كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

فيلم "إلى سما"... مصائر أخرى لضحايا الحرب

هزار الحرك

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثانية والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

كان لرصاصة واحدة أو قذيفة مدفعية أو صاروخ -وما أكثرها- في ذلك البلد الرهيب: سورية، أن تغتال شبابها قبل فيلمها، لكن ها هي اليوم تتنقل، منذ مطلع هذا العام، من بلد إلى آخر، لتشارك في أكثر من 35 مهرجاناً عالمياً ومحلياً للأفلام، حاصدةً أكثر من 30 جائزة لفيلمها "إلى سما".

ربما يعود للحظ وحده الفضل، في نجاة المخرجة السورية وعد الخطيب من موت مأساوي، فحولها يتساقط مئات القتلى، وهي التي اختارت أن تقتحم الحرب وتعمل وتسكن أكثر مكان يستهدفه النظام السوري وحليفه الروسي؛ المشافي الميدانية، التي ساهمت في تأسيسها مع الأصدقاء، ومن بينهم الطبيب حمزة الخطيب، الذي صار لاحقًا زوجها وأبًا لمولودتهم "سما" التي يحمل الفيلم اسمها.

تقول وعد لـ"العربي الجديد": "انتقلت من حلب الغربية إلى الشرقية عام 2012، كان الأمر صعبًا، فتاة في الـ22 من عمرها وحدها في المنطقة، كيف وأين ومع من سأعيش؟ فكان أفضل الخيارات البقاء مع الكادر الطبي في المدينة، خاصة أنني كنت أعرف حمزة وصديقات ممرضات، فسكنت في مشفيَين، أحدهما (القدس) وكان في بداية تأسيسه".

على مدار خمس سنوات، قضتها في حلب "الشرقية" صورت وعد مئات المشاهد لاندلاع الثورة السلمية فيها، المجازر التي ارتكبت هناك والدمار الهائل، وحصارها الخانق من يوليو/تموز إلى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016، ووثقت تفاصيل حياتها الشخصية في فلك من العلاقات الإنسانية، لتثمر مشاهدها عن فيلم يتنقل بين عالمين متناقضين، لكنهما متوازيان.

تقول وعد: "لم أكن أصور بهدف واضح، ولم أكن أفكر بصناعة فيلم، كنت أحاول أن أوثق أكبر قدر ممكن من الحوادث، لإحساسي بأن الحياة التي أعيشها قد تنتهي في أي لحظة، والأشخاص الذين أعرفهم قد أفقدهم".

تفتتح وعد فيلمها بعرض صور شخصية لها، عندما كانت شابة عازبة في أوج عنفوانها، طليقة مما تفرضه غريزة الآباء والأمهات من مخاوف على أبنائهم، تغازل الشمس خصلات شعرها المتموج، مقبلة على التهام الحياة بشجاعة لا تخلو من التهور وعدم الاكتراث للمصير، لكن اقتحام سما لعالمها غيّر في شكل المعادلة، من دون أن يمسّ جوهرها. ومع توالي الصور تشرح وعد لابنتها البكر، السبب الذي دفعها لصناعة هذا الفيلم: "لتعلمي لمَ اخترنا مواجهة ذلك".

في المشهد التالي، نسمع وعد تغني لطفلتها الرضيعة، وما إن تبدأ سما بالتفاعل مع والدتها حتى ينهار عالمهما الهش، مع اهتزاز غرفتهما إثر قذائف مدفعية متلاحقة تضرب المشفى الأخير الذي يسكنون فيه. تفر "وعد" إلى الملجأ مع تصاعد غبار القصف، حاملة سما وكاميرتها، لتوثق حركة الطاقم الطبي هناك كخلية نحل، يجتهدون لإتمام واجبهم المهني والإنساني تجاه المصابين والمرضى والرضع، يعالجون بتمرس ما يفرضه القصف على خطط العلاج، متناسين أنهم هم أنفسهم ضحايا محتملون، بل يغالبون قسوة تلك الدقائق بالمرح والسخرية... وحدها وعد تبوح لابنتها سما ولمشاهدي فيلمها، "بإحساسها العميق بالذنب لأنها أنجبتها".

تنطلق بعدها بمشهد يلف سماء المدينة بتقنية الدرون، راصدة الدخان الكثيف للحرائق التي خلَّفها القصف في كل أطراف حلب المقبلة على حرب كارثية، وقد كانت قبل 5 أعوام "منذورة" لمستقبل أفضل، مع خروج أهلها في تظاهرات سلمية، التقطتها وعد مبكرًا، بعدسة هاتفها المحمول، يومها كانت لا تزال طالبة في كلية الاقتصاد في السنة الرابعة، نسمعها تصيح مع الطلاب المتظاهرين في جامعة حلب: "سلمية... إسلام ومسيحية"، وهم يحطمون لوحة لحافظ الأسد، قبل أن يفتك عناصر الأمن بالمتظاهرين، ومن ثم بالمدينة الثائرة.

صورت وعد معظم مشاهد فيلمها داخل المستشفيات الميدانية، من تأسيسها واستقبال المصابين فيها وعلاجهم، والمشقات الكبيرة التي يكابدها الكادر الطبي في عملهم، وهزيمتهم أمام كل روح تزهق، والنهوض سريعًا من سطوة الانكسار، إذ لا متسع للحزن، ولا مكان للانهيار في عالم ينهار من حولك، فهناك طوابير من الجرحى والمصابين تنتظرهم. ورصدت تحويل المشافي إلى ترسانات تسدّ نوافذها السواتر الرملية، إذ كانت الهدف الأبرز للأسد وروسيا، وشهدت كاميرتها على دمارها واحدة تلو الأخرى، ومقتل أصدقائهم داخلها، وكان من أوائلهم عمر طالب الهندسة الذي ترك دراسته وتفرغ للعمل ممرضًا في المشفى، وغيث الطالب في كلية الطب البشري، فكان لمقتلهما أن يزيد من إصرار الرفاق على إكمال الطريق.

