كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

جوكر، الوجه الذي يخيف السلطات

هوفيك حبشيان - المصدر: "النهار"

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثانية والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

من لبنان إلى العراق، عبوراً بتشيلي وهونغ كونغ، شهد العالم في الأسابيع والأشهر الأخيرة هبَّات شعبية غير مسبوقة. شعوب خلناها أذعنت للموت البطيء واستسلمت لإرادة حكّامها الظالمين لأجل غير مسمّى، انتفضت فجأة، بعد سبات عميق، كما في الحال اللبنانية. المطالب مختلفة بين بلد وآخر والهدف واحد: عيش أفضل، استعادة الكرامة، فرص متساوية بين الجميع، عدالة اجتماعية، مناهضة الطبقية. العراقيل لا تُحصى، في مقدمها فساد السياسين الذي لم يعد هناك أدنى شك بضرورة وضع حد له. ثمة شعور بأن الكيل قد طفح، وها آن آوان المحاسبة واسترداد الحقوق الضائعة والمسلوبة. هذا كله لا يتحقق الا بالنزول إلى الشارع، لأن الشارع وضوح كما قال سمير قصير ذات مرة في دعوته إلى التظاهر.

منذ الأيام الأولى لهذه الانتفاضات، كان من المتوقع أن نغرق في سيل من الصور. التلفزيون ومنصّات التواصل الاجتماعي مصدرها الأول. لا ثورة أو تحرك شعبي من دون أفكار جديدة، رموز حيّة، موتيفات لها دلالاتها في الثقافة الشعبية التي قد تختزل الطريق بين المطالبين والمطلب.

الخيال لطالما غذّى الواقع. والحياة لم توفر فرصة لتقلد الفنّ. لذلك، لم تكن مستغربة رؤية شخصيات من عمق الثقافة الشعبية في هذه التظاهرات، شخصيات لها دلالاتها الرمزية والسياسية والاجتماعية استُحضِرت. استطاعت الانتفاضات الشعبية اسقاط الأقنعة عن الكثير من الوجوه. في المقابل، كان القناع على وجوه الكثير من المتظاهرين في نوع من تماه مع مَن اعتبروه رمزاً للنضال والمناكفة في وجه أعتى الأنظمة. من هذا الباب ولهذا الغرض، دخل "الجوكر" (شخصية الفيلم الذي أخرجه تود فيليبس ونال عنه جائزة “الأسد الذهب” في البندقية الأخير)، إلى ثورتي لبنان والعراق وغيرهما. فالفيلم الذي خرج في مطلع الشهر الماضي إلى الصالات وحقق إيرادات عالية جداً، تحوّل بطله سريعاً إلى ظاهرة اجتماعية، ثم رمزاً للفوضى فبات يُرفع في التظاهرات، بعدما كان لسنوات مجرد عدوّ لباتمان.

ولكن مَن هو الجوكر بدايةً، ولماذا يا ترى بات المستضعفون والذين ضاقوا ذرعاً بالعيش في أنظمة تمتص دماءهم، يجدون ذواتهم فيه؟ الجوكر في فيلم تود فيليبس هو آرثر، الشاب الذي يعمل مهرّجاً، ولكن له طموحات أبعد من هذا بكثير. يعيش مع أمه المريضة ويعاني من اضطرابات نفسية تجعله يطلق ضحكة مجلجلة من دون قدرة على إيقافها. هو نوع من نورمان بايتس المدن الكبرى. يحلم بتقديم استعراضات ضاحكة، ما يسمّونه بـ"ستاند آب كوميدي". يحلو له إلهاء الناس، ولكن غالباً هو الذي يغدو ملهاة. المجتمع الذي يعيش في داخله يمارس عليه أقسى الضغوط. انه المريض، المنبوذ، العبء، ظلّ من ظلال المدينة المشرذمة. انه إنسان ضاق به العالم. الفيلم عن المضطهدين داخل المجتمع الذين يتحوّلون وحوشاً مع تراكم الخيبات والتجارب البشعة. قوة "الجوكر" في الكيفية التي يتحوّل فيها إلى استعارة سياسية متطرفة ضد السلطات على أشكالها، ومرافعة ضد صنّاع الرأي العام. العنف، الظلم، غياب العدالة الاجتماعية، هذا كله في الفيلم. انه عالمنا اليوم بكلّ تجلياته (رغم أن الأحداث تجري في الثمانينات) حيث العنف يجرّ العنف.

