ملفات خاصة

 
 
 

قوائم "أوسكار" القصيرة.. مفاجآت وأسرار

بقلم: أسامة عبد الفتاح

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثالثة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

** المعلومات المتوفرة عن عملية التصويت تثير الشكوك حول مصداقية المسابقة كلها ومدى جديتها

شهدت الدفعة الأولى من القوائم القصيرة لترشيحات جوائز أوسكار 2021، والتي تم إعلانها الثلاثاء 9 فبراير الجاري، العديد من المفاجآت، كما كشفت المعلومات الواردة من الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم السينما، التي تمنح تلك الجوائز سنويا، والتقارير والتحليلات الصحفية التي صاحبت الإعلان عن القوائم، عن أسرار كثيرة وحقائق ربما تنال من مصداقية مسابقة الأوسكار نفسها وجديتها.

وأعلنت الأكاديمية القوائم القصيرة في تسع فئات: الأفلام التسجيلية الطويلة (15 عملا)، والتسجيلية القصيرة (10)، وفئة الفيلم الدولي، المعروفة سابقا بأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية (15)، والماكياج وتصفيف الشعر (10)، والموسيقى التصويرية (15)، والأغنية الأصلية (15)، وأفلام الرسوم المتحركة القصيرة (10)، والأفلام الروائية القصيرة (10)، والمؤثرات البصرية (10 أعمال).

واُختتم التصويت على القوائم القصيرة في 5 فبراير الجاري، على أن تُستكمل بقية مراحل التصويت في الفترة من 5 إلى 9 مارس المقبل، وتُعلن الترشيحات النهائية في 15 مارس، فيما يُقام حفل توزيع الجوائز يوم 25 أبريل المقبل، متأخرا عن موعده الأصلي نحو شهرين بسبب ظروف انتشار الموجة الثانية من فيروس كورونا.

ولا شك أن أكثر فئة تهمنا، في مصر وسائر الدول العربية، هي "أفضل فيلم دولي"، فقد تقدمت العديد من الدول العربية بأفلامها للمشاركة في المسابقة، ومنها مصر التي رشحت فيلم "لما بنتولد" للمخرج تامر عزت.. وبعد الإعلان عن القوائم القصيرة، زاد الاهتمام العربي بتلك الفئة، حيث شهدت تقدم الفيلم التونسي "الرجل الذي باع ظهره"، للمخرجة كوثر بن هنية، للمنافسة في المراحل النهائية، وهو الفيلم العربي الوحيد في القائمة القصيرة التي ضمت 15 فيلما، علما بأن 93 دولة تقدمت بعدد مماثل من الأفلام، في رقم قياسي للمشاركين في تلك الفئة.

والأفلام الـ15 هي: "جولة أخرى" (الدنمارك) للمخرج توماس فينتربرج، و"أيام أفضل" (هونج كونج) لديريك تسانج، و"شارلاتان" (التشيك) لآنييسكا هولاند، و"جماعي" (رومانيا) لألكسندر ناناو، و"الرفاق الأعزاء" (روسيا) لأندريه كونشالوفسكي، و"لم أعد هنا" (المكسيك) لفرناندو فرياس، و"أمل" (النرويج) لماريا سودال، و"لا لورونا" (جواتيمالا) لخايرو بوستامانتي، و"وكيل الخلد" (تشيلي) لمايتي ألبردي، و"ليلة الملوك" (كوت ديفوار) لفيليب لاكوت، و"إلى أين تذهبين يا عايدة" (البوسنة والهرسك) لياسميلا زبانيتش، و"أطفال الشمس" (إيران) لمجيد مجيدي، و"اثنان منا" (فرنسا) لفيليبو منيجيتي، و"شمس" (تايوان)، إخراج تشانج مونج-هونج، بالإضافة للفيلم التونسي.

ومن المفاجآت في هذه الفئة، استبعاد أفلام جيدة جدا وكانت جميع التوقعات تشير إليها، ومنها عالميا: الفيلم البولندي "لن تثلج مجددا"، الذي يملك القدرة على التأثير في كل من يراه، والفيلم الإسباني "الخندق اللانهائي"، ومنها عربيا: الفيلم السوداني "ستموت في العشرين".. ويبدو أن القضية السورية التي يطرحها الفيلم التونسي، بكل أبعادها الإنسانية الموجعة، كان لها تأثير في اختياره وتفضيله على تلك الأفلام التي لا تقل تقنيا وموضوعيا عنه، إن لم تزد.

أما المعلومات المتوفرة عن عملية التصويت التي أدت للوصول إلى هذه القائمة وغيرها، ففي منتهى الخطورة لأنها تضرب مصداقية مسابقة الأوسكار كلها في مقتل كما ذكرت.. ولأن من يعرفونها قليلون ومن يلقون الضوء عليها أقل، فهي ترقى بالنسبة للبعض إلى مرتبة الأسرار.. وبالنسبة لفئة "الفيلم الدولي" تحديدا، فقد تم دعوة جميع أعضاء الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم السينما، من كل الفروع، للمشاركة في المرحلة الأولى من التصويت، والتي شملت الأفلام الـ93 المتقدمة، علما بأن عدد أعضاء الأكاديمية الآن 9921 عضوا مقسمين إلى فروع: مخرجون، ممثلون، مصورون، صناع سينما تسجيلية.. إلى آخره. وكما هو مفهوم، فإن الأعضاء المنتمين إلى أحد الفروع يصوتون على ترشيحات، ثم جوائز، الفرع الخاص بهم، لكن ذلك لا يمنع أن هناك فئات عامة يصوت عليها الجميع، مثل فئة "الفيلم الدولي".

وما حدث هذا العام، ويحدث كل عام، أن الأفلام المشاركة لا تحظى بمشاهدة جميع أعضاء الأكاديمية، لأنه من الصعب أن يشاهد كل عضو - في هيئة تصويت عددها يقترب من 10 آلاف سينمائي - 93 فيلما طويلا في فئة واحدة، وفي وقت قليل.. لذلك فإن الأكاديمية تكتفي باحتساب أصوات من يحققون حدا أدنى، غير معروف، من المشاهدات، وليكن ربع أو نصف الأفلام المشاركة.

ويعني ذلك، ببساطة، أن هناك أفلاما لا يشاهدها سوى عدد قليل من الأعضاء لا يكفي لاحتساب أصواتهم، أي أنها لا تحظى بفرص متساوية مع المنافسين، ولا تخضع لتحكيم عادل على أسس سليمة موضوعية.. وفي نفس الوقت، فإن الأفلام المختارة لا تتمتع بتأييد أو موافقة جميع أعضاء الأكاديمية، بل بنسبة محدودة منهم استطاعت أن تحقق الحد الأدنى من المشاهدة من حيث الكم، لكنها أبدا لم تحقق الحد المطلوب من حيث الكيف، والذي يضمن مشاهدة كل الأفلام التي تستحق من الناحية الفنية بغض النظر عن العدد.

ويجب أن أشير هنا إلى أن مشاهدة جميع الأفلام كشرط للتصويت ليست إجبارية إلا في المراحل النهائية من المسابقة.. بمعنى أنه لن يكون في مقدور أي عضو أن يصوّت على جائزة أفضل فيلم دولي إلا بعد أن يشاهد الأفلام الـ15 التي تم التوصل إليها في القائمة القصيرة، لكن أين تلك الموضوعية في المرحلة الأولى؟

ويسري ذلك على جميع الجوائز العامة، أي التي لا تندرج تحت فرع أو تخصص بعينه ومن حق كل الأعضاء التصويت عليها، وعلى رأسها أوسكار أفضل فيلم، مما يوضح أن الجوائز قد لا تكون عادلة أو موضوعية أحيانا، فضلا عن أوجه الخلل أو العوار الأخرى المعروفة، ومنها الضغوط التي تمارسها شركات الإنتاج والتوزيع الكبرى، واتصالات وعلاقات الأعضاء الذين لهم حق التصويت بهذه الشركات وبالأفراد المؤثرين والنافذين أيضا، وأخيرا "هوس التنوع" الذي أصاب الأكاديمية لإرضاء الأقليات من السود والملونين بشكل عام والمختلفين جنسيا والنساء أيضا.. وهو هوس غير موضوعي قد ينصف هذه الأقليات على حساب المعايير الفنية البحتة.