وسيكتشف متابعو الفيلم، أن مخرجته نقلت بعدستها للعالم، عبر محطات التلفزة، أقسى الحوادث التي مرت بها مدينة حلب، إحداها مجزرة النهر، وعمليات انتشال الأهالي للجثامين مقيدة الأيدي، ونحيب الأمهات وهن يتعرفن إلى ملامح أبنائهن الذين أعدمتهم المخابرات ميدانيًا، ثم دفنوهم في مقابر جماعية. وبعدستها أيضًا وثقت المعجزة التي تحققت على أيدي الأطباء في عملية ولادة رضيع أصيبت أمه في القصف، ومحاولات إنعاشه البدائية التي انتهت بشهقة عودته إلى الحياة.

كذلك، سنكتشف أن "وعد" كانت إحدى الناجيات المحظوظات من قصف العدوان الروسي لمشفى "القدس"، في 27 إبريل/نيسان 2016 الذي قُتل فيه العشرات من المرضى والممرضين، فضلًا عن ثلاثة أطباء، أحدهم الطبيب وسيم معاذ، أول طبيب أطفال فحص العلامات الحيوية لـسما لحظة ولادتها، وآخر طبيب أطفال كان يعمل في حلب.

في تلك الحرب المروعة التي اقتحمتها وعد بإصرار لتناضل في سبيل الثورة، اختارت أن تمضي بشجاعتها إلى النهاية، مفسحة لنفسها حياةً أخرى، فأحبت وتزوجت، هناك حيث تترمل النساء، وأسست بيتًا وزرعته بالورود، هناك حيث تُدمر البيوت وتحرق، وأنجبت، هناك حيث تفقد الأمهات عقولهن وهن يثكلن بأطفالهن.

تقول وعد: "لم أكن أعتقد أن الانخراط في الثورة يتعارض مع الأمومة، حاولت عيش المسارين بالتوازي، ككثير من الأمهات هناك، سعيت لأكون الأم التي تمنح أطفالها كل الإمكانيات المتاحة، والإعلامية التي أطمح أن أكونها في الوقت نفسه". وتتابع: "في بداية زواجنا، اتفقنا أنا وحمزة ألا ننجب، إذ يكفينا أن نربط مصيرينا معًا، لكننا أدركنا أننا سنمضي حياتنا هنا، وأننا لن نترك المدينة بقرار شخصي، ولم نكن وقتها نعلم شيئَا عن التهجير القسري، لذا قررنا أن نعيش حياتنا الشخصية، ونبني أسرتنا وبيتنا، وأن يكون ارتباطنا بهذه الأرض وثيقًا بعائلة كاملة، وتوجنا ذلك بقرار إنجاب سما". وتضيف: "كنا نعرف أن هذه الحياة قد تنتهي في أي لحظة، أنا أو حمزة أو حتى سما، إلا أننا قررنا المضي بهذا الخيار وتحمل مسؤوليته، وكان لدينا أمل بأن الحياة ستسير نحو الأفضل".

تؤكد وعد لـ"العربي الجديد" أن سنواتها في حلب كانت عظيمة، بكل تفاصيلها التي أحبتها وكرهتها فيها، بما عاشته بملء إرادتها أو رغمًا عنها، كوضعها الحجاب، وتقول: "كانت الحرية الشخصية مهمة لنا، وطالبنا بها منذ البداية، إلى جانب الحرية السياسية، لكنها لم تعد أولوية. لم أكترث لحجابي وأنا أرى البراميل المتفجرة تسقط على البيوت، وأشاهد الناس يموتون تحت الأنقاض، وتأقلمت معه لأنه كان مؤقتًا، ولأن هناك شيئا أهم أحاول أن أفعله".

وتضيف: "وسط عالم الدم الذي كنا نتجرعه كل لحظة، كانت الحريات الشخصية معركة مؤجلة، ولم أكن لأتوانى عن النضال في سبيلها مستقبلًا".

يكاد فيلم "إلى سما" أن يكون مجموعة متلاحقة من القبض على أنفاس المشاهدين، لا ترتخي سوى في بعض المشاهد للحياة الشخصية التي اقتنصتها "وعد" من بين فكي الحرب، لحظات المرح مع الأصدقاء، لهو أطفال حلب بالقليل المتاح، عرسها وقد طغى صوت الموسيقى على أصوات القذائف، رسائل الحب المستمرة مع حمزة، الأمسيات بصحبة الأصدقاء، والغناء لعبد الحليم.. وليلة ولادة سما.

ولأن الفيلم عن الشجاعة، فقد كان أوجها، قرار العودة من تركيا، الذي اتخذاه، وعد وحمزة، بعد زيارة أيام لأهلهم هناك، عند سماعهم بأن حصارًا سيطبق على حلب، رافضين إغواء الأمان والسلام في أرض أخرى، أو حتى ترك سما هناك، وفي طريق العودة المحفوف بخطر القناصين ومليشيات الأسد وحلفائه، وقد قطعوا قسمًا كبيرًا منه سيرًا على الأقدام، أكد حمزة أن لكل سوري دوره في إبراز عدالة الخلاص من هذا النظام، حتى رضيعتهم سما.

تقول وعد: "لم أستطع أن أدير ظهري وأرحل، وأن أترك الناس الذين تشاركت معهم  اللحظات السيئة والسعيدة، الموت والأمل والخوف والفرح. العلاقة التي تربطني بالمدينة وأهلها قوية ومعقدة، ارتباطي بتلك الأرض راسخ ومن المستحيل أن ينقطع لأي سبب مثل مشاعر الخوف والموت الحتمي".

