ملفات خاصة

 
 
 

(خريف التفاح).. متى تنضج الثمار؟

بقلم:د. وليد سيف

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الثانية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

اكتسح فيلم خريف التفاح المغربى لمحمد مفتكر جوائز مسابقة مهرجان الفيلم الوطنى بطنجة لعام 2020 ، فهو لم يكتف بالجائزة الكبرى لكنه فاز أيضا بجائزة أفضل تصوير لرفائيل بوش، وجائزة النقد من الجمعية المغربية لنقاد السينما وكذلك جائزة الجمعية الوطنية للأندية السينمائية، كما شهد الأسبوع الماضى عرضه العالمى الأول فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى 42 وحصل على تنويه خاص من لجنة تحكيم مسابقة آفاق عربية.

يواصل مفتكر فى هذا الفيلم تأملاته السينمائية الفلسفية حول الشك والرغبة والجنس والخطيئة والمجتمع الكبير والأسرة، الممثلة فى ثلاث أجيال: الطفل سليمان وهو فى اﻟﻌﺎﺷرة ﻣن ﻋﻣره، يعانى من تجاهل الأب، واختفاء الأم فى ظروف غامضة بعد ولادته، الجيل الثانى يمثله الأب الذى يتنكر للطفل شكا منه فى أنه إبن خطيئة، أما الجيل الثالث فيمثله الجد المتعاطف مع الإبن فى أزمته، والجدة التى تحاول أن تعوض الحفيد عن غياب الأم وحرمانه من حنانها.

لا تنشغل كثيرا بالحكاية لأن مفتكر يدعوك لأن تنشغل بما وراء الحكاية، وهو يضع أمامك التساءلات التى يترك إجاباتها لك، والأمور المثيرة للتأمل التى تثيرخيالك وتفكيرك، عبر تفاصيل محدودة فى الحوار لكنها كثيرة فى المواقف والصورة المعبرة، وعلى رأسها شجرة التفاح التى زرعها الجد والتى يعتنى بها أشد الاعتناء لكنه لا يأكل من ثمارها باعتبارها شجرة الخطيئة طبقا للمعتقد الدينى، كما تتوالى الأسئلة التى يبحث لها الطفل عن إجابات مع مدرسه حول الدائرة والأشكال الهندسية.

بلغة فنية متقدمة بعيدا عن الأسلوب التقليدى فى السرد أو البناء الدرامى الكلاسيكى يصيغ مفتكر فيلمه، فيدعك تعايش كل شخصية من الشخصيات وتشاركها أزمتها وتتعاطف مع كل واحدة منها، مهما تعارضت مع بعضها، فلكل إنسان فى الكون دوافعه ومبرراته، بل إنك تتعاطف مع الأم الغائبة ذاتها حين تظهر، وتكتشف أنها تسكن بالقرب من منزل العائلة وتشاهد إبنها كل يوم.

وهو ينتهج أسايب خاصة فى اختياره لزواياه أو زاوية الرؤية التى نطلع منها على الأحداث وكأنها تخص كل شخصية من الشخصيات ومن منظورها هى وليس بعين محايدة، فالكاميرا بالنسبة له هى عين الشخصية وهو المعتاد فى غالبية أفلامه، وهى مسألة تتفق تماما مع أفكاره التى يؤمن بها والتى تطل من أعماله بقوة، فليس هناك حقيقة مطلقة، وكل ينظر إلى العالم والحياة من زاويته الخاصة.

تلعب الصورة دورا تعبيريا رئيسيا، فهى تكشف عن التناقضات والتحولات فى المشاعر والتلميح والتأكيد على المعانى الرمزية، كما أن مستويات الإضاءة تتفق مع الحالة والشخصية بنفس القدر والتمكن والتواصل بين المشاهد الداخلية والخارجية، وهو مايؤكد أيضا على استحقاق مدير التصوير رفائيل بوش لجائزته فى مهرجان طنجة، فالتعبير الجمالى للصورة لا ينفصل عن روح الشخصية ومشاعرها والأثر والمدلول الدرامى المبتغى منها وقد استطاع الفنان أن يحقق للصورة نقاءها وبعدها الجمالى، مع حرصه الشديد على إبراز البعد الدرامى وسيرورة الزمن وتتابعه.

يوظف مفتكر أيضا عنصر المكان والديكورات توظيفا بليغا، فكل الأشياء المحيطة بالشخصيات لها تأثيرها ودلالتها، ويظل وضع شجرة التفاح فى المحور والقلب من الحكاية، مما لا يشكل ثراءا فى الصورة فقط بل عمقا فى الفكر والتساءلات، وإن بالغ المخرج فى استخدامها للتأكيد على المعنى دون ضرورة.

نفس الأسلوب ينتهجه مع الإيقاع فهو يتمهل ويتأمل عندما تحتاج شخصياته لذلك ويتحرك ويندفع طبقا لأهوائها واحتياجها ورغباتها، فالإيقاع التقليدى يحركه الفعل والحدث، لكن الإيقاع فى خريف التفاح تصنعه الشخصية وتفرض عليه مشاعرها وأحاسيسها وترددها وحسمها وتحركها وتوقفها.

لا ينشغل مفتكر على الإطلاق بسرعة الإيقاع بمعناه التقليدى لأن الإيقاع الخاص بالعمل يرتبط باستيفاء جوانبه الموضوعية وتساءلاته وتأملاته الفلسفية، بل إن هدوء الإيقاع فى الفيلم بوجه عام هو تعبير عن حالة الركود والعجز عن الفعل التى تكبل الشخصيات.. وأيضا طبيعة القرية الجبلية التى تدور بها الأحداث، وهذا الارتباط الشديد بالمكان على الرغم من التجربة المؤسفة التى عاشتها الشخصيات فيه.

وبوجه خاص الأب المتمرد على الاستمرار فيه، وعلى أن يظل على وضعه كشجرة التفاح، أما الإبن سليمان الذى يشغل المساحة الأكبر من الاهتمام، فيبدو وكأنه فى رحلة بحث دائمة عن ذاته وعن أصله أو أمه، التى يبدو حضورها راسخا رغم الغياب، وكأنها شجرة التفاح التى تعطى ثمارها وهى راسخة بلا صوت ولا حركة لكن تأثيرها يفوح فى المكان.

يعتمد مفتكر على مجموعة من الممثلين المتمكنين والمخضرمين وكذلك على وجوه جديدة وشابة وفتية يوجههم بأسلوب سليم ويحقق التناسق بين الجميع، ويجعلهم يدركون عمق الشخصيات وطريقة التعبير عن مشاعرها الدفينة، والتى تبدو فى هذا الفيلم أهم مما يظهر على السطح، وكانوا جميعا على نفس المستوى المتميز رغم تفاوت الخبرات بينهم وكل منهم يمثل جيلا مختلفا.

يأتى على رأسهم سعد التسولي بأداء ناضج وبسيط بالاعتماد على المشاعر الداخلية التى تومض فى لحضات كاشفة، وكذلك فاطمة خير فى دور الأم التى استطاعت أن تترك أثرا قويا، فعلى الرغم من ظهورها المتأخر إلا أنها بحضورها الطاغى ظهرت كشريك كامل فى البطولة، كما استطاع المخرج أن يصنع حالة من الانسجام بين فريق الممثلين كلهم: نعيمة المشرقى، محمد التسولى، حسن بديدا، أيوب اليوسفى>

يعد المخرج محمد مفتكر من أهم مخرجى السينما المغربية المعاصرين فهو بعد مسيرة حافلة بالجوائز الدولية عن أفلامه القصيرة: "ظل الموت" و"رقصة الجنين و"آخر الشهر" بدأت مسيرته الروائية فى عام 2010بالفيلم الطويل البراق الذى توج بثلاث جوائز كبرى بمهرجانات الوطني للفيلم بطنجة، والسينما الأفريقية في خريبكة، والسينما والتلفزيون الأفريقي في واجا دوجو ببوركينا فاسو، ثم واصل مسيرته مع الجوائز والإشادة النقدية مع أفلامه التالية «جوق العميان» الذى نال التانيت الذهبى فى قرطاج، ومحطة الملائكة بمشاركة هشام العسرى ونرجس النجار.