 

جريدة القاهرة في

17.02.2021

 
 
 
 
 

يحاكي تجربة محمدو ولد صلاحي ومسجوني «القاعدة» في سجن غوانتانامو

أبطال فيلم «الموريتاني» لـ«القدس العربي»: يقلب النظرة الهوليوودية للعرب والمسلمين

حسام عاصي

لوس أنجليس – «القدس العربي»: عقب ضربات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001، أعلنت الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب وتحديداً ضد تنظيم «القاعدة» الذي نفذ تلك الضربات. فجابت وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إي) دول العالم بحثاً عن جميع من يشتبه بعلاقتة بالتنظيم، كما اعتقلت أو اختطفت العديد منهم ونقلتهم الى معتقلات سرية في دول عربية، حيث استخدمت وسائل التعذيب الشائعة هناك في التحقيق معهم، قبل أن تنقلهم الى الوجهة الأخيرة، قاعدة عسكرية في خليج غوانتانامو الكوبي، حيث زجتهم في معتقل بُني خصيصا لهم هناك، واستمرت في التحقيق معهم وتعذيبهم.

قصة أحد هؤلاء المعتقلين وهو مهندس الاتصالات الموريتاني محمدو ولد صلاحي، يطرحها فيلم هوليوودي جديد، تفتتح أحداثه في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2001 عندما تختطف السلطات الموريتانية صلاحي من بيته وتسلمه للاستخبارات الأمريكية، التي تنقله إلى غوانتنامو، حيث يتم التحقيق معه عن نشاطه في تنظيم القاعدة، متهمة إياه بالتخطيط لضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وعندما ينكر التهم الموجهة إليه، يستخدم جهاز «سي آي إي» أساليب تعذيب مروعة، كإيهامه بالغرق، وتهديده بالقتل أو باغتيال أمه، والإذلال الجنسي، والحرمان من النوم، إلى أن يعترف بكل التهم.

الفيلم يستند على كتاب ولد صلاحي «يوميات غوانتانامو» الذي كتبه بينما كان معتقلاً عام 2005 ونُشر عام 2015 ليصبح أحد أكثر الكتب مبيعاً، ما لفت انتباه المخرج الإسكتلندي، كيفين ماكدونالد، المعروف بإخراج أفلام وثائقية ودرامية مثل «يوم في سبتمبر» الفائز بالأوسكار، بالإضافة إلى «لمس الفراغ» و»آخر ملوك اسكتلندا» و»ويتني».

قصة إنسانية

وفي حديث مع ماكدونالد عبر خدمة زوم، قال لي إن غايته لم تكن صنع فيلم سياسي، بل طرح قصة إنسانية. «عندما قابلت محمدو، فوجئت به كثيرًا. لأنه رجل لم تنكسر شوكته، حتى بعد أن قضى 14 عاما في السجن، دون أن توجه إليه أي تهم. إنه رجل لم ينسكر حتى بعد تعرضه لأقصى ضروب التعذيب التي تخطر على بالك، وهو في الحقيقة يتمتع بروح مرحة، وهذا مثير للاهتمام حقاً. لديه حنان إنساني عظيم وذكاء شديد. إنه شخص غير عادي وكان يجب صنع فيلم عنه في أية حال. ولكنه أيضاً وسيلة لنا للتقصي بشأن غوانتانامو وما حدث هناك».

إلا أن هناك العديد من الأفلام التي سبرت ذلك الموضوع، مثل «التقرير» و«النائب» و«ترحيل» و«تاكسي إلى الجانب المظلم» و«الطريق إلى غوانتانامو» و«30 دقيقة بعد منتصف الليل» التي كشفت عن خفايا الحرب الأمريكية على الإرهاب وافتقارها للشرعية القانونية والقيم الأخلاقية، لا سيما في ما يخص إخضاع المشتبه بهم للتعذيب.

«تدور تلك الأفلام حول شخصيات أمريكية وتظهر صور الضحايا على شكل ومضات من جثث أناس مجردين من إنسانيتهم ولا تعرف من هم» يعلق المخرج. «لا توجد أفلام عن غوانتانامو أو حتى عن سائر الحرب على الإرهاب من وجهة نظر المسلمين والتي أضفت طابعاً إنسانياً على مثل هذه الشخصية وجعلتها في قلب الأمور.»

لأداء دور ولد صلاحي، اختار ماكدونالد نجماً عربياً عالمياً لامعاً وهو الممثل الفرنسي – الجزائري الأصل طاهر رحيم، الذي شارك في فيلمه «النسر» عام 2009 بعد أن سطع نجمه في الفيلم الفرنسي «نبي» الذي رُشح للأوسكار عام 2008 ونال عنه جائزة السيزار الفرنسية.

ومنذ ذلك الحين قام ببطولة أفلام أبرز المخرجين العالميين، على غرار فيلم الإيراني أصغر فرهادي «الماضي» وفيلم التركي الألماني فاتح أكين «القطع» وملحمة جون جاك انود «الذهب الأسود» لكنه رفض الأدوار الهوليوودية، لأنها كانت نمطية، إلى أن أقنعه عميل «أف بي آي» اللبناني الأصل علي صوفان بتجسيده في مسلسل «برج في الأفق» عام 2018.

ومنذ ذلك الحين شارك في بطولة عدد من المشاريع الهوليوودية مثل فيلم «ماري ماغدالين» ومسلسل «نتفليكس» من إخراج داميان شازيل «ذي ايدي» ومؤخراً قام ببطولة مسلسل «نتفلكس» آخر وهو «الثعبان».

طرح من منظور مسلم

وقد وافق على تجسيد دور محمدو بعدما أكد له ماكدونالد أن سيطرحه من منظور مسلم. «قصة الفيلم جذبتني لأنها ليست نمطية» يوضح رحيم في حديث معي عبر «زووم» من بيته في باريس. «يعني إذا أخذت هذه القصة ووضعتها في سياق آخر فستعمل الطريقة نفسها. إذا تحدثنا عن الطريقة التي يتم بها تصوير الشخصيات العربية فإن إظهارها بصورة إنسانية يعتبر طريقة جديدة عموماً، وهذا يتجاوز حقيقة أن محمدو بريء أو مذنب حتى لو كنت أعتقد أنه بريء في هذه الحالة. هذا إبراز وجه مختلف عنا. ومن المهم جدا أن نظهر للجمهور ما نراه نحن على أرض الواقع ومن لدينا في عائلاتنا. لهذا أبهرني هذا الدور. وعندما التقيت بمحمدو شعرت أن لدي مسؤولية كبيرة لأداء دوره على الشاشة لأن هذه قصة حياته وليست مجرد فيلم.»

اتهام المخابرات الأمريكية ولد صلاحي بالانتساب لتنظيم القاعدة لم يأت من فراغ، فقد بايع التنظيم بداية التسعينيات وتدرب مع عناصره في أفغانستان، أثناء حرب التنظيم المدعوم حينها من الإستخبارات الأمريكية ضد حكومة نجيب الله الشيوعية. ورغم أن ولد صلاحي ترك أفغانستان بعد سقوط النظام عام 1992 لكنه ظل على تواصل مع ابن عمه أبو حفص الموريتاني، الذي كان أحد المقربين من أسامة بن لادن، وآوى أعضاء الخلية التي نفذت ضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ليلة واحدة في شقته في ألمانيا. لكنه ينكر أنه كان على علم بمخططاتهم.

