كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

للأفكار أجنحة تعبر فوق ترسانة الممنوعات السياسية!

طارق الشناوي

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة السبعون

   
 
 
 
 
 
 

المعارضة فى كل دول العالم، خاصة ما دأبنا على وصفه بـ(الثالث)، هل هى جواز المرور إلى المهرجانات الكبرى ومن ثَم الجوائز والمشاركة فى لجان التحكيم ونيل التكريم؟.. هذا هو عادة ما يتم الترويج له فى البلاد التى تحكمها القبضة الواحدة، والتى تعتبر أن الرأى الآخر دائمًا له ثمن مدفوع مسبقًا، ولهذا تسعى للتقليل من أى إنجاز يحققه أى مثقف أو فنان يقف على الشاطئ الآخر.

مهرجانا (برلين) و(كان) هما الأكثر اتهامًا من قبل العديد من الدول، خاصة (إيران)، بالطبع توصف السينما الإيرانية فى العالم بأنها فاكهة المهرجانات، ولا يتم وضع خط فاصل فى الاختيار بين سينما مؤيدة وأخرى معارضة، خاصة أن أغلب تلك الأفلام تلتزم بالقواعد الصارمة فى التعبير، وأولها وضع حجاب على رؤوس الممثلات، وفى كل اللقطات والمواقف، ناهيك طبعًا عن منع أى مشهد به إيحاء بممارسة الحب، الإيحاء أيضا ممنوع.. هذا العام يعرض لواحد من المخرجين المصنفين فى جبهة المعارضة الإيرانية، والمدانين بالسجن وعدم السماح بالسفر خارج الحدود، وهو محمد رسولوف، يشارك فى المسابقة الرسمية بفيلم (لا يوجد شر).

الترحيب بالمعارضة ومنح المخرجين جوائز كنوع من التحدى للسلطات الإيرانية وفضحها أيضا على الملأ ليس أبدًا من أهداف المهرجانات، ولكن الاحتفاء بالإبداع هو الهدف الأسمى، وتستطيع أن تضع أيضا مسابقة (أوسكار) فى نفس الدائرة، خاصة قسم (أفضل فيلم أجنبى) لأنه بطبيعته يُطل على كل دول العالم، وهكذا مثلًا منح أصغر فرهدى، المخرج الإيرانى الشهير وتلميذ الراحل عباس كيروستامى، مرتين جائزة أفضل مخرج لفيلم أجنبى، وهى سابقة نادرة، رغم أن فرهدى لا يصنف فى المعارضة، إلا أنه أيضا ليس من بين المخرجين الذين تعتبرهم الدولة من مؤيديها.. حصل فرهدى على الأوسكار بفيلم (البائع) 2017، وقبلها بخمس سنوات (انفصال) ـ وهو يصنع أفلامه طبقا للشروط الإيرانية الصارمة فى التعبير، إلا أنه يقدم أيضًا رسائل هامسة تتعلق بالحريات ولا تصطدم عادة بالدولة، فهو يقدم أفلامًا مستقلة، ويسمح له بالتصوير فى إيران وأيضا السفر والمغادرة والعودة للبلاد.

الفيلم الإيرانى فى برلين (لا يوجد شر) يناقش حكم الإعدام من منظور اجتماعى، وهو الحكم الذى أسقطته بعض الدول، على اعتبار أن الزمن من الممكن أن يكشف حقيقة تؤدى إلى براءة المتهم، بينما هو قد غادر الحياة.. رسولوف صارت أفلامه تشارك فى كُبرى المهرجانات مثل (كان)، وتحديدًا فى قسم (نظرة ما)، وحصل أيضا على الجائزة بفيلمى (رجل نزيه) وقبلها (وداعًا).

