وسط الكثير من أوراق التحقيقات والآراء القانونية، ولكن كيفين ما كدونالد صاحب الوثائقيات ومنها "يوم واحد في سبتمبر" الحائز على جائزة الأوسكار، إضافة إلى فيلمه المهم "آخر ملوك اسكتلندا"، استطاع أن يمزج بشكل دقيق بين ما هو معلوماتي وإنساني ووثائقي ودرامي، سواء لقطات من طفولة صلاحي، ورحلة دراسته في المانيا، أو المرة التي اصطحبه قريبه إلى أفغانستان، ولكنه رفض وواصل مشواره العلمي، والنواحي القانونية التي حاول الفيلم معالجتها عبر قصص محامية الدفاع نانسي هولاندر -جسدتها جودي فوستر، وحصلت عن الدور على جائزة أحسن ممثلة مساعدة بالجولدن جولوب- والتي تعمل على إطلاق سراح صلاحي بعد أن تلقت اتصالا من عائلته، ولم يكن لديها فكرة في البداية حول ما إذا كان بريئاً أم مذنباً، ولكنها تساءلت: منذ متى بدأنا في اعتقال الناس من دون محاكمة في أمريكا؟.

واستنادا إلى نقص الأدلة، ومحاولة محو بعضها واخفاء التحقيقات الحقيقية، لذلك تحث صلاحي أن يثق فيها، ويكتب لها رسائل تتضمن كل ما تعرض له، وكيف تم توجيه اتهام له دون دليل وكيف أنه اعترف تحت وطأة التعذيب، وهو ما تأكد منه أيضا المدعي العسكري الأمريكي ستيوارت كوتش ( بندكيت كامبرباتش) الذي تم اختياره بشكل متعمد لأن أحد رفاقه كان قائداً لإحدى الطائرات التي خطفت وضربت مركز التجارة العالمي، وكان من الواضح أن الهدف الأساسي من اختياره هو توقيع عقوبة الإعدام. إلا أنه تخلى عن القضية بعد تأكده من تزييف الأدلة بل ساعد المحامية بشكل غير مباشر احتراما لإنسانيته وقسمه.

وكان من الممكن أن يتوه سيناريو الفيلم في العديد من الخطوط، ولكن كل شيء في السيناريو كان مكتوب بذكاء وتكثيف شديد بما يخدم قصة صلاحي نفسه، كما أن اختيار المخرج للنجم والممثل الموهوب طاهر رحيمي (الفرنسي من أصل جزائري) ضمن الكثير من تأثير ونجاح الفيلم. طاهر الذي قدم واحدة من أجمل شخصياته، وبدا أنه درس الشخصية جيدا، وقرأ الكثير عن صلاحي، حيث تماهي مع الشخصية وقدرتها على المقاومة من خلال الحس الساخر الذي يمتلكه صلاحي في الحقيقة، وهو الحس الذي ساعده أيضا في مقاومة الظلم والتعذيب، وهو ما تأكد من اللقطات الأخيرة التي ظهر فيها صلاحي بشخصيته الحقيقة. رغم الاختلاف الشكلي والجسماني بينه وبين رحيمي إلا أن رحيمي أمسك، وببراعة، بروح الشخصية. راجع مشاهده (جلسة محاكمته عن طريق الفيديو، المشاهد التي جمعته بجودي فوستر).

قد تكون العديد من مشاهد التعذيب في هذه النوعية من الأفلام مكررة ومعتادة، ولكن جاذبية وسحر شخصية صلاحي الحقيقة كانت السر في تميز الفيلم، وتميز أداء رحيمي.

ولكن إذا كان صلاحي قد تمكن وبعد رحلة معاناة من الخروج، والعودة لحياته (رغم أنه خسر 14 عاما من عمره) يظل القوس مفتوحا والتساؤلات حول العدالة الأمريكية، أو العدالة بمفهومها الإنساني الواسع ومن يلقون في السجون والمعتقلات ظلما.

 

الأهرام اليومي في

27.03.2021

 
 
 
 
 

"جولة أخرى" لتوماس فنتربيرغ.. دع القلق وابدأ الحياة

محمد صبحي

الدنمارك بلد جميل وأهله يحبّون الحياة ويستمتعون بها قدر ما أمكنهم. حتى وقت قصير كان شائعاً توزيع البيرة الباردة أثناء اجتماعات الآباء في رياض الأطفال وأثناء استراحة الغداء في غرفة المعلمين. في الإفطار أيضاً، تحضر البيرة او كأس صغيرة من الخمر لافتتاح اليوم. ميثيولوجياً، الدنمارك هي عالم الحواف المستديرة، وهي ثقافة نموذجية للكرم حيث تتوارى المؤشرات الأخلاقية بسرعة، فطالما أنك لا تزعج الآخرين، يمكنك أن تكون ما تريد أن تكونه.

ورغم أن الحرية الفردية في ذلك البلد الاسكندنافي لا تزال قوية كأيديولوجية فولكورية دنماركية، إلا أن الدولة اضطرت إلى التأقلم مع طريقة أكثر "حداثة" لإدارة أفراح ومباهج الحياة اليومية المتاحة. لم يعد المسعى الهَوَسي بالإنجاز وأيام العمل الشاقة مقصوراً على برجوازية الرأسمالية في اليابان والولايات المتحدة، لذا ينبغي الاستمتاع بالحياة في/على أجزاء/رشفات. ولكن إذا كان الواقع المستجد لا يتطابق بالضرورة مع فكرة ما يعنيه أن تكون دنماركياً، فمن المثير للإعجاب كيف تمكّنت الدولة كنوع من عوامل الجذب السياحي من الحفاظ على صورتها/هويتها، أمام زوّار أجانب ينسون سعر الصرف سريعاً في خضم اختبارهم التجربة الدنماركية ومحاولة التخفّف من هموم الحياة ومشاغلها.

"جولة أخرى"، في جوهره، تسوية واحتضان لذلك الدنماركي الخالي من الهموم. نلتقي بأربعة زملاء مدرسين في مدرسة ثانوية أثناء احتفالهم بعيد الميلاد الأربعين لأحدهم في أحد المطاعم الرائعة العديدة في البلاد، مع قائمة تذوق ومشروبات مصاحبة، يقدمها نادل لا يكتفي بصب الماء فحسب، بل يشاركهم معرفته. سيقود النبيذ الفوار الضيوف إلى حقول الذرة الفرنسية، حين يغمضون أعينهم، وستعمل الفودكا الباردة على تدفئتهم من القلب، فيما تقوم الشمبانيا بالباقي. حول الطاولات نرى أشخاصاً يلهمون حياتهم بكأس مملوءة في متناول أيديهم.

لكن الأمور ليست على ما يرام. وأزمة منتصف العمر تغيّم سحاباتها على رؤوس الرفاق الأربعة. لذا يشرعون في تجربة منطلقها علم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة. بناءً على أطروحات الطبيب النفسي النرويجي فين سكاردرود، الذي جادل بأن الإنسان يولد بنقص في الكحول بنسبة 0.05٪ في دمه؛ تقوم هذه المجموعة من الرجال المبتلين بأزمة منتصف عمر وقعت عليهم مثل انهيار جليدي، بالانغماس في الشرب، ليس لأغراض عدمية كما في "الوليمة الكبرى" (1973، ماركو فيريري)، بل كجزء من دراسة نظرية تؤكد أن توازن النظم الحيوية وما يترتب عليها من فوائد مهنية وعاطفية يأتي نتيجة استهلاك يومي لكمية معينة من الكحول. هذه هي حبكة الفيلم الذي يأخذ قوس دراما كحولية كوميدية-تراجيدية تسلّط الضوء على أوجه القصور في المجتمع الدنماركي (وبالتالي في الغرب): الوحدة أو العزلة أو الفردية أو غياب التعاطف، تتخفّى بذكاء وراء تقلبات الرباعي المخمور بقيادة الإمبراطور مادس ميكلسن، في دور يؤكّده كأفضل ممثل أوروبي في جيله.

سورين كيركيغارد

لا يتطلب الأمر أستاذاً في علم النفس ليعرف أن هذه التجربة الصغيرة سيكون لها على الأرجح تداعيات وخيمة. بعد فترة وجيزة، قرر الرجال تجاوز حاجز الـ 0.05، وتحويل اللعبة إلى تجربة بدوام كامل. الوظائف والزيجات على المحكّ. لكن بقدر ما يمكن قوله حول "رسالة" الفيلم التحذيرية بشان الإفراط في تناول الكحول، فإن "جولة أخرى" بالتأكيد، وقبل أي شيء، لا يتضمّن بياناً وعظياً أو خطاباً أبوياً ضد الشرب بحد ذاته. في الواقع، الحكم أكثر ضبابية من ذلك بكثير.

 فنتربيرغ وشريكه المنتظم كتابياً توبياس ليندهولم، يتخلّيان عن الحكاية الأخلاقية، وفي الثلث الأخير من الفيلم، يتجنبان اختزال القصة الى مجرد بورتريه للضعف الذكوري، من أجل الاقتراب من التفكير الوجودي. اقتباس من النرويجي الآخر سورين كيركيغارد يفتتح الفيلم (ما الشباب؟ الشباب حلم، والحُبّ هو مضمونه)، واختبار شفوي يؤديه أحد الطلاب المتعثرين دراسياً يأتي على ذكر تعريف القلق الإنساني كما قدّمه المفكر الدنماركي، الذي يخيّم فوق التسلسل الختامي بأكمله (عدم قدرة الإنسان على النجاة من الفشل، وحب الآخرين بعد الاستسلام)؛ يعلي كثيراً من أثر وتأثير فيلمٍ تنظم تغيرات الإضاءة في مشاهده التطورَ الذي عانت منه الشخصيات (كاميرا المصور السينمائي النرويجي ستورلا براندث جروفلين)، مثلما يتشابه مدار أحداثه ونقلاته مع تجربة الشرب ذاتها: رشفة بعد رشفة، نسيم خفيف يعقبه طفو، ثم سقوط، ثم إغفاءة، فنسيم جديد. ينتقل الفيلم الذي أراده صانعه في البداية فيلماً كوميدياً عن الكحول، من الكوميديا ​​المرحة إلى التراجيديا لينغمس أخيراً في احتفال جليل بالحياة، يقدّم فيه مقترحه الأساسي حول وجوب الهزائم الشخصية كشرط لا غنى عنه للمرء للبقاء واقفاً على قدميه.

