ملفات خاصة

 
 

حاتم علي أعماله أثرت في الجمهور..

ورحيله صدم الجميع

كتب حسام أبو المكارم

عن رحيل عراب الدراما

حاتم علي

   
 
 
 
 
 
 

بدأ المخرج الراحل حاتم علي حياته الفنية بتجسيد أحد الأدوار في مسلسل دائرة النار عام 1988, مع المخرج هيثم حقي، بعدها توالت مشاركاته في الأعمال الدرامية التي جسد شخصيات مختلفة، تتنوع بين الأدوار التاريخية والبدوية إلى الشخصيات المعاصرة بأنماط متعددة.

ميلاد الراحل حاتم علي

ولد المخرج الراحل حاتم علي في الثاني من يونيو عام 1962، في هضبة الجولان المحتلة بالأراضي السورية، وبدأ حياته بالكتابة المسرحية وكتابة النصوص الدرامية والقصص القصيرة

اتجاة حاتم على نحو الإخراج

عمل الراحل حاتم علي في الإخراج في منتصف التسعينات، وقدم عدد كبير من الأفلام التلفزيونية الروائية الطويلة وعدد من الثلاثيات والسباعيات.

نجح حاتم علي في إخراج مجموعة من المسلسلات الاجتماعية والتاريخية، أهم مسلسل الزير سالم والذي يُعد نقطة تحول في مسيرتة الفنية، وتم دبلجة مسلسله صلاح الدين الأيوبي وعرضه في ماليزيا و تركيا واليمن والصومال.

حاتم علي وكتابة السيناريو

تمكن الراحل حاتم علي من تأليف فيلم زائر الليل الذي أخرجه محمد بدرخان، كتب مسلسل القلاع الذي أخرجه مأمون البني، واستطاع تأليف فيلم تلفزيوني بعنوان الحصان أخرجه بنفسه وشارك في كتابة فيلم آخر الليل مع الكاتب عبد المجيد حيدر وحصل من خلاله على أول جائزة كمخرج من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون 1996.

جوائز المخرج حاتم علي

حصد المخرج الراحل حاتم علي العديد من الجوائز عن أعماله التلفزيونية التي أخرجها مثل مسلسل التغريبة الفلسطينية، و مسلسل عمر، و مسلسل صلاح الدين الأيوبي، و صقر قريش، و ربيع قرطبة، و مسلسل الزير سالم، والعديد من الجوائز الأخرى

أخرج حاتم علي 25 عملاً تلفزيونياً ومثل في الكثير منها، خاض حاتم علي وهو من أبناء الجولان المحتل تجربة مشابهة لأحداث مسلسل التغريبة الفلسطينية حيث أمضى فترة نازحاً في مخيم اليرموك، ولعل هذه التجربة بتفاصيلها قد انعكست على المسلسل، وقدرة المخرج أيضا على ترجمتها إلى عمل فني.

وفاة المخرج حاتم علي

قبل رحيله ..خطط لوداع عام 2020

قبل رحيله بأيام اتفق المخرج حاتم علي والفنان جمال سليمان على أن يكون هناك لقاء يجمعهما بعد يومين من أجل وداع العام القديم واستقبال الجديد، مع تمنيهما ألا يكون العام الجديد بسوء العام المنقضي، إلا أن القدر غير الخطط برحيل حاتم علي، ما اعتبره سليمان بمثابة الصدمة التي خلفت حزنًا ليس فقط بين أصدقائه وزملائه، بل لدى الجمهور أيضًا الذي يعتبر حاتم علي واحدًا من أهم المخرجين.

وسلاف فواخرجي تنعي حاتم علي

من جهة آخري وجهت الفنانة السورية سلاف فواخرجي، رسالة وداع مؤثرة إلى صديقها المخرج الراحل حاتم علي، إذ كتبت على حسابها عبر "انستجرام": "الآن، أصبحت الراحل؟.. وبجانب اسمك، يكتبون الراحل؟ وهل نفذت الصفات والألقاب مما تستحق، ليختار لك القدر لقب، الراحل؟".

وقالت سلاف فواخرجي : "لا اعتراض على حكم القدر... وأعلم أن من عليها فان وزائل ...ولكن أيها القدر، تمهل... قف أمام مرآتك، بضمير... وفكر... تمشي كأنك لا ترى... لا تسمع، لا تشعر ولا تدرك ما أنت بنا فاعل... دموعنا ملت... وما تبقى منّا... ضائع تسحب الفرح من روحنا مرة بعد مرة وتأخذ منّا الأعز والأغلى بلا وعي... خبط عشواء، وأكثر".

 

الوفد المصرية في

02.01.2021

 
 
 
 
 

فيديو.. لميس جابر ناعية المخرج حاتم علي: كان خبر صادم جدا

أمل محمود

نعت الدكتورة لميس جابر، المخرج السوري حاتم علي، قائلة: «كان خبر صادم جدًا»

وقالت خلال مداخلة هاتفية لبرنامج «الحكاية» الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب والمذاع عبر فضائية «mbc مصر»، مساء أمس الجمعة، أنها تعرف المخرج الراحل حاتم علي، منذ عام 2005، واصفة إياه أنه كان إنسانًا هادئًا وخلوقًا جدًا.

وأعربت عن سعادتها بالعمل مع المخرج الراحل حاتم علي في مسلسل الملك فاروق، مشيرة إلى أنها تفاجأت من الخبر، وظنتها شائعة.

وأشادت بأعمال المخرج الراحل حاتم علي، موضحة أن موقع التصوير في أعماله كان يتميز بالهدوء.

وأوضحت أن المخرج حاتم علي كان لا يحب أن يشاهد الممثل المشهد إلا بعد تصويره كاملًا، مضيفة أنه كانت لا تجمعه أي عداوة أو مشكلات مع الوسط الفني.

وتوفي الثلاثاء الماضي، المخرج السوري حاتم علي في مصر بأزمة قلبية عن عمر ناهز 58 عامًا.

https://www.youtube.com/watch?v=8dlaIzdpDso&feature=emb_logo

 

الشروق المصرية في

02.01.2021

 
 
 
 
 

والدة حاتم علي... "الأم التي مشت مع ابنها لا خلف نعشه"!

حظيت صورة والدة المخرج الراحل #حاتم علي خلال تشييع ابنها أمس في العاصمة السورية بكثير من التعليقات المؤثرة، من بينها تعليق للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي التي نشرت صورة والدة حاتم وكتبت: "حكت لي هدباء ابنة نزار قباني رحمهما الله، أنّها عجبت لأبيها من أين جاءته القوة ليمشي خلف جثمان ابنه توفيق، أجابها: ما كنت أمشي خلفه بل معه! قالت لي، فعلت مثله تخيّلت أني أمشي في جنازته معه"، مضيفة: "هذه والدة حاتم علي، الأم التي مشت مع ابنها لا خلف نعشه".

وكانت قد تحدثت عن موقف جمعها بحاتم علي، عند وفاة المخرج العالمي مصطفى العقاد التي قامت برثائه عندما توفي، وثأثر حاتم علي بكلماتها ،فقال لها :" ليتني أعرف ماذا ستكتبين حين أموت".

وعبّرت عن ألمها لرحيله وقالت: "حاتم يا شاعر الصورة كفّ عن التظاهر بالموت فنحن لن نصدّق خبر رحيلك".

الشاعر الفرنسي الكبير جان كوكتو ، أخرج فيلما قصيرا يصوّر فيه جنازته، يقول فيه لأصدقائه وهم يرافقونه لمثواه الأخير

 

النهار اللبنانية في

02.01.2021

 
 
 
 
 

المخرج السوري حاتم علي يوارى الثرى في دمشق

موكب التشييع يجوب شوارع العاصمة قبل دفنه في مقبرة باب الصغير

دمشق: «الشرق الأوسط»

ودعت دمشق، أمس، المخرج البارز حاتم علي، إلى مثواه الأخير في تشييع شعبي حاشد، بعد وصول رفاته من القاهرة، حيث وافته المنية، الثلاثاء، إثر نوبة قلبية.

وغص جامع الحسن في دمشق بالمصلين، وحمل بعضهم صوره. وفور خروج النعش من الجامع، بدأت الحشود بالتصفيق والتكبير، وتعالت الهتافات مرددة اسمه.

وسارت عشرات السيارات في موكب التشييع الذي جاب شوارع دمشق، قبل أن يصار إلى دفنه في مقبرة باب الصغير.

وغصت مواقع التواصل الاجتماعي السورية والعربية بنعي المخرج الذي أثرى المكتبة الفنية العربية ببعض من أشهر الأعمال التلفزيونية خلال العقود الأخيرة.

وشكلت وفاة علي المفاجئة داخل غرفته في أحد فنادق القاهرة صدمة، خصوصاً أنه لم يكن يشكو من أي عارض صحي.

وفي مشهد قل نظيره منذ اندلاع النزاع في سوريا قبل نحو عشرة أعوام، أجمع السوريون موالين ومعارضين على مسيرته وإرثه الفني. ونعاه عشرات الفنانين من المقيمين خارج سوريا، بعضهم من الناشطين سياسياً ضد دمشق، وداخلها.

وكان في استقبال جثمانه في دمشق عدد من الفنانين السوريين، بينهم شكران مرتجى وسلاف فواخرجي ووائل رمضان.

واكتفت نقابة الفنانين السوريين بإيراد خبر وفاة علي، الثلاثاء، معددة بعض أعماله، من دون نعيه رسمياً، ما أثار انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

كانت نقابة الفنانين فصلت المخرج الراحل من عضويتها مع نحو مائتي فنان سوري من ممثلين ومخرجين صيف 2015، بينهم وجوه تلفزيونية بارزة كجمال سليمان وتيم حسن وسامر المصري ومكسيم خليل وآخرين، بحجة «تخلفهم عن تسديد الاشتراكات المالية المترتبة عليهم».

واشترطت النقابة حضور الفنان شخصياً لتسديد الاشتراك، وهو ما لم يكن متاحاً مع وجود عدد كبير منهم خارج البلاد إثر اندلاع النزاع. إلا أن فنانين وناشطين ووسائل إعلامية ربطت حينها بين قرار الفصل ومواقف الفنانين السياسية، سواء لعدم إعلان تأييدهم الصريح للحكومة السورية، أو إطلاقهم مواقف سياسية مناوئة لها.

