كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

صرخة العرب وهمسهم في مالمو!

مالمو - هوفيك حبشيان

المصدر: "النهار"

مالمو للسينما العربية

الدورة التاسعة

   
 
 
 
 
 
 

في مطلع شهر تشرين الأول من كلّ عام، اعتادت مالمو الأسوجية أن تشهد حضوراً عربياً. سينمائيون، نقّاد، منتجون وعاملون في مجال فنّ الصورة باتوا يتوجهون إلى المدينة التي تعيش ٥ أيام على إيقاع السينما.

يستمر هذا منذ تسع دورات. ما أسّسه المخرج الفلسطيني محمد قبلاوي، تجاوز في السنوات الأخيرة مرحلة المغامرة، بعدما نال الرضا والدعم من سلطات المدينة التي خاطبته بلغة الشكر في ليل الافتتاح، على لسان عمدة المدينة الجديدة كارينا نيلسون التي تم انتخابها حديثاً، وهي أول سيدة تشغل هذا المنصب في مالمو.

مهرجان مالمو ليس تظاهرة سينمائية ضخمة تُنفق عليها الملايين. كلّ شيء هنا مشغول بعناية. لا بذخ ولا تبذير. حفنة من الأفلام والضيوف وعروض في صالتين تكفي لبلوغ الهدف. قد تضيع في شارع من شوارع المدينة الواسعة، من دون ان يستطيع مواطن من أهل المدينة مساعدتك في إيجاد الطريق إلى المجمّع السينمائي الذي يحتضن الحدث. فلهذه الدرجة، لا يفرض المهرجان نفسه على المدينة وفضائها العام. كلّ شيء يجري بطبيعية وهدوء وبلا افتعال. استطاع المهرجان صنع حميمية، يصعب إيجادها في المهرجانات الكبيرة. وعلى الرغم من ان تسع دورات ليست بالقليلة، فهو لا يزال في طور التأسيس. انها ليست سوى البداية، والطريق طويل.

بسبب طبيعة المدينة القائمة على التنوعين العرقي والثقافي، والجاليات العربية المختلفة المقيمة فيها، تسمع اللغة العربية بلهجاتها اللبنانية والسورية والعراقية في كلّ بقعة منها. هذا يجعل مالمو أحد أفضل الأماكن لتنظيم مهرجان يُعنى بالفيلم العربي، وهو اليوم أكبر تظاهرة مهداة إلى هذا الفيلم خارج المنطقة العربية. أبناء الهجرة من دول البؤس إلى أنظمة الرفاهية، عصب حقيقي في المدينة الكئيبة حيث الشمس تطل بخجل. ولكن، عندما يحين موعد الحضور إلى السينما لمشاهدة الأفلام، تسقط الحواجز الثقافية بين الجميع، والكلّ يصبح سواسية.

الدورة التاسعة (٤ - ٨ الجاري) التي انتهت للتوّ كانت افتُتحت بـ"في عينيا" للتونسي نجيب بلقاضي (عن رجل يهتم بابنه المصاب بالتوحد) واختُتمت بالفيلم المصري "يوم وليلة" لأيمن مكرم الذي لم تكن الآراء فيه إيجابية. بين اللحظتين، تسنى لرواد المهرجان متابعة ثمانية أفلام معروضة في اطار مسابقة الأعمال الروائية الطويلة، والعدد نفسه من الأعمال الوثائقية. المهرجان لا يملك رفاهية استقطاب العروض الدولية والعالمية والأوروبية الأولى. غالب الظن انه لا يهمّه هذا الشأن، فالسينما في هذا الجزء من العالم (الدول الاسكندينافية) ليست مادة للمنافسة وجذب الانظار. هي وسيط ذو هدف تربوي وثقافي وترفيهي، أو أيضاً تعبير عن الذات ووسيلة للتعرف على الآخر. لهذا، يتنقّل المهرجان أيضاً في مناطق أخرى، منها هلسينغبورغ، وثمّة عروض جرت في كوبنهاغن، ويدعم كذلك مالياً مشاريع سينمائية عدة لمخرجين في مقتبل تجربتهم.

