ملفات خاصة

 
 
 

مخرج فيلم «ستاشر» الحائز على السعفة الذهبية بمهرجان «كان»:

السينما المصرية وصلت للعالمية بشبابها

أحمد سعد الدين

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الثانية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

·        السينما القصيرة مظلومة ولا يراها إلا جمهور «المهرجانات»

·        لم أتوقع إقبال جمهور مهرجان القاهرة السينمائى على الفيلم

·        صورت الفيلم فى أماكنه الطبيعية حتى أحصل على المصداقية الكاملة

·        شعرت بالذهول لحظة سماع النتيجة

·        الأرقام فى الأفلام لها دلالات على الشريحة العمرية لأبطالها

على هامش الدورة الثانية والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، التى انتهت فاعلياتها قبل أيام، عرض فيلم " ستاشر " الحائز على السعفة الذهبية من مهرجان "كان" فى دورته الأخيرة والذى تدور أحداثه حول شخصية الشاب "آدم" الذي انقطعت كل السبل إلى حبيبته لفترة طويلة، فيقرر خوض أصعب الطرق حتى يتمكن من العودة والوصول إليها.

وعقب عرض الفيلم وتحقيقه لنجاح جماهيري ونقدي، التقت «الأهرام العربي» مخرج الفيلم سامح علاء الذى صنع إنجازا عالميا جديدا للسينما المصرية، وكان لنا معه الحوار التالى:

·        كيف وجدت رد فعل الجمهور تجاه فيلم " ستاشر " بعد عرضه فى مهرجان القاهرة السينمائى؟

منذ أن تم اعلان عرض الفيلم فى مهرجان القاهرة وأنا أتلقى اتصالات من كل الناس التى تتوق شوقاً لمشاهدة الفيلم، ومنذ اليوم الأول لبدء الدورة والإقبال على حجز التذاكر فى أعلى معدلاته بالنسبة للفيلم لدرجة أن هناك الكثيرين الذين لم يجدوا تذاكر، وهو ما يعكس شغف الجمهور بالفيلم، وقد انعكس ذلك عند وقت العرض حيث كانت صالة العرض لا يوجد بها "كرسى فاضى"، والجميع صفق فى النهاية، وهو ما أكد لى أن الفيلم قد وصل للمشاهد بشكل جيد.

·        قدمت من قبل فيلم بعنوان "خم ستاشر " ثم فيلم " ستاشر ".. ما دلالة الأرقام بالنسبة لك؟

أنا فى الأصل أحب كتابة القصص، وكتبت مجموعة منها "خم ستاشر " ثم " ستاشر "، هى قصص مكملة لبعضها البعض تحكى تناقش مراحل عمرية مختلفة يربط بينهما نفس العالم، لكن كل قصة مختلفة عن الأخرى، لذلك فضلت أن تخرج بالمدى العمري حتى يكون هناك تتابع، لكن من شاهد فيلم خم ستاشر ، الذى عرض منذ ثلاث سنوات يجده يناقش مشكلة مختلفة عن فيلم ستاشر رغم وجود الأبطال فى إحدى المناطق الشعبية.

·        هل صورت الفيلم فى مناطق شعبية طبيعية أم كان ديكورًا؟

منذ أن بدأت مشروع الفيلم والفكرة رأسى على أساس التصوير فى الأماكن الطبيعية، لأنها تعطى المصداقية للعمل، وبالفعل عاينت أماكن التصوير واخترتها بعناية نظرا لأنى أعرف تلك الأماكن منذ صغري، وهناك مميزات كبرى لشباب المناطق الشعبية، فما إن شاهدوا الكاميرا وعلموا بقصة العمل، حتى كانوا عنصرا مساعدا فى اللوكيشن، ولم أجد أى صعوبة أثناء التصوير، وقد انعكس ذلك على الشاشة بشكل كبير.

·        ما هي كواليس التحضير للفيلم واختيار أبطال العمل؟

استغرق التحضير للعمل قرابة ثلاث سنوات على مستوى السيناريو وتطوير الفكرة، وبالتأكيد كانت هناك عثرات إنتاجية، لأننا فى بداية الطريق، ولا أحد يريد أن يغامر بأمواله، وفى التحضيرات الأخيرة كنت أبحث عن بطل يجسد شخصية "آدم"، وكنا نتعامل مع شركة تقوم بعمل الكاستيج وبالفعل عرضوا على بعض الصور، لكنى توقفت عند إحدى الصور، حيث شعرت بأن صاحب الصورة هو بطل الذي تخيلته أثناء الكتابة، وبالفعل قابلته "سيف حميدة" ودار بيننا حديث قصير، تأكدت خلاله أن هذا هو الشخص المناسب لأداء الشخصية، وبدأنا العمل.

·        هل توقعت الفوز بالسعفة الذهبية من مهرجان "كان"؟

لو سألت أى مخرج سواء للأفلام القصيرة أم الطويلة ما أقصى أحلامك؟ ستجد الإجابة أن يشارك فيلمه فى مهرجان "كان"، وقد كان حلمى أن يشارك فيلمى فى المهرجان، وهذا فى حد ذاته نجاح كبير بالنسبة لى، لكن الفوز بالسعفة الذهبية فأعتقد أنه كان ضربا من الجنون، خصوصا أننا نتحدث عن أهم مهرجان عالمى، وتأتى له أعمال من جميع أنحاء العالم، ويشارك به مخرجون لهم تاريخ طويل وخبرة كبيرة، لذلك كنت أتمنى، لكن لم أكن أتصور، أن أفوز بها، خصوصا أن معظم من فازوا بها كانوا فى مرحلة عمرية متقدمة، وأنا ما زلت فى بداية المشوار، رغم أنه قبل مهرجان "كان" بفترة قليلة شارك الفيلم فى مهرجان موسكو، وحصد جائزة أفضل فيلم قصير، كما حصل على تنويه خاص من مهرجان نامور البلجيكى.

