كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

دردشة مع نجوم فيلم "الأيرلندي":

من تأثير الكلاسيكيات إلى مخاطر ترمب

جاكوب ستولورثي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثانية والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

نجوم فيلم سكورسيزي الملحمي الجديد عن المافيا يتحدثون إلى جاكوب ستولورثي عن تقنية إزالة علامات التقدم في السن، وعن معركة محتملة في السباق على الأوسكار، والشائعات عن جزء بادئة لفيلم "حرارة"، بالإضافة إلى استنكار دي نيرو للرئيس الأميركي

قبل ساعات من بدء جلسة التصوير التي ستجمع ستيفن غراهام لأول مرة مع روبرت دي نيرو وآل باتشينو ضمن فيلم "الأيرلندي" للمخرج مارتن سكورسيزي، اتصل بزوجته هاتفياً لإجراء مكالمة تشد من أزره.

الممثل البريطاني الذي كان آخر ظهور له في السلسلة الدرامية القصيرة "المناقب" الذي عرضته القناة الرابعة البريطانية، ولكنه من أقدم المتعاونين مع سكورسيزي من خلال فيلم "عصابات نيويورك" ومسلسل"إمبراطورية الممرات" قال: "اتصلت بزوجتي وأخبرتها "لا أعرف إذا كان بإمكاني القيام بذلك، لقد تلاشت شجاعتي" ... لكنها قالت "اسكت وأصغ إلي: لقد حصلت بمجهودك على الحق في أن تكون هناك وأنت عليم بما تفعل. بالإضافة إلى ذلك، لقد طلب منك مارتن سكورسيزي المشاركة للمرة الثالثة، وبالتالي لا بد أنه وجد شيئاً فيك." لكن الأمور خرجت عن سيطرتي".

من السهل أن نفهم السبب. إن فيلم "الأيرلندي" الذي تقوم نيتفلكس بتوزيعه هو نوع خاص من الأفلام، يجمع بين دي نيرو وباتشينو لأول مرة تحت إدارة سكورسيزي. لقد مثّلا سوية من قبل بالطبع، في  فيلم دراما الجريمة الملحمي "حرارة" الذي أخرجه مايكل مان، وكان لهما حضور مشترك في الجزء الثاني من فيلم "العراب"، لكن في أطر زمنية مختلفة من القصة. يعتبر "الأيرلندي"  التعاون التاسع بين دي نيرو وسكورسيزي، لكنه الأول بالنسبة لـباتشينو. كما أن جاذبية المخرج أغرت أيضاً الممثل المذهل جو بيشي بالخروج من شبه التقاعد الذي كان يعيشه في العقد الأخير. حتى أن مشاركة هارفي كيتل كانت لسبب مُجْدٍ. لكن تقاسم البطولة مع هؤلاء الممثلين وتحت إدارة هذا المخرج لم تكن تجربة سهلة التصديق بالنسبة إلى غراهام، الذي وُلد في نفس العام الذي شهد أول تعاون بين سكورسيزي و دي نيرو (وكان ذلك في فيلم ’شوراع متوسطة’ عام 1973).

وبلا شك، ما زاد في هذا الشعور هو الاحتمال الذي كان بادياً بأن فيلم "الأيرلندي" لن يكون أكثر من مشروع سينمائي آخر محكوم عليه بالفشل. في الواقع، لم يكن هذا الفيلم ليشهد النور لولا ظهور البث التدفقي. في عام 2013، تمكن سكورسيزي من حصد مبلغ 392 مليون دولار مع فيلم "ذئب وول ستريت"، لكن بعد ثلاث سنوات، أثبت أنه لم يكن معصوماً في شباك التذاكر من خلال فيلم الدراما التاريخية "صمت" الذي فشل حتى في تعويض نصف ميزانيته البالغة 50 مليون دولار. وانسحبت شركة باراماونت بيكتشرز، التي كانت مترددة في المجازفة بأموالها فيما بات يعتبره رؤساؤها مقامرة الآن، وانقضّت نيتفلكس التي كانت ترى هدفاً محققاً.

وفي نهاية المطاف ستصل تكلفة فيلم "الأيرلندي" إلى 160 مليون دولار - أي ثلاثة أضعاف تكلفة "صمت".

المذهل في الأمر، أن رحلة الفيلم نحو الشاشة قد بدأت منذ أكثر من عقد من الزمن. فضمن التحضيرات، قام دي نيرو، الذي وقّع على لعب دور قاتل محترف في معالجة يقدمها سكورسيزي لرواية دون وينسلو "شتاء فرانكي ماشين" الصادرة عام 2006، بقراءة كتاب "سمعتُ أنك تطلي المنازل" لتشارلز برانت - الذي تم نشره قبل ذلك بعامين.