يعود تاريخ ولادة شخصية الجوكر إلى العام ١٩٤٠، الا ان فيلم فيليبس يستلهم كتاباً لآلان مور صدر في العام ١٩٨٨ في عنوان "باتمان: ذا كيلينغ جوك"، وهو العام الذي ظهر فيه أيضاً "ف. من أجل فنديتّا"، وكلاهما أبصر النور في بيئة سياسية شديدة الاشكالية، أي زمن مارغريت تاتشر في بريطانيا ورونالد ريغن في الولايات المتحدة اللذين صاغا سياسات اقتصادية ليبيرالية.

هكذا تحول "الجوكر" رمزاً جديداً للاحتجاج والفوضى ضد كلّ أشكال السلطة المتمثّلة في الأنظمة الرأسمالية التي تسحق الفرد. القناع الذي يضعه واكين فينيكس في الفيلم، لم ترتده الوجوه فحسب بل الجدران كذلك، كما كانت الحال خلال الثورة اللبنانية المستمرة حتى هذه اللحظة، اذ ان فرقة لفنّاني الغرافيتي رسمت الجوكر وفي يده كوكتيل مولوتوف على أحد جدران المدينة. أما في تشيلي، فصرخ المتظاهرون "كلنا مهرجون"!

هناك مَن يرى ان اقحام الجوكر في الجولة الثانية من الثورات العربية، أمر غير مفهوم لا بل عير مستحب. ذلك ان "صوفته" حمراء، فهو في نهاية الأمر شرير في سجلّه جرائم عدة، فكيف يكون مثالاً لشعوب تطوق للعدالة؟ هذه نظرة طوباوية بعض الشيء، لأن الثورات لم تكن يوماً سلمية ووردية تماماً. يتجاهل الممتعضون أيضاً، الظلم الذي تعرض له الجوكر، هو ضحية لا جلاد، ضحية السيستام الذي يعيش فيه، قبل ان يحاول الانتقام منه والانقلاب عليه.

بصرياً، الملامح الغاضبة والهادئة للجوكر، هي التي سهّلت ربما عملية الاندماج والتماهي، هذا بالاضافة إلى ابتسامته الساخرة التي يمكن تحميلها معاني كثيرة. هذه ابتسامة تتوعد بقدوم ما لن يعجبنا إذا لم تتحقق الأهداف المنشودة. الابتسامة الاسطورية هذه، فيها شيء من الثقة العالية في الذات، تبعث الطمأنينة في قلب المتظاهر، فيشعر انه في مركز قوة، مركز يجعله المسيطر على الأحداث لا مجرد خاصع لها.

ارتداء وجه الجوكر يلغي كذلك فكرة الاختلاف ليعزز فكرة رصّ الصفوف التي تطالب الآذان الصمّاء بالاصغاء إلى مطالب باتت أكثر من ملحّة. القناع ينسف الفردانية لمصلحة الوحدة ويعمّق التضامن بين أبناء القضية الواحدة. الكلّ يصبح متشابهاً في مواجهة عدوّ واحد ووحيد. وهذا ما نراه بوضوح في ختام فيلم "الجوكر"، عندما ينزل الجميع إلى الشارع، وهذا أيضاً ما ينتظرنا في ختام "ف. من أجل فنديتّا"، عندما يصبح القناع علامة من علامات الاحتجاج، علماً ان القناع تنويعة لوجه غاي فوكس، الثائر الذي حاول تفجير البرلمان البريطاني في العام ١٦٠٥ وفشل في ذلك، قبل ان تتحول ملامحه رمزاً من رموز النضال ضد السلطة.

يختزن الجوكر كلّ أشكال الظلم والاقصاء والتمييز. استطاع مخترع الشخصية جعلها حالة دولية عابرة للحدود، بعيداً من ثنائية اليمين واليسار التقليدية، ما يشرح ربما شعبيتها. فكثرٌ، ما عادوا يجدون أنفسهم في المعسكرين الايديولوجيين التقليديين، ومن هنا اللجوء إلى رمز من رموز الثقافة الشعبية.

