كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

الدورة الـ 70 لمهرجان برلين السينمائي تحبط الجميع

فيلم افتتاح باهت.. ورغم وعود الإدارة بالتغيير جاءت النتائج مخيبة للآمال

برلين – علا الشافعي

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة السبعون

   
 
 
 
 
 
 

·  هل إصرار المهرجان على تخصيص نسبة معينة لأفلام المرأة والأقليات انعكس على مستوى الاختيارات.. أم أن الأمر مجرد عدم توفيق؟

· فيلم الافتتاح متواضع و"سيبريا "فيلم شديد الخصوصية "وامسح التاريخ" كوميديا عميقة عن حالنا في ظل تسيد "السوشيال ميديا"

كان من المفترض أن يشكل الرقم 70 علامة مهمة في تاريخ مهرجان برلين السينمائي (البرليناله)، ذلك في ظل تصريحات الإدارة الجديدة الشابة بعد أن تولى الإيطالي الأربعيني كارلو شاتريان منصب (المدير الفني) ومارييت ريسنبيك (الإدارة العامة). وهي التصريحات التي انطلقت قبل بدء المهرجان حيث وعدت بالكثير من الطموحات، وشددت على أن الدورة الـ70 تشهد العديد من التغييرات، بل كان الرهان على مستوى وجودة الأفلام كبيرا..

تلك الوعود والطموحات تبددت مع الأيام الأولى من انطلاق المسابقة الرسمية والتي لم تحمل مفاجأة ترضي النقاد والمتابعين لواحد من كبريات المهرجانات السينمائية في العالم، حيث باتت جمل من نوعية "تلك الدورة باهتة"، أو "إننا محبطون من مستوى أفلام المسابقة الرسمية"، و"ما الذي حدث في برلين هذا العام؟"، تتردد في أروقة المهرجان وعلى لسان صحفيين ونقاد من مختلف دول العالم، وهو ما جعل التليفزيون الألماني يخصص حلقة استضاف فيها عدد من النقاد ينتمون لدول مختلفة ويتحدثون معهم عن مستوى أفلام المسابقة المتوسطة، ويسألون لماذا التراجع رغم الحديث عن دورة جديدة وطامحة؟.

برلين السينمائي يمتلك جمهورا سينمائيا كبيرا، وقد يكون هو المهرجان الأكبر من حيث رواده وعدد التذاكر المباعة في الآونة الأخيرة وتصل إلى ٣٣٠٠٠٠ تذكرة، وكذلك عدد زوار السينمات الذى تعدى نصف المليون زائر، وذلك طبقًا لوسائل إعلام ألمانية، وهى المعلومات التي تمت ترجمتها، وتداولتها المواقع الإلكترونية، وهو ما زاد من وقع الصدمة فيما يتعلق بمستوى وجودة الأفلام.

وإذا كان مهرجان "كان" السينمائي الدولي يعد أضخم من حيث السوق والفعاليات إضافة إلى مدينة اليخوت التي يقام بها، والطابع الأكثر تجارية وسياحية، ومهرجان فينسيا الذي يقام في واحدة من أجمل مدن العالم، إلا أن مهرجان برلين أو "البريناله" كان ومنذ انطلاقته الأولى يحمل طابعًا سياسيًا، فقد تأسس فى عام ١٩٥١ ببرلين، مدينة الأطلال، باعتبارها "شاشة عرض للعالم الحر" و"سد ثقافى ضد البلشفية" وظلت على مدى عقود متأثر بالحرب الباردة، حتى بعد سقوط سُوَر برلين، ظل للمهرجان موقف سياسي واضح، في العديد من القضايا، وحتى الآن.

