كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

في مدار «الأوسكار»: صعود وهبوط عائلة تبحث عن هويتها

في «طفيلي» ما يُرى ليس دائماً المقصود

القاهرة: محمد رُضا

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثانية والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

يختلف «طفيلي» (Parasite) وهو الفيلم الأكثر حظاً بالفوز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي حتى الساعة، للمخرج الكوري الجنوبي بونغ دجون - هو، عن أفلام كثيرة عاينت الفقراء في المدن الكبيرة المحاذين جغرافياً، لأثريائها، وعن العديد من الأفلام التي تتحدث عن صعود وهبوط الطبقات الفقيرة في حقيقة أن هذا الصعود إلى القمة، ولبعض الوقت، لم يكن نتيجة عمل شاق وجهد ثابت. كذلك لم يكن نتيجة ورقة حظ أو لقاء صدفة يجدها الفقير فرصة سانحة وغير متوقعة لكي يرتفع فوق سطح الدنيا، بل نتيجة ساقتها المعرفة بالتكنولوجيا واستخدامها وسيلة خداع.

عندما وجدت الفتاة التي تعيش في بيت تحت مستوى الأرض مع والديها وشقيقها فرصة لكي تزوّر شهادة تخوّل لشقيقها تلبية إعلان نشرته عائلة بارك الثرية بحثاً عن معلم لابنتها المراهقة، لم تتأخر.

الفتاة البارعة كي - جونغ (سو - دام بارك) سرعان ما تلحق بشقيقها كي - تاييك (وو - سك تشوي) للعمل في قصر الثري دونغ إيك بارك (سون - كيون لي) كخبيرة فنية في المنزل نفسه. هذا من دون أن تدرك عائلة بارك الثرية أنهما (كي – تاييك) شقيقان. لاحقاً يتم ضم الأم والأب وكل يتصرف، لحين بعيد، كما لو أنه لا يعرف الآخر.

إنها عملية خداع والعائلة تُطرد لاحقاً مما بدا لها أنه النعيم على الأرض والعمل المجزي، ماديا، الذي سيحوّل وضعها المالي من حال لآخر. وما يفعله المخرج بونغ دجون - هو هو أنه يوظف تلك الفترة التي قضتها العائلة في رحاب المنزل الكبير لرجل الأعمال لا لإظهار التباين الاجتماعي، فقط، بل للكشف، أيضاً، عن عالمين على كل منهما التعامل مع الآخر. الكوميديا الداكنة في هذا الإطار هي أن العائلة الفقيرة تحسن استخدام التكنولوجيا وتحسن التمثيل والإيحاء بواقع مزيّف، بينما العائلة الثرية حبيسة كم كبير من التقوقع والبراءة.

- أغنياء ولطفاء

عندما يتم كشف المستور ويطرد أفراد العائلة من المنزل يجدون القاع الذي جاؤوا منه ما زال حاضراً وبعنف: مطر غزير هابط بلا هوادة يختلط ماؤه بمياه المجاري التي انفجرت، مشكلاً فيضاناً سارياً.

هذا الوضع يلعب مجازياً على صعيد مختلف عن مجرد النظر إليه كحال طبيعي ينشد تصوير البيئة الفقيرة التي انطلقت منها العائلة صوب حياة رغدة قبل أن تُطرد منها. فالمطر بدأ الهبوط بينما كانت عائلة كيم ترقبه من وراء زجاج عريض في منزل عائلة بارك الثري. حينها كانت تستطيع أن تنعم، للمرّة الأولى، بالحس بأنها في أمان منه تماماً كحال العائلة الثرية. لاحقاً يتساقط هذا الوهم وتعود عائلة كيم للعيش في البيئة التي تركتها.

لا يحاول المخرج الكوري إدانة العائلة لكونها زوّرت مراجعها ومثّلت أدواراً خادعة تسللت عبرها إلى البيت وكادت تحكم الإطباق عليه، لكنه يستعرض، عبر ذلك المطر المنهمر، وجهي العملة الواحدة. الوجه الأول التمتع بمنظر المطر والثاني التعرّض لكوابيسها. شيء مثل «من يعد العصي ليس كمن يُضرب بها».

في إحدى المرّات، وبينما يقول رب عائلة كيم لزوجته خلال إقامتهما في نعيم الحياة متحدثاً عن عائلة بارك «إنهم أغنياء ومع ذلك لطفاء»، فإذا بها ترد عليه «إنهم لطفاء لأنهم أثرياء». الحياة لم تدع عائلة بارك يوماً. كل شيء جاهز والثغرات التي سمحت للعائلة الفقيرة بتمثيل دور الطبقة المتوسطة هي طبيعية الوجود لمن يثق بأنه بات محمياً من المفاجآت بسبب طبقته الاجتماعية المميّزة. مرّة أخرى هو بمنأى عن التعرض لماء المطر.

الفيلم مليء بالمجازيات الأخرى. ما يطلبه المخرج من مشاهديه هو عدم النظر إلى الأشياء كما تتراءى بل كما هو مقصود منها. هذا كله يبدأ باختياره للغرفة التي يفتتح الفيلم بها. غرفة عائلة كيم.

نلاحظ أنها تقع تحت مستوى الأرض لكنها ليست مغلقة تماماً. هي ليست تحت أرضية بحيث لا نوافذ لها، لكنها نوافذ عالية ينظر إليها أفراد العائلة كما لو كانت أملاً. تشبه بذلك غرفة في سجن تتربع فيه نافذة صغيرة في أعلى الجدار. عائلة كيم لا ترى كثيرا من تلك النافذة بل ترقب ما يحدث خارجها عند اقتراب الحدث من زجاج النافذة المغلق. هي من الدعة بحيث تأكل طبق بيتزا واحدا تتقاسمه وتعيش الواقع من دون توقعات. لكنها، كما سنرى تباعاً، عائلة تجيد تمثيل الدور المطلوب منها لكونها تملك المهارات: الأب كسائق السيارة الخاصة برب العائلة الثرية، الابن كي - وو كمدرّس لغة إنجليزية، شقيقته كي - جونغ كخبيرة فنون تشكيلية ورسوم، والأم كمشرفة على البيت. في ثنايا ذلك إيعاز بأن هذه العائلة تجيد، فيما تجيد، مزاولة لعبة الثراء والحلول محل العائلة ذات الأصل الثري أساساً لو تمكنت من ذلك تماماً كما حل الأب محل السائق السابق والأم محل المشرفة عبر خديعتين نتج عنهما صرف اليد العاملة السابقة والقبول بالجديدة.

- صورة مغايرة

على عكس أفلام حديثة أخرى عن الفقر (بينها فيلم نادين لبكي «كفرناحوم») لا يدين المخرج بونغ دجون - هو الفقر مطلقاً ولا حتى عائلة كيم في رحلتها القصيرة إلى «فوق» قبل أن تعود إلى «تحت»، بل لا يدين أحداً بل يكتفي بإظهار واقع الأمور كما هي، مانحاً الفوارق الطبقية دوراً تلعبه في تصميم نصّه.

وكما أوردت أعلاه، حقيقة أن عائلة كيم تستطيع أن تلعب دور الطبقة الثرية إذا ما أتيحت لها الفرصة، فإن الفوارق الأخرى لا وجود لها إلا في المظاهر. ما يؤكد ذلك أن الشاب وشقيقته جميلا الوجه والأب حكيم الطبع والأم تعرف شؤونها وتطيع وتطاع. في أفلام أخرى قد يعمد مخرج ما لتصوير الفقراء كأصحاب تصرفات وسلوكيات خشنة وربما كأشرار صغار أو كبار يملؤهم الحقد على الطبقة التي يعملون لديها.