 

النهار اللبنانية في

01.11.2019

 
 
 
 
 

أوسكار 2020.. قواعد جديدة للتصويت على فئة أفضل فيلم عالمي

كتب: نورهان نصرالله

غيرت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة المانحة لجوائز الأوسكار، بروتوكولات التصويت لواحدة من أكثر فئاتها تعقيدا، وهي فئة أفضل فيلم عالمي، والذي كان يعرف حتى العام الماضي بـ "أفضل فيلم أجنبي"، وذلك وفقا لما نشره موقع مجلة "فارايتي".

حيث تم تنبيه الأعضاء إلى تغيير قواعد التصويت، لتتمثل المرحلة الأولى من التصويت جولة تمهيدية تقوم فيها باختيار من الأفلام الـ 93 للنظر فيها، على أن يتم اختيار قائمة مختصرة من 10 أفلام "تسعة سابقا" ويتم تقسيمها في النهاية إلى خمسة مرشحين، تشير التغييرات الجديدة الآن إلى أن أي عضو في الأكاديمية شاهد 10 أفلام مدرجة في القائمة المختصرة يمكنه التصويت على الترشيحات النهائية.

علاوة على ذلك، تتجه الأكاديمية بشكل متزايد نحو نظام البث للناخبين، ليتمكن الأعضاء من مشاهدة تلك الأفلام العشرة من خلال بثها على موقع أعضاء الأكاديمية بشكل آمن، مما يؤدي إلى إلغاء قاعدة سابقة كان يتعين عليهم مشاهدة الأفلام في دور العرض، توفر المرحلة الأولى من التصويت تقنيًا سبعة ترشيحات في قائمة مختصرة فقط.

وتستكمل اللجنة التنفيذية، المؤلفة من حوالي 30 عضوًا، القائمة بثلاثة ترشيحات.

 

الوطن المصرية في

01.11.2019

 
 
 
 
 

البؤساء.. عمل إبداعي حوّله الغرب إلى صناعة

علي قاسم

رواية عن الظلم والفقر واللامبالاة شكلت ظاهرة لا تموت وتجسدّت أحداثها في العديد من العروض المسرحية والأفلام.

الرواية التي تحولت إلى مسرحية، والمسرحية التي تحولت إلى فيلم، والفيلم الذي تحول إلى صناعة كاملة.. ستون فيلما، أضيف إليها مؤخرا الفيلم رقم 61. أما العرض المسرحي الغنائي المستوحى من الرواية، والذي فتح الستار عنه في لندن عام 1985، فلا يزال يعرض إلى اليوم؛ حضره أكثر من 120 مليون متفرج، في 52 بلدا، وقدم بـ22 لغة، وحصد أكثر من مئة جائزة. بالطبع نتحدث عن رواية “البؤساء”، أطول ما كتب من روايات في التاريخ؛ ضمت النسخة الأصلية باللغة الفرنسية 1900 صفحة، موزعة على 365 فصلا، كتبها الروائي الفرنسي فيكتور هوغو عام 1862، وتجري أحداثها في باريس في القرن التاسع عشر. بالحديث عن “البؤساء”، نتحدث عن كتاب لا يموت، وفيلم لا يموت، ومسرحية لا تموت.. باختصار، نحن نتحدث عن عمل فني إبداعي شكّل ظاهرة لا تموت.

لندن، المدينة الباردة التي يشار إليها بعاصمة الضباب، لا شيء فيها يغري السائح الباحث عن الشمس والبحر، إلا أنها تحتل مكانة بارزة وتصنف، بعد باريس، واحدة من أكثر مدن العالم جذبا للزوار؛ أكثر ما يجذب السائح إليها هو المسارح، ومن بين عشرات الأعمال المسرحية التي تعرض على خشباتها، يقف العرض المسرحي الغنائي، “البؤساء”، على رأس تلك العروض.

في بداية ثمانينات القرن الماضي كنت قادما جديدا إلى لندن، وكان ملصق المسرحية، الذي يصور الفتاة كوزيت، يحتل مكانا بارزا على واجهة مسرح وسط المدينة، واليوم بعد مرور 35 عاما، مازال الملصق الإعلاني يحتل مكانه.

ظاهرة لم أكن أتخيل وجودها، رغم حبي للمسرح، كنت أعتقد أن المسرحية الناجحة يدوم عرضها أسبوعا وحدا أو أسبوعين.. وها أنا أمام عرض متواصل لمسرحية تأبى أن تموت.

وعلى مسارح برودوي، في مدينة نيويورك، قدمت المسرحية في أكثر من 6600 عرض، مما جعل منها، تاريخيا، ثالث أطول العروض هناك. وبلغ مجموع من شارك في أداء الأدوار فيها أكثر من 4700 ممثل وممثلة.