 

####

 

عنها وجاجارين ومؤتمر ثلاثة أعمال جيدة تنطلق من شخصية متفردة في القاهرة 42

إبداع رسم الشخصية في عنها وجاجارين ومؤتمر *

صفاء الليثي

على الرغم من أن عددا من الأفلام التي حصدت الجوائز لفتت انتباهي وخاصة الفيلم الروسي مؤتمر، كما كان أداء الممثلة ناتاليا بافلينكوفا خاصا واستحقت عنه الجائزة مناصفة إلا أن هناك أفلام تميزت بصورة بديعة وخيال جامح وتعبير ممتاز عن الشخصيات وخرجت من سباق الجوائز ، الفيلم المصري "عنها" والفرنسي "جاجارين" مع اختلاف نوعيهما. يجمعهما التركيز على شخصية نتعاطف معها ونشعر بأزمتها، السيدة درية التي فقدت زوجها الحبيب ولم تتمكن من مواصلة الحياة بعده، والصبي يوري الحالم بالفضاء والرافض لترك مسكنه في مجمع سكني حكموا عليه بالهدد. جاجارين يقاوم ويخلق لنفسه عالما يمارس فيه أحلامه ويحقق اكتفائه الذاتي من غذاء لمزروعات ينميها في صوبة ويمدها بأشعة حمراء وبنفسجية، احتماء بالعلم الذي يفهمه جيدا، ودرية التي حبست نفسها في بيتها تحاول فهم ما حدث دون أن تتمكن من تجاوز الواقع. وفي السيناريو الذي كتبه العزازي بنفسه، نحتار مع البطلة في سبب اغتيال زوجها، وسنعرف الحقيقة معها قرب النهاية . الفيلم كله يدور في مكان واحد لم نخرج منه، هناك بذور لتفاصيل تحمل دلالة مثل حبها للخرشوف وتقشيرها له وكأنها تريد أن تعرف سرا ما، سرا دفينا لعمل زوجها، حبيبها، أشاهد معجبة بالتفاصيل ، في هذا السجن الفخيم الذي نشعر بقسوته على درية ، منزل متسع كمتاهة للبطلة، تلعب فيه استغماية مع الزوج والخادمة وتسكن فقط وتهدأ مع الأخ الحامي، الديكور لفنان هندسة المناظر أنسي أبو سيف، ديكور سينما يسمح بحركة البطلة في لحظات المرح ولحظات الضياع ، قامت المونتيرة الفنانة دينا فاروق بإحداث انتقالات خلاقة وخاصة بين مشاهد الحاضر والعودة للخلف بنعومة بدت كلقطة واحدة صورت بلا توقف، كما لعبت الإضاة دورا في تحقيق هذه الانتقالات البارعة، دينا فاروق هي أيضا منتجة فيلم "عنها" الذي  ينتمي لتيار مخرجي السينما المستقلة عن شروط السوق ونجومه وما يشغله آنيا من قضايا يتميز بالصورة الرائعة لمدير التصوير عبد السلام موسى، بإضاة الشمس المباشرة أو من وراء ستار، الإخراج الفني الجميل وكل العناصر الفنية فيه بشكل ممتاز، التمثيل  للوجه الجديد ندى الشاذلي في أداء وحشي وامتلاك للكادر وتعبير حركي وغنائي، ممثلة تمتلك قدرات شاملة أضفت عليها إضاءة عبد السلام موسى ألقا وأبرز تعبيراتها القوية، تطل علينا بوجه جميل، بلا مساحيق، بشعر حقيقي دون شعر مستعار، قمصان نومها ولمسات مصممة الملابس  في ذوق الفترة، نعم الفترة كلها تعكس ذوقا جميلا في ملابسها وأثاث البيت ، البيت الفسيح بممراته المفتوحة على بعضها ، تفاصيل فنية جميلة ولكن ما هي مشكلة درية ؟ ومتى حدث ما يبدو خللا في نفسيتها، فجأة أم له جذور، ويبقى سر شخصية درية مغلقا علي،  ويصبح الاستمتاع بصورة المخرج الذي يمتلك عينا تشكيلية  قادرة على صياغة الجمال وتكثيفه على مدار الفيلم، اختياره فدوى عابد في دور الخادمة، وجه جديد أيضا وأداء تمثيلي عظيم، "عنها " فيلم جميل يتجاوز الحكايات لنعيش معه في الأجواء النفسية لسيدة من طبقة عليا، تخسر حبيبها ويقينها باستحقاقه لحبها ،الحوار كان معبرا عن عامية مثققي الأربعينيات في كثير من أجزائه، تحية لفيلم يوسف وهبي "غرام وانتقام " أسمع صوت أسمهان أثناء متابعتي للحوار وأبتسم،  أسماء الشخصيات، عباس وفهمي ودرية وفاطمة، ، حلول فنية ذكية وأفلام تتغذي على أفلام وتتعلم منها.

تجاوز الواقع الخارجي وتجسيد الواقع الداخلي للشخصية كما في " عنها " وجدته في "جاجارين"، رغم أن فكرة  الفيلم تغري بتناول مغرق في الواقعية إلا أن المخرجين الفرنسيين فاني لياتارد، وجيريمي ترويله قدما لنا الواقع بعين الحالم الصغير، ويصل الجمال إلى قمته مع مشهد يجعله يدور في الحيز الذي خلقه لنفسه وكأنه رائد الفضاء وقد وصل على القمر، الموسيقى تدعم حركة يوري التي تظهر بطيئة منفذة بالتقنيات الحديثة تنجح في جعلنا نتعايش داخل حلم يوري، الذي يقاتل وحيدا من أجل إنقاذ المدينة السكنية وذلك بعد أن بدأت السلطات الفرنسية في إزالتها.

منذ المشهد الأول في " مؤتمر " يمكنك أن تتعرف على شخصية الراهبة ومدى عنادها وإصرارها على إقامة المؤتمرً التذكاري داخل نفس المسرح وتدعو الناجين للحضور واستعادة ذكرياتهم، يطول المشهد مع الموظف المسئول دون أن يغير المخرج الشاب ايفان تفردودسكي من حجم لقطته ، هي قائدة وحازمة وتصل الى ما تريد ، هي تدير الأمر وكأنها تخرج مسرحية وابنتها تواجهها أنت تبحثين عن خلاصك ، يبدو أنها الحقيقة فصديقتها المقربة تخبرها بمعنى مشابه بعد انهاء مهمة الحفل وقبل عودتها الى الدير، أنت تعذبين الجميع، علينا أن نكف عن تعذيب أنفسنا وأن نمضي في حياتنا، وتتأكد رسالة الفيلم على أهمية النسيان ومحاولة العيش في سلام. عمل صعب أغلبه يدور في المسرح واقتصاد شديد في الانتقالات بين اللقطات، ومحاكاة لما تم في ليلة الحادث الإرهابي، ومعنى عميق عن هذه الباحثة عن خلاصها التي أتت بفعل أشد عنفا من فعل الإرهابيين. فيلم آخر يعتمد بالأساس على شخصية ويجيد رسمها وتجيد الممثلة التعبير عنها، هذه المرة أتفق مع لجنة التحكيم على منح الفيلم جائزة التمثيل والهرم الفضي للمخرج .

