ملفات خاصة

 
 
 

العنصرية والتمييز ما زالا يعششان في الأوسكار

حسام عاصي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثالثة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

لوس أنجليس – «القدس العربي» : اشتعلت عام 2015 حملة «الأوسكار بيضاء للغاية» عندما غاب الممثلون السود عن ترشيحات الأوسكار في فئات التمثيل للعام الثاني على التوالي، واتهم منظموها أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة الأمريكية بالعنصرية، فردت الأخيرة برفع نسبة أعضائها الملونين من 7 إلى 19 في المئة وأجرت إصلاحات أسفرت عن ارتفاع ملحوظ في أعداد المرشحين الملونين في الأعوام اللاحقة.

هذا العام، واجهت جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية، التي تمنح جوائز الـ«غولدن غلوب» اتهامات مشابهة عندما غابت بعض الأفلام والبرامج التلفزيونية السوداء عن ترشيحاتها، وتحديداً بعد أن كشفت جريدة «لوس أنجليس تايمز» عن عدم وجود صحافيين سود بين أعضائها الـ 87. وزادت تلك الاتهامات حدة عندما تم تسريب خطاب لي في أحد اجتماعات الجمعية الشهرية، حيث قلت إنني كعضو في الجمعية واجهت عنصرية فيها أكثر من أي مكان آخر.

في الواقع، العنصرية التي واجهتها كعضو في جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية لا تختلف كثيراً عن العنصرية التي واجهتها في أماكن أخرى ويواجهها الكثير من العرب والمسلمين والفلسطينيين في المهجر، كنعتي بالارهابي والمعادي للسامية والكاره للنساء والمتطرف الديني والعربي الغاضب!

فالأمريكيون الذين يصوتون للأوسكار، والأوروبيون الذين يشكلون معظم مصوتي جوائز الـ»غولدن غلوب» صقلوا نظرتهم تجاه الأقليات العرقية والدينية من خلال مشاهدة الأفلام الهوليوودية والإعلام الغربي، الذي طرح الملونين كأشرار عديمي الأخلاق ومجرمين يفتقدون للإنسانية ومغتصبي نساء وتجار مخدرات وإرهابيين متطرفين. وبالتالي فالعنصرية ليست مرضاً تعاني منه مؤسسة أو منظمة واحدة، بل هي جائحة منتشرة في كل مجالات الحياة.

لكن البعض في الغرب، وتحديداً الصحافيين والسياسيين، صاروا يستخدمون العنصرية كسلاح لتصفية حساباتهم مع خصومهم. فكل الصحافيين الذين اتصلوا بي للحصول على تعليق مني لم يكونوا معنيين بالعنصرية خارج جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية، وسرعان ما أدركت أن غايتهم هي تحطيم جوائز الغولدن غلوب، التي يصوت لها صحافيون أجانب ليسوا أمريكيين. وبدا واضحاً أنهم يستخدمون مكافحة العنصرية لتبرير كراهيتهم للأجانب.

نفاق الصحافة الأمريكية تجلّى عندما تم الإعلان عن ترشيحات الأوسكار الأخيرة، التي وصفوها بأكثر الترشيحات تعددية في تاريخ الأوسكار، وأنها صنعت تاريخاً بفضل ترشيح امرأتين؛ وهما البريطانية ايميرالد فانيل والصينية كلوي تشاو في فئة أفضل إخراج مع أنها استبدلت المخرجة السوداء، رجينا كينغ، التي نالت ترشيحاً لغولدن غلوب أفضل إخراج، بمخرج أبيض وهو الدنماركي توماس فينتبرغ، لتبقى المخرجات السود محرومات من ترشيحات الأوسكار لفئة أفضل إخراج.

كينغ هي المخرجة السوداء الثانية التي حققت ترشيحاً في فئة غولدن غلوب أفضل إخراج. فقد سبقتها ايفا ديفورني عام 2015، التي رُشحت عن فيلمها «سلما» لكنها حُرمت آنذاك من ترشيح الأوسكار في الفئة نفسها، التي ضمت رجالاً فقط. ومع ذلك شاركت كل من ديفورني وكينغ في الحملة ضد جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية في الأسابيع الأخيرة.

جوائز الأوسكار ما زالت متحيزة

كما مدحت الصحافة الأمريكية التعددية العرقية في ترشيحات أوسكار أفضل ممثل، التي ضمت مرشحاً مسلماً لأول مرة في تاريخها وهو البريطاني ريز أحمد. لكن ترشيحات جوائز الغولدن غلوب ضمت مسلماً آخر في تلك الفئة وهو الفرنسي – الجزائري طاهر رحيم، الذي أُستبدل في ترشيحات جوائز الأوسكار بممثل أمريكي- كوري وهو ستيفين يون عن دوره في فيلم ميناري، الذي نال خمسة ترشيحات أوسكار، بينما حُرم فيلم «الموريتاني» من أي ترشيح وهو أول فيلم يطرح حرب الولايات المتحدة على الإرهاب من منظور مسلم ويقوم ببطولته ممثل مسلم.

خلافاً للإعلام الأمريكي، أشاد مجلس الشؤون العامة للمسلمين بترشيحات جوائز الغولدن غلوب، التي ضمت ثلاثة ممثلين مسلمين، وهم رحيم وأحمد ورامي يوسف ومنحت ترشيحين لفيلم «الموريتاني» بينما عبر المجلس في تصريح للإعلام عن أسفه لتجاهل مصوتي الأوسكار له.

من المفارقات أن فيلم كلينت ايستوود، «قناص أمريكي» الذي يحكي قصة قناص أمريكي قتل ما يقارب 200 عراقي، نال 6 ترشيحات للأوسكار، علما أن رواده في الجنوب الأمريكي كانوا يخرجون من قاعات السينما يهتفون «الموت للعرب» بعد مشاهدته. أما مصوتو الـ«غولدن غلوب» فقد وصفوه بالعنصري والكاره للمسلمين ولم يمنحوه أي ترشيح، ما أثار غضب الإعلام الأمريكي، الذي نعتهم بكارهي أمريكا وفاقدي الذوق السينمائي الراقي.
وبينما لم يفز حتى الآن أي فيلم عربي بجائزة الأوسكار، إلا أن جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية منحت الغولدن غلوب لأفضل فيلم بلغة أجنبية للفيلم الفلسطيني «الجنة الآن» عام 2007.

كما أن رامي مالك، وهو الممثل العربي الوحيد، الذي فاز بجائزة الأوسكار عام 2018، لم يكن ليحقق ذلك إلا بعد فوزه بالغولدن غلوب في الفئة نفسها. وفضلاً عنه كّرم عمر الشريف بثلاث جوائز غولدن غلوب عن دوره في فيلم «لورنس العرب» عام 1962 وفي «دكتور جيفاغو» عام 1965، بينما مُنح رامي يوسف الجائزة لأفضل أداء في مسلسل كوميدي عام 2019 عن دوره في أول مسلسل أمريكي مسلم وهو «رامي».

جوائز الغولدن غلوب أيضاً سبقت أكاديمية التلفزيون في تكريم المواهب العربية وتسليط الضوء على أعمالهم التلفزيونية. ففي عام 2015، تجاهلت ترشيحات الايمي للتلفزيون مسلسل الأمريكي -المصري سام اسماعيل، وهو «السيد روبوت» ولم تكرمه في أي ترشيح إلا بعد أن منحته جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية الغولدن غلوب لأفضل مسلسل درامي ورشحت بطله رامي مالك في فئة أفضل ممثل في مسلسل درامي عام 2016.