ما اكتشفه هو دراما عصابات مع انعطافة هوسية في حبكتها: تشمل اعترافاً حقيقياً على ما يبدو أدلى به مسؤول سابق في اتحاد سائقي الشاحنات في ديلاوير إلى الكاتب برانت و مجرماً عنيفاً مداناً هو فرانك شيران الأيرلندي. لقد ادعى أنه كان قاتلاً محترفاً في المافيا، ومسؤولاً بنفسه عن بعض أشهر اغتيالات العصابات في التاريخ الأميركي، ومشاركاً بشكل غير مباشر في الأحداث التاريخية الأخرى - مثل تسليم البنادق لاستخدامها في الغزو الأميركي الفاشل لكوبا وربما السلاح الذي استُخدم لقتل الرئيس جون إف كينيدي.

يروي سكورسيزي قصة شيران بأسلوب الفلاش باك، حيث يعترف بالجرائم التي ارتكبها أمام الرئيس السابق لاتحاد سائقي الشاحنات جيمي هوفا (يقوم بدوره آل باتشينو)، ولعراب المافيا راسيل بوفالينو (بيشي)، بينما يستعرض ماضيه في دار لرعاية المسنين. يذكّرنا هذا بشخصية هنري هيل التي لعبها راي ليوتا وهو يروي حكاية فيلم "أصدقاء طيبون" عندما كان على فراش الموت.

يقول دي نيرو: "احتجت لقراءة الكتاب بغرض البحث، وبعد حوالي أسبوع أو أسبوعين، قلت لمارتن:  "يجب أن تقرأه"، ووافقني بأن هذه هي القصة التي يجب أن نصنعها. بسذاجة، وعلى الرغم من أننا كنا نعرف حقاً أن تحقيق الأمر غير ممكن، اعتقدنا أنه يمكننا خلط الإثنين بطريقة ما. حاولنا إقناع باراماونت، لكنهما كانا ببساطة كيانين مختلفين. ثم، دخل ستيف زيليان على الخط [لكتابة السيناريو]، وكان علينا أن ننتظر حتى ينتهي مارتن من فيلم "هوغو"، ومن ثم "صمت" ".

لقد مرت السنون، وكانت واحدة تلو الأخرى تعزز مشكلة صارخة: الممثلون يتقدمون في السن. كان سكورسيزي مصمماً منذ البداية على أن نجومه يجب أن يكونوا قادرين على لعب شخصياتهم في كل مرحلة من مراحل حيواتهم (وتمتد القصة على مدى أربعة عقود) وكان لديه شعور بأن تقنية إزالة علامات الشيخوخة المطلوبة لتفي العمل حقه كانت قاب قوسين أو أدنى. ربما كانت العملية تجربة جديدة للممثلين - رغم أنهم لم يتحدثوا بصراحة ضد ازدراء سكورسيزي لأفلام مارفل، لكنهم لم يقوموا ببطولة أحدها حتى الآن - ولكن تقنية "اٍستعادة الشباب" لقيت بالتأكيد استحسان آل باتشينو.

وعندما سُئل عما إذا كانت العملية صعبة، أجاب :" إنها لا تروق لي .. إنها غريبة، لأنك عندما تقوم بعمل فيلم، لُبّ الأمر هو أنك تتقبل كل ما يحدث. ستفعل أي شيء من أجل سياق الفيلم، سواء كان عليك ارتداء غطاء محرك سيارة أو أي شيء آخر. تم وضع بعض النقاط علينا، التي اعتدتُ عليها بعد مضي بعض الوقت. وأصبح وضعها شكلاً من أشكال التحضير. لقد كان هذا مكياجي". أما دي نيرو فيصف العملية بأنها "غير معقدة"، مضيفاً: "قالوا لي "كن نفسك، ومثل بأسلوبك وسنقوم بتصغير سنك". لم يكن علينا فعل أي شيء".

أسأل ما إذا كان ممكناً أن يفكر الثنائي في تأجيل مشاركتهما في النسخة الأدبية لحكاية بادئة لفيلم "حرارة" والتي يقوم المخرج مايكل مان بكتابتها حالياً.  (حيث لعب باتشينو دور الشرطي  القاسي فنسنت هانا، بينما كان دي نيرو العقل المدبر المجرم نيل مكولي في الفيلم الذي صدر عام 1995).

يقول دي نيرو: "لا يمكنك أن تكون متأكداً أبداً". أما باتشينو، الذي سيبلغ من العمر 80 عاماً في أبريل (نيسان) المقبل - فهو متحمس بشكل خاص للفكرة: "هل تعني أنه من الممكن أن نصبح أصغر سناً في المستقبل؟ بالتأكيد سأقوم بهذا".

