كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

الأستاذ معلم السينما

كتب ماجدة موريس

عن رحيل عاشق السينما

يوسف شريف رزق الله

   
 
 
 
 
 
 

كنت قد أصبحت مدمنة لبرنامج نادي السينما» منذ بدايته فى منتصف السبعينات، فقد تزامن مع بداية عملي بالصحافة وولعي بالسينما الذي دفعني لعضوية نادي «سينما القاهرة» وقراءة نشراته، والبحث عن أفلام أخري فى المراكز الثقافية الاجنبية التي كانت مزدهرة آنذاك فى القاهرة وفى مرة قابلته فى نادي السينما كان يقدم فيلما، وبحثت عنه بعد العرض لأحييه، وأحيي برنامجه «كان يقدمه فى البداية مع درية شرف الدين » ففوجئت به يعرفني ويتابع ما اكتب من أخبار وتحقيقات ونقد، وكنت فى هذا الوقت مندوبة نشطة لجريدة الجمهورية فى الاذاعة والتليفزيون «لم يكن هناك إعلام خاص فى هذا الوقت» وكانت المفارقة انني أغطي الاذاعة والتليفزيون كعمل، بينما أعشق السينما كفن له نقاد سبقوني وعلي رأسهم الناقد الكبير سمير فريد، ومع ذلك فقد أعطتني كلمات يوسف شريف رزق الله وقتها دفعة قوية للاستمرار فى حب السينما وتعلم النقد ودخول المعهد العالي للنقد الفني وقتها، من أجل الكتابة عن الافلام والمسلسلات وبعدها جاء دوري لأكون ضمن ضيوف نادي السينما، الذي أصبحت درية شرف الدين تقدمه وحدها، بينما أنفرد يوسف شريف بالإعداد، وبإعداد برنامج ثاني على القناة الثانية هو «أوسكار» بتقديم سناء منصور، ويقدم الافلام التي حصلت على جوائز الاوسكار، او التي ترشحت لها بعدها قدم وأعد يوسف شريف عدة برامج أخري، منها «نجوم وأفلام»، ومنها «ستار» الذي كان عبارة عن حوار مع نجم سينما عالمي، على الهواء مباشرة بواسطة تقنية الڤيديو كونفرانس الجديدة وقتها، وكان يستضيف فيه نجمين مصريين يشاركانه فى إجراء هذا الحوار المباشر مع نجوم هوليوود والعالم وربما كان برنامج «سينما رزق الله» هو آخر برامجه على شاشة التليفزيون المصري، والقناة الثانية تحديدا، والتي كانت مخصصة للبرامج الثقافية من كل الانواع، فكنا نري عليها غير برامج السينما، وغير الافلام الاجنبية المهمة فى سهراتها برامج المسرح، والادب، والشعر، والموسيقي، والباليه، ولكن لم يكن هذا هو كل ما قدمه يوسف شريف لملايين الناس فى مصر والعالم العربي، وأنما أمر آخر شديد الاهمية لم يكن هو نفسه منتبها له إلى أن رآه بعين رأسه ذات يوم، وبعد أكثر من عقد من التوقف عن تقديم وإعداد برامج السينما، لقد علمتنا كيف نري الفيلم.

فى هذا اليوم قبل الاخير من ايام مهرجان الأقصر للسينما العربية والأوروبية فى دورته الثالثة، «مارس عام٢٠١٥ »، كان ضيوف المهرجان فى رحلة بمعبد الكرنك أروع آثار الأقصر، حين انشقت الارض عن مجموعة من العائلات المصرية فى زيارة هي الاخري، وما ان لمحوه بيننا حتي أقبلوا عليه وحده وبرغم وجود فنانين ومشاهير، الا انهم أتجهوا اليه وحده، وأحاطوا به، وجاءت كلماتهم كرسائل حب وجدت أخيرا المرسل اليه: «أستاذ يوسف فينك وحشتنا» و: «أستاذ يوسف أحنا اتعلمنا منك أزاي نشوف الافلام»، و: «أستاذ يوسف كنا بنفهم من برامجك حاجات كتير عن السينما من المناقشة» و «أستاذ يوسف كنا بنعرف نختار الافلام الجميلة من المعلومات اللي بتقولها» و«نفسنا ترجع تقدملنا البرامج دي تاني» هكذا تلقي عاشق السينما ردود أفعال لم يتلقاها فى وقتها وأدرك البعض منا، القريب من المشهد، ان العمل الطيب لا يذهب هباء، وأن ما قدمه هذا الفارس للناس عبر قنوات عامة، وبرامج تهتم بالوصول اليهم، قد وصل، وان الناس العاديين لا ينسون من أحبهم، وأخلص فى الاقتراب منهم، وان هذا الجمهور المصري الذي يكون أغلبية مشاهدي التليفزيون يتذوق برامج الفن والثقافة مثل مثقفيه، ويبحث عنها وينتظرها فى حالة وجودها، ومع ذلك كله فلم يفهم المسؤولون عن القنوات التليفزيونية هذا، ونظرة واحدة لشاشاتنا الان تكشف لنا عن أختفاء برامج الثقافة، والفن كلها، فلا توجد أفلام أجنبية هامة تعرض كما كان الامر ايّام بدأ «نادي السينما» بدعم كامل من قيادات التليفزيون المصري، خاصة رئيسة التليفزيون السيدة تماضر توفيق»، ولا توجد حتي أفلام مصرية الان إلا مجموعة محدودة توضع وقت الأعياد، او الطوارئ لقد واصل يوسف شريف رزق الله عمله على أختيار الافلام ودعم السينما بعد ان ترك التليفزيون، وكسبه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مديرا فنيا كبيرا بعد ان رفض ان يكون رئيسا، وكانت وجهة نظره من خلال خبرته الطويلة أنه يحب السينما أكثر من الادارة، وظل حتي سنوات قليلة يقدم للتليفزيون عربون محبته ممثلا فى رسالة سنوية من مهرجان كان أهم مهرجانات السينما العالمية وفى عمله بالمهرجان كان رمانة الميزان التي تضمن لمن لا يسافر من النقاد او المحبين لفن السينما عدم التخلف عن أهم ما قدمته السينما العالمية على مدار عام بأكمله ولعل ما قدمته الدورة الاخيرة بقيادته الفنية هو ختام رائع لعاشق ومثقف سينمائي كبير فقدناه، ولكننا لن ننساه، فقد كان نموذجا فذا فى محبته لعمله، واحترامه له، وقدرته على جمع كل الرؤي لصالح العمل، وتواضعه وقبل كل هذا إيمانه الكبير بأن ثقافة السينما يجب ان تصل للجميع بلا تفرقة فهي أحد أكثر الفنون شعبية وداعا يوسف شريف رزق الله.