«أنا لا أعرف تماماً أنه لم يفعل شيئا ولا أدعي في الفيلم أنه بريء» يعلق ماكدونالد. «ما أقوله هو أنه سُجن لمدة 14 عاما، دون محاكمة ولم يكن هناك دليل على أنه فعل أي شيء على الإطلاق مع أن الحكومة الأمريكية أنفقت الملايين من الدولارات في محاولتها لجمع الأدلة ضده وفشلت. لذلك هذا أقرب ما يكون الى البراءة. الأمريكيون يتفاخرون بمبادئهم الدستورية، التي تقول إنه بريء حتى تثبت إدانته، لكنهم فشلوا بالالتزام بتلك المبادىء، التي تملي عدم زج الناس في السجون دون محاكمتهم.»

ممارسات الحكومة الأمريكية في غوانتانامو أثارت الجدل في الولايات المتحدة وأشعلت استنكار جمعيات حقوق الإنسان ضدها، ما جذب اهتمام المحامية الأمريكية، نانسي هولاندر، التي قررت أن ترفع دعوى ضد الحكومة. ومن أجل تحقيق ذلك، كان عليها أن تجد موكلاً من المعتقلين، وذلك لم يكن سهلا لأن «سي آي إي» كان ينكر وجود المعتقلين. فانتظرت حتى طلب منها محام فرنسي، وهو إيمانويل انتيت أخذ قضية ولد صلاحي. وبعد موافقة شركتها، انطلقت إلى غوانتانامو لمقابلته.

وسائل التعذيب وخرق القانون

«لم أكن أعرف عن محمدو شيئا قبل أن ذهبت لرؤيته في غوانتانامو» تقول هولاندر في مقابلة عبر زوم. « كنت قد كتبت له رسالة ولم أكن أعرف إذا كان قد تلقاها بالفعل أم لا حينها».

وتطالب هولاندر السلطات بمحاكمة ولد صلاحي وتقديم الأدلة ضده إذا أرادت أن تبقيه في السجن. فتعين السلطات مدع، يدعى ستيوارت كاوتش، الذي يقرر المطالبة بحكم الإعدام ضد صلاحي. بينما تقوم هولاندر بالدفاع عنه مجانا مع أنها لم تكن واثقة من براءته.

«أنا محامية دفاع جنائية ودائما ما أمثل أناسا ليسوا أبرياء» تقول هولاندر. «إنهم متهمون وعلى الحكومة أن تثبت التهم بما لا يدع مجالا للشك أنهم غير مذنبين.»

لكن الإرهاب ليست مجرد جريمة وخاصة التورط في ضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، التي تعتبر أكبر اعتداء على الولايات المتحدة منذ قصف اليابان لبيرل هاربر في جزر هاواي بداية الحرب العالمية الثانية. لهذا فإن الدفاع عن أحد المتهمين بالتخطيط لها يعتبر خيانة في نظر الكثير من الأمريكيين. لكن رغم التحديات والعداء الذي تواجهه هولاندر من السلطات، التي تكوّم جبلا عارماً من العقبات أمامها لكي تفشل مهمتها، الا أنها تستمر في مطالبة الحكومة بتقديم أدلة ضد وكيلها.

وجذبت هولاندر بعض المعجبين المشاهير، من ضمنهم النجمة الهوليوودية الحائزة على جائزتي أوسكار، جودي فوستر، التي عادت للتمثيل بعد غياب دام خمسة أعوام من أجل تجسيدها في الفيلم.

«هي أمرأة غير عادية وشخص يعد بطلاً بالنسبة لنا» تقول فوستر في لقاء عبر زوم. «هي شخص قرر أن يجعل عمل حياته يتمحور حول الدفاع عن الدستور والدفاع عن سيادة القانون. وهذا يعني أنها بصفتها محامية دفاع دافعت عن الكثير من المذنبين، ما فرض عليه أن توجد لنفسها نوعاً من الدرع العاطفي كي لا تقترب كثيراً، حتى لا تشعر بالحزن مراراً وتكراراً.

ومع ذلك، غيّر محمدو نظرتها للعالم تماماً في النهاية. كان هذا صحيحاً جداً في قصة نانسي. لكن بالطبع، أجرينا بعض التعديلات واخترت إبراز أجزاء معينة من شخصيتها وربما إخفاء أجزاء أخرى.»

بداية، يبدو واضحاً أن هولاندر ليست معنية بتبرئة ولد صلاحي وأن غايتها هي تطبيق القانون بشأن تقديم أدلة تبرر حجزه، ما يثير غضبه، مصراً على أنه بريء وأن عليها أن تصدقه إذا أرادت أن تمثله. ومن خلال التعرف عليه، تدريجياً تثق به وتصدقه. ولحسن حظها، المدعي العام كاوتش أيضاً يؤمن بالدستور الأمريكي وسيادة القانون، إذ يرفض الأدلة التي يقدمها «سي آي إي» بعد أن يكتشف أنها حصلت عليها بوسائل التعذيب ويرفض تمثيل الحكومة في المحكمة.

لكن رغم أمر القاضي السلطات الأمريكية بإطلاق سراح ولد صلاحي عام 2010 لعدم وجود أدلة ضده إلا أنها أبقته معتقلاً في غوانتانامو حتى عام 2016. وما زال ممنوعاً من السفر خارج بلده موريتانيا.

«عندما تذهب إلى المحكمة، عليهم إدانتك بما لا يدع مجالا للشك» يقول ولد صلاحي في حديث عبر زوم من بلده في موريتانيا. «لكن في حالتي، هم لا يحتاجون ذلك. كل ما كان على الحكومة الأمريكية قوله هو: يحتمل جداً أن يكون رجلا سيئاً. لكن لم يتمكنوا حتى من إثبات أنني شخص سيئ على الأرجح.»

في الفيلم، خصم ولد صلاحي هي السلطات الأمريكية، التي تتصرف بصورة لا أخلاقية وغير قانونية، بينما لا يُذكر دور السلطات الموريتانية في اختطافه من بيته وتسليمه لدولة أخرى دون إعلام عائلته وأهله عما حدث له. ولم يعرف ذووه عن مصيره إلى أن ذُكر اسمه في تقرير تلفزيوني ألماني عن معتقل غوانتانامو.

«هذا فعل مخز ومخجل للغاية» يعلق ولد صلاحي. «أن ينتهك بلدك دستوره وينتهك القانون الدولي بحقك. هذه جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بمرور الزمن. لكني اخترت أن أغفر لبلدي وللولايات المتحدة.»

الشخصيات الأمريكية المعادية

مع أن الفيلم لا يبرئ ولد صلاحي إلا أنه يقلب معادلة الأفلام الهوليوودية السائدة، إذ يقدمه كإنسان مرح ومتسامح ومحب ومثقف ولطيف المعشر، بينما يقدم الشخصيات الأمريكية المعادية له كشخصيات غاضبة وناقمة ومتطرفة ولا أخلاقية.

وهذه مخاطرة من قبل ماكدونالد، علماً أن المخرج العريق ريدلي سكوت واجه استنكاراً لاذعاً من المحافظين في الولايات المتحدة عام 2006 عندما قلب تلك المعادلة الهوليوودية وجعل من الزعيم المسلم، صلاح الدين الأيوبي، أسمى قيماً وأخلاقاً من خصومه الصليبيين، الذين يبدون كأشرار بشعين.