في النهاية، استطاع إنجاز ما هو أكثر من مجرد عمل تراجيكوميدي حول أزمة منتصف العمر وحياة تستحق العيش من خلال كل الخسارة وخيبة الأمل والفشل. هنا يجمع بين واقعية الروتين واسترخاء السُكر، الإدمان مع صداع الهانج أوفر، الألم مع الفرح. رسالة العمل الذي لا يدين أو يشجع على الشرب تؤكدها ظروف إتمامه، فبعد أربعة أيام من بدء التصوير، توفيت ابنة المخرج التي كان من المفترض أن تؤدي دوراً في الفيلم، ما جعل المشروع أكثر أعماله الشخصية بطريقة ما.

(*) رُشّح الفيلم مؤخراً لجائزة أوسكار أفضل فيلم دولي.

 

المدن الإلكترونية في

28.03.2021

 
 
 
 
 

فيلمان عربيّان في سباق الأوسكار:

صرختنا «المكتومة» بمعايير الأكاديميّة!

شفيق طبارة

فيلمان عربيّان يشاركان في سباق الأوسكار الذي يكشف عن الفائزين بجوائزه المختلفة في 25 نيسان (أبريل). «الهدية» للفلسطينية فرح النابلسي ينافس في فئة الأفلام القصيرة، بينما يرنو «الرجل الذي باع ظهره» للتونسية كوثر بن هنية، إلى جائزة أفضل فيلم أجنبي. الأول يوافق معايير اللجنة «اللائقة سياسياً» تجاه إسرائيل وشعار «التنوّع» الذي صُمّت آذاننا من كثرة تكراره. أما الثاني، ففيلم جميل وأنيق أفسدته تخمة القضايا من اللجوء والحرب إلى الفن المعاصر والجسد المسلَّع

 

####

 

«هدية» فرح النابلسي: ما يطلبه المشاهدون (الغربيون)

شفيق طبارة

بركاكة، فعلتها فرح النابلسي، بيد سينمائية غير ناضجة وتمثيل رديء حتى في ذروة الدراما. لكننا سنتذكّر استخدامها المتعمّد للقطات القريبة نوعاً ما من وجوه الشخصيات، حتى بتنا على تماس مع العذاب الداخلي الذي تعيشه. المخرجة الفلسطينية البريطانية كانت أكثر اهتماماً بتصوير بيئة جغرافية وعائلية خانقة بقوة حسيّة عاطفية، على حساب تناسق القصة واتساقها وحقيقتها. والنتيجة، خسرت المشاعر وضيّعت الحكاية. «الهدية»، الفيلم الفلسطيني المرشح لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم قصير، هو محاولة جوفاء لإظهار قصة طنّانة فاقدة للمعنى الحقيقي والعمق الواجب تبيانه. فالقضية الفلسطينية أكبر من أن تُحدَّد بصراع جغرافي فقط، وغنيّ عن القول إنّها صراع أخلاقي يتعلّق بمفهوم العدالة.

أربع وعشرون دقيقة احتاجت إليها النابلسي لتروي قصة يوسف (صالح بكري) الذي يعيش في الضفة الغربية. في ذكرى زواجه، ينطلق مع ابنته الصغيرة ياسمين (مريم كنج) لشراء هدية لزوجته نور (مريم باشا). ولكن في فلسطين، لا شيء سهلاً، والمهمة البسيطة تصبح شبه مستحيلة مع نقاط التفتيش وجدار الفصل العنصري وحواجز الاحتلال. فكرة الفيلم ليست جديدة، إذ رأينا العديد من الأفلام الفلسطينية التي تتحدث عن الموضوع نفسه تقريباً، آخرها «200 متر» للمخرج الفلسطيني أمين نايفة. إلا أنّ النابلسي جعلت الموضوع يدور حول هدف واحد: استدراج عواطفنا بقوة يائسة، منذ بداية الفيلم ووجع الظهر وصولاً إلى حادثة يوسف على الحاجز، مروراً بخجل ياسمين مما حدث لها على الطريق. لم تترك لنا المخرجة ولا الشخصيات أي سبب للتعاطف معها. نعمة الفيلم الوحيدة هي ياسمين الصغيرة.

السيناريو محشوّ بجمل قوية عاطفياً بدون معنى. أما السرد الدرامي، فحاول إحداث صدمة في البداية، لكنها كانت متوقعة ومعروفة. ولأنّ المعاناة رشحت من كل تفصيل في الشريط؛ نخرج بفيلم تقليدي وصور مألوفة ومواقف متوقعة. القصة الجيدة التي تروي صعوبات الحياة تحت الاحتلال؛ لا تعوّض عن المعالجة الباهتة وغير المقنعة لهذه الصعوبات. وما يبقى معنا منها ليس أكثر من رواسب طينية ودغدغة حواسّ ضارة، لا يسعنا إلا أن نشعر بالفراغ خلال المشاهدة وبعدها.

«أريد فقط الذهاب إلى المنزل!» جملة أعادها يوسف مراراً وتكراراً قبل نهاية الفيلم على الحاجز. إعادة الجملة نفسها مع قلق وحزن يتجسدان بألف حركة من يديه وتعابير وجه، جعلت هذه الجملة المحقة، التي يشعر بها كل فلسطيني، خاليةً من المعنى وفارغة من محتواها الوجودي. ولهذا اختزل الفيلم الصراع الوجودي والجغرافي، بحدود أمتار عدة. لو أن يوسف أعاد الجملة نفسها، لكن بدون خنوع وطلب الرحمة، وبعيون تنظر مباشرة إلى عينَي الجندي لكانت لهجة الفيلم كلها اختلفت. وهنا نصل إلى المشكلة الكبيرة: أنسنة الجندي الإسرائيلي. فالجندي الإسرائيلي تأثّر لدى رؤية يوسف يعيد الجملة ذاتها، وإذا بالفيلم يصوّر العدو كأنه يلعب لعبة «شرطي سيّئ وشرطي جيد». شفقة أحد الجنود على يوسف وطلبه من زميله ترك يوسف يذهب إلى بيته، ونعت الجندي «الجيد» بالخائن من قبل زملائه، مشهد كأنه يصوّر جنود الاحتلال كبشر يشفقون على الفلسطينيين ويتصدّقون عليهم بما هو حقهم في الأصل.

المعاناة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون في ظلّ الاحتلال

لعبت السينما الفلسطينية دوراً مهماً في العالم العربي، بخاصة في فلسطين ما بعد النكبة. شاركت «جماعة السينما الفلسطينية» في توثيق الحياة اليومية والأحداث، وأضحت الكاميرا أداةً في الصراع. كان هدف هذه الأفلام إظهار حقائق النضال واستملاك صورته الحقيقية التي كانت إسرائيل تحاول محوها وتشويهها بطريقة منهجية. كان يُنظر إلى اللقطات على أنّها جزء من النضال، ومخرجون أمثال مصطفى أبو علي، وهاني جوهرية، لم يكونوا يصنعون أفلاماً على أساس أنهم فنانون، بل على أنّ عملهم لا يختلف عن حمل البندقية. اليوم ندرك تماماً أنّ السينما الفلسطينية والعربية تتوق لدخول المجال العالمي، لكن هذا لا يوجب تطبيلاً وتهليلاً في الاعلام العربي لأيّ عمل فني بغضّ النظر عن قيمته الفنية ومحتواه. ما يعرض على الشاشة هو جزء من حياة الفلسطينيين، ولا نزايد على المخرجين الفلسطينيين الذين يحاولون تصوير ما يحدث اليوم، لكن إذا كنا نتوهم أن الغرب والأكاديمية يرشحان أفلاماً فلسطينية بسبب ثقلها الفني ومحتواها (لما يحدث حقيقة في فلسطين) نكون متوهّمين. لا نزال نتذكر غضب إسرائيل من المخرج الفلسطيني إيليا سليمان وفيلمه «سجل اختفاء» (1996)، عندما أعلنت أن الفيلم «يهدد ثقافتها القومية والإيديولوجية» وعبارة ضابط إسرائيلي «الفيلم أخطر علينا من حماس»، ومحاربتها سليمان لاحقاً في أوروبا، خصوصاً في محاولة منع عرض فيلم «يد إلهية» (2002) في «مهرجان كانّ السينمائي». ترشيح «الهدية» هو فقط محاولة من الأكاديمية لوضع نفسها في دائرة التنوّع والانفتاح. لكنّ الحقيقة، لو لم تجد الأكاديمية وأغلبية المصوّتين في الفيلم لغةً تتماهى مع تفكيرهم وآمالهم في سلام مزيّف بعيد عن العدالة الحقيقية؛ لما رأينا بأي حال من الأحوال فيلماً مماثلاً على القائمة النهائية للترشيحات.

* «الهدية» على نتفليكس

 

####

 

... و«الرجل الذي باع ظهره»: «توابل» تسيل لعاب الأجانب

شفيق طبارة

الفن، الأخلاق والمجتمع... وقضية حديثة يتم تناولها بطريقة معينة في «الرجل الذي باع ظهره» المرشّح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. الفن، والذهاب بعيداً في متاهاته، وما يحدّه. الأخلاق والأنانية كحاجة أساسية في عالم مليء بالمشاكل والغموض. المجتمع، والبورجوازية عندما يصبح الإنسان نفسه سلعةً فنيةً، والهجرة والرفاهية المفاجئة التي تُظهر الوجه الآخر منها، وتتحول إلى إهانات ومضايقات. المخرجة التونسية كوثر بن هنية، تطرح كل هذا في إطار قصة حب مضطربة، تنتقل بين دمشق وبيروت وبلجيكا. يوافق سام علي (يحيى مهاني) اللاجئ من سوريا إلى لبنان، على وشم تأشيرة شنغن على ظهره من قبل فنان معاصر مشهور، من أجل الحصول على واحدة حقيقية. الفكرة بالنسبة إلى الفنان تمثّل الاضطهاد الذي يعانيه السوريون في محاولتهم اللجوء إلى أوروبا. أما ليحيى، فهي الهروب من واقع وبلد تمزقه الحرب، ومحاولته لمّ الشمل مع حبيبته عبير (ديا ليان). الفيلم هو اعتذار حديث وذكي عن الهجرة والتسليع والفن والجسد، تجنبت فيه بن هنية الخطابة والكلام المباشر وإيذاء المشاعر، وافتقدت فيه إلى الجرأة المطلوبة لطرح موضوع مماثل، واستخدام قصة الحب كدافع خلخل النص وأظهر ضعفه مع تقدم الفيلم.