 

الأهالي المصرية في

16.07.2019

 
 
 
 
 

الرجل الذي عاش يتنفس السينما !

بقلم: مجدي الطيب

• زامل هدى عبد الناصر في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لكنه اختار صحبة هواة السينما في جمعية الفيلم ونادي السينما

عندما وصفته بأنه «موسوعة سينمائية تسير على قدمين» لم أكن أعلم وقتها أن يوسف شريف رزق الله لم يدرس السينما في معهد متخصص، بل أجبره مجموعه العالي في الثانوية العامة على الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكان من أبناء دفعته هدى عبد الناصر وحاتم صادق، لكن عشق السينما ولد معه في الرابعة عشرة من عمره، وفي السابعة عشرة بدأ مرحلة اقتناء مجلات السينما المتخصصة، التي جعلت منه في ما بعد واحداً من أشهر نقاد السينما، وصاحب الفضل الأكبر في نشر الثقافة السينمائية في مصر والعالم العربي .

مظهره الغربي بعض الشيء قد يوحي بأنه ولد وفي فمه ملعقة من الذهب لكن الحقيقة أن يوسف شريف رزق الله ولد في حي غمرة لأب يعمل مترجماً، وأم سيدة منزل، لكنه درس في مدارس الجيزويت، وكان لهذا أثره في ثقافته الفرنسية، وتواصله مع السينما العالمية في وقت مبكر للغاية، وجاء حصوله على مجموع 82% في الثانوية العامة بمثابة الطامة الكبرى، كما أقر للناقد محمود عبد الشكور في كتاب "عاشق الأطياف"؛ إذ لم يجرؤ على مفاتحة والده في أمر الالتحاق بمعهد السينما، الذي كان يمثل حلم حياته، وأصبح طالباً بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، التي تخرج منها عام 1966، غير أن عشقه للسينما لم يفارقه؛ ففي نفس عام التحاقه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1961، انضم إلى «جمعية الفيلم»، التي كان يترأسها أحمد الحضوي، وسبقه إلى الانضمام إلى عضويتها : يعقوب وهبي، أحمد راشد، هاشم النحاس، وإليها يعود الفضل في مشاهدة الأفلام بانتظام، والكتابة عنها، ومناقشتها، وإدارة ندواتها، وحوارات مع مخرجيها، بعد أن منحه الناقد أحمد الحضري تلك الفرصة، كما فتحت الجمعية الباب أمامه للالتقاء بسينمائيين كبار؛ مثل : المخرج والباحث أحمد كامل مرسى، الذي كان يزوره في منزله .