بالنسبة لكثيرين، فإن فيلم "الأيرلندي" هو عودة سكورسيزي إلى ملعبه الذي يتألق فيه: ملحمة العصابات. إنه فيلم يبدو أن الزمن فقط يفصله عن الأعمال التي باتت من كلاسيكيات هذا النمط والتي قدمها في حقبة التسعينيات مثل فيلم "أصدقاء طيبون" (في عام 1990) وفيلم "كازينو" (1995).  في تقييم الإندبندنت الذي منح الفيلم خمس نجوم، وصفته الناقدة كلاريس لوغري بأنه "عودة العصر الذهبي للمخرج" - ومع ذلك، فإن النتيجة هي عمل كان بإمكان سكورسيزي ودي نيرو وباتشينو أن ينجزوه في هذه المرحلة من حياتهم بالتحديد. لا يدور فيلم "الأيرلندي" حول تقلبات الصداقة فقط - إنه تأمل في الشيخوخة والموت يبقى أثره في المُشاهد لفترة طويلة بعد استعراض الأسماء في نهاية الفيلم. أتساءل عما إذا كان دي نيرو، البالغ من العمر 76 عاماً، فكر في موته أثناء تصوير المشاهد التي يلعب فيها السنوات الأخيرة من حياة شيران، نزيل في دار لرعاية المسنين وقعيد كرسي متحرك؟ فيجيب: "كيف يمكنني ألا أفكر في الأمر؟ أي شخص لديه أي درجة من إدراك نفسه ووضعه سيقوم بذلك".

قد يكون هذا الموضوع الكئيب هو الذي يفصل "الأيرلندي" عن الأفلام الكلاسيكية في الماضي، مثل أفلام باتشينو "العراب"(1972) و سيربيكو (1973) و "عصر يوم قائظ" (1975). يعترف الممثل بمشاهدة الإصدارات الأخيرة ومعاناته في رؤية أي تأثير متبق لهذه الأفلام. على كل حال، يشعر دي نيرو أن التشابه يأتي من تصويره للعنف - وهو أمر يعتقد أنه محزن للغاية بسبب الرئيس الأميركي، حيث يعتقد أنه يقود أميركا نحو الحرب. في الماضي، كان الممثل صريحاً للغاية حول كرهه لدونالد ترمب واليوم، لا يبخل علينا بآرائه في هذه الناحية.

يقول دي نيرو: "يهتم ترمب بشيء واحد فقط: إنه يريد أن يكون الرئيس... سيكون هو الرئيس بغض النظر عما يتطلبه الأمر. إذا فاز في الانتخابات المقبلة، فمن المؤكد أن فرصة السماح له بإقحامنا في حرب ستكون أكبر، وإذا كنتَ رئيساَ في حالة حرب، فمن المرجح أنك ستبقى لولاية رئاسية ثالثة.  تخيله في ولاية ثالثة."

يتابع دي نيرو: "أنا معتاد جداً على رؤية الناس من أنماط مختلفة ومن مدن ومجتمعات مختلفة يعيشون معاً. هذا هو الأمر الطبيعي. عندما يبدأ الناس في الانقسام والإشارة إلى الاختلافات وكأن هناك عيباً فيهم -  مستنتجين أنه يجب عليه القيام بشيء حيال ذلك - فهذا هو الخطر".

يحافظ باتشينو على صمته فيما يتعلق بالسياسة، مفسحاً المجال لخطبة زميله النجم بالاستمرار.  ما عدا ذلك، فهو الأكثر حيوية بين الإثنين، حيث يتجاوز الأسئلة المتعلقة بالماضي ويأخذ وقته لتقديم إجابات متفكرة، سواء كان الحديث عن السبعينيات (يقول: "لا أتذكرها لعدة أسباب") أو عن العمل مع غراهام بطل فيلم "هذه إنكلترا"، الذي يلعب دور فرد في أسرة المافيا الجَنَويّة أنتوني بروفنزانو-  المعروف اختصاراً "توني برو". من الواضح أن باتشينو شخص لا يحب نسيان ذكريات الماضي. يقول إن الجولة الصحافية المصاحبة لفيلم "الأيرلندي" جعلته يشعر بالحنين إلى علاقته المهنية - وصداقته في الواقع - مع دي نيرو.

يقول: "لست متأكداً مما إذا كان الناس يعرفون ذلك، لكنني التقيت بـ روبرت عندما كنا ممثلين شابين في الستينيات، وخلال تلك السنوات، تعرفنا على بعضنا البعض جيداً. في أوقات معينة من حياتنا، كانت الأمور تحدث بطريقة غير متوقعة نسبياً، لذلك وجدنا أنفسنا نقترب من بعضنا ونتشاركها. لقد وجدنا بعض الراحة في ذلك". إنه لا يسهب في هذه النقطة.