الأيام الخمسة في مالمو ما هي سوى مناسبة لالقاء نظرة على السينما العربية والواقع العربي. قد لا تكون صورة المجتمعات العربية التي تعرضها الأفلام كاملة وشاملة، لكنها تأتي بجزء كبير من الواقع التي نعيشه. فمعظم الأفلام المعروضة يطرح اشكاليات ثقافية وسياسية واجتماعية كبرى. مالمو في هذه الأيام الخمسة تصبح فسحة ثقافية تتيح للعرب الصراخ ولكن أيضاً الهمس. "فتوى" الذي سبق أن نال "التانيت الذهب" في قرطاج وجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة (قسم آفاق السينما العربية) مثل صارخ على هذا. يعود المخرج التونسي محمود بن محمود إلى قضية التطرف الديني من خلال قصّة تونسي يُدعى إبرهيم يقيم في فرنسا ويعود إلى بلده بعد أن يصله نعي ابنه الوحيد مروان الذي قُتل على اثر حادث مرور في الطريق الواقعة بين سليمان وقربص. خلال الدفن، يحصل صدام بين عائلة الفقيد وأصدقائه الذين لا يوافقون على حضور الأم جنازة ابنها باعتبار انها سافرة. ما يجعل الأبّ يرغب في مراجعة السبب الذي قيل له بأنه وراء مقتل ابنه، ليكتشف لاحقاً انه كان ينشط في خليّة متشددة وينضوي تحت لواء مجموعة إسلامية. يحاول الأب المفجوع إجراء تحقيق استقصائي لمعرفة الطريق التي سلكها ليصل إلى هذا المحل والتعرف إلى مَن استقطبه. تقع أحداث الفيلم في ٢٠١٣، العام الأكثر دمويةً وعنفاً في تاريخ تونس المعاصر، التي شهدت حينها سلسلة اغتيالات سياسية وخضّات أمنية ومحاولات للتضييق على الحريّات المدنية. من خلال هذا الفيلم، يواصل المخرج توثيق يوميات شعبه، واضعاً الاصبع على التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تلقي بظلالها عليهم. من دون لفّ ودوران أو لجوء إلى إستعارة ومحاكاة، يضع بن محمود ما في جعبته على الطاولة ويمشي.

على خطى مشابهة يمشي المخرج المغربي محسن البصري. فيلمه، "طفح الكيل"، صرخة غضب تأتي من القلب، تنتصر لكلّ أنواع المظالم والتهميشات التي يتعرّض لها الإنسان المغربي. كلّ شيء يبدأ مع الطفل أيوب ذي السنوات الخمس الذي يُنقل إلى المستشفى بعد شعوره بألم شديد في الرأس، وضرورة إخضاعه لعملية جراحية. بعين ذكية وأسلوب هادئ ولغة لمّاحة متفهمة، يرصد البصري الأمراض والمشكلات التي يعاني منها المجتمع المغربي المعاصر، وذلك من خلال تصوير شذرات يومية داخل مستشفى حكومي في الدار البيضاء. رشوة وإهمال وإتجار بالبشر وابتزاز هشاشة الناس، من الظواهر غير النادرة في مؤسسة طبية من المفترض انها مؤتمنة على حياة الناس. الا ان الضمير غائب والأطباء، على الأقل بعضهم، يطعنون في شرف المهنة بلا رحمة.

رياح من القلق والأسى والاستشراق هبّت على مالمو، طوال خمسة أيام، قبل أن تنسحب المدينة تدريجاً إلى شؤونها الخاصة ومشاكلها الداخلية.

 

####

بهيج حجيج "أفضل مخرج" في مهرجان مالمو

مالمو - هوفيك حبشيان

المصدر: "النهار"

نال المخرج اللبناني بهيج حجيج في مهرجان مالمو (٤-٨ الجاري) جائزة أفضل مخرج عن فيلمه “غود مورنينغ”، وهو عمله الروائي الطويل الثالث، بعد "زنّار النار" و"شتّي يا دني". السيناريو للروائي اللبناني المعروف رشيد الضعيف (شارك حجيج في تأليفه) في ثاني تعاون بينهما بعد "زنّار النار". خلافاً للفيلم المذكور، هنا لم يقتبس رواية، بل عمل مع الضعيف على نصّ أصلي للشاشة. ينتمي الفيلم إلى سينما لبنانية لا تلهث بالضرورة خلف الربح المادي، غير مدّعية، أُنجزت بأقل من ٢٠٠ ألف دولار. حجيج اختار معسكره: تلك المساحة "الوسطية" الواقعة بين الفيلم التجاري وفيلم النخبة الذي يطرح خطاباً متماسكاً.

يصوّر “غود مورنينغ” يوميات متقاعدان في ثمانيناتهما (غبريال يمّين وعادل شاهين)، أحدهما طبيب والثاني جنرال، يلتقيان بانتظام في مقهى بيروتي لحلّ كلمات متقاطعة. هذه العادة اليومية المتكررة تساهم في تنشيط الذاكرة، أقلّه في صونها من خطر فقدانها التدريجي. يجوبان العالم والذكريات والماضي من خلال الكلمات، في انتظار موت آتٍ لا محالة.