تلك الحالة تجعلنا نتساءل عن أسبابها وهل مثلا لاهتمام برلين بفكرة "الجندرية"، وكوتة المرأة، من الأسباب التي أدت لذلك؟، بمعنى هل إصرار المهرجان على تخصيص نسبة معينة لأفلام المرأة المخرجة، والأقليات، وأيضا مرضى السرطان وهو جندر جديد بدأ يظهر في بعض المهرجانات واختياراتها، هل تلك السياسات انعكست على مستوى الاختيارات، حيث شكلت هي أساس الاختيار بدلا من المستوي الفني، أم أن الأمر لا يخرج عن كونه مجرد عدم توفيق من القائمين على الاختيارات فنيا؟.

عموما هناك الكثير من التساؤلات التي ستطرح بعد ختام المهرجان في الأول من مارس المقبل، لأن الأيام الأخيرة من الفاعليات وعروض الأفلام قد تحمل طوق النجاة للإدارة في حال ظهور أفلام مميزة تعرض في المسابقة الرسمية أو البانوراما.

البدايات المحبطة

كما يقولون "الجواب بيبان من عنوانه"، هذا الأمر ينطبق تماما على فيلم افتتاح الدورة الـ70 "للبريناله"، وهو الفيلم الكندي My Salinger Year" ، وهو الفيلم الذي تستطيع وصفه بأنه يقف في منطقة البين بين فلا هو بالجيد ولا هو بالسيء ومن الممكن أن يتم وصفه بأنه فيلم عادي يحمل قدرا من البهجة وبعضا من عناصر الجذب، من نجوم وموضوع، إلا أنه لا يليق بافتتاح مهرجان بعراقة وضخامة برلين السينمائي ولا يحمل حديثا هذا قدرا من المبالغة حيث إن مخرج الفيلم نفسه وهو ما قاله في المؤتمر الصحفي ردا على سؤال لأحد الصحفيين حيث قال "أنجزتُ فيلماً متواضعاً"، وهي الجملة التي تعكس أن اختيار فيلمه للافتتاح كان خبرا مفاجئا بالنسبة له.

الفيلم ينتمي إلى الدراما الأدبية، ومن إخراج الكندي فيليب فالاردو، وهذا عرضه العالمي الأول، ومأخوذ عن رواية للأديبة والصحفية الأمريكية جوانا سميث راكوف بالعنوان نفسه اقتبس فالاردو السيناريو الذي تدور أحداثه في تسعينيات القرن الماضي، وتحديداً عام 1995، في نيويورك. "عامي مع سالينجر" ليس فيلم سيرة ذاتية، بخلاف ما يوحي به العنوان، بل يكتفي المخرج بالإشارة إلى اسم الكاتب في جمل أو من خلال مكالمة تليفونية، مكتفيا بصوته.

تدور أحداث فيلم فيليب فالاردو على الشابّة جوانا (مارغريت كوالي)، الشاعرة الطموحة، التي تحلم أنْ تصبح أديبة معروفة ذات يوم، لكنّها تتخلّى عن كتابة الشعر وعن حلمها، عند حصولها على وظيفة في وكالة أدبية مشهورة، كمُساعدة للمحرّرة الأدبية مارغريت (سيجورني ويفر). الوكالة تُشرف على نشر أعمال أدباء كبار، بينهم سالينجر، فتنتهز جوانا الفرصة لتحقق مشروعها الخاص وتثبت وجودها في نيويورك المدينة الكبيرة والتي أتتها كوافدة، لذلك تتحمل الطريقة الجافة وكثرة الأوامر من مديرتها، وتركز في عملها بكل طاقتها حيث تقوم بالرد على الاتصالات الهاتفية، وكتابة الرسائل على الآلة الكاتبة، وغيرها من المهام.

سيناريو الفيلم الجيد إلى حد ما يعكس الصراع المكتوم بين رئيسة الوكالة والتي تتعامل مع الأمور وفي تفاصيل الحياة والعمل بمنطق يختلف تماما عن جومانا تلك الشابة الطموحة، وهو صراع هادئ ينعكس في التفاصيل الصغيرة بدءا من بيئة العمل وعلاقة كل منهما في حياتهما الشخصية.