ما هو شعوره تجاه معركة محتملة للتنافس على الأوسكار في حفل جوائز عام 2020؟

يقول صارخاً بينما تشق الهواءَ ضحكةُ باتشينو التي لا يمكن أن تخطئها: "فئة مختلفة!... سيساعدنا هذا في المسابقة". (على الرغم من تقاسمهما 15 ترشيحاً بالمجمل - بما في ذلك ثلاثة انتصارات - لم يتم ترشيح الثنائي مطلقاً للجائزة ذاتها).

على كل، سيكون تقديراً جميلاً للغاية بالنسبة لغراهام إلى جانب هؤلاء الممثلين الذين ألهموه. مشهده البارز الذي يشهد دخول شخصية بروفينزانو التي يؤديها في مشادة كلامية مع هوفا المضطرب الذي يقوم بدوره باتشينو بعدما حضر إلى اجتماع متأخراً 15 دقيقة.  يزأر هوفا في وجه بروفنزانو الذي يجسده غراهام: "لم أنتظر في حياتي أبداً أي شخص تأخر أكثر من 10 دقائق"، فيجيبه غراهام: "لو كنت في مكانك سأقول 15 دقيقة- عليك أن تأخذ حركة المرور في الاعتبار". لكن هوفا يرد مهاجماً: هذا ما أفعله الآن ... أنا آخذ حركة المرور في الحسبان - ولهذا السبب إنها 10 دقائق". كان أغلب هذا التفاعل مُرتجلاً، والذي يبدو مثل نسخة دارما العصابات من المسلسل الكوميدي "اكبح حماسك".

يتذكر غراهام: "أفكر بيني وبين نفسي دائماً قائلاً: "أنا في مشهد مع روبرت دي نيرو، لكنه لم يقل كلمة واحدة ... في مرحلة ما، قلت [موجهاً الكلام إلى دي نيرو وهمي] "ما رأيك؟" فيجيبني: "ما رأيك باثنتي عشرة دقيقة ونصف؟" -  وهذا أفضل حوار! كنت أضحك كثيراً في داخلي".

يقول إن الخوف الذي انتابه تجاه العمل مع أشخاص هم نجوم الشاشة بالنسبة له قد تلاشى بعدما أتقن هذا المشهد بالتحديد.

ويتابع: "لقد عملت مع أغبياء غريبين، الأمر الذي يزيد من صعوبة الوضع، ولكن بالمقارنة مع ضخامة ورمزية شخصيات مثل باتشينو ودي نيرو، فإن الرجلين اللذين عرفتهما لم يكونا مغرورَين."

يعرض فيلم "الأيرلندي" حالياً في دور السينما في المملكة المتحدة وسيكون متاحاً المشاهدة على خدمة نيتفلكس اعتباراً من 27 نوفمبر (تشرين الثاني).

صحافي @Jacob_Stol 

 

الـ The Independent  في

28.11.2019

 
 
 
 
 

باس ديفوس في "شبح مدار"..أوديسة ليلية دافئة في بروكسل

محمد صبحي

انطلق اسم البلجيكي باس ديفوس (1983) إلى الساحة السينمائية الدولية في العام 2014، بعد حصده الجائزة الكبرى لقسم "جينيرايشن" في مهرجان برلين السينمائي، بفيلمه "فيوليت" الذي يقدّم مرثية أنيقة، يرويها شاب شهد مقتل صديقه في سطو مسلح على مركز تجاري في بروكسل. بدعم من المصور نيكولاس كاراكتسانيس، قدّم ديفوس فيلماً محكماً ومُغرِقاً، وعبر اعتماده اللقطة المتسلسلة، ترك مُشاهِده للاستغراق في لحظات ساحقة الجمال تترافق بملاءمة متينة مع الدراسة السيكولوجية التي يقدّمها لأحد سكّان "مطهر دنيوي" بلجيكي يتعيّن عليه اختبار الخسارة والفقد. رسمُ هذه الشخصية الشبحية، في انتقالها عبر مساحات وفضاءات حميمية توقظ ذكرى ما فُقد للأبد، دشّن أولى لبنات فيلموغرافيا هذا المخرج البلجيكي الشاب، الذي انتظر خمس سنوات للعودة مرة أخرى بفيلم تالٍ. وكانت العودة مزدوجة.

في فيلمه الأول لهذا العام، "جحيم Hellhole"، المعروض في مهرجان برلين السينمائي مطلع العام، يعود ديفوس مرة أخرى إلى بروكسل (التي تعمل تقريباً كمشهد حضري يتمثّل فيه دافوس كل مدينة أوروبية كبيرة) وندوبها في أعقاب الهجمات الإرهابية العام 2016، ليطلعنا على منظور فريد لتجربة العيش في حيّ مولينبيك، حيث المجتمع العربي الأكبر في بلجيكا.