وتتابع: "كنت في كل لحظة أرى فيها ابنتي، أشعر أنها اللحظة الأخيرة، لكن روح الثورة التي كانت في المدينة، القوة التي تحلينا بها، اليقين بأننا سنشاهد النتائج التي نتمناها من الثورة، فقط إن قدمنا نوعًا من التضحيات، نوعًا من القتال، القتال الذي لا ينتهي بمرحلة معينة، ويستمر حتى النهاية، دفعنا للمضي قدمًا".
غير أن هذا النوع من القتال الذي تحدثت عنه وعد، وكان تعني فيه الصمود والتضحية والشجاعة أفضى في الختام إلى التهجير القسري للأهالي، وبينما كانت حلب الشرقية تشهد قيامتها الأخيرة، استمرت وعد بتوثيق الحدث، وحمزة ورفاقه بإنقاذ المرضى والمصابين. وعلى أنقاض المستشفى الأخير المتهاوي، أحصى حمزة عدد المصابين الذين استقبلهم المستشفى خلال 20 يومًا الأخيرة، وقد تجاوزا 6000 في حين أجريت 890 عملية فيه، ووسط دموعه أكد لرفيقة دربه وعد، أن "لا مشكلة في المكان... فالمكان يصنعه أهله.. تماما كهذا المستشفى".

قد يظن مشاهدو الفيلم أن تلك كانت نهاية الحكاية، لأبطال صمدوا 5 سنوات في وجه حرب لعينة، وأن كل تلك الضحيات لم تسفر سوى عن هزيمة... لكن بعد عامين فقط من خروجهم القسري، يدور فيلم "إلى سما" في أنحاء العالم، حاصدًا الجوائز في كل مهرجان يشارك فيه، هو فيلم فريد لا لقيمته الفنية فحسب، ولا لأنه صُوِّر بالدم المسفوك في الحرب، بل لأنه يروي حكاية أبطال اختاروا المواجهة بشجاعة وصبر وتضحية مطلقة، صانعين لأنفسهم أقدارًا تتحدى ما تفرضه الحرب من مصائر على ضحاياها، من موت وأحزان وكراهيات جمة وهزائم... فيلم "إلى سما" انتصار للشجعان الذين صنعوه... من قضى منهم ومن بقي حيًا.

 

العربي الجديد اللندنية في

26.11.2019

 
 
 
 
 

بعد النجاح التاريخي لـ«الجوكر».. هل سيتواجد جزء ثانٍ منه؟

محمد طه

بعد أن دخل فيلم "الجوكر" للنجم العالمي خواكين فينيكس، تاريخ السينما من أوسع أبوابه بعدما تخطيه إيرادت تجاوزت حاجز المليار دولار، كشف مخرج الفيلم تود فيليبس حقيقة تقديم  جزء ثانٍ منه.

ونفى تود فيليبس، ما أثير خلال الأيام الماضية حول وجود جزء ثاني من الفيلم، وأشار فيليبس إلى أن تقرير موقع "ذا هوليوود ريبورتر"، الذي زعم، تقديم جزء ثان من "الجوكر" استند على لا شيء، بحسب قوله، وأكد أنه لم تجر أية اجتماعات أو اتفاقات مع المديرين التنفيذيين في شركة الإنتاج "وارنر براذرز" بشأن فيلم "الجوكر2"، أو مع كاتب السيناريو سكوت سيلفر، أو بطل الفيلم، الممثل الأمريكي واكين فينيكس، بحسب تصريحاته لموقع "ذا بلاي ليست".

وعلى الرغم من نفي تود فيليبس، إلا أنه لا يستبعد إمكانية تقديم فيلم آخر من "الجوكر"، موضحا: "من الواضح أنه تم مناقشة تقديم أجزاء جديدة من الفيلم بعدما حقق مليار دولار في شباك التذاكر العالمي، وهو الذي تكلف إنتاجه 60 مليون دولار، لكننا لم نجر أية محادثات جادة حول هذا الموضوع".

وبعد وصول "الجوكر" لهذا الرقم، يعد أول فيلم من التصنيف (R) "للكبار فقط" يحقق هذا الإنجاز، متفوقا على الفيلمين الأعلى من ناحية الإيرادات في هذه الفئة "ماتريكس ريلودد" و"ديدبول 2"، كما أنه الفيلم السابع هذا العام، الذي يصل لحاجز المليار، بالرغم من ميزانيته المتواضعة والتي تقدر بـ62.5 مليون دولار.
ويعد العمل أول فيلم من خارج أفلام ديزني أو مارفيل الذي يحقق هذا الإنجاز، كما أنه الفيلم الرابع في تاريخ تعاون الشركة المنتجة ورانر برذرز مع عالم "دي سي"، الذي يصل لإيرادات تخطت المليار، وتحديدا بعد أفلام "أكوا مان" و"ذا دارك نايت" و"ذا دارك نايت رايزس
".

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

22.11.2019

 
 
 
 
 

سيناريو معقّد وصعب الفهم

«ذا لوندرومات».. جيد ومتماسك رغم خلط «الحابل بالنابل»

المصدر: عرض: عبدالله القمزي

نعيش فعلاً عصر نهاية السينما عندما تتمكن «نتفليكس» من تنصيب نفسها بديلاً جيداً للرديء المطروح في الصالات. نعيش عصر نهاية السينما عندما يصرّح مخرج بحجم ستيفن سودربيرغ، بأن عرض فيلمه The Laundromat سينمائياً لا يهمه! ربما هي نهاية السينما التي نعرفها، وليست نهاية السينما كفكرة، عموماً لا يهم! لو عدنا بالذاكرة ثلاثة أعوام إلى الوراء، وهو وقت طويل في حقبة «واتس أب»، فإن مصطلحاً سياسياً شاع في نشرات الأخبار والصحف والإنترنت: أوراق بنما.

