ملفات خاصة

 
 
 

في مهرجان القاهرة..

سينما مصرية لا يعرفها أحد!

عصام زكريا

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الثانية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

"عاش يا كابتن" واحد من أفضل أفلام مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام، وأتصور أنه سيخرج من المهرجان فائزا بأكثر من جائزة.

صناع الفيلم من شباب الأسكندرية المستقلين، الذين تمسكوا بالبقاء في مدينتهم ليصنعوا الأفلام التي يرغبون بصنعها، بعيدا عن شروط الصناعة والوسط الفني في القاهرة، التي أصبحت مركزيتها خانقة ومدمرة في معظم المجالات.

"عاش ياكابتن" هو نتاج تعاون بين أصدقاء لديهم حلم مشترك، لا أثر فيه لشراكة "البيزنس" ومواصفات شركات الانتاج ومتطلبات الجماهير.

هو فيلم تسجيلي ليس به ممثلين أوقصة وحبكة ودراما. فيلم تم تصويره على مدار أربع سنوات، سجل خلالها صناعه حوالي ثلاثمئة ساعة، واستغرق مونتاجه عاما ونصف العام، يعني سبع سنوات من عمر صناعه، يعملون خلالها دون أجر، وينفقون من جيوبهم على الفيلم. ولولا أنهم وجدوا دعما كبيرا من شركات انتاج وصناديق دعم من بلاد أخرى على رأسها ألمانيا، لما استطاعوا إكمال الفيلم، أو لما استطاعوا أن يخرجوه بهذا المستوى العالمي. ومن الدال أن الفيلم شارك في مهرجان "لايبزج" أكبر مهرجانات الأفلام الوثائقية في العالم، باسم ألمانيا، حيث فاز بجائزة أفضل فيلم ألماني!

لا شىء ألماني في "عاش ياكابتن" سوى الدعم الذي قدمته مؤسسات ألمانية للفيلم، وهو أمر يطرح مشكلة يعاني منها السينمائيون المستقلون في مصر، حيث لا يجدون مؤسسات أو جهات دعم مصرية، باستثناء مهرجاني "الجونة" و"القاهرة" اللذين يضمان جوائز مالية لدعم المشاريع الفنية الصغيرة، وهي أيضا غير مخصصة للأفلام المصرية فقط.

وبعيدا عن الدعم الدولي، فإن كل شىء آخر في "عاش يا كابتن" مصري حتى النخاع، الموضوع والشخصيات والعالم الذي يعيشون فيه، كلها تكاد أن تتكلم وتقول: هذه مصر، وهؤلاء مصريون، ولو كنا ندرك الفرق بين الوطنية والبروباجاندا لقلت أنه واحد من أعظم الأفلام الوطنية التي يمكن أن ينتجها أي بلد.

الفيلم من اخراج مي زايد وتصوير محمد الحديدي ومونتاج سارة عبد الله، وهو يدور حول واحدة من الرياضات المظلومة في مصر، التي نحقق فيها نتائج ممتازة على المستوى العالمي، ولكنها لا تلقى اهتماما من قبل المسئولين أو الجمهور الذي لا يعرف سوى كرة القدم.

الكابتن رمضان، بطل رفع الأثقال السابق، ووالد نهلة رمضان التي حصلت على بطولة العالم عام 2003، يعمل كمدرب للفقراء بالمجان لأكثر من عشرين عاما.

في بداية الفيلم نرى الكابتن رمضان داخل "خرابة" مهجورة، هي كل ما جادت به محافظة الأسكندرية من دعم للرجل، وهو راض وشاكر، يأتي بأجهزة الرياضة وببعض الأخشاب ويهيء المكان لاستقبال الفتيات الصغيرات اللواتي يرغبن في ممارسة الرياضة لتدريبهن يوميا. بعض هؤلاء الفتيات حصلن على بطولات محلية وإفريقية وعالمية، ومنهن فتاة جديدة يستشعر الكابتن رمضان أنها تملك مؤهلات البطلة، ويركز عليها، اسمها إسراء ويلقبونها "زبيبة" لسمار لونها.

يتتبع الفيلم مسيرة "زبيبة" منذ أن كان عمرها أربعة عشر عاما، وحتى حصولها على عدة ميداليات ذهبية وفضية في دورة الألعاب الإفريقة وعمرها سبعة عشر عاما، كما يتتبع بعض زميلاتها من البطلات المخضرمات، أو الطفلات الناشئات، والجهود والمتاعب التي يواجهها الكابتن رمضان وفتياته، وأقلها سخرية وتعليقات الصبية والمارة أمام "الخرابة" المكشوفة!

للكابتن رمضان حضور رباني كمدرب موهوب وملهم للآخرين، وكشخصية "كاريزماتية" وجذابة على الشاشة، وهو شخص نبيل، بدون ادعاء أو كلام كبير، يرفض أن يدرب في نواد كبيرة، ويصر على البقاء في حي القباري وسط الفقراء مؤمنا بأن صناعة الأبطال لا تحتاج إلى ملايين وأن الوطنية لا تحتاج إلى مناصب أو شعارات.

"عاش يا كابتن" فيلم تسجيلي تتوفر فيه كل مقومات الفيلم التسجيلي الجيد. إننا نرى ونعايش الشخصيات كما هي في حياتها الواقعية. لا أحد منهم يتحدث للكاميرا، وليس هناك معلق narrator يشرح لنا ما نشاهده، ويبدو الأمر كما لو أن فريق عمل الفيلم قد تلاشوا أو ارتدوا "طاقية الاخفاء" فلم تعد تراهم الشخصيات. والحقيقة أن الشخصيات نسوا وجود الكاميرا والمخرجة ومدير التصوير لإنهم اطمئنوا إليهم واعتادوا على وجودهم، والوصول إلى هذه الدرجة من الثقة والاحساس بالأمان يحتاج إلى وقت وجهد في الأفلام التسجيلية ولكنه مثمر جدا عندما يتحقق.