كما لم يحقق مسلسل «رامي» ترشيحات لجوائز الإيمي إلا بعد أن فاز بطله يوسف بغولدن غلوب أفضل ممثل عام 2019.

جوائز غولدن غلوب تنصف الجميع

الآسيويون كانوا أيضاً أكثر حظاً في جوائز الغولدن غلوب من جوائز الأوسكار. ففي عامي 2019 و2020 كُرّم كل من الفيلمين الأمريكيين الآسيويين «أغنياء آسيويون مجانين» و «وداع» بترشيحي غولدن غلوب على التوالي، بينما فازت بطلة «وداع» اوكوافينا بالجائزة لأفضل ممثلة في فيلم كوميدي. لكن كلا الفيلمين لم ينالا أي ترشيحات للأوسكار ولم تنل حتى الآن ممثلة أسيوية جائزة أوسكار.

فهل يعني ذلك أن مصوتي الغولدن غلوب الأوروبيون أقل عنصرية من مصوتي جوائز الأوسكار والإيمي الأمريكيين؟
بالطبع لا، عنصرية الأوروبيين تكون أحياناً أكثر خطورة من عنصرية الأمريكيين. فبينما تنبع عنصرية الأمريكي من الجهل وعدم معرفة ما يحدث خارج الولايات المتحدة، تنبع عنصرية الأوروبي من شعوره بالكبرياء والعجرفة، الذين ورثهما من أجداده الذين استعمروا بلدان الملونين حتى آونة أخيرة. فقد كشفت إحصائيات أن نسبة عالية من الأوروبيين يحنون لماضي بلادهم الاستعماري، عندما استغلوا شعوب الملونين واستولوا على أراضيهم ونهبوا ثروات بلادهم.

ومع ذلك يستنكر الأوروبيون بشدة حروب الولايات المتحدة وسياستها الخارجية وعنصرية نظامها ضد السود، وكثيراً ما يخرجون إلى الشوارع للتظاهر ضد حكومتها، كما فعلوا الصيف الماضي بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة، وضد حرب فيتنام في الستينيات بالإضافة إلى احتجاجهم ضد الحرب على العراق عام 2003.

من المفارقات أن الشركات الأوروبية هي التي كانت تختطف عائلات الأفارقة في القرن السابع عشر وتشحنها على متن بواخرها عبر المحيط الأطلسي إلى القارة الأ مريكية، حيث يتم بيعها للأمريكيين. كما أن معظم الحروب المعاصرة التي تورطت فيها الولايات المتحدة هي نتيجة سياسات الاستعمار الأوروبي، الذي ترك وراءه عالماً مقسماً إلى دويلات فقيرة وضعيفة تحت سلطة حكومات ديكتاتورية فاسدة، ما زالت منهمكة في صراعات دموية بين بعضها البعض.

لهذا الأوروبيون هم أكثر معرفة وإلماماً بما يحدث من ظلم سياسي وكوارث إنسانية في مستعمراتهم السابقة، سواء كان ذلك في الشرق الأوسط أو أفريقيا أو آسيا، ويشعرون ببعض المسؤولية وأحيانا بالذنب تجاه ذلك، لهذا يقومون بمبادرات لدعم مشاريع فنية واقتصادية وثقافية في تلك المناطق، فضلاً عن دعم مواهبها.

أما الأمريكيون، فمعظمهم لا يعرف أين تقع تلك الدول على الخارطة، ناهيك عن فهم ما يدور فيها من أحداث أو خلفيتها، ولا يسمعون عنها إلا عندما تخوض حكومتهم حرباً فيها. وذلك لأن محطات التلفزيون الأمريكية تتجاهل ما يحدث خارج الولايات المتحدة في نشراتها الإخبارية، وتركز فقط على الأخبار المحلية. فعندما تعرضت الولايات المتحدة لضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، انصدم الأمريكيون وصاروا يتساءلون ماذا فعلنا لنستحق هذه الضربات؟ لأن برامجهم التلفزيونية وأفلامهم وزعماءهم أوهموهم بأنهم قوة خيّرة في العالم والكل يحبهم. أما الأوروبيون، فلم يستغربوا وكأنهم كانوا يترقبون تلك الضربات لأنهم كانوا واعيين لغضب شعوب العالم الثالث تجاه الغرب.

التباين بين الأمريكيين والأوروبيين في نظرتهم تجاه شعوب العالم الملونين ينعكس أيضا في تقييمهم للأفلام التي تعالج قضايا تلك الشعوب. فبينما يعتبر الأمريكيون «القناص الأمريكي» بطلاً كان يحارب الإرهاب في العراق، يستنكره الأوروبيون كمجرم شارك في حرب غير شرعية. لكن دافع الأوروبيين ليس محبة العراقيين أو العرب أو المسلمين، بل تقديم أنفسهم كشعوب أرقى أخلاقياً وفكرياً من أقاربهم الأمريكيين.

لهذا أصيب أعضاء جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية الأوروبيون بالصدمة والهلع عندما صارت جمعيات ومؤسسات أمريكية تتهمهم بالعنصرية وتطالبهم بتعزيز التعددية العرقية بينهم، علماً أن تلك الجمعيات أيضاً تفتقر إلى التعددية العرقية. فعلى سبيل المثال، شركات عملاء الترويج، الذين يمثلون كل نجوم هوليوود، قاطعوا جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية لكي يجبروها على ضم أعضاء سود إليها، مع أنه لا يوجد إلا عميل ترويج أسود واحد في كل تلك الشركات ولا يوجد أي صحافيين سود أجانب في هوليوود مؤهلين للانضمام للجمعية.
هوليوود أنذرت جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية حتى بداية شهر مايو/أيار للقيام بتعديلات لتعزيز التعددية، وإذا فشلت الجمعية بتحقيق ذلك فسوف تُلغى جوائز «الغولدن غلوب». وإن حدث ذلك فعلاً، فسوف تُستبدل بجمعية أمريكية، ستقوم على الأرجح بتكريم أعمال تتلاءم مع النظرة الأمريكية تجاه العالم ما سيسفر عن تقليص فرص مواهب الملونين للترشح لجوائز هوليوودية أو الفوز بها.

 

####

 

متى نُشاهد فيلماً عن «العشرية السوداء» في الأوسكار؟

سعيد خطيبي

أفرج عن قائمة الأفلام المُرشحة للأوسكار هذا العام، وتضمن صنف الأفلام الأجنبية فيلم «أين تذهبين، يا عايدة؟» للبوسنية ياسميلا جبانيتش. تعود المخرجة في عملها الأخير إلى صيف 1995 الذي شهد مجزرة سربرينيتسا، من خلال تتبع يوميات شخصية عايدة (ياسنا دروجيتش)، التي تعمل مترجمة في ثكنة قوات حفظ السلام في سربرينتسا، التي كانت تشغلها وحدة عسكرية هولندية.

