كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

جوكر: المدينة تنتظر وقوع كارثة

محمد هاشم عبد السلام

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثانية والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

عادة، يبدو وجه المُهرّج ضحوكًا ومُبهجًا ومثيرًا للفرح والسعادة. يتجلّى هذا عند رؤيته من مسافة، أو عندما تلتقطه الكاميرا عن بعد. لكن الاقتراب من الوجه الملوّن، والتفرّس في تفاصيله، خصوصًا ابتسامته العريضة وألوانه الفاقعة المتكلّفة، هذا كلّه يكشف النقيض: الحزن سمته، والوجه يبعث على الخوف غالبًا. لذا، نادرًا ما تمعّنت وتفرّست عدسة السينما طويلاً في وجه المهرّج، بينما تناولت أفلام عديدة حياته، مُظهرةً ما يكمن خلف تلك الابتسامة العريضة من بؤس وحزن وشقاء، غالبًا.

في "جوكر" ـ الفائزة بجائزة "الأسد الذهبي" في الدورة الـ76 لـ"مهرجان فينسيا السينمائي الدولي" ـ يتعمّد المخرج تود فيليبس أخذ لقطات مقرّبة وطويلة لوجه الجوكر، أو آرثر فْلِك (واكِن فينيكس). للأمر مغزاه، بالتأكيد. يتجاوز فيليبس استعراض الحزن أو الشقاء أو البؤس في حياة أحد المهرّجين إلى ما هو أبعد وأعمق. لكنه، في النهاية، يلعب على ثنائية الوجه والقناع، والحقيقي والزائف، وما يظهر على السطح، وما يكمن في الأعماق.

على السطح، تدور الأحداث في إحدى المدن الأميركية، الشبيهة بنيويورك، في ثمانينيات القرن الماضي. تعاني المدينة حالة بطالة، وإضراب عمّال النظافة عن العمل، ما أدّى إلى انتشار القمامة والفئران الضخمة. هناك تخبّط اقتصادي، وانهيار اجتماعي، وأزمة مالية. هناك أيضًا انتخابات، ووعود زائفة. هذا يوحي بأنّ هناك ما يعتمل في الصدور. باختصار، المدينة تنتظر وقوع كارثة.

خلال عمله، يتعرّض آرثر فْلِك للضرب والمهانة والإذلال، بسبب ما يحمله تاريخ مهنته من احتقار واستضعاف واستهانة، من أناسٍ كثيرين. هناك أيضًا ضغوط المهنة، والصعوبات الحياتية والمجتمعية، بالإضافة إلى المشاكل المرضية. هذا كلّه يُمهِّد لتحوّلات كارثية ستطرأ على الشخصية، وستفجرها في الجميع.
في
 أحداث الفيلم إسقاطات على الراهن الأميركي، تتناول الفوضى والعنف، اللذين ربما يكونان المقابل العادل في مجتمع غير مبال، كالمجتمع الأميركي، أو غيره من المجتمعات. هناك بعض المباشرة، خصوصًا مع قرب انتهاء الفيلم. لكن، ليس كلّ مُباشر سلبيًا. أحيانًا، تكون المباشرة مطلوبة بعض الشيء.

من الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يسحب تود فيليبس شخصية الجوكر إلى أرضية أخرى، لا تنفصل عما سبق. صحيح أنه لا يربط ربطًا حتميًا بين المرض العقلي، أو الفقر والبؤس والشقاء، والجنوح إلى القتل واقتراف الجريمة. لكن ما يسوقه من نكبات تحدث مع آرثر فْلِك، ولعلّها تحلّ بأي فرد آخر يعيش في ظروف مماثلة، يُمكن أنْ تتطابق نتيجتها تمامًا مع ما سلكه الجوكر وانتهى إليه.

"هل أنا فقط من أصابني الخبل، أو المدينة برمّتها؟". يسأل فْلِك الأخصائية الاجتماعية (شارون واشنطن)، فتجيبه ـ بعد إخباره أنّه، نظرًا إلى قلّة الأموال، لن يمكنه صرف مستحقّاته من الأدوية، الموصوفة له بعد خروجه من المستشفى - بأنّ المدينة "جُنّ جنونها"، وبأنّ هذه الأيام تحديدًا عصيبة على الجميع. سؤال كهذا يعني أن الشخصية ليست مريضة كليًا، وغير منفصلة تمامًا عما يدور حولها من خبل. لكنها، في الوقت نفسه، تعاني اغترابًا عن المجتمع، وعمن حولها. فعلاقة آرثر قاصرة على والدته المُسنّة المريضة، بيني (فرانسيس كونروي)، وعلى زملاء العمل، الذين بالكاد يتبادل الكلام معهم. الأم العزباء صوفي (زازي بيتز)، جارته في البناية، يتخيّل أنّ له علاقة غرامية بها. إلى ذلك، يتخيّل أنّ له علاقة بموراي فرانكلين (روبرت دي نيرو)، المُقدّم التلفزيوني الكوميدي الشهير، الذي يحلم بأنْ يستضيفه يومًا ما في برنامجه، ويقدّمه إلى الجمهور كفنان كوميدي. أو ربما يقدّم برنامجًا مشهورًا مثله.

