ملفات خاصة

 
 
 

الدورة الـ 93 من الأوسكار:

اختيارات «الأخبار»

شفيق طبارة

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثالثة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

عندما تسلّمت فرانسيس ماكدورماند جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن «ثلاث لوحات إعلانية خارج أيبينغ، ميسوري» عام 2017؛ دعت في كلمتها إلى المزيد من التنوّع في هوليوود. يبدو أن نقدها للرتابة السنوية التي تطغى على لائحة مرشحي الأوسكار (موزعة عادة بين الذكور و«الرجل الأبيض») قد فعل فعله.

 

####

 

«نتفليكس» نجمة بلا منازع: مزيداً من الجرأة أيّتها الأكاديميّة

شفيق طبارة

عندما تسلّمت فرانسيس ماكدورماند جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن «ثلاث لوحات إعلانية خارج أيبينغ، ميسوري» عام 2017؛ دعت في كلمتها إلى المزيد من التنوّع في هوليوود. يبدو أن نقدها للرتابة السنوية التي تطغى على لائحة مرشحي الأوسكار (موزعة عادة بين الذكور و«الرجل الأبيض») قد فعل فعله. حتى عام 2021، لم تكن ترشيحات الأوسكار في تاريخ الأكاديمية بهذا التنوع، ولكن لا تزال هذه الأكاديمية والأعضاء المخوّلون التصويت (زاد عددهم مع مزيد من النساء والأقليات والمخرجين من خارج الولايات المتحدة) غير راديكاليين ولا جريئين. نقطة التحول الأولى كانت عام 2020 عندما اكتسح الفيلم الكوري الجنوبي «طفيلي» الجوائز. وفي زمن كورونا منذ العام الماضي، شهد الأوسكار تنويعاً أكثر، إلا أنّ هذه التغييرات جاءت برّانية، والأفلام المختارة ظلّت ضمن «منطقة الأمان».

للعام الثاني على التوالي، تصدرت نتفليكس ترشيحات الأوسكار في الدورة الـ 93، إذ حقّقت 35 ترشيحاً، أكثر من ضعف ترشيحات «ديزني»، التي تحتل المركز الثاني بـ 15 ترشيحاً. ثلاثة أفلام جمعت وحدها 21 ترشيحاً من الـ35. «مانك» (10 ترشيحات)، «محاكمة 7 من شيكاغو» (ستة)، و Ma Rainey’s Black Bottom (خمسة). مع هذه الأفلام، تجاوزت نتفليكس إنجازات أي شركة أخرى. أما ديزني، فتعتمد على «أرض الرُّحَّل» للفوز بجائزة أفضل فيلم، و«روح» المرشح لثلاث جوائز. وفي المركز الثالث، نجد «أمازون» مع 12 ترشيحاً، ستة منها حصل عليها «صوت الحديد» بينما حصل «الجزء الثاني من فيلم بورات» على ترشيحين. قد لا يكون رقم «أمازون» كبيراً، ولكنه رقم قياسي بالنسبة إلى الشركة، خاصة أنها تطمح لجائزة «أفضل صوت» (احتمال كبير أن تفوز بها) عن فيلم «صوت الحديد».

النسخة الجديدة من الأوسكار، تحمل 76 ترشيحاً لنساء بارزات في صناعة السينما. للمرة الأولى في التاريخ، تمّ ترشيح امرأتين لجائزة أفضل مخرج: الإنكليزية إميرالد فينيل عن فيلمها «شابة واعدة»، والصينية الأميركية كلوي تشاو عن فيلمها «أرض الرُّحَّل». علماً أنه منذ بداية الأوسكار قبل 93 عاماً، تم ترشيح خمس نساء فقط لجائزة أفضل مخرج. كما تم ترشيح فيلمَي فينيل وتشاو، في فئة الكتابة: «أرض الرحل» لأفضل سيناريو مقتبس و«امرأة واعدة» لأفضل سيناريو أصلي.

تم ترشيح تسعة ممثلين، لا ينتمون إلى أصحاب البشرة البيضاء منهم ريز أحمد بشخصية عازف درامز يفقد سمعه في فيلم «صوت الحديد»، ڤيولا ديڤيس بدور مغنية البلوز في Ma Rainey’s Black Bottom، أندرا داي في فيلم «الولايات المتحدة ضد بيلي هوليداي»، ستيڤن يون عن فيلم «ميناري»، علماً أنّه أول ممثل آسيوي أميركي يأمل الحصول على أوسكار عن هذه الفئة. وكما كان متوقّعاً، تم ترشيح تشادويك بوسمان، عن فيلم Ma Rainey’s Black Bottom. توفي بوسمان بسبب السرطان في صيف 2020، ليخلف جيمس دين وهيث ليدجر وخمسة آخرين حصلوا على الترشيح والتكريم بعد وفاتهم.

بقدر ما يقاوم الأكاديميون الذين يخشون كل جديد في السينما، فإن السينما اليوم يحتكرها القادمون الجدد. ورغم أن الأكاديمية تحاول التنويع، إلا أنه تنقصها الراديكالية. المطلوب انفتاح أوسع، احتضان أكبر، والأهم تقبّل كل شيء جديد. بنظرة سريعة على الترشيحات، نجد أن هوليوود لا تزال بعيدة عن التنوع الحقيقي. السينما ليست بيضاء أو سوداء أو نسوية. السينما هي السينما. وإذا أردنا أن نحدد السينما بلون البشرة أو الجنس، فلنتفضل ولكن لنكن أكثر واقعية وجرأةً...