وبدأ حاتم علي المولود سنة 1962 حياته الفنية كممثل مع المخرج هيثم حقي في مسلسل «دائرة النار» سنة 1988، لتتوالى بعدها مشاركاته في أعمال درامية جمع من خلالها بين الأدوار التاريخية والمعاصرة. وانتقل بعدها إلى الإخراج التلفزيوني في منتصف التسعينات، مقدماً الكثير من الأفلام التلفزيونية الروائية الطويلة وعدداً من الثلاثيات والسباعيات.

واستقطبت أعماله اهتمام ملايين المشاهدين العرب. من أبرزها مسلسل «التغريبة الفلسطينية» و«الفصول الأربعة»، وهو من أشهر الإنتاجات التلفزيونية السورية في العقدين الماضيين.

وتميزت أعمال كثيرة أخرجها علي بضخامة الإنتاج، بينها مسلسلات تاريخية تروي حقبات مهمة في التاريخ العربي والإسلامي، أبرزها «صلاح الدين الأيوبي» الذي عُرض في 2001، و«الملك فاروق» (2007)، و«عمر» (2012).

وكتب الفنان جمال سليمان، الذي تعاون مع علي في أعمال عدة، ويقيم في القاهرة، وهو من أبرز الفنانين المعارضين لدمشق، على «فيسبوك»: «رحيلك المفاجئ هذا أحدث صدمة كبيرة، وخلف حزناً ليس فقط بين أهلك وأصدقائك، وكل الذين أسعدهم العمل معك، وأضاف لمسيرتهم الكثير، بل في كل أرجاء الوطن العربي».

ومن دمشق، استعاد المخرج الليث حجو، مساعدته المخرج الراحل على تجديد جواز سفره السوري مؤخراً. وقال «لم نكن نعلم حينها بأنه بالفعل كان بحاجته بهذه السرعة (...) ليعود به إلى دمشق للمرة الأخيرة محملاً بصندوق خشبي وجواز سفر لمدة عامين... صالح مدى الحياة».

 

الشرق الأوسط في

02.01.2021

 
 
 
 
 

سر حاتم علي

مارلين سلوم

محزن ختامك يا عام الوباء، وكأن حصادك لأكثر من ستين فناناً عربياً لم يكن كافياً، فقررت أن تطوي صفحاتك على خبر هزنا جميعاً، وأحزننا من الأعماق؛ فرحيل المخرج حاتم علي ليس خبراً تقرأه في صحيفة أو من خلال السوشيال ميديا، فتترحم عليه، وتكمل ما كنت تفعله أو تنتقل لخبر آخر؛ بل يوجعك ويمسك؛ لأن حاتم لم يكن مخرجاً عادياً، ولم يمر على شاشاتنا إلا وحفر خطاً؛ ليمشي خلفه آخرون

حين تذكر المخرجين الاستثنائيين، لا بد أن تتحدث عن حاتم علي مطولاً، ولا بد أن تعود بذاكرتك إلى كل تلك الأعمال التي قدمها للجمهور العربي، فخلف كل أو معظم تلك المسلسلات، هناك قصص تحدٍ واجهها بإرادة وخرج منها منتصراً، محققاً قفزة في سجل إنجازاته وفي سجل الدراما العربية.

عمل في سوريا وفي دول الخليج وفي مصر برؤية المخرج المتمكن من طبيعة كل مكان، والمتعمق في تاريخ وجغرافية الأماكن وطبيعة الشعوب والمجتمعات والثقافات؛ لذلك عرف حاتم علي كيف يكسب ود الجمهور العربي كله، وكسب الجوائز ومنحه الفنانون والكتّاب كامل ثقتهم؛ لأنهم فهموا جيداً أنه أمين على المادة التي يحملها بين يديه، وأنه يملك رؤية مختلفة وقدرة على تقديم أعمال مميزة، يتجدد هو فيها، ويجدد متعتنا في المشاهدة بشغف.

ماذا نذكر من أعمال هذا المخرج وماذا نترك؟ الفصول الأربعة، ملوك الطوائف، الزير سالم، الملك فاروق، الفاروق عمر، كأنه مبارح، أهو دا اللي صار.. القائمة طويلة، وكل عمل يحمل طبيعة وظروفاً وتحديات واجهها حاتم بقلب المبدع المصر على كسر القوالب الجامدة؛ لتقديم فن حقيقي ومختلف

«الملك فاروق» كان تحدياً مهماً بالنسبة للمخرج السوري القادم إلى مصر ليتحمل مسؤولية مسلسل كتبته الدكتورة لميس جابر، ويحكي عن ملك مصري وحقبة مهمة من تاريخ مصر والعالم العربي. وقتها غضب بعض المصريين من تسليم هذه المهمة لمخرج «غير مصري»، الذي أسند البطولة أيضاً لممثل «غير مصري» وهو تيم حسن، وترك هؤلاء العمل بكل تفاصيله، وبكل أهميته؛ ليتفرغوا للمقارنات العنصرية والرؤية العصبية الضيقة للأمور، بينما أكمل حاتم علي وكل فريق عمله رحلتهم صعوداً ليحققوا نجاحاً مبهراً ليس في مصر فقط؛ بل في العالم العربي

ومن تحديات حاتم علي المبهرة أيضاً، مسلسل «الفاروق عمر» عن حياة الصحابي عمر بن الخطاب، والذي جاء ليفتح خطاً جديداً أمام الدراما العربية في تناولها لشخصيات دينية. المسلسل تحفة فنية، وإخراج حاتم علي الذي اهتم بأدق التفاصيل، جاء على مستوى عالمي.

أما «أهو دا اللي صار» والذي بدأت عرضه حديثاً «نتفليكس»، فهو لقاء القمة بين الكاتب عبد الرحيم كمال وحاتم علي. مسلسل يمكنك مشاهدته أكثر من مرة بلا ملل، وفي كل مرة يزيدك إعجاباً بكل من وما في العمل. إنه سر حاتم علي الذي أبهرنا في حياته، وصدمنا برحيله وهو ما يزال ينبض عطاء وإبداعاً.

marlynsalloum@gmail.com

 

الخليج الإماراتية في

02.01.2021

 
 
 
 
 

رمزية الموت في مشهد النهاية

رشا عمران

لم يكن رحيل حاتم علي، المخرج والممثل والكاتب السوري، المتحدر من الجولان المحتل، عاديا، إذ تبدو طريقة رحيله كما لو أن مخرجا ما أخرجها، وأبدع في جعلها درامية إلى الحد الأقصى، بحيث سبّبت الحزن لهذا العدد الكبير من المشاهدين في العالم العربي، فالحياة على ما يبدو تشبه مسلسلا دراميا طويل الحلقات أو قصيرها، وكلّ منا سوف يكون المشاهد وبطل النهاية في الوقت نفسه. في يوم الثلاثاء الماضي 29 / 12 من السنة الاستثنائية 2020، وضع المخرج المبدع آخر اللمسات في حلقة حياته، وغاب بتلك الطريقة الدرامية

نزحت عائلة حاتم علي (مواليد 1962) من الجولان المحتل، وهو في الرابعة أو الخامسة من عمره، قضى طفولته بالقرب من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، قُبل في معهد الفنون المسرحية طالبا، ثم أصبح لاحقا مدرسا فيه. بدأ حياته الفنية ممثلا، واشتهر في أدوار تلفزيونية كثيرة له، سواء في مسلسلاتٍ من إخراجه، حين اعتنى بموهبته في الإخراج لاحقا، أو من إخراج غيره من السوريين. لن أذكر هنا أسماء المسلسلات التي أخرجها، ولا تلك التي لعب فيها أدوارا، فما قيل فيه منذ لحظة رحيله أعاد إلى ذاكرة الجميع إنتاجه كله، بما فيه المجموعة القصصية التي كتبها.

شهدت حياة حاتم علي التي بدأت بالنزوح محطّاتٍ كثيرةً في أمكنةٍ عديدة، كانت مصر أساسية فيها، منذ ما قبل 2011، لتترسّخ مكانا للعمل وللسكن مع العائلة بعد 2011، بعد أن تم التحريض عليه من فناني النظام السوري وشبّيحته، وتم فصله من نقابة الممثلين وتخوينه، مع أنه لم يدل يوما بتصريحاتٍ عنيفةٍ تجاه النظام، إلا أنه رفض بشكل قاطع التشبيح للنظام، وتخوين زملائه وأصدقائه وأبناء بلده، فقد كان يدرك أنهم القاعدة الأولى لنجاحه. ومن القاهرة هاجر مع عائلته إلى كندا، ليعود مرات عديدة إلى مصر بغاية العمل، آخرها منذ أكثر من شهرين حيث كان يستعدّ لإخراج عمل عربي ضخم عن سفر برلك، لتصيبه أزمة قلبية في أول الصباح في غرفته في الفندق، كانت أعنف ربما من أن يتمكّن من الاتصال بأحد أصدقائه الكثر في مصر، أو ربما شعر بالحرج من الاتصال بأحدٍ في هذا الوقت المبكر. لا أحد يعرف ماذا حدث وبما كان يفكر. نحن فقط نقترح مونولوغات عن لحظات رحيله، ليموت وحيدا تماما في غرفة في فندق، في بلدٍ له فيه أصدقاء عديدون، بعيدا جدا عن عائلته، وبعيدا عن سورية التي لم تترك أحدا ممن أحبّوها سليما أو معافى