 

####

 

..وصدقت توقعات "القاهرة"

فوز ستة أفلام رشحناها بجوائز في ختام "القاهرة السينمائي"

بقلم: أسامة عبد الفتاح

** الهرم الذهبي والإسهام الفني و"الفيبريسي" لـ"التيه".. و"تحت السموات والأرض" و"الأفضل لم يأت بعد" الأحسن في المسابقة العربية وأسبوع النقاد

صدقت توقعاتنا بشأن جوائز الدورة 42 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والتي اُختتمت الخميس الماضي بمسرح "وي" المكشوف بدار الأوبرا المصرية، وحصلت ستة أفلام من أصل عشرة كنا قد رشحناها في العدد الماضي، وقبل الختام بـ48 ساعة، على أهم الجوائز في مختلف مسابقات المهرجان.

ففي المسابقة الدولية، حصل فيلم "ليمبو"، أو "التيه"، الذي كنت قد وضعته على رأس الترشيحات، على الهرم الذهبي، كما فاز بجائزتي الإسهام الفني والاتحاد الدولي للصحافة السينمائية. وهو يحكي قصة "عمر"، العازف الشاب الواعد، الذي أجبرته الظروف على الابتعاد عن أسرته السورية، ليتم عزله في قرية اسكتلندية بعيدة منتظرا البت في طلب اللجوء السياسي الذي قدمه، ومعه مجموعة ممن ينتظرون الأمل مثله. ورغم جدية موضوعه وتناوله قضيته بعمق، لا يخلو هذا العمل المختلف من لمحات كوميدية ساخرة تفجر الضحكات في الوقت الذي يثير وضع هؤلاء اللاجئين التعاطف والشفقة وأحيانا الدموع، في طرح سينمائي متميز على مستوى المضمون والبناء الدرامي ومتفوق على المستوى التقني في التصوير والمونتاج والأداء التمثيلي.

كما رشحنا لمنصة التتويج للفيلم الفلسطيني "غزة مونامور"، إخراج عرب ناصر وطرزان ناصر، وقد منحته لجنة التحكيم تنويها خاصا، فضلا عن فوزه بجائزة أفضل فيلم عربي بمسابقات المهرجان المختلفة مناصفة مع فيلم "نحن من هناك".. ويستحق فيلم الأخوين بلا شك، فهو عمل سينمائي جميل وجيد الصنع يدور حول "عيسى"، بائع السمك الستيني الذي يقع في حب الأرملة سهام جارته في السوق، لكن قبل أن يصرح لها بحبه يعثر في البحر على تمثال لأفروديت يعطل تدفق مشاعره ويدخله في مواقف غير متوقعة.

وتساءل البعض عن غياب عدد من الأفلام عن لائحة الجوائز في المسابقة الدولية، وأبرزها الفيلم الفرنسي "جاجارين"، رغم أنه عمل ساحر يمزج بمهارة بين الواقع والخيال والحلم والحقيقة، ويتناول موضوعا واقعيا جدا و"آنيا" جدا، وهو قرار الحكومة الفرنسية بإزالة مشروع "جاجارين" السكني الذي كان قد افتتح عام 1963، وتجاوز الإزالة فكرة هدم بعض البيوت لتكون رمزا لزوال عصر بأكمله بكل ما ينتمي إليه.

وفي مسابقة آفاق السينما العربية، فاز الفيلم الذي رشحته "تحت السماوات والأرض"، لـ"روي عريضة"، بجائزة أحسن فيلم، وفيه يقرر غطاس شاب أن يكسر رقما قياسيا في البقاء تحت الماء حتى يعيد النقاء إلى علاقته المعقدة مع أسئلة الوطن والمكان والحاضر.

كما توقعنا تتويج الفيلم السعودي "حد الطار"، للمخرج عبد العزيز الشلاحي، وقد حصد جائزتين: لجنة التحكيم الخاصة والأداء التمثيلي لفيصل الدوخي.. وهو يدور في نهاية التسعينات بمدينة تشبه المملكة الغامضة، حيث يقع ابن السياف في حب ابنة مغنية الأفراح الشعبية، في مفارقة اجتماعية مبنية على بيع الفرح وشراء الموت، ويصبح السؤال: أيهما يمكن أن يتخلى عن أحلامه في مقابل أن يصبح عالمهما مكانًا أفضل؟

أما الفيلم المغربي الذي رشحناه، "خريف التفاح" للمخرج محمد مفتكر، فقد منحته لجنة التحكيم تنويها خاصا، وهو يدور في بيئة تبدو كبقايا جنة نائية، حيث يتلقى الابن دروسا قاسية عن الحب والحياة والبشر على يد الأب غريب الأطوار.

وفي مسابقة أسبوع النقاد الدولي، توقعنا فوز الفيلم الهولندي (ذهب)، وقد نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة.. ويتقاسم فيه لاعب الجمباز الشاب الموهوب "تيمو"، ووالده ذو الاحتياجات الخاصة "وورد"، حلما كبيرا: الحصول على الميدالية الذهبية في الألعاب الأوليمبية.. لكن عندما يقابل "تيمو" المعالجة النفسية "آيرين"، تتغير نظرته تجاه كل شيء، حيث يكون اللقاء إيذانا بمولد مشاعر جديدة قوية داخله تجعله يتغير. ويجيد صناع الفيلم رصد الصراع بين تلك المشاعر وبين التزاماته تجاه والده و"المهمة الأوليمبية المقدسة".

لكنني تعجبت من عدم تقدير الفيلم المجري البديع (دوامة)، الذي يدور على بحيرة غامضة، ويقدم ثالوثا غير تقليدي من رجل وامرأتين، وينشغل بتساؤلات صعبة عن القدر والتسامح والقدرة على مواجهة الذات، في دراما نفسية وعرة وعميقة بما يتناسب مع بحيرة مليئة بالخبايا والأسرار ترمز بوضوح إلى النفس البشرية بكل ما يعتمل داخلها وما تخفيه من مشاعر ونوايا من خلال شخصيات غير تقليدية ورؤية جديدة للعلاقات المعقدة بين الرجل والمرأة.. والأهم أنه عمل ينتصر للسينما كفن بصري بالأساس يعبر بالصورة أكثر من الحوار.

وفيما يلي القائمة الكاملة لجوائز الدورة 42 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي:

** المسابقة الدولية:

* جائزة هنري بركات لأحسن إسهام فني: فيلم "التيه" للمخرج بن شاروك

* جائزة أحسن ممثلة: مناصفة بين إلهام شاهين، عن دورها في الفيلم المصري "حظر تجول" إخراج أمير رمسيس، والممثلة ناتاليا بافلينكوفا، بطلة الفيلم الروسي "مؤتمر" إخراج إيفان آي. تفردوفسكي

* جائزة أفضل ممثل: الممثل جوليان فرجوف عن دوره في فيلم "دروس اللغة الألمانية" إخراج بافل جي. فيسناكوف

* جائزة نجيب محفوظ لأحسن سيناريو: فيلم "50 أو حوتان يجتمعان على الشاطئ" للمخرج خورخي كوتشي

* جائزة الهرم البرونزي وتمنح للمخرج عن عمله الأول أو الثاني: الفيلم الوثائقي "عاش يا كابتن" إخراج مي زايد

* جائزة الهرم الفضي (لجنة التحكيم الخاصة): فيلم "مؤتمر" إخراج إيفان آي. تفردوفسكي

* جائزة الهرم الذهبي لأحسن فيلم: فيلم "التيه" للمخرج بن شاروك، بطولة الممثل المصري أمير المصري

* تنويه خاص: فيلم "غزة مونامور" إخراج عرب ناصر وطرزان ناصر.