«إخوة الدم الخمسة» لسبايك لي ــ على الرغم من أنه ليس أفضل ما قدّمه ــ يتحدث عن تاريخ ومعاناة السود أكثر من أي فيلم آخر قُدم هذه السنة، لكن انتهى به بترشيح واحد لأفضل موسيقى تصويرية. تم اختزال الأعمال الدرامية حول الأميركيين الأفارقة، بفيلم واحد هو «يهوذا والمسيح الأسود»، فماذا حدث لبقية العناوين؟ هذا إذا تكلمنا فقط في أميركا. ولم نتطرق إلى التحف الخمس التي قدمها هذه السنة البريطاني ستيڤ ماكوين، في سلسلة Small Axe. تم اختزال فيلم «النمر الأبيض» للمخرج رانيم بهراني وترشيحه فقط لجائزة أفضل سيناريو مقتبس، رغم أن جوائز البافتا وجوائز النقاد أعطتنا إشعاراً بترشيحات أكبر محتملة، كأفضل فيلم أو على الأقل أفضل ممثل للهندي أداريش غوراڤ الذي قدم أداءً عظيماً. أما «البقرة الأولى» لكيلي ريتشارد، فلم يُثمر الحب الكبير له ترشيحاً واحداً. لعل الأكاديمية تخشى قصة «الحلم الأميركي» الحقيقية المناهضة للرأسمالية. الأكاديمية فيها شيء من الجبن لعدم ترشيح فيلم تشارلي كوفمان «أفكّر في إنهاء الأمور»، إذ لا تزال بعيدة عن الأفلام الفلسفية، وتلك التي تتحدث عن الإنسان بمآزقه الوجودية. الحركة النسوية الكبيرة هذه السنة أيضاً اختُزلت بفيلم واحد سطحي هو «شابة واعدة» وأُسقط «المساعدة» للأسترالية كيتي غرين، والأداء الرائع الذي قدّمته جوليا غارنر التي تستحق التنافس الجاد على جائزة أفضل ممثلة. كما أُهمل فيلم «أبداً نادراً أحياناً دائماً» لإليزا هيتمان. في ترشيحات أفضل فيلم دولي غير ناطق بالإنكليزية، حدّث ولا حرج. أين «تفاح» لليوناني خريستوس نيكو، و«مارتن أيدن» للإيطالي بيدرو مارشيللو، والتحفة «عزيزي، كاماراد!» للروسي أندريه كونشالوفسكي، و«لن تسقط الثلوج مجدداً» للبولنديين مالغورزاتا زوموسكا وميشال انغلرت؟

الفئة الوحيدة الذي يمكن أن نقول إنّ تغييرات كبيرة طرأت عليها؛ هي فئة «أفضل صوت» التي سنعود إليها بالتفصيل، كما ستكون لنا وقفة مع الفيلمين العربيين المرشحين للأوسكار. «الرجل الذي باع ظهره» لكوثر بن هنية، وفيلم «الهدية» للفلسطينية فرح النابلسي. وفي انتظار احتفال توزيع الجوائز في 25 نيسان (أبريل)، نعرض اليوم الفئات الخمس الأهم، مع توقعاتنا بالأفلام التي سوف تفوز.

قائمة الترشيحات

في ما يلي قائمة بالمرشحين في الفئات الرئيسية لجوائز الأوسكار التي ستقام دورتها الثالثة والتسعون في 25 نيسان (أبريل) في هوليوود:

- أفضل فيلم: «الأب»، «يهوذا والمسيح الأسود»، «مانك»، «ميناري»، «أرض الرحَّل»، «شابة واعدة»، «محاكمة 7 من شيكاغو»

-أفضل مخرج: كلوي تشاو (أرض الرحّل)، ديفيد فينشر (مانك)، لي أيزاك تشانغ (ميناري)، إميرالد فينيل (شابة واعدة)، نوماس فينتربرغ (درانك)

- أفضل ممثل: ريز أحمد (صوت الحديد)، تشادويك بوسمان في (Ma Rainey’s Black Bottom)، أنتوني هوبكينز (الأب)، غاري أولدمان (مانك)، ستيفن يون (ميناري)

- أفضل ممثلة: فيولا ديفيس (Ma Rainey’s Black Bottom)، أندرا داي (الولايات المتحدة ضد بيلي هوليداي)، فانيسا كيربي (أجزاء امرأة)، فرانسيس ماكدورماند (أرض الرحَّل)، كاري موليغان (شابة واعدة)
-
أفضل ممثل في دور مساعد: ساشا بارون كوهين (محاكمة 7 من شيكاغو)، دانيال كالويا (يهوذا والمسيح الأسود)، ليزلي أودوم جونيور (ليلة في ميامي)، بول رايسي (صوت الحديد)، لاكيث ستانفيلد (يهوذا والمسيح الأسود
)

- أفضل ممثلة في دور مساعد: ماريا باكالوفا (الجزء الثاني من بورات)، غلين كلوز (هيلبيلي إيليجي)، أوليفيا كولمان (الأب)، أماندا سيفريد (مانك)، يو جونغ يون (ميناري)،

- أفضل فيلم بلغة أجنبية: جولة أخرى (الدنمارك)، بيتر ديز (هونغ كونغ)، كولكتيف (رومانيا)، الرجل الذي باع ظهره (تونس)، كو فاديس، عايدة (البوسنة)

- أفضل فيلم رسوم متحركة: أونوارد، أوفر ذي مون، إي شون ذا شيب موفي: فارماغيدون، روح، وولفووكرز
-
أفضل فيلم وثائقي: كولكتيف، كريب كرامب، ذا مول إيجنت، ماي أوكتوبوس تيتشر، تايم،
-
أفضل سيناريو أصلي: يهوذا والمسيح الأسود (ويل بيرسون وشاكا كينغ)، ميناري (لي أيزك تشانغ)، شابة واعدة (إميرالد فينيل)، صوت الحديد (داريوس ماردر وأبراهام ماردر)، محاكمة 7 من شيكاغو (أرون سوركين)،
-
أفضل سيناريو مقتبس: الجزء الثاني من بورات، الأب، أرض الرحَّل، ليلة في ميامي، النمر الأبيض
.

 

####

 

أفضل مخرج: كلوي تشاو تنافس ديفيد فينشر

شفيق طبارة

فئة أفضل مخرج هذا العام، فيها شيء تاريخي. امرأتان تتنافسان في مواجهة ثلاثة رجال. التوقّع صعب هنا، فما لنا إلا التحليل. كلوي تشاو (أرض الرحل) هي المرشحة الأولى لكسب الجائزة، ولكن لا يمكن أن ننسى قوة «مانك» ومخرجه ديڤيد فينشر. «مانك» يتصدر الأوسكار بعشرة ترشيحات، ولكن كثرة الترشيحات لا تعني شيئاً، مثلما حصل مع مارتن سكوريزي العام الماضي عن «الإيرلندي»، يمكن أن يخرج «مانك» من الأوسكار بخفَّي حنين. للمرة الأولى، تترشح أميرلالد فينيل للأوسكار، ويتوقع أن ينال فيلمها «شابة واعدة» جائزة أفضل سيناريو أصلي، لذلك هي بعيدة عن جائزة أفضل مخرج. فاجأتنا الأكاديمية بترشيح توماس ڤينتربيرغ كأفضل مخرج عن «جولة أخرى»، المرشح أيضاً عن فئة أفضل فيلم أجنبي وهو الأوفر حظاً لنيلها. لذلك إن لم تحصد تشاو الجائزة، فإن فينشر يستحقها بجدارة، خصوصاً أنّ المخرج الأميركي لي إسحاق تشونغ، ليست لديه حظوظ بالحصول على هذه الجائزة.