أوراق بنما هي وثائق سرّبها عامل داخل شركة المحاماة البنمية موساك فونسيكا، وحملت أسراراً عن أكثر من 200 ألف حساب وشركة وهمية حصل عليها الصحافي الألماني باستيان أوبرماير، ما تسبب في ضجة إعلامية وسقوط أشخاص من مناصبهم.

يستخدم الفيلم المقتبس من كتاب عالم السرية لجيك بيرنستاين، أسلوباً مشابهاً لفيلم The Big Short الذي أخرجه الأميركي آدم مكاي، وترشح للأوسكار منذ أربعة أعوام، بالطبع دون مشهد استحمام مارغو روبي الشهير! ويسلط الضوء على الأنشطة التي فضحتها أوراق بنما.

جدية ساخرة

بدلاً من الجدية التي وظّفها سودربيرغ في فيلم ترافيك عام 2000، فإنه فضل استخدام طريقة الأخوين كوّين، وهي الجدية الساخرة. ينتقل الفيلم بين أربع قصص موجزة عن مرتكبي جرائم قانونية وأخلاقية وضحاياهم.

لا توجد شخصية واحدة مكتملة ولا قصة واحدة كاملة، لكن يوظفها سودربيرغ كطريقة لأنسنة تفاصيل عالم غامض عن شركات وهمية وممارسات سرية وعمليات تمويل مشبوهة تتم في حسابات لا تخضع لأي تدقيق. ويتضمن ذلك الفرق بين مصطلح تجنب الضريبة، وهي ممارسة قانونية، والتهرب الضريبي وهي جريمة! ما الفرق بينهما؟ حسب الفيلم الفرق مثل الجدار الفاصل بين زنزانتين.

يقدم سودربيرغ رجلين، الألماني يورغن موساك (غاري أولدمان بلهجة مضحكة)، والبنمي رامون فونسيكا (أنتونيو بنديراس)، اللذين يتحدثان كأنهما مذيعا برامج تلفزيون الواقع، ويرتديان بدلات فخمة حتى وهما يتحدثان مع رجلي كهف في مشهد مقدمة غير مفهوم بصرياً. يساعد موساك وفونسيكا المشاهد في فهم فيلم مليء بالمصطلحات المالية، ويخوضان معه في تعقيدات الشركات الوهمية. إضافة إلى ذلك، فإنهما أيضاً شخصيتان رئيستان في إحدى القصص، وهما المحاميان اللذان يديران الشركة التي تسرّبت منها تلك الوثائق. أحياناً يدافعان عن أفعالهما المشينة التي لا تستحق حتى الدفاع عنها، لأنهما حسب دفاعهما غير مسؤولين عن تصرفات العملاء. هما يوفران الخصوصية فقط. النتيجة النهائية هي عبارة: «المساكين هم المتوّرطون» التي تظهر قرب نهاية الفيلم. تؤدي ميريل ستريب شخصية إلين مارتن، امرأة سبعينية متقاعدة، يموت زوجها (جيمس كرومويل) في حادث غرق قارب، وتكتشف بعدها أنها لن تتمكن من الحصول على أموال التأمين لأن شركة التأمين بيعت على شركة أخرى مملوكة لكيان ضخم موجود على الورق فقط!

بعد أن تتتبع مسار الشركة في تحقيق تتولاه بنفسها (كما فعلت إيرين بروكوفيتش في فيلم باسمها عام 2000 أخرجه سودربيرغ أيضاً)، تسافر إلى جزيرة نيفيس لتصل إلى الرجل المسؤول في شركة «المجموعة المتحدة للتأمين» مالكوس بونكامبر (جيفري رايت)، ينكر الرجل اسمه أمامها ويهرب، لكن مفاجأة من العيار الثقيل تنتظره في فلوريدا التي هرب إليها. في قصة أخرى، تكتشف ابنة رجل أسود ثري اسمه تشارلز (نونسو أنوزي) أمر علاقته غير الشرعية مع زميلتها. للإبقاء على السر وخشية علم زوجته بالموضوع يعرض تشارلز تسوية مع ابنته، وهي منحها شركة وهمية بقيمة 20 مليون دولار. وعندما تذهب لتسلم حصتها تكتشف أن قانون الشراء على مسؤولية المشتري ينطبق على موقفها، بكلمات أخرى لا تحصل على شيء. في مكان آخر، بريطاني متخصص في عمليات غسيل الأموال (البلجيكي ماتياس سخونارتس) يضغط على موكلته الصينية (روزاليند تشاو) لزيادة حصته من عملية غسيل الأموال، من خلال شركة موساك وفونسيكا، ويكتشف أن إخفاء الأموال ليس الجريمة الوحيدة التي تستطيع موكلته ارتكابها.

فهم الصورة الشاملة

يقدم سودربيرغ القصص بسخرية لاذعة بغرض تعليم المشاهد بأسلوب ترفيهي. لو تخيلنا أن الفيلم بيد مخرج آخر لاختار طابعاً جدياً وبوليسياً أكثر. لا يأتي سودربيرغ بجديد كما أسلفنا فقد شاهدنا هذا الأسلوب في فيلم ذا بيغ شورت، ولو أن هذا الأخير فعلها بشكل أفضل، وهو تعمد استخدام مصطلحات صعبة دون الإسهاب في تفسيرها، والمقصود أن الموضوع معقد حتى على مخرج الفيلم نفسه. يعني لا تحاولوا فهم طرق النصب والاحتيال لأنها معقدة ومنتشرة بشكل لن تتخيلوه.