أعادت هذه الدراما التي في موته إلينا، نحن السوريين، هيبة الموت وسطوته، بعد أن أصبح موت السوريين سنوات عديدة مبتذلا، بسبب استخدامه مادّة إعلامية على الهواء مباشرة، وسياسيةً يتم المتاجرة بها في أروقة السياسة في العالم، وأعاد إلينا ما نحاول تجاهله ونسيانه: كم نحن غرباء، أينما كنّا أصبحنا غرباء، حتى الذين لم يغادروا البلد هم غرباء فيها، إذ ما فعله حاتم علي، في معظم مسلسلاته التي أخرجها قبل الثورة، هو رثاء للطبقة الوسطى السورية التي كانت تتآكل شيئا فشيئا، وكانت شبه منتهيةٍ في بدايات الربيع العربي، ليصبح أفرادُها غرباء بعد الثورة، من خرجوا من سورية ولم يستطيعوا التأقلم والاندماج مع عوالمهم الجديدة، ومن بقوا في سورية ونبذتهم طفيليات الحرب، مالكو البلد الجدد. هل، يا ترى، كل هذا الحزن لموته كان لشخصه تحديدا أو لما يمثله، في الحياة والموت، من رمزيةٍ لسوريي العقدين الأخيرين من تاريخ سورية؟ ربما إجابة هذا السؤال شخصية جدا، وليس من حقّ أحدٍ المطالبة بها، فالحزن ليس جريدة حائط، حتى لو بدا كذلك أحيانا، الحزن أشبه بدفتر مذكراتٍ شخصيةٍ نفتحه كلما يذكرنا أحد به. ولنعترف بأن الحزن يصيب بالعدوى، خصوصا لمن هم مثلنا، نحن العرب، أصحاب تراث الموت الظالم والحزن المديد واللجوء القسري والقهر اليومي، أصحاب تراث الهزائم الدائمة حتى لأحلامنا. ربما هذا ما يفسّر الإجماع النادر على حزننا على رحيله. العرب بكوا فيه صانعا ماهرا للبهجة المحترمة ذات القيمة العالية المتمثلة في الدراما التلفزيونية التي تصل إلى كل بيت، لتكون تعويضا عن نخبوية السينما. أما السوريون فقد بكوا فيه أنفسهم، حياتهم الماضية، أحلامهم المفقودة، الوطن المفقود والشعب التائه الذي استطاع رحيل حاتم علي استعادته ولو ساعات قليلة، لنرى من خلال هذه الاستعادة مصيرنا البائس الذي نحاول تناسيه في يومياتنا.

 

العربي الجديد اللندنية في

02.01.2021

 
 
 
 
 

حاتم علي

حسن مدن

واحدة من أكثر خسائرنا وجعاً في السنة المنقضية، كانت رحيل المخرج السوري الكبير حاتم علي، وهي الخسارة التي أصرّت تلك السنة المشؤومة على أن تودعنا بها، فغيابه المفاجئ، وهو دون الستين من عمره، سيترك فراغاً كبيراً في الدراما العربية، الرصينة والجادة والمسؤولة.

لم يترك حاتم علي بصمته الواضحة في الدراما السورية وحدها، وإنما في الدراما العربية عامة، وبعض أعماله عرّفت المشاهد العربي على محطات فاصلة في تاريخنا العربي – الإسلامي لم تبلغها أعمال سابقة، من حيث العمق والإحاطة التاريخية، والعناية بأدق التفاصيل والملابسات، فهي لا تحكي لنا ما جرى في هذا التاريخ فقط، وإنما تعيد تقديمه وفق رؤية فنية متكاملة، شائقة، تجعل إطلالتنا على أحداث وقعت قبل قرون غابرة، بانورامية، ولتكون رؤيتنا لحاضرنا، بكل ما فيه من تناقضات، غير منفصلة عن خلفيته التاريخية.

يمكن اعتبار عمله الشهير «التغريبة الفلسطينية»، الذي يحكي فصول ما تعرض له النازحون الفلسطينيون بعد عام 1948، من أهم الأعمال التي تناولت المأساة الفلسطينية، وكان لطفولة وتنشئة حاتم علي أكبر الأثر في تمثله لهذا العمل، هو الذي قال مرة: «لست فقط أحد أبناء الجولان المحتل الذين عاشوا تجربة تتقاطع مع التغريبة الفلسطينية، لكنني أيضاً عشت طفولتي وشبابي في مخيم اليرموك». والمعروف أن حاتم ولد في بلدة الفيق في الجولان، واضطرت عائلته إلى النزوح بعد احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان في عام 1967 ولم يكن وقتها قد تجاوز الخامسة من عمره.

كان إخراجه لمسلسل «الزير سالم» بداية تحوّل في مسيرته الفنية، التي بدأها ممثلاً، خاصة وأن ممثلين سوريين كباراً شاركوا في العمل بينهم سلوم حداد وخالد تاجا وعابد فهد وسمر سامي وجهاد سعد وتيم حسن وقصي خولي وغيرهم.

ومن أعماله الفارقة المسلسلات الثلاثة التي تناولت فترة الحكم العربي في الأندلس من تأليف وليد سيف، وهي «صقر قريش»، «ربيع قرطبة»، «ملوك الطوائف»، التي جاءت ضمن مشروع فني متكامل عرف باسم «رباعية الأندلس»، لكن المخرج لم يتمكن من إنجاز الجزء الرابع.

ومن أشهر أعماله أيضاً مسلسل «الملك فاروق»، الذي جسدّ شخصيته الفنان تيم حسن، بمشاركة عدد من النجوم المصريين مثل محمود الجندي وعزت أبو عوف ومنة فضالي وغيرهم.

الجنازة المهيبة التي وُدع فيها حاتم علي إلى مثواه الأخير في الشام، رغم الظروف الصعبة التي تمرّ بها سوريا، جسّدت ما يكنّه الناس له من مشاعر الحب والاحترام لا في سوريا وحدها وإنما في كل العالم العربي.

madanbahrain@gmail.com

 

الخليج الإماراتية في

03.01.2021

 
 
 
 
 

في يوم جنازته، لماذا هذا الإجماع العربي بالحزن على المخرج الراحل حاتم علي؟

راما طبه

رحل الرجل الكبير وتركني أتساءل وراءه عن معنى البطولة… وقريباً يموت آخر الشهود المجهولين، آخر الرواة المنسيين، أولئك الذين عرفوه أيام شبابه جواداً بريّاً لم يُسرج بغير الريح، فمن يحمل عبء الذاكرة ومن يكتب سيرة من لا سير لهم في بطون الكتب”، بضعة أسطر من رثاء “علي” للبطل “أبو صالح” في مسلسل التغريبة الفلسطينية حين وفاته، لكنها اليوم موجهة إليك، فليس كل الأبطال أبطال المعارك فقط وإنما في ساحات التصوير أيضاً. وبوفاتك تشكلت صدمة وفاجعة كبرى لدى هذا الجيل الذي كبر على أعمالك، ولا شكّ أن ألم هذا الخبر يزداد يوماً تلو الآخر، لأننا مع مضي الوقت نكتشف أنه خبر حقيقي وليس كابوساً أو مشهداً تراجيدياً ننتظر أن تقول له “ستوب”، فكانت سنة 2020 من إخراج حاتم علي.

رثاء المحبين

تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى خيمة عزاء كبيرة وواسعة لم نشهد مثل ردة الفعل العربية هذه التي امتدت من لحظة إعلان الخبر حتى جنازته اليوم بعد ثلاثة أيام والأمر مستمر، ولم يقتصر على الفنانين أو من عملوا معه وحتى الذين جمعوا بين الصداقة والعمل كالممثل الصديق له جمال سليمان والمخرج الليث حجو، بل اكتشفنا العدد الهائل من متابعي أعماله والمتعطشين لها. ولن تهدأ على ما يبدو إعادة مشاركة العديد من المشاهد فهذه الواقعة قد جمّعت المحبين مع بعضهم إلكترونياً متجاوزين بُعد المسافات على امتداد خارطة العالم، الجديد أن البعض بدأ بمنشور خاص للدعاء لك وآخر لبدء قراءة ختمة قرآن عن روحك، ما أعظم هذا الأثر الذي تركته في نفوسنا!

يُذكر أنه قد أنشأ صفحة فيسبوك شخصية له منذ بضعة شهور، على الرغم من عدم رغبته بخوض وسائل التواصل الاجتماعي ولكنه اضطر إلى ذلك بسبب وجود بعض الأشخاص الذين ينتحلون شخصيته عبر الفيسبوك ويستغلوا الناس، لا أدري أنني سأشكر فعلتهم هذه اليوم التي جعلت لمحبيك مرجعاً يشيرون لك بمنشوراتهم، وكأنك كنت تشعر بما سيحصل فكنت تتواصل مع جمهورك كمن يودّعهم.

هذه الواقعة جعلتني أتذكر حلقة الفصول الأربعة عند حزن فاتن على وفاة الأميرة ديانا التي قد جمعتها معها صورة عابرة فقط ولكن لتخفيف ألمها قد أقامت عزاء، كنا قد سخرنا من ردة الفعل، ولم ندري أننا الآن بحاجة لخيمة عزاء تواسي حزننا، ونحن الذين جمعتنا بك أعمال مصوّرة طويلة. ولم يكن ذلك المشهد الوحيد الذي أعادته ذاكرتنا بل هناك مشهد قاسي في الفصول الأربعة أيضاً لخالد تاجا عندما قال: “الموت حق، كاس بدو يمر على كل هالناس، بس يعني أنا زعلان على حالي، زعلان من حالي، يعني زعلان على حالي لإنو نحنا بالموت ما منكون عم نبكي عالميت، الميت راح لوجه ربو، بس نحنا اللي منكون فقدنا شخص عزيز بيترك بحياتنا فراغ ما بيتعبى أبداً ومنحس بإنو نقصنا شي، منبكي لإنو نقصنا شي” والمؤثر أكثر في هذا الكلام أن هذه الحلقة من كتابة زوجة الراحل دلع ممدوح الرحبي، وكأنها كتبتها لهذا اليوم.

مقتطفات من أعماله مع الحوارات والموسيقا التصويرية شاركت في رثاءه، فنسجت أسماء المسلسلات جملاً عن ألم وقساوة هذا الحدث على متابعيه. وقد تفاعلت أيضاً الصحافة السينمائية العالمية مع خبر الوفاة لينتقل اسمه من مخرج عربي إلى عالمي.

بالنسبة لي شخصياً، سيبقى رحيله ألماً أبدياً وإشارة بأن التأجيل الدائم -حتى ولو كان لظروف خارجة عن إرادتنا- نظنه قليلاً، ولكنه اليوم بات كثيراً. لم أكن أتخيل أن يجمعني به مقال بخبر عن وفاته بالتحديد، في حين كان المخطط غير ذلك. فلم يعد للخطة طعم ولا الفكرة ستكتمل كما كنت قد أحببت.

