كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

ما بعد المهرجان:

أزمة الجونة أم أزمة الصحافة؟

رانيا يوسف

الجونة السينمائي

الدورة الرابعة

   
 
 
 
 
 
 

هل نقول: ما هي الأزمة الحقيقية التي يواجهها مهرجان الجونة؟ أم ما هي الأزمة التي تواجه أي مهرجان سينمائي في مصر؟

عندما نطرح السؤال الخطأ فإننا نبحث بالضرورة عن الإجابة الخطأ. الأزمة الحقيقية التي تواجهها أية فعالية سينمائية كبيرة في مصر هي في الحقيقة عدم وجود مطبوعات أو برامج متخصصة، وذلك بعد توقف العديد من المجلات والمطبوعات الخاصة بالمحتوى السينمائي تستطيع لفت نظر الجمهور إلى الصناعة والفعاليات المهمة، وتقديم ما يراه القائمون على هذه المطبوعة أو البرنامج التليفزيوني، مهمًا ويستحق متابعة من جمهور المتفرجين.

خلال الثمانينيات والتسعينيات كان التليفزيون المصري يهتم باختيار مجموعة من الأفلام الأجنبية المميزة لعرضها كل أسبوع في سهرات قنواته المختلفة، مع وجود ناقد سينمائي يمنح المتفرج ما يرى أنها مفاتيح المشاهدة الممتعة، هذا الدور كان يلعبه الناقد ليبني وعيًا سينمائيًا لدى الجمهور بدلًا من الاستسلام لمقولة "الجمهور عاوز كدا"، وفي الحقيقة كان الناس يشاهدون نوعي الأفلام: الخفيفة والاستهلاكية، وجزء معتبر منهم يشاهد أفلامًا ذات قيمة فنية مرتفعة.

مَن منا لم يتربى على نادي السينما الذي كانت تقدمه الإعلامية درية شرف الدين، والذي كان أحد المصادر الثرية للمشاهد: العادي والمتخصص على السينما العالمية. مهرجان القاهرة السينمائي أيضًا لعب دورًا كبير في تلك المرحلة بسبب اختياراته من الأفلام وطرحها على الجمهور في سينمات المدينة.

مع نهاية التسعينيات توقفت مطبوعات سينمائية متخصصة كانت تنشر مقالات وتقارير وملفات هامة عن أحدث ما ينتجه العالم في السينما، مع تغطيات لأهم وأشهر المهرجانات وبعض الترجمات من لغات أخرى إلى العربية. مثلًا مطبوعات مثل عالم السينما أو الفن السابع أو الأعمدة الصحفية الثابتة في أهم الصحف القومية ثم الحزبية والخاصة، التي ساهمت في منح المشاهد المحب للسينما ما يمتعه. في مقابل ما نراه الآن من محاولات فردية متناثرة هنا وهناك لبعض الكتّاب في مواقع إلكترونية أو ما تبقى من مساحات في صفحات الفن في الصحف الكبرى.

بجانب تقلص مساحات النشر؛ تصارع الآن الكتابات الجادة عن السينما وحشًا جديدًا: التريند، وتقييم المادة الصحفية سواء كانت خبرًا أو مقال رأي بعدد "الكليكات". طبعًا مقارنة ذلك بما تحققه صورة لفنانة تحتها سطرين فارغين وفوقها عنوان يبدأ بـ: "شاهد صور الفستان المثير"، ينتهي بنا إلى احتكار هذه الأخبار صدارة المشهد واختفاء الكتابات الجادة التي تعاني أصلًا من تقلص مساحات النشر المتخصصة. والعاملون في الصحافة يعرفون الآن وحشًا ثالثًا يدعى: التارجت، إذ أنه مطلوب من كل صحفي في المواقع الكبرى 10 أخبار يومية على الأقل لكي يحصل على راتبه كاملًا آخر الشهر، مع مكافأة صغيرة إذا تجاوز عدد قراءات الأخبار التي يكتبها رقمًا معينًا يتجاوز بالطبع عشرات الآلاف من "الكليكات"، وبالتالي فإن الطريق السهل معدوم المجهود معروف مسبقًا.