معضلات معقّدة يفتحها الشريط، أثّرت عليه. الأخلاق والعدالة والحب وسوق البيع والشراء وطبيعة الفن نفسه. وجّهت بن هنية اتهامات غير واضحة، بعثرتها على مساحة الفيلم بمشاهد أنيقة ومنظمة، ما أدى إلى تشتيت المشاركة الفكرية والعاطفية للجمهور. اقتربت المخرجة من كل شيء أرادت قوله من دون الغوص فيه كلياً، ما عدا قصة الحب التي أعطتها أكثر مما تحتمل. الخيار الأسلوبي والسردي والتصوير (مدير التصوير اللبناني كريستوفر عون) الذي يؤكد على جماليات العمل الفنية الجذّابة والمدروسة والمُقنعة، دفعت الأفكار الرئيسية بعيداً، وأضعفتها لتصبح ثانوية، ما يعطي شعوراً بأن الفيلم ليس مكتوباً، بل هو مصمَّم. دراما أنيقة وعصرية مثيرة للاهتمام وساحرة، لكن المحتوى أقلّ شأناً من المعروض.

مفارقات لاذعة وناجحة، ورؤية كاملة معقولة عن أهمية العيش مع جسدنا وقدرتنا على التحرك بحرية أينما نريد في مرحلة جيوسياسية غير مستقرة. ما بدأ نقداً للفن وقوانين اللجوء؛ تحوّل إلى لعبة سياسية لدقائق معدودة، ثم إلى موضوع عن الإنسان وجسده وعن الابتزاز، تركت فيه المخرجة الهوية في الخلفية. ثم يتوقف الفيلم، لم تكن هناك نهاية، أو بالأحرى لم يتوقف حيث يجب أن ينتهي. بل توقف في مكان معين لم يكن له أي داع وكانت هذه نهايته، التي لا تعكس اتجاهه.

الفيلم مستوحى من أعمال الفنان البلجيكي ويم ديلفوي. وقبل كوثر بن هنية، رأينا عملاً مماثلاً يغوص في فكرة الفن المعاصر وهو «المربع» (سعفة كان الذهبية لعام 2017) للسويدي روبن أوستلاند. «الرجل الذي باع ظهره» مزيج جريء مما ذكرناه، وهو فيلم جميل لكنه حُمِّل أكثر مما يحتمل. الدراما والمأساة والرومانسية والهجاء والكوميديا السوداء والأزمة الإنسانية في سوريا واللجوء والسياسة والمعارضة والموالاة وأسواق الفن وتسليع الحياة البشرية... أفكار أكبر من أن تمرّ عليها كلها مرور الكرام... يمكن لشريط كوثر بن هنية، الوصول إلى أعين المشاهدين بسحره، ولكنه لم يتجرّأ على طرح الأسئلة المُحرجة، علينا نحن كعرب. فيلم يخاطب الجمهور الغربي أكثر من الجمهور العربي، ويجعله يتأثر لحالنا، ولكنّ المهم: هل نستعمل السينما لمخاطبة أنفسنا وإيجاد الأجوبة عن أسئلتنا، أم هدفنا فقط طرح قضايا أساسية تمسّنا من دون التكلم عنها بجدية وبنقد حادّ لأنفسنا قبل أي شخص آخر؟

 

الأخبار اللبنانية في

29.03.2021

 
 
 
 
 

الهدية”.. وسيلة ضمنية لنقل الحاضر

محمد كمال

للسينما الفلسطينية تجارب عديدة عن أفلام  دارت أحداثها عن أزمة ومعاناة الفلسطينيون مع الجدار العازل وكان أخرهم “200 متر” لأمين نايفة الذي رشحته الأردن ليمثلها في جوائز الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي وقام ببطولته علي سليمان لكن يعتبر الفيلم القصير “The Present” أو “الهدية” للمخرجة فرح نابلسي من أجمل ما شاهدت عن تلك المعاناة من خلال تجربة لا تتجاوز النصف ساعة في الفيلم الذي وصل للقائمة القصيرة ضمن جوائز الأوسكار ال 93 لأفضل فيلم قصير والتي من المقرر أن تعلن في ال 26 من إبريل الحالي.

تعد فكرة التركيز على الجدار العازل في الأحداث دون غيره من الأسباب المهمة التي جعلت الفيلم أكثر جمالا وتشويقا من تجارب أخرى يكون الجدار خلالها مجرد اطار للأحداث أو يتم طرح قضايا وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية أخرى تسير بالتوازي مع أزمة الجدار الذي مزق الواقع الفلسطيني وتسبب في حالات من التشتت الأسري بالإضافة إلى التفاصيل الإنسانية شديدة التمييز التي وضعتها المخرجة في فيلمها، فالأزمات الفلسطينية التي تطرح على مستوى السينما قد تكون متشابهة لكن الجميل هو كيفية طرحها على الشاشة من خلال تفاصيل مبتكرة وحبكة طازجة غير تقليدية وهو ما يتوفر في فيلم “الهدية”.

يبدأ الفيلم بمشهد للأب يوسف الذي قدم دوره الممثل الفلسطيني صالح بكري وهو يقف في طابور طويل وسط أعداد كبيرة من الفلسطينيين الراغبين في عبور الجدار من أجل التوجه إلى العمل خلال ممر في منتهى الضيق في مشهد غير إنساني من الزحام بالإضافة إلى المعاناة التي يواجهونها عند الوصول إلى نقطة التفتيش لعرض التصاريح الخاصة بهم التي تقل في بشاعتها عن صورة الطابور الضيق الطويل جدا.

في يوم الإجازة الوحيد ليوسف من العمل يتزامن مع الاحتفال بعيد ميلاد زوجته نور “مريم كامل الباشا” التي تسأله عن حال ظهره بعد الإرهاق الكبير نتيجة العمل طوال أيام الاسبوع، يضطر يوسف إلى الذهاب لعبور الجدار مرة أخرى مع ابنته ياسمين “مريم كنج”حتى يتجه لشراء ثلاجة جديدة وهي هدية عيد ميلاد زوجته وأيضا شراء بعض “البقالة” ومستلزمات المنزل.

نجحت المخرجة فرح النابلسي في عرض المشاهد الخاصة بالمضايقات اللإنسانية التي تعرض لها يوسف وابنته أمام نقطة التفتيش وفي المقابل نرى المكان الواسع الذي يعبر من خلاله الإسرائيليين عن طريق نظرة ياسمين لأحدى الأسر الحريدية “اليهود المتدينين” وهم يعبرون في سيارتهم بمنتهى السلاسة والحرية والسرعة بينما تجد والدها موقوف في سجن مروري حتى يتم تفتيش أغراضه.

بعد شراء الهدية ومستلزمات المنزل يتعنت الإسرائيليون مرة أخرى ويرفضوا عبور السيارة التي تحمل الثلاجة مما يضطر يوسف إلى جرها بواسطة عربة مشتريات صغيرة التي تعهد بإعادتها مرة أخرى للبائع في اليوم التالي وبدأ يوسف وابنته ياسمين رحلة العودة عبر الطريق سيرا على الأقدام ويتعرض لنفس المضايقات اللإنسانية على نقطة التفتيش مرة أخرى مع نفس الجنود لكنه هذه المرة يفقد أعصابه.

يوسف ذلك الشاب الأربعيني ظاهريا لكنه واقعيا عجوز في الثمانينيات بسبب الهموم والإرث الذي يحمله الذي تسبب في شعوره الدائم بألم، يوسف واجه الاحتلال في الماضي لكنه في الحاضر انحنى ظهره أكثر بسبب محاولاته للتأقلم مع الوضع الحالي والأمر الواقع الذي يفرضه عليه ظروف الاحتلال الغاشمة، يرفض اللغة العبرية بالرغم أنه بالتأكيد يجيدها لكنه يتعمد التحدث مع الجنود الإسرائيليين بالإنجليزية صحيح ان المخرجة لم تصرح بهذا خلال الأحداث لكنه ظهر جليا من خلال تعبيرات يوسف سواء أثناء التحدث أو أثناء سماعه محادثات الجنود فيما بينهم بالعبرية، يوسف الذي ذاق مرارة أسوأ شعور في الوجود وهو أن يكون الأب عاجز وقليل الحيلة أمام أعين ابنته.

اختيار اسم الفيلم “The Present” يحمل المعنيين “الهدية” و”الحاضر” فلم تكن تلك الهدية سوى وسيلة ضمنية لنقل صورة حية للوضع الحالي أو الحاضر والمعاناة اليومية للأسر الفلسطينية سواء في التعامل مع الجدار أو الاحتلال بشكل عام، ذلك المحتل الذي يتعنت في مسألة عبور ثلاجة بعد أن فشل يوسف في أن يجعلها تعبر إلى داخل الممر الضيق مما جعله يطلب من الجندي ان يمر بها من المجرى الواسع الخاص بالإسرائيليين لكنه يرفض ويكون اكثر اصرارا وتعنتا على الرغم من أن الأحداث تدور في المساء والمعبر نفسه خالي من البشر، وحتى لم يبالي الجندي بطلب صديقه في ان يجعل يوسف يمر لكن الجندي المتعنت تعلل بالالتزام بالتعليمات والنظام والقانون.

وسط ثورة الأب وتوجيه الجنود الإسرائيليون لمدافعهم الرشاشة في وجهه وتهديدهم وتوعدهم له اذ يفاجئ الجميع بالطفلة التي لم تتجاوز العشرة أعوام تقوم بجر الثلاجة بواسطة عربة المشتريات وتعبر بها عن طريق المنطقة الخاصة بالإسرائيليين لتمر الهدية بسلام.

نهاية تحمل تفاؤل مهم وأمل كبير في أن الأجيال القادمة هم الحرس الأصلي للقضية وصمام الأمان والركيزة الأساسية للدولة الفلسطينية وهم شهود على المعاناة النفسية والجسدية وقلة حيلة آبائهم تجاه الآلة الإسرائيلية العسكرية، قد تكون ياسمين ببراءتها وتصرفها العفوي الجريء تجسيد لشخصية يوسف في الماضي من قبل انحناء ظهره واصطدامه بالأمر الواقع، فهل ستواصل ياسمين الصمود في المستقبل وتنجح في العبور بالقضية عبر الطريق الخاص بالإسرائيليين أنفسهم ؟.

 

موقع "عين على السينما" في

30.03.2021

 
 
 
 
 

أفلام الهوانم من الجولدن غلوب إلى الأوسكار

كتب جيهان الجوهرى

استمر جدل جوائز الجولدن جلوب للان رغم مرور فترة على الاحتفال به نظراً لذهاب الجوائز لغير مُستحقيها خاصة فى قائمة أفضل ممثل وممثلة، وهذا لا يعنى إطلاقًا سوء الأفلام الفائزة، لكن الأمر له علاقة بحسابات معقدة لدى أعضاء اللجنة لسنا بصدد الحديث عنها حاليًا.