ولم يقتصر نجاح العمل على خشبات المسرح ودور عرض السينما، فقد حظي أيضا على نجاح مماثل في التكنولوجيا الرقمية، ووسائط التواصل الاجتماعي. وعندما غنت البريطانية، سوزان بويل، أغنية “أنا حلمت حلما” من المسرحية، تابعها على موقع يوتيوب أكثر من 114 مليون شخص.

يغوص فيكتور هوغو، في روايته “البؤساء” في خبايا المجتمع الباريسي، عارضا حياة السياسيين والعلاقات بين المرأة والرجل، من خلال صراع دائم بين مطلب العدالة الاجتماعية وبين الطبيعة البشرية.

قدمت الرواية في عروض مسرحية عديدة، كان أولها عام 1980. ويبقى العرض الموسيقي الذي كشف الستار عنه في لندن عام 1985 أبرزها، وقد شجع نجاح العرض على نقل الرواية إلى السينما، حيث تعددت الأفلام التي أنتجت حولها، وكان آخرها فيلما من إنتاج عام 2012. وأنتجت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) الرواية في مسلسل من ستة أجزاء. ويقول منتج المسلسل، أندرو ديفيز، إنه أراد بعمله هذا “إنقاذ الكتاب العظيم”، بعد أن “كره العرض المسرحي الموسيقي”.

يغوص فيكتور هوغو، في روايته "البؤساء" في خبايا المجتمع الباريسي، عارضا حياة السياسيين والعلاقات بين المرأة والرجل، من خلال صراع دائم بين مطلب العدالة الاجتماعية وبين الطبيعة البشرية

انتقد هوغو في الرواية الظلم الاجتماعي الذي عانى منه الفرنسيون، في الفترة الممتدة بين سقوط نابليون عام 1815، والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب عام 1832. وكتب في تقديمه لها عن “الجحيم البشري في ظل غياب العدالة، وسيادة عادات وقوانين ظالمة”. واعتبر أن كتابا مثل هذا “ضروري طالما وجد الفقر، ووجدت اللامبالاة”.

قدم هوغو صورة واقعية للحياة الاجتماعية البائسة التي عاشها الفرنسيون، وصور المعاناة التي عاشها المنبوذون من خلال شخصية، جان فالجان، السجين الذي خرج لتوه من السجن، بعد أن أمضى فيه 19 عاما، وكانت التهمة الموجهة إليه هي سرقة رغيف خبز، أراد أن يطعم به أخته وأطفالها الذين تضوروا جوعا.

لم تكن الحياة التي واجهها فالجان خارج السجن أقل شقاء من الحياة داخله، وهو الموسوم بجرم سابق، لا عمل يقبله، ولا مكان يبيت فيه. وعندما يجد الحل في ضيافة أسقف المدينة، يهرب ليلا سارقا أوان فضية، ليقبض عليه. وللمرة الثانية ينقذه الأسقف مدعيا أنه هو من أعطاه الفضيات، ويصر، بعد رحيل رجال الشرطة، أن يقدم إلى فالجان شمعدانين فضيين كان يستعملهما للإضاءة في منزله، قائلا له بصوت خافت “لا تنس أبدا أنك وعدتني أن تستخدم هذه الآنية لتصبح رجلا صالحا”.

اختفى جان فالجان في الزحمة، ليظهر ثانية في “مونتروي سورمير”، المدينة الصغيرة في الشمال الفرنسي، ولكن باسم جديد، هو السيد “مادلين”، مخفيا شخصيته الحقيقية عن الناس، بعد أن أصلح حاله، وتحسنت أموره المالية، وكوّن ثروة كبيرة استعان بها ليظهر بصفة رجل أعمال وصناعي ناجح، وواحدا من كبار المحسنين وفاعلي الخير في المدينة.

آمن هوغو أن النعمة التي يرفل بها يجب أن تطال المعوزين والبائسين والمظلومين. وفتح أبواب العمل للناس، طالبا منهم الالتزام بشرط واحد أصبح معروفا للجميع: “كن أمينا”. ومع تكرار أعماله الخيرية وتبرعاته أصبح اسمه يتردد على لسان سكان المدينة، الذين حملوه على قبول منصب العمدة، بعد رفض وتردد.