للمقهى اطلالة بانورامية على تقاطع وبضعة أرصفة في حيّ بيروتي. هذه الاطلالة عبارة عن كادر داخل الكادر. تتيح للمخرج ان يقفز من حدود المكان الواحد وإن رمزياً، كما تتيح للرجلين التعليق على المارة. الشارع وحيويته باعتبارهما مسرحاً للحياة اللبنانية اليومية، حيث تحدث أشياء بسيطة تحمل دلالات: بناية تُهدَم، ماسح أحذية يهرب من الشرطي، فتاة رشيقة تعبر الشارع

في الفيلم، شخصيات ثانوية كثيرة تدخل المقهى وتغادره، هكذا ببساطة. في مقدمة هذه الشخصيات الثانوية، شخصيتان: النادلة والصحافي (مايا داغر ورودريغ سليمان). علاقة اعجاب شبه صامتة تنشأ بينهما لا تؤدي إلى نتيجة لأسباب معينة. لظهورهما وظيفة واضحة، وربما أكثر ممّا ينبغي، ومحددة: خلق تفاعل بينهما وبين المتقاعدين. فالفيلم لا يمكن ان يكتفي بالرجلين العجوزين لأسباب بديهية.

مساهمة الضعيف في الفيلم لها بصمات واضحة، كونه مشبّعاً بحواراته وآرائه في شؤون آنية، كقضية الإرهاب ومسألة اللجوء، فالتاريخ الذي لا ينفك ان يتكرر. هذا كله سنتابعه على شاشة تلفزيون داخل المقهى أو بين لفيف من أوراق الصحف. يحمل النصّ ما يكفي من اشارات وتلميحات لتجربة معيشة كي نعتبره نابعاً من خبرة شخصية.

من خلال حبكة بسيطة ومتكررة تنطوي على القليل من التطور الدرامي، يستعرض "غود مورنينغ" الشيخوخة وأزمة العيش في زمن يشهد تحوّلات كبرى حد ان بعضهم يشعر بأنه غريب عنه، بل مجرد ضيف على مرحلة تجاوزته.

اللقاء بين عادل شاهين (الذي توفي ما ان انتهى من تصوير الفيلم) وغبريال يمّين يُحدث الشرارة المطلوبة، حدّ اننا نغفر للنصّ اظهار جنرال لبناني في الدرك بهذا الشكل الإيجابي. وفي الحقيقة، لا فيلم من دونهما. فبقدر ما يستند "غود مورنينغ" إلى الكتابة، يعتمد على التمثيل. لعبة بينغ بونغ تتجسّد من خلال الأداء الصادق والعميق، وتنقذ الفيلم من فخّ المسرحة.

 

####

"ليل / خارجي" لأحمد عبد الله السيد أغوى لجنة تحكيم مالمو

مالمو - هوفيك حبشيان

المصدر: "النهار"

نال "ليل / خارجي" للمخرج المصري أحمد عبد الله السيد جائزة أفضل فيلم عربي في الدورة التاسعة من مهرجان مالو السينمائي (٤-٨ الجاري) المقام في الأسوج. تألفت لجنة التحكيم من الممثّلة المصرية ليلى علوي والناقد العراقي قيس قاسم (مقيم في الأسوج) والمخرج التونسي رضا الباهي الذي لم يستطع الحضور بسبب مشكلة حصلت له في مطار قرطاج. غاب أيضاً عن حفل الختام حيث وُزِّعت الجوائز، المخرج عبد الله نفسه.

الفيلم من انتاج العام الماضي وقد عُرض في أماكن عديدة من العالم، من تورونتو إلى بيروت مروراً بالقاهرة، وهو فيلم جميل يحمل المشاهد إلى مغامرة قاهرية تدور فصولها على مدى ليلة واحدة. ليلة في قلب القاهرة، تلك المدينة النابضة بالحياة والتي يملأها الصخب والضجيح ويزنرها العنف. نعيش هذا كله رفقة ثلاث شخصيات لا يجمعها سوى القليل، ومع ذلك تضطر إلى مشاركة لحظة معينة.

مخرج "هليوبوليس" يكثّف الحكاية، زمنياً ومضموناً، ليخرج بخطاب مثير عن الحياة في هذه المدينة العظيمة، بشخوصها والمواقف العبثية والهزلية والمحزنة التي يتعرضون لها، وذلك في احدى لياليها العشوائية الحالكة.