لماذا هذا الإجماع العربي بالحزن على المخرج حاتم علي؟

معظم الفنانين ومن في الوسط الفني والإعلامي العربي قد نعوا خبر الوفاة ببالغ الحزن سواء من عمل معه أم لا، ولكن إذا ذكرناهم ستكون شهادة مجروحة، لأن ذلك لم يقتصر عليهم فقط بل شمل المحبين في الوطن العربي بمختلف بلدانه بالإضافة إلى كُتّاب، مؤثرين، بضع من رجال الدين وإعلاميين من سائر الدول العربية (اللبناني، المصري، الخليجي، المغربي والتونسي…). لأول مرة نشهد هكذا إجماع وبرأي واحد سواء في بلده سوريا أو حتى في البلدان العربية متأسفين عن حجم هذه الخسارة. سنطرح هنا بعض العوامل التي عززت الإجماع العربي كله حزناً على هذا المخرج.

أعمال موجهة لكل أفراد العائلة وتعزز معنى العائلة:

ربما تكون فكرة بسيطة، ولكنها السهل الممتنع، والأكثر انتشاراً حينما أجاب العامّة، لمَ نبكي حاتم إلى هذه الدرجة؟ إنهم يبكون فيه شبابهم وقضاياهم اليومية التي عرضها بصورة إنسانية متكاملة، يبكون جمعاتهم العائلية بمسلسلاته والتي برز دورها مؤخراً عندما تتم إعادة مشاهدة هذه الأعمال بعدما تباعدت المسافات وفقدنا قوة الروابط الأسرية واغترب الكثير، فكنا نلجأ للقطاته لنتذكر أنفسنا ووطننا ودفء العائلة، فعرفه الصغير قبل الكبير، جميعنا يوم من الأيام تمنينا أن نكون جزءاً من عائلة الفصول الأربعة، حُفرت بذاكرتنا شخصياتها وإلى الآن نعيد المشاهدة وكأنها أول مرة، تيتا نبيلة وجدو كريم وفاتن ومجدة وشادية وناديا وليلى والأستاذ عادل ومالك بيك ونجيب وبرهوم، ولا بدّ أن أحداً منّا عاش حلماً ضائعاً من مسلسل أحلام كبيرة.

نامي إذاً يا روح، نامي الآن، هي آخر الأيام، نطويها، ونرحل في سلام…”  أحلام كبيرة

أعمال تحمل رسالة

حَمل على عاتقه إيصال العديد من القضايا والأوجاع وليتم أرشفة ذلك في التاريخ ويتناقله الأجيال مستقبلاً فيحمي الثقافة من الضياع. كالقضية الفلسطينية بأعمال مختلفة مثل التغريبة الفلسطينية وصلاح الدين الأيوبي والعدل في مسلسل عمر، وقضايا اجتماعية حقيقية في الفصول الأربعة وأحلام كبيرة و الغفران وعصي الدمع وحتى في المرة التي أخرج بها عملاً كوميدياً كان يحمل طابع الكوميديا السوداء الواقعية في مسلسل عائلتي وأنا، ولا ننسى إسقاطات ثلاثية الأندلس وصلاح الدين الأيوبي ومحاكاتهم مع الواقع الآني. “ومضيت وكأنما أعجبك الفراق” من شارة مسلسل له.

الخلفية الثقافية الشخصية

عُرف باطلاعه وثقافته العامة والخاصة بأعماله فلا يدخل في عمل إلا وهو مُلم بكل التفاصيل ومتأكد من المعلومات فقد كان من أواخر الفنانين المثقفين العرب، قال يوماً عن عمله كمخرج: “إن شعوبنا لا تهتم بالكتب والثقافة، فأصبح مصدر وعيها الصورة، التلفاز والسينما)، ونحن لكي نواكب هذا العصر، يجب أن نقدم للمشاهد صورة فنية على قدر كبير من الجمالية، وفي نفس الوقت وجبة فكرية دسمة، هكذا يجب أن نعمل لنعوض النقص الثقافي عندنا “معاذ الله، أنا لا أريد أن أقول لك وداعاً، لأن ذلك يعني أن كل شيء قد بات منتهياً” موسيقا تصويرية من أحلام كبيرة.

نقل روح التاريخ العربي على الشاشة، وباللغة الفصحى موجهاً للوطن العربي

قد قال: “إن سرّ إنقاذ الدراما التاريخية التي تتحدث عن قضايا كبيرة، يكمن في إكسابها روحاً وحياة”. أعماله التاريخية كانت بالشراكة مع الدكتور الكاتب وليد سيف نصف الفضل الآخر في روعة هذه الأعمال بعدما شكّلا مع بعض ثنائياً فنياً ناجحاً وبتصريح من الإثنين، فقد خلّدا اسمهما بمسلسل صلاح الدين الأيوبي والتغريبة الفلسطينية ومسلسل عمر وثلاثية عن التاريخ الإسلامي في الأندلس والذي كان يفترض أن ينتهي بمسلسل سقوط غرناطة لتكون رباعية بدلاً من ثلاثية ولكن الظروف لم تساعدهما، على الرغم من مطالبة الإعلامي والمؤثر أحمد الشقيري عندما ناشد قناة الـ mbc لتسهيل إنتاج هذا العمل وذلك بعد جمل من الإطراء الموجه للمخرج الراحل بحضوره كلجنة تحكيم في برنامج قمرة لأحمد الشقيري، وكل ذلك لأنه استطاع أن يضع الدراما التاريخية في قالب مختلف عما يتم تقديمه عادةً. بلاغة اللغة العربية وجمال الحوارات وجودة الإخراج هي ما جعلت هذه الأعمال تسافر عبر الحدود لتصل إلى المشرق العربي كله، فالكثير من الناس كانت هذه المسلسلات سبباً لحبهم وتعمقهم باللغة العربية وحتى في الحضارة الإسلامية في الأندلس. والذي ميّز دراماه التاريخية هو نقله للشخصيات هذه ببشريتها وأخطائها وإنجازاتها، فقد كانت أفضل عرض ونقد موضوعي لتاريخ الخلافة الإسلامية. ولم تكُن هذه (الثلاثية وصلاح الدين الأيوبي والتغريبة الفلسطينية) إلّا إسقاطات على الواقع بالرغم من أنها جرت في زمن بعيد ولكن عبقرية الكتابة الدرامية للدكتور وليد سيف وإخراج حاتم علي جعلتهم مجردين من الزمان والمكان. “قُـدِّرَ البـيـنُ بـيـنـنـا، بيننا  فـافْـتـرقـنـا، وطـوى الـبـيـنُ عـن جُـفـونـيَ، عن جفوني غـمـْضِـي، قـدْ قـضَـى الدهر بالـفِـراقِ عـلـيْــنــا، فـعـسَـى بـاجْـتـماعِـنـا، فعسى سـوْف يـقْـضِـي” موسيقا تصويرية لمسلسل صقر قريش.

تناوله للمواضيع الدينية قوبلت بالرضا

من النادر جداً من بعد فيلم الرسالة أن تجد عملاً دينياً تقبله أكبر من رفضه لدى الناس، وموافقة الأغلبية عليه من الجهات الدينية كمسلسل عُمر الضخم الذي كلّف قرابة 200 مليون ريال سعودي و300 يوم تصوير وتُرجم إلى العديد من اللغات العالمية، فهذه الأمور ما زالت من المواضيع الحساسة ورغم الصعوبات استطاع أن يتخطى ذلك ليتم إخراج هذا المسلسل الكبير لأنه قد آمن به. من إحدى أقواله عن المسلسل: “مثل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عمل فني في هذا الوقت يعد اختياراً جيداً لأن عالمنا العربي في حاجة ماسّة إلى حكام في حكمة وعدل سيدنا عمر، بالمناسبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس مجرد رجل عاصر الدعوة الإسلامية ولكنه خليفة المسلمين الذي أسس لمفهوم الدولة بشكلها السليم”. ولم يكُن ذلك في مسلسل عُمر فقط وإنما في ثلاثية الأندلس وحياة الخلفاء بالعصور الأموية والعباسية، بالإضافة إلى مسلسل عصي الدمع الذي تناول أفكاراً جانبية توعوية عن هذه المواضيع.

مناصرته لقضايا المرأة بطريقة غير مبتذلة وبعيدة عما يسمى بحركة النسوية:

برز هذا الموضوع بشكل مكثف أكثر في الأعمال التي أخرجها وكانت من كتابة زوجته الأستاذة المحامية دلع الرحبي، وذلك في بعض حلقات الفصول الأربعة ومسلسل عصي الدمع الذي جسّد حالات المرأة بقوتها وضعفها وبإنجازاتها ومعوقاتها وحياتها اليومية.

الإتقان بالإخراج

من أقواله: “ما يصنع مسيرة أي مخرج ليس فقط تلك الأعمال التي يقبل بإخراجها، وإنما أيضاً تلك الأعمال التي يستطيع أن يقول لها لا”. كل من يعمل معه من ممثلين أو فنيين أو منتجين قالوا عنه بأنه متطلب ولكن يقولون هذه الصفة بسعادة غريبة، لمعرفتهم أن العمل الحقيقي والخالد بحاجة لجدّية ومقومات واحتياجات أكثر. فقد كان ذكيّاً في اختياراته سواء النصوص بين الكاتبة ريم حنا وأمل حنا والأبرز الكاتب الدكتور وليد سيف الذي خطّ معه نتاجات درامية عديدة. ولا ننسى آلية انتقائه لكادر العمل وإذا أردنا التحدث عن الممثلين فنجد مجموعة معينة ترافقه بمعظم أعماله وبالمقابل نجده في كل عمل مظهراً لنا وجوهاً جديدة حتى ولو كانت في دور بطولة، كسامر اسماعيل في مسلسل عمر وتيم حسن في ثلاثية الأندلس والذي قد ذكر فضله عليه عندما نعاه بمنشور وقال بأن اختياره له لمسلسل ربيع قرطبة كانت بمثابة إمضاء على شهادة تخرج ثانية، ولم يكن اختياره للممثلين حكراً على جنسية معينة وإنما كانت وفق الكفاءة وهذا ما برز عند اختياره للممثل المغربي محمد مفتاح ليكون بأدوار البطولة في أعماله التاريخية، والعديد من الممثلين من مختلف البلدان العربية الذين كان لهم حصة في أعماله، وهذا يؤولنا لفكرة أنه صاحب المسلسلات ذات البطولة الجماعية كما هي الحياة لا تعتمد على فرد واحد فقط. العامل الآخر الذي ميّز معظم أعماله ذات الإنتاج السّوري هو اللقطات العامة لحياة الشارع والحارات الدمشقية سواء اللقطة الافتتاحية للمسلسل أو حتى الانتقالية بين المشاهد وكأنما يقول لنا إن هذه القصص قادمة من عندكم من قلب بيوتكم.