·        كيف كان شعورك عندما علمت بفوزك بالسعفة الذهبية؟

لا أستطيع التعبير عن تلك اللحظة التى كنت فيها فى قمة الفرح، كنت أشعر بأننى فى حلم جميل لا أريد الاستيقاظ منه أبدا، شعور بالسعادة والذهول لم أشعر به من قبل، لكن وقفت للحظات أفكر وأسأل نفسى هل ما سمعته حقيقى؟ لكن الحمد لله تأكدت أنه حقيقي، وبعد أن نزلت من المسرح اتصلت بوالدى، ولا أذكر ما قلته، لأنى كنت أتحدث بإسهاب ومشاعر غريبة، ثم بعدها كانت فرحتى كبيرة بعدما وجدت جميع المواقع تكتب الخبر، شعرت بأن الناس سعداء بصدق، إنها لحظة لن تُمحى من الذاكرة أبدا.

·        هل نجاحك فى الحصول على السعفة الذهبية يجعلك تفكر فى دخول عالم السينما الروائية الطويلة؟

أنا مخرج أولاً وأخيرا، والمخرج يقدم رسالة عن طريق وسيط بصرى قد يكون فيلما قصيرا أو طويلا، الأهم من كل ذلك هو الموضوع الذى أقدمه هل يصلح للسينما القصيرة أم الطويلة؟ هذا هو الأهم بالنسبة لى، وأيضا أرى أن الأفلام القصير لها شكل سينمائى خاص بها مثل اختلاف القصة القصيرة عن الرواية، فهناك أدباء يكتبون هذا وذاك، أنا لا أريد أن أتوقف عند الأفلام القصيرة، لكننى أمارس السينما بشكل عام، فحاليا أكتب أفلاما قصيرة جديدة، كما أكتب أيضا فيلما روائيا طويلا، الأهم بالنسبة لي هو الموضوع الذى أقدمه.

·        بعد فوزك بذهبية "كان" كيف ترى السينما المصرية على الخريطة العالمية؟

أعترض على هذا السؤال لسبب بسيط، هو أن السينما المصرية موجودة فى المحافل الدولية منذ سنوات طويلة، عن طريق مخرجين كبار مثل صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وشادى عبد السلام، وفى السنوات العشر الأخيرة لدينا مخرجون قدموا العديد من الأعمال الناجحة، التى عرضت داخل المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" منهم المخرج يسرى نصر الله، وهو اسم معروف فى الخارج، ومنذ عامين قدم أبو بكر شوقى فيلما نال احترام صناع السينما العالميين، وهذا العام كان هناك فيلم بعنوان "سعاد" للمخرجة آيتن أمين داخل المسابقة الدولية، ولا ننسى العديد من المخرجين الذين شاركت أفلامهم فى مهرجانات برلين وفينيسيا وتورنتو وغيرهم، إذن هناك جيل جديد استطاع أن يقدم أعمالاً جيدة وهو موجود بقوة على الساحة العالمية.

·        هل سيعرض فيلم " ستاشر " فى دور العرض السينمائي خلال الفترة المقبلة؟

الفيلم عرض خلال فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى أخيرا، لكن للأسف السينما القصيرة مظلومة بشكل كبير، حيث لا تعرض دور العرض السينمائى هذه النوعية من الأفلام، أعتقد أن هناك عروضا خاصة فى مناسبات عديدة سوف تعرض الفيلم.

·        ما الجديد لديك فى الفترة المقبلة؟

أعمل حاليا على فيلم روائى قصير بعنوان "تمنتاشر"، وهو يعد مكملا للسلسلة التى بدأتها منذ فترة، وقد نال المشروع الدعم المالى من مهرجان القاهرة هذا الأسبوع، أتمنى أن يكتمل منتصف 2021، ثم بعد ذلك لدى مشروع لفيلم روائى طويل سوف نعمل عليه.

 

بوابة الأهرام المصرية في

19.12.2020

 
 
 
 
 

"غزة مونامور": عنها وبدون الكثير منها

شادي لويس

يتفادى الفيلم الخطابات النضالية، بنفس قدر بعده عن السرديات البؤسوية والبيانات السياسية المباشرة.

يحيلنا عنوان الفيلم الفلسطيني "غزة مونامور" (2020)، بالضرورة إلى "هيروشيما مونامور" (1959) للفرنسي آلان رينيه. التناص يتخطى العنوان، إلى إيماءة توحي بعلاقة أسلوبية ونظام متقارب للمعنى بين الفيلمين. الدراما البسيطة للحياة اليومية وقصص الحب، تعيش داخل المأساة وتتجاوزها، في هيروشيما الكارثة النووية وكذا في غزة الحصار. المشهد الافتتاحي من "غزة مونامور"، يحيل إلى فيلم آخر غير محدد، يجلس أفراد الأمن الحمساويين يشاهدون فيلم أكشن غربي، زخات اطلاق النار التي نسمعها في البداية تصدر من التلفاز.

