كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

صراع الدب الذهبى يشتعل فى «برلين السينمائى»

خاص ــ برلين:

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة السبعون

   
 
 
 
 
 
 

·        صعود بورصة الأداء.. وأفلام «أوندين» و«حذف التاريخ» و«مخبأ» و«الدخيل» فى المقدمة

يواصل مهرجان برلين السينمائى الدولى عروضه، وسط حضور جماهيرى كبير، وشهدت المسابقة الدولية لدورته السبعين منافسة كبرى، حيث اشتد الصراع على الفوز بالدب الذهبى، بعدما ألقى المهرجان بثقله الفنى بعرض مجموعة متتالية من الافلام الجديدة، والتى أكدت على بريق الأداء لعدد من نجمات ونجوم الأعمال الذين أدهشونا حقا على الشاشة، ويبدو أن كثيرا من المخرجين اعتمد على قوة تجسيد نجومهم فى الوصول بالهدف لبر الأمان، بل ونيل صيحات الإعجاب ونظرات الرضا.

من هؤلاء النجمات مارجريت كواللى، بطلة فيلم «عامى سالينجر» التى أدهشت الجميع بأدائها فى فيلم المخرج فيليب فالاردو، وكذلك الممثلة أريكا ريماس بطلة فيلم الدخيل، وبطلا فيلم «أختى الصغيرة» نينا هوس ولارس ايدنجر اللذان ينافسان بقوة على جوائز التمثيل، حيث قدما مع المخرجين ستيفانى شوت وفيرونيك ريموند دور العمر فى فيلم حمل مشاعر انسانية كبيرة فى علاقة بين أخ وأخته، الأخت ليزا تخلت عن طموحاتها ككاتبة مسرحية فى برلين، وانتقلت إلى سويسرا مع طفليها وزوجها، الذى يدير مدرسة دولية هناك. عندما يصاب شقيقها التوءم سفين، الممثل النجم فى مسرح شوبان فى برلين، بسرطان الدم، تعود ليزا إلى العاصمة الألمانية. آماله فى العودة إلى المسرح تعطى سفين القوة التى يحتاجها لمحاربة المرض. لكن عندما تدهورت حالته، تأخذ ليزا زمام الأمور وتعيد شقيقها إلى سويسرا. إنها تأمل فى أن تكون المعالجات الجديدة والحياة الأسرية والهواء الجبلى معجزة.

سيناريو الفيلم يتنقل بنعومة وحبكة درامية متصاعدة، فى علاقات وصور درامية مفعمة بالأحاسيس، الأخ والأخت، برلين وسويسرا، الحياة والمسرح، المرض والصحة.

ومن خلال أدائها البارز المتميز، تتشابك شويسترلين فى هذه الثنائيات التكميلية فى دراما ناضجة ومؤثرة ومعقدة. حيث يستكشف هذا الفيلم معنى الشفاء والتضحية، وعلاقة الأخوة الحقيقية، وقدمها هنا بصورة أكثر من رائعة، وكذلك عشق البطل للعمل الفنى كطموح اساسى من أجل الحياة وهو موضوع نادرًا ما تم تناوله كما هنا فى فيلمنا.

ومن الأفلام التى تصاعدت بورصتها بقوة أيضا فيلم «أوندين» بطولة بولا بير وفرانز روجويسكى، إخراج الشهير كريستيان بيتزولد.

الفيلم الذى يتناول حكاية حب تعقدت ملامحها، يدور حول شخصية أندين الجميلة وهى مؤرخة تعمل كدليل متحف فى برلين.، وتعشق مهنتها وتفاصيلها رغم صعوبتها، وتترقب دائما يوهانسن الذى تحبه وتظل تسأله هل ستحبنى وحدى، حيث تساورها الشكوك، لكن يوهانس يغادر، ويتركها، ويبدأ عالم أوندين فى الانهيار. وهنا تتلاشى واقعية القصة لندخل فى عالم آخر من الخيال، حيث يعيد المخرج كريستيان بيتزولد صياغة أسطورة روح الماء الغامضة كقصة خيالية حديثة فى عالم ملىء بخيبة أمل، حيث تتصور أن هناك رجلا قابلها وسط المياه، تتحدى بعقلها الباطن عجزها وترفض فشلها، وتقع فى الحب من جديد مع كريستوف الذى يغوص فى البحر بصورة يتم فيها دمج اللحظات اليومية الدقيقة مع الواقعية الشبح.. إنها قصة حب الحياة أو الموت. الكل فى الأسطورة يتمسك بالأمل، وقد منحه نقاد العالم بمجلة سكرين أعلى التقديرات حتى الآن والتى وصلت إلى (3,1)، فيما حصل فيلم «الدخيل» على تقيم (2)، وهيدن أواى على نفس الدرجة، وقفز فيلم «البقرة الأولى» إلى ( 2,7).