التعثر الدراسي والتفوق المهني

أشار يوسف شريف رزق الله، في الكتاب نفسه، إلى سنوات تعثره في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية؛ بقوله متهكماً إن الطالب، الذي حصل على مجموع 82%، وكان الخامس على الجمهورية، تأخر في التخرج من الكلية، وما لم يقله إن انشغاله بمتابعة الأفلام، واهتمامه بنشاطات جمعية الفيلم، استغرق الكثير من وقته، وجهده، وحتى عندما تخرج من الكلية جاء تعيينه في هيئة الإستعلامات، لكنه لم يرتح للعمل فيها، ولما جاءته الفرصة للإنتقال إلى التليفزيون عام 1967، عُين محرر بالأخبار، فى مرحلة دقيقة من تاريخ الوطن، ثم سكرتيراً للتحرير فرئيساً للتحرير. ووقتها لم تكن الثقافة السينمائية تشغل بال القائمين على التليفزيون، وكان برنامج «السينما والحرب»، الذي يقدمه أحمد سمير، أقرب إلى البرامج التعبوية، التي فرضت نفسها عقب هزيمة 1967، وبانتصار حرب أكتوبر، أصبحت الظروف مهيأة لتقديم برنامج «نادي السينما»، عام 1975، الذي تولى إعداده، بعد سنوات من زخم النشاط، في «جمعية الفيلم» و«نادي سينما القاهرة»، وتوليه العديد من المناصب فيهما، بالإضافة إلى تقديم وعرض وترجمة ونقد وتحليل الأفلام. وكان الفضل في ظهور البرنامج التليفزيوني «نادي السينما» لحماسة ودعم تماضر توفيق رئيس التليفزيون آنذاك، التي عجلت بظهور الفكرة، واختارت لتنفيذها المخرج محمد قناوى، وفي الحلقات الأولى للبرنامج كان يوسف شريف يُشارك، كأول ظهور له كمقدم برامج، مع درية شرف الدين، فى التقديم بجانب قيامه بالإعداد، ومع استمرار البرنامج انفردت درية بالتقديم !

يمكن القول إن عام 1969 هو العام الذي بدأت فيه علاقة يوسف شريف رزق الله مع المهرجانات السينمائية العالمية؛ حيث سافر إلى برلين، وهناك أجرى حواراً مع المخرج الهندى الكبير ساتيا جيت راى، وبعده قام بتغطية مهرجانات : موسكو، كارلوفى فارى، سان سباستيان، فالنسيا، وفينسيا، وكان كما شارك في عضوية العديد من لجان التحكيم الدولية؛ مثل مهرجان ميلانو للاأفلام الإفريقية، مهرجان مونبيلييه ومهرجان روتردام للفيلم العربى، وساعده على ذلك إجادته للغتين الانجليزي والفرنسية .

انكار الذات وتحدي العقبات

لم يحدث طوال تلك الفترة أن بحث يوسف شريف رزق الله عن مجد شخصي أو شهرة زائفة، بل يمكن القول إن عشقه للسينما، ورغبته في تعميم الثقافة السينمائية، بحيث لا تصبح حكراً على أحد، كانا دافعه الأوحد للقيام بالمبادرة غير المسبوقة، التي تمثلت في استغلال علاقاته بالمركز الصحفي لمهرجان كان السينمائي من أجل تسهيل مهمة طاقم التليفزيون المصري في تغطية فعاليات مهرجان كان، ولما أدرك أن بمقدوره توفير كلفة سفر الطاقم المكون من مخرج ومصور، اتجه لاستئجار فريق فرنسى للتصوير، ونجح في توفير الكثير من الميزانية، بكل ما سببته المبادرة من تبعات؛ حيث كان يقوم بدور المذيع والمعد والمخرج والمنتج المنفذ . والطريف أنه فوجيء في إحدى دورات مهرجان كان بوجود بعثتين للتليفزيون المصري؛ يمثل هو أولها وثانيها يقودها الناقد أحمد صالح معد برنامج «زووم» وبصحبته المذيعة سلمى الشماع ومخرج البرنامج على الجندى، بكل ما في ذلك من سفه وإهدار للمال العام ! 

بالطبع كان ثمة عقبات وانكسارات واجهت مسيرته الحافلة بالانجازات؛ كإقصائه عن تقديم برنامج «نادي السينما»، وبعد تعويضه في عهد شيرويت شافعي رئيس القناة الثانية وكوثر هيكل مديرة البرامج الثقافية فى التليفزيون ببرنامج «أوسكار»، الذي قدمته سناء منصور، أصدرت سامية صادق رئيس التليفزيون قراراً باستبعادة من إعداد برنامج «نادي السينما»، بحجة أنه لا يصح إعداد برنامجين متنافسين، وبعد الموافقة على برنامج «نجوم وأفلام »، الذي شارك في إعداده ونقديمه الناقد سامي السلاموني، توقف بعد عام واحد بحجة أنه «استنفد أغراضه» ! وهو الموقف الذي تكرر مع برنامج «تليسينما»، الذي انتهزت سهير الإتربي رئيس التليفزيون آنذاك فرصة سفر مقدمه ومعده إلى الخارج، وأصدرت قراراً باستبعاده، وتغيير اسمه إلى «اأيام وليالى»، واسناد تقديمه إلى منى عبد الوهاب، مع إضافة الأفلام العربية، ما دفعه إلى تقديم برنامج آخر بعنوان «سينما في سينما»، ولم تتوقف التحرشات والمكايدات من سهير الإتربي، التي لم ترحب بسفره لتغطية مهرجان كان فما كان منه سوى أن سافر عبر قطاع الإخبار، وكان يبعث برسائل صوتية فقط !