صُوِّر الفيلم بإمكانات ضئيلة وبأسلوب مرتجل، الأمر الذي جعله يكتسب روحية معينة، جعلته يتموضع في منتصف الطريق بين السينما التي ذاع صيت المخرج من خلالها، وسينما هي أقرب إلى الجماهيرية، تتوجه إلى مشاهد يتلقف بسهولة الرموز الثقافية. وجد عبد الله التوازن الصحّ الذي أتاح له الارتقاء بسينماه إلى مكان أعلى شأناً، وهذا على الرغم من الهنات الموجودة في الفيلم تقنياً.

من خلال ثلاث شخصيات "مضغوطة" (كريم قاسم ومنى هلا وشريف الدسوقي) تختزن كمّاً هائلاً من المكوّنات المصرية، يروي الفيلم حكاية من حكايات الصراع الطبقي الخفي في مصر، ولكن بمفردات بسيطة، بالمسكوت عنه، وبلغة تضمن بقاء النماذج هذه ضمن السيرورة الدرامية، بعدما صارت منزوعة خاصية التمرد. مَن يعرف عبد الله جيداً، سواء كشخص أو عمل، يلتقط تفاصيل كثيرة دالة عليه وعلى هواجسه التي شغلته سابقاً، الا ان الفرق هنا هو انه يأتي الينا بعدما هضم هذا كله جيداً، ودخل مرحلة نضج، حدّ انه لا يحتاج إلى استعراض الأفكار والقدرات. فكلّ شيء ينبت من تحت الجلد بروية. نشعر بالأشياء، لا نراها.

 

النهار اللبنانية في

10.10.2019

 
 
 
 
 

مهرجان مالمو السينمائي..

صورة جديدة عن عالمنا العربي في عقل ووجدان الجمهور الأوروبي- ملف خاص

مالمو ــ خاص «الشروق»:

·        الأفلام تعكس حراكًا سينمائيًا وإبداعيًا تتجاوز الانغلاق على قضايا وصراعات محلية وتخلق ممرا جديدا بين الشرق والغرب

الجمهور والنقاد يلتفون حول السينما المصرية.. و«ليل/ خارجى» و«الضيف» و«يوم وليلة» تحصد الإعجاب

خمسة أيام من السينما الجميلة والمدهشة والمثيرة، مفعمة بالأفكار والأطروحات الجديدة، عاشها الجمهور مع مهرجان مالمو للسينما العربية فى دورته التاسعة. هذا المهرجان الذى تكمن أهميته بمنحه فرصة للجمهور الغربى بالسويد أن يطلع على أحوال عالمنا العربى من خلال الشاشة، وأن يترك هذا الانطباع الجديد بأنه فى هذه المنطقة من العالم يوجد فن ومبدعون يشكلّون صورة مختلفة عن المعهودة بأن العالم العربى غارق فى صراعات قضاياه الداخلية.

كما أن تجمّع عدد كبير من النقاد والسينمائيين والفنانين ووجودهم بمدينة أوروبية فى تلك التظاهرة شىء مهم، هذا الحضور سيكون لافتا، ويشير إلى هذا الحراك الثقافى الابداعى بمهرجان مالمو والذى اصبح مكانا للتفاعل بين الثقافة العربية والغربية، ويكشف عبر فعالياته عن عدد من اهم الانتاجات السينمائية العربية الحديثة والمهمة التى تعكس رؤى مبدعيها تجاه قضاياهم والتى تحرص ادارة المهرجان برئاسة محمد قبلاوى على جلبها بوعى ومعه مسئولو البرمجة.

من المؤكد ان الجمهور يكتشف ويتفاعل مع تلك القضايا، وبالتالى تنعكس صورة العربى على الشاشة للمواطن الأوروبى، ويكتشف عالما من الابداع ربما لم تتح له فرصة للاطلاع عليه، لأن الأفلام العربية قليلا ما تعرض فى صالات العرض بالخارج، هذا الكم من الأفلام «47» فيلما، يتيح له فرصة لأن يطلع على سينما عربية مهمة.

الشئ الآخر أن تلك المشكلات التى نعانى منها فى عالمنا معكوسة فى تلك الافلام، وتظهر ان هناك مبدعين ربما لهم وجهات نظر مختلفة عما هو سائد، مثلا نظرة مختلفة للمرأة، لاختلاف الثقافات، نظرة مختلفة إلى الآخر، كل هذا من خلال الأفلام ومن المؤكد ان الجمهور السويدى بحضوره هذا النشاط والافلام ومناقشاته حولها، وبالتالى تنعكس صورة العربى الموجود على الشاشة فى ذهن الاوروبى، هذا جانب مهم بالنسبة لنا كعرب بالحضور الثقافى الذى يعد اول السبل للوصول إلى الطرف الثانى.