بشكل عام فيلم "عامي مع سالينجر" فيلم شديد البساطة سيناريو جيد وعناصر فنية جيدة ولكن لا يوجد فيه شيء مختلف فهو يشبه تلبك النوعية من الأفلام التي من الممكن أن تشاهدها وأنت جالس في منزلك.

وإذا كانت تلك الحالة الباهتة قد بدأت مع الافتتاح فأنها تأكدت أيضا مع بداية عرض أفلام المسابقة الرسمية والتي لم تحمل أية مفاجآت.

أول الغيث قطرة

مع بداية اليوم الرابع في المسابقة الرسمية ظهرت أفلام لافتة للانتباه وتستحق التوقف عنها من بينها delete history""(«حذف التاريخ») للفرنسيين بينوا دوليبين وجوستاف كورفين المخرجان الكوميديان الساخران اللذان لا يفترقان ويتواجدان دائماً في مهرجانات مثل «برلين، وكان».

وفي فيلمها الجديد يقدمان قصة ثلاثة جيران مع العواقب الجديدة لوسائل التواصل الاجتماعي. مسرحية هزلية عن واقعنا في القرن الحادي والعشرين، بطريقة سينمائية كوميدية عميقة، وهو واحد من أجمل الأفلام التي عرضت حتى الآن لأنه وبطريقة ساخرة كشف شكل العالم الحديث وكيف أن التليفون ووسائل الاتصال الحديثة باتت هي المتحكمة في كافة تفاصيل حياتنا لدرجة أننا صرنا عبيدا لها.

سيناريو الفيلم المبني على العديد من المفارقات الكوميدية التي تفجر الضحك طوال أحداثه، ماري التي تشعر بالتهديد بسبب فيديو إباحي لها، والخوف من أن يعرف ابنها ذو الـ15 عاما بأمره حيث تعرفت إلى رجل في البار ولم تكن في وعيها ولم تتذكر أنها ذهبت معه إلى منزله وأنه صور لها فيديو إباحي وقرر أن يبتزها ماديا، والجار الثاني هو بيرتراند والذي يتحول لمدمن علاقة جنسية عبر الإنترنت متخيلا أن من تتحدث إليه وتدعي ميراندا إنسانه حقيقية تعيش في أمريكا، ويتأزم نفسيا عندما تتعرض ابنته للتنمر من قبل زملائها في المدرسة والذين يسخرون منها بسبب تقويم أسنانها، وهناك كريستين مدمنة المسلسلات التي تبث أونلاين وتعمل سائقة على "أوبر" وتعاني من سوء التقييم.

كيف يجتمع الثلاثة وما هي خطتهم لمواجهة الأمر وما الذي سيكتشفه كل منهم عن نفسه خصوصا بعد رحلة سفر ماري إلى أمري بيرتراند في محاولة إقناع مسؤولي الداتا بمحوها.

ماري التي ذهبت لمحو فيديو فتفاجئ بنفسها وقد تورطت في علاقة مع أمريكي ثري عاشق للألعاب الجنسية وصور لها مشاهد قد تصنع فيلما، ورد فعل عندما يكتشف بيرتراند أن ميراندا هي مجرد آلة.

سيناريو الفيلم شديد الذكاء ويعتمد كليا على كوميديا الموقف ويجعلنا نشعر بالرثاء والسخرية من حالنا في نفس الوقت، وقد يكون من أكثر الأفلام التي حصدت تصفيقا كثيرا.

Siberia («سيبيريا») للأمريكي أبل فيرارا المخرج المثير للجدل، والفيلم من بطولة ممثله المفضل ويليم دافو. يروي العمل قصة الرجل المهزوم والمكسور "كلينت "الذي يعيش وحيداً في قلب تندرا المتجمدة، ولكن رغم عزلته، فإنه يعجز عن الهرب من العالم أو إيجاد السلام.