سابق عصره

مثلما كان يوسف شريف رزق الله سابقاً عصره، عندما استطاع أن يوفر المعلومة الفنية، ويقدم الثقافة السينمائية، في زمن تضاؤل الإمكانات، وهزال وسائل الحصول على المعلومة؛ حيث لم نكن قد توصلنا بعد إلى الطفرة التكنولوجية، ولم تكن قد ظهرت بعد محاور البحث، التي توفر المعلومة في ثانية، فاجأنا رزق الله ببرنامج فريد من نوعه يحمل عنوان «ستار»، استثمر فيه علاقته ومسئولي المركز الثقافى الأمريكى بالقاهرة، وطرح عليهم فكرة إجراء حوار بين نجوم السينما المصرية ونجم من نجوم السينما الهوليوودية، يتم بثه على القناة الثانية، بحيث يقوم طاقم مصري بالتواجد داخل المركز الثقافي الأمريكى بالقاهرة لتصوير أسئلة النجوم المصريين، بينما يستمعوا إلى أصوات النجوم الأمريكان، عبر خط تليفونى مفتوح، ونفس الجال في الاستديو الأمريكي، ثم يأتي شريط الصورة بردود الأفعال، ويتم إخضاع الجلستين للمونتاج للجمع بين صيوف القاهرة، والضيوف الأمريكان. وكانت المفاجأة في ترحيب عدد كبير من نجوم هوليوود؛ مثل : كيرك دوجلاس، جوليا روبرتس، ميريل ستريب، جاك ليمون، جريجورى بيك، المخرج روبرت وايز، النجم تشارلتون هيستون، آلى ماكجرو وإنجى ديكنسون، بينما لبى الدعوة من النجوم المصريين: المخرج حسام الدين مصطفى، حسين فهمي، ميرفت أمين، صلاح أبو سيف، أشرف فهمى، سمير صبري، إسعاد يونس، يسرا ومديحة كامل.

المتسامح

رغم انطلاق أولى دورات مهرحان القاهرة السينمائي عام 1976 إلا أن علاقة شريف رزق الله بالمهرجان بدأت فعلياً مع تولي سعد الدين وهبة رئاسة المهرجان؛ حيث وضع ثقته فيه بدرجة كبيرة، كسكرتير ثم مدير فني، وعضو في المكتب الفني، وهو الدور الذي استمر يؤديه بكفاءة منقطعة النظير، عقب رحيل سعد الدين وهبة، سواء في ولاية حسين فهمى أو شريف الشوباشى وولاية عزت أبو عوف، ثم سمير فريد، الذي لم يعمل معه في الدورة التي ترأسها ورغم هذا رشحه لدى وزير الثقافة د. جابر عصفور ليتولى رئاسة المهرجان، عقب تقديم فريد استقالته، وإصراره عليها، إلا أن رزق الله رفض ورشح ماجدة واصف بدلاً منه، وهو ما فعله مرة أخرى بعد استقالة ماجدة واصف؛ حيث رشح محمد حفظي، الذي استشعر دنو أجل الدينامو يوسف شريف رزق الله فما كان منه سوى أن اتخذ قراراً على عجل بتكريمه في دورة 2018 ليعتلي رزق الله خشبة المسرح وسط تصفيق الحضور، الذين وقفوا لتحيته، وبدلاً من أن يُلقي كلمة يتحدث فيها عن نفسه راح يوجه الشكر لفريق عمل المهرجان، من أصغره إلى أكبره، وكأنه يُلقن الجميع درسه الأخير في الترفع والتواضع والتسامح والإيثار وحب كل من أحب السينما .

 

####

يوسف شريف رزق الله.. رمز التنوير

بقلم: أسامة عبد الفتاح

** لم يكتف بنشر الثقافة السينمائية عبر النوافذ الإعلامية واستكمل الرسالة بالقيام بدور رائد في تأسيس وإدارة جمعيات ونوادي الأفلام وتنظيم وبرمجة المهرجانات

الكبار من أمثال مُعلّم الأجيال يوسف شريف رزق الله، الذي غيّب جسده، الجمعة الماضية، موت لن يستطيع أبدا تغييب أثره في وجدان وقلوب من أحبوه وتتلمذوا على يديه، لا يمكن التعبير عن مسيرة عطائهم أو تلخيصها في هذه المساحة أو حتى في أكبر منها، لأنها تتجاوز فكرة القيام بأعمال عظيمة أو تحقيق الإنجازات إلى التأثير في حياة الناس وتشكيل وعيهم وتأسيس قواعدهم المعرفية.

لن تفهم الأجيال الجديدة أبدا معنى وقيمة من يحملون المشاعل ليضيئوا الطريق في وقت لم يكن يعرف الإنترنت ومحركات البحث الإلكترونية ومواقع التحميل والمشاهدة، ولم تكن فيه السينما العالمية – على سبيل المثال – متاحة إلا عندماتُطرح الأفلام، في أضيق نطاق وفي أقل عدد من النسخ، في دور العرض السينمائي،وعندما يقدمها إعلامي رائد مثل رزق الله على الشاشة الصغيرة من خلال البرامج الشهيرة التي كان يتولى إعدادها أو تقديمها مثل "نادي السينما" و"أوسكار" و"تليسينما" و"نجوم وأفلام" و"سينما رزق الله" وغيرها، فضلا عن رسائله من المهرجانات السينمائية الدولية التي كان سباقا إلى تغطيتها.