عدم وجود منافس بنفس الرؤية والأهداف

إن عدم وجود مخرج يوازيه في الساحة العربية الآن جعلت من اسمه متفرداً في هذا المجال، فإذا سألوك نريد فناً حقيقياً قالو لك حاتم علي، فمن وجهة نظري الشخصية أنه كان خليفة المخرج العالمي مصطفى العقاد مخرج فيلم الرسالة بنسختيه الإنجليزية والعربية، وسؤالي هل لنا أن نجد خليفة لهما؟ أم سننتظر لسنين بعد؟ أم العمر بأكمله؟

التغريبة الفلسطينية العمل الصعب تكراره

عليّ أن أكتب عن هذا العمل التاريخي الملحمي ولو بضع جمل، لم يكُن عاديّاً ولا وثائقياً ولا سياسياً وبعيداً عن الصراعات الدينية والتاريخية، فقد روى الحياة والآثار الإنسانية والاجتماعية آنذاك وكأن القضية الفلسطينية وأحقيتنا فيها هي من الأمور المسلّمة، أما عن الأحداث فحتماً سترى نفسك في الشخصيات الموجودة، أحداثه تروي واقعنا الحالي والماضيّ والمستقبليّ، وفي كل مجموعة حلقات وبطريقة غير مباشرة تُطرح لنا فكرة بأسلوب كتابة وإخراج ذكي وغير نمطيّ كالجهل وآثار العادات والتقاليد والخرافات المعشعشة والظلم والعنف والصراعات الطبقية والأنانية والعشائريات التافهة وظلم النساء والعديد من القصص التي تصلح لكل زمان ومكان وتخصّ بالذكر معاناة واقعنا العربيّ.

لا تسل عن سلامته، روحه فوق راحته، بدّلته همومه، كفناً من وسادته” من شارة مسلسل التغريبة الفلسطينية

جنازته

بالتهليل والتكبير والزغاريد، الحشود في الشام قد ودعوا جثمانه يوم الجمعة واختتموا بالتصفيق الذي غطّى على أصوات الدموع وكأنما يصفق الجمهور لشارة نهاية الأعمال السّامية. لم نشهد مثل هذه الجنازة منذ وفاة نزار قباني والذي جعلنا نستذكر مشهد خالد تاجا في حلقة وفاة الشّاعر نزار قباني مسلسل الفصول الأربعة حين وقف جانب الجنازة وأنزل قبعته من رأسه وقال جملته التي حفظها الجميع والتي سنستبدلها اليوم بكلمة مخرج بدل شاعر: “الدنيا لسا بخير، إذا فيه بلد كامل بتطلع بجنازة مخرج”. قد كان وداعاً يليق بنُبل أعماله التي ناضل من أجل أن تُنتج، في حياته جمع الناس حبّاً في إبداعاته والإرث الثقافي الحضاري، وفي رحيله اليوم قد وحدهم حزناً عليه، رغم شتات وأزمة تفرّق السوريين إلا أنهم أجمعوا على هذه الخسارة. ليكون درساً لنا بأن العظماء والمبدعين الطيبين لا يمكن أن يختلف عليهم أحد وأن احترام النفس والناس وحمل رسائل فكرية هادفة ترتقي بالوعي الإنساني، لا يمكن أن تذهب سدى بل يبقى أثرها باقٍ.

ماذا تعلّمنا؟

خبر الوفاة على الرغم من قساوته وتيتُّم الدراما العربية الهادفة بعده، إلّا أنه أعطانا درساً بأنك تستطيع أن تكون فناناً محترماً عظيماً، يقدّرك الجميع في غيابك. ويرثي أعمالك وغيابك حتى الغرباء. كقول الدكتور الكاتب احمد خيري العمري: “المفرح في هذه الجنازة الحزينة.. أن الفن (حامل القضايا) أثبت نفسه”، أما أحلام مستغانمي فقد نعت بطريقة مختلفة وذكرت أفضل مخرجَين عندي فقالت: “عندما رثيتُ المخرج السوري العالمي (مصطفى العقاد) الذي رحل مع ابنته في انفجار إجرامي بعمان، كنت على تواصل مع (حاتم علي) رحمه الله الذي كان مرشحاً سنة 2005 في البدء لإخراج مسلسل ذاكرة الجسد. قال لي متأثراً برثائي للعقاد: “ليتني أعرف ماذا ستكتبين حين أموت!” قوله المازح ذاك آلمني اليوم بقدر خبر موته. الشاعر الفرنسي الكبير (جان کوکتو) أخرج فيلماً قصيراً يصور فيه جنازته، يقول فيه لأصدقائه وهم يرافقونه لمثواه الأخير: “لا تبكوا هكذا.. تظاهروا فقط بالبكاء فالشعراء لا يموتون إنهم يتظاهرون بالموت فقط!”. حاتم یا شاعر الصورة كُف عن التظاهر بالموت فنحن لن نصدق خبر رحيلك! اعذرني إن لم أرثيك بما يليق بحضورك في وجداننا العربي. ما عاد الموت حدثاً، بل حديثاً يومياً يطاردنا في كل نشرات الأخبار، حتى بتنا لا نقدر على الرثاء”.

رحمه الله.

والآن هل يعتَبِر بعض المخرجون والفنانون بأن المبادئ وتبني القيم هي الأكثر تأثيراً واستدامة؟

 

أراجيك فن في

03.01.2021

 
 
 
 
 

جمال سليمان ناعيا حاتم علي: رجل مكافح صنع أسمه بماء الذهب

كتب: محمد خاطر

قال الفنان السوري جمال سليمان، إن هذا الأسبوع للأسف فقدنا فيه شخصين عظيمين، بوفاة المخرج السوري حاتم علي، والكاتب المصري وحيد حامد، مقدما العزاء لأسرهم ومحبيهم حول العالم، لافتا «حاتم بالنسبة له لم يكن مجرد مخرج عمل معه، بعضا من أفضل أعماله، فقد كان أخ بالنسبة لي واعرفه منذ سنوات طويلة، بالتحديد خلال عام 1975، يعني من حوالي 40 عاما تقريبا، فعرفته منذ ان كنت معيد بالمعهد العالى للفنون مسرحية، ثم عرفته بعد تخرجه كممثل، قبل أن اعرفه كمخرج تشرفت بالعمل عمله»، مؤكدا أن حاتم كان رجل مكافح وصنع أسمه بماء الذهب عبر أعمالا فنية عظيمة قدمها في سوريا ومصر، فقد كان واحد من أهم واعظم الأسماء في صناعة الدراما العربية.

جمال سليمان: الناس قالت كلمتها في مشهد جنازته وكشفت بتحب مين وبتحزن على مين

وأضاف «سليمان»، خلال لقاء عبر zoom، مع برنامج «كلمة أخيرة»، من تقديم الإعلامية لميس الحديدي، والمذاع على شاشة «ON»، اليوم الشعب العربي أجمع كان حزين على حاتم علي، والتعازي جاءت إلينا من كل أنحاء الوطن العربي، بداية من مصر ورموزا بالمغرب العربي والخليج العربي ومن العراق ولبنان ومن كل مكان، بالإضافة إلى وطنا سوريا.

جمال سليمان: كل أعمال حاتم علي كان بيحاول من خلالها ينقل رسالة وقيمة

وتابع الفنان السوري، أنا رأي أن في مشهد جنازته اليوم، الناس قالت كلمتها، وهذا ما حاولت أن أؤكد عليه في نعيه، فالناس بينت اليوم من تنحاز إليه ومن تحبه ومن تحزن عليه، فقد حزنوا كثيرا على المخرج المحترم، الذي قضى حياته في انتقاء الأفكار والموضوعات التي يريد أن ينقلها للناس، «مفيش عمل لحاتم علي مكنشي بيحمل رسالة معينة ولا قيمة فنية معينة.

وكان قد توفى المخرج السوري حاتم علي صباح الثلاثاء الماضي، في القاهرة داخل فندق ماريوت الزمالك، وأكتشف ذلك بعد أن وجدوه عمال الفندق أثناء تنظيف الغرفة متوفى في غرفته، وهو ما استدعى إدارة الفندق للتواصل مع شرطة السياحة من أجل معرفة سبب الوفاة وإنهاء الإجراءات اللازمة لدفنه أو سفر جثمانه.

 

####

 

جمال سليمان: حاتم علي شعر بآلام في صدره قبل يومين من وفاته

كنا سنحتفل بليلة رأس السنة مع كندة علوش وعمرو يوسف

كتب: شريف سليمان ومحمد خاطر

قال الفنان السوري جمال سليمان، إن العالم العربي فقد في هذا الأسبوع شخصين عظيمين، وهما المخرج السوري حاتم علي، والكاتب والسيناريست وحيد حامد، مقدما العزاء لأسرهم ومحبيهم حول العالم، لافتا أن المخرج السوري لم يكن بالنسبة إليه مجرد مخرج عمل معه، لكنه كان أخ بالنسبة لي حيث إنه يعرفه منذ سنوات طويلة، بالتحديد خلال عام 1975، يعني من حوالي 40 عاما تقريبا: "عرفته منذ ان كنت معيد بمعهد العالى للفنون مسرحية، ثم عرفته بعد تخرجه كممثل، قبل أن اعرفه كمخرج تشرفت بالعمل عمله".

حاتم كان مكافحا وصنع اسمه بماء الذهب

وأضاف سليمان، خلال تصريحات عبر تطبيق زووم، مع الإعلامية لميس الحديدي، مقدمة برنامج "كلمة أخيرة"، عبر شاشة "ON"، أن حاتم كان رجل مكافح وصنع أسمه بماء الذهب عبر أعمالا فنية عظيمة قدمها في سوريا ومصر، فقد كان واحد من أهم واعظم الأسماء في صناعة الدراما العربية، لافتًا إلى أن الشعب العربي أجمع كان حزين على حاتم علي.

