كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان «فينيسيا الدولي» (3):

فيلم تونسي عن اللاجئ السوري الذي باع جلده

فينيسيا: محمد رُضا

فينيسيا السينمائي الدولي السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

المهرجان يجد حلاً ناجعاً لوباء «كورونا»

بعد عشر دقائق من عرض أحد الأفلام مد هذا الناقد أصبعه وحرّك الكمامة نزولاً عن أنفه قليلاً. من وسط الظلام تقدّمت مني إحدى العاملات في الصالة وقالت لي بالإيطالية همساً: «أرجوك... ارفع الكمامة إلى أنفك».

لا أفهم الإيطالية، لكن لم يكن هناك خطأ في ترجمة ما قالته، وفعلتُ ما طلبت على الفور، لكن العجيب هو أنها، وسواها، قادرون على كشف المتلاعبين بالكمامات، ولو في ظلام الصالة.

هذا هو واحد من الاحتياطات المعمول بها. والمرء يقدّر ذلك كما يقدّر تكرار عرض الأفلام أكثر من المعتاد، وفي أكثر من صالة، لأن «الحيطة» تقتضي بألا تشغل الصالة أكثر من نصف كراسيها، وربما أقل من ذلك.

والصفوف الطويلة تحت الشمس الحارقة مراراً وتحت المطر المفاجئ في بعض الأحيان لم يعد لها وجود كما كان الحال في الأعوام الماضية. الآن تحجز مقعدك على الكومبيوتر، والكومبيوتر سيسجل على بطاقتك الخاصة كل شيء؛ من اسمك إلى المقعد الذي حجزته وفي أي صف. شغل لم يكن أكثر من خيال غير مطروق إلا في أفلام جيمس بوند الأولى.

- إصرار إيطالي

الصالة ذاتها هامدة خلال العرض. لا سُعال كما كان الحال قبل «كورونا»، عندما كانت «أوركسترا» من السعال تلف صالات المهرجانات، كما لو كانت في اتفاق مسبق. لا أعياء ولا حالات مشكوك بأمرها، بل تعاون رائع بين الموظفين والمشاهدين لا تجد مثيلاً له إلا في فينيسيا أو برلين، وأحياناً في مهرجانات أخرى.

لكن فوق ذلك، هناك معجزة قام بها ألبرتو باربيرا وفريقه. في ثلاثة أشهر فقط حشد ونفّذ وقدّم مهرجاناً سينمائياً كاملاً. طلب الأفلام، وحصل عليها، ونظّم عروضها حسب الظروف الطارئة، وخصص لها قاعات العرض وأدوات التنظيف، واستعان بخبرات حكومية لتنظيم الحديقة المحيطة بالمركز الرئيسي الذي يشغله المهرجان. وخبراء السير كان لهم دورهم في تنفيذ مهام إضافية تم خلالها منع التجمهر أمام صالات السينما لتحية السينمائيين الوافدين.

هذا كله كان صعباً على مهرجان «كان» القيام به لأسباب عدة، من بينها أن الحكومة الفرنسية طبقّت قانون حظر التجمّعات، ولاحقاً عندما سمحت، كان من غير المحتمل أن يتخلى المهرجان الفرنسي عن تقاليده الإعلامية ويرتّب حاجياته العديدة ليظهر في ثوب قشيب. لم يجد أن هناك متسعاً من الوقت فأحال معظم أفلامه للعرض في مهرجانات أخرى (رفض «فينيسيا» استقبال بعضها مصحوباً بكلمة «من مختارات مهرجان «كان») أو في الأسواق مباشرة.

إضافة لما سبق، وبسبب إصرار مهرجان «فينيسيا» على إقامة الدورة الحالية (تحمل الرقم 77)، فإن ما قامت به من شؤون التنظيم يُنظر إليه من قِبل المهرجانات الأخرى كمنهج لا بد من تقليده، لا خلال جانحة «كورونا» فقط، بل ربما بعدها. تقول لي لوسيا أولاشرغوي، واحدة من مساعدي مدير مهرجان سان سابستيان:

«ما قام به (ألبرتو) باربيرا مثير للإعجاب والتفاؤل. بعض النظم الجديدة جديرة بالتقليد مثل الحجز المسبق على الإنترنت. هذا كان معمولاً به لمن يشاء، لكن تعميمه وجعله الوسيلة الوحيدة، بصرف النظر عن الظروف التي نعيشها، أمر مفيد للجميع».