في إحدى الليالي، يشرع في رحلة يسافر خلالها عبر أحلامه وذكرياته وخياله، محاولاً شق طريقه من الظلام الى النور، ويعتمد سيناريو الفيلم بأكمله على تلك الحالة الذهنية، وكيف يقابل كلينت مخاوفه وهواجسه، ولحظات الخذلان في حياته فهو يستدعي والده ويدخل معه في حوارات تعكس عقدة العلاقة بينهما، وأيضا الأم، والزوجة التي تركها ودائما ما يردد لها جملة "المشكلة إنني أحببتك أكثر من اللازم"، وهناك نساء أخريات كثيرات مختلفات اللون والثقافة قد يكن دخان إلى حياته، في فترات ما، ورغبته في أن يتحول إلى قاتل في لحظة، وكيف كان شاهدا على واقعة اعدام جماعي.

تلك الحالة الذهنية والأحلام والهواجس والتساؤلات حول من أنت وماذا تفعل وكيف وصل بك الحال إلى اختيار العزلة التامة نمط لحياتك، حولها المخرج الفذ إلى صورة بصرية شديد الثراء، ومشاهد كاشفة لتعقيدات النفس البشرية وساعده في توسل كل تلك الحالة والمعاني ممثل يفهم جيدا ما يقدمه على الشاشة، والمفارقة أن المخرج لم يهتم أبدا بترجمة بعض الحوارات التي كانت تدور بين البطل وشخوص من تلك المنطقة النائية التي اختارها للعيش كأنه يريد أن يقول أنه لم يعد يهتم بالتواصل الإنساني بدرجة كبيرة يكفيه أنه يفهم القليل، لأنك كمشاهد قد تكون في نفس الحالة.

"سيبيريا" من الأفلام الخاصة جدا والتي قد لا تكون لونا سينمائيا جاذبا للبعض، ولكنه فيلم متفرد بكافة عناصره السينمائية.

بالطبع هناك أفلام أخرى تستحق التوقف عندها في مهرجان برلين خصوصا تلك الأفلام التي تتحدث عن ثيمة الحب وأشكال مختلفة له منها الذي يحمل بعدا أسطوريا مثل "اوندين"، و"شقيقتي الصغرى".. وللحديث بقية.

 

الأهرام اليومي في

28.02.2020

 
 
 
 
 

اليوم ختام الدورة الـ 70 لمهرجان برلين السينمائي

منافسة ألمانية _أمريكية على الدب الذهبي فهل يغير الإيراني رسولوف كفة الترجيحات؟

برلين: علا الشافعي

تختتم مساء اليوم السبت بتوقيت ألمانيا فاعليات الدورة الـ 70 لمهرجان برلين السينمائي في قصر "البرليناله "، ورغم التحفظات التي شهدتها هذه الدورة من جانب العديد من النقاد وصناع السينما إلا أنه لا صوت يعلو اليوم فوق صوت الرهانات وتوقعات الجوائز، ما هو الفيلم القادر على اقتناص الدب الذهبي الجائزة الكبري للمهرجان من بين الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية (18 فيلم)، سيحصل على الدب الذهبي الجائزة الكبرى للمهرجان، وإلى من سيذهب الدب الفضي؟، وباقي جوائز المسابقة الرسمية والمسابقات الأخرى، هل ستلعب السياسة دورا مهما في حسم قائمة الجوائز؟ كعادة مهرجان برلين والذي لا يستطيع أحد أن يغفل جانبه السياسي والذي انطلق المهرجان على أساسه، وحتى الآن تنحصر المنافسة بين السينما الألمانية بشريط بعنوان Undine («اندوين») للألماني كريستان بيتزولد، و"برلين الكسندر بلاتس" والكورية بفيلم «المرأة التي هربت») والتايلاندية بفيلم Rizi («أيام») للتايواني تساي مينغ ليانغ ، والأمريكية "ابداً نادراً في بعض الأحيان دائماً») ، ولكن لا أحد يعرف إذا كان الإيراني محمد رسولوف سيغير كفة الترجيحات بفيلمه «لا يوجد شر») والذي عرض أمس الجمعة ولم يتمكن مخرجه من حضور العرض العالمي الأول لفيلمه lلجديد بسبب قرار النظام الإيراني بعدم السماح له بالسفر كل هذه التساؤلات ستحسمها النتيجة التي سيعلنها رئيس لجنة التحكيم جيمي آرونز.