ينطلق الفيلم من لحظة اجتياح جيش صرب البوسنة للمدينة، وتفرق الناس هرباً إلى غابة مُجاورة، بينما فضل الآلاف منهم الاحتماء بقاعدة قوات حفظ السلام، مصرة على تركيز كاميرتها في عديد المشاهد على شخصية الجنرال راتكو ملاديتش، قائد جيش الصرب، الذي خطط لتلك الجريمة، ممتثلة للتفاصيل التاريخية، وإلى واقعته الشهيرة حين ظهر وهو يوزع الحلوى على ضحاياه، قبل أن يغدر بهم. كما لم يفتها في فيل الإشارة إلى الميليشيات الموالية للصرب، التي قدمت خدماتها في مذبحة راح ضحيتها ما لا يقل عن ثمانية آلاف شخص. بينما قلق عايدة يتصاعد، على طول الفيلم، في محاولاتها إقناع الهولنديين توفير الحماية للسكان، وإجلاء زوجها وابنيها، تظهر شذرات من ذلك التاريخ الدامي لسربرينتسا، نشاهد ملاديتش وجيشه وهم يقتحمونها، مع أن البلدة كانت ضمن المناطق المحمية، لكن سوء فهم بين قوات حفظ السلم، وسوء تنسيق أوجدها تحت رحمة القتلة، ولم تسرف ياسميلا جبانيتش في شرح أسباب احتلال المدينة، والخلفيات التاريخية لذلك الأمر، ملحة على حصر سيناريو الفيلم في الممهدات التي ساقت إلى تلك المجزرة، قبل أن ينتقل الفيلم في نهايته إلى مشهد عايدة وهي تبحث عن رفات ابنيها وزوجها، بين أكوام العظام التي لم يتعرف الناس على هوياتهم، إلا بعد إخضاعهم لتحليل الحمض النووي.

وثّقت ياسميلا جبانيتش في فيلمها واحدة من أفظع لحظات حرب البوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي، ومن يُشاهد «أين تذهبين، يا عايدة؟»، لاسيما المشاهد الجزائري، لا بد أن يخطر على باله مشاهد من مجازر مماثلة، في بن طلحة والرايس وغليزان وغيرها، ويتبادر السؤال في هذه اللحظة: لماذا نجح البوسنيون في التصالح مع ذاكرة حربهم الداخلية، وحولوها إلى صور وأفلام، بينما نحن في الجزائر نجحنا في طمر تلك الذاكرة، كما لو أن شيئاً لم يحصل في التسعينيات؟ بينما مجتمعات تداوي محنها باستعادتها في الصورة ومناقشتها، نستمر في الجزائر في محوها قسراً كي تظل ذاكرة التسعينيات، أو ذاكرة «العشرية السوداء»، كما يُطلق عليها، تطوف في العقول سراً، تشوش علينا النظر إلى أنفسنا وإلى حاضرنا.

الضحايا في البوسنة والهرسك، نالوا حظوة أن هناك من لا يزال يتذكرهم، عكس الجزائريين الذين دفنا جثثهم ومعهم ذكراهم، ومن يُغامر بالكتابة عن العشرية السوداء، أو تصوير عمل عنها، سوف ينتصب في وجهه جيش من المتناغمين مع جوقة السلطة.

من عنوان الفيلم، أفصحت ياسميلا جبانيتش عن نواياها، فقد اعتمدت عنواناً باللاتينية، مقتبساً من التراث المسيحي، وجملة «أين تذهبين؟» وردت في المسيحية بصيغة المذكر، حين سأل بطرس اليسوع عن وجهته، فأجابه بأنه ذاهب إلى روما كي يُصلب مرة أخرى، كما أن هذا العنوان ليس موجهاً إلى بطلة الفيلم وحدها، بل يتوجه إلى أهل سربرينتسا بأكملهم، الذين لا يزالون عالقين في تاريخ تلك المجزرة، التي لم يشفوا منها، فوجه المدينة لا يزال نفسه لم يتغير، في واحد من المشاهد يظهر ضحايا محبوسون في قاعة كبيرة أشبه بقاعة سينما، أفرغت من كراسيها، وهو مكان لا يزال قائماً لحد الساعة وقد تحول إلى مركز ثقافي، بل إنه يقيم كل عام مهرجاناً محلياً للسينما، حيث سال دم الضحايا، يحييه أناس خلفوهم. ركز «أين تذهبين، يا عايدة؟» على الجنرال ملاديتش، الذي انتهى أمره في محكمة لاهاي مداناً كمجرم حرب، توظف المخرجة مشهداً مهماً، حين تصادف عايدة على باب ثكنة قوات حفظ السلام، جندياً من قوات صرب البوسنة، يسألها عن حالها ويتودد إليها، بينما رفاقه يشحنون الحافلات بالمسلمين البوسنيين، قصد تصفيتهم، نعرف من محادثتهما أنه كان تلميذاً عندها وأنها كانت مدرسة، ونفهم بالخصوص أن القاتل والمقتول حينذاك كانا جيرانا وأصدقاء، كانت حرب أخوة، ألا يوجد شبه في هذا التفصيل مع ما حصل في الجزائر في ذلك الوقت، تحديداً من منتصف التسعينيات؟

لا نكف طوال الفيلم عن الركض بصحبة عايدة، التي حملت الفيلم على كتفيها، وهي تحاول قدر المستطاع تجنيب عائلتها ركوب الحافلات التي قادت الضحايا إلى المجزرة، مستفيدة من بطاقتها المهنية، كونها مترجمة لدى قوات أممية، تترجم كلام العسكريين الهولنديين، غير مقتنعة بما يقولون، تعلم أنها كانت تكذب عن أصدقائها وعن أقاربها، الذين كانوا ينتظرون قدرهم، فهمت عايدة مثلما فهم البوسنيون صيف 1995 أن العالم قد تخلى عنهم، فهل يأتي ترشيح الفيلم للأوسكار بمثابة اعتذار مبطن؟ مع أن حالة البوسنيين لا تختلف عن حالة الجزائريين، الذين تغاضى عنهم العالم في سنين الجمر في تلك الفترة عينها، لكننا في الجزائر لم نهتم كثيراً بكاميرا تعيد تصوير ما جرى، وبقيت الأفلام الجادة التي قاربت العشرية السوداء تعد على الأصابع.
منذ اللقطات الأولى من الفيلم يرتفع الإيقاع بشكل متسارع، عايدة في محاولاتها البائسة قصد إنقاذ ما يمكنه إنقاذه، والآلاف من ساكنة سربرينتسا ينتظرون منتهاهم على يد جيش ملاديتش، قد نتوقع في لحظة من اللحظات أن معجزة سوف تحدث، أن تتدخل يد إلهية، في إنقاذ الأطفال والأبرياء، لكن لا شيء يحدث، كل شيء كان مخططاً له من طرف صرب بوسنة، بل إن قوات حفظ السلام كانوا أنفسهم ضحايا، لا حول لهم في تغيير ما نوى عليه الجلاد، تسير الأمور نحن المجزرة، والمقابر الجماعية، وينتهي مصير بوسنيين إلى ما انتهى إليه مصير جزائريين، علقوا في حرب لا شأن لهم بها، سال دمهم، لكن الضحايا في البوسنة والهرسك، نالوا حظوة أن هناك من لا يزال يتذكرهم، عكس الجزائريين الذين دفنا جثثهم ومعهم ذكراهم، ومن يُغامر بالكتابة عن العشرية السوداء، أو تصوير عمل عنها، سوف ينتصب في وجهه جيش من المتناغمين مع جوقة السلطة، أن تلك المرحلة للنسيان، ويجب عدم العودة إليها ولا إحياء جراحها، متغاضين عن أن جراحها لا تزال ماثلة أمام الأعين ما لم نوثقها أو نجابهها بأسئلة ونقاشات حية، لا أن نسارع في وأد صوت من يُبادر إلى استعادتها.