أود التوقف عند بعض نجمات أفلام الجولدن جلوب اللائى تخطين سن الشباب لكنهن مهتمات برشاقتهن ولم يفكروا فى إجراء عمليات تجميل، وفى ذات الوقت يجدن شركات إنتاج تعى جيدًا قيمتهم ويحرصون على صناعة أفلام تلائم مراحلهم العمرية سواء كانت بطولة مُطلقة أو مشتركة، المهم أنهم يستفيدون من حجم موهبتهن لآخر نفس.

«فرانسيسس ماكدوماند»

وبالعودة لأفلام الجولدن غلوب والتى تم ترشيح أغلبها لجوائز الأوسكار فى الحفل الـ  93 الذى سيقام فى 26 أبريل القادم سنلاحظ ثقل حجم أسماء اللائى لعبن أدوارًا بارزة ومهمة بهذه الأفلام بغض النظر عن فوزهن من عدمه فى الجولدن غلوب، وتأتى فى مقدمتهن «فرانسيس لويز ماكدورماند» مواليد 1957 أى 63 سنة بالتمام والكمال، لها رصيد محترم من الجوائز يتواءم مع ماقدمته من أفلام ومسلسلات، أبهرنى مؤخرًا أداؤها فى فيلم «أرض الرُحل» للمخرج كلوى تشاو الذى فاز باستحقاق بجائزة أفضل مخرج عن هذا الفيلم، بالإضافة لجائزة أفضل فيلم درامى.. بطلة الفيلم امرأة ستينية تضطرها ظروف الكساد الاقتصادى فى أمريكا بترك عملها وشراء مقطورة «منزل متنقل» تسافر من خلاله لأماكن مُختلفة.. طوال أحداث الفيلم نجد بطلة الفيلم بلا ماكياج وتجاعيد وجهها لم تعبث به يد طبيب تجميل، مما أعطى مصداقية للشخصية التى جسدتها، ورغم استحقاقها جائزة أحسن مُمثلة بجوائز الغولدن جلوب فإن الجائزة ذهبت إلى السمراء «أندرا دى» عن دورها فى فيلم «الولايات المتحدة مقابل بيلى هوليداى» وقد أخذ على أعضاء اللجنة» رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية» انحيازهم المُبالغ فيه هذا العام لذى البشرة السمراء خاصةً أن جائزة أحسن مُمثل اقتنصها تشادويك بوزمان رغم وفاته فى شهر أغسطس الماضى من أنتونى هوبكنز عن فيلم «الأب» وطاهر رحيم «عن فيلم الموريتانى» وريز أحمد عن فيلم «صوت الميتال». 

هذا الانحياز غير المنطقى لذى البشرة السمراء وغير المُنصف لأفلام نجوم لهم قيمة وثقل فنى يؤكد على تراجع معيار الجودة الفنية وخضوع الجوائز لمعايير فنية غير مُنصفة وضعيفة، فقط يحكمها حسابات عاطفية وبيزنس لا يمت بصلة بذهاب الجوائز لمن يستحقها.

«غلين كلوز»

الست غلين كلوز 73 سنة لها العديد من النجاحات وكان آخرها فيلم «هيلبيللى إليجى» المأخوذ عن المذكرات التى كتبتها جى دى فانس بنفس اسم الفيلم، والطريف أننى لم أتعرف على «غلين كلوز» بأول ظهورها بالفيلم نظرًا لظهورها بشكل قد يكون أكبر من عمرها الحقيقى أو أنها لم تستخدم ماكياجًا على الإطلاق، مما أظهر تجاعيد وجهها بشكل عميق، الفيلم أخرجه رون هاوارد ويحسب له اختياره لـ «غلين كلوز» فهو يعلم جيدًا قدرتها على التلون بذات الشخصية.

وبالفعل حققت «غلين كلوز» انتصارًا جديدًا بتقديمها دور الجدة لطفل يقترب من سن المراهقة وشاهدنا سكة أداء مُختلفة تجمع فيها بين الشدة واللين، شخصية من لحم ودم شاهدنا مشاعرها كأم تجاه ابنتها المُدمنة «آيمى آدمز» وكيف أثرت فى حفيدها بشكل غير مباشر ليصبح شخصًا ناجحًا، وقد خرج فيلمها بلا جوائز من الجولدن غلوب لكن أمامها فرصة للفوز بالأوسكار بقائمة أفضل ممثلة فى دور مساعد.

«صوفيا لورين»

المفروض أنها بلغت 86 عامًا فى سبتمبر الماضى، رغم أنها لجأت لبعض عمليات التجميل إلا أن الأمر كان بالحدود التى لم تفقدها تعبيرات وجهها وصدق أدائها التمثيلى، والدليل تألقها فى فيلمها الإيطالى «الحياة المُقبلة»، الذى كان ضمن قائمة أفضل فيلم أجنبى بجوائز الجولدن غلوب، ورغم أن الفيلم لم يحصل إلا على جائزة أفضل أغنية أصلية فقط إلا أن هذا لا ينفى جودة الفيلم خاصة أداء صوفيا لورين لشخصية العاهرة السابقة التى تطوعت بتبنى أبناء العاهرات، تجد نفسها مضطرة لاستضافة صبى نظير 750 يورو، يحمل كل الأخلاقيات التى تجعل أى أسرة تتنصل من استضافته،  رغم كرهه فى البداية ومشاكسته لمدام روز «صوفيا لورين»، إلا أنه حرص على تحقيق أمنياتها بأيامها الأخيرة, الفيلم مرشح للأوسكار فى قائمة أفضل أغنية أصلية.

«جودى فوستر»

٥٨ سنة فازت باستحقاق بجائزة أفضل ممثلة مساعدة عن دورها فى فيلم «الموريتانى» للمخرج كيڤين ماكدونالد لعبت دور المحامية التى تولت الدفاع عن الموريتانى طاهر رحيم، من يشاهد فوستر بالفيلم سيلاحظ ألقها بالدور رغم التجاعيد التى خطها الزمن على وجهها وجعل المُتفرج مشدودًا لأدائها ومتابعة صراعها لإخراج محمدو بن صلاحى «طاهر رحيم» من مُعتقل غواتنانامو «السجن الأسوأ سمعة على المستوى العالمى» الذى اقتادوه إليه كإرهابى بلا تُهمة ولا محاكمة، على عكس نجماتنا الذين يجعلون المُتفرج مُنتبهًا لعبث البوتكس والفيلر بوجوههن لتصبح وجوههن شمعية بلا روح مما يفقدهن جزءًا كبيرًا من مصداقية أدائهن على الشاشة, الفيلم خرج من ترشيحات الأوسكار القبل نهائية والنهائية لكنه مرشح لأكثر من جائزة فى «البافتا» يوم 11 أبريل.

«مارتين شوفاليية «وباربرا سوكوا» 

فيلم «tow of us» أو «نحن الاثنين» كان ضمن ترشيحات جوائز الجولدن غلوب فى قائمة أفضل فيلم أجنبى ورغم خروجه بلا جوائز فقد فوجئنا بترشيحه للاوسكار فى قائمة ال 15 قبل النهائية ثم تم استبعاده من ترشيحات الأوسكار النهائية، الفيلم يتحدث عن علاقة عاطفية بين سيدتين متقدمتين فى العمر الأولى جسدتها الفرنسية «مارتين شوفالية» 72 سنة، وقد كسبت تعاطف المُتفرج من خلال نظرات عينيها اليائسة وتعبيرات وجهها وصمتها المُعبر عن مشاعرها، وفى تصورى أن هذه الشخصية ذات السمات الهادئة فى حاجة لوجه مُحتفظ بعضلاته ولم تعبث به عمليات التجميل، لذلك بدت فى كامل ألقها كذلك الشخصية المُقابلة لها  التى جسدتها الألمانية باربرا سوكوا 71 سنة نجد شخصيتها بالفيلم تتسم بالانفعالية والمُجازفة والجرأة فى مواجهة أهل حبيبتها وأخبارهم بمثليتهم الجنسية.

وأخيراً:

درجة الألق الفنى الذى شاهدته بأفلام المُمثلات الكبار عُمرًا وفنًا يؤكد أنهن يعلمن جيدًا كيفية الحفاظ على «وجوههن» والحدود التى لا يتخطينها بعدم الإفراط فى عمليات التجميل، بل إن بعضهن يرفض تمامًا هذا الأمر وكأنهن يتفاخرن بالخطوط التى طبعها الزمن على وجوههن، لذلك نجد أداءهن للأدوار التى تسند لهن فى هذه المراحل العمرية شديدة التميز، وتجعلنا نضرب كفًا على كف لما وصل إليه حال نجماتنا اللائى نجدهن بأسنان ناصعة البياض ووجوه مُتشابهة مشدودة كالشمع.

 

صباح الخير المصرية في

31.03.2021

 
 
 
 
 

"ميناري".. عن كل ما هو مهم في الحياة

محمد صبحي

لدى الحديث عن ملحمة سينمائية أميركية خالصة، فالأمر يتعلّق بالأساس بنوع الويسترن، مثلما بشخصية الرائد، فاتح الأرض ومستعمرها. وإذا كان هناك أي شيء يحدّد فكرة الحلم الأميركي، التي لم تتوقف عن التحوّر طوال عقود، فهو الكفاح للوصول إلى أرض حرة وبكر، مفتوحة أمام احتمال جميع أنواع الأحلام الجماعية والفردية. في بداية القرن التاسع عشر، بدأت من المستعمرات الـ13 لأميركا الشمالية، عملية توسّع من شأنها أن تقود هؤلاء الرجال والنساء، ومعظمهم من المزارعين ومربّي الماشية الباحثين عن أفقٍ واضح، لإنهاء "الغزو"، وبحلول العام 1853، شكلّت تلك الأراضي "المحرَّرة" نواة الولايات المتحدة كما نعرفها اليوم.