«على الأقل منع الصفوف الطويلة والانتظار المسبق، ثم الهرع للجلوس على الكرسي المفضل»، يقول الناقد المصري أمير العمري الذي كان حجز لهذه الدورة منذ نهاية الدورة السابقة، رغبة منه في عدم تفويتها.

- حجم النجاح

بذلك يفتح مهرجان «فينيسيا» الطريق أمام منوال جديد من النظم والتدابير. يتولى تعريف الآخرين بأن الوباء ليس قدراً لا مناص منه، وأن هناك حلولاً لإقامة أي مهرجان في أي مكان من دون خوف أو عواقب.

في حديثها الصحافي، قامت رئيسة لجنة التحكيم لهذه الدورة الممثلة كيت بلانشت بتهنئة المهرجان وحيّته على تصميمه إقامة الدورة رغم كل شيء. قالت: «أصفّق للمنظمين الذين تعاونوا على نحو نموذجي (لإقامة هذا المهرجان). علينا أن نفتح دور العرض بأمان لأنها مرحلة عصيبة من الزمن لا نعرف فيها نهاية بعد لهذا الوباء».

الناحية المقابلة لهذا الجهد كانت على المستوى ذاته.

صانعو السينما تقاطروا للحضور. ليس بالكمّ ذاته طبعاً، لكن بالحجم والقدر الكافيين لإنجاح المهرجان. في الأساس لا يعمد المهرجان الإيطالي إلى إقامة سوق سينمائية كحال منافسيه «كان» و«برلين»، لكن العقود تُبرم بين الحاضرين من بائعي أفلام وموزّعين، وهذا حدث، ولو بنسبة أقل، هذه السنة. تقول واحدة من منتجي فيلم «مس ماركس» مارتا دونزيللي لهذا الناقد حين سؤالها عن فائدة الحضور إلى مهرجان «فينيسيا» واحتمالات بيعه للخارج: «قمنا قبل المهرجان ببيع الفيلم لبعض الأسواق، وهنا نبرم عقودنا للأسواق الأخرى. أعلم أن عدد الموزّعين والشركات الكبرى أقل من المعتاد في هذه الدورة، لكن من المهم ذكر حقيقة أن الجميع يراقبنا من بعيد. وأحد معارفي في هذا المجال كتب لي من لوس أنجيلس أنه يأسف لأنه لم يحضر. كان يعتقد أن السفر خطر والإقامة غير مضمونة. وربما اعتقد أن المهرجان لن يُقام بنجاح، لكنه أُقيم بنجاح فعلاً».

في الواقع حجم النجاح لا يمكن أن يُقارن جيداً بدورات السنوات السابقة، لأن المهرجان أقيم بمعزل عن الطبيعة ورغماً عنها. لذلك هو أنجح مما سبق من ناحية وأقل (على صعيد المبادلات والصفقات التجارية) من ناحية أخرى.

- فيلم مهم ومبهر

أما على صعيد الأفلام فالنجاح مؤكد؛ الأفلام الجيدة تتوالى كما لو أن صانعيها اخترقوا الزمن الحالي وأدّوا ما يحلمون بصنعه بصرف النظر عن الوضع الحالي. نعم، عدد كبير من هذه الأفلام تم تصويره في مراحل «كورونا» الأولى، لكن الكم المتوفر والجودة التي تغمر غالبيتها (إلى الآن) دلالة أخرى على أن السينما تقاوم الوباء، والفن يقف بالمرصاد لما تخططه سياسات خارجية فشلت في احتوائه (أو ربما تركته يستفحل جهلاً أو عمداً، كما يتكاثر حديث المواقع).

أحد الأفلام المفاجئة في مستواها هو «الرجل الذي باع ظهره» (للفيلم عنوان مختلف: «الرجل الذي باع بشرته»: The Man Who Sold His Skin) للتونسية كوثر بن هنية. ليس لأنه خالٍ من الأخطاء، لكنها من ذلك النوع الذي يمكن التغاضي عنه حيال الصورة الكبيرة التي يرسمها على الشاشة وبنجاح.

هذا هو أفضل أفلام المخرجة التونسية التي سبق أن شاهدنا لها «زينب تكره الثلج» (2016) و«على كف عفريت» (2017). الأول كان تسجيلياً صغيراً (بحكاية مركّبة) ينأى تحت وطأة موضوع شخصي لم يخرج عن المستوى المبدئي للوضع الوارد..