وفى المنافسة أيضا فيلم «حذف التاريخ» إخراج دينوا ديلبن وجوستاف كيرفين، والذى منحه نقاد مجلة سكرين تقديرات كبيرة عقب عرضه ووصل إلى (2,8)، والفيلم تدور أحداثه فى إحدى ضواحى المقاطعة، حيث يتعامل ثلاثة من الجيران مع عواقب العالم الجديد لوسائل التواصل الاجتماعى. مارى، تخشى فقدان احترام ابنها بسبب شريط جنسى. ولا برتراند الذى لا يستطيع أن يقول لا للدعوات الدعائية ويقاتل من أجل حماية ابنته التى تتعرض للتخويف عبر الإنترنت. كريستين، بعد أن فقدت كل شيء بسبب إدمانها لمشاهدة المسلسل التليفزيونى، هؤلاء الثلاثة غير قادرين على إيجاد حل لمشاكلهم بمفردهم ــ حتى يتحدوا كقوة لإعلان الحرب على عمالقة التكنولوجيا. فى ظاهر الأمر هو عمل كوميدى هزلى، بينما يجسد الفيلم واقعنا فى القرن الحادى والعشرين، حيث لا يوجد تاريخ ولا توجد قصص ولا يسار ولا يمين. الكل يخضع لهوى وسائل التواصل الاجتماعى وكأنها سحابة غير مرئية تسحب البيانات وتسيطر علينا وتلتهم هوياتنا. وهو أحد الافلام المهمة التى تطرح تساؤلات مفتوحة حول تصوراتنا للواقع.
ودخل السباق ايضا فيلم الابيض والاسود «ملح الدموع ــ The Salt of Tears» إخراج فيليب جاريل، وبطولة لوجان انتوفيرمو، حيث حصل على تقييم ( 2,3)، ومن المتوقع ايضا ان ينافس بطله لوجان انتو فيرمو على جائزة افضل ممثل لتجسيده فكرة المخرج المهموم بالبحث عن معنى وقيمة وجدوى «الحب»، حيث يمثل جيل من الشباب وعلاقتهم العاطفية التى تفتقد العمق فى ذلك العصر
.

السينما الفرنسية بدون شك لا تزال تتمسك بهويتها على الشاشة، قصة غير معقدة، أسلوب بسيط، حوار يطرح تساؤلات طول الوقت، صورة ناعمة تخلو من الفذلكات، وهكذا ظهر لنا فيليب جاريل الكلاسيكى.

وفى المنافسة على الدب الفضى أو الجائزة الكبرى لمهرجان برلين السينمائى يقفز أيضا فيلما «مُخَبّأ بعيدا ــ Hidden Away للمخرج الإيطالى جيورجيو ديريتى و«الدخيل» للمخرجة الأرجنتينية نتاليا ميتا، قد لفتا أنظار الجمهور قبل النقاد، وقد عبرا بقوة عن القوة الكامنة داخل الإنسان للتغلب على معاناة الحياة، وأزماته النفسية التى تدفعه إليها هواجسه والبشر المحيطين بعالمه على أرض الواقع، وأيضا أحلام اليقظة بواقع آخر افتراضى لمزيد من علامات الإثارة لعقل الإنسان الذى يمثله أبطال الحكايات.

أيضا من علامات الإبداع والتميز فى الفيلمين، أنهما منحا حرية التعبير لأبطالهما ليغوصا من الموت إلى الحياة، الأول عالج قضيته باللجوء للفن، والثانية بالارادة الذاتية.

أصبح ما حدث لفيلم كوريا الجنوبية «طفيلى» للمخرج بونج جون واقعا مؤثرا داخل أروقة المهرجان، وهل يمكن أن تتكرر تلك التجربة الرائعة وذلك بعد حصوله على السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائى، ومن بعدها تتويجه بأوسكار افضل فيلم، حيث يتساءل الكثيرون: هل يمكن أن تتكرر التجربة سواء مع فيلم كورى أو غيره من الجنسيات الأخرى التى توجه ضربة كبيرة للسينما الهوليودية، وتصعد من قلب المهرجان، وفى المسابقة أيضا الفيلم الكورى «المرأة التى ركضت» للكورى الجنوبى هونغ سانغسو الذى يتناول حكاية زوجة سافر زوجها فى رحلة عمل، فتنتهز الفرصة لمقابلة صديقات لها. فى كل واحدة جانب يتم كشفه، بما فيها شخصية الزوجة. وتحدث عدة مواجهات وأزمات تكشف عن مشاكل داخلية مكبوتة، وربما تلك هى التيمة التى لجأ اليها المخرج واسلوب مهد من خلاله لنكتشف معه ماذا تعانى بطلاته عبر ايحاءات الصورة والحوار.

ويجىء فيلم «الطرق المهجورة ــ (The Roads Not Taken) للمخرجة البريطانية سالى بوتر، ليشكل درسا كبيرا فى الأداء الرائع والذى استحق تقدير الجمهور لبطلى الفيلم الممثل الإسبانى خافير بارديم والأمريكية إلا فاننج، زتشاركهم أيضا سلمى حايك، وهذا الطاقم التمثيلى يمكن اعتباره الأبرز فى المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائى الدولى لهذا العام.

الفيلم يتناول بشكل درامى يوما مركبا وثريا بالأحداث فى حياة أب وابنته، وكيف يقودهما القدر إلى حادثة تتلاعب بحاضرهم وتضعهم أمام اختيارات متعددة فى مستقبلهم، والجدير بالذكر أن خافيير بارديم الفائز من قبل بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل فى دور مساعد، وبجائزة أفضل ممثل فى مهرجان كان، وأعتقد أنه بات قريبا من جائزة مهرجان برلين.