قبل نحو خمس سنوات، عُرض فى (برلين) فيلم جعفر بناهى (تاكسى)، واستحوذ على جائزة (الدب الذهبى) وأيضا جائزة (الفيبرسكى) النقاد الدوليين، ولا يمكن لأحد أن يعتقد أن هناك من يستطيع فرض جائزة على نقاد يتم اختيارهم من العديد من دول العالم حتى تتوافق مع جائزة برلين الذهبية، فتمنحها مشروعية، ولكنه فقط الفن هو الذى يملك الكلمة العليا، وهو المحرك والدافع.. شاركت فى تلك الدورة، وأيضا لم يُسمح فى طهران لبناهى بالسفر، ولكنه حصل على أكبر تحية تصفيق من الجمهور فكان هو الحاضر الغائب، والأسباب دائما فنية، حتى لو بدت الصورة من بعيد لبعيد سياسية، فمن الممكن مثلًا كنوع من التحدى أن يختار المهرجان للمشاركة فى لجنة التحكيم فنانًا معارضًا مثلما حدث مسبقًا فى مهرجان (كان) أيضا مع جعفر بناهى، إلا أنه أساسًا يرشح لإنجازه الفنى، وتعلم إدارة المهرجان مسبقًا أنه سيُمنع من السفر، وتصل الرسالة للعالم كله.

للأفكار أجنحة تستطيع التحليق فوق جبال الممنوعات، واجهت ألمانيا قبل المهرجان عملية إرهابية فى مدينة (هانوا)، ولكن من الصعب ربطها مع موعد الافتتاح، فهى، كما يتم تداوله، لأسباب عنصرية وأقدم عليها رجل مختل.. واجه المهرجان أيضا الخوف من تفشى (كورونا) الصينية، خاصة أن التجمعات هى المناخ الخصب لانتشار العدوى، وبرلين أول تجمع ثقافى أوروبى ضخم بعد تفشى المرض.. لم يأتِ لبرلين كما تعودنا الوفد الصينى المعروف بكثافته العددية، ولكن لا شىء آخر استثنائيًا لاحظته سواء فى مطار باريس أو برلين، على العكس تماما يواجه القادمون فى مطار القاهرة بإجراءات الكشف السريع، بينما فى أوروبا لم أجد شيئًا من هذا القبيل.

المهرجانات السينمائية توجه رسائل سياسية اجتماعية ضمنية، ولكنها تبحث أولًا عن الإطار الجمالى. أتذكر قبل 7 سنوات شاركنا كوفد مصرى ضخم فى زيارة طهران، وفى اللقاء الوحيد الذى عقده وزير الثقافة مع الوفد وبحضور نحو 20 سينمائيا مصريا، طلبت الكلمة وقلت بالحرف الواحد، إننى أطالب بإسقاط الأحكام المتعسفة ضد جعفر بناهى ومحمد رسولوف، وإنه لا يمكن أن أذهب إلى إيران بدون أن أعلن تضامنى معهما.. وبالطبع هناك مَن غضب بين المصريين، معتبرًا أن هذه الكلمات خارجة عن السياق، بينما الأغلبية رحبت بالكلمة التى تعبر عن مشاعرنا جميعًا، لاحظت يومها أن كل الأسئلة تمت ترجمتها للفارسية ماعدا سؤالى وعندما تمت إذاعة إجابة الوزير الإيرانى بالفارسية وبعدها الترجمة العربية، نفى تمامًا تعرّض أى سينمائى إيرانى للمنع لأسباب سياسية أو فكرية، بينما الحقيقة كما عايشناها جميعا عكس ذلك تمامًا، ويؤكدها (لا يوجد شر) الذى سيعرض فى غياب مخرجه، وهذا هو الشر بعينه!!.

tarekelshinnawi@yahoo.com

 

####

 

تراجع تمثيل النساء فى الأفلام المشاركة

«برلين» السينمائى يحتفل بدورته الـ70 بالعودة لجذوره السياسية

كتب: ريهام جودةرويترز

افتتح فيلم «ماى سالينجر يير» للمخرج الكندى فيليب فالاردو فعاليات الدورة الـ70 لمهرجان برلين السينمائى الدولى أمس الأول. الفيلم بطولة الممثلتين الأمريكيتين مارجريت كوالى وسيجورنى ويفر، وتدور أحداثه حول شابة ترد على رسائل معجبين مرسلة للأديب دى جى سالينجر في نيويورك في التسعينيات من القرن الماضى، ومقتبس من مذكرات تحمل الاسم نفسه للمؤلفة جوانا راكوف، وتعمل بطلة العمل في وكالة تمثل الكتاب والمؤلفين لدى دور النشر وتحلم بأن تصبح كاتبة.