الفيلم «متعوب عليه» في التصاميم أكثر مما يتبدّى في المشاهدة الأولى. لكي يلعب كل شيء دوراً مزدوجاً (الظاهر والمجازي) عليه أن يعتنى باختياره كما أسس المخرج ذلك في مشاهده التعريفية الأولى، ثم كما يؤسس للمشهد الأول الذي ترتفع فيه الكاميرا مصاحبة الشقيق وهو يزور العائلة الثرية أول مرّة. هناك سلّم ما بين مستوى الأرض ومستوى الڤيللا يكشف عن تباين حاصل.

المشهد ذاته، مصوّر بكاميرا تصاحب الشاب من الخلف، يعبر عن بداية زلزال صغير في الذات لمن يبحث لنفسه عن هوية جديدة. الشاب الآتي من القاع سيكذب لكي ينتمي، على نحو أو آخر ومن دون الكشف عن مستوى طبقته، إلى هوية جديدة.

السلم الحجري ذاته هو ما تستخدمه العائلة في هروبها من المنزل في النهاية والكاميرا (تصوير كيونغ - بيو هونغ) في هذه الحالة تتراجع بعدما كانت تتقدم ثم تصب كامل قدراتها على تجسيد الفيضان الذي دخل بيت العائلة الذي تعرفنا عليه في مطلع الفيلم وقد تحوّل إلى مستنقع آسن.

 

الشرق الأوسط في

29.11.2019

 
 
 
 
 

لمّ شمل نجوم السبعينات

«الإيرلندي».. أفضل تحفة سينمائية في هذا العقد

المصدر: عرض: عبدالله القمزي

منحت «نتفليكس» المخرج الأميركي المخضرم، مارتن سكورسيزي، حرية مطلقة لصنع فيلم The Irishman «الإيرلندي»، وهي حرية لا يحصل عليها من استوديوهات هوليوود. فمن ناحية، صنع الرجل تحفة سينمائية معقدة السرد، وآسرة بصرياً، عن قصة قاتل المافيا المأجور، فرانك شيران (روبرت دينيرو في أفضل أداء له بهذا العقد).

ومن ناحية أخرى، تمكن من لمّ شمل كل أصدقائه القدامى، مع بعض الوجوه الجديدة في هذا العمل، رغم أن مدة الفيلم، ثلاث ساعات ونصف الساعة (209 دقائق)، هي مثالية بالنسبة لمسلسل قصير من أربع حلقات، إلا أنها طويلة جداً للاستهلاك السينمائي حسب المعايير الحديثة، خصوصاً دون استراحة، وهذه المدة كان متعارفاً عليها في حقبتي الخمسينات والستينات.

دخلت «نتفليكس» الأوسكار، العام الماضي، على صهوة الجواد «روما»، الذي خطف أوسكار أفضل فيلم أجنبي من «حرب باردة»، ونافس على جائزة أفضل فيلم أميركي، بالإضافة إلى العديد من الجوائز العالمية. رغم أن «نتفليكس» لا تصدر أرقاماً بنسبة مشاهدة كل منتج على منصتها بشكل دوري ودقيق، لكن المعروف أن «روما» كان مفضلاً لدى النقاد أكثر من مستخدمي «نتفليكس».

السبب أن «روما» كان إنتاجاً سينمائياً بحتاً، مشاهدته على الشاشة الكبيرة أفضل من الصغيرة. بينما الأمر ليس مماثلاً بالنسبة لفيلم «الإيرلندي» المُطعّم سينمائياً، لكنه مُفصّل للمشاهدة التلفازية أكثر من السينما، أو ربما لا فرق بين التجربتين.

مرّ ربع قرن منذ أن تعاون سكورسيزي مع ممثله المفضل منذ عقد السبعينات، روبرت دينيرو، وصنع الاثنان أفضل أفلام القرن الـ20: تاكسي درايفر، الثور الهائج، وGoodfellas «صحبة طيبة»، أما بعد تعاونهما في رائعة «كازينو»، فقد افترقا بسبب صعوبات تمويلية ولوجستية لبعض المشروعات، رغم محاولتهما العمل معاً.

عودة دينيرو إلى مدار سكورسيزي تذكّرنا ببراعة الممثل عندما يترك الكوميديا التهريجية، فهذه أول مرة يعطي فيها دينيرو أداء يستحق الأوسكار منذ التسعينات (لو تجاهلنا أداءه في Silver Linings Playbook).

«الإيرلندي» مقتبس من كتاب الصحافي الاستقصائي، تشارلز براندت، بعنوان «سمعت أنك تدهن بيوتاً»، الذي يتناول قصة شيران، التي تبلغ ذروتها بادعاء الرجل أنه اغتال جيمي هوفا (ألباتشينو)، ولا يعرف أحد حقيقة ما حلّ بهوفا يوم 30 يوليو 1975 لكنه اختفى منذ ذلك اليوم.

توجد نظريات عدة تتعلق بسقوط هوفا، وكيفية اختفائه، لكن رواية شيران هي الأقرب إلى الحقائق على الأرض، وهي الوحيدة المتمتعة بقدر من الصدقية. بغض النظر عن ادعاء شيران ومدى صحته، فذلك لم يضر تحفة سكورسيزي هذه التي يروي فيها قصة الرجل.

«الإيرلندي» مؤطر حول ذكريات شيران، نراه في نهاية لقطة البداية الطويلة المتواصلة التي تعبر ممرات دار مسنين وتنتهي عنده جالساً على كرسي متحرك، في آخر حياته عام 2003. يأخذنا الرجل في جولة جذورها تمتد إلى الأربعينات، وتمضي معظم أحداثها في الخمسينات والستينات والسبعينات. ورغم أن اغتيال هوفا عنصر رئيس في القصة، إلا أن الفيلم عن قصة حياة شيران، أو حتى دراسة سلوك شخصيته، قبل لقائه هوفا رئيس اتحاد العمال المسمى «تيمسترز»، بفترة طويلة، وإلى اختفائه.

لكن العلاقة بينهما هي مصدر زخم الفيلم، الذي تتمتع مشاهد شيران وهوفا معاً فيه بقوة أكثر من غيرها. يتناول الفصل الأول من الفيلم تفاصيل عن لقاء شيران بمحامي المافيا، بيل بوفالينو (راي رومانو)، الذي يقدمه لابن عمه راسل بوفالينو (جو بيسكي) زعيم مافيا سكرانتون في فيلادلفيا.

يقدم راسل شيران إلى بقية عصابة فيلادلفيا فيليكس (بوبي كانافال) وأنجلو برونو (هارفي كايتل)، وكلما يظهر عضو قيادي من العصابة يجمد سكورسيزي الشاشة، ويضع فقرة قصيرة توضح تاريخ موت الشخصية وطريقة قتلها وعدد الرصاصات.

في نهاية الخمسينات، ارتقى شيران سلالم العصابة وأصبح عضواً فاعلاً في دوائر المافيا، ليتأهل للتعرف إلى هوفا. تنشأ صداقة بين شيران وهوفا، وتتطور خلال عقدي الستينات والسبعينات، اللذين يشير الفيلم خلالهما إلى أحداث تاريخية لارتباط القصة ارتباطاً وثيقاً بها، بسبب احتمال تورط هوفا في تلك الأحداث، مثل انتخاب الرئيس، جون كينيدي، واغتياله، وخليج الخنازير، وسجن هوفا ومحاولته استعادة السيطرة على «تيمسترز»، ولقاء ديترويت في يوليو 1975 الذي اختفى الرجل بعده.