** مسابقة آفاق السينما العربية:

* جائزة سعد الدين وهبة لأحسن فيلم وتمنح للمخرج: فيلم "تحت السموات والأرض" للمخرج روي عريضة

* جائزة صلاح أبو سيف (لجنة التحكيم الخاصة): فيلم "حد الطار" إخراج عبدالعزيز الشلاحي

* جائزة أحسن فيلم غير روائي: "نحن من هناك" إخراج وسام طانيوس

* جائزة أحسن أداء تمثيلي: فيصل الدوخي عن دوره في فيلم "حد الطار" إخراج عبدالعزيز الشلاحي

* تنويه خاص: فيلم "خريف التفاح" إخراج محمد مفتكر

** مسابقة أسبوع النقاد الدولي:

* جائزة شادي عبد السلام لأحسن فيلم وتمنح للمخرج: فيلم "الأفضل لم يأت بعد" إخراج جينج وانج

* جائزة فتحي فرج (لجنة التحكيم الخاصة): فيلم "ذهب" إخراج روجيه هيسب

** مسابقة سينما الغد الدولية للأفلام القصيرة:

* جائزة يوسف شاهين لأحسن فيلم قصير: فيلم "إيزابيل" للمخرجة سارة الشاذلي

(قدرها ٥ آلاف دولار مقدمة من منصة "ووتش ات").

* جائزة لجنة التحكيم الخاصة: فيلم "المباراة" إخراج رومان هودل

* تنويه خاص: فيلم "الحياة على الهامش" إخراج مو هراوي

* تنويه خاص: فيلم "من يحرقن الليل" إخراج سارة مسفر

** جائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (فيبريسي): فيلم "التيه" إخراج بن شاروك

** الجوائز النقدية:

* جائزة إيزيس: فيلم "عاش يا كابتن" إخراج مي زايد

(قدرها 10 آلاف دولار، يقدمها صندوق مشاريع المرأة العربية، لأفضل فيلم مصري يبرز دور المرأة اقتصاديا واجتماعيا)

* جائزة يوسف شريف رزق الله (الجمهور): فيلم "عاش يا كابتن" إخراج مي زايد

(قدرها 15 ألف دولار تمنح لأحد أفلام المسابقة الدولية، مناصفة بين المنتج والشركة التي ستقوم بتوزيع الفيلم في مصر)

* جائزة أفضل فيلم عربي: مناصفة بين فيلمي "غزة مونامور" إخراج عرب ناصر وطرزان ناصر، و"نحن من هناك" إخراج وسام طانيوس.

(قدرها 10 آلاف دولار، وتمنح لمنتج أحد الأفلام المشاركة في أي من المسابقات المهرجان).

* جائزة أفضل فيلم يعالج قضايا الاتجار بالبشر: فيلم "على طول البحر" إخراج أكيو فوجيموتو.

(قدرها 50 ألف جنيه تقدمها اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر).

 

جريدة القاهرة في

14.12.2020

 
 
 
 
 

ختام مهرجان القاهرة… الفرصة الضائعة على السينما المصرية والجمهور !

كمال القاضي

انتهت فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي، دون أن تُحدث أثراً يُذكر على أي من المستويات الفنية أو الثقافية، فغاية المهرجان قد تحققت في ما هو خارج الإطار الطبيعي للفن والثقافة والتذوق، فثمة طابع إعلاني، دعائي قد ميز الدورة الثانية والأربعين فصارت النتائج كلها في الاتجاه ذاته المُتفق عليه بغير ما يعكر الصفو، بأفلام سياسية أو اجتماعية من العيار الثقيل، الذي قد يُزعج الجهة المنظمة أو الجهات المعنية، في حال ظهور علامات ودلائل لنوعيات سينمائية تثير الاهتمام، وتدفع إلى التساؤل حول القضايا المصيرية المهمة، التي تشغل عقل المشاهد المُثقف المختلف في منظورة للسينما عن الآخرين، الذين تُباع لهم البضاعة الممتعة والمُسلية في مهرجانات البيزنس العالمية والدولية.

خلال فترة انعقاد المهرجان والتي استمرت نحو ثمانية أيام، من 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري وحتى العاشر منه، تم التركيز على حفلي الافتتاح والختام كبداية مُبهرة، ونهاية أكثر إبهاراً، للحفاظ على الشكل اللامع البراق للمناسبة السنوية السعيدة، التي يتلاقى خلالها المبدعون من كل حدب وصوب على السجادة الحمراء، لينيروا مشاعل التنوير، ويعلنوا الحرب على الجهل والرجعية، في تحد لكل الطاقات السلبية الكونية المحيطة بالإبداع والفن، كمقومات للحياة الراقية المستقرة، ورغم أن الغاية سامية والنوايا مُخلصة، إلا أن ما يحدث فعلياً يأتي على عكس المراد والمُستهدف، فلا طاقة إيجابية تولدت بفعل السينما، ولا توافق دولي وشعبي نتج عن مظاهر الاحتفال الضخم والفخم، ولم يشعر المواطن البسيط، الذي شهد الاحتفال عبر الشاشات الفضائية بأدنى تغيير، اللهم إلا زيادة الحنق وارتفاع ضغط الدم من البذخ والإسراف في الشكل على حساب الجوهر والمضمون.

الجوائز التي ذهبت إلى عدد من الأفلام، لم تأت كلها من قبيل الإجادة أو التميز، وإنما يمكن اعتبارها نوعاً من المواءمة للإشارة إلى وجود مقاييس موضوعية في الرؤية العامة للجنة التحكيم.

لقد بدا ظهور الممثلات الصغيرات، وأنصاف النجمات بملابس السهرة المكشوفة كسمة أساسية مُستفزة للفت الأنظار، وتعويض النقص في الحضور الفني والموهبة، وهو ما دعا إلى توجيه وسائل التغطية الصحافية كافة، إلى فرد العناوين والمساحات للحديث عن فن الإثارة، في أحدث صيحات الموضة وبيوت الأزياء والمتخصصين في التصميمات الدعائية اللافتة، لرفع أسهم الصغيرات على الهوى في ساحة الدعاية والاستعراض غير المُنضبط، أو المرتبط بشروط الشياكة واللياقة والمقبول والمرفوض، لذا فإن انصراف الآراء عن التقييم الموضوعي للأفلام والجوائز في حفل الختام، كان منطقياً ومُتسقاً تماماً مع الفكرة المتهافتة للاهتمام بشكل النجمة ومظهرها، ومواطن الفتنة في تكوينها وتأثيرها، وهو رد فعل لحالة الفوضى العامة التي حولت بعض المهرجانات الفنية والسينمائية في مصر إلى مجرد ديفيليهات مفتوحة للأزياء من دون تقنين، أخذاً بقاعدة الإبهار المغلوطة التي جعلت من البهرجة مقياساً ومعياراً للقيمة والجمال !