وربما رحل الأستاذ دون أن يعرف قدره ومكانته الحقيقية في البيوت المصرية، ودون أن يدرك إلى أي حد كان مؤثرا في حياة العرب والمصريين، إلى درجة أن كثيرا منهم كانوا يعتبرونه واحدا من الأسرة، مثل الخال أو العم الذي يدخل البيت في أي وقت ليرحب به الجميع وليشارك الجميع متعة تلقي الأفلام، والأهم: تلقي المعرفة والثقافة.. وقد فوجئت بأمي، التي لا تعرفه شخصيا، تعلّق على خبر رحيله على موقع فيسبوك قائلة: "رحمة الله عليك يا أستاذ يوسف يا من غرست حب الفن الراقي في نفوس كثير من الشعب المصري بثقافتك ورقيك وأنا وأولادي منهم.. لقد رحلت ولكن سيرتك الطيبة ستظل باقية"، وهناك – بكل تأكيد – غيرها الكثيرات من العارفات بفضله، ليس عليهن فقط، ولكن على بيوتهن وأولادهن.
ولم يكتف بنشر الثقافة السينمائية عبر النوافذ الإعلامية، بل استكمل الرسالة بالقيام بدور رائد في تأسيس وإدارة الجمعيات والنوادي السينمائية، مثل جمعية الفيلم وجمعية نقاد السينما المصريين ونادي السينما بالقاهرة، لتعريف الجمهور بسينما لم تكن متاحة في دور العرض المشغولة دائما بالأفلام المصرية والأمريكية التجارية، سينما مختلفة تعلي قيم الفن والجمال، من الموجات الجديدة في أوروبا إلى التيارات الصاعدة في آسيا، ومن السينما المستقلة في أمريكا، إلى الأفلام "الفنية" المختلفة عن التيار السائد في الهند.

وفي مسيرة العطاء الفيّاض لرزق الله، جانب لا يعرفه الجمهور، وكان لي حظ الوقوف عليه عن قرب، وهو برمجة المهرجانات السينمائية وإدارتها وتنظيمها، وهي مهمات لو تعلمون صعبة ومعقدة، وكان الأستاذ من روادها في مصر والعالم العربي بلا شك.. وكم كان لي الشرف حين رشحني للعمل معه، ولم يمنعه عن ذلك انتقادي – ذات يوم – لبرمجة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وإشارتي إلى أنها تميل أكثر إلى الأفلام الفرانكفونية بحكم ثقافة الأستاذ يوسف والدكتورة ماجدة واصف، رئيسة مهرجان القاهرة في ذلك الوقت، على حساب التنوع.

أتذكر كيف كان ودودا مبتسما وهو يناقشني فيما كتبت، ويشرح لي بهدوء وصبر أن المسألة أحيانا تكون خارجة عن أي إرادة، وخاضعة لحسابات الإنتاج والتوزيع المعقدة في العالم، بالإضافة إلى لائحة المهرجان ذات الشروط المحددة والصعبة باعتباره من مهرجانات الفئة (أ) الدولية، واعتبارات أخرى لم أكن وقتها على علم بها جميعا.

كان العمل معه متعة بلا شك، تبدأ بالفخر بأنك أصبحت تزامل تلك القامة العالية بعد أن كنت تكتفي بالتطلع إليها، ولا تنتهي بأن تستفيد وتتعلم كيف تختار فيلما وتبرمجه، وتسارع بطلبه من صناعه وموزعيه قبل أن تسبقك إلى ذلك مهرجانات أخرى، وكيف تنشئ برنامجا متوازنا من حيث النوعيات والجنسيات والفئات، وكيف تضع جداول أقسام المهرجان السينمائي مراعيا العديد من العناصر والاعتبارات.. ومع اعترافي بأن هذا الحديث متخصص ولا يهم القطاع العريض من الجمهور، إلا أنه كان من المهم إلقاء الضوء عليه حتى يعرف الناس كيف ولماذا ينجح مهرجان مثل القاهرة، وحجم المجهود الذي يبذله من يقفون وراء هذا النجاح.

لم يكن يوسف شريف رزق الله رائدا للثقافة السينمائية وناقدا سينمائيا كبيرا وإعلاميا قديرا فقط، بل كان رمزا حقيقيا وكبيرا للتنوير والتقدم والتحضر في وجه موجة الوهابية وثقافة البداوة والتعصب التي غزت مصر بدءا من سبعينات القرن الماضي، حيث كان – بلا شك وبلا جدال – أحد أسلحة الوطن لمحاربة قوى الظلام والإرهاب والرجعية، وسيظل ما أنجزه وما تركه أكبر داعم للفن والثقافة والحرية.

 

جريدة القاهرة في

16.07.2019

 
 
 
 
 

حضور ضئيل في عزاء يوسف شريف رزق الله

القاهرة ــ مروة عبد الفضيل

انتهت مساء الإثنين مراسم عزاء الناقد المصري يوسف شريف رزق الله، بمسجد عمر مكرم، بحضور ضئيل من زملائه، على النقيض تماماً مما كان متوقعاً، فيما حضر عدد كبير من أفراد عائلته وأصدقائه.