يمثل «الإيرلندي» عودة سكورسيزي إلى كلاسيكياته السابقة حول قصص العصابات للمرة الأولى منذ «كازينو» 1995. لا نقول إن الفيلم يحمل رؤية جديدة عن أفلام العصابات، بالعكس هو كلاسيكي بالمعايير القديمة التي عشقها جمهور سكورسيزي، الذي تابع أعماله في 50 سنة الماضية.

هناك رأي يقول إن أقوى أعمال سكورسيزي قبل هذا الفيلم، كان «صحبة طيبة» 1990، ربما لأنه عكس الصداقة والعلاقات الشخصية داخل العصابة. وهناك رأي ينحاز لـ«كازينو»، لأن قصته أشمل، وتحمل تفاصيل صعود وسقوط إمبراطورية المافيا بلاس فيغاس في السبعينات. الأول قصة من منظور شخصي عن دوافع صبي يريد أن يدخل عالم العصابات، بينما «كازينو» عن قصة متشعبة تتسم شخصياتها بالغرور والجشع.

«الإيرلندي» مختلف عنهما، لأنه فيلم ذو طابع تأملي أكثر، وهو الأكثر عاطفية من أفلام سكورسيزي التي تناولت العصابات. أقنع سكورسيزي جو بيسكي بترك تقاعده والعودة إلى دور أخير مختلف عن دوريه في «صحبة طيبة» و«كازينو». دور بيسكي هنا مقيد وهادئ أكثر من المجرم المجنون الشرس في «كازينو».

سرق ألباتشينو الأضواء ممن حوله في كل مشهد ظهر فيه، من الصعب تصديق أن هذا أول تعاون بين أسطورتين مثل ألباتشينو وسكورسيزي، لكنه التعاون الثالث بين دينيرو وألباتشينو، بعد اقتسامهما الشهير للشاشة في رائعة مايكل مان Heat عام 1995، ثم ظهورهما في الفيلم الرديء Righteous Kill عام 2008، وبالطبع التقيا كممثلين في الجزء الثاني من «العراب» 1974، دون الظهور معاً في أي مشهد، أما «الإيرلندي» فيبرز للمرة الأولى أول انسجام ذي معانٍ عميقة بينهما.

هذا الفيلم لا يقدم جديداً بالنسبة لسكورسيزي مقارنة بأفلامه السابقة، لكن إن كان المشاهد يفهم لغة أفلام العصابات التي أسسها سكورسيزي منذ السبعينات، وبلغت ذروتها بداية التسعينات، سيشعر بالقوة التعبيرية فيه.

هذا الفيلم وداعيّ لجيل من نجوم السبعينات الذين فقدوا زخمهم بداية الألفية الجديدة، بسبب التقدم في السن الذي فرض نوعاً آخر من الأدوار لا يتناسب ومكانتهم. سكورسيزي فقط الذي حافظ على مستواه في 50 عاماً، و عندما عرضت عليه «نتفليكس» العمل معها دون أي تضييق، قرر الرجل العودة إلى اللغة والأسلوب ذاتيهما، اللذين اخترعهما وألهم بهما أجيالاً من صناع الأفلام.

عاد سكورسيزي محاطا بالحرس القديم (دينيرو/‏‏‏‏ ألباتشينو/‏‏‏‏ بيسكي) الذين أثبتوا أن التقدم في السن وقلة الزخم لا تقتلان البراعة والخبرة وموهبة التمثيل الفطرية المتأصلة في داخلهم. يعكس الإيرلندي سينما أصيلة وهو أفضل فيلم عام 2019 والأفضل في هذا العقد الذي اتسم بالإفلاس السينمائي.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تقييم

منحت «نتفليكس» المخرج، مارتن سكورسيزي، حرية مطلقة، وهي حرية لا يحصل عليها من استوديوهات هوليوود.

عودة دينيرو إلى مدار سكورسيزي، تذكرنا ببراعة الممثل عندما يترك الكوميديا التهريجية.

50

عاماً حافظ خلالها سكورسيزي على مستواه، وهذا فيلم وداعيّ لجيل من نجوم السبعينات الذين فقدوا زخمهم بداية الألفية الجديدة بسبب التقدم في السن.

لا يعرف أحد حقيقة ما حلّ بهوفا يوم 30 يوليو 1975.

 

الإمارات اليوم في

01.12.2019

 
 
 
 
 

تهميش السباق لمصلحة الشخصيات والأداء

«فورد ضد فيراري»... الكليشيهات تقوّض السرعة في الحلبة

المصدر: عرض: عبدالله القمزي

يقال إن صيغة الأفلام الرياضية تصنع فيلماً جيداً لو كانت القصة حقيقية. غادر المخرج الأميركي جيمس مانغولد عالم «إكس من» بعد إخراجه «ذا وولفرين ولوغان»، وعاد إلى العالم الحقيقي لإخراج فيلم بقيادة نجمين سينمائيين من الصف الأول.

فيلم Ford VS Ferrari «سباق فورد ضد فيراري» يتناول قصة نوع آخر من البطولات، يقوده مات ديمن وكريستيان بيل. عندما يتعلق الأمر بأفلام سباقات السيارات، فإن السينما لم تعطها حقها، غالباً لأن منظر السيارات وهي تلف الحلبة دورة تلو الأخرى ليس بالمشهد السينمائي.

كان هذا أهم تحدٍ أمام مانغولد الذي قلص مشاهد السباق إلى أقل حد ممكن، ووزع تركيز الفيلم بالتساوي بين العناصر الرياضية وتحديات بناء سيارات السباق التي تواجهها الشخصيات. الفيلم مستوحى من قصة هنري فورد الثاني الحقيقية (تريسي ليتس)، وكيف دخل سباقاً لمنافسة إنزو فيراري (ريمو غيروني)، والذي انتهى بمواجهة في حلبة لا مون عامي 1965 و1966.

تحسين مسار الدراما

تم تغيير الكثير من الحقائق لصالح تحسين مسار الدراما في الفيلم، يبدأ الفيلم بالضغوط التي يشعر بها فورد لمنافسة البطل المعتاد فيراري، يقرر فورد تكليف موظفيه لي لاكوكا (جون برنثال) وليو بييب (جوش لوكاس) للاستعانة بالفائز السابق في سباقات لا مون كارول شيلبي (مات ديمن) لتصميم سيارة سباق. للعلم، لاكوكا هذا يستحق قصة لوحده، لأنه له الفضل في إنعاش سيارات شركة كرايزلر الأميركية في عقد الثمانينات، وبسبب ذلك صنع لنفسه اسماً.

يتسلم شيلبي شيكاً مفتوحاً لمهمته ويوافق. يتضمن فريقه روي لن (جي جي فيلد) وفيل ريمنغتون (راي مكينون) والسائق الإنجليزي البارع كين مايلز (كريستيان بيل)، صاحب المزاج العصبي والمعادي لروح العمل الجماعي الذي يجلب عليه غضب بييب، فيقنع فورد بتضييق مشاركة مايلز في العمل لتقتصر على التطوير واختبارات القيادة. بالطبع لأن هذا فيلم رياضي، فإنه يتبع معادلة محددة لا تتحرر منها هذه النوعية من الأفلام، والكل يعرف كيف سينتهي الفيلم، خصوصاً عندما يقول فورد: أريد أن أكون في الحلبة وانظر إلى وجه فيراري لحظة خسارته.