على جانب آخر برزت السينما الوثائقية على شاشة مهرجان برلين من خلال الفيلم الوثائقى «هيلارى» من إخراج الأمريكية نانيت بورستاين، والذى يسلط الضوء عبر أربعة أجزاء على حياة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والمرشحة السابقة للرئاسة هيلارى كيلنتون ومسيرتها السياسية متطرقا بجرأة إلى بعض الاحداث الساخنة، وقد قيم للفيلم اكثر من عرض حضرت هيلارى عرضه الأول وحظيت باستقبال حار.
وقالت كلينتون عقب العرض: أنا أى شخص آخر، عشت فترات من الصعود والهبوط، من الرضا الكبير وخيبة الأمل، لقد عشت حياة شخصية خاصة، وحياة سياسية عامة لكننى أردت ــ إن أمكن ــ أن يتم عرضها بكل جوانبها، وأجبت عن تساؤلات كثيرة، كنت احظى بشعبية كبيرة عندما كنت فى خدمة شخص آخر لكن عندما تقدمت وترشحت لمجلس الشيوخ بشروطى الخاصة أو للرئاسة، بدا الناس عرضة للتأثر بالعديد من المعايير والقوالب النمطية التى لا نزال نعيش معها جميعا
.

التتبع

 

الشروق المصرية في

27.02.2020

 
 
 
 
 

"ديليت هيستوري، أختي الصغرى، والمرأة التي هربت" في البرليناله الـ٧٠

د. أمل الجمل

لا شك أن أفلام هذا العام أقل من مستوى أفلام دورة العام الماضي لمهرجان برلين السينمائي -البرليناله - في دورته السبعين. ليس في المسابقة الرسمية فقط، ولكن على جمع الأقسام. كانت دورة العام الماضي أجمل دورة حضرتها بمهرجان برلين منذ العام ٢٠١٤. وكأن ديتر كوسليك كان يُصر بإرادة وعزيمة على أن يختتم مشواره مديرًا فنيًا للمهرجان بتحقيق إنجاز كبير، على كافة أقسام المهرجان.

بينما هذا العام، نجد المستوى بشكل عام متوسطًا، لا شيء مبهر، أو يصل إلى مستوى التحف أو الجواهر السينمائية، لا شيء يخطف الأنفاس وأنت تشاهده، هناك بعض الأفلام المتميزة، لكنها ليست سينما استثنائية، أو "ماستر بيس". مع ذلك سنكتب عن عدد من أبرز تلك الأعمال التي سيتعين على أعضاء لجنة التحكيم برئاسة الممثل البريطاني جيريمي آيرونز، الاختيار من بينها، وتوزيع الجوائز عليها - بعد غد - بعد أن شاركت في المسابقة الرسمية التي تضم ١٨ فيلمًا، منها فيلمان عُرضا من قبل بمهرجانات أخرى، وهو أمر أعتقد أنه كان يستحيل أو يصعب حدوثه في وجود ديتر كوسليك، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمسابقة الرسمية.

ديليت هيستوري

من بين أبرز الأعمال التي جاءت موشاة بخطوط كوميدية ساخرة، إضافة إلى أهمية موضوعها فيلم فرنسي بعنوان delete history ، من إخراج اثنين هما جوستاف كرفرن وبونوا دولبين. تتوزع البطولة بين ثلاث شخصيات لديها مشكلات وصعوبات تسبب التورط في عالم الإنترنت، وما ينجم عنها من فضائح جنسية تُهدد مستقبلهم العائلي.

نعيش تفاصيل من حياة الشخصيات الثلاث، فهناك أب يعيش على القروض وبطاقات الائتمان يكتشف أن ابنته تتورط في فيديو جنسي يسبب لها مشاكل في المدرسة، وهناك أم تضطر لأن تترك ابنها الذي تعشقه؛ ليعيش مع والده لأنها لا تملك أموالاً كافية لإعالته، والمرأة الثالثة تعمل وتريد رفع مستوى تقييمها بنجوم إضافية ليزداد دخلها، لكنها لا تحصل إلا على نجمة واحدة، ثم نكتشف أن التقييمات وراءها جيوش جرارة يتم تأجيرهم.

نتعرف على الشخصيات وأفراد عائلتها، نتعاطف مع مشكلة كل منهم، خصوصًا في ظل توابعها النفسية والاجتماعية، ثم محاولات هؤلاء الثلاثة لإلغاء هذه الفيديوهات فإذا بهم يكتشفون الكارثة أن إلغاءها من على جهاز الكمبيوتر لم يعد كافيًا؛ لأنها صارت مخزنة على الكلاود أي "السحابة". هنا، يقررون خوض مغامرة أكبر لإلغاء الفيديوهات من الكلاود؛ ليخلقوا مشاهد مغزولة بشكل كوميدي في عدد منه، وإن لم تخلُ من المبالغات أحيانًا. مع ذلك يظل الفيلم خارج إطار التحف واللآلئ السينمائية.