وعندما نشرت الصحف في مطلع سنة 1821 خبرا عن وفاة الأسقف، عن عمر يناهز الثانية والثمانين، قضاها في أعمال البر والخير، شوهد السيد مادلين في صباح اليوم التالي يرتدي ثوب حداد أسود وعصابة سوداء تطوق قبعته.

آخر ما قدم من أفلام بنيت حول الرواية، كان فيلما موسيقيا دراميا، إنتاج بريطاني، من إخراج توم هوبر وسيناريو ويليام نيكلسون، وبطولة هيو جاكمان وراسل كرو، وعرض في ديسمبر 2012

وتأبى الحياة أن تهادن فالجان، ليعترض طريقه محققا اسمه، جافرت، كان يعمل حارسا في السجن الذي أمضى فيه عقوبته. يشك جافرت بأمر مادلين ويبقيه تحت رقابة سرية دقيقة.

في الأثناء يُتهم رجل مشرد بسرقة بعض الفاكهة، كان كثير الشبه بفالجان، لتوجه له، إضافة إلى تهمة السرقة، تهمة الهرب وتضليل من العدالة، ظنا منهم أنه جان فالجان. وكان المحقق جافرت أكثر المتحمسين لإلصاق التهمة به، وشهد أمام المحكمة أنه جان فالجان نفسه.

بعد صراع طويل وتأنيب ضمير، سلم مادلين نفسه للشرطة لإنقاذ الرجل البريء، كاشفا عن حقيقته ومعرضا نفسه لعقوبة طويلة لكونه صاحب سوابق. وخلال نقله من المحكمة إلى السجن، استطاع الفرار والاختفاء من جديد، ليقضي بقية حياته مطاردا، وكان قد تبنّى طفلة يتيمة اسمها، كوزيت، هي ابنة امرأة عملت لديه وتوفيت إثر مرض أصابها، وكرس حياته لإسعادها.

الرواية، التي صدرت لها عدة ترجمات باللغة العربية، كان أولها ترجمة اللبناني، منير البعلبكي، عام 1950 بخمسة أجزاء وتضمنت 2340 صفحة، رواية لا يمكن اختصار أحداثها ببضع أوراق. رغم ذلك يمكن القول إن أحداث الرواية التي عرضت واقع البؤس في تلك الفترة، ليست مجرد استعراض سردي لعدالة اجتماعية مفقودة، بل ما يميزها هو النزعة الجمالية الرومانسية التي بلغت ذروتها بقصائد شعرية، تحولت معها الرواية إلى عمل كلاسيكي، وصنفت واحدة من أهم ما أنتجه الأدب الغربي طوال 157 عاما. إنها حكاية صالحة لكل زمان ومكان.

وكما ذكرنا بداية، قدمت الرواية للسينما في 61 عملا، كان من بينها فيلمان قدمتهما السينما المصرية، الأول عام 1943، من إخراج  كمال سليم، واقتباس ميشيل تلحمي وبديع خيري، وشارك في الأداء كل من عباس فارس وأمينة رزق وسراج منير ولطيفة نظمي. المرة الثانية، كانت عام 1978، للمخرج عاطف سالم، سيناريو رفيق الصبان، بطولة فريد شوقي وعادل أدهم ويوسف وهبي، وشاركت في الفيلم ليلى علوي، في أول دور سينمائي لها، وكانت في العاشرة من عمرها. وقد منح الفيلم مؤخرا جائزة “سينما من أجل الإنسانية”، في مهرجان الجونة السينمائي، بنسخته الأخيرة.

آخر ما قدم من أفلام بنيت حول الرواية، كان فيلما موسيقيا دراميا، إنتاج بريطاني، مقتبسا عن المسرحية الموسيقية التي تحمل نفس الاسم للكتاب، آلان بوبليل، وكلود ميشيل شونبيرج، وهربرت كريتزمر، والتي بدورها اقتبست عن رواية البؤساء.

كان أول فيلم صامت اعتمد رواية البؤساء قد أنتج عام 1909، تلاه فيلم صامت آخر من إنتاج وليام فوكس وإخراج فرانك لويد عام 1917. لتتوالى الأفلام بعد ذلك

الفيلم من إخراج توم هوبر، وسيناريو ويليام نيكلسون، وبطولة هيو جاكمان وراسل كرو وآن هاثاواي وأماندا سيفريد وايدي ريدماين وهيلينا بونهام كارتر وساشا بارون وأيضا إيرون تفايت، في دور ثانوي.