الفيلم الذي سيمثل فلسطين في دورة الأوسكار القادمة، تدور أحداثه في غزة، لكن يتخلله كولاج لمقاطع من أفلام مصرية من عقد السبعينات ومسلسلات تركية حديثة مدبلجة، مع بعض الأغاني الإسبانية والمصرية، وموسيقى أوبرا إيطالية من منتصف القرن التاسع عشر. كل هذا يشير إلى الطبيعة الهجينة للنص السينمائي، ولصناعته أيضاً، فموازنة الفيلم تأتي من إنتاج فلسطيني- فرنسي- ألماني- برتغالي- قطري مشترك. ترتبط غزة بهيروشيما، كما أنها وعلى الرغم من الحصار الطويل، يربطها شيء ما بكل تلك الأماكن، القريب منها والبعيد، ويتقاطع حاضرها مع العديد من الأزمنة المتعايشة معاً. تلك الألفة المهجنة مقصودة بالطبع من صناع الفيلم، ومفروضة عليهم أيضاً بلا شك. الفيلم عن غزة، لكنه صُوّر بين الأردن والبرتغال، فالدخول إلى القطاع والعمل داخله يكاد أن يكون مستحيلاً. التصميمات الخارجية التي أشرف عليها مخرجا الفيلم، عرب وطرزان ناصر، تحاكي شوارع مخيم الشاطئ، لكن تظل إمكانية عرض الفيلم في القطاع غير واردة، فلا توجد قاعات للسينما في غزة. ولطالما أشار صناع الأفلام من القطاع إلى هذه الحقيقة/المفارقة، بل وإلى أن بعضهم لم تتح له فرصة حضور عرض في قاعة سينما حقيقية على الإطلاق.

 

يتقاطع في "غزة مونامور" خطان للأحداث، الأول قصة حب الصياد الستيني عيسى، لجارته في السوق، سهام، المرأة الستينية أيضاً والتي تعمل في محل تفصيل ملابس. فيما يتتبع الخط الثاني، اكتشاف تمثال آثري للأله أبولو غارقاً قبالة شاطئ غزة. يتفادى الفيلم الخطابات النضالية، بقدر بعده عن السرديات البؤسوية والبيانات السياسية المباشرة. يخدم الخط الأول أنسنة الوضع في غزة، بمزيج من كوميديا خفيفة وذكية، ويبدو خيار قصة حب الستينية مناسبة تماماً لأجل ذلك الغرض. فالتشبع بصورة الفلسطيني الضحية، كما أسبغت على الفلسطينيين إنسانية ناقصة ومبتورة، فهي أيضا من فرط تكرارها فقدت تأثيرها المحرض على التعاطف، بل ربما اكتسبت أثراً عكسيا منفراً، أو لامبالياً في أفضل الأحوال. يركز الخط الثاني على نقد الوضع الفلسطيني الداخلي، وبالأخص سلطة حماس في غزة، فالمفارقات التي يثيرها اكتشاف التمثال العاري وقضيبه المنتصب- وهي قصة حقيقية وقعت في العام 2014- يكشف عن التوتر داخل القطاع، الشد والجذب بين الضابط واختصاصي المتحف، والاحتكاك الخشن بين الأمن والمواطن، والعلاقة المتنافرة بين تفسيرات بعينها للإسلام وتواريخ وهويات فلسطينية أقدم، وكذا المقارنة الضمنية بين صواريخ وبروباغندا حماس وقضيب التمثال المكسور

الكوميديا الاجتماعية الخفيفة لأبطال سن المعاش، التي يعود الفضل في توسع قاعدة جماهيريتها إلى هوليوود، بالإضافة إلى تيمات نقد الإسلام الأصولي، والتابوه الجنسي المكبوت، مع السخرية من السلطوية السياسية. يبدو تيماته خليطاً جذاباً ومناسباً للمهرجانات الدولية ولجمهور السينما الفنية في الغرب، ويوافق التوقعات من فيلم بإنتاج مشترك من المنطقة أو عنها. لكن تلك الجاذبية، مع قدرتها على  تقديم الفلسطيني في صورة الإنسان ثلاثي الأبعاد، لا البطل ولا الضحية، فإنها أغفلت جوانب جوهرية من السياق، لأسباب يمكن تفهمها بالطبع، لكنه تنتهي إلى طرح تصور مسطح بل وربما مضلل أيضاً.

يبدو أثر الحصار واضحاً معظم الوقت، الظلام الطويل بسبب وتيرة انقطاع التيار الكهربائي، الصعوبات الاقتصادية، حركة البيع والشراء البطيئة والأجور المتدنية، لكن كل تلك الصعوبات يمكن تصورها في أماكن أخرى، ولا تعبّر بالضرورة عن خصوصية الوضع في غزة، أو بالأحرى استثنائية. الإشارات إلى إسرائيل تظل قائمة لكن ضمنية معظم الوقت، طائرة صغيرة محلقة من بعيد في الأعلى بلا صوت، قصف وحيد نسمع انفجاراته ونرى ضوءاً في الأفق للحظة، حدود الحصار البحرية التي لا يمكن تعديها. يقع أثر هذا كله في الفيلم وكأنه صوت خافت ومتقطع لضوضاء خلفية للأحداث يمكن تجاهلها.. غزة كمدينة نمطية في دولة من دول الجنوب، يعاني سكانها الخليط المعتاد من فساد سياسي وأوضاع اقتصادية غير مواتية، مع فلاشات انفجارات نادرة تبرق أحياناً عن بعد، وقصص حب لطيفة يتخللها الكثير من الكوميديا لتخفيف أي شعور بعدم الراحة، وخاتمة سعيدة، يشعر تجاهها الجمهور بخليط من الدفء والرضا عن النفس.  