الثاني كان أفضل كثيراً؛ روائياً مأخوذاً عن واقعة حقيقية لفتاة تم اغتصابها من قِبل رجلي شرطة ومعاناتها بعد ذلك لإثبات تهمة الاغتصاب عليهما.

هذا الفيلم الجديد هو أفضل ما حققته إلى اليوم. دراما عن حياة مهاجر سوري في مواجهة عالم يقع على بُعد أميال كثيرة من واقعه. عليه أن يقبله لقاء ثمن وإذ يفعل يكشف الفيلم عن تلك الفجوة الكبيرة بين ثقافتين وعالمين ومبدأين، كل منهما في وجهة مختلفة.

سوريا سنة 2011: سام (يحيى محياني) هو شاب واقع في حب الفتاة التي نراها معه في حافلة عمومية (ضياء ليان)، يعرض عليها الزواج فتقبل. يهب واقفاً وخاطباً في الركّاب: «نحن في زمن الثورة والحرية وأريد أن أزف لكم خبر زواجي» (الحوار ليس حرفياً).

المشهد التالي له وهو في زنزانة البوليس. البعض بلّغ عن خطبته اللاذعة فاقتيد حيث يُشير له المحقق بسبب احتجازه، ثم يتركه وحيداً في غرفة التحقيق ذات النافذة العريضة المفتوحة. هل تم ذلك عن قصد دلالة على موافقة الضابط الضمنية لموقف سام السياسي أو عن غير قصد؟ بصرف النظر عن الجواب يعتلي سام النافذة ويهرب لمنزل عائلة حبيبته. عند الباب يخرج له خطيبها (الذي لاحقاً ما سيتزوّجها) وهو موظف في وزارة الخارجية ووالدتها. كلاهما لا يريد وجوده، على عكس الفتاة التي تبدو مغلوبةً على أمرها. شقيقة سام هي التي ستسهل له الهروب إلى بيروت بينما تحط حبيبته مع زوجها في مدينة بروكسل.

في العاصمة اللبنانية يلتقي سام برسام أميركي - بلجيكي (ولو أن لكنة الممثل كووان دو باوي بريطانية) يعرض عليه مساعدته على السفر إلى بروكسل شرط أن يبيعه ظهره. كيف ذلك؟ يريد الرسام حرية التصرف بظهر سام. يَشِمُه ويرسم عليه ويعرضه ويجني منه المال الطائل. سيمكنه من العيش رغيداً في فندق من خمس نجوم ولا مانع من أن يصبح نجم معارض فنية.

من هنا المنوال يستمر مؤكداً على الصراع داخل سام (يدرك أنه أداة) وخارجه. حبيبته متزوّجة ورجلها متمكّن في سوريا، وهو لا يملك سوى أن يطيع أوامر ذلك الفنان. إلى ذلك، تحشد المخرجة للمجابهة بين عالمين متباعدين ولا تضيع الوقت في مسائل سهلة العرض مثل دهشة سام أمام عالمه الجديد، ووضع مفارقات مفروغ منها في هذا الشأن. لوحتها الأكبر هي كيف يستغل العالم المتقدّم مأساة النازح وكيف يرزح الفرد اللاجئ تحت معادلات بعضها من نتاج الوضع الذي دفعه للهرب، وبعضها الآخر من ذلك المفهوم المختلف حيال الإنسان إيجاباً وسلباً.

مع تصوير رائع من كريستوفر عون، وتوليف لا يهدر الوقت (لماري هلين دوزو) و(على الأخص) موسيقى ذات مستوى عالمي من أمين بوحافة تضع المخرجة ثقلها لضخ حياة جديدة في السينما التي تجمع الشرق والغرب معاً. من ناحية تريد أن توفر للعين الغربية نظرة جديدة لم يدركها من قبل لحال اللاجئ السياسي القادم من بلد عربي يعاني من الحرب والوضع، ومن ناحية معايير الغرب في التعامل مع هذا الوضع وصولاً لمستوى الاستغلال.

في الصورة كذلك الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوشي التي تؤدي دور مساعدة الفنان البلجيكي كوثر، ولو أن السيناريو لا يميل لفتح ثغرة عاطفية ما كان من الممكن تجاوز الإيحاء بها بين سام وكوثر. النهاية في خلاصتها المعنوية (ولن أفصح عنها هنا) جيدة. في سياقها درامياً تبدو إضافة غير ضرورية.

