ملفات خاصة

 
 
 

فيلم «رجل كو كلوكس كلان الأسود» عنصرية أمريكا وحاضرها الدموي

محمد عبد الرحيم

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثالثة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

القاهرة-»القدس العربي»:  «زِي كلان الأبيض وصليبها المتوهج أفضل وسيلة للابقاء على الزنوج في المكان المخصص لهم». (القس الأكبر في منظمة كلان).

«أنا أكره الزنوج، وأكره اليهود، وأكره المكسيكيين والأيرلنديين، وأكره الصينيين واللاتينيين، هذا الكلام خارج من فمي حتى يصل للإله، أنا حقاً أكره هؤلاء الزنوج الواشين، وأكره أي أحد لا تجري في عروقه الدماء النقية للعرق الآري الأبيض». (من الفيلم)

المتابع لسياسات الولايات المتحدة كوارثة لكيانات استعمارية طواها التاريخ، رغم ديمقراطيتها المزعومة، يجد أنها منذ نشأتها تعاني من آفة العنصرية، بل ويمتد الأمر إلى قيام جماعات يمينية بتنفيذ هذه السياسة تحت عين وبصر الدولة، ولا نجد سوى الفترة الرئاسية لدونالد ترامب خير مثال لصورة أمريكا الحقيقية، التي كانت دوماً تجاهد في إبعاد شبحها، ومحاولة تجميلها عبر أنظمة سياسية مختلفة، لكنها بالأساس تنتهج النهج العنصري تجاه كل ما يمكن تصنيفه بأنه (آخر). ظهور ترامب على مسرح السياسة الأمريكية كان كاشفاً عن هذا الخلل في المجتمع الأمريكي، ورغم مغادرة الرجل البيت الأبيض إلا أن ما تركه ليس من السهل تجاوزه.

وتأتي منظمة «كو كلوكس كلان» والمُشار لها اختصاراً بـ»KKK» لتجسد الطبيعة الأمريكية. هذا ما تناوله سبايك لي في فيلمه «رجل كو كلوكس كلان الأسود» (blackkklansman) مُستحضراً واقعة حقيقية حدثت في أواخر السبعينيات من القرن الفائت، لكنها تزامنت مع ما تقوم به المنظمة نفسها الآن! الفيلم أداء جون ديفيد واشنطن، آدم درايفر، توفر غريس، ولورا هارير. وهو مأخوذ عن كتاب بعنوان «عضو كلان الأسود» الذي أصدره البطل الحقيقي للحكاية رون ستالورث عام 2014. حصل الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو مقتبس، والجائزة الكبرى في مهرجان كان.

«مولد أمة»

هو اسم فيلم غريفيث الشهير، والذي يعد من علامات السينما في العالم، إلا أنه يكشف عن وجهة الأمريكيين الحقيقية، وإرثها الفكري والثقافي، فقد كان أحد أهم فقرات التعميد أثناء طقوس الانضمام إلى جماعة «كلان» التي أصبحت منظمة في ما بعد، حتى أن الأعضاء كانوا يهللون ويصفقون عندما يأتي مشهد بالفيلم وقد ظهر بعض رجال كلان وهم يمثلون بجثة رجل أسود، هذه الجماعة التي بعد حظرها زمناً، استغلت الفيلم كدعاية لها، وتم إعلان تأسيسها مرّة أخرى تحت مُسمى «الجمعية الأخوية لذوي العقل والشخصية» في تشرين الأول/أكتوبر 1915.

لقطات من تاريخ دموي

أقنعة اسطوانية بيضاء ومدببة تغطي وجوه أصحابها، وملابس بيضاء، وصليب معقوف يحترق، وعلم ولايات الجنوب خلال الحرب الأهلية الأمريكية، والذي يرمز إلى الولايات التسع التي رفضت إلغاء العبودية، استخدمته المنظمة في الثلاثينيات، وأعيد استخدامه في السبعينيات، وحتى تظاهراتها الآن، بجانب شعار النازي. بهذا الشكل ظهرت الجماعة لأول مرة سنة 1866 عندما أسسها بعض المحاربين القدامى في الجيش الكونفدرالي، وكانت تهدف إلى مقاومة إعادة تحرير العبيد بعد الحرب الأهلية الأمريكية. واستمدت اسمها من اليونانية القديمة ويعني «الدائرة العائلية المقربة». فهي أشبه بنادٍ خاص، كان حكراً على ذوي البشرة البيضاء ممن يؤمنون بتفوق العرق الأبيض، ويمارسون العنف العنصري ضد السود والناطقين بالإسبانية واليهود والكاثوليك، حتى قام الرئيس الأمريكي أوليسيس غرانت، بالقضاء عليها عام 1871. ثم جاء التأسيس الثاني لها من خلال العقيد ويليام جوزيف سيمون عام 1915 وكانت هذه المرّة أكثر تنظيماً، وأصبحت تمتلك فروعاً في كل الولايات الأمريكية، وبدأت في تنفيذ معتقداتها، كحارسة على القيم، فكان أعضاء الجماعة يجلدون الجناة، ويطاردون المجرمين، ويحصّلون الديون، حتى أن ضباط الشرطة كانوا يسلمونهم المجرمين في بعض الأحيان لينفذوا فيهم العقوبة، حتى الإعدام كانوا ينفذونه من دون محاكمات. وبلغ بهم الأمر إعلان المسيح كأول عضو مؤسس للجماعة. قامت أوساط رجال الأعمال بتمويل كلان مكافأة لها على الصراع مع النقابات، والدعوة إلى العنصرية وممارستها، والتي شقت صفوف الحركة العمالية. وفي عام 1923 قام حوالي 1000 من رجال كلان على قمع تمرد عمال سكك الحديد. أطلقت كلان على جميع المهاجرين المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية لقب «عملاء لينين» حتى أنهم اتهموا الزنوج بأنهم بلشفيون متخفون. يشار إلى تورط كو كلوكس كلان في مقتل مارتن لوثر كينغ عام 1972. في عام 2014 ألقيّ القبض على فرايزر جونيور مؤسس فصيل كلان، لقتله ثلاثةَ أشخاص في مراكز الجالية اليهودية في كانساس. وفي عام 2015 أطلق ديلان روف النار على تسعة أمريكيين من أصل أفريقي، وقتلهم في كنيسة يرتادها السود في تشارلستون بولاية ساوث كارولينا. وفي مسيرة ضد العنصرية إثر وفاة المواطن الأسود جورج فلويد، قام هاري روجرز زعيم التنظيم في ولاية فرجينيا بدهس مجموعة من المتظاهرين بسيارته. كان ذلك في حزيران/يونيو 2020.