فيلمه الثاني لعام 2019، " شبح مدار Ghost Tropic"(*)، الذي انتهى منه قبل ساعات قليلة من عرضه الأول في قسم "أسبوعي المخرجين" في مهرجان "كان" السينمائي، في أيار/مايو الماضي، يمكن اعتباره النقيض الإيجابي لـ"جحيم": أكثر انفتاحاً وتفاؤلاً، ينظم "سيمفونية مدينة" دافئة في بروكسل مضاءة بطريقة سحرية، عبر أوديسة ليلية تظهر جانباً إنسانياً من العاصمة، التي عانت تضرُّر صورتها إعلامياً نتيجة ظروف التفجيرات الانتحارية واعتياد سكانها على دوريات الشرطة المتكررة.

ينفتح "شبح مدار" بلقطة تدوم خمس دقائق. نرى فيها غرفة صغيرة، يغمرها، تدريجياً، غروب الشمس، فيحرمها من الضوء. ثم ينطلق تعليق صوتي برسالة تمهّدنا لفيلم إنساني للغاية. فيلم، عبر تجواله في ظلام وبرد شوارع ضواحي بروكسل، يقدّم لنا ضوءاً دافئاً، مليئاً بالتعاطف والقُرب. بطلة هذه الرحلة الشاعرية، هي خديجة (سعدية بن طيّب): عاملة تنظيف، خمسينية، مسلمة محجّبة، من بلد غير محدد، تعيش في بروكسل منذ حوالي عقدين؛ تعود بعد يوم عمل طويل لتأخذ، كعادتها، المترو الأخير إلى بيتها الواقع بين مولينبيك وأندرلخت. خديجة متعبة للغاية، تحلم بوجودٍ أكثر متعة تختفي فيه الضوضاء القذرة المصاحبة لها يومياً. تغفو على كرسيها، لتصحو في المحطة الأخيرة. لا نقود في جيبها لسيارة أجرة. عالقة في الجانب الخاطئ من المدينة، تُجبر خديجة على العودة إلى بيتها، سيراً على الأقدام.

هذا كل شيء تقريباً في ثالث أفلام باس ديفوس، الفقير بصرياً بشكل متعمد، والمصوّر على شريط فيلمي 16 ملم. إنها فكرة بسيطة يمكن تصوّرها فيلماً لاسم بلجيكي آخر، هي الرائدة الراحلة شانتال أكرمان. على الرغم من أن معاملة أكرمان للموضوع كانت ستتعهّدها لمسة أكثر صرامة في بساطتها، خصوصاً في ما يتعلق بالموسيقى التصويرية، المعتمدة هنا على نغمات غيتار هادئة.

في رحلة العودة، تقابل خديجة تشكيلة من البشر، في مواجهات قصيرة، معظمها غير درامية عن عمد. ما يهم أكثر من استخلاق الدراما، هو ملامسة شعور المشي في تلك الشوارع المظلمة ذاتها، وعبور السيارات المارة، ونقاط الضوء في المدى. غالباً ما يكون التأثير مذهلاً، بالوضع في الاعتبار ما يمكن أن يؤول إليه المنتج الفني، في أيدي أقل مهارة وأكثر انتهازية، كمعرض لبورنوغرافيا البؤس ينسجم خطابه بغرابة مع الفقر البطولي واليأس الضمني. لكن لحسن الحظّ، ليس هذا "كفرناحوم" بلجيكياً. فمحطات رحلة خديجة، المسكونة بأشخاص مختلفين، يتعيّن عليها مساعدتهم أو الاعتماد عليهم، تضعها أمام طريق لاكتشاف حياتها، عجزها وطيبتها. إنها مواجهة مع ماضيها وحاضرها لا تتوقف عن الحدوث على طول الطريق.

أحد الجوانب اللافتة في الفيلم، استفادته من صعوبات إكماله وميزانيته المنخفضة في خروجه بصورة أعطته قوة سردية غير عادية، كأحد الإنجازات المرئية العظيمة لهذا العام. يملك تأثيراً مُنوِّماً مثل تهويدة، ومشهديات فاتنة الرقة تسكن وتطارد ناظريها. بطريقة مذهلة في تواضعه التقني واقتصاده الكلامي، يتمكَّن "شبح مدار" من قول الكثير حول الحياة والموت وحالة العالم المعولم. يفعل ذلك بدون أحكام أو خطابات سياسية فاقعة، إذ يصوِّر الكاتب والمخرج باس ديفوس رحلة بطلته كأوديسة مينمالية، حتى ليبدو فيلمه وكأنه ملحمة مضغوطة في ليلة واحدة. عبر مشهد مدني قاتم تتخلله لحظات من الإنسانية والضوء، يلتقط صور المجتمعات الحضرية في وحدتها (بفقرها البصري وتشوّش تفاصيلها)، بشكل يحيل فوراً إلى شانتال أكرمان. لكن عمل ديفوس مميز في توجهه ونبرته العاطفية.