«أعتقد أن ذلك مثير للجدل» يضحك ماكدونالد، الذي أصر على اختيار نجوم بارزين مثل فوستر والبريطاني بنديكت كامبرباتش من أجل تسهيل قبول طرحه للجمهور الأمريكي. «كنت أفكر بأن هذا الأمر سيكون صعباً للغاية بالنسبة لبعض أفراد الجمهور. لهذا فوستر وكومبرباتش شاركوا فيه لأنهما أرادا أن يكونا بديلاً للجمهور بطريقة ما. إنهما سبيل الدخول إلى هذا الفيلم والتعرف من خلالهما على هذه الشخصية. وهما ممثلان بلا غرور. فقد كانا يصنعان فيلماً في خدمة هذه الشخصية، من أجل تقديمه إلى أعرض جمهور ممكن، لأنه لا مغزى من صنع فيلم عن شخصية مثل هذه إذا لم يشاهده سوى أقلية ضئيلة من الليبراليين، الذين يشاهدون مثل هذه الأفلام. فلقد أردت أن أصنع فيلماً يذهب لرؤيته معجبو جودي فوستر ومعجبو بنديكت كومبرباتش مهما كانت اتجاههم السياسية وهذا هو الأمل الذي أتوخاه». نال الموريتاني إعجاب النقاد، الذين أشادوا باخراجه وأداءات ممثيله مثل رحيم وفوستر، اللذيْن رُشحا مؤخرا لجوائز الغولدن غلوب في فئات أفضل أداء. وبينما يترقب صانعو الفيلم ونجومه فرص منافسته على الجوائز العالمية، يترقبون كذلك استقبال الجمهور الأمريكي للفيلم ومدى تعاطفهم مع طرح ماكدونالد لشخصية ولد صلاحي، الذي ما زالت حكومتهم تعتبره إرهابيا.

 

القدس العربي اللندنية في

17.02.2021

 
 
 
 
 

لوائح الأوسكار مثل كل المهرجانات العالمية تحكمها السياسة

أمل رمسيسفجأة تم اكتشاف السينما السورية وكأنها لم تكن موجودة

لمى طيارة

صورة واحدة للعرب في السينما: وجوه قبيحة وعادات غريبة وتوتر دائم.

تلعب المواقف السياسية والجماعات الضاغطة والمصالح الاقتصادية دورا مباشرا ليس فقط في إنتاج الأفلام السينمائية العربية وإتاحة الفرص المتكررة لتوزيعها ومشاركتها في المهرجانات الدولية الكبرى، بل أيضا في الوصول إلى قوائم الجوائز العالمية والتي تأتي في مقدمتها جائزة الأوسكار، فما هو رأي النقاد العرب في تلك المعضلة؟

تتسابق الأفلام العربية وخاصة ذات الإنتاج المشترك والمدعومة من قبل مهرجانات عربية عريقة لنيل شرف المشاركة في المهرجانات الدولية كمهرجان كان وبرلين والبندقية، والحقيقة أن بعضا منها فقط يحظى بفرصة وخاصة في حال ارتبط بمواضيع شائكة تهم الغرب وتستدعي انتباهه.

الدعم المادي والمعنوي الذي تتلقاه بعض الأفلام العربية قد لا يكون كافيا لوصولها إلى القائمة القصيرة من ترشيحات الأوسكار أو حتى لوصولها إلى القائمة الطويلة على الرغم مما تتمتع به من جودة سواء في مستوى السيناريو أو في الجانب التقني والفني، فهل يتعلق الأمر بأذواق الرقيب ولجان الاختيار أم أن المسألة لها أبعاد سياسية أخرى؟

كليشيهات حول العرب

منذ فترة وأثناء حوار مع المخرجة المصرية أمل رمسيس حول الرقابة والرقيب في إجازة الأفلام السينمائية، أشارت إلى أنه في الغرب لا يوجد رقيب ولا رقابة رسمية بالمعنى الحرفي للرقابة التي نعرفها في بلادنا العربية، لكن من المؤكد أن هناك طريقة يريد الغرب أن يرانا من خلالها، وبالتالي هناك أفلام عربية قد تكون مهمة جدا ولا تجد طريقها إلى أي مهرجان أوروبي.

وترى رمسيس أن مسألة اختيار الأفلام ترتبط بأمور أعمق موجودة في عقلية المبرمج، وهي عقلية تطالب برؤيتنا بطريقة معينة أو من خلال وجهة نظر مختلفة في قوالب لها علاقة بالثقافة والميديا وتناسب الأوروبيين الذين اعتادوا على رؤيتنا من خلالها.

وتشير رمسيس إلى أن هذا الأمر بات واضحا مؤخرا وخاصة بالنسبة إلى الأفلام السورية التي يتم الاحتفاء بها، وكأنه فجأة تم اكتشاف السينما السورية، وكأنها وليدة اليوم أو لم تكن موجودة في زمن ما قبل الحرب على الرغم من أن الجميع يعلم بوجودها وبوجود مخرجين ومصورين سوريين وحركة سينمائية هامة ويعتبر هذا إنكارا لواقع مهم، لكن يبدو أن السينما السورية لم تكن سابقا من ضمن أولويات المهرجانات.

وموقفها هذا يتوافق تماما مع موقف المخرج والناقد المغربي عبدالاله الجوهري الذي يرى أن موضوع إجازة الأفلام لا يقتصر على السينما العربية، فالسينما الغربية أيضا ومنذ نشأتها ومع بدء الصراع العربي – الإسرائيلي والمواجهات بين الدول العربية والغربية كان لها دور أساسي في تقديم وعرض تلك الصراعات، ولكن ضمن قوالب فنية موجهه للرأي العام الغربي.

ويضيف “مع مرور الأيام والسنوات وضعت لائحة يمكن تسميتها فنية تضم مجموعة من الكليشيهات التي يجب أن تلتزم بها بشكل خاص السينما الهوليوودية المرتبطة بالعرب تحديدا من حيث عاداتهم وتقاليدهم، وأي فيلم يحاول أن يخرج عن هذه اللائحة أو الخط العام يعاني كثيرا من ناحية التوزيع وقلة المشاركة في المهرجانات”.

أما بالنسبة إلى الأفلام العربية أو المنتجة في العالم العربي وخصوصا المدعومة من قبل الصناديق الغربية فعليها أن تلعب على نغمة واحدة، وهي الوجوه القبيحة والعادات والتقاليد الغريبة والتوتر الذي يسود العالم العربي.

القضية السورية والأوسكار

التفتت المهرجانات العالمية في الغرب إلى قضايا الصراعات الكبرى فاهتمت بالأفلام الفلسطينية التي تدور في فلك الصراع العربي – الإسرائيلي، وفي مرحلة أخرى اهتمت بالأفلام المعارضة للنظام الشيوعي كما اهتمت بالأفلام التي يقدمها مخرجون إيرانيون معارضون وغيرها من الأعمال.

ولكن الاهتمام بالقضية السورية أخذ حيزا كبيرا لم يقتصر على الأفلام التي قدمها المخرجون السوريون أنفسهم، بل توسع ليشمل أفلاما أخرى لمنتجين ومخرجين عرب وتلقت ترحابا كبيرا مثل الفيلم الروائي “كفر ناحوم” للمخرجة اللبنانية نادين لبكي.

عبدالإله الجوهريسر نجاح أي فيلم أن يلتزم بالصورة المطلوبة عن العالم العربي

كما قوبلت بعض الأفلام السورية الوثائقية بنفس الحماس والترحاب نذكر منها “آخر الرجال في حلب”، “طعم الإسمنت”، “عن الآباء والأبناء”، “من أجل سما” و”الكهف” وغيرها من الأفلام التي حازت في مجملها على جوائز دولية ووصل البعض منها إلى القائمة القصيرة في جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وها هي اليوم المخرجة التونسية كوثر بن هنية تقدم فيلما بعنوان “الرجل الذي باع ظهره” والذي يدور في إطار مشكلة اللجوء التي يعاني منها الشباب السوري فتلقى نفس القبول والترحاب وتصل إلى القائمة القصير من جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.