«مانك» هو الجواب على إحدى أكثر الجدليات عبثية في تاريخ السينما: مَن كتب «المواطن كين» (1941): أورسون ويلز أو هيرمان جايكوب مانكيويز؟ الفيلم كان البداية للأول، والنهاية للأخير. يروي «مانك» قصة مانكيويز: في ربيع 1940، وبعد حادث سير، كسر هيرمان جايكوب مانكيويز «مانك» (غاري أولدمان) ساقه، ثم نقل إلى مزرعة في صحراء موهافي لكتابة سيناريو «المواطن كين» في غضون 60 يوماً. يكتب مانك ويتذكّر محطّات من حياته: علاقته بشقيقة جوزيف مانكيويز (توم بيلفري)، وبلويس بي. ماير (أرليس هوارد) مؤسّس شركة «مترو غولدوين ماير»، والمنتج إيفرينغ ثالبيرغ (فيردنانت كينغسلي). الحفلات في «سانت سيميون»، قلعة ويليام راندولف هيرست (تشارلز دانس) وصداقته مع الممثلة ماريون ديڤيس (أماندا سيفريد).
«
مانك» هو عمل ديڤيد فينشر الأكثر قرباً إلى قلبه. كتبه والده الذي توفي عام 2003. قوة فينشر في الفيلم أنه قدّمه بطريقة غير نمطية، وليس سيرة ذاتية. هو قديم بكل شيء، بالصوت والصورة والتصوير وحتى الأداء المسرحي الذي كان شائعاً في هوليوود ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. قدّم فينشر الفيلم بأنماط سردية خاصة، وبلعبة مرايا جميلة، وبقفزات زمنية ومعلومات موازية وتنقلات متناغمة. ومع كل هذا، يبقى الفيلم عبارة عن دائرة متحدة المركز، له إيقاع ونبرة خاصّان، قريب جداً من طريقة عمل فيلم «المواطن كين». فينشر صانع أفلام بارع، يعرف كيف يروي قصصاً مثل هذه من مسافة آمنة، لا يستهلك بطريقة واضحة أو ساذجة ما يريد أن يقوله. لا يهتم بمدح أو إبداء الإخلاص لأحد أهم الأفلام الأساسية في تاريخ السينما (المواطن كين) ولكنه يروي فقط ما حدث وراء الكواليس حتى الوصول إلى الشاشة الكبيرة. وفي خضم هذا، لم يفلت الفيلم من بين يديه، ونجح في خلق وحش سيلتهمك عاجلاً أم آجلاً خلال المشاهدة
.

امرأتان تتنافسان على الجائزة في مواجهة ثلاثة رجال

لأنّ «المواطن كين» ليس مجرد فيلم، بل باب مفتوح لهوليوود في حرب النزاع على السلطة، يقدّم فينشر «مانك» كقطعة انعكاس وتنقيح للأسطورة والماضي. يفعل ذلك بتقنية فنية وخطابية مذهلة لدقتها. دمج الأبيض والأسود للحفاظ على لغة رائعة بصرياً، وحافظ على الدراما الفكرية حول أهمية العمل الفني والمعارك بين القوى، بالإضافة إلى الخيوط التي تتحرك خلف الستارة في عالم معزول... عالم تكون فيه الشهرة مقياساً للنعمة أو الجودة المدمّرة لكل شخصية.

 

####

 

أفضل فيلم وأفضل ممثّلة: «أرض الرحَّل» يتحدّى الرأسماليّة

شفيق طبارة

«أرض الرحَّل» لكلوي تشاو لا يزال المرشح الأقوى للفوز بأوسكار أفضل فيلم. فيلم تشاو (الثالث في مسيرتها) مزيج وثائقي وخيالي، يجمع ممثلة هوليوودية وممثلين غير محترفين. هم رحّل حقيقيون قدّموا شهادات حول كيف سمحت لهم الحياة على الطريق بتفادي الديون والنزعة الاستهلاكية والبطالة. تبني تشاو قصة خيالية تعطي فيها الحياة لفيرن (فرانسيس ماكدورماند) الأرملة والمعلّمة السابقة التي أُجبرت على حياة الطريق بعد مسح مدينتها (إمباير في ولاية نيفادا) عن الخارطة، وإلغاء رمزها البريدي. تكدّس بعض ممتلكاتها في شاحنة صغيرة وتذهب. تصبح الشاحنة بيتها، وتقفز من وظيفة إلى أخرى مع وجه الخسارة على وجهها، ولكن من دون الوقوع في اليأس. خلال الطريق، تلتقي برحّل حقيقيين، يصبحون مرشدين لها. فيلم تشاو، قاسٍ وبسيط، مختلف عن الأفلام المعاصرة التي تحوّل السينما إلى نوع من الكتب المصوّرة. رمادي ولكن تشاو على استعداد لمواجهة البساطة القاتمة من دون مبالغة، وقريباً جداً من الواقعية الإيطالية. تترك شقوقاً صغيرة، لدخول الضوء، كجرعات أمل. تشاو وفيرن لا تنظران إلى الحياة بسذاجة، ولكن ببراءة وثقة بالإنسانية. ظهرت هذه الإنسانية عند الرحّل الحقيقيين ورغبتهم في المشاركة وعجزهم عن الاستياء أو الشعور بالشفقة على الذات. وبهذا ينجح الفيلم بإضفاء شعور التعاطف مع هؤلاء البشر الذين لفظتهم الرأسمالية. لم تضفِ الطابع الرومانسي على أسلوب الحياة هذه ولم تؤبلسه أيضاً. وهنا، لا ندري إذا كان بإمكاننا أن نلغي هذا العام منافسة أفضل ممثلة، وتقديم الأوسكار منذ الآن إلى فرانسيس ماكدورماند لدورها. إذ أنّها تألّقت على الشاشة، نقلت كل نظرة وكل تجعيدة وكل تعبير عن حزن وسخط، بدون مبالغة وبكثير من العاطفة. أداء داخلي حي وإنساني، نتيجة تفاني الممثلة حتى في العيش في الشاحنة لفترة والعمل في الوظائف المؤقتة التي تحصل عليها شخصيتها طوال الفيلم. نهجها في الفيلم هو نفسه الفيلم: لا تمثل بل تختفي في الشخصية. يكفيها أن ترفع حاجبها أو تبتسم ابتسامة خفيفة أو تلوي وجهها لتخبرنا بكل ما تشعر به. أداء يخرج من الداخل، بدون لحظات متفجّرة أو عوامل خارجية مساعدة. لقد كانت فرانسيس ماكدورماند هي الجسد والروح لشخصيتها.