الفيلم الذي يحمل اسم غزة، يظل فيلماً عنها، بالقدر الذي سمح به التوازن الهش والصعب لأحمال سياسية ثقيلة، بين أنسنة الفلسطيني وبين السعي لئلا يتحول كل فيلم عن القطاع إلى نشرة أخبار حربية مقبضة

 

المدن الإلكترونية في

20.12.2020

 
 
 
 
 

تكريم وحيد حامد «1»

د. جابر عصفور

أعتقد أن تكريم وحيد حامد فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الثانية والأربعين، هو تكريم لكل المُبدعين الأُصَلاء الذين يعيشون على أرض النيل ، يأخذون الخصب من طميه، ويستمدون الصيرورة وبذور الإبداع من فيضانه كل عام.

و وحيد حامد كاتب من أصل قروى، وُلِد فى إحدى القُرى المصرية التى أنجبت لنا سليمان فياض ، و أبو المعاطى أبو النجا ، و محمد عفيفى مطر وعشرات غيرهم فى تتابع أجيال الكتابة المصرية منذ مطالع القرن العشرين.

ولقد بدأ وحيد حامد الكتابة مع أقرانه من جيل الستينيات الذين أخذوا يرحلون واحدًا تلو الآخر، ولكن إرادة الله, سبحانه وتعالى, قد شاءت أن تمد فى عُمر وحيد حامد وبقيةٍ قليلةٍ من أبناء جيله لنشهد على الإنجازات العظيمة والاستثنائية التى صنعها جيل الستينيات فى الإبداع المصرى. ولا غرابة فى ذلك، فأبناء هذا الجيل قد تفتحت عيونهم على شعارات الثورة المصرية فى 23 يوليو 1952 المُطالِبة بالحرية للوطن والعدل الاجتماعى لكل المواطنين، والديمقراطية التى تجعل من ابن أصغر فلاح مصرى موازيا لابن أكبر ثرى.

وأنا أتشرف بأننى من الجيل الذى ينتمى إليه وحيد حامد ، بل بيننا قرابة خاصة تميزنا نحن الاثنين معًا فكلانا مولود فى سنة واحدة هى سنة 1944، أنا فى المحلة الكبرى ، وهو فى قرية بنى قريش فى مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية. وكلانا تخرَّج فى السنة نفسها فى كلية الآداب، أعنى سنة 1965. أما هو فقد مضى بعد تخرجه من قسم الاجتماع فى طريق كتابة القصة القصيرة التى كانت (موضة) الكتابة السائدة والمائزة لأبناء هذا الجيل على السواء. وأما أنا فمضيتُ فى طريق البحث العلمى الذى جذبنى إليه تأثير طه حسين، ولم أتخلَّ عنه إلى اليوم.

وأذكرُ أننى كنتُ جالسًا مع وحيد حامد فى مطعم أمام البوابة الرئيسية لمبنى التليفزيون المصرى ، وشرق بنا الحديث وغرب، وكنتُ أعلم أن وحيد حامد فعل ما فعله أغلب كتّاب الستينيات من انجذاب إلى القصة القصيرة التى قادت بعضهم إلى الرواية. وقد نشر بالفعل مجموعة قصصية يتيمة عنوانها: القمر يقتل عاشقه، ولكنها لم تلقَ النجاح الذى تمناه أو الذى كان يتناسب مع طموحه. وعندما وصلنا إلى خفوت صوت تلك المجموعة وعدم تأثيرها، أخبرنى وحيد حامد بالقصة التالية، وهى أنه كان يجلس مع يوسف إدريس فى هذا المطعم، وأنه ألح عليه فى أن يُبدى رأيه فى مجموعته القصصية الأولى، وأن يساعده على اتخاذ قرار بالاستمرار أو التوقف، فأخبره يوسف إدريس قائلًا: يا وحيد إن مستقبلك فى هذا المبنى الذى تراه وراءكَ.

وكان يوسف إدريس يقصد بذلك مبنى التليفزيون المصرى ، كما كان يقصد إلى أن موهبة وحيد حامد لن تُبدع ما تحلم به فى مجال القصة القصيرة كبهاء طاهر، أو صنع الله إبراهيم، أو عبدالحكيم قاسم، أو سليمان فياض ، أو غيرهم من أبناء هذا الجيل، وإنما ستُبدع فى مجال آخر لن يصل إلى الناس إلا من خلال شاشة التليفزيون المصرى . وكان يعنى بذلك أن مستقبل وحيد حامد ليس فى كتابة القصة القصيرة كما فعل جيل الستينيات، وإنما فى كتابة المسلسلات والتمثيليات التى تجذب الانتباه بطابعها البصرى، وحيوية حواراتها، ودرامية مواقفها.