وبدأت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة بتنظيم جائزة أوسكار منذ العام 1929، لكنها لم تخصص جائزة شرفية لأفضل فيلم أجنبي (غير ناطق بالإنجليزية) حتى العام 1956، وكانت فكرة تلك الجائزة تقوم على أساس ترشيح فيلم سينمائي من قبل دولة أو منظمة أو لجنة أو حتى مجرد مجلس مكون من أشخاص يعملون في السينما للمشاركة في الأوسكار، على أن يكون قد عرض تجاريا لمدة أسبوع كامل في إحدى قاعات العرض السينمائية وسبق وأن حصل على جائزة من أحد المهرجانات المتعارف عليها دوليا.

وبعد أن تتم مشاهدة الأفلام المرشحة والتي تمت ترجمتها إلى الإنجليزية من قبل أعضاء الأكاديمية المكونين من مجموعة كبيرة من الممثلين إلى جانب العاملين في اختصاصات سينمائية مختلفة، يتم اختيار القائمة القصيرة منها والتي تقتصر على خمسة أفلام.

نبيل حاجيالأفلام المرشحة للأوسكار تتمتع ببعد سياسي وبجمالية كبيرة

وكانت قد بدأت المشاركات العربية في جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي منذ وقت مبكر تحديدا مع فيلم “باب الحديد” للمخرج المصري العالمي يوسف شاهين، ثم توقفت إلى أن عادت مع فيلم “زاد” للمخرج كوستا غافراس الذي اعتبر أول فيلم عربي يتوج بجائزة في الأوسكار رغم أن مخرجه لم يكن عربيا، ودارت أحداثه حول الانقلاب العسكري الذي حصل في اليونان في منتصف الستينات والذي تسبب في سيطرة الجيش على السلطة، إلا أنه كان من إنتاج مشترك ما بين الجزائر ممثلة بالمؤسسة القومية لتجارة وصناعة السينما وفرنسا.

أما أول فنان عربي رشح لجائزة الأوسكار كأحسن ممثل مساعد عام 1962، فكان الفنان المصري العالمي عمر الشريف عن دوره في فيلم “لورانس العرب”.

وعادت الأفلام العربية للمشاركة في جوائز الأكاديمية بتواتر معقول فسجلت حضورا لافتا للأفلام التي دارت حول قضايا سياسية كبرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومؤخرا مع ازدياد الاهتمام بالقضية السورية بدأت تتوهج الأفلام الروائية والوثائقية التي تخوض في الشأن السوري وباتت تتخذ مكانا لها ليس فقط في الترشيحات الأساسية للأوسكار بل للوصول إلى القائمة القصيرة منه.

ووصل الفيلم الروائي اللبناني “كفر ناحوم” إلى القائمة القصيرة كما وصل الفيلمان الوثائقيان السوريان “من أجل سما” لوعد الخطيب و”الكهف” لفراس فياض. وهذا العام ضمت القائمة القصيرة الفيلم التونسي “الرجل الذي باع ظهره” لكوثر بن هنية، فهل فعلا تلعب السياسة وأجنداتها دورا في وصول تلك الأفلام للعالمية أم أنه كان وصولا مستحقا؟

تأثيرات سياسية

يقول الجوهري “كل المهرجانات الكبيرة مثل كان والبندقية وبرلين وحتى جوائز الأوسكار تحكمها إلى حد كبير خلفيات سياسية، وإذا ما أردنا أن نتتبع مجمل الأفلام التي فازت بجوائز في السنوات الأخيرة أو تلك التي ترشحت لها نجد أسبابا سياسية تقف وراءها، إما لها علاقة بما يقع في الشرق الأوسط عامة أو لها علاقة مثلا بإيران أو الصين الشعبية أو صراع الكوريتين، بمعنى أن الجوائز لا تحتكم دائما للخلفيات التقنية والجمالية”.

أسامة عبدالفتاحفيلم "الرجل الذي باع ظهره" جيد تقنيا لكن له مشاكل في السيناريو

أما بالنسبة إلى فيلم كوثر بن هنية “الرجل الذي باع ظهره” ووصوله إلى القائمة القصيرة من جائزة الأوسكار فيرى الجوهري أنه لم يأت اعتباطيا، وإنما لكون الفيلم يدور حول موضوع يعتبر اليوم حديث الساعة سواء في المحافل السياسية أو الثقافية، مؤكدا على أنه وبالرغم من أن اختيار الأفلام يجب أن يكون بالحد الأدنى من الجودة والإمكانيات التقنية، إلا أن الفيلم كان أقل قيمة تقنيا وفنيا مقارنة بأفلام عربية أخرى مثل الفيلم السوداني “ستموت في العشرين” وفيلم “غزة مونامور” وفيلم “200 متر”، إلا أن الحاسم لاختيار أي فيلم في مسابقة أو مهرجان أو حتى لدعمه سياسيا أن يلتزم بالصورة المحددة والمطلوبة عن العالم العربي، وهو الأمر الذي بسببه تقفل الأبواب أمام بعض الأفلام العربية الجيدة سواء في التوزيع أو المشاركة في مهرجانات كبرى.

ويتفق الناقد الجزائري نبيل حاجي مع ما قاله الجوهري حول جوائز الأوسكار قائلا “على الرغم من أن لتلك الجائزة أبعادا كبيرة ومتابعة من طرف الكثير من المهتمين والشغوفين بالسينما، فإنها دائما تحمل طعما سياسيا وخاصة بالنسبة إلى الأفلام الأجنبية”، مؤكدا على أن “اختيارات الأفلام الأميركية أو الأفلام الأجنبية على حد سواء تخضع لاعتبارات كثيرة، منها ما هو متعلق بسياسة الولايات المتحدة الخارجية بشكل عام، أو lobby (المجموعات الضاغطة) التي تشتغل وراء هذه الأفلام، أو تتعلق بالإنتاجات المشتركة التي تسلط الضوء على بعض الدول وما تعيشه من تقلبات سياسية وأمنية وحروب وغيرها”.

ويرى حاجي أنه “منذ أكثر من ثلاثة عقود وحيث توجد بؤرة توتر أو أزمات سياسية يكون هناك تعاط استثنائي للحصول على التعاطف والمساندة ومحاولة تقديم مقاربات أخرى لما يحدث في الواقع، كما حصل في حال القضية الأفغانية والعراقية والإيرانية وغيرها، حتى بالنسبة إلى الجزائر كانت مادة دسمة في تسعينات القرن الماضي ومطلع الألفية، بمعنى أن كل الأفلام التي كانت تتعاطى مع الشأن الجزائري كانت تشكل حدثا وهناك ركوب سياسي عليها وهناك مطامع سياسية واقتصادية من وراء الاهتمام وتسليط الضوء”.

رغم ذلك لا ينفي الناقد الجزائري أن الأفلام المرشحة للأوسكار تتمتع ببعد وعمق سياسي وبجمالية كبيرة، لكنه لا ينفي أيضا وجود اعتبارات اقتصادية، لأن السينما قبل أي شيء صناعة ويقف خلفها الكثير من رجال الأعمال، وهناك دائما مجال للعب اقتصاديا على هذه المسألة.

خميس الخياطيكوثر بن هنية ستصبح علامة عالمية من خلال فيلمها الأخير

أما بالنسبة إلى فيلم “الرجل الذي باع ظهره” والذي يتعاطى مع إحدى القضايا السورية ألا وهي اللجوء، فيعتقد حاجي أن اختيار موضوعه من قبل المخرجة ليس بريئا أو مجردا ضمن السياقات العامة التي نعرفها عن مساراتها وعن القائمين على إنتاج وتمويل الفيلم، وأشار إلى أن القضية السورية في النهاية ليست هي المهمة سينمائيا بقدر أهمية تداعيات أخرى متعلقة بالمنطقة وما سيحدث لها من تطورات وتحولات مستقبلا.