يصف آرثر فْلِك حياته هكذا: "ظننتُ دائمًا أنّ حياتي تراجيديا، لكنّي أدركتُ الآن أنها ليست سوى كوميديا سخيفة". قبل إدراكه هذا، تنكشف رغبته الصادقة في عيش حياة بسيطة عادية. فأقصى طموح له أنْ يكون "كوميديانًا"، وإنْ في حانة. سلوكه مُسالم للغاية. مُحبّ للجميع. يحثّ من حوله على الضحك والابتسام، وتحمّل الآلام. حتى عندما تعرَّضَ له بعض الصبية، وضربوه وسرقوا منه لافتته، لم يعترض عندما حَسَم صاحب العمل ثمنها من أجره الزهيد. قبوله المسدس من زميله في العمل لحماية نفسه، لم يهتمّ به كثيرًا، ولم يكترث باستخدامه. لكن لحظة الانفجار أو التحوّل تتمثّل بهجوم ثلاثة حمقى مخمورين عليه في المترو، كادوا يفتكون به، فاضطر إلى استخدامه.

كان يُمكن للحادثة أنْ تمرّ، فوجهه مصبوغٌ بمكياج المهرّج، ولن يتعرّف عليه أحد. عربة المترو خالية تقريبًا. لكن تكالب الأحداث المأسوية غير المتوقّعة هدمت حياته، الهشّة أساسًا، ما دفعه إلى ارتكاب جرائم إضافية. لم يتورّع عن "الأخذ بالثأر" من جميع من جرحه يومًا، بكلمة أو كذبة أو إهانة، وممن دمَّرَ حياته، بمن فيهم والدته، التي اتضح أنّها ليست والدته، وحتى محبوبه ومعشوقه موراي فرانكلين، الذي استضافه فعليًا في برنامجه المسائيّ.

"جوكر" مليء بالعمق والإثارة والتشويق. فيلم الرجل الواحد. ما يعيبه ربما، رغم قوة السيناريو والشخصية، أنّه لو لم يؤدِّ واكِن فينيكس الشخصية، لفَقَد بريقًا كثيرًا. أداءٌ فذّ، هو أبسط ما يمكن أن يوصف به تمثيل فينيكس، المتماهي بالشخصية، بطاقته كلّها، بما يملك من قدرات إبداعية. لذا، لم يكن صعبًا الشعور بآلام آرثر فْلِك وضعفه وغضبه بصدق، ولا أنْ يتجسّد الذهان بشكلٍ طبيعي ووحشي، وأنْ يُصدَّق هذا كلّه من دون أية مبالغة.

أبدع واكِن فينيكس في كلّ شيء: تغيير نبرات صوته، وانتقاله بين الضحك الهوسي والابتسام والحزن والغضب والانفعال، تسخيره أدواته كلّها لتجسيد الحالة المتقلّبة للشخصية، وتطوّرها المرضي المُتصاعد، إلى درجة أنْ ركضَه بغرابة كبيرة ورقصَه بحذائه الغريب المُقرقع، متميّزان للغاية. هناك أيضًا فقدانه لوزنه، فصار هزيلا جدًا، وبرزت ضلوعه بشكلٍ مُخيف، كإشارة إلى الحالة المتفاقمة من الفقر والبؤس والمرض. هناك أيضًا تلك الضحكة المجلجلة، الصادرة من أعماق صدره، والتي تنتهي باختناق وكبح للدموع الطافرة من العينين. أداء شخصية كهذه لا يتمكّن منه إلاّ ممثل بقيمة فينيكس. بهذا، يؤكد الممثل، إلى الآن على الأقلّ، أنّه سيكون صاحب "أوسكار" أفضل تمثيل، في النسخة الـ92 لتوزيع الجوائز، في 9 فبراير/شباط 2019، بعد ترشّحه في هذه الفئة 3 مرات سابقًا.

 

العربي الجديد اللندنية في

17.09.2019

 
 
 
 
 

أفلام عربية تحتشد لسباق الأوسكار

عددها 11 فيلماً... وبعضها ضل الطريق

لندن: محمد رُضـا

بعد أسابيع قليلة من نهاية حفلة الأوسكار الحادية والتسعين، أعلنت أكاديمية العلوم والفنون السينمائية في لوس أنجليس تغيير اسم إحدى أهم جوائزها. أوسكار «أفضل فيلم أجنبي» تسمية تغذي روح التفرقة بين ما هو محلي وغير محلي، لذلك بات الاسم الجديد هو أوسكار «أفضل فيلم عالمي».

ما زال القصد واحداً، لكنّ هناك من سيعتبر أن في التسمية إجحافاً للسينما الأميركية التي هي (بالنسبة للدول الأخرى) عالمية. مهما يكن، ومع صعوبة إرضاء فرقاء كثر، فإن التسمية الجديدة أفضل وقعاً مما كانت عليه.