ومنح مهرجان برلين جائزته الفخرية هذا العام للممثلة البريطانية هيلين ميرين، وتعرض الدورة السبعون للمهرجان 340 فيلمًا طوال فترة المهرجان التي تمتد إلى 10 أيام، ومن بين 18 فيلما تتنافس على جائزة الدب الذهبى فيلم «داو. ناتاشا» للمخرج الروسى إيليا خرزانوفسكى، أولى ثمار مشروعه داو، والذى يقوم خلاله بتصوير ممثلين وهم يعيشون لفترة طويلة في عالم يحاكى الاتحاد السوفييتى إبان فترة حكم ستالين، كما يستكشف مخرج إيرانى مسجون معنى الحرية في بلد تحكمه الديكتاتورية بينما يحاول 3 أشخاص استعادة السيطرة على حياتهم من براثن شركات التواصل الاجتماعى العملاقة.

وسيتعين على الممثل البريطانى جيريمى آيرونز، الذي يرأس لجنة التحكيم، الاختيار بين أفلام من بينها الفيلم البلجيكى الفرنسى الدرامى «مسح تاريخ التصفح» Delete History عن شركات التواصل الاجتماعى، وفيلم «برلين ألكسندربلاتس» للمخرج برهان قربانى، وهو معالجة جديدة لرواية ألمانية كلاسيكية نشرت عام 1929 عن النبذ الاجتماعى، سيكون بطلها هذه المرة لاجئًا من غرب إفريقيا.

السياسة محور مهم في العديد من أفلام المسابقة الدولية وأفلام المهرجان في دورته السبعين.

ووصفت المديرة الجديدة للمهرجان مارييت ريسنبيك برنامج هذه الدورة من المهرجان، بأنه استكشاف لمواضيع فنية وسياسية، في عودة للجذور بالنسبة لمهرجان جرى تدشينه في مدينة مقسمة على جبهات الحرب الباردة.

ولن يتمكن المخرج الإيرانى محمد رسولوف من حضور العرض الأول لفيلمه «لا يوجد شر» There is no evil الذي يتناول مواضيع مثل عقوبة الإعدام، بسبب سجنه العام الماضى في إيران بتهم الدعاية المناهضة للحكومة.

وقال سكوت روكسبورو، مدير المكتب الأوروبى لمجلة هوليوود ريبورتر: «سيكون الأمر أقرب إلى نهج العودة للجذور من خلال محاولة التركيز على جودة السينما والأعمال الفنية القوية الواقعية».

وقد يساهم تفشى فيروس كورونا الجديد في تقليص أنشطة المهرجان بعض الشىء، ووفقًا لـ«ماتيس فوتر نول» مدير ملتقى سوق الفيلم الأوروبى، فقد تم إلغاء نحو 100 حجز، وهو رقم متواضع مقارنة مع 21 ألف زائر يُتوقع حضورهم المهرجان، ويختتم المهرجان فعالياته في 29 فبراير الجارى.

وقال كارلو شاتريان الذي يدير المهرجان مع الهولندية «مارييت ريسينبيك»: أطمح إلى توفير منصة للأفلام، ونريد أن نخصص مساحة للتنوع في الفن السابع.

وقد حل هذا الثنائى مكان الألمانى ديتر كوسليك الذي أمضى 18 عاما على رأس مهرجان برلين.

وأوضح مدير المهرجان أن سيطرة الأجواء القاتمة عائدة ربما إلى أن الأفلام التي اخترناها تميل إلى النظر إلى الواقع من دون أي أوهام، ليس لإثارة الخوف بل لأنها تريد أن تفتح عيوننا.

ويمنح المهرجان هذه السنة استثنائيا جائزة دب فضى مكان جائزة ألفرد باور وهو مدير سابق لمهرجان برلين بعد الكشف قبل فترة قصيرة عن ماضيه النازى، وأعلن المهرجان أيضا تكليف معهد التاريخ المعاصر في ميونيخ بإجراء تحقيق بهذا الخصوص.

وقد اختير 340 فيلما هذه السنة من بينها 37.9% من إخراج نساء، ومن بين 18 فيلما مشاركا في المسابقة الرسمية لنيل جائزة الدب الذهبى، هناك 6 أعمال من إخراج نساء أو ساهمت النساء في إخراجها.