ويخالف الناقد التونسي خميس الخياطي كلا من الجوهري وحاجي فيرى أن فيلم كوثر بن هنية يستحق وجوده في القائمة القصيرة للأوسكار لأكثر من سبب، أهمهما أنه استمرار لأسلوب المخرجة في النسق الدرامي الذي يجمع شتات الشخصيات على مر الدراما ويجعل منهم أبطالا، ولأنه فيلم يقدم شخصية لاجئ سوري، وكما أن المخرجة رويدا رويدا ستصبح علامة عالمية في تمكينها لعنصر جسدي من أن يكون دلالة حضارية.

وأكد الخياطي أن قيمة السرد الدرامي للفيلم واختيار الممثلين والمزج الإنتاجي بين عدة شركات إنتاج، منذ فيلم المخرجة المعنون "شلاط تونس" حتى فيلمها الأخير، كلها عوامل تؤكد أنها مخرجة بحق.

بينما يرى الناقد السينمائي المصري أسامة عبدالفتاح أن فيلم “الرجل الذي باع ظهره” جيد الصنع على المستوى التقني، ولكن هناك بعض المشاكل على مستوى السيناريو وخاصة بالنسبة إلى البناء الدرامي، وتحديدا في النهاية التي رآها البعض وهو منهم ساذجة.

ويؤكد عبدالفتاح أن تناول القضية السورية كان له دور كبير في اختيار الفيلم ووصوله إلى القائمة القصيرة في حين خرجت أفلام أخرى لم تكن أفضل منه وإنما كانت جيدة أيضا مثل الفيلم السوداني “ستموت في العشرين”.

وتبقى مسألة برمجة الأفلام وحضورها ضمن المهرجانات العالمية أو المسابقات الدولية ذات بعد سياسي مهما حاول البعض تجاهل ذلك، وستبقى للأسف الأفلام التي تقدم صورة طبق الأصل عن الواقع العربي التي لا يود الغرب مشاهدتها خارج إطار العرض والطلب حتى إشعار آخر.

كاتبة سورية

 

العرب اللندنية في

18.02.2021

 
 
 
 
 

"الرجل الذي باع ظهره"... رحلة الإخراج والإنتاج نحو جوائز "أوسكار"

أشرف الحساني

محمد معمري

منذ فيلمها القصير الأوّل، "أنا وأختي والشيء" (2006)، لفتت المُخرجة التونسية كوثر بن هنية الانتباه في السينما العربيّة، بفضل ما راكمته من صور سينمائية ثريّة ومُكثّفة. وبقدر ما تخترق بن هنية جغرافيات عربية أخرى، تزداد شراهتها البصرية، حتى تُصبح الصورة السينمائية لديها آلة فوتوغرافية تكاد لا تتوقّف عن تصوير ما يعتمل في واقعها من أعطاب. هذا حاضرٌ في فيلمها الأخير، "الرجل الذي باع ظهره" (2020)، الذي اختارته "أكاديمية علوم الصورة المتحرّكة وفنونها" قبل أيام في اللائحة القصيرة لـ"أوسكار" 2021، في فئة أفضل فيلم أجنبي، وذلك في حكاية بعيدة عن المجتمع التونسي، لقربها من مهاجر سوري، يُقرّر الهرب إلى لبنان كي يتمكّن من السفر إلى بلجيكا للقاء حبيبته.

في حديث إلى "العربي الجديد"، تقول بن هنية: "وصول فيلمي إلى القائمة القصيرة للأفلام المرشحة لنيل جائزة أفضل فيلم أجنبي، تتويج بحدّ ذاته، خاصة أن اللجنة التي تختار الأعمال المُرشحة، لا تشاهد كل الأفلام التي تتقدم للمسابقة، ويتم في العادة الاكتفاء بمتابعة الأصداء التي يتركها الفيلم في الصحافة العالمية، ما يدفع شركات الإنتاج إلى صرف كثير من الأموال من أجل التعريف بأفلامها، وهو ما لم نقم به مع فيلمي (الرجل الذي باع ظهره)، بسبب ضعف الموارد المالية". تضيف: "لكن الأصداء التي وصلتني عن سرّ اختيار فيلمي، هو أن بعض أعضاء لجنة الاختيار، شاهدوا الفيلم واتصلوا ببقية أعضاء اللجنة من أجل حثهم على مشاهدته، وهو ما حصل ليقع الاختيار عليه ضمن 14 فيلماً مرشحا لجائزة أفضل فيلم أجنبي". تقول: "بذلت في الفيلم مجهودا كبيراً، سواءً في كتابة السيناريو أو الإخراج، كما قدم كل العاملين فيه أفضل ما لديهم، لذلك كانت سعادتنا كبيرة باختيار الفيلم في عرضه الأول في مرجان البندقية، واختياره الآن في القائمة القصيرة لجوائز الأوسكار، وكذلك في قائمة الأفلام المرشحة لنيل جوائز غولدن غلوب التي سيتمّ الإعلان عنها يوم 28 فبراير/ شباط الجاري".

في هذا السياق، نشير إلى أن جهات عدّة قد ساهمت في إنتاج الفيلم، أبرزها شركة "ميتافورا"، حين كان يُديرها المُنتج السوري أنس أزرق، قبل أن يصبح مستشاراً فنياً وإعلامياً في "فضاءات ميديا".

عن إنتاج فيلم "الرجل الذي باع ظهره"، يقول أزرق: "حقّق فيلم (واجب)، للمخرجة آن ـ ماري جاسر (تعرضه "نتفليكس")، الحائز على عدد كبير من الجوائز، نجاحاً كبيراً. قبل أن تنتجه (ميتافورا)، كان العمل يواجه عوائق مالية ونقصاً في التمويل، كما يحصل في معظم الأفلام العربية غير التجارية، بل وحتى التجارية، فما بالك بالأفلام المستقلّة، التي تحمل هموماً فنية وأخرى وطنية وإنسانية، من دون أن يطغى همّ على آخر، ومن دون أنْ تنساق كلّياً لقوانين السوق التجارية وصناديق الدعم الغربية".

يضيف أزرق: "بعد هذا كلّه، قرّرت (ميتافورا)، بتشجيعٍ من مجلس إدارة (فضاءات ميديا)، الدخول في شراكات إنتاجية لمساعدة الأفلام المستقلّة، فشُكّلت لجنة في الشركة، تضمّني إلى جانب الزميل فيصل حصايري والفنان الفلسطيني محمد بكري والزميل ثائر موسى. انطلقنا بمشروع شراكات إنتاجية، نجحت كلّها بفرض نفسها على جوائز المهرجانات العالمية والعربية". 

وعن سيناريو بن هنية، يقول: "عندما طرح عليّ الموضوع، خفت كثيراً، إذْ كيف يُمكن لمخرجة تونسية أنْ تفهم وجع السوري وجرحه؟ كيف لا نختار ممثلين سوريين نجوماً؟ أين سنصوّر شوارع دير الزور ودمشق؟ السيناريو الذي قرأته مُشوّق، يُذكّرني بفاوست وعقده مع الشيطان. شاهدتُ أفلام بن هنية كلّها. ما أدهشني قدرتها، حتّى في الوثائقي، كـ(شلّاط تونس)، على مزجها الدراما والتشويق والكوميديا السوداء بما هو يوميّ وبسيط وشعبيّ". يضيف: "بالنسبة إليّ، المسألة مغامرة فنية، فالحدث السوري سيبقى يمدّنا بآلاف القصص التي ستكون موضوعاً لأعمالٍ أدبية وفنية وتلفزيونية وسينمائية، وهو بذلك كالمنعطفات المأساوية الكبرى في حياة الإنسانية. إلى الآن، لا يزالون يُنتجون أعمالاً مهمّة عن الحرب العالمية الثانية".