وبجانب كونه فيلما تسجيليا بامتياز، فإن "عاش يا كابتن" يحمل كل مواصفات الفيلم الروائي الجيد: شخصيات مليئة بالحياة والدراما، وقصص مشوقة ومبهرة، ومواقف عاطفية تدفع المشاهدين للبكاء بحرارة، سعادة وحزنا، ونهاية لا تنسى

"حنة ورد"..أخيرا في مصر

فيلم مصري مشرف آخر يشارك في مسابقة سينما الغد للأفلام القصيرة، وهو "حنة ورد" للمخرج مراد مصطفى، الذي يصل لمهرجان "القاهرة" بعد رحلة طويلة مر خلالها بحوالي تسعين مهرجانا دوليا.

"حنة ورد" هو أيضا فيلم مصري بامتياز، موضوعا واسلوبا. في سرد أشبه بواقعية وتلقائية السينما التسجيلية يدور "حنة ورد" حول تفاصيل حفل زفاف شعبي، وليلة "الحنة" السابقة عليه، حيث تصل للبيت رسامة حنة سودانية لعمل حنة العروس، ولكن ينتهي الأمر بمأساة للعروس، أو ربما للسيدة رسامة الحنة وابنتها الصغيرة، الصامتة، التي نرى الأحداث والعالم من وجهة نظرها.

ينجح المخرج الشاب في صياغة التفاصيل المحلية لطقس الحنة وحفلات الزفاف ولسلوكيات وكلام النساء المصريات الشعبيات، وفي تحقيق سرد محكم وايقاع سريع، وصولا إلى نهاية مفاجئة ولاهثة ومؤثرة.

وكالعادة لا يعرف معظم المصريين شيئا عن هذا الفيلم الذي لف العالم ولا عن فيلم "ستاشر" الذي حصل على السعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير من مهرجان "كان"، ولا عن "عاش ياكابتن" وليس هناك فرصة لأن يشاهدوا هذه الأفلام إلا لو كانوا من مرتادي المهرجانات أو سينما "زاوية"!

 

####

 

أخطر فيلم في مهرجان "القاهرة": كيف تدفع ابنك إلى الانتحار؟!

عصام زكريا

تنقسم معظم أفلام المهرجانات، ومنها مهرجان القاهرة، إلى برامج يتعين على المتابع لها أن ينتبه و"يذاكر" هذه البرامج وأفلامها، قبل أن يستقل الأتوبيس أو التوكتوك الذي سيتوجه به للمهرجان. والتوكتوك ليس مزحة، ففي مهرجان "الجونة" يتحرك الحاضرون عادة داخل المنتج/ المدينة بالتوكتوك أو بتاكسي لندن الفاخر في مشهد سيريالي ظريف في الحالتين!

هذه البرامج التي يتضمنها المهرجان تهدف إلى تغطية ( والأصح أن نقول كشف) مساحات مختلفة من المشهد السينمائي العالمي، وتلبية احتياجات وأذواق المتابعين له. كما أنها يجب أن تكون واضحة للجمهور وهو يتصفح برنامج العروض لاختيار الأفلام التي يشاهدها.

مهرجان القاهرة، مثلا، كان لسنوات طويلة يتضمن ثلاثة برامج رئيسية: مسابقة الأفلام الروائية الطويلة. قسم مهرجان المهرجانات الذي يضم أفلاما شاركت، وفازت غالبا، بجوائز مهرجانات أخرى سابقة، وقسم البانوراما الذي يتضمن أي شىء آخر، من تمثيلات جغرافية لبعض الدول، إلى أفلام جيدة لم تستطع دخول المسابقة، إلى أفلام للمكرمين، إلى مجاملات لبعض اللحوحين..إلى آخره.

"كان" أو لا "كان"..هذه هي المشكلة!

لكن المهرجان غير برامجه منذ عام 2014، على يد الناقد الراحل سمير فريد، الذي أعاد صياغته على شاكلة مهرجان "كان"، فأضاف قسما اسمه "القسم الرسمي خارج المسابقة" وقسما اسمه "أسبوع النقاد"يضم سبعة أفلام على سبعة أيام، وقسما اسمه "سينما الغد" يضم أفلاما قصيرة للشباب، بجانب قسم آخرلا يوجد في "كان" اسمه "آفاق السينما العربية" للأفلام العربية الجديدة، على أن يكون لكل واحد من هذه الأقسام ميزانية محددة، ومدير فني مستقل يمكنه أن يعمل على زيادة هذه الميزانية بمفرده، عن طريق الرعاة والتبرعات والتذاكر.

لكن الأستاذ سمير سرعان ما غادر المهرجان بعد عام واحد، وجاءت الدكتورة ماجدة واصف والراحل يوسف شريف رزق الله. وحافظ الاثنان في البداية على المهرجان كما أعاد صياغته سمير فريد، لكن هذه الأقسام تحولت إلى عبء إضافي لأن المسئولين عنها لم يستطيعوا جلب دعم ولا ايرادات تغطي ميزانيتهم، فحاولت ماجدة واصف أن تتخلص منها وتعيد المهرجان لشكله المختصر المفيد القديم، وحدثت اعتراضات كثيرة أدت بها إلى التراجع وابقاء الحال على ما هو عليه.

وهكذا نصل إلى دورة هذا العام والبرامج التي تتضمنها: بجانب البرامج السابقة يوجد قسم اسمه "أفلام منتصف الليل" يضم سبعة أفلام رعب على سبعة أيام، تعرض بعد منتصف الليل، وهو قسم أضيف منذ عدة سنوات لجذب جمهور الشباب إلى المهرجان وتحقيق بعض الايرادات.

هناك برنامج اسمه "عروض خاصة" وبرنامج اسمه "البانوراما الدولية" وبرنامج أفلام المكرمين الثلاثة كريستوفر هامبتون ووحيد حامد ومنى زكي وبرنامج "مئوية فلليني" وبرنامج أخير اسمه "أفلام ألكسندر سوكورف" ( رئيس لجنة التحكيم).

هذه المجموعة متداخلة المعالم بالنسبة لمرتادي العروض، سواء الجمهور العادي أو النقاد والسينمائيين، وليس واضحا الفارق بين الأقسام الثلاثة: "القسم الرسمي خارج المسابقة" و"عروض خاصة" و"البانوراما الدولية"، خاصة أن ترتيبها بهذا الشكل يشير إلى أنها مرتبة وفقا لمستواها الفني، وليس وفقا لأنواعها وفئاتها، وبالتالي يمكن أن يقوم المشاهد الذي يرتب أولوياته باستبعاد بعضها.