 

الشرق الأوسط في

06.09.2020

 
 
 
 
 

يوميات مهرجان فينيسيا الـ 77 (5)

أمير العمري

أعتقد أننا مهما قلنا وأكدنا مرة ومرات على أهمية السينما وفن السينما وصناعة السينما، وأن المهرجانات الدولية التي تدعم هذه الصناعة وهذا الفن منذ نشأة المهرجانات عام 1932 حتى اليوم، فهذه الدعوات مهما حشدنا لها من سينمائيين ونجوم سينما، لن تجد صدى حقيقيا لها على الأرض، ما لم نضمن عودة الجمهور، ليس فقط إلى مهرجانات السينما، بل إلى دور السينما في العالم. فمن دون ثقة الجمهور، لا مجال للحديث عن عودة السينما. والجمهور مازال خائفا، وارتداء الكمامات التي تغطي الأنف والفم أي عمليا ثلاثة أرباع الوجه، مسألة خانقة ليس من الممكن فرضها أو فرض استمرارها كما يفعل المشرفون على قاعات العرض في مهرجان فينسيا حاليا.

مساء أمس وأنا أشاهد الفيلم الإيراني في المسابقة (أطفال الشمس) للمخرج مجيد مجيدي، فوجئت بأن مشرفة القاعة أو بالأحرى إحدى المشرفات فهن كثيرات، تهبط من ورائي تنبهي الى ضرورة ضبط الكمامة بحيث لا تظهر أي جزء من أعلى الانف. كيف عرفت هذه المشرفة؟ هل هناك- مثلا- غرفة تحكم مركزي تدار بالأشعة تحت الحمراء، متصلة بميكروفونات سرية تهمس في أذن المشرفة: توجهي فورا الى الشخص الجالس في الصف رقم 16 الكرسي رقم 1 ونبهيه الى ضرورة رفع الكمامة الى أعلى.. وإلا؟!

أما الفيلم الإيراني نفسه فهو من نوع تلك الأفلام الإيرانية التي تهرب من مواجهة المشاكل السياسية كما تهرب من بحث العلاقات بين الرجل والمرأة وتصوير المرأة عموما، إلى عالم الأطفال. كما أنه أيضا من الأفلام “المنياتير” التي تدور حول تيمة واحدة من خلال شخصية واحدة في حدث واحد متكرر وموضوع صغير تربوي يبدو كما لو كان ممولا من قبل إحدى منظمات رعاية الأطفال المشردين.

ذكرني هذا الفيلم الذي يدور حول أطفال الشوارع بالفيلم الإيراني القديم “العداء” (أو الجاري) The Runner للمخرج أمير ناديري، الذي يعتبر من أوائل الأفلام الإيرانية التي أثارت اهتمام الجمهور في الغرب واعتبرت من ضمن بدايات الموجة الجديدة. ظهر هذا الفيلم عام 1984، ولم يكن فيه قصة ولا موضوع غير أمر واحد فقط متكرر. طفل في السابعة من عمره من أطفال الشوارع يجري.. يتسابق في الجري. مع نفسه. وقد أعطي هذا الفيلم تفسيرات أكبر كثيرا جدا من موضوعه وصوره المحدودة. فقد قال البعض إنه تعبير مجازي عما يشعر به الكبار من قهر. وقال آخرون أنه يعبر عن الرغبة في التحرر في مجتمع ايران بعد الصورة الإسلامية الفاشية.

أما “أطفال الشمس” (اسمه بالفارسي خورشيد khorshid  وهي كلمة معناها كما فهمت الشمس أو شعاع الشمس). المهم انك تقضي نحو 100 دقيقة تشاهد طفلا يدعى “علي” من أطفال الشوارع، وهو تلميذ في مدرسة متخصصة فقط لتعليم هؤلاء الأطفال وتجنيبهم الوقوع في الجريمة، لكن المدرسة تعاني من غياب الدعم الحكومي وتوقف الدعم الأهلي مما يجعلها مهددة بالإغلاق. أما (علي) فهو يعيش مع أصدقائه على الكفاف، يسرقون إطارات السيارات، يحتالون ويقفزون من فوق الحواجز لركوب مترو الأنفاق، كما أن علي عنيف يستخدم رأسه في الفتك بمن يهددونه من الأطفال أو من يسخرون من أمه المريضة التي ترقد في المستشفى بين الحياة والموت بعد موت والده. ومعظم الأطفال في المدرسة أيضا فقدوا آباءهم، إما بسبب انحراف الآباء الى الجريمة ودخول السجن، أو الموت المبكر، أو الرحيل عن الأسرة.. وغير ذلك.