-- لا يستحق الوجود

ما يطفو على السطح في كل عام في مثل هذه الأيام، هو رغبة أكثر من 80 دولة حول العالم إرسال ما هو (على نحو أو آخر) أفضل ما لديها من أفلام. والمسألة لا تختلف هذه السنة بصرف النظر عن المسمّى. وحتى الآن، وعلى بعد أسابيع من إغلاق باب الترشيحات بالنسبة لهذه الجائزة، هناك 64 بلداً بعث بـ64 فيلماً لدخول السباق الكبير رسمياً. من بين هذه الدول عشر دول عربية ليس من بينها - بعدُ - لبنان الذي وصل إلى الدور النهائي في ترشيحات هذه المسابقة في العام الماضي، عبر فيلم نادين لبكي «كفرناحوم». كذلك ليس من بينها، وحتى الآن أيضاً، السعودية، من خلال فيلم هيفاء المنصور الجديد «المرشحة المثالية»، أو أي فيلم آخر حديث.

الدول الإحدى عشرة التي بعثت بأفلامها هي (الدولة متبوعة بعنوان الفيلم ومخرجه)

- الإمارات العربية المتحدة: «رشيد ورجب» لمحمد سعيد حريب.

- البحرين: «طربال رايح جاي» لأحمد عبد الله صالح.

- مصر: «ورد مسموم»، لفوزي صالح.

- عُمان: «زيانا»، لخالد الزدجالي.

- فلسطين: «لا بد أنها الجنة»، لإيليا سليمان.

- المغرب: «أدم»، لمريم توزاني.

- قطر: «جهاد في هوليوود»، لعمر الدخيل.

- تونس: «ولدي»، لمحمد بن عطية.

- الجزائر: «بابيشا»، للينا خضري.

- ليبيا: «ميادين الحرية»، لنزيهة عربي.

- السودان: «إكاشا»، لحجوج كوكا.

أتيح لهذا الناقد مشاهدة ستة من هذه الأفلام حتى كتابة هذا التقرير، لكنه ليس من الصعب التكهن بأن الفيلم الذي قد يستحقّ أكثر من سواه دخول المسابقة رسمياً هو فيلم إيليا سليمان «لا بد أنها الجنة».

يؤكد ذلك أن المقدمات الإعلانية لبعض الأفلام تشي بمستوى لم يكن يصلح حتى للتفكير لإرسالها إلى أي جهة خارج بلدانها أو مناطقها. «رشيد ورجب»، على سبيل المثال، كوميديا تتبدّى سريعاً كتركيبة تلفزيونية الشكل جماهيرية في المقام الأول من دون أي اشتغال على النواحي الفنية، وهو شرط ضروري للوصول إلى مصاف الترشيحات.

«طربال رايح جاي» يعاني المشكلة ذاتها مضاعفة. المقدّمة الإعلانية تحتوي على مشاهد يعود تاريخ نفاذها من التعامل إلى أيام السينما اللبنانية والمصرية في مطلع الستينات.

على أن الملاحظ أن اختيار كل من ليبيا وقطر مال لصالح فيلمين تسجيليين، وهذا مسموح به لكنه ليس معتمداً لوجود قسم خاص للسينما التسجيلية يتضمن أفلاماً أميركية وغير أميركية.

-- مصر وليبيا والسودان

الفيلم المصري الذي تقرر إرساله إلى ترشيحات الأوسكار هو «ورد مسموم» لفوزي صالح. شوهد في الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة السينمائي ويستحق الإشادة لأسلوب عرضه لحياة وبيئة خفية عن الأعين وتقع تحت مستوى التهميش الذي اعتادت عرضه الأفلام المصرية المختلفة عن السائد.

لكنه ليس فيلم أوسكار بعناصر لافتة يلتقطها المحكمون هناك بعناية. هذه العناصر يمتلكها فيلم مصري جيد آخر لم يتم اختياره هو «تراب الماس» لمروان حامد. وفي حين أن شغل حامد على الموضوع كلاسيكي الإطار، يعكس «ورد مسموم» تلك الرغبة في الذهاب إلى أقصى درجات الواقعية ضمن إنتاج محدود التكلفة. صحيح أن الميزانية لا تدخل شرطاً لدى اللجنة الأكاديمية التي تعاين الأفلام، إلا أن تبعاتها على الفيلم من حيث قدرتها على تأمين «لوك» جيد لها أهميتها الكبيرة في هذا المجال.

الفيلم الليبي «ميادين الحرية» أجدر بالمتابعة، لكن من المستبعد جداً أن يصل إلى المرحلة الختامية سواء في مسابقة أفضل فيلم عالمي أو عبر مسابقة الفيلم التسجيلي.

تتحدث مخرجته نزيهة عربي عن أول فريق كرة قدم نسائي تم تأسيسه في ليبيا بعد سنوات قليلة من الثورة التي أطاحت بمعمر القذافي. تأسيس الفريق أثار المعنيين بين مؤيد ومناهض. يتساءل إمام المسجد: «أين الإسلام من هذا؟». بقيام المخرجة بإيراد موقف الإمام أمام المصلين ومستمعيه توجز موقف إحدى الجهات المحافظة التي واجهت فكرة قيام فريق كرة قدم قوامه فتيات طموحات.