رجل كلان الأسود

يوثق سبايك لي من خلال فيلمه لمنظمة كلان وتجذّر فكرها في المجتمع الأمريكي، ذلك من خلال شخصية حقيقية رون ستالورث، أو رجل أسود ينتمي لمنظمة تحارب السود! لا يفوت الفيلم التذكير بلقطات من فيلم «مولد أمة» عام 1915 وكذلك الانتهاء بلقطات حقيقية توثق الأحداث العنيفة التي حدثت في اب/أغسطس 2016 في ولاية فيرجينيا، والتي كانت بين متظاهرين من القوميين البيض المرتبطين بطائفة الـ «KKK» كما يظهر دونالد ترامب في خطاب يقول فيه مدافعاً عن المتطرفين: «ليس كل هؤلاء الناس عنصريين .. كان هناك ناس لطفاء جداً». مع ملاحظة تدارك ترامب الأمر بعد ذلك، من إدانته للمنظمة ورفضه دعمها في انتخاباته الأخيرة.
يتسلم رون ستالورث عمله في أرشيف شرطة مدينة كولورادو ويقابل بعنصرية من بعض زملائه، فيطلب نقله، ثم يكلف بمراقبة مؤتمر للسود ينظمه نادي الطلاب من أصل أفريقي بإحدى الجامعات، لرفع تقرير حول إمكانية اندفاع الطلاب للعنف، هنا يحضر خطاباً لعضو سابق بحركة الفهود السود ستوكلي كارمايكل ــ أحد نشطاء حركة الحقوق المدنية ــ فيتعرّف على باتريس داماس رئيسة حركة اتحاد طلبة كولورادو، والتي لا ترى سوى استخدام العنف، لمواجهة العنصرية ضد السود، لكن رون يرى أنه لابد من التغيير داخل مجتمع البيض. هذه النقاشات بدورها تكشف مدى الانقسام داخل هذه التنظيمات، وتكشف كيف يعيش رجل الشرطة الأسود، فهو منقسم بدوره، ولا يجد نفسه كاملاً، حتى بعد مكاشفته لصديقته داماس في ما بعد بماهية عمله، فهي تستغرب كيف يناضل معها وهو بالأساس أحد أدوات السلطة القمعية، هذا بدوره لا يمكنه أن تقوم بينهما علاقة صحيحة.

أمة عظيمة مجدداً

يشاهد رون إعلاناً في جريدة لمنظمة كو كلوكس كلان، فتبرز في عقله فكرة اختراق المنظمة وعمل تحقيقات حولها، لكشف جرائمها، فيقرر أن يتصل بها، ويقدم نفسه باسمه الحقيقي، مدعياً بأنه أمريكي أبيض مؤمن بمبادئ الجماعة، وقد قام أحد السود بالتحرش بأخته، ويريد الانضمام إلى الجماعة للانتقام من هؤلاء. وتستمر المحادثات الهاتفية، حتى يثق به مسؤول المنظمة معجباً بأفكاره. لتبدو المشكلة في كيفية حضوره اجتماعات المنظمة، فيطلب من زميله ــ اليهودي ــ أن يحل محله في المقابلات الشخصية، بينما يستمر هو في دوره على الهاتف. ويستمر كل منهما في المهاتفات وحضور الاجتماعات، حتى حصولهما على بطاقة عضوية في المنظمة باسم «رون» الذي يفكر رئيسها ديفيد ديوك في جعل رون رئيساً لها في ولايته. ديوك الذي يردد طوال الفيلم مقولات اليمين الأمريكي «لنجعل أمريكا أمة عظيمة مجدداً» وهي المقولات نفسها التي رددها ترامب، والذي احتفى ديوك نفسه بشدة، عند وصول ترامب للسلطة.

وينتهي الفيلم برفض استكمال التحقيقات، وبأوامر من سلطات عليا يُطلب من قسم الشرطة إتلاف تحقيق رون ستالورث، والسكوت عن جرائم الجماعة. بينما يأتي المشهد الأخير لرون وباتريس في منزل منعزل يستشعرون الخطر، وبالفعل يأتي رجال كو كلوكس كلان ويشعلون الصلبان أمام المنزل، انتظاراً لصيد جديد، وهو ما يحدث الآن بشكل أو بآخر، فالأمر لم ينته، ولم تكن حكاية الفيلم قصة من الماضي، بل حاضراً يتكرر في أية لحظة.

 

القدس العربي اللندنية في

20.03.2021

 
 
 
 
 

كلاكيت سادس مرة.. جلين فايس يخرج حفل توزيع جوائز الأوسكار

كتب: نورهان نصرالله

شهر واحد يفصل العالم عن النسخة الـ93 من حفل توزيع جوائز الأوسكار، حيث تجري الترتيبات على قدم وساق للحاق بالموعد المحدد، والذي تأجل عن الموعد الأصلي لأكثر من شهرين بسبب جائحة كورونا، قبل أن يتقرر 25 أبريل المقبل، موعدًا للحدث الفني الأهم والأشهر في العالم، والذي ينتظره الملايين.