وحتى فنياً فإن سودربيرغ يكتفي بتقليد مكاي في توظيف السرد واختراق الجدار الرابع (الشخصيات تتحدث إلى المشاهد مباشرة)، لتأطير قصته وترجمة المصطلحات المعقدة إلى لغة مفهومة. يبدأ موساك وفونسيكا بسرد قصة الاقتصاد من حقبة المقايضة أيام رجل الكهف حتى النظام المالي الحالي. يتحدثان للمشاهدين بشكل مباشر، وفي مقطع نهاية الفيلم يشيران مباشرة إلى امتلاك مخرج الفيلم وكاتبه لشركات وهمية بالقانون في ولاية ديلاوير لتجنب دفع ضرائب.

Volume 0%

السيناريو معقد وصعب الفهم، بينما من السهل تتبع مسار القصص الأربع، فإنه من الصعب جمع كل القطع لمحاولة فهم الصورة الشاملة. يأتي تسريب أوراق بنما في النهاية ويبدو مقحماً أكثر من نتيجة طبيعية للأحداث. نبرة الفيلم غير مستقرة أو حرة كما يحلو لبعض المخرجين وصفها، وهو أسلوب مشتت لكثير من المشاهدين، خصوصاً الذين يبحثون عن قصص وشخصيات يتعاطفون معها. هذا الأسلوب سريع جداً لا يمهلك فرصة للتأمل والمراجعة ويقذف بالمعلومات قذفاً، و لا يعطي فرصة للتعلق بشخصية معينة، ويضيف تفاصيل لا معنى لها ولا تمت للقصة بصلة، مثل اكتشاف زواج بونكامبر من امرأة ثانية سراً في فلوريدا. في نهاية الفيلم تخرج ستريب من شخصيتها بشكل استعراضي مسرحي، وتعطينا محاضرة عن النظام الأميركي السياسي والمالي المعطل، وتطالب بإصلاحات فورية. الفيلم جيد ومتماسك رغم أسلوب سودربيرغ الفوضوي. يشار إلى أن قصة الثري تشارلز تشبه كثيراً قصة رجل الأعمال الروسي ديمتري ريبولوفليف، وابنته إيكاترينا مالكة نادي موناكو لكرة القدم. يذكر أن قصة غاسل الأموال البريطاني تشير إلى فضيحة وانغ ليجن السياسية في الصين عام 2012.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تقييم

أولدمان ألماني.. وبنديراس بنمي

الألماني يورغن موساك «غاري أولدمان بلهجة مضحكة»، والبنمي رامون فونسيكا «أنتونيو بنديراس» يتحدثان كأنهما مذيعا برامج تلفزيون الواقع.

أوراق بنما وثائق سرّبها عامل داخل شركة موساك فونسيكا، وحملت أسراراً عن أكثر من 200 ألف حساب وشركة وهمية.

4

قصص موجزة عن مرتكبي جرائم قانونية وأخلاقية وضحاياهم، يتنقل بينها الفيلم.

ميريل ستريب.. سبعينية

تؤدي ميريل ستريب شخصية إلين مارتن، امرأة سبعينية متقاعدة، يموت زوجها (جيمس كرومويل) في حادث غرق قارب.

 

الإمارات اليوم في

24.11.2019

 
 
 
 
 

«الإيرلندي» يعيد «أمجاد» المافيا... ومارتن سكورسيزي معلّم بلا منازع

شفيق طبارة

قليلة هي الأفلام التي تقرّ بأهميتها وتعترف بعظمتها قبل موعد عرضها على الشاشة. وفيلم «الإيرلندي» ضمن هذه الفئة. إنه العمل السينمائي الأخير للمخرج الإيطالي الأميركي مارتن سكورسيزي الذي سيبصر النور بعد 48 ساعة على «نتفليكس» (سنتناوله بالنقد لاحقاً). كما هو واضح، فهو يندرج ضمن هذا النوع. فما هي أهمية أفلام المافيا والجريمة المنظمة في التاريخ السينمائي؟ وكيف تعامل سكورسيزي معها؟ ما هو دوره في تقديم وإخراج هذا النوع من الأعمال؟ 

التاريخ السينمائي

جلبت لنا هوليوود أنواعاً كثيرة من الأفلام منها نوعان يعدّان من الأهم في التاريخ السينمائي. طريقتان لصنع فيلم يمكن أن تتطور فيهما حرب الخير ضد الشر بالكامل. إنه مشهد عالم معقد ووهمي تقريباً، لكنه قائم على واقع ماض أو حاضر. في هذا العالم، يمكن أن تنشأ معارك ومواقف ملتحمة من كلّ مكان: من الأبطال، من الأشرار وأتباعهم، أو حتى من أبرياء وقعوا في تبادل لإطلاق النار. لا شيء مخطّطاً له، ومعركة الخيّر والشر لا نهاية لها. النوع الأول هو أفلام «الغرب الأميركي» (ويسترن): يتجلّى هذا النوع في أفلام مخرجين أمثال جون فورد، سام بيكنباه، سيرجيو ليون، وممثلين أمثال جون واين، وكلينت إسيتوود وغاري كوبر. لسوء الحظ، لم يعد هذا النوع موجوداً بقوة، فقد تمّ تدميره من خلال التكرار اللانهائي الممل ولأسباب عديدة أخرى ساعدت في اختفائه تدريجاً. النوع الثاني هو أفلام المافيا والجريمة المنظمة. كان موضوع الجريمة المنظمة قد نوقش بالفعل في السينما قبل الحرب العالمية الأولى. يُعرف نوع الفيلم الذي يتمثل موضوعه الرئيس بالجريمة المنظّمة باسم «سينما العصابات»، على عكس أنواع أخرى يكون موضوعها الجريمة فقط. في سينما العصابات، تسود وجهة نظر المجرم، ما يجعل العديد من الأفلام غامضاً. وفي بعض الأحيان، اتُّهمت أعمال هذا النوع بتمجيد الجريمة والعصابة والعنف، لذلك واجهت مشاكل متكرّرة مع الرقابة.