الجوائز التي ذهبت إلى عدد من الأفلام، لم تأت كلها من قبيل الإجادة أو التميز، وإنما يمكن اعتبارها نوعاً من المواءمة للإشارة إلى وجود مقاييس موضوعية في الرؤية العامة للجنة التحكيم، ففيلم «التيه» بطولة أمير المصري الحاصل على جائزة الهرم الذهبي، لم يكن متوقعاً له الفوز على هذا النحو الفارق، ومع ذلك برز كأحسن وأهم الأفلام، كذلك تباينت الآراء حول فيلم «عاش يا كابتن» الذي فاز بجائزة الهرم البرونزي، فهناك من رأى أنه الأكثر تميزاً، بينما جاء فوز إلهام شاهين بجائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلم «حظر تجول» للمخرج أمير رمسيس، مناصفة مع النجمة العالمية ناتاليا بافلينكوفا بطلة فيلم «مؤتمر» مشكوكاً فيه، لاعتبارات المجاملة المعهودة في المهرجانات، حفاظاً على الشكل العام للدولة المضيفة والمكانة الجماهيرية والشعبية التي تحظى بها النجمة المنافسة، التي تحتم عادة المجاملة في مثل هذه الحالات فتذهب اليها الجائزة كنوع من ذر الرماد في العيون، كي لا يصدر عن اللجنة ما يثير الحرج، وهو أمر يراه البعض ضرورياً من باب اللياقة والحفاظ على البروتوكول .

نأتي إلى ما صرح به رئيس المهرجان محمد حفظي، وتناقلته المواقع الصحافية كحقيقة مسلم بها، وهو أن حصيلة التذاكر المباعة خلال فترة الفعاليات، وعلى مدار عشرة أيام بلغت 30 ألف تذكرة، وهو تصريح يستدعي التدقيق، لأن معظم دور العرض السينمائية كانت في حالة ركود كامل تقريباً، بسبب عزوف الجمهور عن ارتيادها خوفاً من كورونا، غير أن قاعات العرض المُخصصة للصحافيين والنقاد في دار الأوبرا كانت تؤكد على ضرورة توافر التذاكر كشرط لمشاهدة الأفلام، رغم وجود بطاقات صحافية مخصصة لهذا الغرض، وهو ما يُفسر القيمة الإحصائية لعدد التذاكر البالغ 30 ألف تذكرة، حسب التصريحات المنسوبة لرئيس المهرجان، لأن عدد الصحافيين والنقاد والإعلاميين هو بالقطع رقم مضاف إلى النسبة المذكورة سلفاً، بما يعني أن الجمهور وحده لم يكن صاحب الامتياز في مشاهدة أفلام المهرجان، بل يصح أن يوصف بالغائب المتميز عن الفعاليات برمتها، وهو الأوقع وفق المتابعة الدقيقة والمشاهدة الحية، بعيداً عن التصريحات والعبارات الدعائية الرنانة.

كاتب مصري

 

القدس العربي اللندنية في

14.12.2020

 
 
 
 
 

ليمبي وليمبو!

طارق الشناوي

الفارق فى الحروف، والنطق ضئيل جدا، بينما الزمن يفصل بينهما نحو 20 عاما، وهو أيضا يعادل الفارق العمرى تقريبا بين محمد سعد بطل (الليمبى) وأمير المصرى بطل (ليمبو)، الأول صفة ارتبطت بصعود نجومية محمد سعد منذ فيلم (الناظر) عام 2000 والثانى حصل الخميس الماضى على جائزة (الهرم الذهبى).

لا أحب التعسف فى الجمع بين شخصيتين أو فيلمين، ولكن تذكرت كيف أننا استقبلنا كلًا من النجمين بحفاوة، وكل منهما بدأ خطوته فى أدوار صغيرة ثم صار هو العنوان، سعد كان هو الألفا لجيل (المضحكون الجدد) بعد أن انتزع الراية من هنيدى، وعلى مدى نحو خمس سنوات تصدر المشهد، قبل أن يخنقه (الليمبى) بينما أمير تواجد على خريطة السينما العالمية بعد دورين أو ثلاثة فى أفلام مثل (مبروك أبو العلمين) أمام هنيدى و(الثلاثة يشتغلونها) أمام ياسمين عبد العزيز. ذكرنى أمير بما كنت قد كتبته عنه قبل أكثر من عشر سنوات وتوقعت أنه سيخطو للقمة.

أمير يتقدم بلا دعاية ولا صخب إلى السينما العالمية، حتى هذه اللحظة لا يعد نجما عالميا ولكنه وضع قدمه على بداية الطريق، تعودنا أن نطلق ضفة عالمى على أى فنان ظهر فى عدة مشاهد، أو حتى مشهد، فى أى فيلم يأتى من الغرب، ولو سألت النجم سيقول: (وأنا مالى.. الصحفيين هم إللى قالوا). يعيش عدد من الفنانين فى وهم العالمية، مثل خالد النبوى أو محمد كريم.

فى كل الأحوال ليس هذا موضوعنا، دعونا نتصور مثلا أن فيلم (ليمبو) أتيح له عرضا تجاريا، أكيد لن يتجاوز الأمر سينما (زاوية) بعدد محدود من الحفلات، مع الزمن من الممكن عن طريق التراكم أن يتحقق لتلك النوعيات جماهيرية، كما أن أمير والذى يفكر جديا فى التواجد داخل خريطة السينما المصرية سيواصل مشواره فى أفلام أخرى، تحقق له مكانة عند الجمهور المصرى.

على المقابل، دعونا نتذكر محمد سعد الذى انطلق من (الناظر) بشخصية (الليمبى) وبدأت تتشكل ملامحها، أمام الكاميرا، من خلال هذا الثلاثى: سعد والكاتب أحمد عبد الله والمخرج شريف عرفة، كعادة شريف التقط الومضة، لم يكن شريف فى البداية متحمسًا لسعد فى هذا الدور الصغير، وأثناء التنفيذ أمسك عرفة بروح الشخصية وبدأت تكبر أمامه وزاد عدد المشاهد، شريف كثيرا ما يتدخل فى السيناريو، لو وجد أن هذا الممثل سيضيف، ثم بدأت رحلة سعد مع (الليمبى) منفردا، وحذره عرفة من الاستسلام، طلب منه أن يخرج منها سريعا، سعد لم يلق بالاً للنصيحة، حتى وصل مع الجمهور لمرحلة التشبع، وواجه بعدها الخفوت ثم الانحسار الجماهيرى، ألقى له عرفه قبل عامين بطوق النجاة فيلم (الكنز)، عرفه أحضر عفريت (اللمبى) وقرر أن يصرف العفريت، إلا أن سعد عاد مجددا إلى اللمبى فى فيلم (محمد حسين) ليخنق نفسه بنفسه، يهرب من الليمبى إلى الليمبى، بينما أمير المصرى أراه أكثر إدراكًا للقادم.

(ليمبى) و(ليبمو) بقدر ما يعبر عن فارق ضئيل فى الحروف إلا أنه شاسع جدا فى المعنى، سعد موهبة حقيقية قتلها (الليمبى) بينما أمير موهبة استثنائية سيصعد بها (ليمبو)!

 

المصري اليوم في

14.12.2020

 
 
 
 
 

مى زايد ونجوم (لا لا لاند)!!

طارق الشناوي

خبر لا يمكن أن يمر ببساطة، مى زايد مخرجة فيلم (عاش يا كابتن) تتبرع بقيمة جائزة الجمهور التى حصلت عليها من مهرجان (القاهرة) وقدرها (15 ألف دولار) لصالح مركز تدريب الفتيات لرفع الأثقال بالإسكندرية، أحببت الفيلم كحالة فنية صنعتها بألق المخرجة الشابة، وامتد إعجابى بالإنسان بداخلها الذى لم يتوقف عن إدهاشى، قدمت درسًا على الشاشة وبعيدًا عنها.

لم تكن أم كلثوم تقدم حفلات فى أعقاب 67 لتذهب فقط إيراداتها لدعم القوات المسلحة، كانت تدفع أيضًا من جيبها للفرقة الموسيقية، حتى تذهب الحصيلة كاملة للوطن.