ويعود المخرج جلين فايس لإخراج حفل توزيع جوائز المهرجان الشهير للمرة السادسة على التوالي، حيث قال منتجو الحفل إن جيسي كولينز وستايسي شير وستيفن سودربيرج: «خطتنا هي أن تبدو جوائز الأوسكار لهذا العام وكأنها فيلم وليس برنامج تلفزيوني، وقد تبنى جلين هذا النهج وتوصل إلى أفكار خاصة به حول كيفية تحقيق ذلك»، وفقا لما نشره موقع «فارايتي».

ما أعمال جلين فايس؟

وكان قام فايس بإخراج خمس حفلات أوسكار سابقة، حصل منها على جائزة «Primetime Emmys»، بالإضافة إلى جوائز الأوسكار، بالإضافة إلى إخراج 19 حفلًا لجوائز «توني» المسرحية، والتي أكسبته ثلاث جوائز إيمي، كما أخرج عدد من حفلات الجوائز من بينها جوائز بيلبورد الموسيقية، جوائز مركز كينيدي، جوائز بي إي تي، بالإضافة إلى حفل جوائز الموسيقى الأمريكية.

سيقام الحفل في محطة «يونيون» للسكة الحديد في لوس أنجلوس، ومسرح دولبي في هوليوود، وأضح منتجو الحفل في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى المرشحين، أنه لا توجد خيارات استخدام تطبيقات الدردشة المرئية لأولئك الذين يختارون عدم الحضور، حيث سيتم السماح فقط للمرشحين وضيوفهم ومقدمي العروض بحضور الحفل.

توفير أمسية آمنة

وأوضحت الأكاديمية في بيان صحفي: «بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون الحضور بسبب المواعيد أو عدم الارتياح المستمر بشأن السفر، نريدك أن تعرف أنه لن يكون هناك خيار المشاركة عند بعد عبر تطبيق الدردشة المرئية، أن نبذل قصارى جهدنا لتوفير أمسية آمنة وممتعة لكم جميعًا شخصيًا، وكذلك لجميع الملايين من محبي الأفلام حول العالم، ونشعر أن التواجد الافتراضي سيقلل من هذه الجهود».

 

الوطن المصرية في

20.03.2021

 
 
 
 
 

فيلم «Minari»: قصة ذاتية عن الجميع

رحمة الحداد

هذا فيلم للأطفال صنع للعالم الذي يجب أن نسكنه وليس الذي نوجد فيه بالفعل، فيلم من دون أشرار. لا مشاهد قتال. لا كبار مروعين. لا صراع بين الطفلين. لا وحوش مخيفة. لا ظلام قبل الفجر. عالم وديع. عالم حيث إذا قابلت كائناً هائلاً في الغابة سوف تستلقي على بطنه الضخم وتأخذ قيلولة.

تلك ليست حبكة فيلم ميناري minari بالضبط لكنها مقدمة مقال الناقد الراحل روجر إيبرت عن فيلم جاري توتورو (my neighbour totoro)  لهاياو ميازاكي، يصف إيبرت عالم الفيلم بالوداعة والرقة، بانعدام الشر حتى مع وجوده البديهي، فوالدة الفتاتان بطلتا الفيلم ترقد مريضة في المشفى لكن ينتهي ذلك على ما يرام وحينما تتوه إحداهما وتركض الأخرى باحثة عنها تجدها سليمة ضاحكة وقد وجدت كائناً ضخماً في الغابة يجب أن يكون مخيفاً لكنه ألطف ما يكون.

يملك فيلم ميناري لأيزاك لي شانج نفس تلك القومات، فيلم عن أسرة تهجر وطنها كوريا الجنوبية بحثاً عن حياة أرحب في أمريكا أرض الأحلام والحريات، تواجه مصاعب اقتصادية وشخصية، يختلف الزوجان في طريقة إدارة الأزمات والمشكلات اليومية، نرى الفيلم من وجهة نظر طفل في السابعة يملك قلباً ضعيفاً، لكن كل شيء ينتهي على ما يرام، وتبدو مشكلات الحياة الكبرى كمصاعب يمكن تخطيها بالرفق والحب إذا رأيناها بعيني طفل، لاقى الفيلم ردود أفعال إيجابية من النقاد حول العالم وفاز بجائزة الجولدن جلوب لأفضل فيلم بلغة أجنبية كما ترشح لست جوائز أوسكار من ضمنها جائزة أفضل فيلم.

ألان كيم في دور ديفيد من فيلم ميناري 2021 – Director Lee Isaac Chungn

أن ترى بعيون ذاتك القديمة

يسرد ميناري قصة أسرة يي الكورية الأمريكية بدءاً من نقطة رحيلها عن كاليفورنيا للاستقرار في مزرعة في أركنساس. تتكون الأسرة من الزوج جيكوب يلعب دوره ستيفن يون بدقة وهدوء، والزوجة مونيكا (هان يي ري)، وأبنائهما آن وديفيد، يفتتح وجه ديفيد (ألان كيم) الابن الأصغر الفيلم متأملاً خارج نافذة السيارة التي تنقل الأسرة إلى بيتها الجديد يؤسس ذلك لوجهة النظر السردية للفيلم، فهو إضافة لكونه حكاية عن الهجرة، الاغتراب، التأقلم والانتماء هو تجميع لشذرات من ذكريات طفل يسترجع انطباعاته عن حياته الأسرية والأرض التي قطنها واضطراب هويته الثقافية والشخصية.

عندما تشاهد ميناري سينتابك شعور أن تلك هي ذكريات أحدهم، لا يملك الفيلم سرداً متشظياً أو صوراً حلمية لكنه يركز على تفاصيل حسية ترتبط بتصوير الذاكرة للماضي، انعكاس الشمس على الماء، وصوت السير وسط أرض عشبية ضخمة، اختبار رؤية ذويك يتشاجران لأول مرة ومغامراتك مع الجدة، الفيلم ليس تجريبياً مثل شجرة الحياة لتيرانس ماليك أو المرآة لأندري تاركوفسكي الذي يشترك معهما في سرد تداعى من وعي الطفولة، بل يستخدم منطق الذكريات ليصنع قصة تقليدية ذات نبضات مألوفة ومعتادة وربما متوقعة أكثر من اللازم، لكن ما يميزه عن أفلام أخرى تناولت نفس الموضوعات والفترة الزمنية هو ابتعاده عن فرض أيديولوجيا قومية مقحمة أو صلبة بل يلقي بما يتذكره للعالم ويترك له حرية الشعور والتأويل.