وتابع: "والتعازي جاءت إلينا من كل أنحاء الوطن العربي، بداية من مصر ورمورا بالمغرب العربي والخليج العربي ومن العراق ولبنان ومن كل مكان، بالإضافة إلى وطننا سوريا، وأنا رأي أن في مشهد جنازته اليوم، الناس قالت كلمتها، وهذا ما حاولت أن أؤكد عليه في نعيه، فالناس بينت اليوم من تنحاز إليه ومن تحبه ومن تحزن عليه، فقد حزنوا كثيرا على المخرج المحترم، الذي قضى حياته في انتقاء الأفكار والموضوعات التي يريد أن ينقلها للناس".

وأردف: "مفيش عمل لحاتم علي مكنشي بيحمل رسالة معينة ولا قيمة فنية معينة، وكنت اتواصل معهم أثناء إقامته بمصر، وكان يحضر لمسلسل يتناول آخر أيام الحكم العثماني للمنطقة العربية، وكان الحديث حول بداية تفتح الوعي القومي العربي ضد العثمانية، وكانا يتناقشا سويًا حول الفترة العثمانية، وتحدث إليّ يوم الإثنين وهنأني ببداية تصوير عملي الفني الجديد، واتفقنا على عقد اجتماع مع بعض الأصدقاء للاحتفال برأس السنة مثل كندة علوش وعمرو يوسف، وكان حديثنا حول أن عام 2020 كان سيئًا للغاية، واتفقنا على الاحتفال".

وواصل: "في اليوم التالي صباحا تحدثت إلى زوجتي واخبرتني أنها ذاهبة للتسوق لشراء الطعام، وجاءني اتصال هاتفي من المنتج محمد مشيش طلب مني المجئ إليه فورًا وقال لي إن حاتم توفى، وكان أكبر مشكلاتنا هي كيفية إبلاغ أصغر بناته بوفاة والدها إذ كانت تزور مصر كل فترة، وكانت والدتها توفت منذ فترة".

وأشار، إلى أن المخرج السوري الراحل لم يكن يعاني من أي متاعب صحية، لكنه أبلغ أحد أصدقائه أن صدره كان يؤلمه قبل يومين من وفاته، ورفض استشارة الطبيب ظنًا منه أن تعرض لدور برد.

 

الوطن المصرية في

03.01.2021

 
 
 
 
 

حاتم على.. رحيل صادم لمخرج الأحلام

كتب شيماء سليم

فى صباح الثلاثاء الماضى 29 ديسمبر، صُدمت الأوساط الفنية العربية، وجمهور الدراما التليفزيونية بالرحيل المفاجئ للمخرج السورى الكبير «حاتم على»، الذى مات على أرض مصر إثر أزمة قلبية وهو فى الثامنة والخمسين من العمر.. «حاتم على» كان من أهم وأكثر المخرجين المُجَددين فى الدراما العربية، السورية أولًا ثم المصرية.

كان ذا بصمة لن تمحى مَهما مَرّ الزمن، فهو من أوائل، إن لم يكن أول، من استعان بكاميرا سينما لتصوير المسلسلات، مُحطمًا بذلك الأساليب القديمة التى كانت تعتمد على التصوير بثلاث كاميرات تليفزيونية وداخل البلاتوهات المغلقة فى أغلب الأحوال.. بينما جاءت أعمال «على» سواء الدرامية أو التاريخية خارج أسوار هذه البلاتوهات وبطريقة أقرب للأفلام السينمائية، مما رفع من شأن الدراما السورية فى سنوات الألفية الأولى وجعلها تتربع على عروش الدراما العربية، وتنافس بشدة الأعمال المصرية التى كادت أن تلفظ أنفاسَها الأخيرة فى تلك الفترة لولا تدخُّل مجموعة من مخرجى السينما المصرية الذين أنقذوها من الانهيار.

فى حياة «حاتم على» الفنية محطات ومراحل انتقالية متعددة، بدأت بعد تخرُّجه فى قسم التمثيل بالمعهد العالى للفنون المسرحية بدمشق عام 1986؛ حيث لم يعمل كثيرًا بالمجال الذى درسه وهو التمثيل؛ وإنما اتجه بسرعة إلى مجال آخر وهو الإخراج. ومنذ الأعمال المبكرة ظهر مدَى اختلاف «على» وخروجه عن السائد؛ حيث كان يقوم بتصوير السّهرات التليفزيونية بطريقة السينما، وهو التوجّه الذى كان غريبًا فى ذاك الوقت- منتصف التسعينيات- إلا أنه يحسب فى تاريخ الدراما التليفزيونية السورية ما فعله ذاك المخرج الشاب آنذاك.

وبَعد أن قدّم «حاتم على» عددًا محدودًا من المسلسلات التى تحمل طابعًا اجتماعيّا، قام بعمل انقلاب جديد على الشاشة السورية، فمع العام الأول فى الألفية الثالثة يقدم «على» أول ملحمة تاريخية على الشاشة الصغيرة وهو مسلسل (الزير سالم) عام 2000، ومسلسل (الناصر صلاح الدين) عام 2001، نجاح العملين فنيّا وجماهيريّا، أحدث انطلاقة لمخرجه فيما بعد وشجعه لتقديم رائعته الخالدة، التى كان من المقرر أن تكون فى أربعة أجزاء تحمل عنوان (الرباعية الأندلسية)، وتحكى قصة الأندلس منذ فتحها إلى سقوطها، إلا أنه لم يُنتج منها إلا ثلاثة أجزاء، وهى (صقر قريش) عام 2002 الذى يحكى سيرة  «عبدالرحمن الداخل» وفتح الأندلس، (ربيع قرطبة) عام  2003، ويحكى سيرة «الحاجب المنصور محمد بن أبى عامر» وعهد «عبدالرحمن الناصر»، ثم (ملوك الطوائف) الذى تم إنتاجه فى عام 2005 ويتناول عصر ملوك الطوائف فى الأندلس. أمّا الجزءُ الرابع فكان من المقرر أن يُعرض فى عام 2007 ويحمل عنوان (سقوط غرناطة)، ويستعرض سقوط غرناطة الذى ارتبط بسقوط الأندلس. وكان «حاتم على» قد أوضح سبب عدم خروج العمل للنور بعدم وجود جهة منتجة.

بداية من عام 2004 أصبح «حاتم على» يتنقل بخفة لا مَثيل لها بين الأعمال التاريخية والاجتماعية، ففى ذلك العام يقدم رائعته (التغريبة الفلسطينية) التى يقدم فيها أهم جزء فى تاريخ فلسطين من الثلاثينيات حتى نكسة 1967. ومع هذا المسلسل التاريخى الضخم يعرض له أيضًا مسلسل (أحلام كبيرة) دراما اجتماعية شديدة العذوبة عن العائلة والبيت والأحلام التى تضيع. وفى عام 2005 عندما أخرج (ملوك الطوائف) التاريخى، قدّم أيضًا (عصى الدمع) دراما تعنى بالعلاقات الإنسانية بين الأسر. وفى 2006 يبتعد «على» مؤقتًا عن الدراما التاريخية ويقدم مسلسلين عن الحب والصداقات، هما: (ندى الأيام) و(على طول الأيام).

فى 2007 يضع «حاتم على» قدمَيه على أرض مصر، ينغرس فيها، ويقدم رائعة (الملك فاروق)، ويستمر منذ ذاك الحين وحتى وفاته دائم العمل بين مصر وسوريا والدول العربية، يقدم مسلسلات داخل وخارج الموسم الرمضانى، أعمال طويلة وقصيرة، تاريخية واجتماعية، أكشن و«فورمات» أجنبى. وفى كل مرّة يثبت أنه مخرج كبير يستحق الثقة التى بناها بمجهود شاق، ليس كمّا فقط؛ وإنما كيفًا أيضًا.

مصرُ التى مات فيها «حاتم على» شهدت آخر أعماله، مسلسل (أهو ده إللى صار)، وكأن هذه الجملة الشامية التى كانت عنوانًا لمسلسل مصرى، لخصت الحياة القصيرة لهذا المخرج الرائع الذى لن ننساه «مَهما صار».<

 

مجلة روز اليوسف في

03.01.2021

 
 
 
 
 

حاتم علي.. التغريبة الأخيرة

محمد نور الدين اللباد

لم يصدمني هذا "الاحتفاء الحزين" برحيل حاتم علي، بقدر ما صدمني رحيلُه نفسه. ولعل كلمة "احتفاء" لا تصلح للحديث عن الغياب، فهيَ إنما تُستخدم للحديث عن الحضور، وهذا مُبرر استخدامها، فبرحيل مُبدع كحاتم علي فإن حضورهُ في الذاكرة الجمعية سيزداد، ذلك أن رحيل المؤثرين عادةً ما يترك خلفهُ عواصفَ لا تهدأ بسهولة.

حاتم علي، ذلك النازح، اللاجئ، رُبما لم يكن يعلم بأنهُ سيكون ابنًا لثلاث تغريبات، تغريبتهُ الأولى الجولانية بعد هزيمة حزيران 67، وهيَّ التي تشكل امتدادًا لتغريبة الفلسطينيين باعتبارهم ضحايا لعدوٍ واحد، (إسرائيل والحاكم العربي المستبد) وأخيرًا تغريبته السورية، وهي التغريبة الأكثر قسوةً وعُمقًا.. التغريبة التي تستحق إذا ما انتهت بالموت أن توصف بالأبدية.

لا أبالغ إذا تجرأتُ على تصنيفهِ ضمن قائمة طويلة من المبدعين السوريين إلى جانب نزار قباني ومحمد الماغوط وسعد الله ونوس وغيرهم الكثير من الأسماء التي تركت بصمتها وتأثيرها في التاريخ والفن والثقافة والقيم والأخلاق على حدٍ سواء.

حاتم علي، الذي خرج من الفقر والحياة في هوامش العاصمة وعشوائياتها، كدح منذ البداية وعمل بجدٍ وتفانٍ على تقديم مشروع فني جاد، مُتكامل، وحامل لقضايا الأمة والمُجتمع.