السينما الألمانية أمام الأمريكية

بالطبع هناك الكثير من التكهنات التي أطلقها النقاد في المجلات السينمائية المتخصصة والتي تصدر طوال أيام المهرجان وطبقا لتقديرات النقاد فإن الفيلم الأمريكي Never rarely sometimes always («ابداً نادراً في بعض الأحيان دائماً») للأمريكية إليزا هيتمان يتصدر المنافسة مع الفيلم الألماني " أوندين"، ولكن توقعات النقاد قد لا تترجمها بالضرورة لجنة التحكيم والتي بالتأكيد تملك ذوقها الخاص، وانطباعاتها ، والتي قد تحدث مفاجأة مساء هذا اليوم .

ولكن للحقيقة السينما الألمانية تشارك بتجارب سينمائية مهمة خلال هذه الدورة، تستحق الأفلام المشاركة التوقف عندها، وجميعها أفلام يغلب عليها الطابع الإنساني وتلعب تيمة الحب فيها دورا محوريا بدءا من " أوندين " المنافس بقوة لمخرجه "كريستان بيتزولد "والذي سبق وقدّم أفلاماً كثيرة هنا، حاصداً عنها جوائز مهمة، سيناريو الفيلم وبناءه الدرامي استلهمه المخرج من أسطورة "أوندين"حورية الماء والتي يقع في حبها الرجال الا أنها تعاهدت مع حبيبها على عدم الخيانة وما كان منه إلا أن وهبها كل أنفاسه، ولكن للأسف يخونها فتصيبه بلعنه انه لو نام سيموت وتتوقف أنفاسه ، لذلك ظهر في الطب أيضا مرض يسمي "بلعنة أوندين"، وبطلتنا أوندين تعمل دليلة في أحد المتاحف الألمانية في يومنا هذا، تشرح تاريخ التطور أو التدهور المعماري الذي شهدته المدينة والمشاريع الجديدة التي نفّذت منذ توحيد شطري برلين وما يعتزم إنشاؤه مستقبلا، وهي تجيد عملها باحترافية بالغة، لكنها تعاني في علاقتها العاطفية مع "يوهانس" الذي يخبرها أنه سيتركها، وهذا ما يجعلها تفكر في الانتقام، لكنها سرعان ما تلتقي برجل آخر هو "كريستوف"، وهو غطاس محترف يعمل لحساب بعض الشركات، ويضعه القدر في طريقها حيث تقع في حبه من اللقاء الأول، وتصبح علاقتهما ملتهبة لا تخمد نيرانها قط، لكن شبح علاقتها السابقة قائم، ثم يعود يوهانس ليعلن لها أن علاقته بالمرأة الأخرى التي تركها من أجلها قد انتهت وأنه يود استئناف علاقتهما، وتتصاعد لأحداث. سيناريو الفيلم مبني بذكاء شديد ويحمل الكثير من الرموز والدلالات التي تم توظيفها لخدمة التطور الدرامي والأحداث حيث تقرر أوندين العصر الحديث تقرير مصيرها بيدها وفداء حبيبها والتضحية بنفسها ليعود من الموت بعد أن كان في غيبوبة.

أما الفيلم الأمريكي "ابداً نادراً في بعض الأحيان دائماً " يرصد قصّة مؤلمة عن مراهقة تسافر مع صديقتها من ريف بنسلفانيا إلى مدينة نيويورك لإجراء عملية اجهاض، وهو فيلم متميز يكشف من خلال سيناريو شديد الرقة، وحوار قليل ولكنه مكثف وشديد الذكاء ما يصاحب تلك التجربة القاسية لفتاة لم تبلغ الـ 17 عاما.