يبني لي شانج فيلمه مما يتذكره عن انتقال عائلته في ثمانينيات القرن الماضي إلى ولاية أركنساس بالولايات المتحدة، يتبنى الفيلم وجهة نظر ديفيد في معظم أحداثه وحتى عندما يبتعد السرد عنه يظل هو ما ترجع إليه الأحداث ، مما يجعل فيلماً عن معاناة المهاجرين في أرض غريبة أكثر خفة وشاعرية من سرد حقائق اجتماعية وسياسية أو معاناة فردية، يقول شانج إن وقت كتاتبه للفيلم كانت ابنته في مثل عمره عندما انتقل إلى أركنساس فكتب كأنه يرى بعينيها، ويشير لذلك التعدد في وجهات النظر السردية بأنه يحاول تلبس كل شخصية يكتبها، فهو ذلك الطفل الذي يختبر الأحداث الرئيسية وهو الزوج الذي يواجه مشكلات في علاقته الزوجية وحالته المادية، بل ويتبنى أيضاً صداقات الزوج الجديدة، فكأنه يعايش عدة أجيال من المهاجرين تتمثل في ذاته القديمة عندما كان طفلاً ثم عندما أصبح أباً لديه أولاد.

ولد ديفيد مثل شانج في أمريكا، لذا لا تتعلق مشكلته الأساسية بالتأقلم وبالانقلاع من أرض وثقافة اعتادها بل ذلك هو كل ما يعرفه، الغريب عنه هو القادم من جذوره، تتغير حياة ديفيد عندما تأتي جدته  والدة أمه سون جا (يون يوه جونج) للسكن مع الأسرة، تلعب جونج دور الجدة الغرائبية الجريئة بخفة ظل مؤثرة وتقدم أداء من أفضل أداءات العام، إذا كان الفيلم هو رحلة نضوج ذلك الطفل، فإن العامل الرئيسي في ذلك هو تواصله مع الجدة التي تمثل كل ما هو أجنبي عنه، وبسببها يصبح أكثر تعاطفاً وفطنة وانفتاحاً على فرضية تعدد الثقافات.

النمو في أرض غريبة

ميناري هي اسم نبتة يمكنها أن تنمو حيث زرعت، يستخدمها لي شانج كمجاز مباشر لكنه مؤثر، عائلة يي تحاول أن تنمو أينما وجدت، وتثقل عليها التنقلات المتعددة سواء من كوريا في الأساس أو حتى داخل الأراضي الأمريكية بعد ما أصبحو مواطنيها، لكن شانج لا يصنع  فيلماً عن الفروق الثقافية بين كوريا وأمريكا، على الرغم من وجود بعض الحوارات ذات الغرض الكوميدي بين ديفيد وجدته فإنها لا تؤطر الفيلم كمحاولة مبتذلة أخرى لخلق الكوميديا من الاختلاف، هو ببساطة فيلم عن التأقلم، عن نبتة تقتلع من أرضها لتنمو مرة أخرى في أرض جديدة.

تتمحور تلك الخلافات بشكل أساسي حول السيطرة الثقافية للإعلام الأمريكي على العالم، تلك المركزية تقلل من اقتناع ديفيد بجدته كجدة حقيقية فهي ليست كافية بالنسبة للصورة الذهنية النمطية التي كونها عن الجدات، هي ليست مثل أولئك في الأفلام وبرامج الأطفال التي يستهلكها، ليست متقوقعة على ذاتها تغزل الكنزات الصوفية ولا تصنع «الكوكيز» أو تحكي القصص، هي سيدة كبيرة السن سليطة اللسان تعرف كيف تستمتع بوقتها، ورائحتها مثل «كوريا».

يخرج الفيلم  الجدة نفسها أيضاً من الفكرة الراسخة عن تمسك الكبار بهوياتهم القومية بشكل متجهم هي تفتقد أرضها بالفعل لكنها لا تقلل من ثقافة الصغار بل تحتضن ما تراه جديداً مثل المشروبات الغازية الأمريكية على سبيل المثال.

تصنع تلك الديناميكية سردية مضادة لسردية الصراع بين الأجيال المعتادة في الأفلام المعنية بالهجرة أو الهوية المزدوجة، لا يصل الفيلم لخاتمة تفيد بأن الأصالة الشرقية هي الأصلح أو أن الحداثة الغربية أكثر ملاءمة لكنه يلمح بشكل مبطن إلى هيمنة ثقافة على أخرى دون ضجيج وعظي بل كأمر واقع، لكن تلك هي النقطة فتلك الأسرة ليست مجرد أسرة مهاجرة تبحث عن هوية أو جذور بل هم مواطنون مزدوجو الهويلة يمتلكون أسماء أمريكية ووجوهاَ آسيوية وتاريخاً طويلاً تختلط فيه الجذور الشرقية بالغربية.

ورغم محاولاتهم في الاندماج والانتماء الكامل فإن من حولهم يعاملونهم كآخر أجنبي من حين لآخر حتى على سبيل الكياسة، في أحد المشاهد تذهب الأسرة لحضور قداس الأحد لأن مونيكا الزوجة تشعر بالوحدة والاغتراب، فتعاملها النساء الأمريكيات باعتبارها “لطيفة” بسبب ملامحها الرقيقة المميزة ولغة جسدها المهذبة، يمتد ذلك التغريب إلى عالم ما خارج الفيلم، ميناري فيلم أمريكي يحكي قصة فئة كبيرة من الأمريكيين الآسيويين ذوي إنتاج أمريكي أنتجته شركة أمريكية، لكن عندما التفتت له لجان توزيع الجوائز مثل الجولدن جلوب وضعته في فئة الآخر “أفضل فيلم بلغة أجنبية”، امتدادا لرؤية هوليوود وأمريكا لذاتها كمركز للكون والثقافة، وكل من لا يتحدث بلسانها بنسبة أقل من خمسين في المئة فهو أجنبي عنها.