وكانت هذه الكلمات ذات تأثيرٍ بالغ الأثر فى وعى وحيد حامد الذى قرر من يومها أن يجرب حظه فى الكتابة للتليفزيون مثلما فعل أسامة أنور عكاشة، وسليمــان فيـــاض، ومحفــوظ عبد الرحمن، وإذا به ينجح تدريجيًّا من خلال مجموعة أعماله الأولى التى كتبها والتى لفتت الأنظار فى الدراما التليفزيونية التى كان من أشهرها: البشاير، ثم مسلسل العائلة الذى تميز بجرأة استثنائية فى مهاجمة الإرهاب الدينى وزعمائه، وربما كانت تلك هى المرة الأولى التى يُهاجِم فيها مسلسل، فى التليفزيون المصرى ، الإرهابَ الدينى والتمسح فى الدين الذى غرر بالكثير من الشبان، وهو الأمر نفسه الذى فعله أسامة أنور عكاشة فى جزءٍ مواز من أجزاء ليالى الحلمية الأخيرة.

وكان لنجاح البشاير والعائلة ما أكد فى وجدان وحيد حامد صحة حدس يوسف إدريس، وقدرته على تحديد اتجاه الموهبة السردية فى إبداع وحيد حامد ، ومن ثم توالت المسلسلات إلى أن وصلت إلى ذروتها فى ثلاثية الجماعة التى شاهدنا منها الجُزءين الأول والثانى، وما زلنا بانتظار الجزء الثالث الذى لا بد أن تكتمل به الدائرة الدرامية فى دورتها الحتمية.

وقد كشفت هذه المسلسلات عن القدرات الدرامية ل وحيد حامد ، كما كشفت أيضًا عن شجاعته ووطنيته فى آن، فهو مصرى أصيل ينتمى إلى تراب هذا الوطن، ويدافع عن أُناسه الفقراء الذين نشأ بينهم فى القرية، وعاش معهم طالبًا فى كلية الآداب، وفى قِسم الاجتماع على وجه التحديد.

ولعل دراسته الاجتماعية ساعدته فى اختيار النماذج الاجتماعية الدالة، وإجادة التحليل الطبقى والاجتماعى لها، وكلاهما مدخل للبُعد السياسى الذى أخذ يظهر لديه منذ وقت مُبكِّر. وهكذا سرعان ما انتقل وحيد حامد من المسلسل التليفزيونى إلى السينما، وتتابعت أفلامه من طائر الليل الحزين إلى فتوات بولاق إلى البرىء إلى أرزاق يا دنيا إلى الراقصة والسياسى.

وبدأت رؤية عالم وحيد حامد الإبداعية تتشكل فيما يشبه المربع بزواياه الأربع حيث تتقابل وتتجاور وتتفاعل: الأبعاد السياسية، والاجتماعية، والدينية، والإنسانية على السواء.

أما الأبعاد السياسية فهى واضحة فى أعمال مؤثرة مثل: اللعب مع الكبار والإرهاب والكباب وغيرهما، على نحوٍ بارز، وقد كان شأن وحيد حامد فى ذلك شأن أبناء جيله الذين ما كاد يكتمل وعيهم السياسى ويتنفسون الصعداء من أزمة المعتقلات الناصرية الرهيبة التى جمعت أنبه أبناء اليسار المصرى فى الفترة مــن 59 إلــى 64 حتى داهمتهـم كارثـة العـام السابع والستيــن التى مـا كـادوا يفيقــون منهــا حتى توفــى عبد الناصر، فجاء بعده السادات ليُغرق البلد فى انفتاح سداح مداح، وهو الأمر الذى أبرز المشكلة الاجتماعية للمجتمع المصرى على السطح، وجعل الفقراء أشد فقرًا والأغنياء أكثر غنى. (وللحديث بقية)

 

بوابة الأهرام المصرية في

20.12.2020

 
 
 
 
 

سامح علاء لـ «الشرق الأوسط»: «سعفة كان» حلت مشكلاتي الإنتاجية

القاهرة: انتصار دردير

أكد المخرج المصري، سامح علاء، مخرج فيلم «16»، المتوج بسعفة مهرجان كان الدولي لأفضل فيلم روائي قصير هذا العام أن هذا الفوز كان بمثابة مفاجأة كبيرة له في ظل منافسة أفلام قوية من سائر أنحاء العالم، مشيراً إلى أنه «يطمح لتقديم أفلام صادقة تحقق تماساً مع الجمهور، وسعيه للتنوع في أفلامه»، لافتاً إلى أنه «يخطط لتصوير فيلمه الجديد نهاية العام المقبل». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن فيلمه «18» لا يزال في مرحلة الكتابة وأنه يواصل من خلاله تناول فترة المراهقة في حياة الإنسان باعتبارها تشكل مرحلة مهمة ترسم خطوات مستقبل كل إنسان.

وكان مشروع أحدث أفلامه «18»، قد فاز في ملتقى القاهرة السينمائي، أخيراً بثلاثة جوائز داعمة بلغت قيمتها ثلاثين ألف دولار، بالإضافة لجائزة لوجيستية لصناعة الإعلان التشويقي والمقدمة الإعلانية للفيلم الذي يقول عنه: «هذا هو أول أفلامي الروائية الطويلة، واستكمل من خلاله ما بدأته في فيلمي الأول «15»، وما واصلته في فيلمي الثاني «16» من التعرض لسن المراهقة، لكن الموضوع يتطور في «18» ليناقش هذه الفترة التي تعيشها شخصيات الفيلم بما تحمله من صراعات وأزمات باعتبارها مرحلة بدايات النضوج، وأنا معني بهذه المرحلة بشكل كبير لأنها هي التي تشكل شخصياتنا ورؤيتنا للعالم، فحينما أتممت عامي الثلاثين بدأت أفكر في الـ15 سنة الماضية من حياتي وأستعيدها بكل أحداثها، ووجدت أنه من المناسب أن أعود إليها بعدما ابتعدت عنها، وصرت أكثر موضوعية في الحكم عليها وتكوين وجهة نظر تجاهها، لكن هذا لا يعني أنني غير مهتم بالمراحل الزمنية الأخرى في حياة الإنسان، فكل مرحلة ترسم جانباً من طريقه وتحدد ملامح من شخصيته.