نهاية مختلفة

يأخذ مانغولد الفيلم بعيداً عن الحلبة، وبعيداً عن عالم صنف الأفلام الرياضية، لكن ذلك يأتي بثمن. بداية، يتورط مانغولد في نطاق معادلة ضيق، فلا يختلف فيلمه في هذه الحالة عن عشرات الأفلام التي تناولت قصص شخصيات رياضية طموحة.

مثلاً، تبدأ القصة بفورد يحاضر عمال مصنعه، ويهددهم بإقالتهم لو لم يتقدم أحدهم بفكرة جديدة تأخذ سيارة فورد إلى آفاق جديدة. يتبع ذلك رغبة فورد الطموح في تحطيم المنافس بعبارته الشهيرة: «أريد رؤية وجهه لحظة الخسارة»، ويتبعها سيناريو قهر الشخصيات تحدياتهم في مشاهد لا تخلو من الميلودراما والصراع العائلي والكليشيهات المزهقة.

ثم بالطبع يختلف بطلا القصة ويتفقان ويتعاونان، ونرى مونتاج بناء وتطوير السيارة وتدريبات مايلز تحضيراً للسباق الكبير وقيادته إلى أن يفوز بالسباق.

الجديد أن شيئاً يحدث في النهاية، لا نود ذكره كي نترك للمشاهد تجربة استكشاف الفيلم بنفسه، هو ما يعطي الفيلم نهاية مختلفة، لأنه يحدث بشكل غير تقليدي، وربما هذه لمسة مانغولد الفنية واضحة في النهاية أكثر من بقية الفيلم. بوسعنا القول إن شرير الفيلم ليس فيراري، وليس سائق السيارة 21 لكنه فورد وبييب وقراراتهما التجارية.

مشهد ساخر

يوجد انسجام جيد بين ديمن بلهجة تكساسية وبيل ربما بلهجته الإنجليزية الأصلية، ديمن ذكي ومرن وبراغماتي، وبيل غاضب ومنفعل حتى وهو فائز. هناك مشهد ساخر يتعارك فيه الاثنان أمام منزل مايلز، وعندما تراهما مولي (كاترينا بالف) زوجة مايلز، تحضر كرسياً من داخل المنزل وتجلس أمامهما متفرجة. أداء بيل جيد، لكنه كان أفضل في «نائب» العام الماضي، وأداء ديمن جيد هو الآخر، لكن شاهدناه في أدوار أفضل، أما بالف فمجرد تكملة عدد. يخفف مانغولد التوتر في المشهد السابق، لكن يوظّفه لأجل الضحك، كما يحدث في المشهد الذي يأخذ شيلبي معه فورد في تجربة قيادة السيارة الجديدة، فيصاب الأخير بالرعب، ثم ينهار في موجة بكاء تهز كيانه، قد يكون بكاء خوف أو فرح بولادة السيارة الجديدة. ما يفعله مانغولد هو تهميش السباق في القصة ليركز على الشخصيات والأداء، وهنا تحدث مشكلة. المشكلة في الاعتماد على الأداء، وتهميش سباق سيارات في فيلم رياضي في المقام الأول، ينتج عنه بطء في الفيلم عن السرعة. مشهد حوار ثم مونتاج بناء سيارة، ثم مشهد ميلودراما بين مايلز ومولي، يليه مشهد تخطيط للسيارة، وتفاصيل مواصفات محركها، ثم مشهد حوار مايلز وابنه الذي يظهر مرة كل خمسة مشاهد لمجرد إبداء ردة فعله يليه مشهد سريع.

بكلمات أخرى، الفيلم لا يعطينا فرصة للاهتمام وتشكيل رابط عاطفي مع الشخصيات، وهذا الشعور قد لا يجده عشاق سباقات السيارات أو المهندسون والميكانيكيون الذين سيفهمون حتماً التفاصيل التقنية وسيستمتعون بها، والتي تهيمن كثيراً على الحوارات. مشاهد السباق جيدة وصوّرها مانغولد بشكل يضع المشاهد داخل السيارة مع مايلز، لكن هناك مواضع ميتة لا ينتبه إليها مانغولد، أو ربما لم يعرف كيف يتجنبها، أو ربما أجبر على التخلص منها كي لا يتجاوز الفيلم الساعتين ونصف الساعة.

وصلنا إلى مرحلة مع الأفلام وجدنا فيها أن الفيلم السينمائي ليس المعروض في الصالات، وإنما هو ذلك الذي يتضمن اللقطات الإضافية التي لم يتمكن المخرج من ضمها لفيلمه بسبب قيود المدة الزمنية، فوضعها في نسخته Extended Director’s Cut على أقراص فيديو عالية الجودة.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تقييم

سؤال

السؤال: ماذا استفاد أبطال القصة من سباق خطر هدّد حياة السائقين في أكثر من مشهد؟ تخرج من الفيلم وأنت لا تشعر بقيمة إنجاز قد ينهي حياة رجل سواء حققه أم لم يحققه. هناك سبب واحد فقط: المجد الذي حققته شركة فورد للسيارات بهزيمتها فيراري، وهو سبب مقنع فقط لعشاق السيارات!

الفيلم مستوحى من قصة هنري فورد الثاني الحقيقية وكيف دخل سباقاً لمنافسة إنزو فيراري الذي انتهى بمواجهة في حلبة لا مون عامي 1965 و1966.

يصحب شيلبي معه فورد في تجربة قيادة السيارة الجديدة، فيصاب الأخير بالرعب، ثم ينهار في موجة بكاء تهز كيانه، قد يكون بكاء خوف أو فرح بولادة السيارة الجديدة.

 

الإمارات اليوم في

02.12.2019

 
 
 
 
 

فيلم "قصة زواج"... تشريح دقيق وقاسٍ لدواخل عالم الطلاق

(رويترز)

هل يمكن أن يحدث شرخ في العلاقة بين زوجين متحابين، ليُقتل أي أمل في أن تعود الأمور بينهما لطبيعتها يومًا ما؟ هذا ما يستكشفه المخرج الأميركي نوح باومباخ، في أحدث أفلامه "قصة زواج".

ويدور الفيلم الذي قدم ضمن قسم العروض الخاصة في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، حول الزوجين تشارلي، المخرج المسرحي (آدم درايفر) وزوجته الممثلة (سكارليت جوهانسن)، التي تبدأ مسيرة تبشر بالنجاح في السينما، قبل أن يدفعها حبها لتشارلي إلى التخلي عن هذا الحلم، والتركيز على المسرح بدلًا من ذلك.

ويعيش الزوجان في مدينة نيويورك، ويبدو الأمر وكأن لا شيء سيعكر صفو علاقتهما، لا سيما في الدقائق الأولى التي نستمع فيها لهما، وقد كتب كل منهما رسالة يعدد فيها، بأدق التفاصيل، ما يحبه في الآخر، لكن سرعان ما يتضح أن الرسالتين كانتا أول خطوة على طريق الانفصال، وشيئًا فشيئًا تنزاح المحبة لتفسح الطريق للكثير من الاستياء والنفور المتبادل، والذي يصل إلى ذروته في مشهد متفجر يصرخان فيه في وجه بعضهما البعض، لنحو 10 دقائق متصلة.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتناول فيها باومباخ قضية الطلاق، إذ سبق وكانت الموضوع الرئيسي لفيلمه "الحبار والحوت"، لكنها المرة الأولى التي يغوص فيها بهذا العمق في دواخل عالم الطلاق، ليكشف بتفاصيل مؤلمة كيف يلعب التدخل المؤسساتي، ممثلًا في فريق المحاماة المتخصص في التعامل مع قضايا الطلاق، دورًا في تفاقم الأزمة بين الزوجين.