 

####

 

أفضل ممثل: المَلَك أنتوني هوبكينز

شفيق طبارة

ثلاثة شبان (ريز أحمد، شادويك بوسمان وستيڤن يوون) ينافسون مخضرمين (أنتوني هوبكينز، غاري أولدمان). رغم قوة أداء الشباب، بخاصة ريز أحمد (صوت الحديد) وشادويك بوسمان (Ma Rainey’s Black Bottom)؛ إلا أنه لا يمكن مقارنتهم بأداء هوبكينز وأولدمان. المنافسة بين الاثنين كبيرة، ولكن تُرجح الكفة لهوبكينز في فيلم «الأب».

«الأب» للكاتب والمخرج الفرنسي فلوريان زيلر ليس ممتعاً ولا سهلاً. لكن حتى في أكثر اللحظات فظاعة، هناك دوماً جمال. تفكك متاهات الذاكرة، جحيم النسيان، فقدان السيطرة على حقيقة العقل بسبب مرض يتقدم بدون هوادة؛ يحول حياة أي شخص، لم يعد يفهم ما هو موجود وما يحدث أمام عينيه ولا يتعرف إلى من يحب... إلى جحيم، ولعل جحيم كلمة صغيرة. هذه المشاعر يؤديها بعظمة أنتوني هوبكينز. إذ ينحت في «الأب» الوقت في جدار الشيخوخة. لديه كل المقوّمات للتحرك والتعبير عن التعقيد الداخلي لشخصيته، في أداء لم يسبق له مثيل عن الاتصال المتقطّع بالحياة والمتقلب لرجل يعمي الخرف حياته. لا تبتعد الكاميرا عن رأس هوبكينز، تضعنا بقربه، وبدوره يجعلنا هو نعاني من نفس الشكوك واليقين والمفاجآت والحالات المزاجية التي تنتج عن العقل الكافكاوي الذي يعيش فيه أنتوني (أنتوني هوبكينز) في الفيلم. يتركنا الأخير محطّمين، مستنفدي العواطف والأفكار، ولكن مفتونين دائماً بما يقدمه هوبكينز.

 

####

 

أفضل فيلم أجنبي: «جولة» توماس ڤينتربيرغ

شفيق طبارة

من الدنمارك «جولة أخرى» هو الوحيد الذي يستحقّ جائزة «أفضل فيلم دولي». إذ يقدم موضوعاً حساساً هو الكحول. نجح الدنماركي توماس ڤينتربيرغ بالتصرف بحذر من دون السقوط في الترويج للكحول. مارتن (مادس ميكلسن) رجل في منتصف العمر، مدرّس تاريخ في مدرسة ثانوية، يشعر بعدم الرضى عن حياته، ويعتقد أن زوجته لم تعد مهتمّة به. خلال مأدبة عشاء مع أصدقائه، يقدم أحدهم نظرية عالم نفس نرويجي مفادها أن الإنسان يعاني من نقص في الكحول في الدم منذ ولادته، وأنه يحتاج إلى مستوى كحول بنسبة 0.5% ليعمل على النحو الأمثل وأن هذا المستوى يمكن أن يحسّن عمله، وعلاقاته الشخصية. اقتداءً بشخصيات كونستون تشرشل وإرنست همنغواي كانت تشرب الخمر بكثرة؛ يبدأ هؤلاء التجربة، ويشربون أثناء ساعات العمل ويحافظون على مستواهم عند 0.5%. بصرامة علمية، يقبل كل فرد التحدي، ويأمل الجميع بتحسين حياتهم. وإذا كانت النتائج مشجّعة في البداية، فإن الوضع سرعان ما يخرج عن السيطرة. يتعامل ڤينتربيرغ مع ذلك بكثير من الفكاهة والجدية. «جولة أخرى» هو «وزن» حياة البالغين، المرحلة العمرية التي لا يتحقق فيها كل شيء بخفّة. الأصدقاء الأربعة يبحثون عن طريقة للهروب، استراتيجية للخروج من المشاكل التي سئموا مواجهتها. لذلك حوّلوا النظرية إلى أطروحة إيديولوجية. مثل كل أفلام ڤينتربيرغ؛ يجب أن ننظر إلى ما بين السطور، فهو ماهر في إلهائنا بما يقدمه ولكنه يتسلل بخفة داخلنا ويتركنا نضحك، وفي ثانية نجد أنفسنا، نهمهم من ثقل ما رأيناه. «جولة أخرى» هو مغامرة حول سنّ الأربعين، إنه فيلم جماعي وديناميته هي السبب الرئيسي. كل ممثل أعطى كل ما لديه، من حيث القوة والعاطفة و... حالة سكر بالطبع.

 

الأخبار اللبنانية في

23.03.2021

 
 
 
 
 

المُوريتانيّ”.. الحقيقة التي غيَّبتها جُدران جوانتانامو

عبد المنعم أديب

فيلم “The Mauritanian” أو “الموريتانيّ” فيلم بريطانيّ أمريكيّ مشترك من نوعيَّة دراما المُحاكمات. مأخوذ من كتاب “يوميَّات جوانتانامو” الذي ألَّفه “محمدو وِلد الصلاحي”؛ الشخص الحقيقيّ الذي يتناول الفيلمُ قصتَه. قدَّم فيه صُنَّاعه قضيَّة وقصَّة مَصوغتَيْن في بناء مُتماسك واضح المعالم والقسمات.

فيلم “الموريتاني” الذي أخرجه “كيفين ماكدونالد” يبدأ باقتياد “محمدو وِلْد الصلاحي” (طاهر رحيم) -وِلد تعني ابن- من موطنه موريتانيا من قِبَل رجال المَخفر المحليّ الذين طالبوا بإفادته في عدة أسئلة ثمَّ يطلقون سراحه، وعلى هذا الأساس طمأن أمَّه وطلب منها إبقاء بعض الطعام ليجده حين يعود. لكنَّه لم يعُد في تلك الليلة، ولا في ليالٍ أخرى كثيرة. وقد تعفَّن الطعام، وماتت أمُّه دون رؤيته.

فالصلاحي تنقَّل من بلد إلى بلد حتى استقرّ به المقام في مُعتقل جوانتانامو ليلبث هناك سنين عديدة. حيث اتهموه بالتدبير لحادث 11 سبتمبر 2001، على أساس مكالمة وردته من هاتف “بن لادن” المُتصل بالأقمار الصناعيَّة. وكان ردُّه أن الاتصال من أحد أقاربه المُقرَّبين من “بن لادن” ليطمئنَّ فيه عن أهله، وأنَّ كلَّ ما فعله هو استقبال مكالمة من هاتف غريب لا يعرفه.