كاتب جزائري

 

القدس العربي اللندنية في

26.03.2021

 
 
 
 
 

فيلم "نومادلاند" يعزّز طريقه إلى الأوسكار بتتويج جديد

حصول الفيلم على جائزتي جمعية منتجي هوليوود وغولدن غلوب يعزّزان آماله بالفوز بالأوسكار.

لوس أنجلس (الولايات المتحدة)اختارت جمعية منتجي هوليوود الأربعاء “نومادلاند” أو “رحالة” أفضل فيلم لهذه السنة، معزّزة من خلال منحه هذه الجائزة آماله أكثر فأكثر للفوز بالأوسكار.

وفي وقت دفعت الجائحة الأستوديوهات إلى إرجاء إطلاق إنتاجاتها الضخمة، تقدّم “نومادلاند” مجدّدا على منافسيه الرئيسيين “دروب شيكاغو السبعة” و”مانك”، بعدما كان هذا الفيلم عن “سكان المقطورات” الأميركيين الذين يجوبون الولايات المتحدة في مركباتهم القديمة، فاز أيضا بجائزة أفضل فيلم درامي ضمن جوائز غولدن غلوب، كما فاز قبلها بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية وجائزة الجمهور في مهرجان تورنتو.

وتولّت الأميركية من أصل صيني كلويه جاو البالغة 38 عاما إخراج “نومادلاند” الذي تؤدّي دور البطولة فيه الممثلة فرانسس ماكدورماند الحائزة جائزتي أوسكار، مجسّدة شخصية امرأة محطمة تترك كل شيء لعيش حياة ترحال داخل مقطورة على هامش المجتمع الأميركي.

ويغوص الفيلم في عالم “سكان المقطورات”، وهم الأميركيون الذين يمضون أوقاتهم في مركبات مستصلحة تضم مساحة للنوم ويعيشون من الأعمال البسيطة، حتى أنهم باتوا يشكلون ما يشبه المجتمع الصغير ويتواصلون في ما بينهم خلال لقاءات الصدفة على الطرق أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال منتج الفيلم بيتر سبيرز “في عام عشنا خلاله جميعا حياة منعزلة وبدت الأفلام ضرورية للغاية، نحن فخورون بإنتاج فيلم يخاطب المجتمع ويجمعنا“.

وتشكّل جوائز الجمعية مؤشرا موثوقا به نسبيا لمعرفة هوية الأعمال المحتمل حصولها على جوائز الأوسكار التي توزّع في نهاية أبريل القادم. ومن آخر 13 عملا فائزا بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم، عشرة أعمال كانت نالت قبلها جائزة الجمعية.

وحصدت منصات الفيديو على طلب الترشيحات في السباق إلى الجوائز السينمائية هذه السنة، بفعل اضطرار شركات الإنتاج الكبرى إلى تأجيل إطلاق عروض إنتاجاتها نظرا إلى إقفال دور السينما خلال الجائحة.

واستحوذت نتفليكس وأمازون وحدهما على أكثر من نصف الترشيحات في فئة السينما لجوائز جمعية منتجي هوليوود، لكنّ الفوز كان في نهاية المطاف من نصيب أستديوهات “سيرتشلايت” التابعة لديزني، وهي منتجة “نومادلاند”. كذلك فازت ديزني في فئتي أفلام التحريك من خلال “سول” والأفلام التلفزيونية من خلال “هاملتون”.

أما جائزة الترضية لنتفليكس فكان فوزها بجائزة أفضل فيلم وثائقي بفضل “مدرس الأخطبوط الخاص بي” الذي ارتفعت بذلك حظوظه للفوز بالأوسكار.

 

العرب اللندنية في

26.03.2021

 
 
 
 
 

«الموريتاني» فيلم بريطاني أمريكي مشترك:

تعرية الأسوأ في ذريعة الحرب على الإرهاب

مروان ياسين الدليمي

خلال العقد الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين كثيرا ما تناولت السينما الأمريكية في هوليوود موضوعة الحرب على الإرهاب، بعد حادثة تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك 11 ايلول/سبتمبر 2001 الذي تسبب في انعطافة حادة في منظومة العلاقات الدولية، وأحدث تحولا عميقا في حبكة الأحداث التي سيشهدها العالم.

ولم تقتصر سيناريوهات الأفلام حول الحدث نفسه، بل تجاوزته إلى ما خلفه من تداعيات خطيرة، على مستوى العلاقات بين الغرب والمجتمعات العربية الإسلامية، حتى وجد العالم نفسه يصحو على حرب سافرة بغاية الشراسة، تخلو في كثير من أوجهها من أي اعتبارات أخلاقية، ولم تكن مقتصرة على بقعة مكانية محددة من الكرة الارضية، رغم ان طرفيها واضحين: الغرب والشرق.

كما ان المسألة لم تعد موقفا حكوميا سياسيا غربيا تجاه أنظمة عدد من الدول العربية والإسلامية، بقدر ما انسحبت على الأفراد العاديين، الذين أصبحوا بسبب اسمائهم ولون بشرتهم، والجنسية التي يحملونها، في مرمى التشكيك بسلامة نواياهم وأفكارهم، فتحولوا إلى إرهابيين مع سبق الإصرار، حتى تطور الموضوع في المجتمعات الغربية إلى ما يدعى»الإسلاموفوبيا» فأنكسر التوقع الطبيعي المعتاد لردود أفعال البشر في الأماكن العامة، وبات أي عربي ومسلم، معلقا في قائمة سوداء تضم حفنة من المشتبه بضلوعهم في أعمال إرهابية، تختزنها الذاكرة الجمعية، ليس في أمريكا والبلدان الغربية فقط، بل في معظم دول العالم.