عالم دون أشرار

منذ بداية الفيلم يتصاعد التوتر بين جيكوب وزوجته مونيكا، فكلاهما يملك منظومة فكر مختلفة لما يجب أن تكون عليه حياة الأسرة، يتراشقان بالكلمات، يحتدان ويختلفان عن صحة قرارهما بالانتقال وأحياناً يتحول النقاش إلى شجار مشتعل، تشغلهما صحة ديفيد العضو الأصغر في الأسرة، والذي ولد بثقب في قلبه، يضع الفيلم تلك الحقيقة كتهديد محتمل منذ البداية تحذره والدته من الركض والمجهود الزائد، وتنصحه بأن يدعو الله أن يرى الجنة، فيصبح الموت جزءاً رئيسياً من وجوده الفتي، لكن في وقت لاحق يتم إعلام الأسرة أن ذلك الثقب قد بدأ في الالتئام، في نفس الوقت الذي بدأت فيه علاقة جيكوب ومونيكا في التفسخ.

يحاول جيكوب أن يصنع مزرعة أحلامه، قطعة أرض شاسعة يطمح أن يملأها بالثمار الطازجة ويتكسب منها وتعيش أسرته من خيرها، يملك نظرية محددة وهي إذا كان حولهم في أمريكا كل هؤلاء المهاجرين الكوريين فلمَ لا يخصص زراعته للثمار التي يفتقدونها من الوطن؟! يواجه صعاباً متعددة من نقص الماء إلى قلة الأيدي العاملة ورأس المال، يقرر مساعدته رجل أمريكي يملك نزعات دينية روحانية غرائبية لكنه يملك روحاً نقية، يعامل جيكوب كأخ ويخف عنه عندما يجزع، في قصة كتلك يمكن توقع أن يقع في طريق الأسرة شخص عنصري مؤذ لكن على العكس تماماً فإن المساعدة الخارجية تأتي من شخص يكاد يكون منزلاً بشكل إلهي لكي يقدم العون.

في الثلث الأخير من الفيلم تتحول الأجواء التي تتبدل بين الرقة والتوتر إلى تصاعد قاتم يهدد حياة أفراد الأسرة ومصدر دخلهم بل ومحل سكنهم، لكن تقوي تلك الخسارة الكبيرة من الروابط بينهم، تجمعهم وتذيب خلافاتهم، تعطي فرصة ديفيد أن ينضج ويتغلب على مخاوفه في سبيل إنقاذ من يحب، ولجيكوب ومونيكا أن يعيدا تقييم علاقتهما واستيعاب كم الحب القابع خلف الوجوه المتجهمة والآراء المختلفة.

ميناري فيلم يدمج العام والخاص في قصة ذاتية لكنها كونية، قصة كاتبها ومخرجها الشخصية لكنها أيضاً تصبح كقصة عن الجميع، يواجه فيها الأفراد مصاعب تبدو أبدية لا حل لها لكن في النهاية يلتئم الثقب ويصغر الصدع وتنطفئ النيران ويستعد الجميع لبداية جديدة للنمو أينما ألقت بهم الحياة.

 

موقع "إضاءات" في

21.03.2021

 
 
 
 
 

فيلم الهدية.. حجرٌ لكسر هذا الصمت

أيمن أ. حسونة

على المَعبر، المعبر الذي يمرُّ من خلاله آلاف الفلسطينيين يوميًا، فقدنا أعصابنا تَمامًا، واحتلّنا غضب المظلومين، ذلك النوع من الغضب الذي يترافقُ مع القهر فنسبُّ العجز، والسياسة، والقوى الكبرى، والإعلام، والدبابات والرصاص.

يختزل الفيلم القصير "الهدية" معاناة شعبٍ تواطئ العالم أجمع كي ينكرها

فقدنا أعصابنا ونحن نشاهد يوسف يّدزُّ الثلاجة نحو بيته، فقدناها حين رأينا ياسمين "عملتها تحتها" وهي تنتظر أن يسمح المحتل لأباها بالمرور، فقدناها حين فقدت الهدية قيمتها، وحين سحب أحد الجنود أقسام الـ M16 ووجهها نحو يوسف.

فرح نابلسي وهند شوفاني اختصروا الكثير في قصة لا تتجاوز 24 دقيقة، وصلوا إلى القائمة النهائية المرشحة لجوائز "الأوسكار" عن فئة أفضل فيلم قصير. فيلمٌ قصير يختصر الكثير، كثيرًا يبلغُ من العمر ثلاثٌ وسبعونَ عامًا.

الهدية التي حملها الفيلم القصير كاسم، ليست هدية للآخرين، بل هي حاجةً أساسية لا غنى عنها، وكما أبسط الأشياء التي لا تحتاجُ لتخطيط لهم، يُصبحُ الحصول على ثلاجةٍ جديدة مهمّة تتطلبُ المُستحيل.

يختزل الفيلم القصير معاناة شعبٍ تواطئ العالم أجمع لينكرها، وصار كل من يقف ليشيرَ إليها معادٍ لإنسانية كاذبة اخترعوها هُم، ليظهروا أنهم الأفضل.

لقد نقلت المخرجة فرح نابلسي التجربة الشخصية لأي فلسطيني ببساطة شديدة من حيّزها المحلي اليومي لتصبح ايجازًا عن صورةٍ أكبر، أشد قسوة وفتكًا بالأحلام، أحلام الفلسطيني العاديّ بثلاجةٍ جديدة.