كواليس

*تسلمت النجمة الإنجليزية هيلين ميرين، جائزة الدب الذهبي الشرفية، من إدارة المهرجان، نظرًا لإسهاماتها الكبيرة في صناعة الفن، وذلك بقصر المهرجانات، مساء أول أمس الخميس بحضور عدد من الشخصيات السينمائية.

*كشف مهرجان برلين السينمائي، عن نتائج النصف الأول من دورته الحالية، والتي تقام في الفترة من 20 فبراير، حتى 1 مارس حيث تم بيع 272 ألف تذكرة، حتى الاَن، وذلك بزيادة 20 ألف تذكرة عن الدورة الماضية في المدة نفسها، كما ازداد الطلب على حجز التذاكر عبر الإنترنت، مقارنة أيضًا بالعام الماضي.

 

الأهرام اليومي في

29.02.2020

 
 
 
 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (6):

رسالة مخرج إيراني ضد النظام تختم مهرجان برلين وتعد بجائزة

«ليس هناك شر» فيلم بأربع حكايات

برلين: محمد رُضا

من بين عشرات الكتب الروائية التي دارت رحاها في مدينة برلين (آخرها رواية تاريخية عنوانها «عندما يرى العميان» لأليكس رودس)، تبقى رواية ألفرد دوبلين «برلين ألكسندربلاتزَ» الأكثر كثافة في أحداثها، والأعمق في دخولها عالم الجريمة وموقف الفرد الذي وجد نفسه في ظروف تنتقل به من القاسي إلى ما هو أقسى.

الفيلم الأول الذي تم صنعه بناءً على هذه الرواية كان ألمانياً سنة 1931، أي بعد عامين فقط على نشر الرواية، من إخراج فيليب جوتزي، الذي عرف حينها بأنه «مخرج أفلام البروليتاريا الألماني الأول».

الفيلم الأخير لهذه الرواية هو الألماني «برلين ألكسندربلاتزَ» الذي تم تقديمه في مسابقة مهرجان برلين قبل يومين.

المفارقة هي أنه من بعد نحو سبعة أفلام تم اقتباسها من رواية دوبلين (من بينها المسلسل التلفزيوني، المصوّر سينمائياً الذي قام به رينر فرنر فاسبيندر في 14 حلقة) هذه هي المرّة الأولى التي يعالج الرواية مخرج من خارج أوروبا هو الأفغاني برهان قرباني. وبالنسبة لناقد لم يشاهد إلا فيلمين سابقين اقتبسا عن هذه الرواية وخمس حلقات من مسلسل فاسبيندر، فإن الإضافة التي يعمد قرباني إليها هي قدرته على رؤية نافذة للموضوع مرتبطة بصياغة نقدية لعالم يموج بالأشرار والمخطئين والباحثين عن حياة أفضل عبر العمل في مهن خطرة ومحذورة.

- ملحمة تراجيدية

من المثير ملاحظة أن الرواية التي وصفت بأنها تنتمي إلى أسلوب الكاتب الآيرلندي جيمس جويس كنص، تمتعت بالقدرة على معالجتها من زوايا متعددة. بالنسبة لفاسبيندر مثلاً، هي مناسبة لا للحديث عن أحداثها وسردها فقط، بل اهتم بالجاذبية القائمة بين بطلي الفيلم فرانز بايبركوف وراينهولد. في نسخة فيليب جوتزي، وتلك التي أخرجها سنة جوليان لورنز سنة 2007، فإن الاهتمام الأول والسائد هو سرد الحكاية كما كُتبت.