استطاع حاتم علي أن يترك انطباعاً إيجابياً لدى عموم السوريين والعرب، حيث اقترن الحكم المُسبق على أي عمل من إخراجه بالنجاح والانتشار والقبول

جمع شتات القضية الفلسطينية وأعلن ولادتها في الوعي مجددًا، من خلال العمل الملحمي الخالد "التغريبة الفلسطينية" وجمع شتات التاريخ من خلال ثلاثية الأندلس (صقر قريش - ربيع قرطبة - ملوك الطوائف) بالتعاون مع السيناريست اللامع وليد سيف.

أعاد إحياء التراث الشفهي وحولهُ بتوليفة إبداعية تشاركية إلى واحد من أهم المسلسلات التاريخية العربية وهو "الزير سالم"، ووضع المشاهد العربي أمام خلاصة الإبداع من خلال الإضاءة على السيرة العطرة للخليفة عمر بن الخطاب في العمل الدرامي الضخم "عُمَرْ".

كما عالجت أعمالهُ الاجتماعية قضايا لا تعد ولا تحصى في المجتمع السوري، لا سيما مسلسل  "الفصول الأربعة" بجزئيه، والذي بات مرجعًا لحياة السوريين الذين أفقدتهم المأساة ذلك الحب وتلك الحميمية التي تفيض من مشاهد هذا العمل.

استطاع حاتم علي أن يترك انطباعًا إيجابيًا لدى عموم السوريين والعرب، حيث اقترن الحكم المُسبق على أي عمل من إخراجه بالنجاح والانتشار والقبول.

لقد خلف رحيلهُ المفاجئ كثيرًا من التساؤلات، فمن يا ترى لديه القدرة على سرد الرواية الأهم، والأكثر تراجيدية في هذا الزمن، وهي رواية الُحلم والوجع السوري. من يستطيع أن يوثق ذاكرة الثورة، والدم، والقمع، والاعتقال، والموت تعذيبًا وسجنًا؟ من سيوثق ذاكرة الحرب والدمار، ذاكرة المدافع والطائرات والبراميل المتفجرة؟ من سيروي قصة التغريبة السورية، قصة الشتات والتمزق والرحيل إلى أقاصي الدُنيا بحثًا عن حياة؟

ها هو حاتم علي بعد منفاه الكندي البارد، يرحل وحيدًا، غريبًا على مقربةٍ من منفاه الأول الدافئ، دمشق التي سيوارى ثراها، قبل أن يجيب عن تساؤلاتنا المريرة هذه. لا بد أنه كان أحد أهم مكتسبات الحركة الفنية السورية، وبرحيله خسرت سورية أحد أهم أعمدتها الفنية والإبداعية.

 

####

 

السياسة والفن في سورية

فاطمة ياسين

الأمد الطويل الذي استغرقته الحرب في سورية أجبر الأطراف على التمترس وراء استحكاماتها الخاصة، فأبرزت أسلحتها الأيديولوجية والعسكرية، والفنية أيضا.. سقط النظام أخلاقيا منذ فترة طويلة، منذ اللحظة الأولى، حين استسهل إطلاق النار على المدنيين، وسجّل خلال العقد الأخير أسوأ أخلاقٍ حربيةٍ عرفها النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، حين استخدم الأسلحة الكيميائية من دون تردد وعلى نطاق واسع، ولكن الحماية التي تمتّع بها أبقته، حتى اللحظة، بمنأى عن ملاحقة قضائية حقيقية أو محاسبة جدّية، وبقيت بين يديه أدواته التي استخدمها في القبض على السلطة وصناعة الحلفاء المدافعين عنه، وهو يتحكّم الآن في نصف الشعب السوري المقيم في مناطقه ولم يجد سبيلا للخروج.. يقف السوريون هناك في طوابير الخبز والغاز ساعاتٍ طويلة في انتظار معجزةٍ ما، وبعضهم ينصاع للانضمام إلى الجيش، وللبقاء على مقربةٍ من هؤلاء، يستخدم النظام مادةً نظرية يسوقها عبر إعلامه، وقد تكون إحدى أسلحته المهمة الدراما والمسلسلات التلفزيونية، وبنيتها التحتية من ممثلين وكتاب ومخرجين.

منذ بداية الانتفاضة الشعبية في سورية، تنبّه النظام إلى الدراما، وكانت قد وصلت مع نهاية العام 2010 إلى مكانةٍ عربية رفيعة، ولاقى المسلسل السوري رواجا جعل نجومه شخصياتٍ عربيةً معروفة ومطلوبة، لذلك كان النظام يستدعي ما تيسّر منهم للقاء بشار الأسد شخصيا، وعَقد لقاءً معهم في مايو/ أيار 2011، أي بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة، وكان الموقف الشعبي من حضور الفنانين للقاء لا يقبل التقسيم على اثنين، والمسافة شاسعةٌ بين الشعار الذي طرحته الشوارع الغاضبة والرد الذي تبناه النظام وحافظ عليه، فارتسم خط أخلاقي من الممكن لمخترقه أن ينتقل من حال إلى حال مختلفة. صرّح ممثلون، من الصف الأول، وجاهروا بمناصرة النظام بقوة، وبالوقوف وراءه، ودعم كل أساليبه، وظلوا "مخلصين" له. لم يمر هذا الموقف بشكل مجاني، فتضرّرت الدراما السورية بمجملها وبدأ الكتّاب يجدون لأنفسهم ورشاتٍ كتابيةً جماعية يختفون فيها، فيما صار الممثلون أيضا يندسّون في المسلسلات المشتركة التي عرفت بـ "بان أراب"، وفقدت الدراما السورية سمتها وعلامتها المميزة، ولعبت الحرب ومواقف الفنانين منها دورا أساسيا في هذا الواقع.

في أوساط الجمهور السوري، وهو صاحب الرأي الأهم في الدراما ونجومها، لم تعد الموهبة والحضور والخبرة أساساتٍ وحيدة لتقييم الفنان، فالثورة أعطت وسائل قياس جديدة، وهي مدى توافق الفنان مع الثورة ومدى قوة موقفه من النظام. وبالانقسام العمودي في الشارع السوري، أصبح مستوى أداء الفنان ينال علامة الصفر من جانب، والعلامة الكاملة من الجانب الآخر. وبهذا التقسيم، فقد ممثلو الصف الأول بعضا من نجوميتهم وتأثيرهم، وتضاءل التقدير لما قدموه للدراما بسبب موقفهم المنافي لجوهر المهنة التي يعملون فيها.

استمرّ الشرخ عميقا وطويلا، إلى أن جاء نعي المخرج حاتم علي قبل أيام، فشاهدنا إجماعا شعبيا جارفا بين السوريين، على اختلاف مواقفهم، وبدا الحزن والصدمة حقيقةً عاشها الجميع بموت هذا المخرج، وتسابقت المواقع لوضع نبذة عن تاريخه وفنه وأعماله.. ما لبثت الموجة بعد يومين أن هدأت، ليبدأ طرح الأسئلة التقليدية عن مكان حاتم علي وأين يمكن وضعه! ذهب النعش إلى دمشق في مقصورة الأمتعة من دون أن تكلف نقابة الفنانين السوريين نفسها لتُصدر نعياً قصيراً لهذا المخرج المتميز، فقد تذكّرت أنها فصلته من عضويتها منذ سنوات. وبعد أن فصلته أخرج حاتم علي "العراب"، في جزءين، ليشير بوضوح إلى مكان الفساد ومصدره في سورية. ولهذا، يمكن بالطبع توقع سبب امتناع النقابة السورية عن نعيه. وعلى الرغم من أننا ما زلنا نتابع محاولات الفنانين السوريين المستمرّة للبقاء على مسافة أقرب إلى النظام في سبيل كسب العيش، لكنهم بالتأكيد يخسرون معركة حاتم علي، ويفقدون نقاطاً أخلاقية في كل مناسبة.

 

العربي الجديد اللندنية في

03.01.2021

 
 
 
 
 

حاتم علي ... في ظل المراثي

وليد سيف

لا أميل، بطبعي، إلى كتابة المراثي، حتى فيمن جمعتني بهم صداقةٌ حميمةٌ أو شراكةٌ مثمرة، أو كلتاهما.
ينعقد اللسان أمام صدمة الموت المباغت، لا سيما ذاك الذي لا تمهّد له نذر المرض أو التقدّم في السن. وقد يحتاج بعضنا إلى وقتٍ حتى يستقرّ النبأ العظيم في أغوار النفس. وينحسر الإنكار المؤقت، ونتخاشع أمام سلطة الموت القاهرة. وإذ يستقرّ الفقيد في مرقده الأخير ينبعث طيفُه في ملكوت الذاكرة، ويتوالى شريط الصور أكثر توهّجا وأعمق أثرا من واقعٍ كنا نأخذه في الأمور المسلّم بها؛ تلك التي تتزاحم في معترك الحياة وشجونها وشؤونها، فتنقلب بين التقدّم في حيز النظر، وبين التراجع المؤقت إلى الخلفية الغائمة. فالآن تحضر الصورة ملء الإطار، إذ يغيب صاحبها، فالمعاني تتعيّن في المفارقات المتقابلة، فلا معنى للحضور إلا بالتقابل مع الغياب، ولا معنى للغياب إلا بالتقابل مع الحضور. وكذلك الموت والحياة.
نعم، إن فاجعة الفقد أوسع من العبارة. وأكثر ما يقلقني من هذا التحدّي أن يجد كاتب المراثي نفسه مضطّرا إلى الكدح البلاغي ومراودة الشعر العصيّ، فينشغل عن موضوعه بأسلوبه، وعن فقيده بلغته، وعن المرثيِّ برثائه. وبدلا من أن يتقدّم الراحل في وعيه ووجدانه ومخيلته، يتقدّم القارئ
!