لكن عزيمة الفتيات أدَّت إلى قيام الفريق، ولو أن النهاية لا تستطيع، في فيلم يعتمد الواقع وليس الخيال، طرح أي مستقبل حقيقي لهذا المنجز. ما تقوم به المخرجة هو تقديم بضع نساء يقدن الرغبة في تأسيس هذا الفريق، وبذلك يقدن الرغبة في تحقيق هذا القدر من الحرية على الأقل.

جابت المخرجة أماكن عدة لتقدم بعض أوجه المدينة ووضعها (أسواق، شوارع، ملاعب... إلخ) لكنها لم تعرف تماماً كيف تهتم بالصورة لتمييز العمل، فبقيت الكاميرا أداة ذات دور محدود. على ذلك، لا يفوت المخرجة التنويع، فتصوّر بطلاتها خارج الملاعب أو داخلها وتلتفت صوب بعض التفاصيل (كمشهد بعض الصبية ينادون: «بالروح بالدم نفديك يا فلسطين»). كونها امرأة تصوّر الفيلم بنفسها منحها القدرة على الحفاظ على عفوية شخصياتها الماثلة.

ليبيا ليست بلداً منتجاً للأفلام، كذلك الحال مع السودان الذي يتقدم فيلم «إكاشا» (كتبها الفيلم eKasha) باسمه.

قدرات هذا المخرج غير المعروف، حجوج كوكا، ما زالت تحتاج إلى مراس لكنه حقق عملاً جيداً ومختلفاً عن أفلام أفريقية تحدثت عن موضوع عاطفي وسط مشاكل وتبعات الحروب الأهلية.

تقع القصة في السودان (لا تقول أين تماماً) وتتناول حكاية جنديين ينتميان إلى ميليشيا ثورية فارين إلى قرية صغيرة. قوّة من تلك الميليشيا تبحث عنهما. أحدهما يحب فتاة القرية ويلجأ إليها، لكن أمره يُكشف وعليه أن يواصل محاولة الهرب من جديد.

يسرد المخرج حكايته هذه بمهارة وليونة. يدرك ما يتحدث فيه وعنه ويصيغه لعين تفاجأ بثراء المكان والنكهة الكوميدية التي يستخدمها الفيلم ليسرد موضوعاً يتناول، لجانب الحرب الأهلية، مسائل عن الرغبة في الانعتاق من الحروب واللجوء إلى سعادة توفرها الفتاة التي يحبها بطل الفيلم.

بعض الغموض موجود في نطاق التصرفات ومبرراتها، لكن ذلك لا يفسد القيمة الفنية والإنسانية التي يتشبع بهما هذا الفيلم. تمثيل تلقائي يواكب معالجة تطرح ما لديها ولو من دون قراءات خلفية كثيرة.

-- حكاية مخرج

الفيلم التونسي، «ولدي» دراما موقوتة في هذا العصر. يدور حول زوجين (زكريا بن عياد ومنى مجري) يواجهان وضعاً عائلياً وعاطفياً صعباً عندما اكتشفا أن ولدهما ترك البلاد وانضم إلى «داعش» في سوريا. سيقوم الأب بمحاولة صعبة، وهي السفر وراءه عبر الحدود التركية لاسترجاعه.

كان يمكن لهذا الفيلم أن يكون أفضل مما جاء به. هناك موضوع مهم، وتنفيذ لا يعترف بأهمية الإيقاع، والتركيز على الناحية الصلبة من الموضوع لجعلها الواجهة الأساسية لكي تمرّ الأفكار الأخرى عبرها.

هذا كله يصل بنا إلى فيلم إيليا سليمان «لا بد أنها الجنة» الذي تناولناه في إحدى رسائل مهرجان «كان» الأخير.

من بين ما سبق، فيلم سليمان المقدم باسم فلسطين، هو أكثر الأفلام تمتعاً بأسلوب عمل جيد ينتمي إلى ما هو أبعد من حكاية على المخرج سردها. كأفلام المخرج السابقة، الحكاية ليست كنه العمل، بل مسيرة تمكن الشخصيات القابعة فيها من الإدلاء بمواقف وتؤمّن للمخرج طرح القضايا التي تشغل باله.

هو في الصورة في معظم مشاهد الفيلم، لأن «لا بد أنها الجنّة» يدور حول مخرج يترك فلسطين المكبّلة بمشاكلها وينطلق صوب باريس ليقابل بعض المنتجين لتأمين تمويل فيلمه. قبل الموعد تطالعه ملامح لم يكن يتوقعها، عبارة عن شوارع مفرغة من الناس واستعراضات عابرة ومشاهد تثير اهتمامه ولا توفر أجوبة. بعض ما يقع له يبدو تهديداً له لكن معظمها يبعث على تأمل موازٍ لما لتأملاته الصامتة. الحال لا يختلف كثيراً في الولايات المتحدة، ولا حتى بالنسبة للنتائج التي توخاها حين الحديث عن مشروعه السينمائي مع المنتجين المحتملين.