هنا يختلف الوضع مجدداً. رؤية قرباني تبدو تعليقاً اجتماعياً على سوء الوضع مجتمعياً وأخلاقياً. وصف ليس من السهل إطلاقه على بلد صناعي متقدم مثل ألمانيا، باستثناء أن قرباني ليس طارئاً، بل هو من لُحمة هذا المجتمع، إذ تربى ودرس وعمل فيه.

الرواية ذاتها (متوفرة بالإنجليزية على «أمازون») ذات نص مكثف ووصفي لفتت انتباه برتولت برخت، فقال عنها: «علمتني أكثر عن روح الملحمة أكثر من أي كتابة أخرى. كتابته الملحمية وحتى نظريته في هذا الشأن أثرت في عملي الدراماتيكي».

هذا القوس الملحمي الذي تحتويه، انتقل بكليّته في نسخة قرباني التي بلغت نحو ثلاث ساعات من العرض، إلى الزمن الحالي، عارضاً حياة المهاجر الأفريقي؛ المهاجر غير الشرعي الذي يعيش بلا أوراق ثبوتية في المدينة الكبيرة، المحمل بالشعور بالذنب، كونه أخفق في إنقاذ حياة فتاة من الغرق ذات مرّة، وكُتبت له النجاة، ما يجعله يقرر أن يعيش مستقيماً. أو لعله لم يكن هناك سواه أو لعله لم يكن هناك غرق. علاقة المشهد الأول (الذي يتكرر مرتين أو ثلاثة لاحقاً) بما يحدث مع فرنسيس (قبل أن يغير اسمه إلى فرانز) ليست موجودة، لتحليلها، بل لتوظيفها كما هي بصرف النظر عن دواعيها، باستثناء إعلانه (وإعلان التعليق الصوتي أكثر من مرّة) بأن أقسم على أن يعيش في حياة مستقيمة.

لكن في منظور الرواية والفيلم، الحياة في القاع لا يمكن لها أن تساعد أحداً للعيش مستقيماً. سوف تستدرجه للشر والجريمة وما يحدث مع فرنسيس (يؤديه الأفريقي الأصل فلكت بانغو) هو أنه طرد من عمله عندما احتج على المعاملة بعدما التقى بشاب (أبيض) اسمه راينهولد (ألبرخت شوش) الذي جذبه للعمل في زمرته من تجار المخدرات. لكن فرنسيس عرض أن يكون طبّاخ الزمرة التي تتخذ من بعض أحراش برلين موقعاً لها. هذا الدور لم يستمر قليلاً، وتمّت ترقية فرنسيس أكثر من مرّة إلى أن وصل لمستوى الشريك. خلال هذه الفترة كان تعرف على شابة تمارس الدعارة اسمها إيفا (أنابيللا ماندنغ)، ووقعا في الحب، وقرر أن يترك العمل مع راينهولد الذي لم يرض بذلك، فخطط لإغواء إيفا، ثم قتلها، بعدما أطلع فرنسيس (وقد أصبح الآن يحمل اسماً ألمانياً هو فرانز وجواز سفر مزوّر) على تلك العلاقة نكاية به.

في صميمه هو فيلم «غانغستر» (عصابات) كبير الحجم وفضفاض عند الخاصرة. يبدأ جيداً جداً واعداً بتقديم تلك الرؤية الخالصة لحكاية ترسم خارطة درامية شاملة لحياة هذه الشخصيات، وأحداثها، (وهناك شخصيات وأحداث كثيرة أخرى تملأ دقائقه الـ180). لكن الفيلم يغوص في التراجيديا، وحين يفعل، تزداد مدارك المشاهد بأن الفيلم إنما اكتفى، قبل الثلث الأخير، بالحفر في المكان ذاته عدة مرّات. إنها الفترة ذاتها التي يتحوّل فيها الفيلم إلى معالجة تشويقية لا تساوي تلك الاجتماعية السابقة لها.