يظلّ أمر اختطاف -هذا هو الوصف القانونيّ لما حدث- الصلاحي والاستجواب السريّ معه إلى عام 2005 حتى تنشر عنه جريدة ألمانيَّة تفيد وجوده في هذا المعتقل، وتبدأ مطالبات مُحامٍ محليّ موريتانيّ تحرِّك آخر أمريكيًّا، الذي بدوره يذهب لمُحامية حقوق الإنسان والمعتقلين “نانسي هولاندر” (جودي فوستر) يطلب منها استخدام تصريح الأمن القوميّ الذي تمتلكه للتأكُّد من وجود الصلاحي هناك. وتبدأ نانسي في الاهتمام بالقضيَّة شيئًا فشيئًا، وتصرِّح بذلك لأعضاء مكتبها الذين يحذرونها من الإقدام على فعل قانونيّ قِبَل أيّ شخص مُتعلِّق بالحادث لأنَّ المجتمع الأمريكيّ قد أصدر حُكمًا شعبيًّا عليهم منذ البدء، وبالتبعة على كلّ مَن يحاول الاتصال معهم، فضلاً عن الدفاع عنهم.

تصرُّ نانسي على المُضيّ في الأمر، مُصطحبةً معها المُحامية الشابة “تيري” (شايلين وودلي) إلى جوانتانامو. في الوقت الذي أعدَّت فيه قيادات رفيعة في الجيش الأمريكيّ رأسًا لقيادة الادعاء (والادعاء أو ما يسمَّى عندنا النيابة هي الجهة التي مهمتها إثبات التهمة على المتهم، والاقتصاص للمُجتمع منه بعقابه أقصى عقوبة ممكنة) هو العقيد البحريّ “ستيوارت كوتش” (بيندكت كامبرباتش) الذي صُدم من قبل بموت صديقه ضحيةً للحادث؛ لذا كان الاختيار الأمثل لهذه المهمة. ثمَّ تمضي أحداث الفيلم مستعرضةً الأحداث داخل جوانتانامو وخارجها حتى خروج الصلاحي من معتقله بعد أربعة عشر عامًا ويزيد.

السيناريو الذي قاده اقتباسًا ثلاثة مؤلفين: إم ترافين، روري هينز، سهراب نوشيرفاني بدا مُتماسكًا وواضحًا، بل يكاد الوضوح يكون سمته الأبرز. فرغم تعدُّد الفصول التي من الممكن تقسيمها شعوريًّا إلى فصل بداية الأحداث ودخول الشخصيَّات، فصل التوجه إلى المُحاكمة، فصل من الشكّ في أمر الصلاحي منذ بداية المحاكمة، ثمَّ فصل من الثبات والمكاشفة حتى نهاية العمل؛ أقول رغم تعدُّد الفصول، ورغم تعدُّد السرد من حيث الزمن لمْ يشعر المُشاهد بأيّ اضطراب أو حيرة عن اللحظة الزمنيَّة التي تُعرض أمامه. وهذا اختيار تأليفيّ منذ البدء، ونجاح في تنفيذه. وهنا ننوِّه أنَّ الفيلم ألَّف بناء دراميًّا -زمنيًّا- بين أزمنة الثمانينيَّات والتسعينيَّات والألفيَّة في عقدها الأوَّل والثاني في نسق مُوحَّد ميسور الفهم والتحديد.

والأفضل أنَّ التأليف استطاع أنْ يبثَّ الرُّوح في قصَّة حقيقيَّة معروفة النهاية من قِبَل المُشاهد عن طريق طرح عدد من المعاني، وتقديم عدد من الدلالات، والحفاظ شعوريًّا على حالة الشكّ في أمر الصلاحيّ من قِبَل المُدافعين عنه حتى الثلث الأخير من الفيلم، وكذلك التأرجح الشعوريّ من قِبَل الجلَّاد -وهو هنا المُدَّعي- تُجاه ضحيته بين الكراهة البالغة والحسم في أمر إيصاله إلى منصة الإعدام حتى التعاطف شبه الكامل والتراجع الكامل عن موقفه. كلا العُنصرين السابقين وقفا بثبات أمام الصلاحي وشخصيته والتفاعلات الشعوريَّة التي مرَّت بها، والتي تمثِّل العنصر الرئيس في الفيلم بطبيعة السياق. وقد أكمل هذه التوليفة التأليفيَّة النجاح في بثّ الكوميديا في لحظات حواريَّة ليست نادرةً في فيلم جادّ كهذا.

وعليه فيتضح أمامنا أنَّ الارتكاز الرئيس في الفيلم كان على دور الشخصيَّات والتي استخدمها التأليف ليُصدِّر كلَّ ما يريد تصديره من مشاعر، وردود أفعال، وتوجيه للمعاني، وتطوير في الحدث الفيلميّ. وهنا تتمركز لدينا الشخصيَّات الأربع؛ التي أوَّلها الموريتاني نفسه وهو شخص قويّ للغاية نفسيًّا كما صوَّره الفيلم، استطاع أنْ يقف بثبات أمام ضغوط ساحقة لا يمكن الخروج منها إلا مجنونًا أو مُصابًا باختلال نفسيّ بيِّن. فقد ظلَّت شخصيَّاتنا هادئة مُتأملة مُتماشية مع كافة صنوف القهر النفسيّ والجسديّ والمُماطلة في الإفراج أو في إيجاد أيَّة امتيازات (امتيازات هنا تعني أبسط الحقوق التي من الممكن تصورها للعيش الإنسانيّ). وكذا صوَّره الفيلم شخصيَّةً مُتفائلة مُغلِّبةً للتفاؤل، بل باعثةً إيَّاه في نفوس الآخرين من السجناء. وهو شخصيَّة تكتسب ثباتها وثقتها من إيمانها القويّ وإسلامها العميق لله الذي تثق به، كما بدا طوال الفيلم ذكيًّا سريع التعلُّم مُتطلِّعًا نحو الإيجابيَّات من أقصى المواقف السلبيَّة.

الشخصيَّة الأخرى هي نانسي التي صوَّرها الفيلم شخصًا مُتحديًا جسورًا مُقبلاً على ما يدبر عنه الآخرون، كما صوَّرها الفيلم شخصًا عقلانيًّا وربط بين هذا العنصر وبين كونها مُلحدةً بإشارات عديدة! على الجانب الآخر نجد المُدَّعي وهو شخص يكاد يتضاد مع نانسي، عاطفيّ قليل الكلام، انفعاليّ، وافق كُليًّا عندما قِيل له: اصعد بأحدهم إلى منصة الإعدام، وأدبر كُليًّا عندما اطَّلع على العار الذي تعرَّض له المُعتقلون في جوانتانامو، وهو أيضًا شخص مُتديِّن كالصلاحي مسيحي مُخلص لمسيحيَّته تمحورت نقطة الانحناء في شخصيَّته في عِظة كنسيَّة. وأخيرًا هناك تيري المُحامية الشابة ذات الشخصيَّة العاطفيَّة، التي تسعى للتضحية في سبيل الحقيقة لكنَّها ليست شجاعة مِقدامة كنانسي.