يقع علي في قبضة تاجر يمنحه هاتفا محمولا ويشجعه على إطلاق الحمام الذي يمتلكه في دكانه في منظر بديع يتكرر في الفيلم. لكن الرجل يدخل في روعه أن هناك كنزا مدفونا تحت المقابر القريبة من المدرسة فإذا حفر نفقا تحت المدرسة وتمكن من الوصول الى ما تحت المقابر فسيجد الكنز.

هذا الحلم الساذج يسيطر على (علي) ابن الثانية عشرة، ويجعله يحفر ويخرب ويواصل الحفر والتخريب غير عابيء بما يمكن أن ينتج من كارثة، فهو يرهن حياته كلها بالعثور على الكنز الذي يمكن أن ينتشله وأصدقاءه من حياة الفقر والفاقة والضياع والتشرد. لكنه لن يجد في نهاية المطاف سوى ما يجعله يندم ويبكي ألما.

يمكن قص هذه القصة في 20 أو 30 دقيقة بالطبع وربما بتأثير أقوى. فالفيلم يمتليء كالعادة، بالكثير من الاستطرادات ومحاولة تجسيد الفرق بين المعلمين في المدرسية، فمنهم الرقيق الذي يدعم علي ويقف بجواره، ومنهم الفظ القاسي الذي يتعامل بحسم وقسوة عند أي مخالفة، لكن الحقيقة أننا نرى عليا نفسه كطفل مراوغ، كاذب ومتحايل، وعنيف أيضا، ولكن الفيلم يقول ان ظروفه هي التي دفعته الى انتهاج ذلك السلوك، وأننا لو تركناه وتركنا أمثاله فسيتجه بالتأكيد الى الجريمة.

هذا أحد أفلام الرسالة الاجتماعية المباشرة التربوية، فالغرض منه هو لفت النظر الى هؤلاء الأطفال الذين يعملون من أجل رعاية أسرهم وأنفسهم، ويتم استغلالهم من قبل الكبار، والإيقاع بهم وتوريطهم في الجريمة. صحيح أن هناك قوة وتمكن وبراعة كبيرة في اخراج المشاهد الأخيرة بوجه خاص، التي تدور تحت الأرض ووسط المياه الجوفية ومياه الصرف الصحي، وهي مشاهد شديدة الصعوبة في تصويرها في تلك الأماكن الضيقة (الحقيقية) مع براعة في تحريك الممثل الصغير الذي يؤدي دور علي، ويظهر في جميع مشاهد الفيلم، لكن لا جديد بشكل عام في هذا الفيلم الذي تغيب عنه المرأة غياب التحريم، اكتفاء بتصوير مناظر البؤس والشقاء والفقر التي يعيش فيها المهمشون وأسرهم واللاجئون الأفغان المهددون بالترحيل عند حدوث أي مشكلة.

والمخرج الفيلم مجيد محيدي فهو معروف بتأييده للنظام الملالي في إيران. وهو الذي أسندوا اليه اخراج فيلم “محمد رسول الله”، ولكنه معروف بتبنيه أسلوب الواقعية الجديدة الإيطالية في الاستعانة بممثلين غير محترفين (معظمهم هنا من الأطفال) وتدريبهم وتحريكهم بشكل جيد، والتصوير الواقعي للأماكن الحقيقية، واستخدام الكاميرا المحمولة المتحركة، والأسلوب شبه التسجيلي. ولكن الواقعية الإيطالية كانت نتيجة الحرب وتدمير الاستديوهات. وقد انتهت مع انتهاء الظروف التي خلقتها لكنها أصبحت عند بعض السينمائيين “دوغما” dogma ممتدة ومستمرة ولم تعد في الحقيقة تثير شهية أحد بعد أن تعقدت كثيرا أساليب التعبير السينمائي . لكن في العالم العربي من لايزالون يعتبرونها من “المعجزات” السينمائية!