ولا ينحاز المخرج إلى أي من بطلي فيلمه، بل يرى أن الانحياز إلى أي منهما سيكون "ضربًا من الحماقة"، ويقول إنه عرض القصة من منظوري الشخصيتين، وترك المتلقي وحده يتخذ قراره إلى من سينحاز، أو إن كان سينحاز إلى أي منهما أصلًا.

ويمزج الفيلم بين الكوميديا والدراما، ليقدم لحظات محملة بالخفة ومثقلة بالمرارة على حد سواء، ويلعب فيه باومباخ على مكامن قوته، والتي تتمثل في كتابة حوار قوي ومشحون، ورسم شخصيات ثلاثية الأبعاد بعيدة عن الأنماط التقليدية للمتزوجين.

ولاقى الفيلم استحسانًا شديدًا من النقاد عند عرضه، وسط توقعات بأنه سينافس بقوة في موسم الجوائز، ولا سيما جوائز غولدن غلوب وبافتا والأوسكار، في فئات الإخراج لباومباخ، والتمثيل لكل من جوهانسن ودرايفر، ويذكر أنّ الدورة الحالية من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، تستمر حتى 7 ديسمبر/كانون الأول.

 

العربي الجديد اللندنية في

02.12.2019

 
 
 
 
 

"سكورسيزي": لا تشاهدوا فيلم "الأيرلندي" على الهاتف

العين الإخبارية - حليمة الشرباصي

ناشد المخرج الأمريكي ذو الأصول الإيطالية مارتن سكورسيزي جمهوره، ألا يشاهدوا أفلامه أو أفلام زملائه المخرجين عبر هواتفهم المحمولة، وذلك في أعقاب طرح فيلمه الأخير The Irishman "الأيرلندي" ضمن عروض شبكة البث الإلكترونية نتفليكس.

وبحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، قال المخرج: "أقترح إذا رغبتم في مشاهدة أي من أفلامي ألا تشاهدوها على شاشة الهاتف المحمول، بإمكانكم أن تشاهدوها على "أي باد" يحبذ لو كان ذي شاشة ضخمة".

طُرِح "الأيرلندي" منذ ما يقرب من 3 أسابيع في دور العرض العالمية، ثم سحبته نتفليكس (الشركة المنتجة) للبث بشكل حصري ضمن عروضها، يوم الخميس الماضي، ورغم أن الشبكة لم تفصح بعد عن إيرادات الفيلم عالميًا أو أرقام مشاهداته عبر الشبكة؛ فإنه من المتوقع أن يحقق كلاهما نسب مرتفعة.

وتفاوتت ردود أفعال الجماهير حول الفيلم، بين جانب يمجد العرض في قاعات السينما لمشاهدة أبطال الفيلم الكبار روبرت دي نيرو وآل باتشينو، وجانب يحبذ سهولة الوصول للفيلم على الشاشات الصغيرة، إلى حد تسجيل مقاطع فيديو لنفسه خلال مشاهدة الفيلم على هاتف آبل الجوال.

على الجانب الآخر، قام بعض المعجبين بتقسيم الفيلم إلى مقاطع أقصر على غرار المسلسلات القصيرة، نظرًا لطول مدة عرضه؛ إذ يتجاوز الـ3 ساعات ونصف، إلا أن "سكورسيزي" نبذ الفكرة، وقال إنه لم يفكر فيها على الإطلاق.

 

بوابة العين الإماراتية في

03.12.2019

 
 
 
 
 

"سكاكين" راين جونسون: جريمة تفضح المستور

محمد بنعزيز

ليلة عيد ميلاده الـ85، يموت كاتب روايات بوليسية مشهور. رُبِطت لحظة الموت بلحظة الولادة. روائي عظيم يموت أو يُقتل. ما معيار العظمة؟ تُرجمت كتبه إلى 30 لغة، بيع منها 81 مليون نسخة في العالم. كان يكتب عن الجرائم والتحقيق فيها، فصارت جثته موضوعاً للتحقيق. انقلبت عليه مهنته.

هكذا تتضح خصائص النوع الفيلمي. فيلم بوليسي هو فيلم حبكة أساسا. الحدث هو المهم، وهو يبدأ بمرحلة بناء اللغز. هذا ليس حرقاً لقصّة الفيلم، بل ترتيب للإشارات الواردة في الوصلة الدعائية لـ À couteaux tirés، لراين جونسون، الذي افتتح الدورة الـ18 (29 نوفمبر/تشرين الثاني ـ 7 ديسمبر/كانون الأول 2019) لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش".

جونسون مخرج "حرب النجوم الحلقة الـ8: آخر الجداي" (2017)، الذي حقّق ملياراً و332 مليوناً و539 ألفاً و889 دولارا أميركيا (ميزانية الإنتاج: 317 مليون دولار أميركي). رسخ اسمه في هوليوود، فصار بإمكانه أن يحاول شيئاً جديداً، كالانتقال من تصوير أفلام الملاهي الباهظة، بحسب تعبير مارتن سكورسيزي، إلى تصوير أفلام فيها بشر، يحاولون نقل تجارب عاطفية ونفسية إلى أناس آخرين.

لعرض تجارب كهذه، اعتمد راين جونسون "كاستينغ" يضمّ وجوها مختلفة الملامح، يحمي تعدّدها من الملل. لكلّ واحد من أبناء الروائي وجه مختلف للغاية عن الآخر، كأنّهم ليسوا إخوة. صُوِّر الأبناء في "كادر" ثابت مقرّب، وهم يجلسون على كراسي عالية أثناء التحقيق معهم، كما في محكمة. يبدو الفيلم فصولا تتناول كلّ ابن على حدة، ثم يشْبك جونسون الشخصيات فيما بينها. النتيجة: النصف الثاني أكثر تشويقاَ، لأن موضوع النزاع صار واضحاَ تماماَ، وبات المهدّدون بالخسارة كثيرين. كشّروا عن ألسنتهم وسكاكينهم.

بينما يصرخون للحصول على نصيبهم من الإرث، يبحث المحقّق عن المجرم. يُجري حوارات طويلة. يجمع معطيات لصوغ فرضية واتهام. حوارات تخرج منها خيوط تتشابك وتكشف ما هو حاصل. يضرب المحقّق أفراد العائلة بعضهم بعضا، فيجني وشايات متبادلة، في حوارات دقيقة، تفضح ما في دواخل أفراد العائلة من أحقاد، أثناء معركة على ثروة، مشكوك في مصيرها.

الفيلم حواري أكثر منه سينما للعين، أي أنّ الحوار يغلب على الصورة السينمائية. رغم التصوير في فضاء مزدحم بالأيقونات والتماثيل، في معمار قروسطي ذي نوافذ مستطيلة عالية، فإن جودة الديكور لا تغني عن ضرورة الحركة في الحكي. يُكتشف منزل الكاتب مع تقدم الأحداث. يُخبر ديكور المنزل عن الثقافة البصرية للكاتب البوليسي. معمار عريق، فيه مسارب وسلالم ودهاليز. بذلك، تُعمِّق طوبوغرافيةُ المكان غموضَ الأحداث. للمكان أكثر من مَخرج. هذا يُعقِّد عمل الكاميرات والمراقبة بالعين المجرّدة. هنيئا للمجرم.