كان سامح علاء قد حقق نجاحاً لافتاً منذ فيلمه الأول الذي صدر عام 2017 وهو روائي قصير وبطله شاب عمره 15 سنة تعرض لفقد أحد أفراد عائلته مما شكل لديه صدمة فيذهب وشقيقه الأصغر في رحلة، ونرى تأثير هذا الخبر عليهم ورد فعل كل منهم. وشهد عرضه الأول مهرجان تورونتو، ثم طاف مهرجانات دولية عديدة، وحصل على جائزة في مهرجان مونبلييه.

«سعفة كان لأفضل فيلم روائي قصير» التي اقتنصها فيلمه الثاني «16» لم يتوقعها المخرج وكانت بمثابة مفاجأة له ولفريق عمل الفيلم: «أعتقد أن هذه الجائزة من الصعب أن يتوقعها أي سينمائي في العالم، لأن قبول الفيلم في المسابقة والمشاركة بالمهرجان في حد ذاته شرف كبير، وحينما شاهدت الأفلام المنافسة وجدتها قوية جداً، وشعرت أن فيلمي ينافس بشكل كبير فقد كان تأثيره قوياً على الحضور، وذهبت لحفل توزيع الجوائز يراودني الأمل ولا أصدقه، لكن المفاجأة كانت عظيمة، هذه الجائرة ذات تأثير كبير علي، فقد أعطتني دفعة قوية للعمل بتركيز أكبر، وأن أقدم جديداً، فطموحي الحقيقي هو الاستمرار في صنع أفلام صادقة تعبر عني وعن المجتمع المصري».

وتناول فيلم «16» قصة حب قاتمة ورحلة شديدة الثقل في صورة مكثفة تنقل المشاهد إلى عالم الشاب المراهق (آدم) الذي يقرر بعد انقطاع ثلاثة أشهر عن زيارة حبيبته، فيقطع طريقاً طويلاً لرؤيتها متحدياً كل العوائق.
واختار سامح علاء لبطولة فيلمه ممثلاً غير محترف «سيف حميدة» واجه الكاميرا لأول مرة واستطاع أن يعبر بصدق عن حالة البطل، وعن مرحلة اختيار الممثل، يقول: «كانت مرحلة صعبة لأن الدور نفسه كان صعباً، وكنت أبحث عن ممثل بمواصفات خاصة، فأجريت (كاستنج)، وشاهدت 500 صورة فوتوغرافية لمرشحين، واخترت سيف قبل التصوير بأربعة أيام من خلال صورة، كانت قد التقطت له منذ عامين ودون اختبارات أداء، وأردت أن أراه، وحينما قابلته طلبت منه أن يقلل من تناول الطعام لثلاثة أيام قبل التصوير، ورأيته على تلك الصورة التي كانت في خيالي
.

وواجه الفيلم المتوج بـ«سعفة كان» ظروفاً إنتاجية صعبة وكما يقول علاء: «الإنتاج معضلة لأي مخرج، فأول أفلامي كان من إنتاجي مع صديقي إيهاب ريحان ووالدي، وفي فيلمي الثاني لم يكن مقبولاً أن أطلب تمويلاً من أبي، وبدأت أشتغل مع محمد تيمور، وكان هناك مخرج فرنسي يرغب في إنتاج أول فيلم قصير، ودفع بشكل شخصي، كما حصل بعض فريق الفيلم على أجور قليلة حتى يتسنى لنا بدء تصويره، وبحثنا عن فرص تمويل من الخارج، لكن الأمر اختلف بعد فوزي بسعفة كان فقد تلقيت عروضاً عديدة تجعلني متفائلاً وأخطط لتصوير فيلمي الجديد نهاية عام 2021. ولم أستقر بالطبع على اختيار أبطاله الذين سيكونون من الممثلين المحترفين لتوفر الخبرة لديهم، وأيضاً أحب العمل مع ممثلين جدد لديهم الحماس فهناك مواهب عديدة لم تكتشف بعد».

ويؤكد علاء أنه تأثر بكبار مخرجي السينما المصرية أمثال يوسف شاهين، وكمال الشيخ، ونيازي مصطفى، وصلاح أبوسيف، ويسري نصر الله، وأسامة فوزي، قائلاً: «أحببت السينما في وقت متأخر، كان عمرى 15 سنة حين سحرتني أفلام الأبيض والأسود التي كان يعرضها التلفزيون، قبل ذلك كانت كرة القدم تستحوذ بشكل أكبر على اهتماماتي، والأفلام المصرية كانت مدرستي الأولى، فلدينا سينما تبشر بالأمل وأؤمن بأن لدينا سينما قوية قد تختفي قليلاً ثم تعود أقوى، سواء بالأفلام الوثائقية أو الروائية الطويلة والقصيرة، لقد سافرت دولاً عديدة وأرى أن صناعة السينما في مصر قوية».