أختي الصغرى

على عكس الفيلم السابق الكوميدي يأتي فيلم "أختي الصغرى"، حيث في أجزاء عديدة منه ينتزع الدموع، وستسمع صوت نساء تنهنه - همسًا - في القاعة ومناديل تتسلل بخفة لتمسح الدموع. هنا ممثل مسرحي مشهور يُدعي سفين، يُصاب بالسرطان في مراحله الخطيرة. أخته إلزا هي توأمه لكنها ولدت بعده بدقيقتين؛ لذلك يطلق عليها الأخت الصغرى، إنها تحبه جدا، ومتعلقة به بشكل كبير، لكنها متزوجة ولديها طفلان، الآن صارت تصب كل اهتمامها على رعاية أخيها الذي يحتضر، ستفعل كل شيء لمنعه من الرحيل. أثناء ذلك ندرك ارتباك علاقتها هي وأخيها بالأم القاسية الفوضوية إلى حد ما، ندرك آثار مرض أخيها على بيتها وعلاقتها بزوجها. هناك أيضاً المخرج المسرحي الذي لا يخضع للعواطف ويحسم أمره بتوقيف المسرحية التي كان يقوم سفين ببطولتها. الآن يعمل المخرج على مسرحية جديدة. منطق رأسمالي عملي بحت، وهذا القرار بالفعل كان سببا في التدهور السريع لحالة سيفن. بينما أخته إلزا تحاول إنقاذه والبحث عن كافة العوامل التي ترفع معنوياته وأهمها التمثيل والعودة للأداء المسرحي. إنها تدفعه للحياة، للمقاومة، حتى عندما تتوقف المسرحية تواصل إلزا كتابة مسرحية جديدة له. هنا المعضلة الإنسانية في الفن ودوره في مقاومة الموت والمرض، بينما المخرج لا يتجاوب مع العواطف، لذلك حسم أمره؛ لأنه لا يعمل فقط من أجل المقاومة. إضافة إلى ارتباك علاقة إلزا مع زوجها الذي يتخذ قرارات نيابة عنها، قرارات تخصهما معًا، منها تبديل مقر وطبيعة العمل ومدارس الأولاد، ما يجعل إلزا تنفجر وتنفث عن غضبها الذي ظل مكتومًا طويلاً، وتتحول إلى كائن وحشي يهاجم زوجها حينما حاول اختطاف الأطفال لإرغامها على قراره، وذلك بعد أن اتهمها بأنها تبتزه بمرض أخيه. إنه يرفض لأولاده أن يعيشوا تجربة وفاة الخال، ربما لذلك كان يخطط لتلك النقلة في العمل والمدارس.

طرق غير مطروقة

يأتي فيلم "طرق غير مطروقة" متشابهًا بدرجة ما، مع فيلم "الشقيقة الصغرى"، في حكاية المرض الذي يصيب أحد أفراد العائلة، ويتولى رعايته طرف آخر من الأسرة يضطر أن يُضحي بعمله واستقراره المهني، وآثار ذلك نفسيًا عليهما. هنا البطل يقوم بدوره خافيير بارديم الذي يعاني من حالة من التشوش الذهني، والخلط بين الماضي والحاضر. بينما تتولى رعايته ابنته التي ستخسر عملها بسبب انشغالها مع والدها المريض.

هنا نعايش ثلاثة أزمنة، الزمن الحاضر، وهو زمن الأحداث، ثم الزمن الماضي البعيد جدًا عندما ارتبط خافيير بقصة حب كبيرة مع حبيبته الأولي التي تقوم بدورها سلمي حايك لكنها تقرر هجرته في لحظة حاسمة. ثم زمن وسط بين الاثنين - الماضي والحاضر- حيث نرى البطل وهو يحاول تأليف ختام روايته، ومترددًا هل يترك البطل يعود لجذوره، أم لا؟

كذلك، يتميز الفيلم الكوري "المرأة التي هربت" للمخرج هونج سانجوسو، بخفة روحه بشكل كبير، إضافة إلى بعض الملامح الكوميدية به. إنه عمل بسيط جدًا، عبارة عن أحاديث وثرثرة عادية بين الصديقات، مع ذلك لا نشعر معها بالملل، ولا نخرج عن عالم بطلتها. إنها فتاة شابة زوجها يسافر فجأة بعد خمس سنوات من الزواج وعدم الافتراق، بسبب هذا السفر المفاجئ يتركها بمفردها فتزور صديقاتها وتلتقي ببعض النساء، فتقيم عند امرأة خمسينية، من دون أن تنسى أن تأخذ لهم الهدايا التي تفتح بابًا لمزيد من الثرثرة الجذابة. أما عنوان الفيلم بسبب جملة أثناء الثرثرة نتعرف من خلالها على هروب الجارة ليلاً تاركة وراءها ابنتها وزوجها؛ لتسجل اختفاءً أبديا، من ذكر الأسباب. وإن كان العنوان يمكن أن نجد لها صدى رمزيًا عند البطلة التي واجهت خيانة الحبيب والصديقة في فترة الجامعة لكنها هربت من تلك الآلام وتجاوزتها.