وهذا العدد أقل من تمثيل النساء القياسى العام الماضى الذي بلغ نسبة 45% إلا أنه أعلى من ذلك المسجل في مهرجانَى «كان» و«البندقية» اللذين رشحا مخرجتين فقط في دورتهما للعام 2019 من أصل 21 فيلما في المسابقة الرسمية.

وفى خضم الجدل حول التمييز الجنسى وضعف التمثيل، وقع مهرجان برلين العام الماضى ميثاقا من أجل المساواة بين الرجال والنساء على غرار مهرجانات كبيرة أخرى.

وقال مدير المهرجان الجديد كارلو شاتريان: «ستة أفلام لا تعنى المساواة، إلا أننا على الطريق الصحيح لتحقيق ذلك».

ومن بين هذه الأعمال الفيلم الأخير للأمريكية كيلى رايكارت «فيرست كاو» وهى من الأسماء البارزة في السينما المستقلة، وفيلم البريطانية سالى بوتر «ذا رودز نوت تايكن» من بطولة خافيير بارديم وإيل فانينج وسلمى حايك، إلى جانب تكريم المهرجان للممثلة البريطانية هيلين ميرن بمنحها جائزة فخرية.

ومن المشاهير المتوقع حضورهم في المهرجان المرشحة الرئاسية السابقة هيلارى كلينتون، وهى محور فيلم وثائقى بأجزاء عدة، إلى جانب «كيت بلانشيت» إحدى شخصيات حركة «تايمز آب» التي تشكلت في سياق حركة #ME-TOO للدفاع عن النساء في أوساط السينما والفن.

 

المصري اليوم في

22.02.2020

 
 
 
 
 

برليناله الـ٧٠.. بين المتطفل وملح الدموع، والاختفاء عن الأنظار

د. أمل الجمل

يومان من المشاهدة المكثفة، تنوعت بين ثلاثة أفلام من المسابقة الرسمية وفيلم الافتتاح، وفيلمين من المنتدى أي الفورم، والبانوراما، إضافة إلى ثلاثة عروض من قسم «جالا للعروض الخاصة» وهي الأفلام التي كانت في الأعوام الماضية تشارك في المسابقة الرسمية، من دون التنافس على الجوائز. مع ذلك، وبعد هذه المشاهدات أشعر بالإحباط لمستوى الأفلام حتى الآن.

صحيح أنني استمتعت بفيلم الأنيميشين أونوارد - onward - ضمن قسم جالا سنتحدث عنه لاحقاً، كذلك فيلم الافتتاح «عامي مع سالينجر» الذي أراه أفضل كثيراً من مستوى فيلم افتتاح دورة العام الماضي «تراحم الغرباء»، وأفضل من افتتاحات أعوام سابقة، لكن يظل الفيلم الأول الأنيميشين فيلماً تجارياً، رغم ما به جهد فني وفكري، كما أن الثاني - فيلم الافتتاح - ليس فيلماً عظيماً ولا تحفة فنية مبهرة.

حتى الآن أجد أفلام المسابقة متواضعة جداً. لكن لا يزال هناك ١٥ فيلماً من أصل ١٨ تشارك بالمسابقة الرسمية. ربما نجد ضالتنا بالفيلم الإيراني «لا يوجد شر» - ذير إز نو إيفيل - للمخرج الإيراني محمد رسولوف الذي يتناول مواضيع مثل عقوبة الإعدام، بسبب سجنه العام الماضي في إيران بتهم الدعاية المناهضة للحكومة.

لكن رسولوف ممنوع من مغادرة إيران، لذلك لن يحضر عروض فيلمه في برلين السينمائي الدولي السبعين، مثلما حدث من قبل مع زميله جعفر بناهي، فهل يتماثل معه ويحصد الدب الذهبي كما فعل بناهي؟!

سؤال يصعب الإجابة عنه إلى أن نشاهد الفيلم لنتعرف على مستواه، من دون أن نغفل توجهات أعضاء لجنة التحكيم.

من داخل المسابقة أيضاً، ننتظر فيلم المخرج الأوكراني أوليج سينتسوف الذي سُجن لمدة خمس سنوات في روسيا، وقد منحه البرلمان الأوروبي جائزة ساخاروف العريقة لحقوق الإنسان عام ٢٠١٨ أثناء سجنه، تكريما «لمساهمته الاستثنائية في النضال من أجل حقوق الإنسان في العالم».