حكاية الفيلم

«الموريتاني» إنتاج 2021 بريطاني أمريكي، إخراج كيفن ماكدونالد، سيناريو وتأليف إم. ترافن، وروري هينز وسهراب نوشيرفاني، يأتي ضمن السلسلة التي تعتمد قضية الإرهاب المرتبط بالجماعات الإسلامية، محورا مركزيا في بنية خطابها الفني، لكنه يختلف قليلا في حكايته في ان السيناريو قد تجاوز الاهتمام بأي مشاهد فيها تفجيرات ومطاردات ومواجهات بالأسلحة، مكتفيا بتتبع واحدة من القصص الحقيقية، حيث الشخصية الرئيسية فيها لشاب موريتاني يدرس في ألمانيا اسمه محمدو ولدو صلاحي، مثل شخصيته الممثل الفرنسي الجزائري الأصل طاهر رحيم، وما ان يعود لزيارة وطنه، حتى تأتي الشرطة المحلية بقيادة أحد الضباط طالبة منه ان يرافقتهم إلى المخفر للإجابة عن بعض الاستفسارات، ومن ثم بامكانه ان يعود ليكمل احتفاله مع أقاربه بزواج أحد أفراد القبيلة. لكنه ما ان ذهب برفقتهم، حتى وجد نفسه مرحلا إلى الأردن ليبقى معتقلا هناك لمدة ثلاثة أشهر، ومن بعدها يتم ترحيله إلى أفغانستان، وأخيرا ينتهي به المطاف في معسكر غوانتانامو من بعد ان ألصقت به تهمة الإرهاب، فيخضع إلى عمليات تحقيق وتعذيب بغاية القسوة، لأجل ان تنتزع منه اعترافات تثبت تورطه مع تنظيم القاعدة، ولانه كان صادقا مع نفسه، ولا يجد في تاريخه الشخصي ما يشير إلى تورطه بعمل إرهابي، لذا تعاون مع المحققين، ولم يخف عنهم أي شيء يتعلق بحياته وعلاقاته، ولا حتى قتاله في أفغانستان أيام احتلال الاتحاد السوفييتي للبلد، وهذا ما يضع المحققين في حالة من الهستيريا، لانهم لم يحصلوا منه على ما كانوا يراهنون عليه، وازاء ذلك يبقى لمدة 14 عاما رهين الاعتقال، ورغم عدم توصلهم إلى أي دليل دامغ يثبت تورطه، سوى ما كانت أجهزتهم التنصتية قد التقطته من اتصال هاتفي وحيد كان قد تلقاه من ابن عمه المنخرط في تنظيم القاعدة، وليس في الاتصال ما يشير إلى ان في حديثهما ما يدعم فكرة صلته التنظيمية بعناصر إرهابية، وفي ختام رحلته القاسية والطويلة داخل المعتقل الصحراوي الموحش، يتم الإفراج عنه لعدم وجود أي دليل يدينه.

حكاية الفيلم مأخوذة عن كتاب أصدره المعتقل السابق في معسكر غوانتانامو محمدو ولد صلاحي عام 2015 دوَّن فيه كل التفاصيل التي مرت به، منذ لحظة اعتقاله، مرورا بتجربته في السجن، وانتهاء بإطلاق سراحه.

حياة مرقَّنة

لم تكن قصة صلاحي غريبة على مسامعنا، لان هناك العشرات من القصص المؤلمة، التي تتشابه معها في تفاصيلها، حيث انتهىت حياة أصحابها في معتقل غوانتانامو، واختلطت فيها الوقائع بكل مرارتها، بصور لا تخطر إلاَّ في الخيال، فمن غير المنطقي ان تبقى الحقيقة ضائعة لسنين طويلة، بينما تبقى حياة الأبرياء مرقنة في سجل التغييب القسري عن الحرية، بعيدا عن الأهل والأحبة.

قضية صلاحي، تذهب في رمزيتها إلى طابور طويل من الضحايا يقبعون في سجون الانظمة السياسية شرقا وغربا، بدون ان يكون هناك ما يثبت تورطهم بأي عمل إرهابي، لكن حظهم العاثر وضعهم أمام عجلات مسننة لسلطات سياسية عمياء، لديها الاستعداد في ان تسحق كل شيء يقف أمامها، بدون ان تراعي أي حقوق يتمتع بها الإنسان، ويكفي ان انتماءه الديني أو القومي أو أحد أقربائه على صلة بالإرهاب، ليكون دليلا كافيا على انه شخص مشتبه به.

تشير الإحصائيات الرسمية الأمريكية التي ذكرت في التايتل الأخير للفيلم إلى ان عدد المعتقلين في سجن غوانتانامو بلغ 779 ثمانية منهم دارت حولهم شبهة التورط بأعمال إرهابية، وبعد سلسلة تحقيقات رافقتها حفلات تعذيب بشعة امتدت لسنين طويلة، كانت النتيجة ان ثلاثة منهم فقط ثبتت عليهم التهمة!!

هذه الإحصائية كافية لتكون دليلا على ان السلطات الأمريكية مارست أساليب قذرة بحق الحرية الإنسانية بذريعة محاربة الإرهاب، وقد تكون تجربة معتقل غوانتانامو وسجن ابي غريب في العراق، مثالين شاخصين على حجم انتهاكاتها بحق أعداد كبيرة من السجناء، وهذا لا يعني عدم وجود إرهابيين بينهم.

جاء اعتقال صلاحي بالتهمة الموجهة بانه تلقى اتصالا هاتفيا ولمرة واحدة من ابن عمه، الذي يعمل مع اسامة بن لادن، وكان الاتصال كافيا لان يضعه في قائمة المشتبه بهم، وبان له علاقة مع المجموعة التي فجرت برجي التجارة. بذلك تكون سلطة الولايات المتحدة قد أصدرت قرارها بتدمير صلاحي قبل ان تبدأ التحقيقات معه، وبقيت مغمضة عينيها عن الحقيقة لمدة 14 عاما تحت ذريعة الاشتباه به.

صراع على حافة الأحداث

حبكة الفيلم ركزت على الدور الذي لعبته محاميتان أمريكيتان في الدفاع عن المعتقل الموريتاني، ونجاحهما في إثبات براءته، رغم انهما كانتا في البداية تشعران بان له صلة بالإرهاب، وعلى وجه خاص المحامية الشابة تيري دنكان التي أدت شخصيتها الممثلة شايلين وودلي، حيث لعبت دور المساعدة للمحامية الرئيسية نانسي هولاندر وأدت شخصيتها الممثلة جودي فوستر، التي تتولى الدفاع عن صلاحي.

يبدأ الفيلم بالقبض على صلاحي بعد ان عاد لتوه من ألمانيا التي كان يدرس فيها، ومن ثم يتقدم البناء السردي سريعًا في عرض الحكاية لنواجه المحامية نانسي هولاندر تكلف بمهمة الدفاع عنه من قبل شركة محاماة كبيرة، فتوافق مع بعض التردد، ثم تسافر مع مساعِدتها تيري دنكان إلى المعتقل للالتقاء به.

على الجانب الآخر، تأخذ الحبكة دورها لتنمية الصراع بخطوط ثانوية مهمة، وذلك من خلال شخصية الضابط ستيوارت كوتش الذي ادى دوره الممثل بنديكت كومبرباتش، إذ يكلف بمهمة المدعي العسكري في القضية، وكوتش طيار سابق يحمل في داخله كراهية خاصة ضد المسلمين، بعد ان فقد أقرب أصدقائه على متن الطائرة التي ضربت البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي، ومن هنا تأخذ المهمة التي تم تكليفه بها طابعا شخصيا. وكان من المتوقع ان يكون لهذه الشخصية في السيناريو، دورا مهما يساهم في تصعيد الأحداث دراميا، لكنها بقيت تتحرك على حافة الأحداث، دون حضور مؤثر.

علاقات غير متقاطعة

مشاهدة الفيلم تثير تساؤلات حول الجانب الفني، خاصة في ما يتعلق بحبكته، فالملاحظ ان البناء السردي، كلما ابتعد عن شخصية صلاحي وأجواء المعتقل الذي يقضي حياته فيه، كلما مال القوس العاطفي إلى الضعف، إذا لم يكن السياق الدرامي للأحداث المتعلق بشخصيتي المحاميتان يحمل في داخله عناصر درامية يمكن ان تدفع بالأحداث إلى النمو والتطور، فقد بدت معظم المشاهد التي ابتعدت عن الشخصية المحورية ضعيفة، ولم تحمل قدرا من العلاقات المتقاطعة التي قد تعمِّق البنية الدرامية للفيلم، وربما وجود ممثلة مهمة، مثل جودي فوستر تحمل ملامح قوية، وقدرة على تقديم الشخصية بأسلوب بعيد عن النمطية التي عادة ما تلتصق بالنجوم، قد أنقذ الفيلم إلى حد ما، رغم ان الشخصية التي اضطلعت بتأديتها لم تكن مكتوبة بشكل عميق، وليس فيها من السمات الخاصة ما يجعلها تمثل قطبا موازيا لشخصية السجين الموريتاني.