هل كُنّا بحاجة إلى هذا الترشيح لجائزة عالمية ليسمع العالم عنّا؟

سواء أعجبتنا الاجابة أم لا، فهي نعم.

يُنظرُ إلينا كفلسطينين كأننا لم نكن، وأننا الآن لا شيء.

لكن ما يحتاجه الآخر هو أن يسمع القصّة منّا، من الفلسطيني العادي اليومي الذي يقضي ثلث يومه على المعابر والحواجز ويحاول ما استطاع أن يعيشَ بينَ الرصاص الأعمى، وإن قامت فرح بالتأشير عليها مؤخرًا كما قام من قبلها الآخرين، فعلينا استغلال المنصّة التي تواجدت عليها لنحاول أن نقول للعالم أن للضحية صوتًا أيضًا.

ليكن فيلم "الهدية" الحجر الذي نُلقيه في المياه الراكدة، فالتاريخ لم يتغير أبدًا حين عمّ الصمت، بل حين نطق المظلوم

لا أعلم إلى متى سُتبقي "نتفلكس" الفيلم على منصّتها، حيث إن الضغوط بدأت منذ اعلانها عنه لمحوه، كما بدأ اللوبي الصهيوني بالهجومِ على أي قناةٍ تلفزيونية تستضيف المخرجة للحديث عن الفيلم كما حصل مع "CTV" في كندا.

نعلم تمامًا أن فرصة فوز الفيلم بالجائزة قليلة، ليس لأنه لا يستحق، بل لأن الذراع الضاغطة الصهيونية عملت وستعمل جاهدة لكي لا ينالها، لكن من واجبنا وطالما هو موجودٌ على "نتفلكس" أن نقوم بالترويج له لمن نعرف، وكلّما ازداد عدد المشاهدات صارَ من الصعب ازالته في ذروته قبل الحفل الرئيسي، كما أن هذه الـ 24 دقيقة ستكون كفيلة بأن تلفت نظر الآخر إلى ما يعانيه العادي الفلسطيني هُناك، في الأرض المحتلة.

ليكن الحجر الذي نُلقيه في المياه الراكدة، فالتاريخ لم يتغير أبدًا حين عمّ الصمت، بل حين نطق المظلوم.

كاتب من فلسطين - الأردن

 

ألترا صوت في

21.03.2021

 
 
 
 
 

ريز أحمد المرشح للأوسكار يكشف كيف كان مفلسا وقرر ترك عالم السينما

كتب علي الكشوطي

نقل موقع ديلي ميل تصريحات النجم العالمي البريطاني المسلم ريز أحمد المرشح للأوسكار والتي ادلي بها إلي موقع "مترو" البريطاني، حيث تحدث ريز أحمد أول مسلم يترشح لجائزة الأوسكار أفضل ممثل عن الصعوبات التي مر بها، قبل الترشح وأنه كان مفلسا لدرجة أنه لم يستطع شراء تذكرة سفر إلي لوس أنجلوس لعمل اختبار أداء لأحد الأدوار وهو الأمر الذي جعله محبط وفكر في اعتزال التمثيل.

وفي سياق متصل تصدر تشادويك بوسمان، ترشيحات أوسكار أفضل ممثل رغم وفاته، حيث رحل بوسمان عن عالمنا بعد صراع 4 سنوات مع مرض سرطان القولون عن عمر يناهز 43 عامًا فى 28 أغسطس الماضى، حيث كشف القائمون على حفل أوسكار الـ93.

وتضم ترشيحات فئة أفضل ممثل ريز أحمد وتشادويك بوسمان وأنتوني هوبكنز وجاري أولدمان وستيفن يون ميناري، وفي فئة أفضل ممثلة كل من فيولا ديفيس وأندرا داي وفانيسا كيربي وفرانسيس مكدورماند وكاري موليجان

وبينما يكافح العالم مع جائحة Covid-19 ، ستقام حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2021 في 25 أبريل ، وهو أحدث موعد قرر حتي الان، ويأتي ذلك بعد موسم جوائز 2019-2020 ، حيث كان من المقرر إقامة جوائز الأوسكار في 9 فبراير ، وسيبث الحفل الافتراضي لهذا العام على التلفزيون من خلال قناة ABC .

 

اليوم السابع المصرية في

22.03.2021

 
 
 
 
 

مسلسل I Know This Much Is True: دراما لا تخاف الدموع الحقيقية

أحمد عزت

 لم يكن ديريك سيانفرانس يعلم حين شرع في اقتباس رواية «والى لامب» (I Know This Much Is True) كمسلسل تلفزيوني يحمل نفس الاسم أنه سيعرض في ظروف استثنائية، فقد تم بث الحلقة الأولى من المسلسل في العاشر من مايو الماضي في ذروة جائحة كورونا ووقت الحظر الشامل.

كان موسم العودة للبيت، وكان الجميع يعيد اكتشاف معنى البيت والعائلة ربما للمرة الأولى منذ زمن طويل. كنا نستكشف البيت كمساحة آمنة وحميمية بينما يقترح المسلسل معنى مغايراً- يكاد يكون النقيض- للعودة للبيت. خلق هذا ظرفاً مثالياً لتلقي عمل مشغول تماماً بهذا المعنى وإعادة تأويله.

 يأتينا صوت دومينيك بيردزي من خلال التعليق الصوتي: «العودة مجدداً إلى 68 جادة (هوليهوك)- حيث منزل الطفولة- يجعلني دائماً أشعر بالغضب والضآلة كأنني ابن العاشرة من جديد بلا حول أو قوة».

يسرد سيانفرانس في مسلسله القصير المقسم إلى ست حلقات حكاية الأخوين التوأم دومينيك وتوماس بيردزي- يؤدي دوريهما مارك روفالو- المولودان في عائلة مليئة بالأسرار، وحيث هناك ظل مظلم ملقى كلعنة على البيت الذي نشآ فيه. يحاول دومينيك الصمود بعد فقد طفلته الوحيدة وانهيار زواجه كما يسعى بأقصى ما يستطيع لرعاية توماس توأمه الفصامي.