مع بداية ثورة 52 تبرع أغلب نجومنا لصالح الثورة الوليدة وفى 67 قدموا عروضًا على الجبهة لزرع الثقة فى نفوس الجنود، كثيرًا ما كان مثلا كل من الإذاعيين طاهر أبوزيد وسامية صادق وآمال فهمى يذهبون إلى المستشفيات وينقلون عبر أثير الإذاعة لقاءت وأغانى ومداعبات يقدمها عبدالحليم وفريد وشادية وصباح ونجاة ويوسف وهبى وفريد شوقى وإسماعيل ياسين، وغيرهم مع المرضى، لرفع روحهم المعنوية، إنه الواجب الاجتماعى الذى كان جزءًا حتميًا من طقوسهم اليومية.

للناس قلوب تحاسب، حتى لو لم يحاسب القانون، وأقول لمن لم يشاهد الفيلم إن المركز الرياضى كان مجرد خرابة فى الإسكندرية أحالها مدرب الفريق إلى جيم شعبى، من أجل أن تتعلم فتيات الثغر الفقيرات رفع الأثقال ويحققن حلمه حتى بعد رحيله.

الفيلم أبكانا ونحن نتابع إصرار الفتيات على تحدى جبال المعوقات المادية والنفسية، وأبكانا مجددًا عندما شاهدنا المخرجة تتنازل عن قيمة الجائزة كاملة، لصالح مركز الفتيات.

مجتمع لديه كل هذا التحفظ المشوب أيضا بالتحفز، ورغم ذلك نجد فتيات يقاومن ومدربًا عجوزًا يقف معهن فى نفس الخندق ـ تراجعنا كثيرا، كانت الصحفية الكبيرة أمينة السعيد فى الثلاثينيات من القرن الماضى، تلعب التنس وترتدى (الشورت) فى جامعة القاهرة (الملك فؤاد) سابقا، بينما فى منتصف الخمسينيات عندما كان (أبورجيلة) هو المسؤول عن النقل العام أعلن عن حاجته لوظيفة كمسارى، ولم تتقدم الفتيات، فما كان من الصحافة سوى أن هاجمته، وأعاد الإعلان عن وظيفة (كمسارية)، فتشجعت الفتيات، وقدمت السينما لتواكب الحدث فيلم (الكمساريات الفاتنات).

أين الآن الإحساس بالمسؤولية الأدبية لدى القطاع الأكبر من نجومنا؟ (ولا الهوا) ـ أغلبهم ينطبق عليه توصيف (أنوى)، وهو بالمناسبة تعبير استخدمه كاتبنا الساخر الكبير أحمد رجب فى (شنبو فى المصيدة) واكتشفنا مع النهاية أن (أنوى) لا تعنى فى واقع الأمر شيئا على الإطلاق، نعم مهما حقق النجم من شهرة وأموال يظل لا يساوى شيئا فى ضمير الناس، إذا تهرب من دفع الثمن.

(15) ألف دولار لفنان فى بداية الطريق يعنى الكثير، ولكنها نسيت تماما أنها المخرجة التى صنعت فيلما سينمائيا رائعا واستحقت عن جدارة ثلاث جوائز، تذكرت فقط أنها الفتاة المصرية التى آمنت بالفكرة وبالفتيات وبالكابتن رمضان، فقدمت عنهم شريطها السينمائى بكل الحب والشجن، شاركت البنات الحزن على رحيل (كابتن رمضان) وشاركتهن الفرحة على خشبة المسرح بالجوائز، وتقاسمت معهن تصفيق الجماهير.

مى زايد ضربت لكم جميعًا المثل، يا من تعيشون فى جزيرة (لا لا لاند)!!.

tarekelshinnawi@yahoo.com

 

المصري اليوم في

15.12.2020

 
 
 
 
 

نرمين يسر تكتب:

الوطن الذى نحمله معنا إلى المهجر

في عام 2015 وفي أثناء الحرب الدائرة في سوريا، يقرر الشاب "ميلاد" معلم الموسيقى الهجرة خارج بلاده إلى أوروبا أسوة بأخيه "جميل" الذي يتخذ القرار نفسه ويعمل في ساحة انتظار سيارات بلبنان، لما تأكد منه أن لا يوجد مستقبل مهني أو حياة كريمة بسوريا، ولكنه لم يكن راضيا تماما عن أحواله، لأنه لجأ إلى منطقة مضطربة سياسيا وليست أفضل حالا من أحوال بلاده.

يقول مخرج الفيلم إن هناك علاقات وطيدة تربطه بابني خاله اللذين قررا الهجرة "لم أكن أتوقع أن تدق فكرة الهجرة أبواب عائلتي وتسرق أقربائي وأنا نفسي قد راودتني أحلام الهجرة، لكن لم أستطع تحقيقها، ومن شعور الخسارة الذي سبق وعشته عندما فقدت والدي وأنا صغير ومن بعده شقيقتي دفعاني إلى تصوير هذا الفيلم".

في الفيلم الوثائقي "نحن من هناك" الحاصل على جائزة أفضل فيلم غير روائي في مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثانية والأربعين لعام 2020.

يقدم المخرج وسام طانيوس رحلة المهاجرين غير الشرعيين عبر دول عدة ويسجل تفاصيل المغامرة كاملة بين الذكريات والحاضر الذي يعيشانه عبر البحر المتوسط على الشاشة بالاستعانة بجميل الذي ظل يصور الرحلة بدءا من تركيا إلى اليونان إلى مقدونيا ثم صربيا والمجر وصولا إلى السويد، واستقر جميل في نهاية الرحلة بالسويد، وعمل في مجال النجارة الذي ورثه عن والده وعمه، أما عن ميلاد فقد امتدت رحلته إلى ألمانيا، حيث استكمل مشروعه الموسيقي الذي يبرع فيه.

من خلال أحداث الوثائقي ذى الإنتاج اللبناني الفرنسي المشترك يركز المخرج على جماليات الصورة وزوايا التصوير الجيدة حيث نجح المخرج في الوصول إلى حالة الإبهار بكادرات الطبيعة الخلابة في بلاد أوروبا المختلفة التي مر بها، وربما نستنتج أن التصوير الجيد نجح فيما لم تنجح فيه فكرة إقناع المشاهدين بأن حياة المهاجرين سيئة ومنقوصة بعد تحقيق أحلامهما يحتاجان أن يشعرا بأحضان الوطن.

خاصة بعد معرفة أن كلا منهما لا يريد الحرب، فميلاد يقضي وقته ممسكا بالبوق الموسيقي عازفا ألحانه كمقاومة ناعمة لأحوال بلاده الاقتصادية والسياسية، ولكنه يقول إنه ليس رجل حرب، بل يدرس الموسيقى لأجيال قد تستطيع المقاومة، اختار كل منهما الهجرة كما اختار ملايين من المهاجرين اللجوء كبديل عن البقاء بذلك، ومن خلال تلك المشاعر المتناقضة بين الهجرة لتحقيق الطموح والحلم وبين فقد الهوية بين حدود بلدان العالم نتعرف على الأثمان الباهظة التي دفعها كل منهما في سبيل حلمه.

 

الدستور المصرية في

15.12.2020

 
 
 
 
 

فيلم "أوسلو" يُبعد الفلسطيني سليم ضو عن القاهرة السينمائي

سامح الخطيب

غزة مونامور” يُعد أحد أهم الأفلام العربية لعام 2020، وفاز قبل مهرجان القاهرة السينمائي بجائزة اتحاد دعم السينما الآسيوية (نيتباك) من مهرجان تورونتو السينمائي الدولي.