العرض الأول الخاص للفيلم قدم في قاعة سينما الإمباير بساحة ليسترسكوير وسط لندن، 9 ديسمبر 2012، وعرض في الولايات المتحدة في 25 ديسمبر 2012، وفي المملكة المتحدة في 11 يناير 2013. حقق الفيلم نجاحا باهرا وتلقى استقبالا حارا وإيجابيا من قبل النقاد، واعتبر أفضل فيلم موسيقي يرشح لجائزة الأوسكار منذ عام 2002، ونال أداء كل من هيو جاكمان وآن هاثاواي التي قامت بقص شعرها وخسارة وزنها لتبدو مريضة بالسل، ثناء خاصا مستحقا.

حصد الفيلم ثلاث جوائز، غولدن غلوب، من أصل أربع جوائز. حيث نال جائزة أفضل فيلم موسيقي أو كوميدي، وجائزة أفضل ممثل في فيلم موسيقي أو كوميدي، التي ذهبت لهيو جاكمان، وجائزة أفضل ممثلة في فيلم موسيقي أو كوميدي لآن هاثاواي. ورشح لتسع جوائز بافتا، حصل على أربع منها، من ضمنها جائزة أفضل ممثلة في دور مساعد، لآن هاثاواي. كما تلقى ثمانية ترشيحات للأوسكار، حصد منها ثلاثة لأفضل ممثلة في دور مساعد لآن هاثاواي، وأفضل ماكياج وتصفيف الشعر، وأفضل ميكساج للصوت.

وكان أول فيلم صامت اعتمد رواية البؤساء قد أنتج عام 1909، تلاه فيلم صامت آخر من إنتاج وليام فوكس وإخراج الأميركي فرانك لويد عام 1917. لتتوالى الأفلام بعد ذلك.

ولكن، من هو فيكتور هوغو، الذي شغل عالم السينما والمسرح والرواية والشعر؟

ولد فيكتور هوغو في مدينة، بيزانسون، شرقي فرنسا، 26 فبراير 1802، وتوفي في 22 مايو 1885، هو شاعر وروائي وواحد من أبرز أدباء فرنسا في الحقبة الرومانسية، ترجمت أعماله إلى أغلب اللغات المنطوقة؛ 21 لغة. ورغم أن العالم عرف هوغو روائيا، في المقام الأول، إلا أن شهرته كشاعر سبقت شهرته ككاتب روائي في بلده فرنسا، حيث بدأ نشاطه الأدبي في كتابة الشعر، تاركا خلفه عدة دواوين، أشهرها “تأملات ” و”أسطورة العصور”. أما أبرز أعماله الروائية فهي “البؤساء” و”أحدب نوتردام”. وكان هوغو ناشطا اجتماعيا، حيث دعا إلى إلغاء حكم الإعدام وأيد نظام الحكم الجمهوري.

في مطلع حياته درس هوغو القانون، إلا أنه لم يمارس مهنة المحاماة بل شرع في كتابة الأعمال الأدبية، بعد تشجيع من والدته. وأسس جريدة المحافظون الأدبية؛ نشر فيها أعماله وأعمال أصدقائه الشعرية. وفي عام 1831، نشر أحد أكثر أعماله شهرة؛ رواية “أحدب نوتردام” التي مهدت الطريق لكتاباته السياسية اللاحقة. وبحلول عام 1940 كان هوغو قد أصبح من أبرز الشخصيات في الأوساط الأدبية الفرنسية، وتم انتخابه عضوا بالأكاديمية الفرنسية ورشح لمجلس النبلاء.

شهد عام 1843 حدثا ترك أثرا كبيرا على حياة هوغو، حيث لقيت ابنته الكبرى مصرعها غرقا بنهر السين مع زوجها، ليدخل في حالة اكتئاب شديد، وينكب على كتابة قصائد في رثائها.

وفي ديسمبر عام 1851، وبعد أن استولى لويس نابليون على السلطة في فرنسا، ونصب نفسه إمبراطورا، نظم هوغو حركة مقاومة باءت بالفشل، فاضطر إلى مغادرة فرنسا مع عائلته، وعاش في منفاه الاختياري حتى عام 1870، عاد بعدها إلى فرنسا رجل دولة وأديبا يتبوأ المركز الأول، وانتخب نائبا عن باريس، ولكنه استقال بعد وفاة ابنه شارل.