كان المخرج الأوكراني سينتسوف يواجه حكماً بالسجن لمدة عشرين، لكن تم الإفراج عنه بعد تدخل مؤسسات دولية، وتوقيع صفقة تبادل للمساجين بين روسيا وأوكرانيا. وها هو سينتسوف ينفذ وعده بالعودة لنشاطه الفني، ويشارك في مسابقة البرليناله بفيلمه "نامبرز" المستوحى من تجربة سجنه في روسيا.

أول أفلام المسابقة

أول أفلام المسابقة الرسمية الذي شاهدته ليلة الافتتاح: الإيطالي «الاختفاء عن الأنظار» -hidden away - عن تلك التيمة المهمة المكررة أن المجتمع يصنع عنف الإنسان، أن المجتمع يصنع المجرم، أو كما قال سارتر ذات يوم في مسرحيته «الجلسة سرية» إن: «الجحيم هو الآخرون».

هنا بطل الفيلم شاب يسمع أصواتًا داخلية عنيفة تؤثر على تصرفاته فتجعله منبوذاً من المجتمع. إضافة إلى ملامحه القبيحة بالمفهوم التقليدي. يزيد من هذه الضغوط رد فعل المجتمع المحيط به الذي يكاد يقوده إلى الجنون، لكنه يجد متنفسا له في الرسم والقرب من الحيوانات، والتجاوب معها، إنه في هذا العالم الغارق في الفن يتحول إلي إنسان آخر، رحيم، ودود، عطوف، خجول، وفوق هذا وذاك يصبح إنسانا مبدعا، ورساما مشهورا تقام له المعارض وتُنشر صوره بالمجلات والصحف، وتلجأ إليه السينما لاستغلال شهرته بأن يكون أحد أبطالها.

رغم أهمية ودقة التفاصيل، رغم رهافة توظيفها، وصدق توصيف وتجسيد الحالة الشعورية لهذا الإنسان البطل، كما أن توظيف الفلاش باك الكثير والسريع بين مراحل الطفولة والصبا والشباب كثف، واختصر مأساة هذا الفنان، فإن مأزق الفيلم ومعضلته الأساسية أن المخرج جورجيو دريتي ظل يدور في فلك فكرة واحدة ويقدم عليها تنويعات مختلفة من دون القدرة على تطوير الفكرة ومنحها أبعاداً أخرى أكثر ثراءً، مما جعل الفيلم يبدو تقليديا لا جديد به، فما أكثر الأفلام التي صُنعت حول فنانين عالميين ومأزقهم مع المجتمع، وأشهر هذه الأفلام بالطبع ما صُنع عن فان جوخ عدة مرات، وآخرها الفيلم الذي جسد بطولته وليام دافو «بوابة الأبدية» ونال عنه جوائز عديدة.

المتطفل

كان الفيلم الثاني ضمن المسابقة هو الإسباني «المتطفل» the intruder للمخرجة ناتاليا ميتا.

والحقيقة أنني أثناء مشاهدته كنت مع كل مشهد أقول لنفسي: طيب.. وماذا بعد؟.. ثم فكرت أكثر من مرة أن أترك الفيلم مثلما فعل آخرون، لكن منعت نفسي، وقلت: ربما يكون هناك شيء مهم سيحدث في الثلث الأخير. ولم يحدث شيء. حينها قلت لنفسي مجدداً: إذا كانت هذه ستكون نتيجة المناداة بضرورة وجود حصة أو «كوتة» لأفلام المرأة في المهرجانات السينمائية، فلتذهب المرأة وأفلامها إلى الجحيم!

باختصار شديد، يدور الفيلم حول امرأة شابة تقوم بتوظيف صوتها في أداء دوبلاج بأفلام الرعب. هذه المرأة تحلم كثيراً بأحلام مزعجة. في البداية تحلم بأن الإنسان الذي ارتبطت به يستحق القتل. هكذا تقول لها المضيفة الجوية، بينما تحاول المضيفة قتله أثناء رحلة الطيران.