وفى شهادته على دورة المهرجان هذا العام قال الناقد السينمائى قيس قاسم ــ عضو لجنة التحكيم: دون شك وجود السينما يساعد على وصول رسالة بأن هذه المنطقة بها حراك سينمائى وثقافة غير الانغلاق على قضايا محلية، وربما تخلق ممرا جديدا بين الشرق والغرب.

كان من المهم أن تتمثل كل طوائف السينما العربية بالمهرجان خلال أيامه المصرية والمغاربية، ومن المشرق، وأظن أن إنتاج هذا العام متوسط، ليست هناك أفلام كبيرة جدا وليست هناك اخرى ضعيفة، فهو يعكس حالة السينما العربية إلى حد ما، وخاصة المصرية، فهناك أفلام مصرية تعكس حيوية شباب مثل فيلم «ليل خارجى» لمخرج شاب وطموح هو أحمد عبدالله السيد والذى فاز بجائزة أحسن فيلم فى هذه الدورة، على المستوى المغاربى

هناك تطور مشهود، فهناك افلام من تونس والجزائر والمعرب عرضت بالمهرجان مثل فيلم «فتوى» و«مباركة» وغيرها، الشىء الآخر هو إتاحة فرصة للسينما غير الروائية هناك افلام وثائقية مهمة وبشكل خاص من لبنان، ونشير إلى فيلم نعتبره درسا كبيرا وهو «تحت التحت»، وأيضا هناك فيلم «اشتغالة» وفيلم «الكيلو 64» الذى يطرح مشكلات الشباب الذين يتجاوزون مشكلات الروتين والبطالة، وايضا هناك بعض الأفلام التى بها كثير من الاجتهاد والتجريب مثل فيلم جودمورنيج، إلى اعتباره من الافلام المهمة فى هذه الدورة، لأنه يخرج عن الإطار التقليدى ويحاول ان يقدم نظرة مختلفة فى السينما.

الظاهرة الايجابية الملفتة هى النجاح الكبير الذى حققته السينما المصرية، حيث استقبل الجمهور فيلم «ليل /خارجى» للمخرج أحمد عبدالله بترحاب وإعجاب كبيرين، وحصل بطلاه شريف الدسوقى ومنى هلا على كثير من عبارات الثناء على أدائهما المدهشين، وكانت لفتة ذكية من ادارة المهرجان أن قامت بعمل عرض للفيلم فى كوبنهاجن، وشهد حضورا جماهيريا مميزا، استحق الفيلم فى ليلة الختام جائزة أفضل فيلم بالمهرجان، حيث اكدت لجنة التحكيم أنه عمل له روح خاصة وسلاسة فى الأداء الذى تميز بالارتجال باعتراف أبطاله وتقديم قصة إنسانية لنماذج متشابكة متصالحة مع نفسها.

والامر نفسه انعكس على فيلم الضيف للمخرج هادى الباجورى الذى استحق اعجاب الجمهور ليمنحه جائزة الأفضل عبر تصويت ليلة العرض.

وقال الفنان شريف دسوقى عن تواجده لأول مرة فى مهرجان مالمو بالسويد للافلام العربية: للأمانة ما يميز المهرجان انه يقام على أسس بسيطة دون تكلفة كبيرة، القاعات صغيرة وشيك ولا توجد أى بهرجة من حيث الافتتاح والختام، غير اننى أتوقف امام قلة عدد ايام المهرجان، اما عن احساسى بالفوز بجائزة أفضل فيلم روائى طويل لهذا العام، منذ قدومى لمدينة مالمو، وهناك أمارة يرسلها لى الله، اننا سنحقق شيئا ما، ويتأكد هذا الاحساس بعد ليلة العرض الأولى، من آراء الجمهور بمختلف جنسيته إلى جانب أننى أؤمن بالجانب الذى ينمو بداخلى يوما بعد يوم، وهو ما يخرج من القلب يصل إلى القلب.

بينما أثار فيلم الختام «يوم وليلة» الذى شهدت شاشة المهرجان عرضه العالمى الأول حالة من الاعجاب للتجربة الجديدة للمخرج أيمن مكرم والمؤلف يحيى فكرى وبطولة خالد النبوى وأحمد الفيشاوى ودرة وحنان مطاوع وخالد سرحان وحمد عادل وجمعة، تلك الحالة جاءت من الموضوع وتناوله الواقعى والجرىء لقصة كبرى متشابكة المعالم لمجموعة من الأشخاص فى رؤية سينمائية محبكة.