يتواجد حاليا الفنان الفلسطيني سليم ضو بالعاصمة التشيكية براغ، حيث يُشارك في فيلم عالمي بعنوان “أوسلو” يجسّد فيه دور المفاوض الفلسطيني أحمد قريع في اتفاق أوسلو 1993، الأمر الذي حرمه من الاحتفاء بفوز فيلمه الأخير “غزة مونامور” بجائزة أفضل فيلم عربي في الدورة الثانية والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

القاهرة - قال الفنان الفلسطيني سليم ضو بطل فيلم “غزة مونامور” إن الفوز بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي أسعده كثيرا، وكان يتمنى التواجد شخصيا في مصر لولا ارتباطه بعمل عالمي جديد يؤدّي فيه دور المفاوض الفلسطيني أحمد قريع.

وقال ضو في مقابلة عبر الإنترنت من جمهورية التشيك إن دور الصياد عيسى في “غزة مونامور” أعجبه منذ القراءة الأولى للسيناريو، وأدّاه بطريقته الخاصة بالاتفاق مع المخرجين طرزان وعرب ناصر.

وأضاف أن تصوير الفيلم استغرق نحو أربعة أسابيع في الأردن إضافة إلى أسبوع في البرتغال، حيث صوّرت مشاهد ميناء غزة لأنه من الصعب التصوير في مياه البحر قبالة فلسطين أو الأردن.

وأبدى ضو تأثّره الكبير بالتفاعل الإيجابي لجمهور المهرجان مع دوره في الفيلم وإشادة النقاد بالعمل عبر رسائل واتصالات عديدة وصلته، قائلا إنه ربما غاب لفترة طويلة عن المهرجانات والفعاليات السينمائية في مصر، لكن الوقت حان لتعويض هذا الغياب.

وقوبل الفيلم الفلسطيني عند عرضه ضمن فعاليات المهرجان المصري باستحسان الجمهور الذي صفّق طويلا لطاقمه، كما نال ضو إشادة كبيرة من الجمهور والنقاد على حد سواء عن دوره الذي جمع فيه بين خفة الظل والجدية في الأداء.

وجسّد الفنان الفلسطيني في العمل دور الصياد المسن، عيسى، الذي يقع في حب الأرملة سهام (قامت بالدور الممثلة الفلسطينية هيام عباس)، حيث تدور الأحداث في مدينة غزة الخاضعة لسلطة حركة حماس، ليبرهنا من خلالها على أن الحب لا يزال هو الشيء الوحيد الممكن في ظل عالم جنوني.

ويُعد “غزة مونامور” أحد أهم الأفلام العربية لعام 2020، وفاز قبل مهرجان القاهرة السينمائي بجائزة اتحاد دعم السينما الآسيوية (نيتباك) من مهرجان تورونتو السينمائي الدولي.

ووصفته لجنة تحكيم تورونتو بـ”الحكاية الشاعرية والدافئة والمحفّزة للتفكير في المشاعر غير المعلنة التي تصوّر حياتنا اليومية”. كما نال إشادات نقدية واسعة، حيث وصفته الصحافة الدولية “بالجوهرة” و”العمل الرائع والاستثنائي”.

وقال ضو “لديّ رصيد سينمائي كبير وشاركت من قبل في مهرجان القاهرة عام 1993 بفيلم ‘حتى إشعار آخر’ للمخرج رشيد مشهراوي الذي فاز حينها بجائزة الهرم الذهبي”.

وأضاف “كنت أتمنى بالتأكيد المشاركة في أفلام مصرية، وبالفعل اقتربت من العمل مع صديقي الراحل نور الشريف، لكن للأسف لم يحدث ذلك”.

سليم ضوأحمد قريع حرمني من الاحتفاء بفوز "غزة مونامور" في مهرجان القاهرة السينمائي

وعن عدم تمكنه من التواجد في مصر لحضور عرض الفيلم بالدورة الثانية والأربعين لمهرجان القاهرة، قال إن ارتباطاته المهنية حالت دون ذلك، مشيرا إلى أنه سيسافر قريبا إلى مصر للمشاركة في أسبوع للسينما الفلسطينية.

وقال “أتواجد حاليا في العاصمة التشيكية براغ، حيث أشارك في فيلم من إنتاج شبكة ‘إتش.بي.أو’ الأميركية بعنوان ‘أوسلو’، أؤدّي فيه دور أحمد قريع المفاوض الفلسطيني الكبير في اتفاق أوسلو 1993”.

وأضاف “هو عمل ضخم ومسؤولية كبيرة لذلك درست النص جيدا، وتواصلت مع أبوعلاء (قريع) عبر الهاتف قبل نحو ثلاثة أسابيع وتحدثنا طويلا للتحضير للشخصية”.

وأحمد علي قريع، الشهير بأبوعلاء، الذي يجسّد دوره ضو في الفيلم، سياسي فلسطيني من مواليد أبوديس – القدس عام 1937، لعب دورا أساسيا في عملية السلام في الشرق الأوسط حيث شغل منصب المنسق العام للوفود الفلسطينية إلى المفاوضات متعدّدة الأطراف، وترأس الوفد الفلسطيني خلال المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية في أوسلو بالنرويج، التي انتهت باتفاق إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي الذي وقعه بالأحرف الأولى محمود عباس عن الجانب الفلسطيني وشمعون بيريس عن الجانب الإسرائيلي في العشرين من أغسطس عام 1993.

كما ترأس الوفد الفلسطيني في المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي التي أدت إلى التوقيع على اتفاق باريس الاقتصادي في باريس في التاسع والعشرين من أبريل 1994. وترأس أيضا الفريق الفلسطيني في المفاوضات التي أدت إلى التوقيع على اتفاقية المرحلة الانتقالية (أوسلو الثانية) عام 1995.

ويشير موقع الشبكة التلفزيونية إلى أن فيلم “أوسلو” المأخوذ عن مسرحية بالعنوان ذاته للكاتب الأميركي جيه.تي. روجرز سيعرض في سنة 2021.

ويملك ضو (70 عاما) رصيدا فنيا كبيرا -سواء في السينما الفلسطينية أو عبر مشاركاته في الأفلام العربية والأجنبية- بلغ نحو 65 فيلما ومسلسلا حتى الآن.

ومن أبرز أفلامه “السنونو لا تموت في القدس” للمخرج التونسي رضا الباهي و”درب التبانات” للفلسطيني علي نصار و”تل أبيب على نار” للفلسطيني سامح زعبي، وكذلك الفيلمان القصيران “جواز سفر” و”الملجأ”. وبدأ ابن مدينة الجليل مشواره مع الفن في مسرح للأطفال في حيفا قبل أن يسافر إلى فرنسا حيث قضى فيها عدة سنوات، ثم عاد ليؤسّس مسرحه الخاص الذي قدّم من خلاله العشرات من الأعمال تمثيلا وإخراجا، من أبرزها “ساغ سليم” و”الملك هو الملك” و”حلاق بغداد” و”وحيد”.

وعن قادم أعماله قال ضو إنه مرشح حاليا للمشاركة في الجزء الجديد من مسلسل ضخم يعرض حاليا على شبكة نتفليكس، إضافة إلى فيلمين فلسطينيين.