على المستوى السردي، كان هناك اخفاق واضح في الإشارة إلى ما تعرض له صلاحي من أذى نفسي وذهني بسبب التعذيب، حيث لم يتم تعميق هذا الجانب بما يستحقه من معالجة في السيناريو، وكان من الممكن ان تظهر شخصيته وهي تحمل وجهة نظر أعمق، في ما لو تم نسج تجربتها في السجن بخيوط أكثر حدة ونعومة، لان الواقع الوحشي الذي تعرض له، كان كافيا لان يخلق أمام كاتب السيناريو حيزا من الفضاء الدرامي، يتيح له ان يذهب بمخياله ليبتكر مشاهد تتجلى فيها انفعالات حادة، من الممكن ان تستولي على الشخصية، إذا ما مرت بمثل التجربة التي عاشها صلاحي.

جاءت اللقطات الوثائقية المصاحبة للتايتل النهائي، التي أظهرت الشخصية الحقيقية للمعتقل السابق محمدو ولدو الصلاحي، لتدعم مصداقية ما جاء في السرد الفيلمي من أحداث، وكشفت جوانب حياتية لم يتطرق إليها السيناريو مثل تكوينه لأسرة صغيرة، واستمرار العلاقة الإنسانية بينه وبين المحامية التي دافعت عنه.

 

القدس العربي اللندنية في

27.03.2021

 
 
 
 
 

سينما 2021: النساء خلف الكاميرا يصلن أخيرًا للأوسكار

رحمة الحداد

في عام 2018 وأثناء إعلان جائزة أفضل مخرج في حفل توزيع جوائز الجولدن جلوب تلت الممثلة ناتالي بورتمان أسماء المرشحين قائلة: «هؤلاء هم الرجال المترشحون للجائزة»، احتجاجًا منها على انتفاء وجود النساء من القائمة، وفي العام التالي ظهرت في الحفل مرتدية عباءة من تصميم شركة ديور مطرز على حوافها أسماء مخرجات مؤثرات في تاريخ السينما العالمية اعتراضاً على تكرار الوضع نفسه، لم يحتفِ الكل باعتراضات بورتمان الظاهرة، وصفها البعض بالمغالاة والسعي وراء تمييز مضاد، وأشار البعض إلى حقيقة أنها تترأس شركة إنتاج أنتجت عشرة أفلام، من بينها فيلمان فقط من إخراج امرأة، وهي تلك المرأة، فهي لا تدعم من يحتاج الدعم بشكل حقيقي، لكنها لا تتأخر في إظهار الاعتراض بشكل مرئي، بل مفرط ولامع.

أثبت عام 2021 أن الطريقة المثلى لإصلاح الأوضاع ليست في استعراضات المشاهير الساعين للوصول لعناوين الأخبار، بل في إعطاء الفرص الإنتاجية والتوزيع الملائم لأفلام تستحق ذلك بعيداً عن جنس صانعها، أو حتى في السير باتجاه ضغط من يدعمون الأقليات وقليلي التمثيل على الشاشة، وبسبب المناخ غير المعتاد للعام الماضي والحالي أخذت بعض الأفلام الأصغر حجماً وشعبية فرصتها في العرض والظهور، خاصة تلك الأفلام التي تولت إخراجها نساء.

بين اكتشاف وإعادة اكتشاف المواهب النسائية

هذا العام وفي حفل قاتم ومربك أشبه بحلقة من حكاية ديستوبية يستلم فيها الفائزون ألقابهم عن بُعد في غرف منازلهم أو فنادقهم عبر بث الإنترنت المباشر تفوز المخرجة كلوي شاو الصينية الأمريكية بالجولدن جلوب الأولى لها والثانية في تاريخ الجائزة لمخرجة، بعدما حصد فيلمها أرض الرحل nomadland الجائزة الكبرى في مهرجان فينسيا، متفوقة على أربعة مرشحين من بينهم مخرجتان، هما اميرلد فينيل عن فيلمها شابة واعدة promising young woman وريجينا كينج عن فيلم ليلة في ميامي one night in miami، وهما عملاهما الإخراجيان الأولان، ومع إعلان ترشيحات جوائز الأوسكار تلقت كل من شاو وفينيل ترشيحات في فئتي الإخراج والتأليف.

تنتمي كل مخرجة من هؤلاء إلى ما يطلق عليه سينما المؤلف، تستمد من خبرتها ورؤيتها الخاصة قصصاً وتصورات بصرية وسمعية تخلق بها أسلوبية فردية تميز إخراجها، بدأت هوليوود في استغلال نجاحهن بالفعل وضمت كلاً من كلوي شاو واميرلد فينيل لأفلام ذات إنتاج ضخم، ربما ستبتلع مسيرتهما الذاتية، أو على أفضل الأحوال ستنجحان في استغلال الأرباح المضمونة في تحقيق رؤى خاصة بهما  فيما بعد.

لا تتوقف أفلام المخرجات التي تستحق الاحتفاء هذا العام عند الترشيحات الكبرى، بل إن من أبرز إنتاجات 2020 و2021 أفلاماً لنساء رسخن أنفسهن كأصوات متفردة في صناعة السينما الأمريكية منذ أعوام عدة، مثل البقرة الأولى first cow  لكيلي رايكارت، وأبداً، نادراً، أحياناً، دائماً never, rarely, sometimes, always لإليزا هيتمان.

الاحتفاء بتلك الأصوات الجديدة منها أو القديمة ليس ترسيخاً لتمييز سينما النساء كعامل منفصل عن السينما بشكلها الأعم، لكن لا يمكن تجاهل جهود صانعات الأفلام في تكسير الصور النمطية عما يسمى سينما المرأة أو السينما التي تصنعها النساء، تحدين القيم الذكورية الموضوعية، بل البصرية، وفرضن أنفسهن كفنانات جديات، وجودهن على الساحة ليس مجرد ملء خانات القبول المجتمعي لتمثيل الأقليات.

لم تخلُ أي مرحلة في السينما العالمية من إسهامات النساء المحورية في تكوينها، سواء على مستوى الإنتاج أو الإسهام الفني ربما أكثر الأمثلة وضوحاً هي الموجة الفرنسية الجديدة، أشهر الحركات السينمائية العالمية وأكثرها تأثيراً والتي بزغت ونجحت في تغيير التعاطي مع صناعة الأفلام وتلقيها بمشاركة المخرجة أنييس فاردا ربما حتى قبل أن تنتشر على يد جان لوك جودار أشهر أعلامها، لم تصنع فاردا أو غيرها من المخرجات الأفلام النسوية بشكل حصري، بل صنعت أفلاماً تحدت قواعد سينمائية سائدة، منها ذكوري ومنها محافظ ومعتاد احتاج ذلك الكسر لكي يتحرك إلى الأمام.