على كل ما يبرق به الفيلم من لفتات جاذبة التكوين، لا يحتوي على عمق أفضل لهذه الدلالات. الملاحظات هنا تبقى ملاحظات قابلة لتفسيرات قليلة و- إجمالاً - غير كافية.

 

الشرق الأوسط في

21.09.2019

 
 
 
 
 

روبرت دي نيرو: الخروج من الذات إلى الدور

أحمد عزت

كنت دائمًا أحاول أن أفهم لماذا أنا ممثل، لكننا جميعا نصل إلى قدرنا الخاص، ذلك جارح ومعذب، دائمًا ما أقول إن روح من يسمى الممثل مجنونة ومريضة، إنه يصلب نفسه باستمرار، يقتل نفسه في كل خطوة، لكنه ينسى ذلك عندما ينهمك من جديد في تجسيد شخصية ما. في لحظة معايشتك كممثل للشخصيات التي تتأرجح في أعماقك، فإنك تمارس معاناتك الخاصة، وتحقق وجودك.

الممثل الألماني كلاوس كينسكي

في سن العاشرة،  وعلى مسرح المدرسة، أدى الطفل روبرت دي نيرو، أو بوبي كما يحلو لأصدقائه أن ينادوه، دور الأسد الجبان في نسخة ممسرحة من ساحر أوز. ربما في هذه اللحظة، حين ذاق للمرة الأولى ذلك الطفل الشاحب والخجول، الذي كان أقرانه يتندرون من شحوبه فدعوْه «bobby milk»، لذه التعبير عن الذات، أدرك أن التمثيل هو قدره الخاص.

 وهو ما سيدفعه بعدها بستة أعوام أن يترك دراسته تمامًا من أجل أن يكرس حياته لفن التمثيل. درس «التمثيل المنهجي» (method acting) على يد ستيلا أدلر، ثم تابع دراسته فيما بعد مع لي ستراسبرج في أستوديو الممثل، الرجل الذي أسهم منهجه المستوحى من مبادئ العلامة الروسي ستانسلافسكي في تثوير التمثيل في أمريكا، ليصير دي نيرو فيما بعد أحد رواد هذا المنهج.

يسعى التمثيل المنهجي إلى الواقعية والصدق في الأداء، الارتجال في الحوار والحركة، وبناء الشخصية من الداخل عبر الذاكرة العاطفية للممثل والمخيلة. كان التمثيل المنهجي ضربًا من التحرر من أسر الأساليب التقليدية والكليشيهات المألوفة التي حكمت التمثيل السينمائي ما قبل الخمسينيات، أي قبل ظهور الثالوث المقدس: مارلون براندو، مونتجمري كليفت، وجيمس دين؛ الوجوه الثلاثة المعبرة عن هذا المنهج، الذين غيروا وجه التمثيل في أمريكا إلى الأبد، وهم الذين لولاهم لما صار ممثلون يخالفون الوسامة الكلاسيكية مثل دي نيرو ودستين هوفمان نجوم الزمن القادم.

المسيرة المدهشة لفنان استثنائي

ما يميز المسيرة الفنية لهذا الممثل الاستثنائي، والتي تمتد لأكثر من خمسة عقود، هو ذلك المدى الواسع من الشخصيات التي أداها دي نيرو، شخصيات باتت أيقونية الآن ومحفورة بعمق في ذاكرة مشاهدي الفن السابع بفضل تجسيده الفذ، جوني بوي، فيتو كورليوني، ترافيس بيكل، جاك لاموتا، روبرت بابكين، آل كابوني، ماكس كادي، شخصيات في غالبها مضطربة وذات أعماق جريحة، ومهما كانت قسوة هذه الشخصيات التي يؤديها دي نيرو أو عنفها، فإنه يجلب إليها حساسية خاصة ومزيدًا من الظلال تجعلها أكثر ثراءً وعمقًا.

عمل دي نيرو خلال مسيرته تحت إدارة أغلب المخرجين الكبار، دي بالما، سكورسيزي، كوبولا، برتولوتشي، إليا كازان، مايكل تشيمينو، سرجيو ليوني، تارنتينو … القائمة تطول، لكن تظل تلك التوأمة الإبداعية التي جمعت دي نيرو كممثل بالمخرج مارتن سكورسيزي واحدة من أندر الشراكات الفنية، وأعظمها أثرًا، وأكثرها استمرارًا في تاريخ السينما، تكاد تكون هي العمود الفقري لمسيرته الهائلة.

يتحدث شون ليفي في كتابه عن دي نيرو «De niro: Alife»، عن هذه الرابطة التي جمعته مع سكورسيزي، عن نشأتهما معًا في نفس الحي، حي ليتل إيتالي، نيويورك، فقد عاشا تقريبًا نفس الخبرة الحياتية خلال سنوات التكوين، مع فارق وحيد وجوهري، فقد كان سكورسيزي فتى الشارع يرغب في نشأة أخرى، تمنى لو انغمس مبكرًا في حياة الثقافة والفن والموسيقى، بينما كان دي نيرو ابنًا لفنانيْن بارزيْن من نخبة نيويورك، نشأ كما تمنى سكورسيزي، يحنُّ إلى حياة الشارع. ربما هذا ما يفسر متانة الرابطة بينهما وعمقها، إنهما أشبه بوجهين لعملة واحدة.