أبلغ ما ينعى به مبدعٌ كبيرٌ مثل حاتم علي هو استدعاء آثاره الباقية. وهي على كل حال حاضرةٌ حيةٌ مذكورةٌ بلا تذكرة

ولذا فإن أبلغ ما ينعى به مبدعٌ كبيرٌ مثل حاتم علي هو استدعاء آثاره الباقية. وهي على كل حال حاضرةٌ حيةٌ مذكورةٌ بلا تذكرة. إلا أنها تبقى طريقةً للاحتفاء والتكريم. وأي شهادةٍ يمكن أن تزيد على تلك الآثار، وهي التي صنعت أو صنع بها اسمَه وصورتَه وهويته التي يتعرّف بها عند جمهوره العربي. وليس وراء ذلك إلا حديث الذكريات الخاصة والكلام على المزاج والشخصية والطبائع. وهي أمورٌ يتعرّف بها كل إنسان، ولا تميّز بالضرورة مبدعا عن غيره. وليس من شأنها أن تزيد في تقديره وإبداعه، ولا ينبغي لها أن تنتقص منه. فالمنجز الإبداعي هو الهوية التي ينماز بها. وربَّ بائعٍ متجوّلٍ يملك من الصفات الإنسانية الجميلة ما يلزمنا التواضع أمامها. ومع ذلك فلن يغادر عربته إلى كتب السير، إلا أن يحوّله أحد المبدعين إلى شخصيةٍ سرديةٍ تحيل إلى دراما الحياة والشرط الإنساني من دون تعيينٍ للأصل المفرد الذي ما زال يتجوّل في الطرقات يسعى في رزق عياله، ولا يعلم أن كاتبا ما قد استلهمه، وحقّق به ما لا يستطيع أن يحقق بعضه لنفسه.
هكذا كان حاتم علي يختفي وراء الكاميرا ليصوّر غيره. وكذلك حال الراوي في الأعمال السردية المكتوبة والبصرية، لا تسمع صوته ولا ترى وجهه وهو يقصّ عليك، حتى يكتمل السرد. فإن خلّف في نفسك أثرا عميقا باقيا، ذكرتَ أنه صناعة الراوي المستتر، فتعرفه بأثره، وأن ما قصّه عليك هو شهادته وخياله وعالمه وهويته ورسالته وبعض من ذاته
.

الشراكة الإبداعية لا تنهض بالتطابق، ولا ينبغي لها أن تكون. ولكنها تتقوّم بالتفاهم والتكامل والاحترام المتبادل والنزاهة وتوقّي نزعة الاستحواذ

يسألونك عن الشراكة في صناعة الدراما، ولا سيما تلك التي تكون بين الكاتب والمخرج. والكلام فيها طويلٌ واسع المضطرب. وقد فصّلت جوانب منها في فصلٍ خاص من كتاب سيرتي الذاتية والفكرية "الشاهد المشهود". وحسبي هنا أن أقول إن الشراكة الإبداعية لا تنهض بالتطابق، ولا ينبغي لها أن تكون. ولكنها تتقوّم بالتفاهم والتكامل والاحترام المتبادل والنزاهة وتوقّي نزعة الاستحواذ، ثم التلاقي على جوامع الحق والعدل والقيم الإنسانية والجمالية العابرة للهويات الإيديولوجية. وتلك على أي حالٍ من مقومات الأعمال الإبداعية الفائقة التي تنطلق من الخاص الظرفي إلى الأفق الإنساني وأسئلته القلقة وشروطه الوجودية وأشواقه وأحلامه ومخاوفه وصراعاته وانتصاراته وهزائمه، ومواطن قوته وضعفه. فإذا توسّلت خطابا وعظيا أو إيديولوجيا مباشرا، جنَت على قيمتها الفنية ورسالتها الإنسانية معا. وإلا ما الذي يجعل الأدب والفن العظيمين إرثا إنسانيا عابرا للمجتمعات والثقافات، مهما تكن هوية منتجه، ومهما يكن سياق أحداثه، ومهما تكن لغته الأصلية؟! على هذا تترجم الأعمال الإبداعية العالمية ليستقبلها الناس في مجتمعاتٍ وثقافاتٍ مختلفة. وحسبي كذلك أن أقول، في سياق العلاقة بين النص والإخراج، ما كرّرته في غير مناسبة، وأوردته في "الشاهد المشهود": إن النص الضعيف لا يستطيع إنقاذه مخرجٌ حاذقٌ مهما تكن موهبته. وفي المقابل، فإن الإخراج الهزيل يمكن أن يهبط بالنص الممتاز مهما يكن مستوى تميزه. فإذا اجتمع النص القوي مع الإخراج الفائق بلغ العمل غايته.

قولوا في نعي المبدع ما يستحقّ وما تفيض به نفوسكم من الحب والتقدير، ولكن لا تعلنوا نهاية تاريخ الإبداع بنهايته، ولا تنعوا المستقبل بنعيه

تلك بعض التأملات التي بعثتها في نفسي وفاة الصديق والشريك حاتم علي. وأخيرا، اسمحوا لي أن أنطق عن نفسي وعن حاتم علي، فأقول: قولوا في نعي المبدع ما يستحقّ وما تفيض به نفوسكم من الحب والتقدير، ولكن لا تعلنوا نهاية تاريخ الإبداع بنهايته، ولا تنعوا المستقبل بنعيه، فللحياة طرقها في التجدّد. وإنما يبقى إرث المبدعين في ورثتهم، كما تتولّد النصوص من النصوص، ويحرّض الإبداع على الإبداع. أما هذه الآفة الثقافية العربية في الانجراف إلى حديث النهايات فهي اغتيالٌ للمستقبل ومعه الماضي الذي يحيا فيه، وهو، فوق ذلك، خذلانٌ لرسالة المبدعين التي هي تحريضٌ من أجل حياةٍ أكثر نبلا وشجاعةً ووعيا وجمالا، وليست دعوة إلى اليأس والموت وانتحار الأحلام.

حاتم علي ... شكرا، ووداعا.

 

####

 

أحلام حاتم علي المؤجلة: من سيروي "سقوط غرناطة"؟

عماد كركص

رحل المخرج السوري حاتم علي، تاركاً إرثاً كبيراً ونوعياً في رصيد الدراما السورية والعربية. فقلما كانت أعماله محط النقد القاسي. عرف الراحل كيف يختار المواضيع التي يعالجها، فوثق للتاريخ، وذكّر بالمعاناة، وأبدع في وضع أسس جديدة للدراما الاجتماعية، ما جعله يترك بصمة، ليس لاسمه وحسب، وإنما للدراما العربية، ستبقى دليلاً على مرحلة من الإبداع.

بيد أنه كان في جعبة الراحل، الكثير ليقدمه في عالم الدراما، إذ وضعت وفاته في القاهرة التي قصدها قادماً من كندا مكان إقامته، حداً لمشاريعه المختلفة، منها عمل درامي ضخم في مصر، وفيلم سينمائي، في حين كان حلمه أن يكمل الثلاثية الأندلسية بجزء آخر، لتحقيق الرباعية، غير أن الموت سبقه.

"السفر برلك

كانت مواقع فنية، لبنانية وسورية، تحدثت بداية العام المنصرم عن توقيع حاتم علي مع شركة "أيغل فيلمز" لبدء العمل على مسلسل درامي ضخم يتناول الوجود العثماني في البلاد العربية. وأطلق على العمل اسم مبدئي هو "السفر برلك"، وهو النفير العام الذي صدر بأمر سلطاني عثماني عام 1914 عند دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى. في حين قالت مواقع أخرى أن الشركة المنتجة للمسلسل هي "جينوميديا" الإماراتية، بالاشتراك مع mbc اللتين أنتجتا مسلسل "ممالك النار" وتناول الحقبة العثمانية كذلك.  

ونقلت وسائل إعلام عن عمرو علي، نجل الراحل حاتم علي، بأن والده كان في القاهرة للاستعداد لتصوير المسلسل، الذي كان من المفترض أن يصوّر بعدة دول منها مصر والسعودية وسورية ولبنان، على أن يتصدى علي لإخراج المشاهد في كل من مصر والسعودية، في حين سيتولى المخرج الليث حجو إخراج المشاهد في كل من لبنان وسورية.  

وسيبقى هذا العمل، رهن ما ستحمله الأيام من أخبار، بإكماله مع الليث حجو منفرداً، أو توقف تصويره مجدداً بعدما كان انتشار فيروس كورونا أجل انطلاق تصويره بداية العام الماضي.  

"الزير سالم

قبل عشرين عاماً أخرج حاتم علي مسلسل "الزير سالم"، الذي تناول ملحمة حرب البسوس التاريخية، ولقي المسلسل حينها تفاعلاً قل نظيره، فحصد عدداً من الجوائز وحظي بمتابعة كبيرة، إلا أن المخرج الراحل كان له حلم تجديد سيرة تلك الملحمة عبر فيلم سينمائي، بدئ بالعمل عليه عند عودته لمصر قبل أشهر قليلة.  

وقبل وفاته بأسابيع قليلة، قال حاتم علي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن النص سيكون بالشراكة بينه وبين الكاتب والمخرج المسرحي زياد عدوان، وهو نجل كاتب مسلسل الزير، الكاتب والروائي والشاعر السوري ممدوح عدوان الذي توفي بعد إنتاج المسلسل بأربعة أعوام، عام 2004، مشيراً، حينها، إلى أنه ما زال في مرحلة الكتابة بالشراكة مع زياد عدوان، وبالتالي المشروع حالياً يطبخ على نار هادئة، بحسبه، وأضاف في حديثه عن العمل: "بما أننا لا نزال في مرحلة النص، فهذا يعني أننا لم ندخل حتى بمرحلة التحضير ولو بشكل أولي". وأشار حاتم علي في حديثه الأخير لـ"العربي الجديد" عن الفيلم، إلى أنه لا يزال يحن لشراكاته في الزمن الذهبي للمسلسل، ولفت أيضاً إلى أنه سيكون سعيداً لو استطاع جمع فريق المسلسل ثانية في الفيلم إلى جانب جمال سليمان، وتيم حسن، وباسل وخياط وآخرين كثر.  

أراد تحويل مسلسل "الزير سالم" الشهير إلى فيلم سينمائي

الرباعية الأندلسية 

ليس من المبالغة القول، إن حضور سيرة الأندلس في العقدين الأخيرين، بات يرتبط بحضور اسم حاتم علي معها، إذ تعد الثلاثية الأندلسية، "صقر قريش"، و"ربيع قرطبة"، و"ملوك الطوائف"، من أفضل إنجازات المخرج السوري الراحل، ليس على الصعيد الفني وحسب، وإنما باستحضار التاريخ وتوثيقه بالشراكة مع الكاتب الكبير وليد سيف. وكان علي يحلم باستكمال الثلاثية وإيصالها للرباعية، بجزء رابع يحمل اسم "سقوط غرناطة"، إلا أن هذا العمل لم يكتب له الظهور.

 

العربي الجديد اللندنية في

04.01.2021

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004