 

الشرق الأوسط في

22.12.2020

 
 
 
 
 

هالة سرحان: إلهام شاهين هي ميريل ستريب مصر

كتب: ريهام جودة

وصفت الإعلامية هالة سرحان الفنانة إلهام شاهين بأنها «ميريل ستريب» مصر.

وتابعت عبر حسابها على تويتر متحدثة عن دور إلهام في فيلمها «حظر تجول» الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مؤخرا:«إلهام شاهين في فيلم حظر تجول ظاهرة فنية فريدة وعملاقة فن التمثيل ..جريئةومقتحمة لمساحاتومشاعر إنسانية صعبة ومؤلمة.. تواجد وقوة اداء مستحيلة. وصفها قلم كاتب كبير بأنها ميريل ستريب مصر ..وهي تستحق عن جدارة كل التكريم لأنها فنانة صاحبةً رسالة.. الصورة تتكلم«. https://t.co/T24GpGMwsT«.

وينطلق فيلم «حظر تجول» بطولة إلهام شاهين وللمخرج أمير رمسيس، بدءا من ٣٠ ديسمبر بجميع دور العرض في مصر وعدد من الدول العربية، بعد عرضه العالمي الأول والذي نافس في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته الـ 42.

وحازت إلهام شاهين على جائزة أحسن ممثلة عن دورها في الفيلم.

ويتتبع الفيلم قصة فاتن بعد عشرين عامًا من خروجها من السجن، بسبب ارتكابها جريمة مريعة، ويعود الفيلم إلى خريف 2013 بعد قرار حظر التجوال بمصر، والذي أجبر فاتن على قضاء ليلتها عند ليلى التي تعرضها لمحاكمة ثانية بحثًا عن إجابات لأسئلة مسكوت عنها، لتمر الليلة في محاولة كل منهما لتقبل الأخرى.

ويشارك في بطولة الفيلم إلهام شاهين وأمينة خليل وأحمد مجدي ومحمود الليثي، والنجم الفلسطيني كامل الباشا، الحاصل على جائزة أفضل ممثل في الدورة الـ 74 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عن فيلم قضية رقم ٢٣، الفيلم تصوير عمر أبودومة، مدير فني عاصم على، تصميم أزياء ناهد نصرالله، مونتاج هبة عثمان، موسيقى تصويرية تامر كروان، ومن تأليف وإخراج أمير رمسيس.

 

المصري اليوم في

22.12.2020

 
 
 
 
 

«حظر تجول».. إلهام سينمائى يكشف المسكوت عنه بالواقع والشاشة

خالد محمود

تبقى السينما فى أبهى صورها عندما تحاور هواجس الإنسان وظنونه، تتساءل معه فيما يحيره، تجعل قلبه ينبض بمكنون خوف وقلق وترقب ومسكوت عنه، تجعله يصرخ آهاته، يطردها خارج أنفاسه لتستريح، حتى لو كانت آهات ذنب، هو بالفعل قدره الذى كتب عليه.

فى فيلم المخرج أمير رمسيس «حظر تجول» عشنا تلك اللحظة المثقلة بهموم بطلتنا فاتن «إلهام شاهين» وحيرة وغضب ابنتها ليلى «أمينة خليل»، الأولى حكم عليها بالسجن لمدة عشرين عاما بتهمة قتل الزوج، والثانية تتبرأ من أمها وجريمتها الكبرى بقتل أبيها، فيما يلعب الفيلم بموجات إنسانية وشاعرية فى رحلة استكشاف الحقيقة ومواجهة كل منهما الأخرى، حيث يسير السيناريو بواقعية شديدة على خيط رفيع لتلك العلاقة التى ينفجر توهجها الدرامى عندما يلتقى الاثنان معا وجها لوجه بعد سنوات طويلة من الفراق، الأم تلتزم الصمت أمام تساؤلات ابنها وتأبى أن تفصح لابنتها عن دوافع الجريمة لحمايتها من حقيقة مرة صدمتها، وهى أن والدها كان متحرشا، فى نطاق زنا محارم، ويترك الحوار الذكى والعميق بجمله وإيحاءاته وكذلك الصورة الشفافة كلا الطرفين وكذلك المشاهد ليكشف السر الذى رفضت الأم البوح به، وكأن الزمن كفيل بحل المعضلة.

أحداث الفيلم الذى كتبه أمير رمسيس أيضا تدور فى إحدى ليالى خريف ٢٠١٣ خلال فترة حظر التجوال بمصر، نرى البداية مع فاتن التى كانت تعمل مدرسة وهى تستعد للخروج من السجن بعد قضاء فترة العقوبة، وبصحبتها زوج ابنتها حسن «أحمد مجدى»، بينما تنتظر ليلى فى السيارة ليصطحبها إلى المنزل، الأم التى كانت شغوفة بلقاء إنسانى بعد الغياب، لكنها تجد الجفاء من الابنة وهو أمر أراده الفيلم طبيعيا فى ظل هاجس الاتهام، فليلى غير قادرة على تجاوز الماضى والعفو عنها فى مقابل رفض تام من (فاتن) للإفصاح عن سبب الجريمة، مما يضع الابنة فى صراعٍ ما بين عقلها الرافض للأم وقلبها الذى يميل لها تدريجيا مع الوقت والعشرة وربما الإحساس بأن الأم لم ترتكب جريمتها بسبب ضبط الزوج لخيانتها، حسبما كانت تسمع وهى صغيرة، ولكنه لفعل أكبر أظهره المخرج على استحياء، وهو أن الزوجة هى التى ضبطت زوجها يفعل شيئا محرما ومشينا، حيث كشفت الكاميرا عن ملابس الابنة وهى طفلة ملقاة على الأرض فى غرفة النوم، نحن لم نرَ جريمة القتل واضحة، ولم نرى حتى وجه الزوج لكنها وصلت بلغة السينما التى أرادها أمير رمسيس، والتى لم يجرح بها مشاعر المشاهد.