هناك مفهومان مختلفان وراء هذه البرامج: المفهوم الذي وضعه سمير فريد على نهج مهرجان "كان"، وهو تقسيم المهرجان إلى إدارات شبه مستقلة تتكامل ولكن تتنافس فيما بينها على جذب المشاهدين. وهؤلاء المشاهدين في "كان" كثيرين ومتنوعين جدا، ولذلك يحاول المسئولون عنه توسيع حدوده لأقصى درجة ممكنة لاستيعاب عشرات الآلاف من المشاهدين، ومصالح وأذواق وميول هؤلاء المشاهدين. وفوق كل هذه البرامج وغيرها يوجد في "كان" و"برلين" مثلا برنامج ضخم جدا اسمه السوق، حيث يتبارى المنتجون والموزعون بأعمالهم الجديدة، ولا مثيل له في مهرجانات مصر لأنه لا يوجد سوق ولا يحزنون.

المفهوم الثاني هو مركزية الادارة بحيث توضع كل الأفلام تحت مظلة رئيسية قوية وتحتها مظلات أو فروع أصغر، وهو مفهوم يناسب المهرجانات الصغيرة، حجما لا قيمة، ذات الجمهور المحدود. "الجونة"، مثلا، أغنى من "القاهرة" ولكنه يعتمد هذا المفهوم.

الذي يحدد مفهوم أي مهرجان عن نفسه يجب أن يكون طبيعة جمهوره ومرتاديه وليس هوى المنظمين له، بمعنى أنه لا ينفع أن أقيم مهرجانا عملاقا في قرية صغيرة، أو بلد ليس به جمهور سينما، ومصير "دبي" و"أبو ظبي" ماثل فى الأذهان، وحتى اختيار الأفلام التي توضع في هذه البرامج يجب أن يلبي احتياجات الجمهور ( احتياجاته وليس رغباته، والفارق يجب أن يكون واضحا، فالجمهور غير المثقف يحتاج إلى جرعة ثقافة حتى لو لم يكن راغبا فيها).

في مهرجان "القاهرة" نلاحظ أن المفهومين يتداخلان، وهذا طبيعي نظرا لعمر المهرجان الطويل وحجمه وسمعته، ولكن أتصور أن يقوم المسئولون عن المهرجان باعادة النظر في شكله الحالي، وفقا لطبيعة جمهوره التي تنمو وتتغير عاما بعد آخر.

آفاق السينما العربية..إلى أين؟

أحد البرامج التي وضعها سمير فريد هو "آفاق السينما العربية"، وقبل ذلك كانت لجنة التحكيم تختار جائزة أفضل فيلم عربي من بين كل الأفلام العربية المعروضة في المهرجان، وهناك مهرجانات عربية أخرى تمنح جائزة لأفضل فيلم عربي في كل مسابقة على حدة، مثل "الجونة"، وبشكل عام هناك مشكلة تتعلق بهذه الجائزة تحديدا في معظم المهرجانات.

قسم "آفاق السينما العربية" يضم هذا العام ستة أفلام، ولكن هناك أفلام عربية أخرى تشارك في المسابقة الدولية وأسبوع النقاد، وهذه الأفلام قد تكون، وغالبا تكون، أفضل من الأفلام التي تشارك في قسم "آفاق السينما العربية" ولكنها محرومة من جائزة أفضل فيلم عربي!

معنى ذلك أن الفيلم الفلسطيني "غزة مونامور" أو الفيلم المصري "عاش يا كابتن" المشاركان في المسابقة الدولية يمكن أن يحصلا على الجائزة الدولية، ولكنهما لا يستطيعان الحصول على الجائزة العربية (الأصغر)، وفي حالة خروجهما من الجوائز الدولية بلا جوائز، فهما سيخرجان من المولد "بلا حمص" بينما تحصل أفلام "أضعف" على الجوائز العربية، وهذا أمر غريب وظالم.

أخطر فيلم في المهرجان

من أفلام المسابقة المهمة في دورة هذا العام الفيلم المكسيكي "50 أو حوتان يجتمعان على الشاطىء" للمخرج الشاب خورخي كوتشي، الذي يتناول واحدة من أخطر مظاهر عصرنا، وهي ألعاب الفيديو والانترنت وتأثيرها الضار على الأطفال والمراهقين، وبالتحديد أخطر لعبة ظهرت حتى الآن وهي "الحوت الأزرق" Blue Whale، التي اخترعها صبي روسي معتوه اسمه فيليب بوديكين لم يخف نيته الأصلية من تصميم اللعبة وهي دفع لاعبيها إلى الانتحار، وبالفعل تسببت اللعبة في انتحار عشرات المراهقين في عدد كبير من البلاد منها روسيا وفرنسا والمكسيك وفي بلاد عربية منها المغرب والسعودية ومصر، التي انتحر فيها ابن النائب البرلماني حمدي الفخراني منذ عامين. وقد تسببت هذه الحوادث في كثير من الضجة واعادة النظر في القوانين ووسائل التربية في هذه البلاد وغيرها.

يروي فيلم "50 أو حوتان يجتمعان على الشاطىء" القصة الحقيقية لاثنين من المراهقين المكسيكيين، ولد وفتاة، أدمنا ممارسة اللعبة على هاتفيهما المحمول، وعبر المهام الخمسين التي تتضمنها اللعبة وتزداد خطورة مهمة بعد أخرى، وصولا إلى الانتحار.

يشكو بعض الناس من ثقل وقتامة بعض الأفلام التي يشاهدونها في المهرجانات، ولكن أحد الوظائف الأساسية للفن، بجانب الترفيه والتنفيس، هو التنبيه واحداث الصدمة للمشاهد الغافل، الذي يريد أن يظل غافلا، عن رؤية شرور وقبح العالم حوله. ومن المؤكد أن تاثير فيلم مثل "50 أو حوتان.." أكثر تأثيرا من عشرات المقالات والبرامج الباردة التي سرعان ما ينساها المرء.

هذا فيلم يحذر من عواقب التساهل والتسيب التربوي ومن التأثير القاتل لمواقع التواصل وألعاب الانترنت التي يمكن أن تدفع أبنائنا إلى الانتحار أو جرائم أسوأ حتى من الانتحار!