اتسمت أغلب الأعمال التي نشرها هوغو، أثناء إقامته في المنفى، بسخرية مريرة وانتقادات اجتماعية لاذعة، وكان أشهرها رواية “البؤساء”، ويقال إن ما كتبه هوغو في الرواية، حول الظلم الذي تعرض له فالجان، كان سببا في قرار فرنسي يمنع تجريم أي شخص يسرق خبزا.

عودة هوغو إلى فرنسا، قادما من منفاه في بريطانيا، أصبحت رمزا لانتصار الجمهوريين، إلا أن سنواته الأخيرة كانت في منتهى البؤس؛ فقد اثنين من أبنائه، بعد أن فقد ابنته وعشيقته، وخيمت الكآبة على أعماله، التي ركز فيها على مفاهيم الألوهية والشر والموت.

توفي فيكتور هوغو في باريس، يوم 22 مايو 1885، متأثرا بمرض عضال، وتم تشييع جثمانه في جنازة تشريفية شارك فيها عشرات الآلاف، ودفن أسفل قوس النصر تكريما له، لينقل في وقت لاحق إلى مقبرة العظماء.

مات فيكتور هوغو، وبقيت رواية “البؤساء” حية لا تموت.. تحولت إلى ظاهرة، وتحولت الظاهرة إلى صناعة.

كاتب سوري مقيم في تونس

 

العرب اللندنية في

01.11.2019

 
 
 
 
 

"الجوكر": الشرّ كنتيجة للقهر الاجتماعي

علي الحاج ابراهيم

حادثة قتل في قطار الأنفاق حوّلت آرثر، والذي يؤدّي شخصيَّة الجوكر، إلى رمزٍ لثورة ضدّ أغنياء المدينة. شخصية "آرثر" التي لعب دورها الممثل الأميركي، خواكين فينيكس، في فيلم "الجوكر" الصادر هذا العام، تعاني من اضطرابٍ يؤدّي إلى نوبات ضحك هستيرية في مواقف غير مناسبة. وكمحاولةٍ "لحلّ هذه المشكلة"، تقدّم له الخدمات الاجتماعية أدويةً لمعالجة هذه الحالة، أو على الأقلّ كي لا تسوء. آرثر يعيش في منزل مع أمه، ويعاني من العزلة في مجتمعه، ويعمل مع مجموعة من الناس في مجال الترفيه كمهرج، وأحياناً يقدم عروضاً في الشارع. ولكن، ليس هذا بالطبع هو العمل الذي يحلم به. إذْ يحلم أن يقدّم عروضاً كوميدية ("ستاند آب كوميدي")، متأثراً بشخصية مشهورة هي "مورري"، تبدع في تلك الأنواع من العروض، والتي لعب دورها في الفيلم الممثل روبرت دي نيرو. ثمَّة سببٌ آخر يجعل آرثر يعمل كمقدم عروض كوميدية، وهو أن أمَّه اعتادت على تحفيزه لـ"جلب الضحكة لهذا العالم الذي نعيش فيه". لم يكن آرثر موفقاً بالعمل في الكوميديا، واستمرَّ بالعمل كمهرج لإبهاج الأطفال، وكسب بعض المال.

بدا آرثر في الفيلم هزيلاً نحيلاً، ومستضعفاً من قبل الأشرار في المدينة، ونرى في أكثر من مرة، أنه تم الاعتداء عليه في الشارع، ليقوم زميله في العمل بإعطائه مسدساً. ومن تلك الحادثة، تغيرت حياة آرثر. فقد تم طرده من العمل بسبب إحضار المسدس معه إلى أحد العروض في مشفى للأطفال، وبعد طرده يتمَّ الاعتداء عليه في قطار الأنفاق من قبل ثلاثة أشخاص أغنياء يعملون كرجال أعمال، كانوا يتحرشون بفتاة معهم في العربة. تغادر الفتاة خائفة، ومن ثم يقومون بضربه بسبب ضحكه الهستيري، مما يحفز آرثر على قتل اثنين منهم كدفاع عن النفس، ومن ثم يلاحق الثالث، ويقوم بإعدامه في نفس المحطة.