الزوبعة التي ترافق مهرجان الجونة هي نفس ما يحدث في أية فعالية فنية أو ثقافية أخرى. في هذا السياق يمكنك مراجعة أزمة فستان الممثلة رانيا يوسف والتي ألغت أي جدل فني يخص المحتوى الفني لمهرجان القاهرة في دورة عام 2018، التي تحولت إلى دورة فستان الفنانة وملابسها على السجادة الحمراء.

إذن؛ ما الذي فات الناس من التغطية، المفترضَة، للمهرجان؟ قبل الإجابة على هذا السؤال من حق القارئ أن يعلم أني أعمل في لجان المشاهدة في مجموعة من المهرجانات المصرية، من بينها الجونة، لكن ما سيأتي ذكره هو معلومات وليس تحليلًا.

رغم تراجع إنتاج السينما العالمية بشكل كبير بسبب وباء كورونا استطاع مهرجان الجونة الحصول على المتاح من أفضل الأفلام العالمية التي شاركت أو عرضت في مهرجانات برلين وفينيسيا وساندانس وسان سباستيان وترايبكا أو تلك التي اختيرت للدورة الملغاة من مهرجان كان هذا العام، سأستعرض هنا أبرز هذه الأفلام سريعًا.

الحصيلة كانت 65 فيلمًا توزّعت على أقسام المهرجان، بانخفاض رقمي قدره 20 فيلمًا مقارنة بالدورات الثلاث السابقة التي عُرض فيها أكثر من 85 فيلمًا. ولتجاوز الوضع الصحي العالمي السيئ؛ حاول منظمو المهرجان التحايل على ذلك باستخدام وسائل التواصل التي فرضتها الجائحة، فشاهدنا مجموعة من مخرجي الأفلام المعروضة الذين لم يستطيعوا الحضور بسبب الحجر الصحي أو بسبب إصابة بعضهم بالفيروس، عبر تطبيق زووم.

المخرجة الجزائرية لينا سويلم قالت لي إن تجربة عرض فيلمها التسجيلي لأول مرة في مهرجان Vision du Reel، وهو واحد من أكبر مهرجانات السينما التسجيلية في العالم، من خلال الإنترنت منحها فرصة لعرض الفيلم على عدد أكبر من الجمهور. تجربة العرض التي تحدثت عنها سويلم ليس لها سابقة في مهرجانات كبرى، وإن كنت أعتقد أنه في حال تأخر إنتاج علاج أو تطعيم ضد فيروس كورونا؛ سيفكر القائمون على المهرجانات في تجربة الأونلاين لتوسيع قاعدة المشاهدة خصوصًا إذا عدنا مرة أخرى لقرارات الإغلاق الصحي كما حدث في الموجة الأولى في ربيع 2020.

هذا العام شهد الجونة عرض فيلم الرجل الذي باع ظهره للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، بعد عرضه لأول مرة ضمن مسابقة مهرجان فينيسيا في دورته الماضية، وشاركت في بطولته الممثلة مونيكا بيلوتشي. هذا الفيلم حصل سابقًا على منحة إنتاجية من مهرجان الجونة الدورة الثانية ضمن المشاريع التي يدعمها المهرجان كل عام. وكذلك فيلم سعاد للمخرجة المصرية أيتن أمين، الذي حظي بدعم مالي من الجونة عام 2018، وبعدها اختير الفيلم ضمن برنامج المسابقة الرسمية لمهرجان كان هذا العام.

ومن بين الأفلام التي استضافها الجونة في دورته الرابعة وسبق لها الحصول على منح إنتاجية؛ شاهدنا فيلم ميكا للمخرج المغربي إسماعيل فروخي الذي فاز بمنحة مرحلة ما بعد الإنتاج في دورة الجونة 2019، وبعدها فاز بجائزة ورشة "فاينال كت" في مهرجان فينيسيا لدورة هذا العام. يقدم الجونة منحًا إنتاجية سنوية بنحو 240 ألف دولار يفوز بها مخرجون وصناع أفلام شباب، بعضهم ينتج أفلامًا للمرة الأولى.