والفيلم السابق هو أحد ثلاثة أفلام من آسيا تشارك في المسابقة الدولية لبرلين السبعين، أما الفيلم الثاني فيحمل عنوان "ريزي"، أو "الأيام" سنشاهده بعد كتابة هذا المقال بدقائق. إنه للمخرج تساي مينج ليانج، في حين تتمثل المشاركة الثالثة في الفيلم الوثائقي الوحيد المشارك في المسابقة الرئيسية، "إيراديز"، للمخرج ريثي بأنه، المولود في كمبوديا، والذي تدور أحداثه حول الأهوال التي حدثت في بلاده في الماضي.

 

موقع "مصراوي" في

27.02.2020

 
 
 
 
 

في برلين.. «أردت الاختباء» ينتصر لفنان لم يأخذ حقه

علا الشيخ

ضمن عروض أفلام المسابقة الرسمية في الدورة 70 من مهرجان برلين السينمائي والتي يتنافس فيها 18 فيلما، يظهر فيلم Hidden Away «أردت الاختباء» للمخرج جورجيو ديريتي، ليتم تصنيفه من أفضل الأفلام التي شوهدت، في ظل غالبية لم تترك أثرها، وشكلت حالة من التساؤلات في كيفية اختيارها لتتنافس على أهم جوائز المهرجان.

ولن يكون مستغربا إذا حصل بطل الفيلم الممثل إيلو جرمانو على الدب الذهبي كأفضل ممثل، فهو استطاع من خلال شخصية أنطونيو ليغابو فنان عبثي يعاني على ما يبدو من التوحد الذي لم يكن معروفا في الحقبة التاريخية التي اعتمدها الفيلم التي تعود لعام 1899،

إضافة لمعاناته من فقدان الاهتمام والحنان بعد تبنيه من جانب عائلة تقرر إرساله الى إيطاليا، دون أن يتقن لغتها، ما زاد وحدته وارتفاع وتيرة غضبه، فلم يجد مناصا سوى تكوين علاقة مع حيوانات والحديث معها، لدرجة أصبحت قيمة أساسية في رسوماته التي تعد جزءاً من تكوين شخصيته وتطورها في مسار درامي يتصاعد وحالته النفسية التي تتذبذب من حين لآخر، يخاف من المرأة بسبب نماذج مرت على حياته، لاسيما فقدان والدته الحقيقية وإخوته إثر تسمم. كل هذه المعطيات والأحداث هي أساس الحكاية التي أدارها ديريتي ليدخل تلك الحقبة بشكلها ولونها وأزيائها.

الرسام أنطونيو الذي يخاف من فكرة الارتباط بسبب نماذج أنثوية مرت عليه، وتحديدًا أمه بالتبني، التي اتضح في لقطة عابرة أنها كانت تتحرش به، وهي من شيطنت فكرة المرأة في رأسه، لكن هذا لم يجعله يتخلى عن ريشته وألوانه حتى وهو في مستشفى الأمراض العقلية، ولقيمة الرسم في تلك الفترة، استطاع أن ينجو وأن يصبح فنه الذريعة التي يستند عليها في حالات غضبه وتوتره وصراخه، وقد اقتنع بذلك، رغم الوتيرة الهادئة في الفيلم، غير أن حضوره حركها وجعلها أكثر حيوية، حتى لو كان بمشهد ملاحقته للبط والدجاج. فعمليًا أن تتابع تخبطات الفنان الذي ظهر من قصة ورواية أخرى يعطيك مساحة لتكون شاهدا على تطور أدواته للرسم، تحديدا رسم النمر الذي كسر لوحته بعد رسمه أكثر من مرة. ويريد إدخالك هذا العالم، فتتعاطف معه حينا وتغضب منه أحيانا، لتجد نفسك حائرا بين إبداء إعجابك بعمله بصدق، أو أنك معجب لمجرد دعم حالته. وهذا هو الواضح من شخصية فنان مغمور وجد نفسه في سيناريو كتبه إلى جانب المخرج تانيا بدروني وفريدو فالا ليتعرف عليه عن قرب.

كل حياته قائمة على جملة علقت في ذهن طفولته (كل شخص لديه هبة، كل حياة لها معنى)، فكانت أساس تطوره، وهو الذي عانى الفقر والتشرد والاستهزاء، إلى أن ظهر صديقه الذي آمن به، ودعمه ووفر له الأقمشة والألوان ليعبر عن كل مشاعره المهربة التي يعيشها، لكن المفارقة أنه انتقل من مرحلة ضيق الحال إلى الانفراج الكامل، بيد أن هذه النقلة لن تمنحه السعادة كما يمنحها للناس بعطاياه وكرمه.

الفيلم ليس سيرة ذاتية للتعريف بالفنان بقدر ما هو سيرة لظروف تشكل فنانا لم يأخذ حقه من الشهرة، ضمن أداء لممثل عرف قيمته فقدم جهدًا وتمثيلًا عبقريا، تفوق كثيرا على باقي عناصر تشكّل الفيلم.

ناقدة سينمائية ola_k_alshekh@

 

عكاظ السعودية في

27.02.2020

 
 
 
 
 

رؤى متعددة في مسابقة مهرجان برلين السينمائي

أمير العمري

المخرج أبيل فيرارا يحاول من خلال فيلم سيبيريا أن يخلق صورة تنبع من العقل الباطن لرجل قرر اعتزال العالم والذهاب إلى أقصى أطرافه.