بين حضور باهت في الحياة وباهر في السينما، لم أكن أبدًا واحدًا من هؤلاء الممثلين الذين يمتلكون شخصية جذابة وساحرة بعيدًا عن الشاشة، كان عليَّ أن أختار مبكرًا بين أكون ذا شخصية طاغية في الحياة أو أن أكون ممثلًا.

الممثل الأمريكي روبرت دي نيرو

لاحظ العديد من الصحفيين والمحاورين افتقار دي نيرو للفصاحة والحضور في المقابلات والمؤتمرات الصحفية في مقابل حضوره الطاغي وألقه الاستثنائي على شاشة السينما، ربما الأمر بالنسبة لدي نيرو هو أقرب لما يصفه به الكاتب والمخرج الأمريكي بول شريدر، والذي كتب له  تحفتي «سائق التاكسي» و«الثور الهائج»:

إنه لا يكون إلا حين يكون في جلد شخص آخر، هو لا يعيش إلا عبر الشخصية التي يؤديها، بدونها يضيع.

جزء أصيل من عبقرية دي نيرو يكمن في قدرته الفائقة على التحول التام للشخصية التي يؤديها، محققًا ما أسماه الناقد جاك كرول صدمة التحول. ينسلخ دي نيرو عن ذاته، إلى الدرجة التي يصير فيها الممثل نفسه خفيًا ولا مرئيًا. يبلغ التحول مداه مع دنيرو خارجيًا وداخليًا، فربما لا يوجد ممثل آخر قادر على تحويل نفسه إلى الشخصية التي يؤديها على هذا النحو الصادم مثل دي نيرو.

يحكي المخرج برايان دي بالما أنه أثناء عمله مع دي نيرو في فيلم «Greatings» حضر دي نيرو إلى التصوير، ولم يستطع التعرف عليه، لم يكن ذلك بسبب المكياج أو الملابس، لقد كان داخل الشخصية تمامًا، لقد تغيرت حتى ملامحه الجسدية.

تقودنا تلك السمة في شخصية دي نيرو إلى خصيصة أخرى لديه كممثل، هي جمالية التعبير الجسدي وفصاحته. إنه قادر فقط عبر لغة الجسد أن يوحي أكبر ما تتيحه الكلمات، إنه يذهب مباشرة إلى أبعد من طبقات الوعي الظاهر عبر صوته، نبرته، إيقاعه، وحركاته وإيماءاته الجسدية، تغيرات وجهه ولذلك فهو يعول كثيرًا على التحول الجسدي، في فيلمه الثور الهائج الذي يجسد فيه حياة الملاكم جاك لاموتا، يصر دي نيرو على اكتساب وزن حقيقي، ستين رطلًا تقريبًا، فلا شيء قادر على نقل الحضيض النفسي والروحي الذي يعيشه لاموتا أكثر من انحلال جسده وتشوهه.

مقابل هذا الزخم الذي يمنحه دي نيرو للتعبير الجسدي هناك اختزال للتعبير العاطفي يغذي غموض شخصياته، حيث تظل شخصياته دومًا عصية على الفهم الكامل لدوافعها.

يرتجل دي نيرو ببراعة خلال أدواره، والارتجال في ذاته ليس ممدوحًا، بل ينبغي لتحقيق أثر فعال أن يكون نابعًا من فهم عميق للشخصية وطبيعتها النفسية، في ارتجاله الأشهر في سائق التاكسي، حين يتطلع إلى انعكاسه داخل المرآة محدثًا نفسه: هل تتحدث إليَّ؟

هنا وفي هذه اللحظة تحديدًا ينم هذا الارتجال عن فهم عميق لطبيعة الشخصية والتحول الطارئ عليها، إنه في قاعة وحدته وبلا خلاص، , وحيد تمامًا، حيث لا أحد سوى انعكاسه في المرآة. ويمكن قراءة هذا الارتجال كتجسيد لبارانويا ترافيس وبداية تفككه النفسي.

دي نيرو كرائد للتمثيل المنهجي

إذا كان جوهر التمثيل المنهجي هو الواقعية، فإن دي نيرو يذهب بهذه الواقعية إلى حدودها القصوى للدرجة التي تبدو فيها كلمة التمثيل باهته وعاجزة أمام حقيقة ما يفعله دي نيرو لخلق الشخصية ومعايشتها. بحث شاق وتحضير دءوب من أجل أقصى مصداقية ممكنه لشخصيته. من أجل دوره في الجزء الثاني من عراب كوبولا، يسافر دي نيرو إلى صقلية قبل التصوير بتسعة أشهر لملاحظة الناس، ورصد سلوكهم وحركاتهم الجسدية وتعابير وجوههم، كان يسجل المحادثات الاعتيادية بين الناس، ليدرسها ليلًا في غرفته بالفندق من أجل إتقان لهجة ونبرة الشخصية.