تنوعت الأفلام المهمة بين موضوعات وجنسيات إنتاج مختلفة في الدورة الحالية، إذ شاهدنا فيلم 200 متر للمخرج الفلسطيني أمين نايفة، الذي فاز بجائزة الجمهور في مهرجان فينيسيا هذا العام، بجانب فيلم احتضار من آذربيجان، وفيلم إلى أين تذهبين يا عايدة؟ من البوسنة والهرسك، وفيلم حارس الذهب من أستراليا وهو أول بطولة عالمية للمثل المصري أحمد مالك، والفيلم الإيطالي الروابط الذي افتتح مهرجان فينيسيا هذا العام، وفيلم استمع من المملكة المتحدة، وفيلم مكان عادي الذي عرض في مسابقة آفاق فينيسيا، وفيلم حكايات سيئة الذي عُرض في الدورة الـ70 لمهرجان برلين.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة، حصل مهرجان الجونة في دورته الرابعة على حق العرض الأول في أفريقيا والشرق الأوسط لفيلم ستاشر للمخرج سامح علاء الذي فاز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان 2020 قبل 3 أيام.

ما تقدم من أسماء وأعمال هامة استضافتها شاشات المهرجان وصالات عرضه لا يقل أهمية عن واحدة من أهم المبادرات وهي: منصة وجسر الجونة، الموجهتان لصنّاع السينما بهدف تمكينهم ومساعدتهم على إيجاد الدعم الفني والمالي اللازم لمشاريع الأفلام الروائية والوثائقية الطويلة في مرحلة التطوير، أو مرحلة ما بعد الإنتاج.

في الدورة الأخيرة اختارت لجنة المهرجان 12 مشروعًا في مرحلة التطوير، منها 8 مشاريع لأفلام روائية طويلة و4 مشاريع لأفلام وثائقية طويلة، بجانب اختيار 6 أفلام في مرحلة ما بعد الإنتاج، منها 5 أفلام روائية طويلة، وفيلم وثائقي طويل.

قدم جسر الجونة السينمائي مجموعة من الندوات وورش العمل والمحاضرات لعدد من محترفي وخبراء صناعة السينما أبرزهم كانت محاضرة حول تقنيات صناعة المؤثرات البصرية والتي عرض خلالها تجربة كاملة لأحد الأعمال الدرامية المعروضة على شبكة إتش بي أو التي حاضر فيها مينا ابراهيم مشرف الرسوم المتحركة في شركة فرام التي نفذت العمل مع القناة، وورشة أخرى عن كيفية تصميم وتقديم مشاريع الأفلام إلى شبكة نتفلكس، قدمها كريستوفر ماك مدير قسم تطوير واستثمار المواهب الإبداعية العالمية في الشبكة.

ومن خلال جسر الجونة أيضًا، تم تدشين رابطة صانعات السينما في الوطن العربي من مخرجات ومصورات وكاتبات سيناريو ومونتيرات بغرض التواصل فيما بينهن خاصة في ظل الصعوبات التي تواجه صانعات الأفلام العربيات خصوصا المقيمات في المهجر، بجانب ندوة أخرى حول تمكين المرأة في صناعة السينما بحضور مخرجات عربيات وبمشاركة فاعلة من الممثلة المصرية منة شلبي.

بجانب العروض والورش؛ أصبحنا نرى الآن فعاليات يفضل أصحابها إطلاقها وقت المهرجان استغلالًا للحضور الفني والصحفي، المفترَض، أثناء فترة انعقاد الدورة، حيث أعلن هذا العام عن مشروع درامي لتحويل خمسة من روايات الكاتب نجيب محفوظ إلى مسلسل يُعرض على إحدى المنصات الإلكترونية عام 2022، من كتابة مريم نعوم وإخراج تامر محسن تحت عنوان القاهرة.

لا أقلل من تغطيات أخبار النجوم والفساتين ولا أدعو زملائي الصحفيين لتجنبها بالطبع، لكن المفترض أن تكون هذه التغطيات طبقًا جانبيًا شيّقًا على مائدة أي مهرجان، وليست الطبق الأساسي الذي يفترض أن يكون قاعات العرض وما يعرض فيها على الشاشة الكبيرة.

 

موقع "المنصة" في

01.11.2020

 
 
 
 
 

«ترمومتر» الجوائز!!

طارق الشناوي

ينتهى المهرجان فعليا مع إعلان نتائج لجان التحكيم، إلا أنه تبدأ وعلى الفور فعاليات مهرجان آخر أشد جدلا وصخبا وعنفا، لتحليل الجوائز، وفى العادة لا تتوقف التساؤلات عمن كان يستحق وفاته قطار الجوائز، ومن وضعوه عنوة بالقطار، الكل يعتقد أنه على صواب، وأن اللجنة التى تجاهلته، كانت لديها حسابات أخرى.