اقترب الويسترن من هذه الرحلة، رحلة بلد في طور التكوين، كأسطورة، تنظمها علامات في طريق "الملحمة التأسيسية العظيمة للأمة الفتية". في هذا السياق، يبرز مفهوم سوسيو-سياسي وفلسفي، مشبع، في الوقت نفسه، بالخيال والخوف: الحدود. هذا المكان الذي لا يمكن تمثيله في مخيلة المهاجر، حيث كل شيء -حتى الأكثر فظاعة- ممكن. عندما يتعلق الأمر بفيلم "ميناري" للمخرج الأميركي-الكوري لي إيزاك تشونغ، تحضر أصداء قوية لأفلام جون فورد الويسترنية: من التأسيس في "الحصان الحديدي"(1924)، إلى الولادة الجديدة في "الباحثون"(1956) - حيث اكتمل غزو الغرب الأميركي لكنه لم يكن قد رُوِّض بعد - من دون نسيان النسخة الحزينة من نهاية الغزو التي يمثّلها فيلم "خريف الشايين"(1964). يمكن القول إن "ميناري" دراما عائلية على الطراز الفوردي.

في العام 1965، وضع قانون الهجرة الأميركي حدّاً لنظام الكوتا وفقاً للأصول القومية، الذي كان أساس سياسة الهجرة الأميركية منذ عشرينيات القرن الماضي، ما سمح للمهاجرين من أميركا اللاتينية وآسيا في البدء، بالوصول بشكل مستمر إلى الولايات المتحدة. في أواخر السبعينيات، في ذروة موجة الهجرة الكورية، استقر والدا لي إيزاك تشونغ (1978 – دنفر، كولورادو) في مزرعة صغيرة في شمال غربي أركنساس، حاملين معهما أحلاماً ومشروعات وطاقة. يموضع تشونغ قصة فيلمه في الثمانينيات، أميركا رونالد ريغان وصعود الخطابات اليمينية والقومية، ليروي، بطريقة ما، سيرته وسيرة أسرته المهاجرة، تاريخه، صراعاته، تناقضاته، هوس المهاجر في أرض جديدة وبيئة غريبة بعادات وقيم وخصوصيات مختلفة تماماً عمّا عرفه في بلد منشئه.

يركز الفيلم على تجارب أسرة كورية مهاجرة تسعى إلى رسم طريقها الخاص لتحقيق الحلم الأميركي: الأب جاكوب (ستيفن يون)، الأم مونيكا (يري هان)، الإبنة آن (نويل تشو) والإبن ديفيد (آلان كيم). كانت لدى العائلة خبرة سابقة في كاليفورنيا، لكن جاكوب اشترى للتو قطعة أرض كبيرة في ريف أركنساس بغرض إنشاء مزرعة هناك، لزراعة الخضروات الكورية وبيعها للمجتمع الكوري المتنامي باستمرار في الولايات المتحدة. هذه طريقته من أجل تحقيق الحلم الأميركي. تنتقل الأسرة الصغيرة للعيش في منزل متنقل جاهز، في أحد أركان أرضها المُعدّة للزراعة حيث سيتعين عليهم نسيان وسائل الراحة النموذجية لحياة المدينة، فيما مونيكا، لا تخفي استياءها وخيبة أملها. كلاهما يؤدي وظيفة رتيبة تتمثل في فصل الكتاكيت الإناث، والتي ستُستخدم لاحقاً لوضع البيض، عن الذكور الذين سيتم التخلّص منهم مباشرة.

البدايات ليست سهلة على الإطلاق، لكن (وعندما يبدأ التوتر في الازدياد) سرعان ما تصل الجدّة سونجا (الأسطورية يون يوه جونغ)، والدة مونيكا، في محاولة متأخرة لتأدية دور الجدّة الذي لم تتقنه قطّ، والمساعدة في ضبط أشرعة سفينة الأسرة المتضاربة. المشكلات الطبية لديفيد المصاب بانسداد الشريان التاجي، ونقص المياه، وصعوبة تسويق الحصاد، والتأزّم المستمر بين الزوجين، ومحاولات الذهاب إلى الكنيسة المحلية للاندماج أكثر مع المحيط... كل مشهد في "ميناري" له معنى ومنطق، كثافة درامية، عمق نفسي، روح إنسانية. رغم أن تراكم المصائب في بعض الأحيان يأخذ الميلودراما إلى مناطق غير مريحة.

في الفيلم، تأخذ الأمزجة السينمائية منحى حاسماً مثل تلك النظرة الطفولية التي يعتمدها الإبن ديفيد، الأنا الصغيرة للمخرج، في مقاربة عادات وديناميات أسرة مهاجرة يتنازع هويتها، في الوقت نفسه، مَيْلان: كوري وأميركي. الشكل المجازي المتجذر في هذا التحديث لسرديات المكتشفين والأراضي المجهولة وصدامات العادات، هو النبتة التي تعطي الفيلم عنوانه. فالميناري، وهو الاسم الشائع لنبات Oenanthe javanica، عشبة مُعمّرة معروفة في كوريا على نطاق واسع، وتتمثل ميزتها الأساسية، على حد تعبير الجدّة في الفيلم، في قدرتها على النمو في أي تضاريس أو تربة. يكافح جاكوب ومونيكا في كثير من الأحيان، ضد الظروف المعاكسة. وولداهما ديفيد وآن، وحتى الجدّة، وجميعهم، بهذا المعنى، بذور ميناري.

الابتعاد عن استعارات أحدث الإنتاجات السينمائية الأسيوية-الأميركية المستقلة - من "كولومبوس" (كوغونادا، 2017) إلى "ذيل النمر" (آلان يانغ، 2020) مروراً بـ"الوداع" (لولو وانغ، 2019) - هو أجمل ما في "ميناري" الذي يلعبها بذكاء، متشرّباً روح جون فورد ليروي قصّة "روّاد" آخرين، من غربٍ أقصى آخر، وحدود أخرى. يعيد اختراع سردية الهجرة التي شكّلت أميركا المعاصرة، انطلاقاً من التعايش بين الخيال والذاكرة، بين الأحلام والواقع القاسي، بين توترات وجود صعب وشاق. يتجنّب تشونغ الوقوع في فخّ الغوغائية كما استجلاب الملحمية إلى فيلمه. صحيح، هناك طفل استعطافي في كل مشهد تقريباً، لكنه قادر أيضاً على إحداث أذى شديد (مثل تقديم البول إلى جدّته بدلاً من الماء).

هناك سمات من اللطف والتضامن والحب، لكن هناك أيضاً عدم فهم وخيبة أمل وانزعاج. بناء كلاسيكي وحساسية فيها من الصدق والعاطفية ما يكفي لإقناع جمهور عريض، وحتى لتلقّيه جوائز مهمة. "ميناري"، بهذا المعنى، هو أحد أفضل المقاربات الحديثة لمعضلات المهاجرين الآسيويين (الكوريين) في أرض الفرص (والإحباطات) التي هي الولايات المتحدة.

لا يقتصر التأثير الفوردي على النهج العام لرواية قصة الفيلم فحسب، بل يتعدّاها إلى تفاصيل الروابط الناظمة لمكونات الفيلم نفسه، من أحداث درامية وتكوينات جمالية. عمل الأسرة وكفاحها لإبقاء رأسها فوق الماء، والملاحظات الميلانكولية لبول (ويل باتون)، العامل الأميركي الممسوس-المتدين الذي يساعد الأب في زراعة الأرض، والمشاهد التي لا توفّر جهداً في توضيح وجبات الطعام، وأيام العمل، وطبيعته، وألعاب الورق، أو لقاءات الكنيسة؛ تؤكد ما يربط الفيلم بأسلوب المعلّم الأميركي الأول. في المشاهد الداخلية أيضاً، تبرز تلك التوافقات الموضوعية والأسلوبية بين "ميناري" وأفلام فورد، بتتبُّع "الميزانسين" للعلاقات بين الشخصيات والأحياز والمساحات، بينما في المشاهد الخارجية، يكون لعمل المخرج الأسبقية، في تأكيد المزاج الملحمي للسرد. تعدد طبقات المعنى السيرفانتيني الذي ظهر، على سبيل المثال، في أعمال مثل "فورد أباتشي" (1948)، يعيد هنا نبلاً ضائعاً للسينما الأميركية: في مواجهة ديماغوجية "الفوز" الأميركية، يتعاطف تشونغ، بالقدر ذاته، مع مغامرة جاكوب وإحباط مونيكا المتزايد. من ناحية أخرى، تتردد أصداء شخصية موس هاربر من فيلم "الباحثون" (1956)  في شخصية بول: في الإثنين، شخصيات ثانوية تدعوهما الحبكة في الوقت المحدد لإبراز البعد الروحي الحقيقي لفيلم يسائل فكرة الإيمان على نحوٍ معقّد، من داخله لا من خارجه، عبر إخضاعه لتمثيلات طبيعية (كالفصول وتغيرات الطقس)، لكن بشكل أساسي، للنظام الاقتصادي الذي -على عكس تلك الرأسمالية البدائية اليوتوبية التي صوّرها فيلم "سيّد العربة" (1950)- فَقَد رسوه في المجتمع.

ما يجعل الفيلم رائعاً هو العالمية التي يستدعيها خطابه من صورٍ تشفّ ما تحتها من سطح رائق، بقدر ما تكتنزه، في النهاية، من ثقل الإنجازات الفنية والأدائية الرائعة. من الصعب الإشارة إلى موضوع مركزي في فيلم تشونغ. ربما يمكن تلخيص"ميناري" كفيلم روائي طويل يتحدث عن كل ما يهمّ، أو يجب أن يكون مهماً في الحياة. إنه، بأفضل معنى ممكن للكلمة، وقت مستقطع: إعادة بناء لحياة حميمة مستعصية في العصر الذي نعيشه. قلة نادرة من الإنتاجات الأميركية الحديثة -يتبادر إلى الذهن "المهاجرة" (جيمس غراي، 2013) و"لافينغ" (جيف نيكولاس، 2016)- عرفت كيف تتحدث مثل "ميناري"، باقتناع صادق وصراحة حميدة، حول الكرامة الأساسية للبشر وهذا التحدي المتأصّل في الوجود نفسه، الذي يستلزم مواءمة رغباتنا العميقة مع الروابط العاطفية التي تربطنا بمن نحبّهم.

(*) رُشّح الفيلم لست جوائز أوسكار، من بينها أفضل فيلم.

 

المدن الإلكترونية في

31.03.2021

 
 
 
 
 

حفل جوائز "أوسكار" 2021 يقام في ثلاث دول

(فرانس برس)

خصص منظمو احتفال توزيع جوائز "أوسكار"، موقعين في بريطانيا وفرنسا للذين لن يتمكنوا من تسلّم جوائزهم في لوس أنجليس، في 25 إبريل/نيسان المقبل، على ما أبلغت مصادر قريبة من الحدث السينمائي الأهم، وكالة "فرانس برس" الثلاثاء.