كان الجهد مضاعفًا هنا، فهو لم يكن فقط يريد تقمص شخصبة فيتو كورليوني، بل عليه أن يجد روابط بينه وبين أداء براندو لنفس الشخصية في الجزء الأول، لكي لا يخل بهارمونية الشخصية بين الجزأين، وعليه فقد قام أيضًا بدراسة وتأمل أداء براندو في الجزء الأول، قام بتغيير إيقاع كلامه، ونبرات صوته والعمل عبر لغة الجسد على خلق تواصل بين الأداءين.

رُشِّح دي نيرو للأوسكار كأفضل ممثل مساعد. وللمفاجأة، كان في قائمة المرشحين لي ستراسبرج، المعلم الكبير نفسه، عن دوره في نفس الفيلم. وحين سئل وقتها عن الأحق الجائزة قال: «دي نيرو الأجدر، وسيفوز بها». وهو ما كان فعلًا.

في بداية السينما كان الممثلون أشبه بالدمى، للدرجة التي كان يتحرج فيها ممثلو المسرح من العمل في السينما. هذا قبل أن تهبط هالات النجومية على رءوس نجوم ونجمات السينما، وقبل أن تصير السينما فنًا مقدرًا. حين نطالع الآن مسيرة ممثل سينمائي مثل دي نيرو ندرك جيدًا كيف يرفع مثله مهنة التمثيل إلى مقام الخلق والفن الأصيل.

 

موقع "إضاءات" في

21.09.2019

 
 
 
 
 

عـودة قـوية لـبـراد بـت إلـى أدوار الـبطولة

«أي دي أسترا»..تحفة خيال علمي برؤية فنية جديدة

المصدر: عرض: عبدالله القمزي

دخل النجم الأميركي براد بت في حالة تخبط غريبة، بداية هذا العقد، بعد نجومية بزغت وتوهجت منذ بداية التسعينات حتى نهاية العقد الماضي. نقول مرحلة تخبط على صعيد اختيار أدوار البطولة، وليس أي شيء آخر.

بت إن لم يكن بطلاً رئيساً، فهو ممثل مساعد، وإن لم يظهر في فيلم ستجد اسمه في خانة الإنتاج بأفلام صغيرة مستقلة تنافس على أرفع الجوائز وتفوز بها، لكن الصورة الماثلة أمامنا اليوم جميلة ومفاجئة ومختلفة.

يعود براد بت إلى البطولة والإنتاج، مجدداً، في ملحمة فضائية رائعة لم نرَ لها مثيلاً منذ عقود. باستثناء رائعة كريستوفر نولان «إنترستيلار» 2014، فإننا نقول للقارئ: انسَ «المريخي» 2015، و«جاذبية» 2013، فرغم أنهما كانا جميلين وجيدين، فإنهما افتقدا الواقعية لصالح إسعاد الجماهير. وبالطبع انسَ الفيلم الممل المتحجر «رجل أول» العام الماضي.

فيلم AD Astra «خلال الكفاح إلى النجوم» خيال علمي غريب جداً، ليس بغرابة «إنترستيلار»، التي تصيبك بالأرق من كثرة التفكير في نهايته، لكن غرابته في أنه كلما اتسعت رؤيته، انكمش بطله وانعزل في عالمه!

لم نرَ براد بت في أداء دور بطولة مطلقة بهذا الجمال منذ سنوات طويلة، وحتماً هو أفضل دور له منذ أدواره المجنونة في التسعينات (سبعة، 12 قرداً، نادي القتال، مقابلة مع مصاص الدماء)، والغريبة في الألفية، مثل «بابل»، و«الحالة الغريبة لبنجامن بوتون»، و«إنغلوريوس باستردز»، وربما هذا أفضل دور له على الإطلاق.

كتب الفيلم المخرج جيمس غراي (مخرج ملحمة مدينة زي المفقودة منذ عامين)، مع إيثان روس الذي شارك في كتابة مسلسل الخيال العلمي الشهير «فرينج»، وأدّى بت دور رائد فضاء في المستقبل القريب، يسمى روي مكبرايد. يتميز الرائد بقوة أعصابه وثباته تحت الضغط النفسي، كما يتمتع بتصميم وإصرار على البقاء في وظيفة كلفته زواجه من إيف (ليف تيلر في دور رمزي، من خلال المشاهد الاسترجاعية).

روي هو ابن رائد الفضاء القدير كليفورد مكبرايد (تومي لي جونز)، الذي ربى ابنه على قيم العمل الشاق والتحكم في الأعصاب والعواطف، والذي تحول إلى أسطورة عندما ذاع خبر موته، بعد أن فقدت سفينته بعد 16 عاماً من انطلاق رحلته الاستكشافية في طرف النظام الشمسي، بالقرب من كوكب نيبتون.

في المشهد الافتتاحي، نرى روي متعلقاً بمحطة فضائية بحجم ناطحة سحاب، يصلح جزءاً منها. فجأة تهتز المحطة بسبب موجات طاقة أو عواصف كهربائية متدفقة من مكان غامض في الفضاء، ويسقط روي سقوطاً حراُ باتجاه الأرض.