هنا أيضاً، يقوم مدير التصوير غريم فاندكيرشوف بعمل مذهل ومثير للإعجاب، كعنصر أساسي في فيلم ينتقل من غنائيته البصرية ليعشّش، مع كل محطة، واقعاً سحرياً بقدر عرضيته. أخيراً، فالفيلم يكمل منظومته الإنسانية بواحدة من أفضل العناوين الختامية التي يمكن أن تراها في نهاية عرض سينمائي: شاشة سوداء فارغة، في أعلى الزاوية اليسرى تظهر عبارة "فيلم لـ"، ثم تمتلئ الشاشة بالأسماء تفصل بينها المسافات المعتادة، ثم تختفي تلك المسافات الفاصلة، واحدة بعد أخرى، لتتجاور أسماء جميع المشاركين في إنجاز الفيلم، في كتلة واحدة.

"شبح مدار" تحفة سينمائية غير ملتفت إليها، عمل دافئ وشجي ومذهل في بساطته العميقة، يؤكد على إتقان وخصوصية سينمائي لديه ما يؤهله ليكون صوتاً فريداً في السينما الأوروبية المعاصرة.

(*) عُرض مؤخراً في الدورة الـ41 لمهرجان القاهرة السينمائي.

 

المدن الإلكترونية في

27.11.2019

 
 
 
 
 

واكين فينيكس... لعنة الأدوار السايكودرامية

سلام أبو ناصر

في فيلمه الأخير "جوكر"، للمخرج تود فيليبس، قدّم لنا الممثل الأميركي، واكين فينيكس، شخصية مثيرة للجدل، واقعية مؤلمة وهشة، تكشف عن واقع مجتمعي افتراضي، انعكست أحداثه سلبًا وبشكل مخيف على مهرج مضطرب عقليًا يبحث وحيدًا عن ابتسامة ضالة تواسي شقاءه من على خشبة المسرح.

شخصية امتازت بالعمق الإنساني، مركبة سايكودرامية ولكنها غير مفاجئة، عبرت إلينا بثقلها وهمومها بتفانٍ وإتقان لافتين، إذ كادت تخفي عنا أدوارًا مركبة عمادها العامل النفسي قدمها فينيكس في معظم أفلامه السابقة، بدءًا من جيمي إيميت في "TO DIE FOR" عام 1995. شخصيات سينمائية انسلخ فيها فينيكس عن ذاته ليتغلغل كليًا فيها حد الانصهار؛ فنجح في استيلادها وتجسيدها ضمن نماذج سايكودرامية متنوعة حضنتها أفلام عدة، منها ما لم يلق أي صدىً يذكر، مثل "لا زلت هنا" وفيلم "العودة إلى الفردوس" و"المهاجر"، وأخرى حققت شهرة واسعة أشهرها فيلم "المصارع" عام 2000، للمخرج ريدلي سكوت، أدى فيه دور الملك كومودوس الجاحد المتسلط المحب للسلطة والديكتاتورية من جهة، والعاطفي العاشق لشقيقته والمتألم بنرجسيته وشكوكه من جهة أخرى، وقد منح إثر هذا الدور أول ترشيح له لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل مساعد.

ترشيحه الثاني للأوسكار في فيلم السيرة الذاتية "السير على الخط" للمخرج جيمس مانغولد عام 2006، حيث قدم فينيكس شخصية المغني الراحل جوني كاش، وهي واحدة من أجمل الشخصيات المضطربة نفسيًا وأقلها تعقيدًا، وجلبت له جائزة الغولدن غلوب لأفضل ممثل، بينما ذهبت جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة رئيسية لزميلته ريس ويذرسبون في الفيلم نفسه، ولكن يبقى أفضل أدواره وأكثرها غموضًا وصعوبة دوره في فيلم "المعلم" THE MASTER للمخرج بول أندرسون، صدر عام 2012، وترشح لثلاث جوائز أوسكار من ضمنها ترشح فينيكس (للمرة الثالثة) لجائزة أفضل ممثل.

في هذا الفيلم، تقترب شخصية فريدي كويل بشكل كبير من سمات الجوكر وتلتقي في عديد من الجوانب السيكولوجية والفيزيولوجية المتقاطعة بين الشخصيتين، أضرار نفسية فجة وشخصيتان متبددتان تتسمان باضطرابات عصابية وعيوب ذهنية (ضمن إطار درامي مختلف)، فضلاً عن الأداء الاحترافي الذي أفرد فيهما فينيكس أقصى قدراته، من حيث التقمص والإيحاءات الجسدية.