أما فيلم “الرجل الذي باع ظهره” للمخرجة التونسية الموهوبة كوثر بن هنية، فهو عمل شديد الطموح، يثبت أن بن هنية قد نضجت وأصبحت تتطلع الى عمل أفلام “كبيرة” متعددة المستويات، ففيلمها هذا ينطلق من القضية السورية، قضية غياب الحرية، الى قضايا وأفكار أخرى تتعلق بالوضع العالمي الآن، والاستغلال الرأسمالي، وحالة الضياع التي يعيشها اللاجئون الى الغرب، ومسألة الفن وكيف أصبح سلعة كما أصبح الفنان أقرب الى المقاول، يستعين في الإيقاع بضحاياه بامرأة جذابة تقوم بتسهيل الأمور له، يدعونها في الفيلم بشكل مباشر بـ “القوادة”.

نحن أمام شاب سوري تعرض للاعتقال والتعذيب فأصبح يرغب في الفرار من سورية، وينجح أولا في العبور الى بيروت، وهناك يلفت أنظار رجل يقدم له نفسه باعتباره فنانا من بلجيكا، يعقد معه عقدا شبيها بالعقد الذي يتم توقيعه بالدم في مسرحية جوته الشهيرة، بين فاوست وميفيستو، بمقتضى العقد يبيع الأول للثاني (الشيطان) روحه مقابل الحياة الأبدية. أما هنا فالشاب السوري “سام علي” (يحيى محياني) يصبح مطلوبا منه أن يبيع ظهره أو جلد ظهره للفنان البلجيكي الشهير (جيفري)، مقابل أن يحصل له على تأشيرة شينغن. لكن المفاجأة أن الفنان يصنع عن طريق الوشم لوحة على ظهر الشاب السوري هي في الحقيقة عبارة عن خاتم تأشيرة شينغن نفسها محلاة ببعض الرتوش!

حبيبة سام “عبير” تضطر للرضوخ لأهلها والزواج من رجل يعمل في السفارة السورية في بروكسل. لذلك فهو يحاول الوصول إليها واستعادتها من هذا الدبلوماسي الفظ الذي لا تحبه الفتاة. أما سام فهو يصبح مثل لوحة، يضعنه في متحف كبير في بروكسل، مطأطأ الرأس، يعرض ظهره للفرجة، يلتقطون الصور لظهره، ثم يباع أيضا مثل أي لوحة في المزاد العلني، وينتقل من ملكية عامة الى ملكية فردية ثم يباع مجددا.. وهكذا الى أن يجد وسيلة للإفلات من هذا الوضع المهين بعد أن يكون قد جمع ثروة كبيرة، فالاتفاق يقضي بحصوله على نسبة من كل أعمال الفنان.

مونيكا بيلوتشي هي وكيلة أعمال الفنان. يدعونها في الفيلم تارة “سوراية” Soraya وتارة أخرى “سورية” Soriya، رغم أنها ليست سورية بالطبع بل تتحدث الإنجليزية فقط بلكنة ايطالية واضحة. والحقيقة أن أداءها بشكل عام، جاء ضعيفا، مرتبكا، فهي تعاني من الصعوبة في نطق كلمات الحوار الانجليزية، كما ينعدم وجود أي تعبير على وجها لكونها غير مندمجة في الدور كما ينبغي، وبدا أن الدور قد كتب خصيصا لها بغرض استغلال اسمها في الفيلم، ولو تم الاستغناء عن دورها أو اختصاره مع اسناده الى أي “كومبارس”، لما وجدنا فرقا، بل ربما اعتدل الفيلم.

في الثلث الأخير من الفيلم لجأت كوثر بن هنية (متبعة السيناريو) الى الشرح والتفسير والتوضيح، وفبركة نهايات غير منضبطة، وأساسا- غير مقنعة وغير مفهومة. فهناك استطراد يحرف الفيلم عن مساره فيما يتعلق بشخصية الدبلوماسي السوري زوج عبير الذي يتشاجر مع سام في المتحف ويقوم بتدمير لوحة يبلغ ثمنها كما يقال 9 ملايين يورو. ويصر القائمون على المتحف على أن يتحمل الدبلوماسي الثمن، لكن سام يتوسط له بكلمة منه فيعفونه بكل بساطة من دفع أي غرامات. بل وحتى القبض عليه من الشرطة والتحقيق معه لم يبد مقنعا لكونه دبلوماسيا لا يجوز القبض عليه.