صحافي ألماني ذكر لي أن الفيلم هو أداة في يد اليمين المتطرف: «قرباني صنع الفيلم الذي يستطيعون تحويله إلى سلاح دعاية للقول: هل ترون ما يفعل المهاجرون الذين نستقبلهم بنا؟». لكن هذا الرأي يناهضه أن راينهولد هو الشرير الأول (يمشي كجرذ مكسور اليد).

- 4 حكايات في فيلم واحد

«برلين ألكسندربلاتزَ» هو أحد ثلاثة أفلام أخيرة عرضت في المسابقة (في حين استمرت عروض البرامج الموازية لما بعد اليوم الأخير للمسابقة).

آخر فيلم في المسابقة الرسمية هو الفيلم الإيراني - الألماني «ليس هناك شر» لمحمد رسولوف. تشاهده وتدرك أن السلطات الإيرانية لم تكن لتسمح بعرض فيلم يتهمها بسيادة دكتاتورية على الشعب، وبممارسة قانون الإعدام بحق الناشطين والمجرمين العاديين على حد سواء.

«ليس هناك شر» يأتي بأربع حكايات. الأولى حول رب الأسرة الصغيرة المتفاني في خدمة عائلته وحسن رعايتها وخدمتها. نتعرف عليه وهو يحصل على شوال أرز من مكان رسمي لا نعرف ما هو، ثم يقود سيارته إلى البيت، ثم إلى حيث المدرسة التي تعمل فيها زوجته مدرسةً، وبعد ذلك إلى مدرسة ابنته. من هناك إلى «سوبر ماركت»، حيث يشتري وزوجته حاجياتهما الشهرية، وفوق ذلك حاجة والدتها. تتجه العائلة إلى والدة الأم. يمضون وقتاً طيباً. يعودون إلى البيت. يساعد الزوج زوجته بصبغ شعرها، ثم يأوي إلى الفراش حتى الساعة الثالثة.

يقود السيارة إلى عمله. هنا فقط نكتشف ماهية هذا العمل: تنفيذ الإعدام بشد آلة الجهاز الذي سيقوم بالمهمّة.

إنها صدمة مقصودة وبالغة التعبير. بعد ذلك تأتي الحكايات الثلاث جميعها لتصب في قضية الإعدام بحد ذاته: الحارس الذي يرفض تنفيذ حكم الإعدام وينجح في الهرب. الشاب الذي نفذ حكم الإعدام بمثقف قبضت عليه السلطات، وحدث أن هذا المثقف هو الرجل الذي تعرفت عليه عائلة الفتاة التي يحبها الحارس. ثم قصة الفتاة العائدة من السفر إلى بيت العائلة، لتكتشف أن والدها ليس هو والدها الحقيقي، وإنه كان ينفذ أحكام إعدام، ولو لحين، وأحد من نفذ بهم حكم الإعدام كان والدها الحقيقي.

ينتهي فيلم رسولوف بسيارة هذه العائلة متوقفة وسط البراري. كانت في طريقها لإيصال الفتاة إلى مطار طهران من جديد، لكنها توقفت وسط أزمتها. هل تعود السيارة من حيث أتت أو تكمل؟ لا يجيب رسولوف عن السؤال، لكن المشهد البعيد لتلك السيارة سريعاً ما يرمز إلي إيران ذاتها المأزومة والمتجمدة في مكانها.

لا نستطيع الدخول على عقول لجنة تحكيم آتية من مزاجات وثقافات متعددة، لكن الفيلم الإيراني يستحق جائزة الشجاعة أولاً، وجائزة أخرى لجودة ودراية المعالجة التي وفرها محمد رسولوف لعمله هذا.

موقف السلطات الإيرانية من رسولوف، يذكر بموقف تركيا من السينمائي الكردي (ذي الجنسية التركية) يلماز غونيه… هو أيضاً كان مثير شغب سياسي وسجن مراراً لمواقفه قبل أن يهرب من السجن بخطة محكمة تصلح لأن تكون فيلماً.

 

الشرق الأوسط في

29.02.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004