 

الدستور المصرية في

08.12.2020

 
 
 
 
 

«رمضان» يكسب الرهان بعد رحيله فى «عاش يا كابتن»

طارق الشناوي

وحيد حامد وكابتن رمضان كانا هما نجمى مهرجان القاهرة، أمس الأول، الكلمة التى تخترق حاجز الزمن، هكذا أرادها وحيد، والأمل الذى يخترق حتى سقف الأحلام، هكذا أرادها (كابتن رمضان)، شاهدنا ظهرًا تكريم الكاتب الكبير فى ندوة وتوقيع كتاب (وحيد حامد الفلاح الفصيح)، وتابعنا ليلًا فيلم مى زيادة (عاش يا كابتن)، الذى رصد لنا الأيام الأخيرة فى حياة مدرب رفع الأثقال (كابتن رمضان)، ورغم ذلك لم ترحل الفكرة ولم يدفن الأمل.

وحيد هو السحر الجمالى للإنسان المصرى عندما ينصهر فى بوتقة الإبداع، وكابتن رمضان هو عمق الإنسان الذى مهما تضآلت أمامه الإمكانيات فهو قادر على قهر المستحيل.

قبل الندوة، توقعت اللجنة العليا بالمهرجان الزحام، لأن عشاق الكاتب الكبير، وهم كُثر، سيحرصون على المجىء، بدأت شائعات تسرى لإفساد التكريم، قالوا إن تذاكر حضور الندوة مباعة مسبقا، وحددوا السعر 40 جنيهًا.

وهى نصف الحقيقة، لأن الحضور يفرض أولًا الحصول على تذكرة، حيث إن وزارة الصحة تتشدد، ولها قطعًا كل الحق فى ضرورة ضبط عدد الحاضرين لأى فعالية، ولا يتجاوز نصف سعة الصالة، ولهذا جاءت فكرة التذكرة المجانية لتضبط العدد، ورغم ذلك فقد سُمح أيضا لكل عشاق ومريدى كاتبنا الكبير الحضور بلا تذاكر، طالما لا يزال المكان يسمح.. أمس الأول كانت إحدى الذرى التى قدمها المهرجان فى دورته الاستثنائية، التى راهن فيها محمد حفظى على تقديم دورة تليق بمصر، عندما شاهدنا تلك الطوابير التى تقف على باب الدخول لكى تشارك فى حضور ندوة تكريم كاتبنا الكبير، شعرت أن الكلمة تُكرم فى شخص وحيد، الزحام فى المهرجانات عادة مرتبط بالنجوم وبالأفلام المهمة، ولكنها المرة الأولى التى نتابع فيها كل هذا الحضور ومن مختلف الأجيال للتحاور مع كاتب. تخطف الكلمة الصادقة الكاميرا، لأنها تنفذ إلى العمق وتصل إلى الروح، الناس مع اختلاف توجهاتهم جاءوا من أجل المتعة العقلية، وهكذا جاء يوم تكريم وحيد بمثابة حفل افتتاح آخر للمهرجان يعلى من شأن وقدر الكلمة والفكرة.

إخلاص وحيد للقضية التى يتناولها هو عمق الحكاية، الرجل لم يتكسب سوى مما يكتب، ولم يعش إلا لكى يعبر عن رأيه مهما اشتدت العواصف والأنواء، فهو صامد لا يتبدل، إنه- كما وصفه أكثر من كاتب درامى- تواجد فى تكريمه (الكبير الذى علمهم السحر)، وحيد حامد كان هو الكلمة التى رصّعت صدر المهرجان بكل هذا الألق، ولم ينس كعادته فى الحوار مع الجمهور أن يشيد بالكبار الذين تعلم منهم واستوقفهم إبداعه، مثل الكُتاب الكبار محسن زايد ورأفت الميهى، وأشار إلى عبدالحى أديب، وكيف هنأه بفيلم (اللعب مع الكبار)، وقبله محمد عثمان، الذى كثيرا ما دافع عنه، تلك هى الروح الحلوة التى أحاطت بكاتبنا الكبير، وهو ما يمارسه مع كل يد طلبت منه المساعدة، ولهذا حرص يوم تكريمه على أن يذكرهم جميعا.

إنه يوم سينمائى بامتياز، حيث عرض واحدًا من أهم التحف السينمائية هذا العام، الفيلم الأمريكى الحائز (أسد فينسيا) قبل نحو شهرين (أرض الرحل)، إخراج الصينية كلوى تشاو، وهو يستحق منا مساحة أخرى. لننتقل إلى ختام العروض بالفيلم التسجيلى (عاش يا كابتن) إخراج مى زيادة.

المهرجان بدأ قبل نحو أربع سنوات مثل كل المهرجانات الكبرى بالسماح بعرض الأفلام التسجيلية الطويلة داخل مسابقته الرسمية.

العام الماضى (احكيلى) إخراج ماريان خورى الحاصل على جائزة الجمهور، هذا العام فيلم (عاش يا كابتن)، رسم القدر السيناريو ولم يكتبه أحد، شاهدنا الكابتن رمضان مدرب رفع الأثقال الحالم بأن يحقق جائزة عالمية للفتيات بالإسكندرية وهكذا يبدأ بتدريبهن، ونرى المكان الفقير، مساحة أشبه بخرابة موحشة، أحالها الكابتن رمضان بإمكانيات بسيطة ومقابل اشتراك ضئيل جدا إلى جيم شعبى للتدريب، ورأينا أثناء التدريب الإخفاقات أكثر من الانتصارات، كابتن رمضان وكأنه يستعد للرحيل، فى كلماته كان حريصا على تأكيد أن الحياة ستمنحه سنوات عديدة قادمة، بينما عيناه يسكنهما الموت، هكذا رأيت كثيرا العيون التى تسبق الموت.. راجعوا مثلا نظرات عبدالحليم حافظ أو سعيد صالح قبل الرحيل، تجد دائما أن هناك عالمًا آخر ذهبت إليه، فهما ليسا معنا تماما، جزء يعيش هناك، الكابتن رمضان أرسل لى إشارة من خلال اللقطات القريبة لعينيه باقتراب الرحيل، ولم أدر طبعا هل سيودعنا أثناء التصوير؟!.. ولكن هكذا جاء التوقيت ليعيد بناء السيناريو، يتحول حضور الكابتن رمضان من الكلمة إلى الفكرة، الكابتن زرع شجرة، ورأيناها تنبت وكأنها تؤكد لنا أنه لا يزال يمنح السعادة والنماء للبنات الفقيرات اللاتى راهن عليهن وراهنّ عليه، المرأة المقهورة، منذ (اللفة) حتى الكفن، تستطيع أن تفعل الكثير لو وجدت من يؤمن بها، هذا الفيلم بكل تلك البساطة يرد لها الاعتبار المجتمع الذكورى المحافظ والمتحفظ والمتحفز دومًا ضد المرأة، استطاعت بناتنا أن يحققن الانتصار، ويمارسن رياضة ينظر إليها دومًا بأنها تليق فقط بالرجال، وعاشت القيم والهدف الذى زرعه فيهن كابتن رمضان.