يعلن المحقّق أنّه أمام عُقدٍ. بذلك، يحلّل مهنته سردياً. محقّق صبور في حبكة بوليسية مشبعة بالأسرار. حين يبحث عن حلّ لعقدةٍ، يتّضح له أنّ في الحبكة ثقباً في الوسط، كما في كعكةٍ. مهمّته حَلّ اللغز، لملء الوسط، فتصير الكعكة مملوءة كخبزة. ليست هذه أول مرة يفكّر فيلم في سرده بلغة الطبخ وصفاته. يفهم الجمهور الحوارات جيداً، حين تستعين بمعجم الأكل.

يتزامن حلّ الحبكات الفرعية مع التنقّل في القصر القديم، لاقتفاء آثار المجرم. مع كلّ نقلة، يظهر معمار عريق، تُضيئه نوافذ مستطيلة عالية، تُمكِّن المخرج من استخدام الضوء الخارجي لإضاءة عتمة شخصياته. هذا أعطى للمعمار قيمة كبيرة. أحياناً، يأتي الضوء من الخارج شديداً، فيُعمي الكاميرا الموجودة في الداخل. النتيجة: وجوه الشخصيات تبقى مبهمة، كوساوسها وأطماعها.

يتطلّب فيلم التحقيق البوليسي ألغازاً وغموضاً، ينبغي كشفها على مراحل. غموض "مُهيكل"، أي قابل لحلٍّ مفهومٍ تدريجياً، وفقاً لمعيار التلقي. هكذا، يفهم المتفرّج، بغرض استدراجه هو أيضاً إلى البحث عن المجرم. قطعة الخشب المكسورة في بداية الفيلم، والملقاة في الهامش، تصير وسيلة لتفسير حدثٍ مهم.

يساعد الـ"فلاش باك" على ربط السابق باللاحق. يُعتبر هذا شرطاً للتحقيق البوليسي، الذي يجري بعد الجريمة، ويستعيد ما قبلها. "فلاش باك" لتغطية ما ينقص، ومفاجأة المتفرّج بما لم ينتبه إليه. هذا يبرّر كسر خطّ السرد.

يغلب التصوير الداخلي على الفيلم، ما أضعف حركة الكاميرا وعمق المشاهد. لملء الفراغات في الفرجة، يشتغل المخرج طويلا على حوارات ساخرة، وتنوّع وجوه الشخصيات وأمزجتها، لخلق الفرجة. مثلا، لدى صاحبة القلب الطيب ردّ فعل بيولوجي على الأكاذيب التي تبلعها مرغمة. الفيلم درس في كتابة حوارات الأفلام السينمائية.

فيلم يكشف مدى قدرة الطمّاع على الكذب على الأب والذات. كيف هي علاقة البشر بالنقود؟ النقود تذلّ البشر. حين يكتشف الأب حجم ذلّ أبنائه، يقوم بنقد ذاتي مرير، ويعترف بأنّه يُدلّل أولاده ليبقوا تحت سيطرته. يُقرّر تصحيح الوضع. من هنا، تولد الكارثة.

في الفيلم، يهزمُ القلب الطيبُ البريءُ الإخوةَ الورثة، الحقودين المجرمين الجشعين. يحمل صراع الإخوة صدى من "الإخوة كرامازوف" لدوستويفسكي. فيه أيضا موت ولغز وسكاكين مزيّفة، وصورة مريعة لعائلة بورجوازية متحضّرة. فيلم يجمع المعمار والنحت والرسم والرواية والتحقيق البوليسي. هكذا تهضم وتقطع السينما في قرنٍ الطريق كلّها، التي قطعها السرد والفنون الأخرى في 4 آلاف عام. النتيجة، بحسب إيريك هوبزباوم: "صار الفيلم السينمائي، والفنون البصرية المشتقّة منه، الفنّ المركزي في القرن الـ20". فنّ مركزي يكشف تجارب عاطفية ونفسية للبشر، في القرن الماضي، كما في القرون المقبلة.

 

العربي الجديد اللندنية في

03.12.2019

 
 
 
 
 

من عروض مهرجان الجونة السينمائي الثالث

« طفيلي « الحائز على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الغوص بعيدا في قاع المدينة الكوري الجنوبي

كاظم مرشد السلوم

من بين الأفلام المهمة التي عرضها مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثالثة 19-28 سبتمبر 2019، الفلم الكوري الجنوبي « طفيلي « الحائز على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي في دورته ال 72، حيث يذهب المخرج بونج جون هو ، وكاتب السيناريو هان جن وون، الى الغوص بعيدا في قاع المدينة في المجتمع الكوري الجنوبي، الذي قد لا تصل أخباره الينا او الاطلاع عليه بسهولة، مثلما يمكن ان تفعله السينما.

النظرة العامة للأخرين عن المجتمع الكوري الجنوبي وكذلك المجتمع الياباني، قد تكون قريبة من المثالية، فهناك شعوب منظمة، تحترم النظام، وثمة شرائح مدمنة على العمل، لكن فلمان مهما ، استطاعا كشف الكثير عن قاع المدن في هذه البلدان، والناس المهمشين الذين يعيشون فيها، هما فلم « مسألة عائلية» للياباني هيروكارو كوريدا، وفلم «طفيلي» للمخرج بونج جون هو، حيث يتناول هذان الفلمان ، الواقع الحقيقي للطبقات الفقيرة والمهمشة في تلك المجتمعات، وما يمكن ان ينتج عن هذا الفقر من أفعال قد يبررها أصحابها، كنتيجة حتمية للواقع الذي يعيشون ، وهم ليسوا وحدهم كذلك ، بل يمكن ان يكون كل من يعيش على الهامش، يفعلون الشيء ذاته.

العنوان
طفيلي، كلمة تعني من يعيش متطفلا على حياة الأخرين، واتخاذه كنعوان لفلم، يحيل المشاهد المقارنة والسؤال على من هو الطفيلي في مجتمع رأسمالي، هل الذي يعيش ضمن الطبقات المهمشة، الذي يحاول ان يرتقي بمستوى حياته الى واقع أفضل، ولو تم ذلك بطرق غير شرعية هروبا من شظف العيش، أم هو البرجوازي الذي يهنأ بكل ما يمكن ان يوفره المال له، ولم يكن لذلك أن يتحقق له لولا وجود تلك الطبقة المهمشة والمسحوقة في المجتمع، أنه عنوان أشكالي، قد يترك لك في نهاية الفلم تحديد من هو الطفيلي.

الحكاية
عائلة من أربعة أفراد أب وزوجة وأبن وبنت، يعيشون في قبو يطل شباكه على أسفل الشارع، غالبا ما يتبول السكارى على ذلك الشباك، رائحة نتنة تعودوها، حيث لا نافذة للقبو غير تلك النافذة التي يضطرون لغلقها دائما بسب السكارى، يعمل الجميع في تصنيع علب البيتزا لحاسب احد الشركات التي دائما ما توبخهم على رداءة تلك العلب، رغم ذلك نجد جو من المرح وروح الفكاهة تسود العائلة، هي سخرية مرة من الواقع الذي يعيشون، وبمجرد حصولهم على مبلغ جيد يسارعون للاحتفال.

في زيارة لأحد أصدقاء الابن، وهو مزور ونصاب محترف يقتع الابن على تزوير شهادته للدخول الى الجامعة، ومن ثم يعرض عليه العمل مدرسا لأبنة احد الأغنياء، لتبدأ حكاية استثمار العائلة لقدرتها على التزوير والكذب حتى تسيطر في ما بعد ووفق دسائس تبدأ من الابن ومن ثم البنت التي تعلم كمدرسة فنون لأبن العائلة الذي يعاني من مشاكل نفسية، والتي تعمل هي الأخرى بتلفيق تهمة لسائق العائلة بوضع لباسها الداخلي تحت مقعد السيارة فيطرده رب العمل الغني، وليعمل والدها سائقا بدلا عنه ، مدعيا انه امضى عشرات السنين في مهنة السياقة، ليقوم الأخير بإقناع ربة المنزل الثرية بان مدبرة المنزل مصابة بالسل، فتقوم بطردها ، لتشتغل الأم بدلا عنها، كل ذلك تم بدسائس دون معرفة العائلة الغنية بصلة القرابة بين العاملين الجدد عندهم .