نقل هذه الخطة التأليفيَّة المخرج من خلال ثلاث من السمات أرى أنها أبرز ما في الفيلم إخراجيًّا. الأولى أنَّ الإخراج في الفيلم عمد إلى عنصر الوضوح بشكل حاسم وتامّ؛ فقد بدت رغبة المُخرج في عرض كلّ شيء أمام المُشاهد دون أن يُتعب هذا المُشاهدَ في أيَّة عمليَّة تأمُّليَّة في الصورة السينمائيَّة، ولعلَّ هذه السمة آتية من السيناريو أو مُصدَّرة منه. كلُّ شيء مقدَّم أمامك على طبق من ذهب -كما يقولون-، حتى اللحظات التي توالت فيها الأزمان المُتقاربة حرص المُخرج على تمييزها حتى لا توقع المُشاهد في أدنى اضطراب. ولعلَّ استخدامه للقطات مُقرَّبة كثيرًا آتٍ من حرصه على أنْ يكون كلُّ شيء مهما صغر مُركَّزًا واضحًا.

السمة الثانية أنَّ الإخراج لمْ يخلُ من مشاهد أو لقطات رمزيَّة؛ لعلَّ أبرزها مشهد محادثة من الجوَّال للمُحامية نانسي تحاول فيها الوصول إلى بعض المعلومات التي تحتاجها ومُقابلتها لصعوبة وضبابيَّة في عمليَّة الوصول وهي تقود سيارتها في مِرآب (جراج) مُلتفّ بعضه على بعض وكأنَّها في دوَّامة حقيقيَّة. ومنها بعض اللقطات المُعبِّرة مثل الزيارة الأولى لنانسي وتيري لجوانتانامو حيث نرى لقطات لذقن الضابط العسكريّ المُتجهِّم وفي الخلفيَّة نانسي مرةً وتيري أخرى.

السمة الأخيرة هي اعتماد المُخرج على تضييق الشاشة في مشاهد كثيرة، وقد يظنُّ بعض المُشاهدين أنَّها مشاهد جوانتانامو، لكنَّ الأمر ليس كذلك فهناك الكثير من المشاهد في المعتقل بحجم الشاشة الكامل. أمَّا تلك المشاهد التي تضيق فيها الشاشة فهي المشاهد التي تُروى من جهة الموريتانيّ نفسه؛ أيْ يكون هو فيها جهة الرؤية أو الرواية. ولعلَّها من عناصر الإخراج الناجحة في الفيلم؛ فلها أثر في بثّ الضيق لدى المُشاهد من حيث لا يشعر -قد لا ينتبه المُشاهد أثناء استرساله في المُشاهدة أنَّ الشاشة قد ضاقت-، كما أنَّ هذه المَشاهد داخَلَها بعض التشويش أو قلَّة الجودة في نقاء الصورة عن الصورة السينمائيَّة في الفيلم لمُناسبة الغرض كذلك.

ولا شكَّ أنَّ الأداء التمثيليّ المُستحق لكامل الإشادة من المُمثل طاهر رحيم في دور الموريتانيّ كان له الدور الأبرز في إحياء كامل الترتيبَيْن التأليفيّ والإخراجيّ. فالمُمثل قام بمُعايشة صادقة للشخصية وتدرُّجاتها الشعوريَّة والفكريَّة اتضح أثرها في تنفيذه لكلّ مرحلة مطلوبة منه. كما أنَّ المُمثل كان مُقنعًا في دوره للمُشاهد وهذا راجع لقوَّة شخصيَّته التمثيليَّة. وكذلك بقيَّة الشخوص الثلاثة الذين ارتكز عليهم الفيلم.

كما أنَّ عنصر التزيين (المكياج) الذي بدا واضحًا في دعم مراحل شخصيَّة الموريتانيّ في حياته العادية، وفي لحظات اكتآبه، وفي لحظات تعذيبه الهيِّن، وفي لحظات تعذيبه البالغ كان له دور في إقناع المُشاهد وإدخاله في حيِّز الشخصيَّة تفاعُلاً. وقد تمَّ استخدام الموسيقى بترشيد وذكاء ومن الملحوظ عليها مُحاولتها الاستقاء والتغذية الثقافيَّة من أغاني وثقافة موريتانيا نفسها في الموسيقى المُؤلَّفة.

إنَّ فيلم الموريتانيّ يشير إلى دلالات عديدة منها جمهوريَّة الضباب الأمريكيَّة؛ حيث نجد مجهودات كثيرة قامت بها المُحامية الأمريكيَّة في سبيل السؤال والتقصِّي عن أحوال مُوكِّلها أو أحوال غيره من سجناء جوانتانامو، بل عن مُجرَّد وجودهم من الأساس. وكذلك يطلعنا الفيلم على مدى التكتُّم المعلوماتيّ البالغ في الولايات المتحدة؛ في الحين الذي تصدِّر فيه أمريكا عن نفسها فكرة شفافيَّة كلّ شيء، وتصفعنا دومًا بشعارات حقّ المعرفة والاطلاع على المعلومات. وهنا نتذكَّر السخرية اللاذعة التي كانت توجهها أمريكا للاتحاد السوفيتيّ من جهة سريَّة المعلومات فيه ومدى حجبها عن الآخرين!

ومن دلالات الفيلم ذلك الانقسام النفسيّ الذي يمثل مرضًا في الذات الأمريكيَّة؛ حيث في إحدى اللقطات نرى مُلصقًا توجيهيًّا على جُدران معتقل جوانتانامو يحذر من إيذاء أحد أنواع الحيوانات الطليقة هناك، ويوجِّه بضرورة الحفاظ على حياة الحيوانات والبيئة! في حين نسمع أخبار انتحار الصديق “مارسيليا” في زنزانته الفرديَّة نتيجة اليأس من الحياة الذي سبَّبته المعاملة الوحشيَّة التي يمارسها مَن ألصق هذا المُلصقَ نفسه.

وقد وقف الفيلم على الحياد، بل على درجة قصوى من الحياد. فأقصى ما تدلُّ عليه رواية الفيلم هو أنَّ الجسد الأمريكيّ به “بعض الأخطاء” التي ما كان يجب أن نقع فيها. أمَّا ثوب أمريكا نفسه فهو سليم بالغ النصاعة لذلك لا يجب أن تشوب نصاعته تلك الأخطاء التي ارتكبها “بعض الأشخاص”. ولا نجد في الفيلم اتهامًا عنيفًا أو قسوة في توجيه العار الذي ارتكبته أمريكا في أعوام فقط، وفي جانب واحد فقط. بل نجد في الفيلم عتابًا ولومًا من ذلك الجسد الذي لمْ يحاسب أيُّ مسئول فيه عن جوانتانامو وجرائمها، ولا حُوكم أحد عليها. ونجد كذلك عتابًا على اقتياد أناس لا دخل لهم في “الإرهاب” ليعتقلوا دون مُحاكمة طوال أعوام.