عود على بدء

يبدأ السرد من لحظة متفجرة حين يدخل توماس- مدفوعاً بضلالاته- إلى مكتبة عامة ليقطع يده قرباناً للرب كي يوقف الحرب المقبلة وينقذ أطفال الأمة. يتحرك الزمن بعدها ذهاباً وإياباً بين الماضي التي تتداخل أزمنته واللحظة الحاضرة. تتوالى الذكريات كاشفة عن طبيعة الأخوين وطبيعة العلاقة بينهما. رغم اعتماد السرد بشكل أساسي على هذه الاستعادات/ الفلاش باك، ينجح سيانفرانس في إبقاء السرد سلساً وهذه الاستعادات محكومة بمنطق درامي وسيكولوجي. كل شيء يردنا لنقطة البداية، كيف وصلنا إلى هذه اللحظة، وكيف تشكلت العلاقة بين الأخوين على هذا النحو؟

تمنحنا هذه اللحظة المبكرة أحد مفاتيح السرد المثيرة، حين يسأل الأطباء موافقة دومينيك الكتابية على وصل يد أخيه المبتورة، يرفض توماس ذلك ويخبره غاضباً: دافع عني، أحتاج إلى مساندتك ولو لمرة واحدة. يرفض دومينيك التوقيع ويظل رفضه محل تساؤل رغم المبررات التي يسوقها لاحقاً، لماذا استجاب لرغبة أخيه المحكومة بضلالاته. لا تأتي الإجابة إلا قرب النهاية بقليل في صورة ذكرى مستعادة. يشير تأخر الكشف عنها إلى قدر الطاقة الهائل المبذول في كبتها من قبل دومينيك إذ لا تنكشف إلا حين يكون مستنزفاً تماماً، إنها الذكرى الأكثر تأثيراً في تشكيل علاقتهما. يقوم زوج الأم بحبس توماس داخل خزانة ويضع دومينيك حارساً عليه آمراً إياه ألا يفتح له مهما ترجاه وهو ما ينفذه بالفعل. هناك إحساس مثقل بالذنب مصدره هذه اللحظة يجعل دومينيك دائماً يشعر أنه خذل أخاه مهما بذل من جهد في رعايته، وهو على الأغلب سبب نزوله على رغبة أخيه المدفوعة بضلالاته في لحظة البداية.

الخوف من الدموع الحقيقية

لا بأس بالألم وكذلك البكاء، ألم يخترع الإغريق التراجيديا من أجل ذلك؟ في أثينا حيث أقيمت مهرجانات تعرض مسرحيات تراجيدية لعدة أيام متتالية، كان آلاف من البشر يشاهدون مثل هذه المسرحيات ويشعرون أنهم صاروا أكثر إنسانية وقد تحرروا بالبكاء من ثقل مشاعرهم المظلمة.

ديريك سيانفرانس- مخرج المسلسل.

يقول ابن نسطور الحكيم في الأوديسه: إني لا أخجل من البكاء. لم يخجل اليوناني القديم من التعبير عن ألمه وحزنه لكن الأزمنة الحديثة تخجل من البكاء وتخاف من الدموع الحقيقية. في طفولة سيانفرانس، كان انفصال والديه هو أكبر مخاوفه، إلى جانب الحرب النووية ومن ثم كانت الأفلام التي تحكي عن العائلة والعلاقات داخلها هاجسه آنذاك. شعر سيانفرانس بكثير من الخذلان والإحباط من المعالجات الهوليوودية الملمعة للعائلة بنهايتها السعيدة الزائفة وشخصياتها المنمطة.

كانت مثل هذه الأفلام تتركه وحيداً، يشعر بالسوء حيال نفسه وحياته لأنها ليست على شاكلة هذه الأفلام. كانت مثل هذه الأفلام والتي تشكل التيار السائد في هوليوود تنكر الضعف البشري وتلمع الواقع على نحو زائف بينما كان سيانفرانس يرغب أن يرى على الشاشة عائلة تشبه عائلته وحياة كالتي يعيشها، ومن هنا بدأت رغبته في صنع أفلام سينمائية عن بشر حقيقيين، أفلام تكون أقرب ما تكون إلى الحياة كما نختبرها بالفعل، تقدم لنا دراما لا تخاف من الدموع الحقيقية.

عالم سيانفرانس: حكاية واحدة ممتدة عن العائلة

يقدم لنا سيانفرانس في عمله الأحدث دراما ثقيلة وذات نبرة تراجيدية واضحة للدرجة التي دفعت مايك هيل محرر صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن يصف عمل سيانفرانس بالقصة الأكثر حزناً على الإطلاق.

لا تبدو حكاية مسلسله رغم اقتباسها من عمل أدبي غريبة عن عالمه السينمائي بل تكاد تكون امتداداً طبيعياً لأفلامه السابقة مثل تحفته (blue Valentine)، وفيلمه الآخر البديع (The Place Beyond the Pines)، إنها حكايات عن العائلة تستكشف العلاقات داخلها والصدمات الأولى التي تترك أثراً لا يمحى داخل الأبناء.

في سرديات سيانفرانس سابقة الذكر مثلما في مسلسله تبدو العائلة وإرثها معادلاً للقدر في التراجيديات الإغريقية، كفخ لا مفر منه، إذ يكرر الأبناء غالباً خطايا آبائهم يسلكون نفس المسار وأحياناً يمكنهم أن يكسروا هذه الدائرة المفرغة التي يدورون فيها كالعميان. العائلة في أعماله أقرب لجرح مفتوح ولعنة ممتدة تصل الآباء بالأبناء، فمثلاً في (blue Valentine) يناضل دين/ ريان جوسلينج من أجل استمرار زواجه المتداعي كي لا يحدث لطفلته ما حدث معه بعد انفصال والديه لكن ما يخافه هو ما يحدث في النهاية. هنا في (I Know This Much Is True) يؤمن دومينيك بأن كل مآسيه هي نتيجة لعنة أصابت هذه العائلة، لعنة لن تبقي على أحد وأن خطايا الجد المؤسس تلقي بظلالها عليه الآن. فقط قرب النهاية يستطيع دومينيك أن يكسر تلك الدائرة ويخطو خارج هذه الظلال.