يمكن القول إن أكثر أفلام مسابقة مهرجان برلين الـ70 إحباطا حتى الآن، هو الفيلم الأميركي “سيبيريا” للمخرج المخضرم أبيل فيرارا وبطولة وليم دافو، وأفضلها هو الفيلم الأميركي صاحب العنوان الغريب “كلمة ‘نادرا’ غير موجودة.. و’أحيانا’ موجودة دائما” للمخرجة إليزا هيتمان. وبين الاثنين أفلام تتراوح في مستوياتها.

برلين - المخرج أبيل فيرارا يطرح في فيلمه الجديد “سيبيريا” هواجسه وتساؤلاته الخاصة، بكثير من الاصطناع، عن معنى الحياة والوجود في هذا العالم، يريد أن يجعل بطله الذي يعبّر عنه كضمير للمؤلف السينمائي، يمرّ بتجربة بعيدة كل البعد عن المألوف في عالمنا، ليرتدّ إلى الطبيعة بكل أشكالها: إلى الصحراء إلى القطب الشمالي الثلجي، وإلى الكهوف المظلمة الغامضة، ثم الجبال.

إنه يحاول أن يخلق صورة تنبع من العقل الباطن لرجل قرر اعتزال العالم والذهاب إلى أقصى أطرافه لكي يبيع الشراب للسكان المحليين الذين لا يعرف لغتهم في تلك المنطقة المعزولة. أصدقاؤه الوحيدون هي الكلاب التي تجرّ الزحافة التي ينتقل بها.

الفيلم عبارة عن رؤى تتداعى، ويتبدّى لبطلنا “كلينت” من خلالها، تارة والده الذي يواجهه بقسوة ويوضح له خطاياه وعيوبه ونواقصه، وتارة أخرى يبدو كما لو أن كلينت هو الذي يظهر بصورته الأخرى يواجه نفسه ويحاسبها ويعذبها بتساؤلاته القلقة.

"بينوكيو" فيلم حفل بالكثير من التعديلات على القصة الأصلية، تضيف وتثري الخيال، مع مشاهد مثيرة في سرياليتها

لكننا لسنا أمام رؤية عميقة متماسكة ترتبط بشخصيات أخرى أو بموضوع واضح يؤرق صاحبه ويريد التعبير عنه، بل يتكوّن الفيلم من تداعيات وتساؤلات روحية معذبة تائهة غير موجودة داخل بناء واضح، وبالتالي تضيع كل التساؤلات في الفضاء، ولن نفهم أو نتعاطف أو نشعر بما يعذب هذا الرجل.

هناك تكوينات بصرية بديعة في الفيلم، وصور تتداعى من ماضي الشخصية وجولاتها السرمدية في أماكن مختلفة في العالم بحثا عن “معنى”، وامرأة حامل تتعرّى، ومشهد جنسي كامل مثير، وساحر يريده كلينت أن يطلعه على بعض أسرار ما يطلق عليه “الفن الأسود”.

من حق المخرج أبيل فيرارا بعد أن أصبح شيخا طاعنا في السن بعد تجربته الحافلة في الإخراج السينمائي، أن يرتد إلى الذات ويتحرّر من الحبكة التقليدية ويطرح رؤية حرة تماما لما يعذبه ويقلقه. ولكن يجب أن يكون هناك “سياق” سينمائي تعبّر من خلاله الشخصية الوحيدة المنفردة عن عذاب الفرد في عالمنا المعاصر.

وهي ربما الفكرة التي لم تتضح تماما في الفيلم، بل يبدو وكأن الممثل الشهير وليم دافو، يرتجل وهو يجوس داخل تلك المشاهد المؤلمة الغامضة ويأتينا صوته يناجي ويبوح ويتعذب من أشياء لا نشعر بها. والنتيجة أن لا شيء يبقى في الذاكرة بعد مغادرة قاعة العرض.

قصة ملهمة

المخرج الإيطالي ماتيو غاروني (صاحب “حكاية الحكايات” و”مُربي الكلاب”) يعود بأجواء القصة الشهيرة من عالم الخيال التي تنتمي للقرن التاسع عشر، إلى أصولها الإيطالية، ومع الممثل المخضرم روبرتو بنيني في دور النجار الذي سيصنع دمية (بينوكيو) من الخشب ويبث فيها الحياة في سياق تلك العلاقة الملهمة بين الخالق والمخلوق، أو الأب والابن، بكل تداعياتها الروحية والدنيوية.

أما في دور بينوكيو، فهناك الممثل الجديد فيديريكو إيلابي الذي سيكون له شأن كبير مستقبلا، فهو يتقمّص ببراعة شخصية ذلك الطفل المصنوع من الخشب الذي يتمرّد على والده – خالقه، ويخالف تعليماته ويهجر المدرسة للالتحاق بالسيرك، فيكون مصيره أن يمرّ بتجارب عديدة يتعلم خلالها دروسا قاسية، ويُعاقب على تمرّده، ويعاني من وجوده ككائن حبيس داخل قطعة خشبية، يكاد يلقى مصيره حرقا مع مجوعة من أشباهه الدمى، إلى أن يحقّق حلمه بالتحوّل إلى كائن بشري.