حرصت المخرجة مى زايد على أن تقدمه لنا بـ(عَبَلِه) على الشاشة: مشيته، تسريحة شعره، مداعباته، قذفه بالحجارة، وتجاوزه بالألفاظ ضد من يأتى من المراهقين للسخرية من حلمه.. كلها تفاصيل تصب لصالح الفكرة، لو تدخل المونتاج أكثر فى اختصار اللقطات الزائدة فى الجزء الأخير من الفيلم بعد رحيل (كابتن رمضان) لزادت جاذبية الشريط، ورغم ذلك، يجب أن نذكر أن الفيلم تمكن من أن يسكن الوجدان، ووصلت الرسالة، وعاش كابتن رمضان بعد رحيله.

tarekelshinnawi@yahoo.com

 

المصري اليوم في

08.12.2020

 
 
 
 

وحيد حامد: تحايلت على «الرقابة» في أفلامي

الكاتب المصري قال إنه جدد من نفسه بالتعاون مع المخرجين الشباب

القاهرة: انتصار دردير

ما بين دموع الحضور ليلة افتتاح الدورة الـ42 لمهرجان القاهرة السينمائي، التي ظهر فيها الكاتب الكبير وحيد حامد مستنداً إلى عكازه، وهو يقول لهم، وكأنه يوصيهم «تذكروا أفلامي التي ربما تكون قد أسعدتكم»، وما بين حال الحب التي لمسها في احتفاء نجوم الفن والجمهور خلال ندوة تكريمه بالمهرجان فارق كبير جداً، بعدما تحولت ندوة تكريم حامد إلى مظاهرة حب أحاطته، وهو يستمع لإحساس الفخر والعرفان بالجميل من نجوم أفلامه، ومن شباب لم يلتق بهم من قبل؛ ما جعله يقول في سعادة «لقد منحتموني اليوم عمراً جديداً يدفعني للاستمرار حتى النهاية».

وأصدر مهرجان القاهرة السينمائي كتاباً قيّماً عن مسيرة وحيد حامد الفنية التي امتدت نصف قرن بعنوان "الفلاح الفصيح" للناقد والكاتب المصري طارق الشناوي، الذي أدار دفة الحوار مع حامد ، وسط حضور جماهيري لافت يعكس تقدير الوسط الفني للمؤلف المصري البارز.

وقال وحيد حامد في ندوة تكريمه بالمهرجان مساء أول من أمس، إن مشواره زيّنه نجوم وأساتذة كبار، أبرزهم عادل إمام، وأحمد زكي، ونور الشريف، ومحمود عبد العزيز، وليلى علوي، ويسرا، وإلهام شاهين، الذين ربطت بينه وبينهم عشرة ومودة وصاروا كأهله، وأقسم حامد خلال ندوته أنه لم يتبن قضية إلا وهو مقتنع بها، وتحدث عن علاقته بابنه الوحيد المخرج مروان حامد قائلاً «علاقتي بمروان علاقة الأب أولاً، والمخرج ثانياً، لكنّني أخاف منه، وأستشيره في أعمالي ولا يمكنني الاقتراب من أعماله»، وأشار إلى أن مروان رد جميل الأديب الراحل يوسف إدريس فقدم قصة «أكان يمكن أن تضئ النور يا لي لي» في مشروع تخرجه، وكان إدريس الذي كان وحيد حامد مفتوناً بكتاباته، قد نصحه بالاتجاه للكتابة الدرامية بدلاً من الرواية والقصة، وهو ما يؤكده حامد بأنه «صاحب فضل عليه».

والتقى وحيد حامد مع ابنه عبر فيلم «عمارة يعقوبيان» عام 2006، الذي أثار جدلاً كبيراً لجرأته، وواجه بسببه هجوماً وصل إلى حد قيام 112 نائباً في البرلمان المصري بتقديم طلب بحذف مشاهد منه بزعم الإساءة إلى سمعة مصر، وعُرض الفيلم على لجنة من داخل البرلمان التي طالبت بعدم حذف أي مشاهد منه؛ ما اعتبره حامد انتصاراً لحرية الإبداع، مؤكداً أن الفيلم أثار صدمة قوية للمشاهد؛ وأنه قصد ذلك لإيمانه بأن السينما الحقيقية هي التي تعري المجتمع؛ لذلك تبقى سينما محفوفة بالمخاطر دائماً.

وعُرف حامد بتميز جمله الحوارية، وبجرأة طرح قضايا أفلامه، وكشف عن ذلك مؤكداً «الكتابة بالنسبة لي شيء مقدس، ومنذ أن كنت شاباً وأنا آخذ من الناس وأعطيهم، وأعمل على تطوير جملة الحوار، فلم أتدنَ لجمل سوقية، ولم أفتعل الإضحاك في أعمالي الكوميدية، وكل المخرجين الذين عملت معهم استفدت وتعلمت منهم، وكانوا أصحاب بصمة في عملي، وكلما شعرت بتقدم العمر، وخشيت على نفسي من الجمود، كنت أعمل مع مخرجين شباب لأجدد فكري، وحتى في التلفزيون يرجع الفضل فيما قدمته لمخرجين مهمين، مثل إسماعيل عبد الحافظ، ومحمد ياسين في مسلسل (الجماعة)».