ويأتى فيلم «فتوى» الفائز بجائزة أحسن ممثل لبطله أحمد الحفيان، بحق جريء فى طرحه الموضوعى، ونبشه فى جوانب مظلمة، لينير للمجتمع الطريق، سيذكره العديد من التونسيين طويلا؛ لأنه انتصر لإرادة وحب الحياة وتصدى بمصداقية لثقافة العنف والظلامية.

المخرج التونسى محمود بن محمود، وفيه يصور وقائع الحياة اليومية للتونسيين من خلال التحولات السياسية والاجتماعية، بل والتراجيدية التى عاشها التونسيون عقب وصول الحركة الإسلامية للحكم بعد انتخابات أكتوبر 2011 وانتهت بحصيلة دموية كان ثمنها غاليا.

قدم الفيلم صورة سينمائية واقعية أكثر من رائعة عبر سيناريو ذكى ومتناغم، حيث طرح قضية تجنيد الشباب التونسى بالتيارات الدينية وتسفيرهم للانضمام إلى الجماعات الدعوية، والتشجيع على ممارسة العنف، دون شعارات أو صورة زاعقة، فنحن لم نر سوى «تطشات» بسيطة عن هذا العالم المتشدد، حتى مروان نفسه لم نشاهده، فى سرد القصة، اختار محمود بن محمود أن تكون أحداثه واقعة عام 2013، وهو العام الذى شهد مآسى عدة، الفيلم بمثابة شهادة ورؤية فنية ثاقبة، تطرح العديد من التساؤلات، فلم يكن سفر الاب، وانفصاله عن زوجته مبررا حتميا لانخراط الابن فى تلك الجماعات والتنازل عن أحلامه وتبديلها بكوابيس أودت بحياته لمجرد أنه اكتشف اوهام عالمه الجديد، وهو ما لمسناه فى لحظة عتاب بين الابوين ليهمس كل منهما بمسئوليته عن وفاة الابن، لكن المخرج وسياق الأحداث كان هدفهما أكبر من ذلك، فالقصة اهم من الاعتراف بالذنب، فى مشاهدها يكمن تغلل هذا التيار واستغلاله الفرصة ليلعب بعقول وأفكار ضعفاء جيل.

من أفلام المسابقة الروائية الطويلة بالمهرجان «مباركة»، وفازت بطلته فاطمة عاطف بجائزة أحسن ممثلة، يحكى الفيلم قصة الشاب عبدو (المهدى لعروبي)، الذى يعيش بضواحى مدينة تجثم على ثروة معدنية ضخمة رفقة أمه بالتبنى امباركة (فاطمة عاطف) التى حرمتها الظروف من نيل نصيبها من التعليم هى الأخرى، لكنها طورت مهاراتها الذاتية وتحولت إلى معالِجة لسكان الحى مما أكسبها هيبة ووقارا أمام الجميع.

يحاول الشاب التخلص من حالة الجمود التى يعيشها عبر الخوض فى التعلم الذاتى للقراءة والكتابة. يكتشف عبدو إصابة صديقه اشعيبة (أحمد مستفيد)، البالغ من العمر ثلاثين سنة، بمرض جلدى، فنصحه بأن يبحث عن العلاج، لكن حياته ستواجه منعطفات كثيرة نتيجة تطور العلاقة فى ما بينه وبين معالجته، وارتكابه لعدة تصرفات طائشة، خصوصا أنه تحول من بيع السمك إلى امتهان السرقة، وتعنيف الناس وشتمهم، وهى أمور عرضته للمتابعة من الشرطة، فصار شخصا تصعب السيطرة عليه.

اختار المخرج تصوير وقائع وأحداث فيلمه بفضاءات مدينة هامشية، حيث صور بحساسية فنية تتناسب والأبعاد النفسية والاجتماعية للشخوص، وقدرته على الدمج بينها، وتوحيدها بصريا رغم تباعدها الجغرافى، فبعض الأماكن تتواجد بالدار البيضاء، ولكنها تنقل المتفرج إلى عوالم مدينة خريبكة ونواحيها ما يضفى على الحكاية صدقيتها الواقعية، ويمنحها انسجامها التخييلى القائم فى عمقه على النبش فى قضايا الهامش، ومناقشة الاوضاع المستعصية لسكان بعض المدن المعدنية الغنية بالمغرب استنادا على شخصيات يمتزج فى نسجها الواقعى (الوثائقي) بالدرامى».