لعل أفضل فيلم عصابات والجريمة في عصر السينما الصامتة هو «اندروولد» (1927) لجوزيف فون ستيرنبرغ. العصر الذهبي لسينما العصابات، مع أكثر من 200 فيلم شهدته الفترة الممتدة من 1929 حتى 1934 (تاريخ وصول قانون هايز). وهناك ثلاثة أعمال تعتبر الأبرز في تلك المرحلة: «ليتل سيزار» (1931) لميرفي ليروي مع إدوارد ج. روبنسون في دور سيزار مستوحى من رجل العصابات الحقيقي آل-كابوني، رجل عصابات إيطالي في شيكاغو. «بابلك أنيمي» (1931) لويليام ويلمان مع جيمس كاني في دور توم باورز، رجل عصابات إيرلندي. و«سكارفيس» (1932) للمخرج هاورد هوكس (لعل «سكارفيس» الأشهر هو الذي أنتج عام 1983 من إخراج براين دي بالما وبطولة آل باتشينو).

وافق المنتجون عن طيب خاطر على قانون هايز (قانون الرقابة على الأفلام)، فأدى ضغط القانون إلى انخفاض حرارة أفلام العصابات عام 1934 مع انتهاء قانون منع الكحول عام 1933، فأصبح رجل العصابات المهرّب للمشروبات الكحولية من الماضي.

بعد مرور سنوات عدة، عادت شركات الإنتاج الأميركية إلى صناعة أفلام رجال العصابات. أُنتج فيلمان مؤثران. «ملائكة بوجوه قذرة» (1938) و«العشرينات الصاخبة» (1939). مع بداية الحرب العالمية الثانية، بدأ تحوّل جذري في نموذج هذه الأفلام، أظهرت أفلام العصابات الجديدة شخصياتها كديناصورات تعيش في عالم وهمي وضائع، بعد سنوات في الظل، تضطر للتكيف مع عالم جديد ومتغير. ركزت أفلام هذه الحقبة على القضية من منظور أقل إثارة وعنفاً وأكثر رومانسية. كانت الشخصيات تعيش صداماً بين الماضي القريب والأزمنة الجديدة. لم تتسبب الحرب العالمية الثانية بدفن هذه الرؤية الثانية من أفلام العصابات، بل صنعت سيناريو مثالياً لتطوير نوع جديد. «فيلم نوار» Film Noir الذي حاول أن يُظهر بشكل أكثر وضوحاً ذلك الوجه الآخر من الحلم الأميركي. «سانست بولفارد» (1950) لبيلي وايلدر، «ريفيفي» (1955) لجول داسين، «تشاينتاون» (1974) لرومان بولانسكي.

«كازينو» مأساة شكسبيرية، أوبرا موسيقية ومرئية لأبراج وكازينوهات وأطنان من المال والذهب والماس

استمر مرور السنين في جلب أعمال عظيمة لهذا النوع، وأصبحت شخصيات العصابات تتصرف اعتماداً على جنسياتها الأصلية بطريقة أو بأخرى (الإيرلندية، البريطانية، الكوبية، البورتوريكية وبالطبع الصينية). كان الإيطاليون من أوائل الذين صوروا هذا النوع من السينما، تحديداً المهاجرين الإيطاليين الذين ساروا بحثاً عن ثروة إلى الولايات المتحدة في بداية القرن الماضي، بمفهوم رائع للعائلة والولاء، والعمل بلا كلل وأيضاً بقتل بلا هوادة (فيلم «العراب» بأجزائه الثلاثة لفرانسيس فورد كوبولا).

مرجعية عالمية

مخرجون كثر أرادوا ترك بصمتهم على بعض أنواع الأفلام، وكثيرون لا يصلون إلى هذا المجد، فيما يصبح آخرون من الشخصيات البارزة في السينما وفي نوع معين. هذا ما حدث لمارتن سكورسيزي (1942)، الذي أصبح بفضل أفلامه من نوع العصابات مرجعيةً عالميةً. هنا بعض أهم أعماله في هذا المجال:

«بوكسكار بيرثا» (1972):

بدأ سكورسيزي بالجريمة والعصابات مع ثاني فيلم طويل له. «بوكسكار بيرثا» هو الفيلم الذي بدأ يحدّد فيه نمطه. خليط من الترفيه والعصابات وبعض التلميحات السياسية اليسارية. يقدم الشريط قصة بيرثا تومبسون وفقاً لكتاب «أخوات الطريق» للأناركي بن ريتمان. 30 عاماً كان عمر سكورسيزي عند إنتاج الفيلم، ظهر كمخرج طموح تطرّق للمحرمات والفوضى والشيوعية، خلال الركود الاقتصادي في عشرينات الولايات المتحدة الأميركية. قصة عن العوز واليأس، والكساد، واستغلال العمال، ما يسبّب مناخاً اجتماعياً من العنف على وشك الانفجار.

«شوارع لئيمة» (1973):

كان سكورسيزي في بداياته يواجه صعوبة جراء مسيرته المهنية المتعسّرة وحاجته لصناعة سينما شخصية تتعارض مع تعقيدات الصناعة السينمائية في ذلك الوقت. لكن الوقت حان مع فيلمه الثالث الطويل لإطلاق سينما خاصة به. كان يمكن أن تكون الأخيرة ولكن أمله كان كبيراً بتقديم نفسه بشخصية سينمائية خاصة.