موقف سام من الدبلوماسي السوري الثري الذي اختطف منه حبيبته لا يستند إلى أرضية سياسية كما كنا نتصور أو كما تقضي طبيعة الموضوع (شاب معارض أو ثائر ينشد الحرية ضد شاب يعمل في خدمة النظام) بل فقط من مجرد الغيرة. وبالتالي يقبل سام التوسط لكي تتم مسامحة الدبلوماسي (لا نعرف على أي أساس)، بل لا نعرف أصلا سر كل ذلك التركيز على خطورة وأهمية تأشيرة شينغن فهي لا تضمن أصلا الإقامة والعمل (كما يوحي الفيلم) بل فقط مجرد دخول البلاد، لكن الفيلم يتحايل على هذه النقطة، بالإشارة الى القدرات الهائلة التي يتمتع بها الفنان البلجيكي جيفري بفضل علاقاته مع السلطات، وكأنه ينتمي لدولة من دول العالم السادس!

فجأة تعلن عبير أنها انفصلت عن زوجها بعد أن أدركت أنها تريد أن تكون مع حبيبها، ويعود كلاهما معا الى سورية، ليس هذا فقط، بل وتحديدا الى مدينة الرقة التي جاءا منها أصلا، حيث يفبرك سام تسجيلا لقطع رأسه على أيدي تنظيم داعش يبثه على العالم، ثم نراه في النهاية مع عبير يعيشان حياة رغدة في فيلا ذات حديقة مزهرة بديعة. فكيف حدث هذا وأين؟ في الرقة؟ وإذا كانت العودة الى سورية التي أصبحت فجأة جنة على نحو ما نرى فلماذا كان الفرار من سورية من الأصل طالما أن الحياة فيها جنة أن هل انتقل الاثنان للعيش في بلد خر ولم تحبرنا كوثر؟ وهل هذه هي رسالة الفيلم السياسية من القضية السورية؟!

هذا عمل كان يبشر في بدايته بفيلم سياسي ساخر ذي موضوع مبتكر جديد، لكنه سرعان ما تحول الى ميلودراما شديدة السذاجة، مليئة بالمفارقات المفتعلة الإطالة والمشاهد التراكمية التي لا تضيف شيئا، مع عدم وضوح الكثير من الدوافع.

وأخيرا لعل أفضل عناصر الفيلم هي عنصر التمثيل خاصة من جانب البطلين: يحيى محياني (في دور سام علي)، وضيا ليان في دور (عبير).

 

موقع "عين على السينما" في

06.09.2020

 
 
 
 
 

كورونا يحبس كلّ شخص في فقاعته الخاصة خلال مهرجان البندقية

مهرجان البندقية السينمائي يتفرض إجراءات صارمة للحدّ من تفشي فايروس كورونا بين المشاركين في دورته السابعة والسبعين.

فينيسيااتبعت إدارة مهرجان البندقية السينمائي إجراءات صارمة لتطبيق التباعد الاجتماعي وفرض وضع الكمامة الإلزامي، مما يجعل رواد الدورة السابعة والسبعين يبقون كلّ في فقاعته تفاديا لتفشّي فيروس كورونا المستجد.

بهدوء، تقف ابنة البندقية غلوريا غاربيسا في الطابور منتظرة دورها عند إحدى نقاط التفتيش بالقرب من "قصر السينما"، حيث يتولى عناصر الشرطة قياس درجة حرارة الداخلين، والتأكد من كونهم يضعون الكمامات، إضافة إلى التحقق من بطاقات الدخول.

وتقول غاربيسا التي تتابع المهرجان منذ 24 عاماً "أعلم أن هذه التدابير لمصلحتنا، ولكن يحزنني أن أرى حريتنا تضيق".

وتتابع وهي تعدّل كمامتها تحت نظارتيها الشمسيتين الضخمتين "كنا سابقاً نذهب حيثما نشاء، من دون تدقيق، من دون شرطة. من غير الطبيعي أن نرى بزات عسكرية".

ويوجّه شرطي ملاحظة إلى رجل سبعيني قائلا له بانزعاج "ارفع كمامتك لتغطّي أنفك أيضاً". وعندما يردّ عليه الرجل معترضاً "لكننا في الخارج"، يبادره مؤكداً ضرورة وضع "القناع طوال الوقت، في الداخل والخارج".

وإذا كانت الكمامات تخفي الأفواه، وبوجود مسافة متر واحد على الأقل في طوابير الانتظار، وكرسي فارغ بين كل كرسيين في صالات العرض، من الصعب على الحاضرين أن يتبادلوا الأحاديث، إلا ربما لتوبيخ شخص قد يكون اقترب من غيره أكثر من المسموح به، أو آخر يحتال على الإجراءات نازعاً كمامته بمجرد إطفاء الأنوار في صالة العرض.