وأوضح أحد هذه المصادر أن مقدمي الاحتفال سيكونون موجودين كما هو متوقع في محطة سابقة للقطارات في لوس أنجليس، لكن منتجي الحفل "يخططون لترتيبات خاصة للموقع البريطاني" الذي وُصِف بأنه "محور مركزي".

وأضاف مصدر آخر أنه من المقرر إنشاء موقع آخر في باريس، مؤكداً معلومات نشرتها وسائل إعلام متخصصة.

وتعرضت جوائز "أوسكار" لانتقادات شديدة، بعد رفض المنظمين السماح للمرشحين الذين لا يرغبون أو لا يستطيعون حضور الاحتفال في لوس أنجليس، بتسلم جائزتهم عبر الإنترنت.

وكان حضور بعض الفنانين الأجانب سيدفعهم إلى مخالفة قيود السفر، ويضطرهم إلى الخضوع للحجر الصحي لكي لا يكونوا غائبين تماماً عن الاحتفال. وبناء على ذلك، أعيد النظر في التوجهات الأساسية، عبر خطة لإقامة مواقع فرعية ستخصص لمن لن يتمكنوا من حضور الاحتفال في لوس أنجليس أو في الموقع البريطاني الذي لم يُكشف عن مكانه.

إلا أن المنظمين يرغبون مع ذلك في الحد، قدر الإمكان، من المداخلات بواسطة الإنترنت التي أثارت انتقادات وخيبة أمل خلال الاحتفالات الأخرى التي حال فيروس كورونا دون إقامتها حضورياً، وأبرزها "غولدن غلوب" نهاية فبراير/شباط الماضي.

وتضمنت قائمة الترشيحات لجوائز "أوسكار" هذه السنة، ثمانية ممثلين بريطانيين ومخرجاً واحداً، بالإضافة إلى الكاتب الفرنسي فلوريان زيلر، المرشح عن سيناريو "ذا فاذر" المقتبس من مسرحيته، والمخرج الدنماركي توماس فنتربيرغ، والممثلة البلغارية ماريا باكالوفا (بورات 2) ونظيرها الكوري الجنوبي يون يوه جونغ (ميناري).

ويسعى المنظمون إلى حض المرشحين على الحضور شخصياً إلى لوس أنجليس إذا أتيحت لهم الفرصة، ويوصون جميع الضيوف بالتزام الحجر لمدة عشرة أيام، والامتناع عن تعريض أنفسهم للحشود أو الذهاب إلى الصالات الرياضية أو المطاعم.

وإضافة إلى الاحتفال الرئيسي في محطة القطارات القديمة في لوس أنجليس، ستقام عناصر أخرى من العرض في مسرح "دولبي" في قلب هوليوود، حيث درجت العادة على إقامة احتفال توزيع جوائز "أوسكار".

 

####

 

مخرجتان تحملان حقائق قاسية إلى أوسكار 2021

لندن/ العربي الجديد

لقي إدراج اثنتين من صانعات الأفلام: كلويه جاو وإيميرالد فينيل، في ترشيحات أفضل مخرج في أوسكار 2021، ترحيباً بوصفه حدثاً تاريخياً يقع للمرة الأولى في تاريخ جوائز أوسكار. إذ احتلّت النساء والأقليات العرقية مساحة واسعة في ترشيحات الأوسكار لهذا العام.

لكن شبكة "بي بي سي" سلطت الضوء على مخرجتين أخريين تدخلان هذا السباق للفوز بجائزة أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية: كوثر بن هنية من تونس مع فيلمها "الرجل الذي باع ظهره"، وياسمينا زابانيتش من البوسنة مع فيلم "إلى أين تذهبين يا عايدة؟" Quo Vadis Aida.

كلا الفيلمين استلهما موضوعهما من كابوس الحرب والمذابح واللجوء. فها هو فيلم "إلى أين تذهبين يا عايدة؟" يحكي قصة مترجمة فورية كانت تعمل مع قوات حفظ السلام الهولندية يوم 11 يوليو/ تموز 1995، حين أعدمت قوات صرب البوسنة أكثر من ثمانية آلاف رجل وصبي مسلم. ويبيّن الفيلم كيفية استغلال الصرب ضعف القوات الدولية.

حصل الفيلم على التمويل من قبل تسع دول أوروبية، بما في ذلك البوسنة والهرسك. وتشرح زابانيتش "عندما بدأنا الفيلم قبل خمس سنوات بدا الأمر مهمة مستحيلة".

أضافت "البوسنة ليس لديها صناعة أفلام. نحن ننتج فيلماً واحداً سنوياً، بميزانية تبلغ حوالي مليون يورو. لكن هذا الفيلم، جزئياً بسبب الإضافات التي نحتاجها، سيكلف أربعة أضعاف ذلك على الأقل لذلك كان لا بد من إنتاج مشترك مع دول أخرى".

وإحدى المواجهات التي خاضتها المخرجة حساسية الموضوع، وتقول "هذا أيضاً موضوع حساس ومؤلم، وبمجرد أن ذكرنا عبارة "إبادة جماعية"، ابتعد كثير من الناس قائلين "إنه صعب للغاية ". الآن أعتقد، لا، أنت فقط الذي تعتقد أن الجمهور لا يريد رؤية الأشياء الصعبة".

"ترشيحات الجوائز هي شرف لا يُصدق. يأمل المخرج دائماً أن تصل قصته إلى قلوب الناس بأعداد كبيرة، والآن لدينا ترشيحات بافتا وأوسكار، أعرف عدد الأشخاص الذين سيشاهدون الفيلم الآن".

أما كوثر بن هنية، فقد اختارت لبطولة فيلمها "الرجل الذي باع ظهره"، يقوم ببطولته يحيى مهايني، الذي يمثل للمرة الأولى في دور "سام علي"، وهو لاجئ سوري يوافق على تحويل نفسه إلى لوحة بشرية ويتم عرضه في صالات العرض الأوروبية. وتشارك في الفيلم الممثلة الإيطالية الشهيرة مونيكا بيلوتشي بصفتها مالكة معرض.

والقصة مستوحاة من مثال واقعي لتيم شتاينر، الذي وافق على رسم لوحة على ظهره من قبل الفنان البلجيكي ويم ديلفوي ثم بيعه إلى جامع فني ألماني.

وقالت المخرجة بن هنية إنها تريد أن تُظهر للجمهور مدى صعوبة تحرك اللاجئ حول العالم، مقارنةً بحركة البضائع. وأضافت "هدفي هو أن يعيش الجمهور تجربة هذا اللاجئ، الذي كان إنساناً عادياً، ولكن ليس مولوداً في المكان المناسب"، كما يقول للفنان الذي يقابله.

ومضت تقول "أردتُ أن أعطي إمكانية التعاطف، لفهم رحلة اللاجئ. لكن رحلته ليست كما يتخيل دائماً. ليس لدينا قارب، ولا غرق في البحر. أردت هذا المزيج بين عالم بقاء اللاجئ وعالم الفن المعاصر الفاخر لإحداث هذا التباين".

"إذن في الفيلم، صاحب المعرض، وحارس المتحف، ومدير المتحف، لديهم رد فعل للعمل مع عمل فني، لأنهم وقعوا عقداً، وهذا ما يعرفونه. لا يمكنهم التعامل مع سام كإنسان" على حد تعبيرها.

وبشأن ترشيحها لجائزة أوسكار قالت "إنه أول ترشيح على الإطلاق لتونس، وأود أن أجلب لأفريقيا جائزة الأوسكار. أنا عربية أيضاً، وحلمي أن أقدم لجميع البلدان الناطقة بالعربية جائزة أوسكار".

 

العربي الجديد اللندنية في

31.03.2021

 
 
 
 
 

"الرجل الذي باع ظهره" فيلم تونسي يترشح للأوسكار

يتحدث عن لاجئ سوري وتشارك فيه مونيكا بيلوتشي

(أ ف ب

بات فيلم "الرجل الذي باع ظهره" هو العمل السينمائي التونسي الأول الذي يبلغ التصفيات النهائية لجوائز الأوسكار.

ويتحدث الفيلم، الذي يُعرض في تونس، عن لاجئ سوري يبيع ظهره ليتحول عملاً فنياً حياً، بهدف الوصول إلى أوروبا.

وتبتعد المخرجة التونسية الفرنسية كوثر بن هنية، في هذا العمل السينمائي الطويل الثالث في مسيرتها التي انطلقت العام 2010، عن تونس لتغوص في عالمين متباعدين يثيران شغفها، اللاجئون والفن المعاصر.

ويروي الفيلم قصة سام علي، الشاب السوري الذي يضطر بعد تعرضه للتوقيف اعتباطياً، إلى الهرب من بلده سوريا الغارق في الحرب، تاركاً الفتاة التي يحبها ليلجأ إلى لبنان.

وبسبب عدم امتلاكه وثائق رسمية للحاق بحبيبته إلى بلجيكا، يعقد سام علي صفقة مع فنان واسع الشهرة تقضي بمساعدته في الحصول على تأشيرة دخول إلى أوروبا، في مقابل السماح للفنان باستخدام ظهر الشاب السوري ليرسم عليه ويعرضه أمام الجمهور.

واستوحت بن هنية فكرة الفيلم بجزء منها من قصة الشاب البلجيكي تيم ستاينر الذي باع مواطنه الفنان المعاصر، ويم ديلفوا، الحق في دق أوشام على ظهره، محولاً إياه إلى لوحة فنية حية للعرض.

وقالت بن هنية لوكالة الصحافة الفرنسية على هامش عرض خاص للفيلم أقيم للصحافيين عشية إطلاقه في تونس، أن "الشخصية الرئيسة في الفيلم تشكل همزة وصل بين عالمي اللاجئين والفن المعاصر"، موضحة أن "الأحداث تدور في سياق من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وأوضاع اللاجئين في أوروبا".

وسيعرض الفيلم الذي صُور في فرنسا وبلجيكا وتونس، اعتباراً من الجمعة، في الولايات المتحدة حيث سيتنافس لنيل جائزة أوسكار خلال الحفل السنوي الذي تستضيفه لوس أنجليس في 25 أبريل (نيسان) المقبل.

فرصة العمر مع مونيكا بيلوتشي

ويبدأ الفيلم الذي يمتد على أكثر من ساعة ونصف الساعة بمشهد توقيف سام علي إثر الوشاية به، لأنه اعتبر نفسه "حراً في بلد يشهد ثورة".