بعد دقائق قليلة من إعلان أسماء الفائزين التقيت بفنان موهوب لم يحظ فيلمه القصير بجائزة، بينما الفيلم القصير (ستاشر) الذى توج لأول مرة بجائزة السعفة الذهبية فى (كان) ومنحنا هذا السبق التاريخى، محققا مكانة عالمية، أضيف له بعدها بساعات جائزة مهرجان (الجونة)، صاحبنا يرى أنه الأفضل والأحق، وأن النتائج تم تغييرها، فى آخر لحظة حتى لا تتناقض مع (كان)، يريد أن ينام قرير العين، سعيدا بإنجازه، حاولت أن أوقظه من سباته، أكدت له أننى شاهدت كل الأفلام، وأن فيلم (ستاشر) يستحق جائزة نجمة (الجونة) بعيدا عن تتويجه بسعفة (كان)، والدليل أنه قبل بضعة أسابيع أقتنص أيضا جائزة مهرجان (موسكو) السينمائى، إلا أننا لم نمنح تلك الجائزة ما تستحقه إعلاميا.

تلك قراءة صاحبنا الشخصية، وأتصور أن هناك من أراد خداعه، وزكى لديه تلك الأفكار، التى ربما تشعره بشىء من السعادة اللحظية، إلا أنها ستحيله إلى كائن آخر لا يدرك شيئا مما يجرى حوله، يعيش داخل قوقعة تحول دون تواصله مع العالم.

هل هناك سياسة فى الجوائز؟ هل حملت النتائج شيئا من ذلك؟ زاوية الرؤية تحدد التوجه، السينما العربية كان لها نصيب معقول، بالفيلم الفلسطيتى (200 متر) والتونسى (الرجل الذى باع ظهره)، حصل الأول على جائزة (من أجل الإنسانية) للمخرج أمين نايفة، كما أن بطل الفيلم على سليمان حصد جائزة الأفضل.

بينما (الرجل الذى باع ظهره) للتونسية كوثر بن هنيه، حظى بجائزة أفضل فيلم عربى، وهذا يعنى نظريا تقدمه فنيا خطوة أبعد من الفيلم الفلسطينى، كما أنه باختياره للافتتاح، يصبح هو صاحب ضربة البداية.

الفيلمان تقاربا فى رؤية لجنة التحكيم، وربما لو كانت لائحة (الجونة) تسمح بمناصفة الجوائز لاقتسما جائزة أفضل فيلم عربى.

هل غياب مصر عن المسابقة الدولية للأفلام الطويلة لصالحها؟ القاعدة التى أطبقها، غير ملزمة لأحد غيرى، إذا كان الحضور هزيلا، فالغياب هو الحل، كلتا الكأسين مُرة، إلا أن الغياب أقل مرارة، ليس لدى معلومات عن الأفلام المصرية التى حاول صانعوها المشاركة بالمهرجان ورفضت، منطق الأمور يؤكد أن هناك من سعى وطرق الباب، وإدارة المهرجان لم تفتح الباب، وبالطبع لا يعلن المهرجان أسماء الأفلام التى رفضها، وهذا العرف مطبق فى كل مهرجانات الدنيا، أسرار المطبخ غير مسموح بتداولها العلنى، وما قد يتناثر أحيانا فى الكواليس، ليس بالضرورة بالضبط ما حدث.

السينما المصرية وقفت خارج خط التسابق فى المجال الروائى الطويل، إلا أنها أطالت أعناقنا فى الروائى القصير، وبداية الغيث قطرة، وبداية الفوز جائزة، ولهذا فأنا على عكس الأغلبية متفائل بالقادم للسينما المصرية.

 

المصري اليوم في

02.11.2020

 
 
 
 
 

"إلى أين تذهبين يا عايدة؟" لزبانيتش: تحايلٌ سينمائي على واقع أليم

محمد جابر

في ظلّ دورة متوسّطة لـ"مهرجان الجونة السينمائي الرابع" (23 ـ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2020)، على مستوى الأفلام، برز "إلى أين تذهبين يا عايدة؟ (Quo Vadis Aida)"، للبوسنية ياسمينا زبانيتش، كأبرز فيلمٍ تحدّث عنه الجمهور، قبل أن يُتوّج، عن حقّ، بجائزة "الجونة الذهبية" لأفضل فيلم روائي طويل.