ومن أجمل الافلام التى عرضها مهرجان مالمو فيلم «تحت التحت» التى فازت مخرجته ساره قصقص بجائزة أحسن إخراج لفيلم وثائقى طويل، وكما يقول الناقد قيس قاسم عضو لجنة التحكيم انه فيلم ينقلنا إلى بيروت الخجلة من فقر سكانها، والمُخفية لجوانب من عالمها البشع، حيث تعيش أرواح معذبة فى مدينة حيوية قاسية، بعيدا عن الوجه السياحى المعروف لبيروت، فهل تعرفون الوجه الآخر لبيروت؟

فى الفيلم تخوض المخرجة اللبنانية سارة قصقص مغامرة البحث عن تفاصيل مدينة بيروت فى لحظة اكتفائها الذاتى المحزن، وذلك عبر ثلاث شخصيات تعيش أوضاعا مزرية، وتعانى من الاختناق والوحدة.

الفقر ليس وحده من يجمعهم، بل المدينة ذاتها المهددة بمشاكلها وعجزها عن توفير مناخ سوى لسكانها، فتغدو بذلك عبئا على نفسها وعلى الآخرين.

هكذا تبدو المدينة والشخصيات الثلاث عينا لالتقاط تفاصيل عيشهم اليومى فى مكان يلفظهم، ومع ذلك أصروا على المكوث فيه على أمل تحسّن أحوالهم، واقترابهم يوما ما من مساحاتها المريحة.

أمنيات تعاند اليأس وتُكرّس الإنسانى عند سائق سيارة الأجرة «أبو حسام» الذى هرب من مخيم شاتيلا، واختار العمل والنوم داخل سيارته، فيما يأمل الصبى السورى «على» فى ملاقاة صديقه الأقرب بعد أن تركه وحيدا يواجه عالما صعبا، لا فرصة للهروب من مواجهته إلا باللجوء إلى البحر، وبعض ما يوفره من صداقات عابرة ومأوى مفتوح على عراء، لكنه يظل عرضة للتَغيُّر مثل حركة أمواجه، فيما تأمل سامية اللبنانية فى بيت أنظف لعائلتها، ومكان مريح لقططها.

ثلاث حيوات أرادت عبرها قصقص عَكْس أحوال بلاد مأزومة سكانها خائفون من مواجهات محتملة، ومن شحّ فى الخدمات تدفع حتى الأوفر حظا فيها إلى التذمر والشكوى من غياب دولة تلاشت فعاليتها منذ زمن بعيد، وما عادت قادرة على إقناع أحد بوجودها.

«تَحت التَحتَّ»؛ عبارة مكثفة تُحيل إلى معنى مؤلم، وتعبير ضمنى عن أقصى درجات البؤس الاجتماعى، وهى عبارة وردت على لسان السائق أبو حسام، ثم صارت عنوانا لفيلم تبنّاها واستقر على رصد ذلك القاع الذى تشير إليه.

مدينة بيروت فى «تَحت التَحتَّ» لا تشبه بيروت السياحية الشكلية المظهر، فهى فى الفيلم مدينة تُخفى جوانب من عالمها البشع، وتخجل من فقر سكانها، فيما تُصرّ كاميرا مصورة «جو سعادة» على التقاطها بحيادية، والقبول بها بوصفها جزءا من واقع مرشح أن يعم، وحينها ربما لن يعود القاع استثناء.

يجىء فيلم «مفك» الذى عرضه مهرجان مالمو للمخرج الفلسطينى بسام برجاوى والحاصل على جائزة أحسن سيناريو ليقدم صورة غير نمطية للأسير الفلسطينى، لكنه يتطرق بوضوح معاناة الأسير بعد تحريره وكيفية تأقلمه مع الحياة، فى رحلة صادقة فى مشاعرها وهدفها، فالموضوع هنا مختلف، فلم نشهد سوى مجرد مشهد أو اثنين من التعذيب، لكنهما لم يشكل عصب الطرح، بل هو كيف يعيش بطلنا حياته بعد سنوات طويلة من المكوث بالسجون الإسرائيلية.

أحداث الفيلم تبدأ عام ١٩٩٢، بطلنا هو زياد الذى يعشق فريق كرة السلة فى مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين شمال مدينة رام الله، يحاول هو وأصدقاؤه الانتقام لما يحدث من تجاوزات من قبل المحتل، وخاصة بعد مقتل أحد اصدقائه «رمزى»، برصاصة من المستوطنات الاسرائيلية، وبينما تتردد أخبار فى المذياع عن فشل زيارة وزير الخارجية الأمريكى كولن باول، يشارك زياد وقد ازداد شعوره بالغضب فى اطلاق الرصاص على رجل يعتقد انه اسرائيلى، فيتم القبض عليه ويدخل السجن 15 عاما، يخرج بعدها شخصا مختلفا لا يستطيع التكيف مع محيطه. رغم الاستقبال الحار من أهل المنطقة ومعاملته كبطل من الأهل والشارع والأصدقاء الذين يحتفون به.. تنقلب حياته رأسا على عقب، فبعد خروجه من السجن وجد نفسه فى مواجهة واقع يصعب عليه التكيف معه ذهنيًا ونفسيًا، ما يؤثر فى علاقته بأمه وبسلمى بنت المخيم، التى تحاول ان تحرك قلبه، وأخته التى تشجعه على الارتباط.