حضر من الإعلاميين كل من سناء منصور، وجاسمين طه زكي، ودرية شريف الدين، ومن المخرجين عمر عبد العزيز، وأمير رمسيس، ومروان حامد، وخيري بشارة، وهالة خليل، وداود عبد السيد، والكاتب وحيد حامد، ومن الفنانين سلوى محمد علي، وعمرو يوسف، وإيهاب فهمي، ولبنى عبد العزيز، وبسمة، وأشرف زكي نقيب الممثلين، وخالد عبد الجليل رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، وماجدة واصف الرئيس الأسبق لمهرجان القاهرة السينمائي، والمنتج الفلسطيني حسين القلا، والشاعر أيمن بهجت قمر، ومن النقاد طارق الشناوي، وكمال رمزي، ومجدي الطيب، ومحمود عبد الشكور، ونادر عدلي، وخيرية البشلاوي.

وكان الناقد المصري يوسف شريف رزق الله قد وافته المنية يوم الجمعة الماضي عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض. ويعد الراحل صاحب أول برنامج عن السينما في التلفزيون المصري "نادي السينما"، كما اشتهر بتقديم وإعداد عدد من برامج السينما منذ سبعينيات القرن الماضي، منها "نجوم وأفلام"، "تليسينما"، و"أوسكار"، إلى جانب المشاركة في لجان تحكيم عدد من المهرجانات الدولية.

 

العربي الجديد اللندنية في

16.07.2019

 
 
 
 
 

فى وداع يوسف شريف رزق الله ..

60 عاماً من العطاء فى خدمة الثقافة السينمائية

كتب ــ حسام حافظ: 

حياة الناقد والإعلامى الكبير يوسف شريف رزق الله التى انتهت هذا الأسبوع، كانت حياة ملهمة لآلاف المهتمين بالثقافة السينمائية فى مصر والبلاد العربية، فقد كان هذا الرجل من البنائين العظام الذين يعملون طوال حياتهم دون كلل أو ملل، من أجل أن يقدم خدمة ثقافية لجمهور متعطش للمعرفة، وكان رزق الله عاشقاً للمعلومات يرددها وكأنه يقرأ قصيدة حب للسينما، التى تعبر عن الحياة التى نستحق أن نحياها جميعاً.

عاش يوسف شريف رزق الله 77 عاماً ونشأ فى حى غمرة بالقاهرة، وتعلم الفرنسية وهو طفل فى مدارس الجيزويت، وقرأ فى مجلات السينما بالفرنسية لذلك ارتبطت السينما فى ذهن الطفل بالأفلام الأجنبية، واعتبر أن مهمته فى الحياة أن ينقل للمشاهدين المصريين ما تقوله الصحافة الأجنبية عن الأفلام والتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ولكنه عقد العزم على الدور الذى سيعيش حياته من أجله، وبعد تخرجه عام 1966 عمل فى هيئة الاستعلامات ثم سرعان ما ذهب إلى مبنى التليفزيون فى ماسبيرو لتبدأ رحلته الإعلامية العظيمة، التى نذر لها حياته من أجل خدمة الثقافة السينمائية.

ويكاد يكون كتاب »عاشق الأطياف« للزميل الناقد محمود عبدالشكور، هو الكتاب الوحيد الذى يتحدث فيه يوسف شريف رزق الله عن نفسه، وهو كتاب تكريمى صدر عن المهرجان القومى للسينما المصرية عام 2014، يحكى فيه عن تأسيسه لبرنامج »نادى السينما« مساء كل سبت على القناة الأولى منذ عام 1975 وتأ سيسه لبرنامج »أوسكار« سهرة كل خميس على القناة الثانية واستمرت الأمور هكذا حتى اكتشفوا أنه يقوم بإعداد اثنين من البرامج المتنافسة والتى تقدم السينما الأجنبية لجمهور التليفزيون، بمعنى أن يوسف شريف رزق الله ينافس نفسه فى الحقيقة، ولكن رزق الله لم يكن ينظر بهذه الطريقة، كان يدرك أنه يقوم بدور ثقافى أكبر من العمل كمعد أو مقدم برامج، وأن هذا العمل لا يخص ذاته على المستوى الشخصى، قدر ما يخص إشباع نهم المشاهدين لمعرفة ما وراء الأفلام الأجنبية التى يشاهدونها فى دور السينما وعلى شاشة التليفزيون، لأن وراء كل فيلم حدوتة خاصة بمؤلفه أو بمخرجه أو بأبطال الفيلم أو ظروف إنتاجه أو بتقدير العالم للفيلم سواء فى شباك التذاكر أو فى المهرجانات العالمية.