يتحدّث أزرق عن أهمية الفيلم لجهة صناعته وآفاقه الفنية والجمالية. يقول: "لم يكن عندنا شك أنّنا مقبلون على قصّة تمتلك كلّ عوامل النجاح، من السيناريو إلى الإخراج. هناك مخاوف تتعلّق بكوني سوريّاً، رأيت أعمالاً كثيرة وضعها سوريون وعرب، ومن أنحاء العالم. هذه الأعمال تثير أسئلة كثيرة، تتعلّق بما جرى ويجري في بلدي، وبعضها يحرّف الواقع، ويُضلّل المُشاهد، كما فعل بعض مخرجي النظام، الذين يروّجون لسينما طائفية، كجود سعيد، وبعضها يعوم على الحدث السوري، من دون أن يشرب من مائه، كما فعلت أفلام عربية، أكثرها ينطلق من الصراخ والمواقف الأيديولوجية". 

ماذا يُمثّل هذا التتويج المُستحَق بالنسبة إلى "ميتافورا"، التي باتت عنصراً مهمّاً في الساحة السينمائية، بإنتاجها أفلاماً عربيّة حقّقت نجاحاً لافتاً للاهتمام، في مهرجانات عالمية؟ نسأل أزرق، ليجيب: "الإصرار على معادلة أنّ السينما العربية قادرة على إنتاجٍ متميّز، شرط أنْ تتهيّأ لها الظروف المناسبة، أي الحرية والكفاءات والتمويل. أظنّ أنّنا قادرون على ذلك، ويجب ألّا نضطرّ إلى تبنّي قضايانا كما تريد صناديق التمويل ومنصّات العرض الغربية. هذا لا يعني التخلّي عن الشرط الفني، الذي يبقى الأساس".

في ما يتعلّق بالنصوص التي تُعرض على "ميتافورا"، وتوافقها مع رؤيا الشركة، يقول: "لا مشكلة عندنا بترك الحرية للمؤلف والمخرج، طالما أنّنا نتشارك القيم نفسها، ونتّفق عليها. هذا ما فعلناه في كلّ ما قمنا بإنتاجه من برامج ومسلسلات وأفلام".

اللافت في فيلم "الرجل الذي باع ظهره"، هو مشاركة أسماء مهمّة فيه، أبرزها الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي. عن هذه المشاركة، يقول أزرق: "عندما شاركنا بإنتاج الفيلم، لم تكن مشاركة مونيكا بيلوتشي مقرّرة. موافقتها تمّت لاحقاً، وهذا أضاف لمسة إبداع جديدة على العمل. لاحظ معي كيف تمّ جمع ممثلة عالمية بممثلٍ يواجه الكاميرا للمرّة الأولى". ويشير إلى أن أسماء أخرى من جنسيات مختلفة حضرت فيه أيضاً، مثل السوري يحيى مهايني والفرنسية ديا ليان والبلجيكي كوين دي باو. يعلّق: "هذا المزيج الإبداعي عائدٌ إلى المخرجة كوثر بن هنية".

سبق أن ساهمت "ميتافورا" في إنتاج عدد من الأفلام المهمّة أيضاً، كـ"يوم أضعت ظلّي" للسورية سؤدد كعدان، و"بيك نعيش" للتونسي مهدي البرصاوي، و"ليلى تغادر روحها" للسوري ثائر موسى. كيف تمّ اختيار هذه الأفلام، وما هي المعايير الفنية والجمالية التي تستند إليها في الاختيار؟ نسأل أزرق. يقول: "الجودة، مضموناً وشكلاً، تُحدّد اختيارنا. والإيمان بالقيم الإنسانية، والتعبير عن الهموم الوطنية والقومية للإنسان البسيط، من دون التنازل عن الجاذبية الفنية".

 

العربي الجديد اللندنية في

18.02.2021

 
 
 
 
 

الممثل الجزائري طاهر رحيم ينافس على جائزتي غولدن غلوب وبافتا

طاهر رحيم: حين جسّدت دور صلاحي في فيلم “الموريتاني” بكيت تأثرا بالقصة.

الجزائريحضر اسم الممثل الفرانكو-جزائري طاهر رحيم بقوة ضمن قائمة الأسماء المرشّحة للمنافسة على جائزتي “غولدن غلوب” الأميركية و”بافتا” البريطانية لأحسن ممثل عن دوره في الفيلم الدرامي “الموريتاني” للمخرج الاسكتلندي كيفن ماكدونالد.

ويحكي “الموريتاني” (إنتاج 2021) قصة السجين السابق في معتقل غوانتانامو الأميركي، مهندس الاتصالات الموريتاني محمدو ولد صلاحي، الذي اعتقل في العاصمة الموريتانية نواكشوط بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وسلّم للولايات المتحدة التي زجّت به في هذا المعتقل لعدة سنوات.

ويضع هذا العمل الهوليوودي الذي يروي قصة معاناة هذا الشاب الموريتاني مع الاعتقال والتعذيب، نظام العدالة الأميركي محل تساؤل بتسليط الضوء على قصة صلاحي، وهو واحد من بين المئات من السجناء الذين زجّ بهم في غوانتانامو دون توجيه أي تهمة أو محاكمة.

وأدّى رحيم (40 عاما) في هذا العمل دور صلاحي، فيما لعبت الممثلة الأميركية الشهيرة جودي فوستر، الحاصلة على جائزتي أوسكار، دور المحامية نانسي، وهي أيضا مرشحة لجائزة “غولدن غلوب” لأحسن ممثلة مساعدة، بينما أدّت شايلين وودلي دور المساعدة تيري.

والفيلم مقتبس عن قصة حقيقية كتبها صلاحي وراء القضبان تحت عنوان “مذكرات غوانتانامو”، ونشرت عام 2015 بعد خروجه من المعتقل، فتصدّرت قائمة “نيويورك تايمز” للكتب الأكثر مبيعا.

وانطلق عرض فيلم “الموريتاني” بالولايات المتحدة في الثاني عشر من فبراير الجاري، فيما سيعرض في قاعات المملكة المتحدة انطلاقا من السادس والعشرين منه.

الموريتاني” فيلم يتناول مذكرات معتقل في غوانتانامو نشر تجربته داخل السجن كاشفا فيها الجانب الوحشي لأميركا

وقال الممثل الفرنكو-الجزائري ، إنه ما إن قرأ “مذكرات غوانتانامو” لمحمدو ولد صلاحي، حتى قال للمخرج “هذه هي الرواية الوحيدة التي أريد تمثيلها عن متهم بالإرهاب، لأنها تضفي عليه الطابع الإنساني”. وأضاف “لقد تأثّرت، وبكيت مرتين.. أخيرا، فيلم حقيقي جميل يروي القصة الحقيقية لرجل يمكن أن يكون أي شخص في مكانه”.

وناقش ماكدونالد ورحيم الدور لمدة عامين لبناء شخصية. وقال رحيم “كنت مثل كيس شاي في كوب ماء، بحاجة إلى وقت”.

ولأن محمدو ولد صلاحي، تعرّض للتعذيب، كان لابد لرحيم أن يعرف التعذيب أيضا. وعن ذلك يقول “كنت بحاجة إلى وضع نفسي في ظروف واقعية، طلبت من فريق الدعم الذي أعطاني قيودا زائفة أن يحضر لي قيودا حقيقية، لأشعر بها، واستعملتها يوما واحدا، فأصبت بكدمات، وعندما ألقوني في زنزانة، طلبت منهم أن يبرّدوها قَدْر الإمكان، ويرشوني بالماء، أما في التدريب على الإيهام بالغرق، فقد ضربت ساق شريكي ثلاث مرات حتى يتوقّف، وكذلك كانت تجربة التغذية القسرية، وأداء مشهد الهلوسة، فأنا لم أتعاط المخدرات، ولم أصب بالهلوسة من قبل. وضعت نفسي في حالة عاطفية خاصة، كي أعيش التجربة في خيالي، تخيلت رؤية محمدو لوالدته معه في الزنزانة، لم أستطع التحمل، كدت أنهار، فما بالكم بمحمدو الذي قضى 15 عاما في هذا المعتقل سيء السمعة”.