جديد زبانيتش (2020) تناول، كالعادة، موضوعاً مرتبطاً بدراما النساء والحرب. تُروى القصّة في يوليو/تموز 1995، في فترة الحرب بين البوسنيين والصرب، مع دخول قوات الجيش الصربي إلى مدينة "سربرنيتسا"، وارتكابها مذبحة جماعية، ضحيتها نحو 8 آلاف بوسنيّ. في ظلّ هذه الصورة المأسوية، تُركّز زبانيتش حكايتها على عايدة، مُدرّسة اللغة الإنكليزية، المُقيمة في "سربرنيتسا"، والعاملة أيضاً مترجمة لقوات حفظ السلام الهولندية، التابعة للأمم المتحدة. بعد هجوم الصرب، ولجوء آلاف المواطنين إلى مبنى الأمم المتحدة، المغلقة أبوابه أمامهم بسبب اكتظاظه، تحاول عايدة المحافظة على حياة زوجها وولديها بين آلاف المواطنين، وحمايتهم من خطرٍ وشيك.

أبرز ما في الفيلم القدرة الاستثنائية لمخرجته على دمج "الصورة الواسعة البشعة" لمذبحةٍ ضد آلاف الأشخاص، و"الصورة الضيّقة المحدّدة" لعائلة تحاول النجاة، من دون فقدان الاتصال بالجانبين في أيّ لحظة منه.

أكثر من مرة، يقول شخص من الأمم المتحدة لعايدة إنّ آلاف الناس معرّضون للخطر، "فلماذا نساعدك أنتِ وعائلتك تحديداً؟". في كلّ مرة، تسكت عايدة، لكنّ عينيها تنطقان بأنْ "هذه عائلتي".

هذا ما تفعله زبانيتش تماماً، إذْ لا يوجد سبب محدّد أو استثنائي في تلك العائلة، سوى أنهم هم من نعرفهم، ونتورّط معهم عاطفياً، ونتمنّى نجاتهم. لكنْ، مع شعور مُكثّف بالوضع المأسوي العام، الذي يوشك على الانفجار.

"إلى أين تذهبين يا عايدة؟" فيلم سينمائي جداً، على مستوى اختياراته. إنّه عن مذبحة بتلك البشاعة، لا تظهر فيه دماء، ولا أعمال عُنف بدني. بدلاً من ذلك، تخلق ياسمينا زبانيتش شعوراً دائماً بالتوتّر والخطر، بما يشبه السينما الرومانية، وتحديداً أفلام المخرج كريستيان مونجيو، إذْ يُترك المشاهدون دائماً على حافة شيء كارثيّ سيحدث في أيّ لحظة.

هذا أمر ذكي جداً، يزيد من تورّط المشاهدين شعورياً مع هؤلاء الناس، الذين وجدوا أنفسهم فجأة خارج منازلهم، يواجهون المَجهول. حتّى مشهد المذبحة نفسه مُصوّر بحساسية مُفرطة: لقطات على وجوه أناس مجمّعين في غرفة مُغلقة، ثم "قطع": لقطة لشبابيك تدخل منها أسلحة (لا تظهر وجوه حامليها)، ثم "قطع" مرة أخرى: خارج المكان، مع صوت رصاص لا ينتهي، حيث الشعور بأثر أكبر بكثير من أي اختيار آخر يكشف المذبحة، إذْ شعر المشاهدون بها، وهذا أهمّ.

من ناحية أخرى، ليس مفاجئاً فوز جاسانا غورزيتش بجائزة أفضل ممثلة. أداؤها يُذكّر بجودي دانش وميريل ستريب، حيث القدرة الاستثنائية على استخدام العين لنقل طبقات مختلفة من المشاعر، واستخدام الصوت والجسد لنقل التوتّر المكتوم، من دون أيّ انفعال خارجي مُبالَغ به.

النتيجة؟ فيلمٌ بديع، لن يكون مفاجئاً ترشيحه لاحقاً لـ"أوسكار" أفضل فيلم ناطق بغير الإنكليزية، ممثّلاً البوسنة، في نسخة عام 2021.

 

العربي الجديد اللندنية في

02.11.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004