تبدو مثل هذه الحكايات هاجس سيانفرانس الأكبر. هنا يمنحه الوسيط التلفزيوني الفرصة لسرد حكاية تمتد لثلاثة أجيال، تبدأ من عشرينيات القرن الماضي وتنتهي في التسعينيات. يصور عمله بالكامل على شريط خام 35 ملم وهو ما يمنح صورته دفئاً وحميمية وإحساساً أكثر صدقاً بالزمن المصور لم تكن أبداً كاميرات الديجيتال قادرة على التقاطه على هذا النحو.

أسلوبية سيانفرانس: (مخرج المنهج- The Method Director)

 في حوار مصور مع سيانفرانس يقول مازحاً أن من يعملون معه من الممثلين والتقنيين يسمونه «The Method Director» أي مخرج المنهج في إشارة إلى التمثيل المنهجي، وهذا إلى حد بعيد يكشف عن طبيعة مقاربة سيانفرانس للسينما، فإذا كان جوهر التمثيل المنهجي هو الوصول إلى أصدق أداء ممكن، فهكذا يسعى سيانفرانس خلال سردياته السينمائية والتلفزيونية إلى أن يصور واقع شخصياته بأقصى درجة من الصدق وعالمه كأقرب ما يكون لحقيقة الحياة كما نختبرها.

هذا هو المنظور الذي يريد سيانفرانس أن يستكشف من خلاله حكاياته عن العائلة أو لنقل حكايته الممتدة حيث ولدنا دون اختيار وحملنا من دون رغبة منا ثقل أسرارها.

أسلوبيته تتفق تماماً مع هذا المسعى. هنا ينقل للوسيط التلفزيوني ولعه باللقطات القريبة والقريبة جداً والتي تلقى بنا داخل المجال الروحي لشخصياته، تجعلنا نشعر على نحو مثالي بضيقهم وحصارهم النفسي.

تسقط اللقطات القريبة أقنعة شخصياته تظهر ضعفهم وألمهم من قريب. لا مجال لزيف أو افتعال الأداء إذا كانت الكاميرا قريبة من ممثليه على هذا النحو. يميل سيانفرانس أيضاً إلى لقطات ممتدة زمنياً تسمح لممثليه بمزيد من العفوية والحرية في الأداء، فأعماله دائماً هي دراما شخصيات، حكايات تروى عبر أداء ممثليه. هنا يقدم مارك روفالو ربما الأداء الأفضل في مسيرته.

لا حيل إخراجية هنا. ينجح سيانفرانس في ضبط مزاج العمل والجو العام مستفيداً من المناخ الشتوي، الأفق الغائم المطر واللون الرمادي مع لمسة الأزرق البارد. ونغمة الميلانكوليا التي تتسلل عبر الموسيقى والأغاني التي تتوالى عبر شريط الصوت. يبرع أيضاً في الصياغة البصرية لأفكار مجردة عبر خلق موتيفات بصرية. إحدى هذه الموتيفات هي صورة أبطاله المعذبين بالفقد والخسارة أمام شلال مائي. فإحدى الأفكار التي يحاول بلورتها طيلة مسلسلة هي فكرة الاستمرارية، الحياة ستمضي، ستعبرنا دون أن تتوقف. أيضاً فكرة استمرار الأثر وإرث العائلة الممتد من الماضي إلى الحاضر دون انفصال واضح كأنما حياتنا ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا مياه واحدة.

الخروج من الغابة، من متاهة الذات

مشيت وفي منتصف طريق الحياة، وجدت نفسي في غابة مظلمة، حينها أدركت أنه قد ضاعت مني معالم الطريق.

دانتي -الكوميديا الإلهية

الضياع في متاهة الذات وغابة الحياة ليست وضعاً استثنائياً للشاعر دانتي بل حالة من حالات الوجود، قد نجد أنفسنا جميعاً فيها مطاردين بمخاوفنا وكوابيسنا.

يستعمل الحوار كثيراً مفردة الضياع داخل الغابة للتعبير عن حالة الأخوين بيردزي. في رحلة مدرسية إلى تمثال الحرية تعود إلى زمن الطفولة أدى اضطراب توماس وخوفه إلى بقاء دومينيك إلى جواره على الشاطئ بينما يذهب الجميع لمشاهدة التمثال. في هذه الليلة يحلم دومينيك أنه عالق في كهف مظلم داخل غابة لا يعرفها، وحين وجد منفذاً للخارج، وجد نفسه داخل تمثال الحرية. بعد اللقاء الأول لدومنيك مع طبيبة أخيه النفسية، تخبره الطبيبة: تعلمت اليوم شيئاً، تعلمت أن هناك شابين ضائعين في الغابة وليس واحداً. وبالتالي حين يستطيع دومينيك قرب نهاية المسلسل من تجاوز هذه الحالة عبر مواجهة ذاته وماضيه وعبر الغفران يصف نفسه بأنه قد نجح أخيراً في أن يخطو بعيداً عن الغابة المظلمة لذاته، ماضيه وماضي بلده.

لا يمنحنا سيانفرانس بعد هذا الزخم الدرامي حلاً (resolution) بالمعنى الكلاسيكي. يكتفي بمنح شخصياته إحساساً بالسلام مع الذات والعالم ووميضاً من الأمل في نهاية مفتوحة تسمح للمشاهد أن يظل جزءاً من الحكاية، يعكس رغباته وآماله على مصير الشخصيات التي رافقها من البداية وحتى هذه اللحظة.

 

موقع "إضاءات" في

22.03.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004