وتشكل شخصية سام علي التي يجسدها الممثل السوري يحيى مهايني المقيم في باريس، محوراً تدور حوله سائر الشخصيات المشاركة في البطولة، وبينها الفرنسية ديا ليان والبلجيكي كوين دي باو، إضافة إلى النجمة الإيطالية مونيكا بيلوتشي التي أدت دور امرأة، تحاول "إخفاء أصولها" الشرق أوسطية.

وعن مشاركة بيلوتشي، توضح بن هنية "كنت أبحث عن شخصية جميلة وذواقة، ووجدت ضالتي في مونيكا التي قبلت المشاركة من دون عناء".

أما الممثل السوري فيصف مشاركته في الفيلم بـ "فرصة العمر"، مضيفاً "لا أعتقد أن أي ممثل لا يطمح إلى تقمص هذا الدور، إنه فيلم طموح".

وتتابع كاميرا بن هنية بطل الفيلم خلال تنقلاته بين أروقة المعارض الفنية حيث يجد نفسه مجبراً على عرض ظهره لساعات أمام عدسات المصورين أو الزوار. مما يثير فضول البعض، في حين يرى فيه آخرون اعتداء على حريته.

بطل معاصر

وتؤدي طريقة التصوير وتغيير أسلوب الإضاءة بين المشاهد دوراً مهما في عرض الأحداث، فقد غلبت الإضاءة الساطعة على المشاهد المصوّرة خارج أروقة المعارض، لتكشف تفاصيل الديكور الدقيقة وتقاسيم وجوه الشخصيات، بينما طغت الألوان الداكنة على المشاهد الأخرى.

ويبرز الفيلم التأرجح في شخصية البطل بين السعادة والغضب، إذ تستخدم المخرجة الرموز لتظهر غضبه من تحويله إلى نوع من البضاعة، وحال السأم التي يعيشها من منظومة كاملة قائمة على الظلم.

وتقول المخرجة، "هاجسي الرئيس كيف أجعل من الشخصية الرئيسة بطلاً معاصراً تنتهي مغامرته الشاقة لمصلحته". مضيفة، "سئمت الخطاب الذي يرى في اللاجئ ضحية وحسب"، فيما يستطيع أن يكون في موقع "الند للند" مع الفنان.

ويتجلى ذلك من خلال نهاية الفيلم بـ "انتصار" البطل مع استرجاع "ملكيته لجسده التي انتزعت منه".

ويحلم مهايني بأن يشاهد الجمهور في بلده هذا العمل، وهو إنتاج مشترك بين جهات من دول عدة، بينها فرنسا وتونس وألمانيا وقطر وتركيا.

كاد ألا يرى النور!

ويتنافس الفيلم التونسي للفوز بجائزة أوسكار ضمن فئة أفضل فيلم أجنبي مع "أناذر راوند" (الدنمارك) و"بيتر ديز" (هونغ كونغ) و"ولكتيف" (رومانيا) و"كو فاديس، عايدة" (البوسنة)، بحسب قائمة الترشيحات للدورة الـ 93 من هذا الحدث.

وتصف المخرجة التونسية الترشيح بأنه "حدث عظيم غير مسبوق في السينما التونسية"، لكنها تأسف إزاء نقص الدعم الرسمي للقطاع السينمائي في بلدها.

وكاد "الرجل الذي باع ظهره" ألا يرى النور بسبب صعوبة تجميع موازنة الفيلم التي بلغت 2.5 مليون يورو، بحسب منتجي العمل التونسيين الذين يبدون تفاؤلاً حيال النتيجة المتوقعة في حفل الأوسكار، على الرغم من ضعف إمكاناتهم الترويجية في مواجهة الأعمال المنافسة التي يحظى بعضها بدعم جهات عملاقة.

وتأمل بن هنية أن تشكل تجربتها مدخلاً إلى "تغيير مفهوم المنتجين في ما بعد، وتوفر فرصاً أخرى لتقديم أعمال مشابهة".

وسبق لها أن أخرجت عدداً من الأفلام القصيرة والوثائقية، وحصد فيلمها "على كف عفريت " إعجاب الجمهور خلال عرضه ضمن فئة "نظرة ما" في مهرجان كان الفرنسي العام 2017، وهو يتناول قصة فتاة اغتصبها رجال الشرطة، وتكافح لتقديم شكوى في حقهم. وعُرض العمل على "نتفليكس" في مايو (أيار) الماضي.

ومن المتوقع أن تشرع بن هنية المنتمية إلى جيل من السينمائيين التونسيين الشباب الذين نقلوا إلى الشاشة الكبيرة قضايا مجتمعية وسياسية، كانت تخضع للرقابة قبل ثورة 2011، قريباً في تصوير فيلم وثائقي حول حكاية تونسية بعنوان "بنات الفة".

 

####

 

ريز أحمد أول مسلم يرشح لجائزة "أوسكار"

عن شخصية عازف طبول يصاب بالصمم في فيلم "ساوند أوف ميتال"

رويترز 

جسد الممثل البريطاني، ريز أحمد، شخصية عازف طبول يصاب بالصمم في فيلم "ساوند أوف ميتال" (صوت المعدن)، وهو الدور الذي جعل منه أول مسلم يرشح لجائزة أوسكار أفضل ممثل.

وفي الفيلم الذي أخرجه داريوس ماردر، يجسد أحمد شخصية روبن الذي يقوم بجولة مع صديقته المغنية، يفقد خلالها القدرة على السمع، ثم يسعى على مضض لطلب المساعدة وتعلم لغة الإشارة.

وقال أحمد، إن استعداده لتجسيد الدور عن طريق تعلم عزف الطبول ولغة الإشارة، تطلب منه جهداً كبيراً.

وأضاف لوكالة "رويترز"، "على المستوى العاطفي كان نصاً قاسياً للغاية. كتب داريوس ماردر شيئاً مؤثراً حقاً".

وأحمد، البالغ 38 عاماً، مغني راب أيضاً ومرشح لجائزة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (بافتا) عن الدور نفسه، في حفل يقام الأسبوع المقبل.

وفي الفيلم يمضى روبن وقتاً مع أطفال صم ويدرس عزف الطبول.

ودخل أحمد التاريخ الشهر الماضي، كأول مسلم يرشح لجائزة أوسكار أفضل ممثل.

وقال، "أعتقد أن كثيراً من الناس يشعرون بحماس شديد لأن فيلماً عن الصم مرشح لنيل جائزة أفضل فيلم".

 

الـ The Independent  في

01.04.2021

 
 
 
 
 

فيلم «موسيقى» عن ذوي الاحتياجات الخاصة يثير جدلا كبيرا

المغنية الشهيرة سيا لـ«القدس العربي»: نجتهد لمساعدة المصابين بالتوحد والإعاقة

حسام عاصي/ لوس أنجليس – «القدس العربي» :

عندما نشرت المغنية الشهيرة سيا مقطعاً دعائياً لفيلمها «موسيقى» في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي، واجهت انتقادات لاذعة بسبب اختيارها ممثلة ليست مصابة بالتوحد لأداء دور شخصية متوحدة. وزادت حدة الإنتقادات لدرجة السب عندما حاولت أن تدافع عن اختيارها لممثلتها المفضلة مادي زيغلر.

وفي حديث معها بعد تلك الحادثة عبرت لي عن أسفها على تلك الانتقادات. «ما فعلته هو أنني طلبت منهم أن يشاهدوا الفيلم قبل أن يحكموا عليه. لكن لاحقاً، بدا واضحاَ أن الأمر لا يتعلق بمضمون الفيلم ذاته. فكان علي أن أصمت بدلاً من الدفاع عن الفيلم.»

«موسيقى» ليس الفيلم الأول، الذي يجسد فيه ممثل قادر شخصية مصابة بالتوحد أو الإعاقة. فقد قام العديد من الممثلين القادرين بتلك الأدوار ونال ستة وخمسون منهم ترشيحاً لجائزة الأوسكار أو فوزا بها.

من أبرزهم داستن هوفمان في فيلم «راينمان» حيث يؤدي دور متوحد يمتلك ذاكرة خارقة، ذلك الفيلم كان أول عمل يطرح ظاهرة التوحد للجماهير العالمية، وبات المرجع للتعرف عليها. بينما لعب داني داي لويس، في فيلم «قدمي اليسرى» دور الرسام الإيرلندي كريستي براون المشلول جسده ما عدا قدمه اليسرى، التي استخدمها لرسم لوحاته الشهيرة.

أما توم كروز، فقد جسد في فيلم «ولد في الرابع من يوليو» دور الجندي الأمريكي رون كوفيك، الذي شل بسبب إصابته خلال حرب فيتنام، وتحول لاحقاً لأحد قياديي الحركات المناهضة للحرب. وتلاه توم هانكس في فيلم «فورست غامب» حيث لعب دور شخص بطيء الفهم يتميز بقدرات بدنية عالية، مكنته من التفوق في مسابقات العدو ونيل ميداليات شرف بفضل تضحياته في حرب فيتنام، فضلاً عن نجاحه في عالم الإستثمار. وكذلك هيلاري سوانك التي أدت دور ملاكمة تصاب بالشلل خلال إحدى مبارياتها في «فتاة المليون دولار» وايدي ريدماين، الذي جسد دور عالم الفيزياء المشلول الشهير ستيفين هوكينغ في «نظرية كل شيء».

أعمال تعزز الاندماج في المجتمع

تلك الأفلام لم تطرح ذوي الإعاقة عبئا على المجتمع أو فاشلين، بل كأبطال يمتازون بقدرات بدنية أو ذهنية خارقة تفوق قدرات القادرين، وعرّفت المجتمع على إعاقاتهم وعززت من فهم الجماهير لهم وتماهيهم معهم. وقد نال الممثلون رضى وامتنان ذوي الإعاقة الذين جسدوهم في أفلامهم؛ فقد عبّر كوفيك عن فخره بأداء كروز دور شخصيته في «ولد في الرابع من يوليو» بينما مدح هوكينغ ريدماين على تجسيده له في «نظرية كل شيء».

لكن في الأعوام الأخيرة تحولت تلك الأفلام الأيقونية الى مصدر سخرية وازدراء عندما صارت جمعيات ذوي الإعاقة تستنكر طرحها لإعاقتهم، واصفة إياه بالنمطي والسلبي، وذلك لأن شخصيات ذوي الإعاقة فيها تكون دائماً رافضة لإعاقتها ويكون رد فعلها غاضباً وعنيفاً عندما تصاب بها وأحياناً تفضل الموت على تعايش معها.