تشارلي كشخصية في «شوارع لئيمة» عكس أفكار سكورسيزي الذي كاد أن يصبح كاهناً، كما كان فتى إحدى العصابات في شارع نشأته

عاش سكورسيزي وروبرت دي نيرو طفولتهما على بعد أربعة شوارع عن بعضهما، ولم يعرف أحدهما الآخر. عندما تعارفا من خلال المخرج براين دي بالما بعد سنوات عديدة، كانا على يقين أنهما التقيا مرات عدة في الشارع. بينما كان دي نيرو مع شباب «شارع بروم»، كان سكورسيزي في «شارع برنيس»، ولم يكن بالإمكان أن يكونا صديقين قبل هذا الاجتماع. كان مقدراً أن ينتهي الفنانان الآتيان من ماض مواز وجذور متماثلة، للعمل معاً. تلك كانت بداية الصداقة التي ما زالت قائمة، والعلاقة المهنية التي امتدت على تسعة أفلام (مع «الإيرلندي» الجديد)، بعضها من أفضل أعمال دي نيرو. في «شوارع لئيمة»، عاد سكورسيزي للعمل مع ممثله الرئيس لفيلمه الأول هارفي كيتل. ستكون علاقة جوني بوي (دي نيرو) وتشارلي (كيتل) في الشريط محور قصة الشخصيتين المبتدئتين في المافيا. شابان يرغبان في السلطة والعنف، لكن الشعور بالذنب لا يفارقهما. ضغط معتقداتهما المسيحية ينتهي بمفارقات وصراع نفسي، لأنهما لا يريدان الانخراط أكثر في المافيا ولا يمكن أن يتركاها. يعتبر «شوارع لئيمة» واحداً من أكثر أفلام سكورسيزي إخلاصاً لهاجسه الكاثوليكي (الخطيئة والفداء واللحم والدم). عالم المهاجرين الإيطاليين في أميركا، تتقاطع فيه الجريمة والشرعية بخيوط دقيقة. يعيش المرء في الحاضر لكنّه لا يزال يؤمن بقيم الماضي. المهاجرون الذين ما عادوا يتذكرون لغة وطنهم الأصلي، لكنهم يعرفون قوانين المافيا. لكلّ هذه الأسباب، جاء «شوارع لئيمة» ذا عمق نفسي وعاطفي كبير.

تشارلي في الفيلم، عكس أفكار سكورسيزي الشخصية الذي كاد أن يصبح كاهناً، كما كان فتى إحدى العصابات في شارع نشأته. تشارلي في الفيلم يتعرض للتعذيب الداخلي، بسبب صداقته المضطربة مع جوني بوي ومشاعره المختلطة لتريزا (آمي روبنشون)، وبحثه عن مخرج من متاهته الداخلية التي غالباً ما تكون كابوساً صارخاً... قدم سكورسيزي هنا ذكرياته وشخصيته المعذبة، وأيضاً أول أعماله المهمة، واضعاً عناوين عريضة لموضوعاته المستقبلية.

«أصدقاء طيبون» (1990):

إنّها تحفة سكورسيزي وأحد أهم أفلام المافيا. يعرف سكورسيزي مزاج شخصياته الحقيقية المقدمة في الفيلم، فقد أمضى شبابه في أحياء مملوءة بها. ليس هناك لحظات من العنف الصريح ولا القيل والقال الفارغ. سكورسيزي يأخذ عصاباته من شوارعها ومكاتبها وبيوت الدعارة ويضعها في منازلها وحفلاتها العائلية. هكذا، يبدو أفرادها رجالاً عاديين، ما يخلق مودّة بيننا وبينهم. بالإضافة إلى التصوير والقصة الاستثنائيين، يحتوي الفيلم على موسيقى تصويرية تمنح النغمة الدقيقة لمناخ التخريب والمخاطرة المستمرة. توني بينيت، أريثا فرانكلن، «رولينغ ستون» وغيرهم من الكبار اندمجت موسيقاهم لتقدم إحدى أهم موسيقى تصويرية لفيلم في تاريخ السينما. بدا كأن الأغاني مصممة خصيصاً للفيلم، تذوب في عالم جيمي كونواي (روبرت دي نيرو) وتومي ديفيتو (جو بيشي) وهنري هيل (راي ليوتا) الإجرامي. يروي الفيلم العنف، ولكنه ليس بعنيف، ببساطة يستخدم لرواية قصة عن الأولاد الأذكياء الذين ينتمون إلى مكان لا يريد أحد الانتماء إليه، لكن الجميع مهتمّون به. إيقاع «أصدقاء طيبون» لا يمكن إيقافه.

«أصدقاء طيبون» تحفة سكورسيزي وأحد أهم أفلام المافيا

يتركنا سكورسيزي في خضم عالم المافيا ضمن عمل عنيف ومكثّف، يتم فيه استخدام الشخصية الأولى التي تروي قصتها بشكل ممتاز مع التوليف للحفاظ على سرعة الفيلم بينما نواجه حياة حقيقية، قصة صعود وهبوط هنري هيل. ليس لدى سكورسيزي أي مشكلة في دخول الجانب المظلم من شخصياته. زعماء عصابة يحتقرون أساليب الحياة العادية. كل شيء في الفيلم يمثل دليلاً على ما يفكرون. من خلالهم يصبح ازدهار هؤلاء العصابات كاسحاً لكنه مؤقت. يشرك الفيلم المشاهد، يغزو الجمهور ويلمس شيئاً مخفياً في أعماقه. مارتن سكورسيزي يعرف جيداً ما يريد إثارته في جمهوره.