لطالما اتسمت السينما بطابع رجولي، خاصة في نظرتها للمرأة كعنصر فاعل أو مفعول به، ففي الغالب يتم تأطيرها كهدف مرغوب فيه أو جائزة أو حتى شخصية قوية لكن هدفها الرئيسي الإغواء، ما يحدث عندما تمثل المرأة نفسها أو حتى تمثل الرجل هو طرح رؤية مغايرة وتحدٍّ للسائد، أن يرى الشخص ذاته بعينه ويرى الآخرين بتلك العين أيضاً، لا تتوقف الرؤية المغايرة على تغيير أسلوب تصوير الأجساد كما نظرت لها لورا مولفي في نظريتها الشهيرة «النظرة الرجولية»، بل وصلت إلى الموضوعات وطبيعة الخطاب الإنساني والأساليب السينمائية بشكلها التقني المجرد، تبع فاردا وغيرها أجيال متعددة من صانعات الأفلام لكل منها رؤيتها التي يستحيل قولبتها فقط في اسم «سينما نسائية».

رؤية أخرى لأرض الأحلام

تتخذ كلوي شاو من الأفلام الغربية «الويسترن» مساحة لتجريب رؤى مغايرة لتلك التي تعظم من البطولة والعنف الذكوري، تمسك بالجانب الرقيق من تلك المساحة القاسية وتترك المسمم منها، تحتضن نقاط الضعف والهشاشة الممنوع منها الرجال في أفلام الويسترن التقليدية خوفاً من تقليلها لرجولتهم التي تساعدهم في تحدي قسوة عالمهم.

هنا يظهر تحدي شاو لتلك التقاليد، في فيلمها الفارس the rider 2017 نختبر عوالم رعاة البقر الأمريكيين الحقيقية بعيداً عن استعراضية أفلام الويسترن الكلاسيكية، عالم معاصر بمفردات معاصرة لكن سكانه يتمسكون بفكرتهم الكلاسيكية عن الرجولة المتمثلة في القوة والأدائية الظاهرة، فتظهر هشاشة تلك الفرضيات عندما يصاب رعاة البقر بإصابات تكاد تكون مميتة تمنعهم عن ممارسة الشيء الوحيد الذي يمثل قيمتهم كرجال في عالم الغرب الأمريكي.

تعود شاو للغرب في أرض الرحل فهي تسميه فيلم ويسترن حتى مع انتفاء وجود الخيول والمعارك، تستخدم أراضي الغرب الشاسعة التي تميز النوع الفيلمي كمساحة للتحرر من الرأسمالية وإيجاد الجمال المجرد في تاريخ طويل من العنف، ومثل فيلمها السابق الفارس تستعين شاو بشخصيات حقيقية  تمثل نسخاً من ذاتها لكنها تضع في المنتصف شخصية فيرن التي تلعب دورها الممثلة فرانسيس مكدورماند لكي تدور حولها تلك التفاعلات، فيصبح بطل الفيلم هو الغريب وسط عالم مؤسس بالفعل بمن سكنوه واختبروه.

تهيمن الأفلام الأمريكية على العالم، تظهر فيها أمريكا كقوة مركزية رومانسية، تمثل الحلم الأسري وحتى حلم العنف والراديكالية، لكن في أفلام شاو تبدو أمريكا منطقة مهمشة على جانب العالم وليس مركزه، ترسم مناظر طبيعية حالمة مليئة بالحياة والجمال التقليدي، لكنها لا تخلو أبداً من قسوة، فتلك الطبيعة هي مصدر سعادة وشقاء ساكنيها. تصنع عوالم يسكنها أناس أشبه بمستكشفين جدد يختبرون حيوات جديدة بعد خسارات كبيرة، ويكتشفون الأرض بمعناها العام أكثر  من معناها القومي، فطبيعة الحضارة والتقاليد الأمريكية حاضرة، لكنها ليست ترويجية أو ذات طابع بروباجندي.

الفيلم النسائي ليس إهانة

في تجربتها الإخراجية الأولى تتبنى فينيل وتحتضن تراثاً من الجماليات المرتبطة بالأنوثة لكي تسرد قصة انتقامية فريدة من نوعها، لا تسلِّع بطلتها أو معاناتها ولا تجعل منها شخصية نسائية مثالية، تكتب شخصية رئيسية أشبه بضد بطل، تملك ماضياً قاتماً وأسباباً صادمة للتحول إلى منتقمة متسلسلة، شابة واعدة هو فيلم عن فتاة تسعى للانتقام من المعتدين على صديقتها المقربة، تفعل ذلك عن طريق التلاعب النفسي بضحاياها، تبدو فرضية الفيلم فرصة سانحة لصناعة فيلم خطابي زاعق يرضي الجميع ويفرض أيديولجيته دون خجل.

تتجنب فينيل تحقيق توقعات المتلقي بسلاسة، تتجنب الاستغلال الذي يرتبط بأفلام انتقام الاغتصاب والعنف والجنسانية المباشرة التي رسَّخ لها ذلك النوع الفيلمي، بل تتجنب الاتهامات بالملل والخطابية التي تلتصق بالأفلام التي تتناول قضايا نسوية عاجلة، تصنع بدلاً من ذلك تجربة سينمائية غامرة وممتعة، مليئة بالألوان والأصوات، بل الكوميديا، تستخدم فينيل أدوات أفلام النضوج والمراهقين من أغانٍ شعبية واهتمام بالأزياء والمونتاج السريع المرح، لكي تسرد قصة ليست مرحة أو ممتعة، تصنع فينيل فيلماً يتأرجح بين السخرية من الأدوات السينمائية السائدة وبين احتضانها وإعادة امتلاكها، وتحاول بتجربتها إثبات أن تلقيب الفيلم بالنسائي أو النسوي أو الأنثوي هو شيء لا يستدعي الخجل، فهي تصنع فيلماً يتسم بتلك الصفات بصرياً وموضوعياً بدون مواربة أو اعتذار.

في أول أفلامها  لا تُلبس فينيل عملها رداءً جدياً أو تتجنب نزعته الأنثوية المتهمة بالتفاهة، لا تحاول إخفاء جنس صانع الفيلم منعاً للتمييز أو الاستهزاء، فهو فيلم نسوي يظهر جلياً في كل تفاصيله أن مخرجته امرأة، لذلك إذا نجت فينيل من تجربتها القادمة كمخرجة لأحد أفلام أبطال دي سي الخارقين واحتفظت بأسلوبيتها الجريئة، فإنه من المنتظر أن تقدم أفلاماً تفرض على الجميع أخذ أنثويتها بجدية.

سينما لا تخشى الملل

على عكس فينيل التي لا تخجل من المرح والمغالاة فإن أفلام كيلي رايكارت تتسم بإيقاع بطيء وهادئ، بل يمكن وصفه بالممل في بعض الأحيان، تنغمس رايكارت في الحكايات العادية، لا تفرض أسلوبية سينمائية فارهة على شخصياتها أو أحداثها، تلتقط ما تريد إظهاره بهدوء كمن يصنع أفلاماً تسجيلية عن عناصر يخشى هروبها فجأة، تصنع سينما نسوية حقيقية دون خطاب نسوي ظاهر، خطابها مضمن داخل حيوات النساء التي تلتقطها.