تصريحات المرشح لعمدة المدينة، توماس واين، تثير الضجة في المدينة. فقد وصف أن حياة الأغنياء الذين قتلوا في القطار أهم من مهرجي المدينة، في إشارة منه إلى القاتل وإلى الفقراء، مما أشعل ثورة في المدينة ضد الأغنياء، وضد توماس واين ذاته. آرثر كان يعتقد أن واين هو والده، بعد أن أخبرته أمه بذلك، لأنها كانت تعمل في منزله كخادمة، وبأنَّه أقام معها علاقة سرية، ولكنه استخدم سلطته ونفوذه لإجبارها على عدم البوح بذلك. لكنَّه يكتشف أنه طفل متبنّى، وأن أمه كانت تعاني من أمراض نفسية وأوهام، فيقوم آرثر بقتل أمه في المشفى، بعد أن تم إسعافها إثر نوبة قلبية. ومن ثمّ ينتقم من كل شخص أساء معاملته في الماضي والحاضر، فيقوم بقتل زميله في العمل الذي أعطاه المسدس، ويقوم بقتل مقدم العروض الكوميدية "مورري" (دي نيرو)، بعد أن سخر من أحد عروض آرثر في الماضي، إذْ يقرر استضافته في إحدى حلقات برنامجه لمتابعة التهكم على آرثر، ليعترف على الهواء مباشرة، بقتله لرجال الأعمال في القطار، ومن ثمّ يطلق النار على مورري بدم بارد. يتمُّ اعتقال آرثر بعد ذلك، ولكن الثائرين يقومون باعتراض سيارة الشرطة، وتحريره ليرقص رقصة تشجيع وإبهاج للفقراء الثائرين.

فيلم جديد وقصة جديدة للتعاطف مع شخصية قاتل، لطالما تم تصويرها كذلك من خلال مجريات الفيلم. فلم نرَ الانحراف في سلوك "الجوكر" إلا بعد إغلاق الخدمات الاجتماعية وتوقيف أدويته، وأيضاً بعد معرفة أن والدته كذبت عليه لسنين طويلة وأخفت عنه بأنها جعلت صديقها يعتدي عليه جنسياً في طفولته. ناهيك عن طريقة تعاطي المجتمع معه بسبب حالته المرضية وشكله، إذْ أنَّ كل من حوله كانوا ينادونه بالمخيف والغريب. ولم يلجأ آرثر إلى العنف، إلا بعد شعوره بامتلاك القوة، والتي تجسَّدت بالسلاح، واستشعر القوة أيضاً بعد رؤيته الاحتجاجات في المدينة والفوضى التي عكست ما بداخله من تراكمات سني حياته.

أدّى خواكين فينيكس شخصية "الجوكر" بشكل ناجح، تمثلت بكل حركة من حركاته في الفيلم، وضحكه الهستيري، وخاصة في أداء الرقصة على الدرج الطويل في المدينة. الأمر الذي حول هذا الدرج إلى مقصد للكثير من المعجبين لالتقاط الصور هناك، مؤدين ذات الرقصة.

في فيلم "الجوكر"، من إخراج تود فيليبس، نرى الكثير من التقاطعات مع أفلام أخرى تحمل نفس الطابع السيكولوجي، كفيلم One Flew Over the Cuckoo's Nest الصادر عام 1997، من بطولة جاك نيكلسون الذي يصف من داخل المصح النفسي، أن وضع الشارع خارجاً ليس أفضل من المصح النفسي. وهنا نرى كيف سأل آرثر طبيبته النفسية أنه "هل أنا فقط، أم أن الحياة في الشارع أصبحت أكثر جنوناً؟".

والرقصة التي أداها آرثر في الفيلم، والتي بدت في بادئ الأمر طبيعية، إلى أن أصبحت رمزاً لثورة الفقراء ضد الأغنياء، تتقاطع مع فيلم V for Vendetta الصادر عام 2005، في مقولة "ثورة من دون رقصة، ليست بثورة ذات قيمة". قناع "الجوكر" كقناع سلفادور دالي من المسلسل الإسباني La casa de papel، هو قناع يكتسح ثورات الشعوب الحالية ضد طغيان أسيادها. فعلى الرغم من ظهور الأقنعة هذه في الأفلام بشكل شرير، إلا أنها تتلاقى مع أوجاع الشعوب المقهورة وتلامس أحاسيسها، فنحن لسنا بمهرَّجين، وأدوات تسلية لأسيادنا، وخلف تلك الأقنعة تقبع وجوه أرهقتها حياة طويلة من الذل والظلم.

 

العربي الجديد اللندنية في

02.11.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004