الفيلم ساحر في تفاصيله وشخصياته وأشكاله الحية التي تتجاوز كل ما يمكن أن توفره إمكانيات التحريك وكائنات الرسوم، رغم الاستعانة بممثلين حقيقيين يرتدون أقنعة وملابس أسطورية ويتحرّكون مثل الحيوانات الضخمة. كما يظهر فيه أيضا بعض الكائنات السحرية العملاقة مثل الحوت الذي يبتلع بينوكيو، ثم يتمكن من الفرار من فتحة فمه.

ورغم أنه يواجه الكثير من العذاب إلاّ أنه يجد أيضا تعاطفا معه من جانب الساحرة الصغيرة “الفيري” التي تجعله يمرّ باختبارات التحوّل من عالم الدمى إلى عالم البشر.

هناك الكثير من التعديلات على القصة الأصلية، تضيف وتثري الخيال، مع مشاهد مثيرة في سرياليتها، وإشارات كثيرة كامنة إلى معاناة الفقراء والعاطلين، وفيها يتبدّى الموقف الاجتماعي لغاروني كما برز في أفلامه السابقة مثل “غومورا” وغيره.

وليس من الممكن اعتبار فيلم “بينوكيو” فيلما للصغار فقط بل لكل من الكبار والصغار معا. والقصة على أي حال لا تزال تلهم الكثير من صنّاع الخيال المصوّر.

التاريخ لن يمحى

رغم طرافة موضوع الفيلم البلجيكي الكوميدي “امسح التاريخ” Delete History الذي اشترك في إخراجه اثنان هما بينوا ديلفين وغوستاف كيرفيرن، إلاّ أنه لا يمتلك أكثر من مواقف متناثرة مبالغ فيها كثيرا بغرض التعليق الساخر على العصر الحالي، أي عصر وسائل الاتصال الرقمية التي تزعم أنها حرّرت الإنسان، في حين أنها أوقعته حبيسا داخل سجن كبير للمعلومات التي أصبحت هدفا للتجسّس والتحكّم في الفرد.

من خلال قصص عن ثلاث عائلات تتجاور في السكن في منطقة ريفية خارج العاصمة البلجيكية، وما يقع لها من مفارقات، يقدّم الفيلم تعليقا ساخرا على تردي الأحوال الاقتصادية (البطالة والبحث الشاق عن فرصة للعمل، والعجز عن ملاحقة الفواتير المتتالية، واستغلال الشركات، وتفشي البيروقراطية.. الخ). ولا ينسى صنّاع الفيلم في سياق الكوميديا التي تصل إلى حدود العبث، توجيه رسالة تحية إلى متظاهري السترات الصفراء الذين يحتجون على توحش الرأسمالية

أما العنوان فهو تنبيه إلى ضرورة إزالة أي أثر لدردشات أو صور أو شرائط من هاتفك المحمول، حتى تتخذ قرينة، للتشهير بك أو ابتزازك أو ملاحقتك. والرسالة ببساطة هي: لا تترك شيئا وراءك فكل شيء مراقب. وهي رسالة تتكرّر بأشكال مختلفة في الفيلم من خلال كوميديا المفارقات والمبالغات والتعليقات اللفظية.

مشاكل الإجهاض في أميركا

أما الفيلم الأكثر اكتمالا بين الأفلام “الدرامية” التي عرضت في مهرجان برلين السينمائي حتى الآن (مع الفيلم الروسي “نتاشا”)، فهو الفيلم الأميركي “كلمة ‘نادرا’ غير موجودة.. و’أحيانا’ موجودة دائما”، وهي أقرب ترجمة، ربما، لعنوان الفيلم الغريب Never Rarely Sometimes Always للمخرجة إليزا هيتمان.

هذا عمل شديد القوة والتماسك والتأثير. ينبع جماله الخاص من صدقه الشديد، وقوة تماسكه وبراعة ممثلتيه، وهما بالفعل ممثلتان تملآن الشاشة بعيونهما التي تكشف في صمت، عذابا لا يطاق.

أولهما هي “أوتام” (أي الخريف) فتاة السابعة عشرة، تريد إجراء عملية إجهاض للتخلص من جنين جاء من علاقة عابرة مع شاب لا نراه وليس مهمّا أن نراه. والثانية هي “سكايلر” وهي ابنة عمة أوتام وزميلتها في العمل في “السوبرماركت”.

وهي تذهب معها في رحلة من بلدتهما في ريف بنسلفانيا إلى نيويورك تجرّ حقيبة ضخمة لا نعرف طوال الفيلم ما الفائدة منها؟ لأن الفتاتين كما سنرى لن تستقرا للحظة واحدة داخل غرفة فندق، بل ستقضيان يومين في هذه المدينة المتوحشة، لا تجدان مكانا للارتياح سوى فوق المقاعد داخل محطات قطارات الأنفاق، أو داخل دورات المياه العامة، بعد أن نفد كل ما معهما من مال دفعته أوتام مقابل إجراء العملية المنشودة.

لكن الأمر ليس سهلا ولن يمر مرورا عابرا كما يتخيل المرء أو يتصوّر أنه يجب أن يكون في أكثر بلد علماني يؤمن بحرية الفرد في العالم. فسوف يتعين على الفتاة أن تمرّ باختبارات عديدة مهينة ومُجهدة، وتتعرّض لمواقف تجد فيها نفسها مرغمة على الإجابة على عشرات الأسئلة منها ما يتعلق بأدق تفاصيل حياتها الشخصية.