الذروة تحدث عندما تقرر العائلة برحلة للتخييم خارج المنزل، فيستغل الجميع الوقت لقضاء سهرة صاخبة، في صالة المنزل الكبيرة، متناولين الكثير من لمشروبات الكحولية والطعام الموجود في المنزل، لكن وخارج توقعاتهم تطرق مدبرة المنزل السابقة الباب، طالبة دخولها الى قبو المنزل كونها نسيت شيء مهم، لنكتشف ان هناك باب سرداب خفي داخل القبو لا تعرف العائلة الغنية بأمره، لأن مالك المنزل السابق لم يخبرهم به، والذي كان قد بناه خوفا من هجوم نووي من الجارة الكورية الجنوبية، والمدبرة القديمة لم تكن تبحث عن شيء غرض نسيته بل كانت تخبئ زوجها الهارب من الدائنين الذين قد يتسببون في سجنه فيما لو القي القبض عليه.

يتصاعد الفعل الدرامي والأزمات من خلال الصراع بين العائلة العاملة وبين مدبرة المنزل القديمة التي تكتشف حقيقة هذه العائلة وما دبروه لها ولغيرها من العاملين سابقا، الصراع ينتهي مؤقتا بتكبيل الزوج المختبئ ، وقتل زوجته.

وسط حيرة الجميع فيما سيفعلونه بعد تلقي الأم لمكالمة من العائلة المالكة تخبرها بانهم سيعودن بعد دقائق بسبب فيض المطر الذي يهطل، ينجح بقية افراد العائلة في الخروج من المنزل بعد معاناة من الاختباء المذل، وحين يصلون الى القبو الذي يسكنون، يجدون ان جميع المنازل هناك قد غمرتها مياه الصرف الصحي بسبب الامطار الغزيرة، فيخرجون مع بقية السكان الذين يعيشون بذات المستوى الى ساحات إيواء مثل تلك التي تنشأ في الأزمات.

تقرر العائلة الغنية عمل عيد ميلاد لابنها في حديقة المنزل، وتتكفل مدبرة المنزل «الأم» وسائق العائلة « الأب» بالتحضير، بينما يدعى الابن والبنت كضيوف شرف باعتبارهم مدرسين لأبناء العائلة، ليقع الحدث الأهم بضرب زوج المدبرة القديمة للأبن بصخرة على رأسه ، تلك الصخرة التي اهدها صديق الابن الى العائلة كصخرة حظ ،وخروجه من القبو حاملا سكينا كبيرة، ليطعن بها البنت المدرسة، التي كانت تحمل كعكة الميلاد، ليشتبك مع الام مدبرة المنزل التي تنجح في قتله، ويحاول الرجل الثري وسط هذا العنف ان ينقل ابنه الى المستشفى الذي اغمي عليه بعد مشاهدته للرجل الذي قام بهذا الفعل ، والذي كان يعتقد سابقا انه شبحا بعد ان شاهده في احد مرات خروجه من القبو، والذي تسبب بأزمته النفسية، واثناء محاولته اخذ مفاتيح سيارته من الاب « السائق» يقع المفتاح تحت جثة الرجل المتخفي، وحين يأخذه من تحت الجثة، يسد انفه متضايقا من رائحة الرجل، الأمر الذي يدفع بالأب « السائق» الى طعنه وقتله ، نتيجة تراكم الحيف نتيجة تأفف العائلة الغنية من رائحة عائلته دائما، وليهرب ويختفي في ذات القبو الذي لا يعرف مكانه ، وليبعث يعد فترة طويلة برسالة الى ابنه بواسطة «شفرة» موريس من خلال المصباح الخارجي، يعلمه بوجوده.

تأويل النص المرئي

الفلم يحتمل الكثير من التأويل لنصه المرئي، تأويل للصورة وللحوار، فبدءا من نافذة العائلة الفقرة في ذلك القبو التي يتبول عليها السكارى، الى نافذة العائلة الغنية الواسعة والتي تحتل مكان جدار كامل وتطل على الحديقة الجميلة، يعمد يونغ جون هو، الى المقارنة والاشارة الى الفارق الطبقي بين المجتمعات التي تعيش في هذا البلد، ناس تعيش في اقبية، تخرج منها كالصراصير، ففي مشهد فيضان القبو يخرج الجميع مثل الصراصير ، تغطيهم مياه الصرف الصحي القذرة ، بينما يستمتع الاغنياء بنوافذهم التي تطل على حدائق واسعة مستمتعين بمنظر المطر، ممارسين الجنس على وقع زخاته.

العوائل الفقيرة التي لا تستطيع ان تستبدل او تنوع الصابون الذي تغتسل به، تكون رائحة افرادها متشابهة، وقد تكون رائحة الساكنين في الاحياء الفقيرة متشابهة أيضا، هذا ما أكتشفه طفل العائلة الغنية المدلل، حين يقول لأمه ان رائحتهم متشابه، السائق، مدبرة المنزل، المدرس، المدرسة، هذه الرائحة ، والتأفف الدائم منها ، كانت السبب في قتل الرجل الغني من قبل اللاب « السائق في النهاية.

ربما يكون السؤال الأهم الذي يطرحه الفلم ، هل يؤدي العوز والفقر الى ان يكون المرء طفيليا، مزورا، يعتدي على أملاك الغير ، وهي التهمة التي واجهت الام والابن في المحكمة والتي حكمت عليهم بالإفراج الشرطي؟

الاشتغال
خلال 132 دقيقة وهي مدة الفلم، لم يدخر المخرج بونج جون هو جهدا في الحفاظ على تصاعد الخط الدرامي، دون ترك ثغرة ما قد تبعث الملل، متخذا أحيانا من الكوميديا سبيلا الى ذلك، مظهرا في ذات الوقت حسن إدارة لكادر عمله، وقد يكون تعاونه مع في كتابة السيناريو عاملا فاعلا في ذلك.

ربما يكون مشهد الوليمة التي أقامتها عائلة الأب وأولاده في المنزل بعد غياب عائلة المالكة، غير مبرر وغير مقنع في ذات الوقت ، بعد ان عرفنا الذكاء الذي يتمتع به أفرادها خصوصا البن والبنت، وسيطرتهم على ربة المنزل وأقناعها بإمكانياتهم في التدريس.

كاميرا هونج كيون بيو، استطاعت ان تلاحق الحدث برشاقة واضحة، خصوصا في مشاهد فيضان مهرجان الصرف الصحي نتيجة الامطار الغزيرة التي هبطت، في حين كان أداء الممثلين، سونج كانج هو، لي سون كيون، تشو يو جيونج، تشوي ووشيك، بارك سو دام، لي جونج غيون، متفاوتا ربما بسبب أهمية الدور المناط بكل منهم.

أخيرا وبعد المشهد الختامي، ولجوء الاب الى ذات القبو الذي دمر مخططاتهم للسيطرة على بيت السيدة الثرية، هل سيعيش كما الرجل السابق المختبئ فيه ، مثل صرصار او جرذ يخرج ليأكل حين يعم البيت الهدوء، بعد خروج مالكيه الألمان الجدد الى العمل ، أم هل سيتحقق حلم الابن، في العمل الجاد ليتمكن من شراء البيت، حتى يتمكن الاب من استرداد حريته.