كثير من هذه الأدوار تم تقديمها بنماذج مختلفة من قبل بعض أشهر نجوم السينما العالمية، شخصية رايموند بايبت في فيلم "رجل المطر" للمخرج بيري ليفنسون، واحدة من أشهر الشخصيات المضطربة نفسيًا وعقليًا، التي قدمها الممثل داستن هوفمان ونال على إثرها جائزة الأوسكار كأفضل ممثل. رايموند رجل انطوائي، يعاني طيفاً من أطياف التوحّد، في المقابل هو شخص عبقري يملك قدرة خارقة في الحسابات الرياضية. شخصية مركبة جذابة بتعقيداتها استحق معها هوفمان جائزة الأوسكار في دور يقدمه للمرة الأولى.

نستذكر، أيضاً، شخصية هانيبال ليكتر التي أداها الممثل أنتوني هوبكنز، في فيلم "صمت الحملان" للمخرج جوناثان ديم، والتي نال على إثرها جائزة الأوسكار للمرة الأولى أيضًا. لن ننسى أيضًا الراحل هيث ليدجر الذي انتزع جائزة الأوسكار الوحيدة له بجدارة عن دوره في فيلم "بات مان: ذا دارك نايت"؛ فقدم لنا شخصية الجوكر بأجمل حلة لها منذ ظهورها في عالم الكوميكس.

هذه الأفلام لا تبدد مساعي فينيكس صاحب الشخصيات المعقدة شبه النموذجية في خطف جائزة الأوسكار لعام 2020 القادم، لكنها تفتح باب التساؤل حول أحقيته بها من جهة، لا سيما أن هناك شخصيات سايكودرامية أخرى لا تقل شأناً عن الأدوار التي قدمها فينيكس لم تستطع حصد الجائزة رغم ترشحها لها، وتخفف بالمقابل من سقف التكهنات التي تشير إلى حتمية نيله للجائزة المنتظرة، مثل شخصية سام التي قام بتأديتها الممثل شون بن في فيلم الكاتبة والمخرجة جيسي نيلسون "I AM SAM" وشخصية عالم الاقتصاد الأميركي جون ناش التي قدمها راسل كرو في فيلم "عقل جميل" للمخرج رون هاورد عام 2001.

ومن جهة أخرى تدعونا لمعرفة مدى خصوصية الأدوار التي ينتقيها، هل نوعيتها هي التي تستهوي فينيكس؟ أم هي مجرد لعنة من الماضي موسومة بشخصيته الحقيقية هيأتها ظروف نفسية لكي يجسد مثل هذه الأدوار؟ فوفاة شقيقه الأكبر ريفير فينيكس بجرعة مخدرات زائدة عام 1993 كان لها وقع كبير على حياة واكين؛ فشكلت وفاة أخيه صدمة عاطفية بالغة امتد أثرها على ما يبدو ليطاول الشخصيات السينمائية التي يختارها، ولعل التشوه الخلقي (فلح الشفة) الذي رافقه منذ الطفولة له أيضًا دور كبير في ذلك. بطبيعة الحال، حتى وإن كانت جميع الشخصيات المعقدة التي قدمها واكين فينيكس منتقاة لأسباب خاصة به أو بطبيعة الفيلم، لا تعطينا الحق في إنكار براعته في تقديم نماذج متنوعة وصادقة تستحق معها نيل جائزة الأوسكار.

 

العربي الجديد اللندنية في

28.11.2019

 
 
 
 
 

"الأيرلندي" يعكس نفاق سكورسيزي.. والمشاهد المتضرر الأول

العين الإخبارية - حليمة الشرباصي

مع طرح فيلم "الأيرلندي" ضمن عروض شبكة نتفليكس، عبَر عدد من المهتمين بصناعة السينما عن قلقهم من سيطرة نتفلكس على ساحة الأفلام الروائية.

ومن المتوقع أن يفوز فيلم The Irishman "الأيرلندي" بالعديد من الجوائز، لامتلاكه كل عوامل النجاح، من حبكة رائعة وأداء مميز لأبطاله، فضلا عن مشاركة مجموعة من ألمع نجوم هوليوود مثل آل باتشينو وروبرت دي نيرو تحت إشراف المخرج مارتن سكورسيزي.

كان من الطبيعي أن تسارع نتفليكس للمشاركة في عمل بهذه القيمة، فتقدمت بنحو 159 مليون دولار تكلفة إنتاج فيلم الجريمة والإثارة، الذي يستخدم فيه "سكورسيزي" تقنية تعديل السن رقميا، من خلال تغيير ملامح شخصياته الرئيسية لنسخ أصغر سنا، على مدار حقب زمنية مختلفة يجسدها في فيلمه الروائي الطويل، حسب موقع "وايرد" البريطاني.

لا جدال على أن فيلم "الأيرلندي" المأخوذ عن أحداث واقعية سيمثل تحفة فنية بكل المقاييس، الشيء المحزن هو أنه لن يتسنى لكثيرين رؤية هذه التحفة على الشاشة الفضية.