في غرفتها بالفندق بعد أمسية ظريفة تهمس- البطلة- المرأة الغارقة في النوم «أحبك».. هنا، الغيرة تصيب الحبيب بالجنون، إنه يريد معرفة لمن كانت تقول هذا في الحلم. تستيقظ المرأة. تنزعج من السؤال، وترفض الرد قائلة: «مش ناقص إلا إنك تراقب أحلامي». ثم مع الإلحاح وبعد أن أغلقت على نفسها باب الحمام تبدأ تحكي عن حلم كان يلازمها منذ الطفولة عن النوافذ، بأن أحدهم يقول لها دائما: «افتحي النوافذ».. هنا في هذه اللحظة تسمع صوتا يقلقها ويثير فيها الخوف. تفتح الباب وتخرج إلى الشرفة، تنظر أسفلها فتجد حبيبها ميتاً في حمام السباحة.

بعد ذلك نرى تلك المرأة الشابة مراتٍ عديدة أثناء بروفة العزف والغناء الأوبرالي، نراها أيضاً مع زميلها في استديو الدوبلاج. إنه يحاول مساعدتها لكنه فجأة يختفي في ظروف غامضة، نراها مع امرأة خمسينية تزورها، وتدعي أنها أمها، ولاحقاً نكتشف أنها ليست أمها، ثم يتضح أن هذه المرأة الخمسينية ليست إلا إحدى هلاوسها.

كذلك نراها مع امرأة لها شعر رمادي جميل، إنها مُسنة، لكنها خبيرة طيبة تمنحها نصائح للتخلص من المتطفل حتى لا يقتحمها، ويسيطر عليها، ثم نراها مع شاب آخر يافع وسيم، يُدعى ألبرتو، سيتضح في النهاية أنه هو «المتطفل» الذي يدخل إلى جسدها، ويلتحم بها فتصبح شخصا آخر أكثر بهجة، وتغني عن الحب. كل هذا اللف والدوران من أجل ماذا؟ هكذا تسأل بمجرد أن ينتهي الفيلم، وكأنه الجبل الذي تمخض فأنجب فأراً.

ملح الدموع

أما الفيلم الثالث، للمخرج الفرنسي فيليب جاريل، فيحمل عنوان «ملح الدموع»، عن الشاب لوك الوسيم المهذب الذي يعمل مع والده في صناعة التوابيت، والأرفف. إنه يريد أن يدرس هذا الفن في باريس، يتقدم لاختبار بالمدرسة هناك، وأثناء رحلة ذلك اليوم يلتقي بالفتاة الشابة العربية جميلة، ينجذبان لبعضهما، يقعان في الحب ثم يفترقان على وعد باللقاء، يقول لها «لن أنساك»، يتصل بها، ويتفق على اللقاء ولا يأتي.

عندما يعود لوك إلى قريته. هناك يلتقي بحبيبته الأولى، يقيم معها علاقة تنتهي بالحمل، يغضب، يسافر بعد أن يتهمها بأنها تورطه. تشكوه للأب، يُخيرها الأب بأنها لو كانت تريد الاحتفاظ بالجنين يمكن العثور على حل. الأب يشعر بأنه لم يكن يعرف ابنه، الابن يُخفي عنه الأشياء لأنه لا يريد الدخول في نقاش أو جدل.

في باريس تتضح شخصية لوك أكثر، التنقل بين النساء، إنه لا يعترف بالحب، ولكن بالمتعة وتمضية الوقت، لذلك فجأة ينتهي به الأمر بأن يوافق على أن حبيبته تقيم علاقة مع رجل ثانٍ يقيم معهما في البيت، في مشاهد تجعلنا نتساءل: هل حقاً للأمر علاقة بالحب؟ لماذا يتمسك بها رغم المشاركة مع رجل آخر؟!

من المشاهد المهمة بالفيلم اكتشاف نذالة الابن مع والده، وعدم التعامل معه بحساسية، نتيجة أنانيته المفرطة. يتمثل ذلك في مشهدين، عدم فتح الباب لوالده عندما يفوته القطار، والصمت لادعاء عدم وجوده، بينما هو في أحضان حبيبته.

والمرة الثانية عندما يدخل الأب المستشفى لإجراء جراحة، فلم يرافقه، بحجة أن العملية بسيطة. في النهاية يموت الأب، إنه لم يستعِد وعيه من البنج. لكنني كمشاهدة أشعر بأن الموت كان قراراً من الأب منذ لحظة اكتشاف أنانية ابنه، كأنه قرر أنه لا قيمة ولا أهمية لبقائه في تلك الحياة.

 

موقع "مصراوي" في

22.02.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004