في فيلمها السابق نساء محددات certain women، والذي يمكن ترجمة اسمه من الإنجليزية: نساء محددات أو نساء واثقات، تلك التفاصيل الصغيرة هي ما يهم حقاً، تتنقل رايكارت بين ثلاث حكايات لنساء لسن متميزات أو ذوات قيمة تاريخية محددة، ما يربطهن هو محاولة البقاء في عالم صُنع لكي يقيد وجودهن المجرد.

لا تملك أفلام رايكارت حلاً لما تمر به تلك الشخصيات، لكنها تدعنا نعيش حيواتهم كما هي، كما تراها دون إضافة تجعلها أسهل في الاستهلاك، آخر أفلامها البقرة الأولى لا يُستثنَى من ذلك الوصف، فيلم يحكي قصة صديقين يحاولان الاستمرار في الحياة وكسب العيش في مطلع القرن العشرين في أمريكا الدولة الفتية الحديثة.

تتناول رايكارت قصة رجلين لكنها تترك العنف الرجولي جانباً، تأخذ الجانب الأكثر إنسانية من القصة وتجعله يتوسط المسرح، في عدة مشاهد يحدث العنف خارج الكاميرا، نعرف أنه هناك لكنه ليس هو محرك الحكاية، المحرك الحقيقي هو العمل والحب، هو اللحظات الدقيقة بالغة الصغر بين صديقين، يمكن وصف خيارات رايكارت الإخراجية بالاختزال، موسيقى بسيطة تتكون من آلتين أو أكثر وكاميرا قليلة الحركة، تفضل أيضاً أن تأخذ وقتها فيما يخص قطع المشاهد، لا تتسرع ولا تخشى الملل، تكمن جرأة رايكارت في التمهل بينما يتسارع العالم خارجها، فهي تملك أسلوباً إخراجياً لا يلفت النظر لنفسه، وهذا تحديداً ما يجعله لافتاً للنظر.

صوت جديد في الدراما المسرحية

يملك الموسم الحالي أكثر من فيلم مأخوذ عن مسرحية، خلفية ما ريني السوداء ma rainey’s black bottom هو أشهرها، ثم هنالك ليلة في ميامي، كلاهما يعتمد على الحوارات المطولة وتصاعد الخلاف إلى ذروة تسمح للممثلين بممارسة تمثيل مسرحي غير اعتذاري، صاخب ومغالٍ، لكنه مبهر، بل يسهل أن يجتذب الجوائز الكبيرة والزخم الجماهيري فقط لأنه يملك كثيراً من “التمثيل” داخله.

في تجربتها الإخراجية الأولى تتناول ريجينا كينج الممثلة ذات المسيرة الحافلة والحائزة مؤخراً على جائزة أوسكار دراما مسرحية من ذلك النوع.

عادة ما تتسم تلك الأفلام بالاقتصاد في مواقع التصوير والشخصيات، مكان محدود مغلق تتحرك فيه شخصيات قليلة، تتفاعل معاً في أجواء محتقنة على خلفية تاريخية حقيقية بتفاصيل متخيلة، تصنع كينج فيلماً ليس ثورياً في الجانب التقني أو السردي، لكنه يمثل عناصره بشكل يسهل تصديقه بسبب أصالته وسلاسته.

يحكي الفيلم ليلة متخيلة وفاصلة في حيوات أربع شخصيات تاريخية أيقونية: مالكوم اكس، محمد علي كلاي، جيم براون، وسام كوك. تتناول ريجينا تجربة سمراء بالكامل بكل تناقضاتها وخلافاتها، لا تحاول دفع أيديولوجيا معينة أو تأليه إحدى الشخصيات، سواء بالتأطير البصري أو الموضوعي، تهبط تلك الشخصيات الأيقونية بعيدة المنال من حيز خطاباتها التاريخية وأغنياتها الخالدة ومبارياتها الشهيرة لتصبح شخصيات طبيعية موجودة داخل غرفة فندق مغلقة في ليلة ما، نتلصص نحن عليهم في لحظات خاصة وشخصية، حتى إن كانت تسبق أحداثاً كبرى، يدحض إخراج كينج تقاليد أفلام السيرة الذاتية والدراما التاريخية لصالح سردية ذات نطاق أصغر وأكثر ذاتية.

أن تمتلك جسدك مرة أخرى

في أول أفلامها يبدو كالحب It felt like love 2013 تقص إليزا هيتمان قصة فتاة في بداية مراهقتها، تستكشف علاقتها بجسدها لأول مرة، وبالتالي بأجساد الآخرين، صحوة جنسية تلتبس مع التوق للشعور بالحب والرغبة في الاستكشاف، ما يميز فيلم هيتمان عن أفلام عدة تناولت الحب الأول أو بداية المراهقة هو كيف تختار أن تصور الأجساد، في استرجاع ذلك الحق المسلوب من النساء في رؤية أنفسهن كما يتصورن وليس كما يتصور الرجال، لكنها تنقلب بشكل أكثر تطرفاً فهي تستكشف بعيون بطلتها مع مدير تصويرها شون بورتر الأجساد الرجولية، وهو غير المعتاد رؤيته في الأفلام، لا تسلِّع هيتمان تلك الأجساد أو تجعلها عرضة للاستغلال لكنها تطرحها للعرض، مقتطفات عابرة كما تراها الفتاة وتشعر بالانجذاب للمرة الأولى تجاهها.

في فيلمها الأخير أبداً، نادراً، أحياناً، دائماً، تتناول هيتمان تلك السطوة الذاتية على الجسد بشكل أكثر عمقاً وفي قضية أكثر إثارة للجدل، شخصيتها الرئيسية مراهقة حملت عن طريق الخطأ، تحاول أن تسترجع جسدها المهدد بخطر لم تختره، وبالتالي تسترجع حياتها الطبيعية.

في قصة عن الصداقة والاغتراب تغزل هيتمان فيلم طريق، رحلة لتملك الذات والاختيار، وفي أثنائها تلقي بدقة وبدون خطابية تلميحات للضغط الذي تتعرض له الفتيات خاصة المراهقات في عالم يبدون غريبات فيه، لا تحمل هيتمان شخصيتها أيديولوجيات معينة أو تحكم على خياراتها، اختارت للدور فتاة لم يسبق لها التمثيل، أعطتها فرصة في السطوع وامتلاك الشاشة والتعبير عن ذاتها، لم تسعَ إلى صناعة فيلم سهل الانتشار، بل اختارت قضية شائكة دون اللجوء لنجمات مراهقات ذوات شهرة، وصورت تلك الرحلة المؤلمة برقة وبعين تعرف ما تمر به النساء يومياً غير مرئيات حول العالم.

لم يكن عام 2020 عاماً رحيماً على الأفلام الكبيرة، تأجل عرضها وخسرت شركاتها ملايين مما استثمرت فيها، لكنه كان ألطف مع من تُبتَلع أفلامهم عادة في غمرة من القصص المكررة واستعراض القوة والعنف، فأصبح لدينا الفرصة لتوقع أن تسيطر أفلام هادئة إنسانية بسيطة في إنتاجها وليس في أفكارها على موسم الجوائز، وأن تسلب الإطراء والمجد وتجد مكاناً في منافسات لا ترحم ونادراً ما تجدد نفسها.

 

موقع "إضاءات" في

27.03.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004