تلك السخرية والاستنكار طالت الممثلين، الذين اتهموا بالإسراف العاطفي في مظاهر الإضطراب والغضب والعنف لكي يعززوا من درامية أدائهم، بدلاً من عكس الفروقات الدقيقة في التجسيد. لهذا ظهرت حملات تطالب بمنح تلك الأدوار لمعاقين حقيقيين من أجل تقديم طرح أصلي لاعاقتهم.

بدأت الانتقادات تظهر عام 2016، عندما أُطلق فيلم «أنت قبلك» الذي يلجأ بطله المشلول للموت الرحيم كي لا يكون عبئاً على حبيبته. وفي عام 2018 اشتعلت حملة هاشتاغ «ديس ذا أوسكار» عندما فاز بالأوسكار فيلم غييرمو ديل تورو «شكل الماء» الذي طرح فتاة بكماء كمعتوهة تهرب من العالم مع كائن غريب مائي الى قاع البحر.

لكن تلك الثورة حدثت بعد أن شرعت سيا في التحضير لإنتاج فيلمها الأول عام 2015. «لم أكن أدرك هذه الأمور» تقول المغنية. «الآن أعرف أن علي بذل الجهد لإيجاد شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة لأداء مثل هذا الدور. لكن في هذه الحالة لم يكن الأمر ممكناً لأننا كنا قد اقترضنا كامل المبلغ المالي ولا يمكن تغيير السيناريو.»

شخصية الفيلم المتوحدة هي فتاة مراهقة مسماة على اسمه «موسيقى» تعيش مع جدتها وتقضي وقتها في الاستماع إلى الأغاني والموسيقى، وتتخيل أنها تشارك بالرقص والغناء مع جوقتها، ما يساهم في تخفيف آلامها ويجعلها في غاية الفرح. وعندما تتوفى جدتها، تحضر أختها، زو، وهي تاجرة مخدرات، للعيش معها والاهتمام بها.

«ما وجدته هو أنك إذا كنت متوحداً فإنك تصاب بأعراض أشبه بأعراض الصدمة الكهربائية ويؤلمك جسدك بسبب التشنجات» تشرح سيا. «بالنسبة لي، كانت في مخيلتها متحررة من كل ذلك الألم.»

ذوو الاعاقة يحتجون

لكن ذلك التحليل لم يرض ذوي الإعاقة، الذين ثاروا غضباً عندما عرض الفيلم لأول مرة بداية هذا العام في أستراليا، ووصفوا طرحه للشخصية المتوحدة بالنمطي والخطير وتحديداً مشاهد كبح الشخصية عندما تصاب بالارتجاف والاضطراب. وانهالت المسبات على سيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفعها لإلغاء حسابها على موقع تويتر.

كما طالبت منظمة الدفاع عن التوحد بإلغاء الفيلم. بينما نظم موقع «تشينج دوت كوم» حملة لسحب الفيلم من ترشيحات الغولدن غلوب، جذبت أكثر من مئة وخمسين ألف توقيع.

«أتفهم السبب في وصف الناس له بأنه يميّز ضد ذوي الإعاقة» تقول سيا. «فقد قمت بذلك عن غير عمد وتصرّفي اتسم بمحاباة الأقارب، فمادي بمثابة ابنتي وكانت حساسة تجاه تجسيدها الدور. وكانت نوايانا جميعا حسنة.»ولدت مادي عام 2002 وبدأت تمارس الرقص بينما كان عمرها عامين، وعندما شاهدتها سيا في برنامج رقص تلفزيوني واقعي وهو «أمهات الرقص» بينما كانت في الثامنة، اختارتها للرقص في كليباتها الموسيقية، مثل «تشاندليير» و «إيلاستيك هارت» اللذين جذبا أكثر من خمسة مليارات مشاهدة على موقع يوتيوب، ما جعل مادي إحدى أكثر شخصيات مواقع التواصل الاجتماعي شعبية، حيث يتابعها ما يقارب ثلاثة عشر مليون شخص.

لهذا إحترافها في الرقص وقربها من سيا جعلاها الخيار الطبيعي لأداء دور شخصية موسيقى. «عندما كتبت نص الفيلم تخيلت مادي فيه في عقلي الباطني.»

ومع ذلك، حاولت سيا أن تختار مصابة بالتوحد لأداء الدور وأن تدربها على الرقص والغناء من أجل تفادي الانتقادات، لكنها فشلت. «أمها قالت: مستحيل لأن ذلك سيجلب الخزي عليها».

مادي لم تكن تعرف شيئاً عن التوحد أو عن مصابيه. فانغمست في دراسة التوحد والمصابين به من خلال مشاهدة الفيديوهات عنهم على الانترنت، والالتقاء ببعضهم والتعرف عليهم عن قرب. وقد نال أداؤها مديح معهد عقل الطفل، الذي منحها نسبة نجاح 100 في المئة في تمثيلها لطفل غير ناطق مصاب بالتوحد.

وفي حديث معها، قالت لي إن الفيلم أكثر ما طرح لظاهرة التوحد. «الفيلم بالنسبة لي لا يدور عما يظنه الجميع وحسب» توضح مادي، ابنة الثامنة عشرة. «أظن أن عليك مشاهدته لتفهم أن هذا عالم كامل من الإبداع والحب والألوان والصور الفنية الغريبة وما إلى ذلك.»

مادي ليست مجرد راقصة في فيديوهات سيا، بل هي بديلتها الشخصية، وذلك لأن المغنية الشهيرة كانت تبغض الشهرة وتتفادى الظهور أمام الملأ وكانت تلبس شعراً مستعاراً يغطي وجهها بالكامل خلال عروضها الموسيقية لكي تحافظ على خصوصيتها. فألبست مادي شعراً مستعارا لكي تبدو شبيهة لها. لكن سرعان ما واجهت تهماً باستغلال الطفلة مادي جسدياً وجنسياً.

«ذلك الأمر لم يخطر ببالي» تعلق سيا. «قلت لنفسي: رائع، إنها طفلة ولديها الكثير من المتابعين الصغار يشاهدونها على برنامج «دانس مامز» ولم أفكر أبعد من ذلك.»

أما مادي فهي ممتنة وتشعر بأنها محظوظة لاختيار سيا لها، رافضة بشدة الانتقادات ضدها. «سيا لديها رؤية وأنا أقوم بنفخ روح الحياة في تلك الرؤية. مع ذلك أدرك أن كل شخص له وجهة نظر وجميعها صالحة بطريقتها الخاصة، لكن كما تعلم الفن أمر شخصي؛ إما أن تحبه أو تكرهه. بالنسبة لي، لقد كانت تجربة مذهلة. وما زال ذلك أشبه بالحلم اليوم لا يمكنني أن أصدقه وأنا أقدره كثيراً لأنني أعيش بالضبط كما أردت عندما كنت طفلة صغيرة. وبالتالي إنه رائع جداً.»

من المفارقات أن موسيقى، التي تحمل اسم الفيلم وباتت محور الاهتمام والجدل، ليست شخصية الفيلم الرئيسية أو محوره، بل هي الشخصية المساندة للشخصية الرئيسية وهي أختها زو، الفوضوية والمدمنة على المخدرات، التي تجد مخرجاً من أزماتها الشخصية والنفسية بفضل ارتباطها بها. تلك الشخصية استلهمتها سيا من تجربتها الخاصة، إذ أدمنت على المخدرات والكحول لأكثر من عشرة أعوام وحاولت الانتحار عدة مرات بعد أن قتل حبيبها في حادث سير في لندن عام 1997. «لم أخطط لأصبح مخرجة أفلام» توضح سيا المغنية ابنة الـ 45 عاما. «كان يجب أن أصنع هذا الفيلم. لقد كنت أفكر به لسنوات عديدة وكان يتسرب مني وليست لدي أي فكرة لماذا أخترت هذا الموضوع، لكنني شعرت أنني مدفوعة نحو هذا الخيار، وأنني إذا لم أصنعه سأموت وكلّي ندم. في النهاية كان مصدر إزعاج كبير لكنه في الغالب كان حاجة ومتعة.»

لكن تجربة سيا الأولى في الإخراج لم تكن ممتعة، ففضلاً عن انتقادات المعاقين، اتهمت أيضا بتخليد صور نمطية عنصرية بسبب لجوء رجل أفريقي مصاب بالايدز الى زو البيضاء البشرة لكي تأمن له الأدوية. كما نعته النقاد بأسوأ فيلم لهذا العام ووصفوه بأنه يفتقر للذوق.

فالسؤال هو هل يمكن أن يكون الفن مبدعاً إذا التزم بأحكام المجتمع والتقاليد والتراث واللياقة السياسية؟ أليس على الفن أن يتحدى، وربما يتمرد على النظم المفروضة من أجل إثارة الجدل وتطوير الأفكار؟ أو هل على الفنان أن يلجم خياله وتفكيره وتعبيره من أجل مراعاة مشاعر جمهوره؟

 

القدس العربي اللندنية في

01.04.2021

 
 
 
 
 

ريز أحمد... أول مسلم يرشح لأوسكار أفضل ممثل

(رويترز)

جسد الممثل البريطاني ريز أحمد شخصية عازف طبول يصاب بالصمم في فيلم "ساوند أوف ميتال" (صوت المعدن)، وهو الدور الذي جعل منه أول مسلم يرشح لجائزة أوسكار أفضل ممثل.

وفي الفيلم الذي أخرجه داريوس ماردر، يجسد أحمد شخصية روبن الذي يقوم بجولة مع صديقته المغنية يفقد خلالها القدرة على السمع، ثم يسعى على مضض لطلب المساعدة وتعلم لغة الإشارة.

وقال أحمد إن استعداده لتجسيد الدور عن طريق تعلم عزف الطبول ولغة الإشارة تطلّب منه جهدا كبيرا.

في الفيلم يمضي روبن وقتاً مع أطفال صم ويُدرس عزف الطبول.

وأضاف أحمد لـ"رويترز": "على المستوى العاطفي كان نصا قاسيا للغاية. كتب داريوس ماردر شيئا مؤثرا حقا".

وأحمد (38 عاماً) مغني راب أيضًا ومرشح لجائزة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (بافتا) عن الدور نفسه في حفل يقام الأسبوع المقبل.

ودخل أحمد التاريخ في الشهر الماضي كأول مسلم يرشح لجائزة أوسكار أفضل ممثل. ويقام احتفال توزيع الجوائز في 25 إبريل/نيسان المقبل.

وقال أحمد: "أعتقد أن كُثراً من الناس يشعرون بحماس شديد لأن فيلما عن الصم مرشح لنيل جائزة أفضل فيلم".

 

العربي الجديد اللندنية في

01.04.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004