ونعود لتلك الليلة الأولى فى اللقاء، لنرى عبر الأحداث الكادر وهو يطوف حول شخصيتين فى مكان واحد مغلق هو شقة ليلى، وتطرح العديد من الأسئلة حول المسكوت عنه فى علاقتهما الانسانية، والتى كانت سببا فى هدم العلاقة بينهما.

بين تصاعد وهبوط لصراع المشاعر نشاهد عددا من المواقف التى تدخل الحدث الدرامى ذروته مثل تلك التى يظهر فيها الجار يحيى الشخصية التى يقدمها الفنان الفلسطينى كامل الباشا والذى كشف عن حبه الحقيقى لفاتن وكيف تحمل عبء السر وصمت تجاه ما اعتقدت ليلى بأنه عشيق أمها خلافا للحقيقة، أيضا المشهد الذى تقول فيه فاتن بأداء صادق: «كنت فاكرة انى ناسية شكلها، لكنى اكتشفت انى لسه فاكرة، روحى بتتاخذ منى كل ما ببص فى وشها»، وتقول ليلى: حقى اعرف ليه حرمتينى منك، ليه قتلتى ابويا، ازاى ما اصدقش اللى قالوه عنك».

وفى منطقة أخرى هناك عدد من المشاهد الإنسانية للأم والتى صورها المخرج بشاعرية، منها ما بين فاتن ويحيى حيث تقول له: «انت لسه بتحب حليم»، ليرد: دايما، حيث كان فى الخلفية صوت العندليب، وهو يغنى «بينى وبينك ايه شغلت قلبى ليه»، وبينما يغوص الفيلم برحلة الوصول للثقة والتفاعل بين فاتن وليلى حتى مع عدم الحصول على الإجابات المنتظرة، نرى واحدا من اجمل المشاهد، وهما يشاهدان على شاشة التليفزيون اغنية هدى سلطان «خلاص يادنيا هتبقى حلوة» وتغنى معها فاتن قبل أن تتوقف تقول بنظرة تلمع الدموع فى عينيها «اللى كان تعبنى الاختيار.. انت اخترتى متشوفينيش وكنتى حرة فى اختيارك، انا كان من حقى اشوفك واطمن عليكى، كان نفسى ادافع عن نفسى وأحاول اغير رأيك فى اللى انت فاهماه.. اصعب حاجة فى العشرين سنة اللى فاتت هو حرمانى من الاختيار»، وهنا ترد فاتن : دى انانية منك انت اللى حرمتينى ان افهم وارتاح، حرمتينى منك دلوقتى عايزانى احبك».

الصورة الرائعة هنا طرحت سؤالا مهما هو: هل مشاعرنا كافية أن تمنحنا الإجابات والمغفرة، أم أن ذكر الحقيقة مهم فى هذه المعادلة، الواقع أن الصمت كان خيار الأم فى قتلها للزوج كرد فعل على قيامه بفعل فاضح مع ابنته، مثلما كان خيار الجارة «عارفة عبدالرسول» التى عرفت ان زوج فاتن تحرش بابنتها واكتفت بمنعه من زيارتهم.
ولا ننسى الإيهام الذى طرحه المخرج من آن لآخر عبر مسرحية فؤاد المهندس التى يغنى بها «رايح أجيب الديب من ديله» وبالفعل أوقعت الأم بالديب
.

عنوان الفيلم «حظر تجول»، له دلالات واضحة وذكية سواء على المستوى الدرامى بمبرر وجود الشخصيات فى مكان وزمن شبه أحادى، يوحى بالحصار، أو على مستوى الفكرة المحظور الاقتراب منها اجتماعيا، وفى كلتا الحالتين لم نشعر بملل ولو للحظة واحدة، بل عشنا وتعايشنا مع مع الأحداث كما كان لموسيقى تامر كروان دور موحٍ ومؤثر فى وصول البعد النفسى للشخصيات إلى المشاهد وكأنها قطعة من الحدث.

على مستوى الاداء قدمت الهام شاهين دورا مدهشا وثريا ومغايرا، ملمة بفلسفته وتركيبته النفسية المعقدة، لزوجة مظلومة ارتكبت جريمة ودفعت ثمنها غاليا، كانت تعبيرات عينيها توحى بالكثير وربما اجابت عن المسكوت عنه دون أن تتكلم، ايضا أمينة خليل التى تجسد شخصية وضعتها فى اختبارات عدة ما بين حيرة وكراهية وعطف قدمتها بوعى وأمسكت بالشخصية بكل جوارحها المتباينة، وكان هناك ظهورا جيدا فى واقعيته لأحمد مجدى الطيب الذى أراد أن يحتوى الجميع، وكامل الباشا بإضفاءه لمسة رومانسية رغم مأساة النهاية، وحتى ضيوف الشرف الفنانة عارفة عبدالرسول والمخرج خيرى بشارة.

أمير رمسيس آمن بفكرته.. ربما يكون هذا سر تميزه فى طرحه وهو يرفع الستار عن حظر اجتماعى آخر.

 

الشروق المصرية في

22.12.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004