ويعتبر رحيم (أصيل مدينة وهران) من أهم الممثلين الفرانكو-جزائريين، وقد مثل في العديد من الأعمال العالمية على غرار الفيلم الفرنسي “النبي” للمخرج جاد أوديار (2009) والذي أدّى فيه دور مالك الجبنة، وهو شاب فاقد للمعالم ينتهي به المطاف لدخول السّجن لمدة ست سنوات، كما شارك في الفيلم الأميركي البريطاني الأسترالي “مريم المجدلية” (2018) الذي مثل فيه أيضا الأميركي خواكين فينيكس.

وسبق لرحيم أن فاز بجائزة أحسن ممثل أوروبي في العام 2009 عن دوره في فيلم “النبي”، كما فاز بجائزتي سيزار (مهرجان فرنسي رديف للأوسكار الأميركي) لأفضل ممثل واعد وأفضل ممثل في النسخة الخامسة والثلاثين للمهرجان في العام 2010.

وسينظم حفل توزيع جوائز النسخة 78 لـ”غولدن غلوب” في 28 فبراير الجاري، وهي من أهم الجوائز السينمائية الأميركية، إضافة إلى كونها تمثل مؤشرا كبيرا لأهم الأعمال والممثلين المرشحين للتنافس على جوائز الأوسكار.

وستعلن من جهة أخرى في التاسع من مارس القادم أسماء الفائزين بجوائز “بافتا” (الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون)، وهي أرفع التتويجات في مجال الفن السابع في بريطانيا.

 

العرب اللندنية في

19.02.2021

 
 
 
 
 

مراجعة فيلم Soul:

ما قبل الحياة وما بعد الحياة والمعنى بينهما في أحدث أفلام بيكسار

نور الهدى بن الحاج

يقول الكاتب والفيلسوف الوجودي الرومانيإميل سيوران“: ”لا أستوعب لماذا علينا أن نقوم بأعمال في هذا العالم؟ لماذا علينا أن نحظى بأصدقاء وتطلعات.. أحلام وآمال؟ ألا يكون من الأحسن أن ننسحب إلى زاوية بعيدة عنه حيث يكف إزعاجه وتعقيداته عن الوصول إلينا؟ عندها يمكننا اعتزال الثقافة والطموح. سنخسر كل شيء ونحظى بلا شيء. ما الذي يمكننا كسبه من هذا العالم؟”.

هناك أشخاص لا يكترثون بالتحصيل… فاقدو الأمل وتعساء ووحيدون… نحن قريبون جدًّا من بعضنا البعض ولحد الآن لم ننفتح على بعضنا. نقرأ في أعماق أرواحنا كم مصيرًا من مصائرنا يمكن رؤيته… نحن وحيدون في الحياة إلى حد أننا لا بد أن نسأل أنفسنا: أليست وحدة الاحتضار هي رمز الوجود البشري؟ هل يمكن أن يكون هناك خلاصة في اللحظة الأخيرة؟”.

عن هذه الخلاصة التي نكتبها في لحظات الحياة الأخيرة وعن المعنى من الوجود والطموح واللاشيء يتحدث فيلم Soul الذي أنتجته بيكسار التابعة لوالت ديزني والذي أخرجه بيت دوكتر.

فيلم Soul أحدث أعمال ديزني وبيكسار

انتظرنا صغارًا وكهولًا فيلم Soul كغيره من أفلام بيكسار منذ يونيو 2020 ليعرض أخيرًا يوم 25 ديسمبر 2020 بسبب الأزمة العالمية التي نعيشها اليوم جرّاء الكوفيد-19 و الذي جمع كلًّا من جيمي فوكس وتينا فاي وأنجيلا باسيت ودافيد ديڨز.

يتحدث فيلم Soul وكأنه عمل فلسفي وجودي غامض عن أستاذ وعازف الجاز “جو غاردنر” الذي يعيش حياة رتيبة بين قاعة الدرس والبيت إلى أن تتاح له فرصة مرافقة عازفة جاز كبيرة بالعزف على البيانو. وهنا تعكس لنا مرآة بيكسار صورة الجاز بكل واقعية مصورةً جو كرجل أسود البشرة ذي ملامح أفريقية جميلة يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية وارثًا عن والده حب هذا النوع من الموسيقى وشغفه بها.

فالجاز هو نقطة تلاقي ثقافات أفريقية وأمريكية ولاتينية تواجدت في القرن العشرين في “نيو أورلينز” بولاية لويزيانا الأمريكية لتهدينا نوعًا جديدًا من الموسيقى التي كانت تعتبر في البداية موسيقى لا أخلاقية لامتلاك العازفين الأمريكيين من أصول أفريقية لها. هذا الرفض والتعصب الذي واجهتهما موسيقى الجاز كان قد تجلّى في الصحافة المكتوبة. إذ نشرت صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر في العشرين من سبتمبر لسنة 1927 مقالًا بعنوان: “على البيض أن يتركوا موسيقى الجاز”. ولكن هذا لم يمنع الموسيقى الإفريقية-الأمريكية من أن تصل إلى أذني “لويس آرمسترونغ” وإلى حنجرة “بادي بولدن” ثم إلى “بسي سميث” وإلى العالم كله

أصول هذه الموسيقى وجذورها المتناثرة بين القارات زادت من عبقريتها وجعلتها من أجمل ما قدمته أمريكا للإنسانية. وحضورها بهذه الجمالية عبر شخصيات الفيلم هو ما زادها واقعية وعمقًا.

بينما كان “جو غاردنر” يستعد ليخطو خطوته الأولى نحو شغفه أو بالأحرى نحو ما كان يعتقد أنه “المعنى” من وجوده سقط في هوة ما بعد الحياة معلنًا بهذا السقوط بداية الحكاية. ولكن إرادته كانت عكس تيّار الفناء فقرر أن يركض نحو المجهول ليجد نفسه فيما قبل الحياة.

بين سواد ما بعد الحياة ونور ما قبل الحياة، وجدت حياة غريبة لا جنس فيها ولا اختلافات… أرواح سعيدة تبحث عما ينقصها لتبعث في الأجساد.. وكائنات مسيّرة ولطيفة وملائكية تنظم هذه ”الحياة”. في هذا العالم ذي الألوان الخافتة، وجدت روح “غاردنر” واقترنت بروح “22” التي لم تشأ أن تحط ساقيها في الأرض دون أن تعثر على معنى لهذا البعث

أخذت الروح تلقنّ لـ “غاردنر” دروسًا حول ما قبل الحياة بما فيها من انعدام اللذة ومن عمى الحواس. جابت به هذا العالم ثم عادا إلى الأرض ليبحثا عما قد يُنسي “22” رفضها للحياة..

انطلاقًا من هذه النقطة أخذت فلسفة فيلم Soul في التمظهر وبدأت الحياة تتشكل على منحى لم نعرفه من قبل. فالمعنى موجود ولكننا لا نراه والشغف ليس إلّا وهمًا نسعى إليه. الطموح يغذي أرواحنا ولكن المشي والتذوق والتأمل والسقوط والنوم والبكاء والضحك هو ما ينحت ملامح حياة تستحق الحياة… فيلم بيكسار هذه المرّة يشبهنا في تناقضاتنا. فهو قائم على ثنائيات عديدة أبرزها ثنائية الحياة والموت، الروح والجسد، المعنى والشغف ليجعلنا نعتقد في البداية أنها منفصلة ثم يعود بنا في آخر العمل لنفهم أنها متداخلة ومتكاملة لا وجود لإحداها دون الأخرى.

 

أراجيك فن في

20.02.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004