ويكاد يكون يوسف شريف رزق الله هو الناقد الوحيد فى جيله الذى عمل فى كافة وسائل الإعلام، فقد كتب فى الصحافة من خلال »مجلة صباح الخير« بسبب صداقته للناقد الكبير رءوف توفيق الذى عمل لسنوات رئيساً للتحرير، وفى بداية رحلته مع المهرجانات كان يرسل رسالة صوتية للإذاعة والتليفزيون من هناك، وكما ذكرنا كان يقدم البرامج السينمائية ويقيم الحوارات بالقمر الصناعى مع نجوم هوليوود قبل اختراع الفضائيات بسنوات طويلة.

كان رزق الله فى منتهى السعادة عندما ينجح فى نقل شغفه وحبه للسينما إلى القارىء أو المشاهد، فهذه هى موهبته وهذا هو دوره وكل ما عدا ذلك ليس له قيمة عند رزق الله، ورغم أنه كان الهادىء الرصين إلا أنه كان يشعر بالتحدى أمام الصعوبات وعلى حد تعبيره »يغلقون دكاناً فأفتح دكاكين أخرى« إذا أغلقوا له برنامجاً فكر فى برنامج آخر والمهم أن دوره لا يتوقف، وهذه وحدها من سمات المناضلين من أجل نشر القيم الإنسانية وليس مقدمى برامج التليفزيون.

أتمنى من مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائى أن تعمل على تخليد ذكرى يوسف شريف رزق الله وتعيد نشر كتاباته فى سلسلة كتب يتم تصنيفها حسب الموضوع أو النوعية أو المخرجين.. إلخ.. وكل عام يصدر المهرجان كتاباً جديداً ليوسف شريف رزق الله وكذلك الحوارات الكثيرة التى أجراها مع نجوم السينما فى مهرجانات العالم.. هذا التراث النقدى يستحق أن يعاد طبعه للأجيال الجديدة.

 

الجمهورية المصرية في

17.07.2019

 
 
 
 
 

النبيل: يوسف

درية شرف الدين

رحل النبيل يوسف، الأستاذ والزميل والصديق ورفيق الدرب لسنوات طويلة، نبيلاً كان، وصادقاً ومترفعاً عن الصغائر ومتعاوناً ومحباً لكل الناس وكأنه جاء من زمن لا يعرف الكذب أو الادعاء. هكذا (كان) وكلمة كان تلك ثقيلة كالحجارة على القلب لكنها فى النهاية هى الحقيقة. رحل يوسف شريف رزق الله لكننا سنظل نتذكره مبتسما متفائلا نشيطا حتى لو دمعت العيون وارتجف القلب وسيظل علمه وفيض ثقافته وعمق تأثيره فى أجيال أحبت السينما من خلاله وبمعاونته.

فى (ماسبيرو) العظيم صادفت الأستاذ يوسف للمرة الأولى، محررا فى قسم الأخبار بالتليفزيون ثم رئيسا للتحرير، قابعا وراء مكتبه إما صامتا أو مبتسما، ودائما متطوعا للمساعدة والمعاونة حتى جاءت المفاجأة الكبرى، عندما تم اختيارى معه لتقديم برنامج جديد عن السينما يتميز بالشرح والتحليل للأفلام الأجنبية تولى هو إعداد مادته العلمية. وهكذا وُلِدَ برنامج (نادى السينما) الذى قُدِرّ له أن يستمر طويلاً وأن يبقى حتى بعد إلغاء وجوده قابعاً فى ذاكرة الجميع، ظل يوسف شريف رزق الله هو دينامو هذا البرنامج لسنوات مكتفياً بعد أشهر قليلة بمهمة الإعداد فقط وتوليت مهمة التقديم، ثم عُهِــدَ إليه ببرامج سينمائية أخرى بالتليفزيون المصرى ــ فى أبهى مجده ــ كأوسكار ونجوم وأفلام وتليسينما وكنت قد تعلّمت منه فن الإعداد السينمائى وتوليته بعده.

زاملت يوسف شريف حضور العديد من المهرجانات السينمائية الدولية وعلى الأخص مهرجان (كان) السينمائى الدولى، ومعه أجريت العديد من المقابلات مع كبار مخرجى ونجوم العالم لبرنامج نادى السينما، كان دائما دينامو المجموعة المصرية وصاحباً وناصحاً للجميع ومعروفاً لدى كل الأوساط السينمائية العربية والأجنبية، ومشاركا فى لجان التحكيم.

دارت الأيام والسنون ولم ينقطع تواصلنا، وعندما توليت رئاسة القطاع الفضائى باتحاد الإذاعة والتليفزيون سعدت بوجود يوسف شريف رزق الله إلى جوارى رئيسا لقناة نايل تى فى، لم يتغيّر ولم يتّبدلْ، كان مستقطباً لمحبة الجميع رؤساء ومرؤوسين، تسبقه إلى كل مكان سمعة طيبة ودماثة خٌلُق من النادر أن تتكرر.

منذ سنوات دعانى الصديق الجميل يوسف إلى زفاف ابنه الأكبر (كريم) ثم سعدت بحضور زفاف ابنه الأصغر (أحمد) منذ مدة قصيرة، كان سعيدا ضاحكا مرحبا ــ كعادته بالجميع، منتشيا بلحن برنامج (نادى السينما) الذى اختاره ليُزفّ به العروسان.