سمحت شبكة نتفليكس بعرض فيلم "الأيرلندي" في دور العرض المختلفة بشكل محدود، إذ عُرِض الفيلم في سينمات معدودة في بريطانيا.

فيما رفضت نتفليكس عرض الفيلم في كثير من دور العرض السينمائية العملاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، وألغت اتفاقها السابق الذي يتيح للسينمات عرض أفلامها 90 يوما بشكل حصري، لتقتصر المدة على 21 يوما فقط.

وافتتِح عرض "الأيرلندي" يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني، وأصبح متاحا للعرض على شبكة نتفليكس 28 نوفمبر/تشرين الثاني.

فيلم "الأيرلندي" مبني على حياة فرانك شيران (روبرت دي نيرو)، مسؤول رفيع المستوى بنقابة العمال متورط في أنشطة إجرامية.

استمد الفيلم الإلهام لأحداثه من كتاب "سمعت أنك تطلي المنازل" للكاتب تشارلز برانت الذي يحكي رحلة صعود "شيران" من مجرد عامل توصيل إلى قاتل مأجور عتيد الإجرام له صلة باختفاء زعيم المافيا ورئيس نقابة العمال جيمي هوفا (آل باتشينو) عام 1975.

تصدر "سكورسيزي" عناوين الأخبار مؤخرا خلال ترويجه لفيلم "الأيرلندي"، بسبب آرائه الجدلية تجاه أفلام الأبطال الخارقين، إذ صرح بأنه يرى أن أفلام مارفل أقرب لنزهة منها للسينما الحقيقية.

ثم عاد وفسر تصريحاته التي أساء البعض فهمها، موضحا أن مثل هذه الأفلام تقلل فرص المشاهد في رؤية أفلام أخرى غير تجارية، إذ أصبحت أفلام الأبطال الخارقين الخيار الأول لرواد السينما حول العالم، وهو ما يمثل مشكلة كبيرة لصناعة السينما.

بحسب الموقع، فإن موافقة "سكورسيزي" على عرض فيلم "الأيرلندي" على شبكة نتفليكس يضيف مشكلة جديدة لصناعة السينما، فوفقا لتصريحات "سكورسيزي" ذاته فإن صناع الأفلام لا يرغبون في تنفيذ أفلام للعرض على الشاشة الصغيرة، وأنه كان يفضل عرض فيلمه على الشاشة الفضية، حيث تنتمي الأفلام عموما.

مدة عرض فيلم "الأيرلندي" نحو 210 دقيقة، وهو أطول من فيلم Avengers: Endgame "أفنجرز: نهاية اللعبة"، أو أي من أجزاء فيلم "مملكة الخواتم"، كما أنه أقرب لأفلام هوليوود الكلاسيكية مثل "ذهب مع الريح"، ولكنه يتميز بتصاعد أحداثه ووجود توتر درامي قادر على جذب اهتمام المشاهدين وأسرهم في مقاعدهم في السينما.

يختلف الحال بكل تأكيد حال مشاهدتك "الأيرلندي" على شبكة نتفليكس من منزلك، إذ يسهل تشتيت انتباهك أكثر من مرة بالمسؤوليات والأنشطة اليومية، خاصة مع طول مدة الفيلم.

من جهة أخرى، مر فيلم "الأيرلندي" بصعوبات كثيرة، إلى أن بدأ تنفيذه أخيرا، إذ انسحبت شركة "بارامونت" من إنتاجه في البداية، بسبب خلافات على الميزانية.

ثم عرضت نتفليكس خدماتها بميزانية 105 ملايين دولار، تزايدت بمرور الوقت، إلا أن نتفليكس لم تمانع وفقا لـ"سكورسيزي" الذي ذكر مؤخرا أنه يرجع للشبكة وحدها الفضل في تنفيذ الفيلم بالطريقة التي احتجناها.

يطرح الموقع هنا سؤالا للمخرج "سكورسيزي" حول مدى أهمية تنفيذ الرؤية الفنية بصورة ممتازة إذا لم يتسنَ لأحد رؤيتها؟

كان من الممكن أن يطرح فيلم "الأيرلندي" في كل سينمات العالم ليشاهده الجميع دون تمييز في حالة موافقة صناعه على تخفيض ميزانيته قليلا، أو تقليل مدة عرضه بعض الشيء، ربما وقتها كان بإمكان "سكورسيزي" التفاوض مع نتفليكس لإطالة مدة عرضه في السينمات، ولكنها بطبيعة الحال لن توافق لأن ذلك يعني خسارة المشتركين في خدماتها.

خلص الموقع إلى أن تنفيذ الأفلام يتطلب الكثير من التنازلات، و"سكورسيزي" لم يكن مستعدا لتقديم أي منها.

 

بوابة العين الإماراتية في

28.11.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004