وتعرضت أفلام وحيد حامد، لأزمات رقابية عدة، وكان يخرج منها «منتصراً»، حسب وصفه، وكشف حامد عن أنه كان يتحايل على الرقابة بكتابته في السيناريو (مشهد لا أهمية له في الفيلم)، ويدرك أن الرقابة ستتوقف عنده طويلاً، فينشغلوا به، بينما تمر المشاهد الأصعب، وأكد أنه كان يعرف قوانين الرقابة جيداً، وكان يتصدى لأى تغيير في حواره، ويرفض حذف مشاهد يرى أنها أساسية حتى لو كانت صادمة، وكانت أغلب أفلامه تمرّ عبر لجنة التظلمات بعدما يرفضها الرقباء خوفاً من جرأتها، وطالب وحيد حامد «الرقابة» بالتخفيف من قيودها حتى يتنفس المبدعون.

وقدم حامد خلال مشواره الفني الذي بدأه في سبعينات القرن الماضي عدداً كبيراً من المسلسلات (30 مسلسلاً إذاعياً وتلفزيونياً)، غير أن ولاءه الأكبر ظل للسينما التي قدم بها 40 فيلماً أثار معظمها جدلاً كبيراً، وكما يقول «أقف دائماً في صف التجديد والإبداع، وأرى أن من حق كل كاتب أن يطوّر في عمله، فكتابة السيناريو تتطلب خيالاً خصباً يلتقط المشكلة من الواقع، وينقلها وفق رؤية كاتبها على الشاشة، ولا بد أن يشعر الكاتب بالواقع، وحين أكتب تكون كل الشخصيات داخلي، ولا أستطيع الكتابة إلا في مكان عام، وعادة أتقمص شخصيات أبطالي وأحدثها حتى يظن من حولي أنني مجنون».

وتعامل حامد مع الأدب في أفلام عدة، من أبرزها «الراقصة والسياسي» لإحسان عبد القدوس، ويوجه نصيحته للكتاب الجدد قائلاً «أنصح من يتعامل مع الرواية أن يقرأها أولاً ويستوعبها جيداً ثم يكتب السيناريو وفق رؤيته الخاصة، ومن حقه تغيير بعض عناصر الرواية، ومثلما قال أستاذنا نجيب محفوظ «الرواية موجودة بالمكتبة، لكنّ الفيلم السينمائي ملك صاحبه، وإن ظلت روح الكاتب لا تتغير».

وتصدّى وحيد حامد (76 سنة) الذي مُنح «جائزة الهرم الذهبي التقديرية» بمهرجان القاهرة السينمائي أخيراً، في كتاباته لقضايا مهمة شغلت المجتمع كقضايا الإرهاب والتطرف الديني، والروتين الحكومي، التي طرحها في أعمال عدة على غرار «الإرهاب والكباب»، «طيور الظلام»، «دم الغزال»، وغيرها.

ووصف حامد زمنه بأن «الكبير كان يراعي فيه الصغير، ويأخذ بيده»، قائلاً «احترمت كل يد طيبة مُدت لي، ولم أخذل أي يد طلبت مني شيئاً»، مؤكداً أنه تعلّم التواضع من الكبار أمثال نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي، وأشار إلى أن جيله كانت لديه مشكلاته وأزماته، والجيل الحالي له أيضاً مشكلاته، لا سيما في عصر التكنولوجيا التي فرضت أشياء جديدة، وخلفت حالة من الاستهتار، «زمان كنّا نجد ورقة على الأرض نقرأها، الآن طغت (ثقافة فيسبوك السطحية) التي ستدمر الشباب، والثقافة الرفيعة تتحقق من خلال القراءة والعلوم، وإذا كنا سنستخف بالأمور وننغمس في الثقافة الرديئة فسوف نخسر كثيراً».

وخلال تكريم وحيد حامد، قالت الفنانة يسرا، صاحبة النصيب الأكبر في أعماله «أعتبر نفسي محظوظة بما قدمته مع وحيد حامد؛ فهو كاتب لديه وجهة نظر عميقة في القضايا التي يطرحها عبر أفلامه»، في حين وصفت ليلى علوى أعمالها معه بأنها الأقرب إلى قلبها، مؤكدة أنه من الكتاب الذين يجيدون التعبير عن المشاعر كافة بعبقرية، بجانب تميزه في لغته البصرية، وقالت إلهام شاهين، التي عملت معه في أفلام «البريء، والهلفوت، وسوق المتعة»، إنها تفخر بالعمل معه.

 

####

 

«حد الطار»... فيلم سعودي يجمع النقيضين في أجواء التسعينات

افتتح عروض مسابقة آفاق السينما العربية في مهرجان القاهرة

جدة: عائشة جعفري

بتطورات متسارعة ونهاية غير متوقعة افتتح الفيلم السعودي «حد الطار» عروض مسابقة آفاق السينما العربية في مهرجان القاهرة الدولي بدار الأوبرا المصرية.

ويقدم فيلم «حد الطار»، الذي ينافس في المسابقة الرسمية للمهرجان صورة لما كان يعيشه المجتمع السعودي خلال فترة التسعينات، مناقشاً قضايا متعددة.

تدور أحداث الفيلم الذي كتبه مفرج المجفل وأخرجه عبد العزيز الشلاحي في ثاني تجاربه في الأفلام الروائية الطويلة، في عوالم خفية تحكمها العادات التي تمنع إشباع غريزة الاكتشاف إلا عبر الذاكرة والقصص المكتوبة. ويحاول صناع الفيلم النفاذ إلى ما تحت الغطاء الاجتماعي، عبر قصة حب.

بطل الفيلم «دايل»، ابن السياف، لا يرغب في أن يرث مهنة والده لينفذ أحكام القتل أو الحرابة بالسيف في حق مَن صدرت بحقهم الأحكام الشرعية، ويقع في غرام «شامة» ابنة مُغنية الأفراح الشعبية أو كما تسمى بالخليج والسعودية بـ«الطقاقة»، في مفارقة اجتماعية بين الفرح والموت.

ويتحدث مخرج الفيلم عبد العزيز الشلاحي لـ«الشرق الأوسط» عن تفاصيل صناعة «حد الطار»، مبيناً أن العمل في الفيلم استغرق 3 سنوات، وأن كلمة «حد» في اسم الفيلم يعني «تنفيذ الأحكام والحدود»، بينما كلمة «الطار» تعني «الطبل» وهو اجتماع لنقيضين في مفارقة درامية.