ومن هنا يأتي عنوان الفيلم، ففي أحد تلك الاختبارات يصبح مطلوبا منها الإجابة بكلمة من 4 كلمات: (أبدا، أحيانا، نادرا، دائما) وكلها أسئلة تتعلق بعلاقتها الجنسية بالشاب الذي عرفته ومارست معه الجنس وأنتج هذا الحمل، وهي في السابعة عشرة.

وقيل لها في البداية نتيجة الاختبار الذي أجرته في بلدتها إنها حامل في الأسبوع العاشر، لكنهم لا يستطيعون إجراء عملية إجهاض لها، لأنها تحت السن القانوني (18 سنة) إلاّ بعد الحصول على موافقة والديها الأمر الذي ترفضه. لذلك يتعين عليها الذهاب إلى نيويورك بعد أن تختلس سكايلر مبلغا من المال من “السوبرماركت” الذي تعمل الاثنان فيه، لتغطية تكاليف الرحلة والعملية.

ولكن بعد إعادة إجراء الاختبار في مصحة بروكلين بنيويورك ستعرف الفتاة أن الحمل مدته 18 أسبوعا، وبالتالي لا يمكن إجراء الإجهاض في هذه المصحة بل يتعيّن عليها التوجه في اليوم التالي إلى مصحة أخرى في مانهاتن.

سيدني بلانيجان وتاليا ريدر قدّما في الفيلم الأميركي تحكما مبهرا في الأداء، باستخدامهما المتقن للإشارات والإيماءات أكثر من الحوار

رحلة شاقة

يصوّر الفيلم تلك الرحلة الشاقة المضنية التي تكشف ما تتعرض له الفتيات في المجتمع الحديث، من مهانة، وتضييق ويتعين عليهنّ وحدهنّ دائما دفع الثمن باهظا من صحتهنّ النفسية والجسدية. أما “الرجل” فربما لا يعلم شيئا عمّا يحدث لرفيقته بعد أن تخلّى عنها ونسيها.

هذا عمل مخلص كثيرا لتقاليد الواقعية، بحيث بدا كما لو كان فيلما تسجيليا بما يصوّره من تفاصيل دقيقة عن واقع الحال في النظام الصحي الأميركي ومشاكل التعامل مع المصحات والعيادات الخاصة في مثل هذه الحالات والنفقات الباهظة التي يجب دفعها، مع الإشارة إلى وجود مؤسّسات خيرية تساعد وترعى وتشارك في تغطية بعض المصاريف.

إننا نتابع جميع مراحل بحث الفتاة عن حل لمشكلتها ودخولها ذلك النفق الطويل الذي تواجه فيه كل ما تواجهه دون طعام كافٍ ودون نومٍ حقيقي أو راحة، بالإضافة إلى تصويره ما تتعرّض له فتاتان شابتان في مدينة مثل نيويورك في الليل.

ورغم صرامة السرد، إلاّ أن الفيلم ليس عملا باردا رتيبا يعرض الأحداث في تواترها من على مسافة، فالمخرجة تختار أسلوبا في التصوير يجعلها تحصر الفتاتين معظم الوقت، في لقطات قريبة للوجهين أو اليدين، وأحيانا لجزء من الوجه والعينين، للكشف عن الانفعالات الصامتة المكتومة، خاصة وأن الفتاة محور الفيلم أوتام لا تتكلم كثيرا بل هي تميل للصمت وتبدو حزينة مهمومة معظم الوقت.

والحقيقة أن من أهم أسباب تميز الفيلم فنيا ذلك الاختيار المدهش للممثلتين الشابتين اللتين تقومان بالدورين: سيدني بلانيجان وتاليا ريدر والتحكم في أدائهما، فهما تستخدمان الإشارات والإيماءات أكثر من الحوار، ورغم الضغط الذي يكاد يصل أحيانا إلى الانفجار، إلاّ أن التماسك بينهما يبقى قائما.

أوتام مثلا تصرّ على عدم الاتصال بأمها وإبقاء أمر الحمل خافيا على أسرتها، وهي تتحمل كل ما تمرّ به من معاناة في صمت وصلابة، تدعمها سكالير بقوة طوال الوقت. وكثيرا ما يصبح الصمت في الفيلم أكثر بلاغة في التعبير عن الألم. ولعل ما يجعل هذا الفيلم يشدنا بموضوعه المقبض المؤلم، اقترابه المباشر من الواقع، من حقيقة ما يحدث لفتاة مشوشة لا تعرف الكثير عن هذا العالم، وثانيا تلك الكيمياء التي نجحت إليزا هيتمان في توليدها في العلاقة بين الممثلتين.

هذا فيلم من أفلام الاحتجاج، ولكن من دون صراخ ومبالغات ميلودرامية وشعارات مباشرة، وهو مرة أخرى، عن المرأة كضحية للرجل وهي الثيمة السائدة في عدد كبير من أفلام مسابقة مهرجان برلين الـ70. ولا بد أن تنعكس على نتائج المهرجان التي ستعلن، مساء غد السبت.

كاتب وناقد سينمائي مصري

 

العرب اللندنية في

28.02.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004