ومخرجة الأفلام الوثائقية الفلسطينية الأمريكية مينا، التى كانت تصنع فيلمًا وثائقيًا عنه تريد رصد حكايات لتوصيلها للعالم، حيث تقول: إن الهدف من فيلمها لفت أنظار العالم للتعاطف مع الشعب الفلسطينى، أما هو فيقول لها: إنها تعيش فى أمريكا، حيث لا يوجد احتلال، بينما قضى هو خمس عشرة سنة فى السجن.

قدم المخرج فى أولى تجاربه للسينما الروائية الطويلة والذى كتب السيناريو ايضا، صورة سينمائية مدهشة، عبر سرد يخلو من الشعارات، فقط قدم انفعالات بطله وألمه، وكيف أنه يشكو من صداع مزمن واحتباس بولى وهلع من الضوء وأى سوائل تذكره بمشهد الدماء عند اغتيال صديق طفولته بمنتهى العبث على يد مستوطن، حيث ظل وجه صديقه الشهيد عالقًا فى رأسه، كما انه خرج للنور بعد أن اعتاد ظلمات السجون فأصبحت لديه هلاوسه التى تعيش معه وتعوقه عن ممارسة ومعايشة التفاصيل الحياتية اليومية بشكل طبيعى، وجاءت آلامه كرمز لما شاهده وعاشه.

ويتذكر فى السجن عندما تستجوبه جندية إسرائيلية تهدّده بإحضار أمه والاعتداء عليها، تخبره أن الرجل الذى أصابوه ولم يقتلوه لم يكن إسرائيليا بل هو عربى.. وبدون شك كان أداء بطلنا «زياد بكرى» رائعا وهو يواجه هذا الصراع بتجسيده شخصية تجسد كل المشاكل والمعاناة التى واجهها الأسير الفلسطينى بعد تحريره، واستطاع المخرج أيضا تجسيد تلك المعاناة للعالم الخارجى ولنا نحن بتلك الشخصية الواحدة التى تتمرد على الطبيب النفسى الذى يعالجه ويرفض فكرة أنه مضطرب نفسيا.

الفيلم الذى يعد أول عمل يتناول حياة معتقل بعد خروجه من سجون الاحتلال يعد انحيازا للوطن ببساطته فى حكى القصة، لكن العمق يبرز بين المشاهد، فالمسألة لم تكن مجرد ظلم وإلقاء للشباب الفلسطينى جزافا، ولكن ما مدى تأثير ذلك فيما بعد على هؤلاء الشباب.

وفى أحد مشاهد الفيلم القدرية لبطلنا تقوده المصادفة للركوب مع مستوطن إسرائيلى يكره العرب جميعا، بل ويريد إبادتهم، بالفعل كأن المستوطن يعتقد أن زياد إسرائيلى، وهنا يتولد لدى زياد احساس بالانتقام لسنوات عمره الضائع ولصديق طفولته الذى استشهد غدرا، ليعبر المخرج بذكاء أن القضية مستمرة بروحها، لذلك ترك نهاية الفيلم مفتوحة؛ ليترك للمشاهد الاحساس بمواصلة الحكاية، ولا نعرف ما إذا كان المستوطن سيقتل زياد المحرر الذى مازال يعيش حالة الأسر التى دمرته نفسيا ام سيقتل زياد الرجل.. فكل السيناريوهات مفتوحة.

لكن الفيلم اشار أيضا بواقعيته إلى أن من يعيش فى فلسطين كأنه يعيش فى سجن كبير حتى وإن عاش خارج سجون الاحتلال.

مخرج الفيلم لديه وعى كبير بالقضية، ولديه رؤية ناضجة، أراد ان يعود للوطن بعد دراسته للسينما فى كولومبيا ليقدم أفلاما تحاكى الواقع ولا تغترب عنه ــ بحسب قوله، وقد أقبل على انتاج «مفك» هو وزوجته الممثلة والمنتجة ياسمين قدومى، ورفض ان يصور فيلمه داخل السجون، وقال إنه واجه صعوبة كبيرة فى التصوير فى الأراضى المحتلة فى ظل الظروف المعقدة.

 

الشروق المصرية في

10.10.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004