وفي الوقت الذي يسمع فيه المُشاهِد عبارة المُحامية نانسي: “لقد أخطأنا في تحديد الهدف من اختيار الحكومة لجوانتانامو مكانًا للاعتقال؛ فلمْ يكنْ من أجل إخفاء المُعتقلين، بل من أجل التستُّر على الجُناة” قد يُطرح في ذهن المُشاهد سؤال: إذا كانت مُمارسات معينة قد وُصمت من قِبَل أناس بالإرهاب؛ أليس اقتياد 800 معتقل من كافة بقاع العالَم لا يجمعهم إلا دينهم، وصناعة مُعتقل لهم هو الأسوأ سُمعةً في تاريخ الألفيَّة الجديدة، وتعذيبهم سنوات تلو سنوات، في الوقت الذي تمَّت إدانة خمسة فقط منهم باتهامات -حسب قضاء الدولة نفسها- أليس هذا كلّه ضربًا من أبشع المُمارسات الإرهابيَّة؟!

 

موقع "عين على السينما" في

24.03.2021

 
 
 
 
 

في «الموريتاني».. كل مواصفات العمل الجيد بفيلم متواضع!

عصام زكريا

14 عاماً قضاها الشاب الموريتاني محمدو ولد صالحي في معتقل جوانتانامو، من دون محاكمة، أو وجود تهم ثابتة عليه، تعرض خلالها للتعذيب ولكل انتهاكات حقوق الإنسان على يد محققي وضباط أكبر بلد ديمقراطي في العالم.

هذا هو الجانب المظلم من الحكاية الحقيقية التي يرويها فيلم الموريتاني The Mauritanian من إنتاج BBC وإخراج كيفين ماكدونالد، والمأخوذ عن يوميات صالحي نفسه التي نشرت تحت عنوان «يوميات جوانتانامو»، والتي ترجمت إلى معظم اللغات الحية.

الجانب المشرق من الحكاية، هو أن صالحي استطاع أن يقاضي الحكومة الأمريكية، وأن يحصل على حكم عادل بالبراءة، وقبل ذلك استطاع أن يكون له محامية قديرة تبنت قضيته وظلت تقاوم محاولات التزييف والقمع، دون أن تتعرض هي نفسها للاعتقال أو الأذى، وبجانب هذه المحامية الشجاعة كان هناك رجل شجاع آخر من داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية، كلف بأن يمثل الحكومة في الدعوى، ولكن عندما اكتشف الظلم الواقع على ولد صالحي، وعلى غيره من المعتقلين، رفض الاستمرار في المهزلة وقدم استقالته وكشف هذه الفضائح للعلن، والجانب المشرق أيضاً هو أن وسائل الإعلام الأمريكية تابعت القضية بموضوعية ونشرت يوميات صالحي ودفعت الرأي العام إلى التعاطف معه.

ربما تكون الحكاية التي يرويها فيلم «الموريتاني» مكررة، وسبق لنا أن شاهدناها في مئات الأفلام، والتي تقول ببساطة إن الظلم لا يدوم، وإن العدل يتحقق ولو بعد حين، ولكن الفارق هنا هو أن الحكاية حقيقية وأن شخصياتها أحياء يرزقون وأن أحداثها موثقة بدقة، ويختم الفيلم دقائقه الأخيرة بمقاطع وصور فوتوغرافية للأبطال الحقيقيين، وهو ما يعطي للحكاية مصداقية وتأثيراً كبيرين.

هذا من ناحية القصة، أما من الناحية الفنية للفيلم فهو يضم أيضاً جانبين أحدهما إيجابي والآخر سلبي: طاهر رحيمي في دور محمدو بن صالحي وجودي فوستر في دور المحامية نانسي هولاندر رائعين. رحيمي قادر على التعبير عن البراءة وفي الوقت نفسه يعطي بملامحه وجسده بعض الإيماءات الغامضة التي تثير الشك أحياناً في مدى براءته.

جودي فوستر كالعادة تتألق في الشخصيات النزيهة القوية التي تتمسك بمبادئها مهما حدث، وتتغلب على شكها وقلقها دون أن تنطق بكلمة. كل من رحيمي وفوستر رشحا لجائزتي أفضل ممثل وممثلة ضمن جوائز الغولدن غلوب، وهما يستحقان بالفعل هذا الترشيح.

ورغم الدور القصير الذي يلعبه بندكت كومبرياتش (بطل مسلسل «شيرلوك») في شخصية الضابط ستيورات كوتش، إلا أنه يعرف كيف يعطي للشخصية أبعاداً وثقلاً وهي في الحقيقة أكثر شخصيات الفيلم تركيباً وأهمية، لأنه شخص من داخل المؤسسة يقرر بعد تردد أن ينقلب عليها، حتى أن قائده يصفه بالخائن عندما يخبره باعتذاره عن عدم الاستمرار في عمله مدعياً عاماً في القضية.

أيضا تلعب الممثلة شايلين وودلي دوراً مميزاً كمساعدة المحامية نانسي هولاندر، المترددة بين ما يمليه عليها عملها وبين مشاعرها، وهي تمثل هنا الشخصية التي يتماهى معها المشاهد المحايد، الذي لا يعرف بعد كيف يتخذ موقفاً من القضية.

يعتمد سيناريو الفيلم على التنقل بين الماضي والحاضر ومشاهد العودة في الزمن بكثافة، وذلك بهدف الحفاظ على سرعة الإيقاع، ومع ذلك يعاني النصف الأول من الفيلم من خلل إيقاعي واضح، وينحو إلى البطء غير المبرر قبل أن يستيقظ في ثلثه الأخير، خاصة في مشاهد التعذيب التي تحاول أن تنقل للمشاهد ليس فقط الألم البدني ولكن العذاب العقلي والهلاوس التي يتعرض لها ولد صالحي.

ولكن بشكل عام يمكن القول إن الفيلم لا يرقى إلى قوة الموضوع الذي يعالجه، رغم النوايا الحسنة لصناعه، ومرارة السنوات الـ14 التي يقضيها ولد صالحه في المعتقل لا تكاد تظهر سوى في الدقائق القليلة التي يتعرض خلالها للتعذيب.