ويبقى السؤال الذي يدور في ذهن المشاهد الذي يبحث عن التأويل، من هو الطفيلي؟

 

الصباح العراقية في

03.12.2019

 
 
 
 
 

فيلم طفيلي: الأغنياء والفقراء في المجتمع الكوري

كتب بواسطة:ضحى صلاح

 

لا شك أن كوريا الجنوبية دولة متقدمة، يعيش معظم سكانها في رفاهية، حتى إن كانت زائفة للبعض، لكن مما لا شك فيه أيضًا أن العديد من الأشخاص هناك يعانون ويكافحون من أجل توفير احتياجاتهم للأساسية، خصوصًا كبار السن الذين يعيش أكثر من نصفهم حالة شديدة من الفقر.

بالطبع يوجد في كوريا الجنوبية نظام رعاية اجتماعية واسع النطاق يشمل المعاشات والتأمين الصحي وتأمين ضد الحوادث وضد البطالة أيضًا، وتوفر الحكومة كذلك لأصحاب الدخل المنخفض مساعدات عامة على غرار تعويض نقدي متعلق بالصحة ودعم مادي لتعليم الأطفال، لكن التغييرات السياسية تؤثر سلبًا على تلك الأموال التي تكون من حق الفقراء.

أحد أهم مشكلات كوريا الجنوبية أن عددًا كبيرًا من كبار السن فقراء، وذلك لأنهم أنفقوا كل ما يملكون على أولادهم، سواء من أجل تعليمهم أم نقلهم لمسكن أفضل كأن يظلوا هم في الريف ويدفعونهم للانتقال إلى العاصمة "سيول"، لكن من يذهب إلى هناك ترهقه الحياة الباهظة، لذلك نادرًا ما يعود أحد أولئك الأطفال من أجل ذويهم من جديد.

أيضًا هناك مشكلة كبيرة في كوريا الجنوبية وهي أن نسبة كبيرة من المجتمع تقترض أموالًا من أجل إرسال أولادهم للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضًا كما ذكرت سابقًا نسبة كبيرة منهم ينطلقون للحياة ويمتصون كل أموال عائلاتهم وهم يمرحون في الخارج.

بعد سن الستين يُلزم كل شخص في كوريا الجنوبية بالتقاعد، لذلك المعاشات التي توفرها لهم الدولة لا تكون كافية لإعالتهم، وقد أنفقوا كل مدخراتهم من أجل أولادهم.

النظرة الدونية للفقراء في المجتمع

ليس المجتمع الكوري وحده الذي ينظر بدونية إلى الطبقة الفقيرة، فكثير من المجتمعات تتشارك معه هذه الصفة، لكن الكوريين يركزون دائمًا في أعمالهم السينمائية أو التليفزيونية على تفاوت الطبقات، وكيفية معاملة الأغنياء للفقراء مما يجعل كل عائلة غنية في كوريا الجنوبية مجرد حفنة من الأوغاد الذين يتنمرون على الآخرين ويلقون أكواب المياه في وجوههم أو يسلمونهم ظرفًا مليئًا بالأموال بشكل مهين فقط من أجل الاختفاء من حياة ابنهم أو ابنتهم، لكن هذا لم يحدث في فيلم "باراسيت" Parasite أو "طفيلي".

طفيلي

يحكي الفيلم عن عائلتين تشبهان بعضهما البعض، كل عائلة منهما متماثلة، لكن كل عائلة تعيش حياة مختلفة، فالعائلة الغنية تعيش في ترف وأخرى فقيرة تقتات على طي علب البيتزا، وتعيش تلك العائلة في قبو مقرف مليء بالحشرات والطفيليات.

يتغير كل شيء عندما يعرض صديق لابن تلك العائلة الفقيرة وظيفة معلم لغة إنجليزية لدى ابنة العائلة الغنية، يقبل الفتى الوظيفة ويدعي أنه خريج إحدى الجامعات المرموقة ويتمكن شيئًا فشيئًا من جعل عائلته جميعها تُوَظَّف في البيت نفسه، طاردًا بعض الموظفين من ذلك المنزل عن طريق الخديعة.

فوالده يعمل سائقًا للعائلة وأمه تعمل خادمةً، بينما أخته تدعي أنها تعالج الأمراض النفسية عن طريق الرسم أو شيء من هذا القبيل.

نحن منذ البداية لا نتعاطف مع تلك العائلة الفقيرة، بل مع العائلة الغنية الساذجة التي سمحت لحفنة من المتطفلين باستغفالهم وسرقة أموالهم والضحك عليهم

لم تكن تلك العائلة الكورية مثل ما نراه في الأفلام عادة لدى الكوريين، فنحن منذ البداية لا نتعاطف مع تلك العائلة الفقيرة، بل مع العائلة الغنية الساذجة التي سمحت لحفنة من المتطفلين باستغفالهم وسرقة أموالهم والضحك عليهم.

لا يكتفي رب الأسرة الفقيرة بكونه يعيش عالة على تلك العائلة، وأنه لم يكن يحلم من الأساس بأن توظف عائلته بأكملها، بل يشعر بالإساءة الشديدة عندما يستمع خلسة إلى رب عمله يخبر زوجته أن رائحة سائقه مزعجة وتشبه الفجل، ويبدأ في حمل الضغينة داخله، مما يجعل الأمر ينتهي نهاية غير متوقعة، وقد حصل الفيلم على جائزة السعفة الذهبية بمهرجان "كان" عام 2019.

لا مكان لكبار السن في كوريا الجنوبية

في كوريا الجنوبية إذا كنت كبيرًا في السن ولم تكن غنيًّا فعلى الأرجح سينتهى بك لمطاف ميتًا من الجوع أو منتحرًا أو مشردًا، فبعد تخلي الأجيال الشابة شيئًا فشيئًا عن التقاليد الكونفوشيوسية المتمثلة في رعاية كبار السن، بينما تكافح الحكومة مع ركود الاقتصاد، فإن أعدادًا كبيرةً من كبار السن في كوريا الجنوبية يقتلون أنفسهم.

هذا الأمر كان متوقعًا، فقد أصبح هيكل الأسرة الكورية أصغر، كما أصبح المجتمع أكثر فردية، وبات الاعتقاد السائد أن الاعتناء بكبار السن مسؤولية الدولة لا الأبناء، ومما يزيد الطين بلة كون بعض الشركات تُجبر الموظفين على التقاعد من سن الخمسين رغم أن سن التقاعد القانوني هو 60 عامًا!

وهو الأمر الذي عكسه فيلم "طفيلي" بشكل ما في حالة الأب والأم من الأسرة الفقيرة الذين حلّا محل السائق والخادمة، فالخادمة على سبيل المثال تعمل في هذا المنزل منذ الأزل، وما إن تركت وظيفتها لم تستطع إيجاد وظيفة أخرى، بينما السائق كان شابًا لكنه أيضًا سيواجه صعوبة في إيجاد وظيفة جديدة.

لا يوجد حل سهل للأمر، فليس الكبار فقط من يعانون في كوريا الجنوبية بل الشباب أيضًا الذين لا يستطيعون العثور على عمل، فمعدل البطالة في كوريا الجنوبية أعلى بنحو 8% من المعدل الوطني، لذلك فالأزمة مستمرة، وفي ظل تلك الأزمة كل شخص يحاول النجاة بطريقته.

 

نون بوست في

04.12.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004