أما السجادة الحمراء الممتدة أمام "قصر السينما"، فمحصّنة بجدار رمادي يمنع احتشاد الفضوليين.

ويلاحظ ألبرتو بيتسولي، وهو مصوّر يغطي منذ سنوات مهرجان البندقية ومنافسه مهرجان كان، أن "الجمهور هذه السنة ليس هنا، فكل شيء أبعِد عنه وعُقِّم".

ويضيف بيتسولي لوكالة فرانس برس "لا يوجد جمهور، لذلك نفتقد مجموعة كاملة من الصور التي كنا نلتقطها في الماضي عندما يقترب الممثلون من الناس لإهدائهم تواقيعهم".

كمامة سوداء على السجادة الحمراء

ويتذكر بيتسولي هذه اللحظة التي يصفها بأنها "مهمة"، عندما "كان الممثلون الكبار ينشغلون بالتواقيع ما بين عشر دقائق و15 دقيقة، ويقفون عند وصولهم لالتقاط بضع صور سيلفي ذاتية".

ويضيف متأسفاً "عندما يمشي الممثلون في الشارع، لا نستطيع نتعرف عليهم على الفور لأنهم يضعون كمامات".

ويشير ألبرتو إلى أنه اضطر لشراء كمامة سوداء اللون فرضتها إدارة المهرجان، بالإضافة إلى البزة الرسمية المعتادة المطلوب من المصورين الذين يتمركزون على جانبي السجادة الحمراء ارتداؤها.

وقد ترك ذلك أثره على الجو العام في الليدو، إذ يلاحظ ألبرتو أن "الخلافات مع الملحقين الإعلاميين (للنجوم) بدأت منذ اليوم الأول للمهرجان، علماً أنها كانت تحصل سابقاً بعد أسبوع بسبب الإرهاق".

وليس الوضع أكثر يسراً لدى الصحافيين والنقاد الذين يفترَض بهم أن يحجزوا أماكنهم في العروض والمؤتمرات الصحافية عبر موقع إلكتروني مخصص لهذا الغرض، وكلها مقاعد مرقّمة، ومن المستحيل تالياً أن يجلسوا حيثما شاؤوا ليكونوا بالقرب من زملائهم. وفي كل الأحوال، يجدون الصحافي نفسه دائمًا محاطًا بمقعدين فارغين.

وحتى في صالات العروض، يتولى رجال الأمن، بتهذيب ولكن بحزم، اقتياد كلّ شخص إلى مكانه المحدّد، ولا يخلو الأمر من اعتراضات بعض الممتعضين وكلمات تعبّر عن تذمرهم.

ولا هدنة حتى في المساء، في محيط موقع المهرجان، وقد يكون الأبلغ تعبيراً عن هذا الواقع المشهد التالي في شارع قريب من القصر: ضابط شرطة ينبّه شابتين تتناولان المثلّجات فيما تمشيان بقوله "سيداتي، القناع رجاء"، وعندما تردّان "لكننا نأكل الآيس كريم"، يأتيهما الجواب النهائي "كان عليكما أن تفعلا في محلّ بيع المثلجات!"

في أرض الـ"جيلاتو"، غيّرت جائحة كوفيد-19 كل شيء، فحتى تناول المثلجات يكاد يكون جريمة.

 

العرب اللندنية في

06.09.2020

 
 
 
 
 

فانيسا كيربي تفتتح فيلمها "Pieces of a Woman" بمهرجان فينيسيا

هيثم مفيد

افتتحت، أمس السبت، الممثلة الإنجليزية الشهيرة فانيسا كيربي، فيلمها الجديد "Pieces of a Woman" والذي ينافس في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في نسخته الـ77، والمنعقدة حتى 12 من الشهر الجاري.

وحرصت كيربي على إلتقاط الصور التذكارية خلال عرض الجالا على السجادة الحمراء بحضور مخرج الفيلم المجري كورنيل موندركسو، ومدير المهرجان ألبرتو باربيرا. وسط إجراءات احترازية مشددة.

يعتبر الفيلم أول عمل لمموندركسو باللغة الإنجليزية، من بطولة فانيسا كيربي وشيا لابوف في دور مارثا وشون كارسون، زوجان من بوسطن تتعطل حياتهما بشكل لا رجعة فيه عندما تسوء حالتها أثناء الولادة وتفقد جنينها.

 

البوابة نيوز المصرية في

06.09.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004