وأضاف الشلاحي بخصوص حضور الفيلم في مهرجان القاهرة: «ما أسعدني أكثر هو سماع كثير الآراء والإشادات التي سمعتها بعد عرض الفيلم، خصوصاً أن هذا الإنجاز مرتبط بالسينما السعودية التي لا زلنا نعمل على تمثيلها في المحافل الدولية، وقد تم اختيار الفيلم ليكون فيلم الافتتاح في مسابقة آفاق للسينما العربية، ونفدت جميع تذاكر العرض لليوم الأول بسبب رغبة الجمهور في مشاهدة الفيلم».

 

الشرق الأوسط في

08.12.2020

 
 
 
 
 

هل يفعلها مهرجان القاهرة السينمائي؟

فاطمة شعراوي

يحزنني أن تقترن كلمة تجاهل بالفنان العظيم الراحل محمود ياسين الذي استطاع - رحمه الله، بأدبه الجم وأخلاقياته وفنه ورقيه ووطنيته وتواضعه - أن يخلد اسمه في تاريخ الفن المصري والعربي.

هذا التجاهل هو الوصف الذي تعامل به مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ٤٢ المنعقدة حاليًا تجاه النجم الأصيل صاحب المشوار الفني المشرف والذي يفتخر به كل مصري.

برغم التكريمات المحلية والدولية التي نالها محمود ياسين ، الذي ظل لسنوات طويلة سفيرًا لمصر وواجهة مشرفة للفن المصري في العالم كله، إلا أن تكريم اسمه في أهم وأعرق مهرجان سينمائي مصري كان أمرًا واجبًا، فهو الحاضر الغائب الذي نتذكره دائمًا بصوته المميز الذي جعله يتولى مهمة التقديم والتعليق في الكثير من الفعاليات الفنية والوطنية المهمة، ويكون قاسمًا مشتركًا بها.

محمود ياسين لم يكن فنانًا عاديًا؛ بل تعدت قيمته ونجوميته فكرة كونه ممثلًا مشهورًا؛ بل هو فنان حمل السينما المصرية على أكتافه في السبعينيات والثمانينيات وقدم للفن الكثير والكثير ما بين أفلام تعدت الـ180 فيلمًا من أهم الأفلام في السينما المصرية والعربية.aspx'> تاريخ السينما المصرية والعربية ومسرحيات مهمة ومسلسلات تعد بصمات في عالم الدراما العربية .

لم يحقق محمود ياسين نجاحه فقط بأدواره الرومانسية في السينما المصرية ، وخاصة في فترة السبعينيات، والتي لقب بسببها بفتى الشاشة الأول، ولكنه يعد أهم فنان قام بتجسيد دور المحارب في الأفلام الوطنية التي رصدت الفترة ما بين عامي 67 و73 مثل (الرصاصة لا تزال في جيبي)، و(أغنية على الممر) و(الوفاء العظيم) و(الظلال في الجانب الآخر) و(حائط البطولات).

وهو النجم الذي لم يستسهل أبدًا في اختياراته الفنية، وإنما كان هدفه دائمًا إمتاع جمهوره بأداء أصعب الأدوار النفسية وأعقدها؛ كأدواره في فيلم (أين عقلي)، (وثالثهم الشيطان)، ومسلسل (الدوامة).

محمود ياسين هو أكثر فنان منحه التقدم في العمر مساحة أكبر للعب أدوار مميزة في السينما وقف فيها بجانب الأجيال الجديدة.

وهو النجم الذي وقفت أمامه نجمات مصر جميعًا بلا استثناء؛ منهم شهيرة زوجته، وسعاد حسني في (أين عقلي)، وسميرة أحمد في (ليل وقضبان)، وشادية في (نحن لا نزرع الشوك)، وفاتن حمامة في (الخيط الرفيع)، وماجدة في (أنف وثلاث عيون)، ونادية لطفي في (قاع المدينة)، وعفاف راضي في (مولد يا دنيا)، ونجلاء فتحي في (اذكريني)، ونادية الجندي في (الباطنية)، ويسرا في (الجلسة سرية)، وصفية العمري في (الحرافيش)، ونيللي في (العذاب امرأة)... وغيرهن من نجمات الأجيال المختلفة ممن تكررت أعمالهن معه في السينما أو التليفزيون.

وفي التلفزيون، قدم عشرات المسلسلات، منها (الدوامة)، و(غدًا تتفتح الزهور)، و(مذكرات زوج)، و(اللقاء الثاني)، و(أخو البنات)، و(اليقين)، و(العصيان)، و(سوق العصر)، و(وعد ومش مكتوب)، و(ضد التيار)، و(رياح الشرق)، و(أبوحنيفة النعمان).

أعتقد أن تكريم النجم محمود ياسين يعد إضافة ل مهرجان القاهرة السينمائي ، والفرصة لا تزال قائمة في حفل ختام المهرجان؛ الذي يعي الجميع قيمته ومكانته في قلوب عشاق الفن السابع، والذين استنكروا عدم تكريم اسمه بالمهرجان الذي عقد بعد رحيله بأربعين يومًا.

 

بوابة الأهرام المصرية في

08.12.2020

 
 
 
 
 

"الأب" هوبكنز.. أكثر من مجرّد مَشاهد!

رولا عادل رشوان

غرفٌ مرتبةٌ بألوانٍ حياديةٍ.. مرتّبة ومريحة للعين، تتدخل الموسيقى في المشهد فجأةً في إطار سيمفوني متصاعد لا يتناسب وبطء المشاهد وحركة البطلة التي تضع حاجياتها وتدخل لغرفة والدها

يبدأ الحوار هادئاً وإن كان محتشداً بالعواطف فيما يبدو كمشادةٍ عاديةٍ بين رجلٍ طاعنٍ في السِّن دائم الشِّجار مع ممرِّضَتِه، بينما تُبْلِغُهُ ابنَتُهُ بأن عليه أن يتقبل فكرة تعيين رعايةٍ متخصصةٍ له لظروف رحيلها عن البلاد وبالتالي عدم قدرتها على رعايته الكاملة من الآن فصاعداً.. 