يذكر الفيلم في نهايته أن معتقل جوانتانامو ضم ما يقرب من 800 معتقل، وأن 8 منهم فقط صدرت ضدهم أحكام بالإدانة، و3 من هؤلاء الثمانية حصلوا على البراءة في الاستئناف!

هذه الصفحة السوداء كان يمكن إظهارها بشكل أقوى، وحتى دوافع الخوف والألم والرغبة في الانتقام والهيستيريا الجماعية التي انتابت الأمريكيين عقب هجمات 11 سبتمبر كان يمكن أن تقدم بشكل أفضل لنفهم الدوافع والمشاعر الأساسية التي تخلق الظلم.

"الموريتاني" عمل توفرت له كل عناصر صنع فيلم عظيم: مخرج متمكن، فريق ممثلين على أعلى مستوى، قصة قوية وحقيقية، وأحداث مثيرة سواء داخل المعتقل أو خارجه، ولكن شيئاً ما أفسد هذه التركيبة مضمونة النجاح.. أو كما يقال أحياناً عن بعض الناس: كل جزء من ملامحه جميلة، ولكنه غير جميل!

 

الرؤية الإماراتية في

25.03.2021

 
 
 
 
 

الأوسكار تواجه رد فعل عنيف بعد مطالبة المرشحين بحضور الحفل بدلا من zoom

كتبت : شيماء عبد المنعم

أكد موقع deadline أن حفل توزيع جوائز الاوسكار الـ93، والذي سيضم الكثير من المفاجآت يوم الأحد، 25 أبريل، يواجه ردود أفعال عنيفة وذلك بسبب عدم قدرة المرشحين للجوائز من حضور الحفل خاصة أن الأكاديمية المسئولة عن توزيع الجوائز أخبرت جميع المرشحين الأسبوع الماضي عبر رسالة هاتفية بضرورة الحضور الفعلي وعدم الاستعانة بتطبيق zoom  وهو ما أزعج المرشحين كونهم قد لا يريدون الحضور حفاظا علي صحتهم وخوفا من التجمعات بسبب فيروس كورونا.

وأكد الموقع أن الأكاديمية اشترطت أن جميع تعليقات الفائزين بعد فوزهم لا يمكن إجراؤها إلا من خلال حضور حفل توزيع جوائز الأوسكار السنوي الـ 93 شخصيًا في وسط مدينة لوس أنجلوس، أو في Dolby مسرح   بهوليوود.

وفي سياق متصل كشفت النجمة العالمية بريانكا شوبرا عن جلسة تصوير جمعتها مع زوجها نيك جوناس، بمناسبة الإعلان عن أسماء المرشحين لجوائز أوسكار، في دورتها الـ 93، وظهرا خلال إحدى الصور وهما يحاولان حمل تمثال لجائزة الأوسكار، وعلقت علي الصور عبر حسابها بموقع "انستجرام" :" تهانينا لجميع المرشحين. وشكرا للأكاديمية على هذه الفرصة".

وسيقام حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2021 في 25 أبريل، وهو أحدث موعد تقرر حتي الآن، ويأتي ذلك بعد موسم جوائز 2019-2020، حيث كان من المقرر إقامة جوائز الأوسكار في 9 فبراير، وسيبث الحفل الافتراضي لهذا العام على التلفزيون من خلال قناة ABC.

 

اليوم السابع المصرية في

25.03.2021

 
 
 
 
 

جمعية منتجي هوليوود تمنح "نومادلاند" جائزة أفضل فيلم

(فرانس برس)

اختارت "جمعية منتجي هوليوود"، الأربعاء، "نومادلاندأفضل فيلم لهذه السنة، معززة بمنحه هذه الجائزة آماله أكثر فأكثر للفوز بـ"أوسكار".

وفي وقت دفعت فيه الجائحة الاستوديوهات إلى إرجاء إطلاق إنتاجاتها الضخمة، تقدّم "نومادلاند" مجدداً على منافسيه الرئيسيين "ذا ترايل أوف ذا شيكاغو سيفن" و"مانك" من إنتاج "نتفليكس"، بعدما كان هذا الشريط عن "سكان المقطورات" الأميركيين الذين يجوبون الولايات المتحدة في مركباتهم القديمة، ومعظمهم ليسوا ممثلين محترفين، قد فاز أيضاً بجائزة أفضل فيلم درامي ضمن جوائز "غولدن غلوب".

وقال منتج الفيلم بيتر سبيرز: "في عام عشنا خلاله جميعاً حياة منعزلة وبدت الأفلام ضرورية للغاية، نحن فخورون بإنتاج فيلم يخاطب المجتمع ويجمعنا".

وتشكّل جوائز الجمعية مؤشراً موثوقاً به نسبياً لمعرفة هوية الأعمال المحتمل حصولها على جوائز "أوسكار" التي توزّع نهاية إبريل/ نيسان. وتضمّ الجمعية ثمانية آلاف من العاملين في القطاع يملكون القرار في هوليوود. ومن آخر 13 عملاً فائزاً بجائزة "أوسكار" لأفضل فيلم، عشرة كانت قد نالت قبلها جائزة الجمعية.

وحصدت منصات الفيديو على الطلب الترشيحات في السباق إلى الجوائز السينمائية هذه السنة، بفعل اضطرار شركات الإنتاج الكبرى إلى تأجيل إطلاق عروض إنتاجاتها، نظراً إلى إقفال دور السينما خلال الجائحة.

استحوذت "نتفليكس" و"أمازون" وحدهما على أكثر من نصف الترشيحات في فئة السينما لجوائز "جمعية منتجي هوليوود"، لكنّ الفوز كان في نهاية المطاف من نصيب استديوهات "سيرتشلايت" التابعة لـ"ديزني"، وهي منتجة "نومادلاند".

كذلك فازت "ديزني"في فئتي الأفلام التحريكية من خلال "سول"، والأفلام التلفزيونية من خلال "هاملتون".

أما جائزة الترضية لـ"نتفليكس"، فكان فوزها بجائزة أفضل فيلم وثائقي بفضل "ماي أوكتوبوس تيتشر" الذي ارتفعت بذلك حظوظه للفوز بـ"أوسكار". ونالت "نتفليكس" أيضاً جائزة أفضل مسلسل قصير عن "ذا كوينز غامبيت"، وجائزة أفضل مسلسل درامي عن "ذغ كراون".

ولم يكن مفاجئاً فوز الموسم الأخير من مسلسل "شيتس كريك" في فئة أفضل مسلسل كوميدي، فيما نال البرنامج الحواري "لاست ويك تونايت"، للبريطاني جون أوليفر، جائزة الجمعية للسنة السادسة توالياً.

 

العربي الجديد اللندنية في

25.03.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004