يخبره رؤساؤه بشكوكهم في موت والده، وتصورهم أنه لايزال على قيد الحياة في مكان ما في أعماق الفضاء، والأهم والأخطر تصورهم أنه يقف خلف تلك الحوادث الغامضة (موجات الطاقة المتدفقة والمدمرة)، والتي يتوقعون أنها لو استمرت فإنها ستقضي على النظام الشمسي والبشرية بأكملها. ما عزز تلك الشكوك أن التحقيقات في مصدر الحوادث كشفت أنها تأتي من جهة كوكب نيبتون، وهو المكان الذي اختفى فيه مشروع ليما، الذي أشرف عليه والد روي.

مهمة روي هي الذهاب إلى حيث اختفت مركبة والده، والعثور عليه ومواجهته. وبمجرد أن تنطلق الرحلة من الأرض فالقمر فالمريخ ثم نيبتون، يبدأ الفراغ العاطفي الذي كان بادياً على وجه الرجل بالاختفاء كلما زادت فرص عثوره على والده، بالإضافة إلى شكوكه في أن رؤساءه لا يطلعونه على كل الحقيقة.

«أي دي أسترا» فيلم مبهر، يسبب لك حالة من الانغماس النفسي بسبب طريقة تصويره وإخراجه. يعرض الفيلم تفسيرات مختلفة للموضوعات التي طرحت سابقاً في أفلام الخيال العلمي والفضاء. لا نقول إن الفيلم أصلي بالكامل، لكن الرؤية الفنية حتماً جديدة.

هناك تأثر واضح للمخرج غراي بشخصيات من أفلام أخرى لها أصداء هنا، فمثلاً قصة بحث ابن عن والده المفقود الذي يحتمل أن يكون مختطفاً أو اختفى بمحض إرادته، معروفة في هوليوود، وتكررت كثيراً في سياقات مختلفة، لكن أشهرها شخصية الكولونيل وولتر كورتز، ضابط حاز أرفع الأوسمة من القوات المسلحة الأميركية، وقرر الانشقاق عنها في كمبوديا، خلال حرب فيتنام التي شاهدناها في فيلم Apocalypse Now لفرانزس فورد كوبولا، عام 1979.

شخصية كليفورد مكبرايد، في هذا الفيلم، تبدو مستنسخة من فيلم كوبولا المذكور، مع مراعاة الاختلافات في القصة. يوضع روي في موقف صعب، إذ إن عليه توجيه نداء لوالده من كوكب المريخ، وإذا لم يستجب الأخير فستصدر أوامر بتدمير مشروع ليما بالسلاح النووي.

هناك، أيضاً، أصداء من فيلم ستانلي كوبريك الأشهر والأهم على الإطلاق في سينما الخيال العلمي، المعروف اختصاراً بـ«2001»، ونقول مجدداً إن غراي لا يستنسخ بقدر ما يستعير، ثم يضيف رؤيته المميزة. يحوي الفيلم مشهداً غريباً وجديداً كلياً على صنف الخيال العلمي، وهو على سطح القمر الذي تحول إلى مستعمرة بشرية، تحوي مشروعات تجارية (نعم ستشاهدون شيئاً يشبه المركز التجاري على القمر). قبل حلول روي على سطح القمر، تخبره شخصية بأن ذلك الجرم تحول إلى ما يشبه فوضى الغرب الأميركي!

لن يمر وقت طويل على تلك الجملة حتى نرى مشهد مطاردة عصابة لمركبة روي على سطح القمر، كأنه مشهد من فيلم «ماد ماكس». مشهد سنتذكره كإضافة جميلة إلى أفلام الصنف. ناهيك عن مشهد آخر مرعب لهجوم قرد، ولن نكشف أكثر.

يؤدي المخضرم دونالد سذرلاند دور صديق والد روي، والذي يرافقه لأسباب غامضة، إما ليوجهه أو ليراقبه. وتؤدي روث نيغا دور ضحية لها أسبابها الشخصية، لتكره والد روي، ولها أسبابها المعقدة لتساعده في مهمته.

يوظف غراي صوت براد بت كأداة سرد رئيسة للفيلم، بالإضافة إلى لقطات لوجه الممثل تملأ إطار الشاشة بأكمله، ومن الواضح أن الفيلم بأكمله محمول على أكتاف نجمه. بعد نهاية الفيلم قد يشعر المشاهد بأن التجربة ككل أشبه بحلم جميل، أو كابوس مرعب!

يستحق بطل الفيلم الترشح لجائزة أفضل ممثل (للعلم إنه قد يترشح في خانة أفضل ممثل مساعد عن دوره في «ذات مرة في هوليوود»)، كما يستحق «أي دي أسترا» الترشح لأفضل فيلم، ولا نستبعد ترشحه حتى في خانة أفضل مونتاج مرئي أو صوتي. هذا الفيلم تحفة خيال علمي، ويستحق المشاهدة.

الفيلم بأكمله محمول على أكتاف نجمه، وبعد نهاية الفيلم قد يشعر المشاهد بأن التجربة ككل أشبه بحلم جميل أو كابوس مرعب!

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل،يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

الإمارات اليوم في

22.09.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004