نتتبَّع مشاعر الأب الحزين والابنة –على مشارف الأربعين- التي لا حول لها وترغب في عَيْشِ ما بقيَ من حياتها بسلام. سؤال يطرحُهُ عقلُك في الدقائق الأولى حتى مع ابتذاله، عن حدود التضحية والوفاء بالواجب! نسخة حديثة من "الملك لير"..؟ ربما! سؤالٌ عن الوفاء والتضحية، وإلى أيّ حدٍ قد نبذل، وماهية الشعرة الرفيعة بين التفاني والتخلّي.

بعد لحظاتٍ، تحلُّ عزيزي المشاهد ضيفاً على نفس الغرفة، وتعاصر أحداثاً مغايرةً للمشهد السابق، تنفي ما سمعته وتُكَذِّب ما شَهِدْتَهُ لِتَوِّك، فيتحرك عقلك في سرعةٍ واضطرابٍ مُحاوِلاً إيجادَ تفسيرٍ، تبتسم مداراةً لعجزك عن إيجاد إجابةٍ واضحةٍ، تميل برأسك وتضيق عيناك مُحاوِلةً قراءة ما بين عيون الأشخاص على الشاشة، من منهم يكذب؟ من منهم يمارس عليك الخدعة؟!

قد تبدو حكايةً عاديةً أو مُعادةً، لكنها ليست كذلك، ففيلم "الأب"، الذي عُرِضَ في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 42 للمرة الثانية، بعد أن كان فيلم الافتتاح قد حظيَ بإشادةٍ عاليةٍ من النقاد والحضور، ما دفع الجمهور إلى التدفق نحو شباك التذاكر التي نفدت صبيحة الجمعة الرابع من كانون الأول (ديسمبر) 2020، يوم العرض الثاني والأخير في المهرجان، افتتاناً بالترشيحات التي حصدها وانتظاراً لعرض السير "أنتوني هوبكنز" الذي لا يختلف عليه أحد، والحاصل على أرفع الجوائز العالمية في مجال السينما، ما بين الأوسكار وإيمي والبافتا وسيسل بي دوميل، وتشاركه البطولة وروعة الأداء الممثلة الإنجليزية أوليفيا كولمان.

حاز فيلم "الأب" جائزة الجمهور عند عرضه في مهرجان "سان سباستيان"، ومن المتوقَّع ترشُّحُهُ لنيل العديد من جوائز الأوسكار للعام 2021

ويحتفي المهرجان في دورته الحالية بكاتب السيناريو كريستوفر هامبتون، الذي يُعْرَض له حالياً، وضمن فعاليات المهرجان أيضاً فيلم "تكفير" (Atonment)، والذي ترشَّح عنه لأوسكار عن أفضل سيناريو مقتبس، الجائزة التي حازها بالفعل العام 1988 عن أهم أعماله "علاقات خطرة" (Dangerous liaisons).

لستَ مجرد مُشاهِد، هذه خدعة..

بعد دقائق، مشهد آخر، وأحداث أخرى مغايرة ومناقضة ومفعمة بالمشاعر، في سباقٍ لا ينتهي بين ضحكاتٍ تنطفئ فجأةً قبل أن تبللها الدموع.. مشاعر مختلطة، إحساسٌ تام بالعجز، نظريات تستحدثها وتُحاوِل دمجها دون أي قدرةٍ على الاستيعاب، تخبُّطٌ تام، رهبةٌ، تملمُل.. وبينما يبحث البطل الذي يعاني من أعراض فقدان الذاكرة التصاعدي، والخَرَف المصاحب لتقدُّمِه في السِّن، عن ساعته التي يعدُّها ملاذه للتفريق بين الحقيقة والوهم، بين الليل والنهار، وبينما نتابع تمسُّكَهُ بالبحث عن ساعته في كل مرّةٍ يجِدُ نفسه فيها تائهاً لا يختلف عن حالك، نجد أنفسنا نجلس منزعجين مضطربين، ننظر إلى ساعاتنا لتتخيل كم من الوقت قد مرَّ علينا حائرين هنا ومتى يظهر "المخلّص" الذي من شأنه حلّ اللغز أو إطلاق رصاصة الرحمة.

وتلك عزيزي القارئ - المشاهد التالي؛ ربّما هي الخدعة، فإن قُصّت كل تلك الحكايات السابقة عن مرض ألزهايمر وما على شاكلته من وجهة نظر "الراوي العليم"، فهذه المرّة تختلف، أنت اليوم في حضرة عقل "الأب" المحتار، تشهد الأحداث تماماً كما يراها، تتداعى أمامك المشاعر الصادقة والمخادعة، وأنت الخصم والحكم.

الديكور والملابس.. كل إيماءةٍ محْضُ وَهْم ببساطةٍ تكاد تكون مروِّعَةً، لا تكاد تلحظ فرقاً في ملابس الشخصيات، مشاهد متعددة متتابعة باختلاف التوقيت، والمكان، والأبطال بنفس الجلسة، يتبادلون نفس الحديث وتتكرر نفس المشاهد بفروق بسيطة، تراهن على وعيك أو تستفزُّه، وعي المريض/المُشاهد وقدرته على التمييز، وتنتصر الحيرة في كلّ مرّة.

عددٌ محدودٌ من الأبطال، تتغير وظائفهم وشخصيّاتهم، لا حساب هنا للزمن، ولا للمكان.. "التيه" كما يجب أن يكون، بلا بوصلة ولا دليل، رحلة بين الماضي والحاضر، الحقيقة والخيال، رحلة "نولانيّة" بامتياز لكن بلا سريالية، الواقع هنا هو مسرح الأحداث.

وكانت قُدِّمَت القصة الأصلية في عرض مسرحي العام 2014، من إخراج "فلوريان زيلر"، وفازت بجائزة موليير لأفضل عرض مسرحي في باريس لنفس العام، وقد قدّم "زيلر" ذات التجربة في فيلم "الأب" في تجربة إخراجه السينمائية الأولى، المخاطرة التي لم يتردد "هوبكنز" في خوضها، واثقاً بأن لديه المزيد ليقدمه، فإن كان البطل في الفيلم قد خانه طول العمر، فقد ظلّ "هوبكنز" نفسه منيعاً ضدّه وقدّم بالفعل واحداً من أعظم أدواره في تجربةٍ لا تفوَّت ولا تُمَلّ.

 

منصة الإستقلال الثقافية في

08.12.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004