 

العرب اللندنية في

15.12.2020

 
 
 
 
 

«Limbo».. عندما تعزف السينما أوجاع اللاجئين نشيدا للحياة

خالد محمود

تحتل قضايا اللاجئين مكانة بارزة لدى بعض المخرجين فى اعمال السينما الحديثة، والتى اختلفت أساليبها الإبداعية والخلاقة فى تصوير ما يمكن أن نسميه كوارثها الإنسانية، ودائما ما كان يطرح التساؤل كيف يمنح هذا النمط من الأفلام بسرده القدرة على الحكى وإيقاظ مشاعر، ومؤخرا قدم الكاتب والمخرج بن شاروك فى فيلمه Limbo أو «التيه» الفائز بجائزتى أفضل فيلم والفيبريسى بمهرجان القاهرة السينمائى، عملا مميزا للغاية بلغة سينمائية مؤثرة بمفرداتها كاملة الاوصاف، دون افتعال أو خطاب مباشر، فقط استطاع أن يتوغل فى قلب المشاعر الإنسانية لشخوصه وأزماتهم التى انتقلت بسلاسة إلينا كمشاهدين، عبر صورة توحى بالكثير، وسيناريو ذكى، وحوار لمَّاح ممزوج بالفكاهة والحسرة والشفقة بنفس القدر؛ ليتمكن من تقديم حكايته، وبنبرة شاذة تبرز عمق قصته، ويثبت أنه قطعة سينمائية مؤثرة بحق.

الفيلم يدور حول مجموعة من اللاجئين النازحين عالقين فى جزيرة اسكتلندية نائية، فى انتظار مصير طلبات لجوئهم إلى بريطانيا، الوضع أصبح مضطربا للغاية، ليس لديهم مكان ثابت يذهبون إليه، ولا مكان يعودون إليه، هم فاقدو المعنى لماضيهم ولمستقبلهم، وفى مقدمتهم الشاب عمر، موسيقى سورى، ويجسد دوره باقتدار «أمير المصرى»؛ انفصل عن عائلته.. فوالداه فى إسطنبول، وشقيقه قد يكون أو لا يكون فى سوريا، حيث قرر «البقاء والقتال» عندما غادر عمر، كما أوضح خلال إحدى مكالماته العديدة لوالديه، فقد مر 32 شهرًا و5 أيام منذ آخر مرة سمع فيها صوت أخيه.

عمر الهارب من الوضع فى سوريا، نراه يقضى أيامه فى المشى ذهابًا وإيابًا عبر الجزيرة حاملا عوده المثقل بهمومه، تلك الآلة الموسيقية التى تشكل الرابط الوحيد لـ«عمر» بوطنه، حيث كان يعزف ويحلم؛ نادرًا ما يُرى بدونها، فهى تقريبًا جزء منه، رغم انه أصبح غير قادر على التعامل معها، تدور بينه وبين أسرته محادثات تليفونية نعرف منها انقسام هوية المجتمع فى بلده ما بين منضمين للقتال مثل أخيه، وما بين عدم القدرة على تحمل أعباء المعيشة مثل أبيه وأمه التى تطلب منه المال، لكن ليس لديه أى شىء، لا يمكنه العمل بدون اللجوء، ولا يزال ينتظر الموافقة على طلبه، عندما سأل والده عما إذا كانت الجزيرة الاسكتلندية التى أُجبر على الانتظار فيها «مثل جوانتانامو»، أجاب بأنه ليس كذلك، ومع ذلك، نعلم أيضًا أنها لا تزال سجنًا من نوع ما، حيث إن حياته معلقة إلى أجلٍ غير مسمى.

«متى ستذهب للبيت؟».. تسأل والدته، وهى تعلم أن وجهته الأخيرة، فى الوقت الحالى، كان من المفترض أن تكون لندن.. أجاب: «قريبًا»، مع ذلك، متى سيحدث ذلك لا نعلم!!.

حالة عمر المستحيلة، وكذلك رفاقه من اللاجئين تنعكس فى كل عنصر من عناصر الفيلم، حتى المناظر الطبيعية للجزيرة تبدو واسعة النطاق وخانقة فى آن واحد، لخلق تجربة إنسانية مذهلة، وقد حول المخرج الوطن والمستقبل إلى لوحة غامضة كما يتضح من خلال عيون عمر.

يقدم بن شاروك المخرج وكاتب السيناريو نفسه بأنه موهبة مثيرة للغاية، بأسلوبه الذى اتخذه فى تقديم فيلم عن اللاجئين، وهو يتطلع إلى خلق جو من الغرابة والسخرية بتسلسله المدهش، فنحن نرى مثلا كيف يُجبر طالبى اللجوء على تحمل درس فى الوعى الثقافى والمجتمعى من خلال شخصيتين محليين غريبى الأطوار، «هيلجا» وتجسدها الممثلة البريطانبة سيدس بابيت كنودسن، و«بوريس» وجسده كينيث كولارد، حيث يطرحان على اللاجئين كيفية استخدام الفعل «I used to» بشكل صحيح، عبر جملة يختارها الدارس وتكون لها اكثر من معنى وبأكثر من طريقة، وهنا يقول احدهم: «اعتدت أن أكون سعيدًا قبل مجيئى إلى هنا»، «كنت أبكى على نفسى كل ليلة، ولكن الآن لم يبق لى دموع».

«هيلجا» و«بوريس» يسعيان فى دروسهما المسرحية إلى تعليم طلابهم اللاجئين أى شىء، بدءًا من أساسيات العلاقة الحسية إلى الكليشيهات القديمة، التى عفا عليها الزمن حول المستقبل، مثل «كيف يمكنك أن تكون ما تريده لفترة طويلة بينما تعمل بجد بما فيه الكفاية»، نموذج الحلم الأمريكى الذى يبدو أشبه بالإهانة أكثر من كونه تشجيعًا.

ونحن نتعرف على رفقاء عمر فى الغربة يكشف الفيلم بشكل فكاهى عن تصرفات بعض شخصياته الباحثة عن حل، على سبيل المثال، يسرق أحدهم فرهاد افغانستانى الجنسية «فيكاش بهاى» ديكًا من مزرعة قريبة ليكون رفيقه، وينخرط واصف «القادم من السودان» علا أوربيى، فى جدال حول حلمه باللعب لفريق تشيلسى، والعراقى عبيدى، وبحساسية بصرية لافتة للنظر يرسم الفيلم صورة مثيرة للذكريات عن تجربة اللاجئين.
فكل منهم لديه شيء حكيم وهادف ليعلمنا إياه، يوضح لنا فرهاد أنه يمكنك إدراك تعبيرات الشخصيات حتى لو غطوا وجوههم، من خلال النظر فى عيونهم بحثًا عن علامات الحزن أو السعادة، ويحدثنا عبيدى: «تعلمون، لقد وضعنا أنفسنا فى وسط اللا مكان لمحاولة كسرنا»، فيما يتمتم عمر الذى لديه حكمته الخاصة «غدا مشمش»، والتى تستخدم بشكل عام لوصف الرغبة فى شىء لن يحدث أبدًا؛ حيث المناخ البارد مستمر طوال العام، هذا النوع الأكثر قسوة وواقعية يلخص حالته الذهنية فى الفيلم، وهو ينظر إلى نفسه ويبحث عن إجابة قد لا تأتى أبدًا
.

من السهل تخيل دراما مفجعة تحاول أن تدفعك إلى البكاء، لكن المخرج بن شاروك لا يهتم لا بالشفقة على الذات ولا الخطابات السهلة، ويختار بدلا من ذلك السير فى منحنى حالة ذكية ساخرة مليئة بالإنسانية، نعم قد توجع قلبك لكنها تبقيك مبتسما حتى تستمر الدقات تنبض، نجد فى مقابل كل لحظة مشقة كان بطلنا تحملها، مثل عدم قدرته على عزف العود، بسبب جبيرة على يده، قبل ان يعود ليعزف فى مشهد نهاية، أبدع فى أدائه أمير المصرى ويستحق الاعجاب الكبير من الجمهور، الذى صفق له طويلا لروعة تقمصه ومعايشته للشخصية، وكأنه يعزف نشيد الأمل.. نشيد حياة.

 

الشروق المصرية في

15.12.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004