«كازينو» (1995):

ملحمة تاريخية اجتماعية، انعكاس لأميركا الأمس واليوم. إذا كان «أصدقاء طيبون» هو قصة صعود وهبوط رجال العصابات في الأحياء، فإن «كازينو» هو مأساة شكسبيرية، أوبرا موسيقية ومرئية لأبراج وكازينوهات وأطنان من المال والذهب والماس. «كازينو» هو عندما تخرج عصابات الشوارع من بيئتها وتأخذ زمام مدينة الأحلام: لاس فيغاس. الفيلم عن المافيا التي تتحول إلى شركات متعددة الجنسيات. يسجنك سكورسيزي بالفيلم وبتفاصيله الصغيرة التي تروي كل شيء وتأخذك إلى النهاية الدرامية. ثلاث ساعات يتم الحفاظ فيها على إيقاع عالي المستوى. الفيلم عبارة عن سلسلة متواصلة من الصور القوية والمشاهد السريعة بحركة كاميرا عنيفة. ودائماً، دي نيرو الرائع بتقديم شخصية الرجل ذي النفوذ وأيضاً جون بيشي الذي وُلد ببساطة ليلعب هكذا أدوار.

أميركا بين الأمس واليوم

«عصابات نيويورك» (2002) و«المغادرون» (2006)، فيلمان قدم فيهما سكورسيزي المافيا بطريقة مغايرة عن أفلامه السابقة. الأول تاريخي يعيدنا إلى أميركا عام 1846. والثاني معاصر عن علاقة المافيا والشرطة الفاسدة والجواسيس المتبادلة. في جميع أفلام سكورسيزي تقريباً، إن لم تكن قصة الجريمة والمافيا مقدمة بطريقة مباشرة، فإنّها موجودة بشكل غير مباشر.

«الإيرلندي»: بداً من الأربعاء على نتفليكس

 

الأخبار اللبنانية في

25.11.2019

 
 
 
 
 

ألماني أدار فيلماً عن المواجهة اليابانية الأميركية في "بيرل هاربر" و"ميدواي"

محمد حجازي

لا تكف هوليوود عن رواية الحكايات عن محطات الحرب الثانية وأكبر معاركها ومواجهاتها، وهي ترصد لهذه الغاية ميزانيات ضخمة لتقديم الصورة الأقرب إلى الواقع. أحدث الأشرطة "midway" الذي يرصد أكبر معركتين تواجهت فيهما القوات اليابانية والأميركية في "بيرل هاربر"، ثم في "ميدواي" التي عجّلت في هزيمة اليابان قبل وقت قصيرمن القنبلتين الذريتين على "هيروشيما" و"ناكازاكي".

المخرج الألماني "رولاند إيميريش" (64 عاماً) تقاسم الإنتاج (100 مليون دولار) مع المؤلف الموسيقي "هارالد كلوزر" وجنى الفيلم منذ إفتتاح عروضه الجماهيرية في 8 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري وحتى العشرين منه 74 مليوناً من الصالات العالمية. وعلى مدى ساعتين و18 دقيقة لم تهدأ المعارك الجوية والبحرية على الشاشة وتحديداً ما بدأته اليابان حين شنت أوسع عدوان جوي على جزء رئيسي من الأسطول الحربي الأميركي في ميناء "بيرل هاربر" وسط خسائر فادحة في الأرواح والسفن والطائرات، وحمّلت أميركا مسؤولي مخابراتها تبعات ما حصل، لأنهم لم يشيروا أبداً إلى إحتمال حصول أي هجوم ياباني، وكانت ردة فعل العقلاء اليابانيين "لقد أيقظنا العملاق النائم وعلينا تحمل التبعات".

  ويبني الشريط أحداثه اللاحقة على هذا الموقف، وتنشغل القيادات العسكرية الأميركية في دراسة كيفية الرد المدوّي. وبعد معركة دمرت فيها الطائرات الأميركية مجموعة من مثيلاتها اليابانية فوق حاملة طائرات عملاقة، كردة فعل مباشرة وسريعة على هجوم بيرل هاربر، إستنتج ضابط أميركي شاب هو "إدوين لايدن" (باتريك ويلسون) من رصد الرسائل اليابانية المشفرة أن الجيش الياباني يتحضر لهجوم ضخم وحاسم في "ميدواي" وأقنع القائد البحري "نيميتز" (وودي هارلسون) بإستنتاجه، عندها إتخذت التدابير اللازمة وجرى رسم كمين جوي وبحري، أوقع القوات اليابانية في فخ محكم، ودمرت لها سفن كبيرة ومدمرات والكثير من الطائرات، وصولاً إلى إنسحاب ما بقي من الجيش الياباني وقامت قوات أميركية بدخول طوكيو، بينما إحتفل الصينيون بهزيمة اليابان (التي كانت تحتل أجزاء واسعة من الصين) لما كان لها من ممارسات سلبية على الصينيين.

وربما كانت عبارة النهاية هي أجمل تحية، فقد حيّا الشريط أرواح الجنود من الطرفين، قي وقت أدى فيه الممثلون أدوارهم بجدارة كبيرة رغم أن العمليات الحربية كان لها الغلبة على مساحة الشريط، وبرز في السياق الممثل "إد سكراين" في شخصية الضابط الطيار "ديك بيست" الذي كان وراء الإصابات المباشرة التي طالت قطع الأسطول الياباني الضخم ( كان حجمه 3 أضعاف ما تمتلكه أميركا في ذلك الوقت)، ومع ذلك تحققت الغلبة للأميركيين، وجسد باقي الأدوار ممثلون لهم محطات مهنية جيدة (وودي هارلسون، لوك إيفانس، ماندي مور، لوك كلاينتاك، دينيس كوايد، وآرون إيكارت).

 

الميادين نت في

25.11.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004