النبيل يوسف.... دموع..... إلى جنة الخُلد.

 

المصري اليوم في

17.07.2019

 
 
 
 
 

يوسف شريف رزق الله.. "سينفيل" بدرجة فارس

بقلم: رامي المتولي

عدة أوجه يعكسها الاسم الثلاثي يوسف شريف رزق الله كما كان صاحبة الناقد السينمائي ينطقه، يعكس الطفل الذى حلم بالسينما والإخراج فى خمسينيات القرن العشرين، والمراهق الذى منعه تفوقه فى الثانوية العامة وحلوله الخامس فى ترتيب أوائل الثانوية العامة فى الستينيات من دخوله معهد السينما كما رغب وذهب إلى "الاقتصاد والعلوم السياسية"، والشاب الذى قاده طريقه المهني لمبنى ماسبيرو بعد ان كان بعيدًا عنه بمصادفة فى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، والرجل الذى أطل على صغارًا ومراهقين وشباب فى منتصف السبعينيات وكان نافذتهم الوحيدة فى البداية بشكل مباشر وغير مباشر إلى السينما العالمية، والخبير صاحب العين الثاقبة فى وزن المواهب والأفلام، يختار ويوجه ويدعم، والراحل الذى تجمع فى عزاءه أجيال من كل العاملين والمهتمين بالسينما كفن ليقدموا العزاء لأسرته ولبعضهم البعض فليوسف شريف رزق الله يدًا بيضاء على كثير منهم.

الاسم الثلاثي الذى أصبح مرادفًا بشكل وثيق للسينما الغربية والغير سائدة منها والصعبة المنال تحديدًا، والتي يستطيع هذا الرجل النحيف ذو الرأس الكبير ان يحضرها ويفككها بمنتهى السهولة للراغبين وبسهولة على اختلاف مستويات ثقافتهم، حتى بعد انتشار الإنترنت وثورة المعلومات فى العالم بأكمله، ظل رزق الله يقوم بدوره سواء فى التليفزيون فى الفترة الأخيرة من حياته المهنية كمقدم للبرامج أو من خلال اختياراته للأفلام المعروضة فى مهرجان القاهرة السينمائي وهو النشاط الذى لم يتخلى عنه الا نادرًا، فتعاونه مع المهرجان يغطى فترة زمنية وصلت لأربعين عام تخللها فترات انقطاع بسيطة وفى مواقع متعددة.
التفاني وبذل أقصى جهد والحماس هم الملامح الرئيسية لشخص يوسف شريف رزق الله، على عكس حركته الهادئة الا أن طوفان من الأفكار والتحليل يدور فى رأسه، ربما يكون صامت بالشكل الذى قد يوحي أيضًا بأن ذهنه فى مكان آخر لكنه على العكس يكون مستمع وريما توصل لقرار وحل اثناء الحديث، بمعنى آخر أن هذا الرجل لم يكن يومًا بالشكل الذى توحيه ملامحه الخارجية، الحماس للسينما كان المحرك الأساسي فى حياته، طفلا أنبهر بالصورة المتحركة وبحث حتى أكتشف المجلات والدوريات النقدية والتحليلية، وعدم وضوح مصير خريجي معهد السينما –المفتتح حديثًا- وهل سيجرى تعينهم من قبل القوي العاملة وقتها ام لا؟ دفع والده إلى تفضيل التحاقه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لتدفع به القوى العاملة إلى هيئة الاستعلامات، خلال هذه السنوات هل قل حماسه وشغفة بالسينما؟ بالتأكيد لا، على العكس أصبح أحد اهم نشطاء نشر الثقافة السينمائية فى مصر، يكتب مقالات ويحلل ويشارك فى فعاليات نادي القاهرة للسينما وجمعية الفيلم.

يمكن القول أن حياته تسير في خطين يتفانى في كلاً منهما للوصول إلى سقف غير محدد أظن أنه هو شخصيًا لم يكن هو يعرف حده، فقد كان هذا السقف يرتفع بتحدي جديد كلما اقترب منه، الدراسة –على الرغم من العثرة التي شهدتها دراسته الجامعية- الخط الذى قاده إلى هيئة الإستعلامات والثاني هو السينما أو الشغف الذى قاده مع التدريب على الحوار والتقديم وتحليل عناصر الأفلام من خلال فعاليات نادي القاهرة وجمعية الفيلم إلى النقد السينمائي كمحترف في الجرائد والمجلات، الصدفة التي حولته من هيئة الإستعلامات لمبنى ماسيرو قربت المسافة بين الخطين، فمع دراسته في معهد الإعداد الداخلي الخاص بالمعينين في وزارة الإرشاد القومي (الإعلام) تلاقت رغبته في النقل إلى ماسبيرو مع رغبة زميلة له بالنقل إلى هيئة الاستعلامات، ويكلف رزق الله بالعمل في قطاع الأخبار ويعمل بتفاني كعادته حتى يصل إلى رئيس تحرير.

بعد انتصار أكتوبر أصبحت الحاجه للبرنامج التعبوي "السينما والحرب" معدومة وتطوير البرنامج أصبح ضرورة ملحة، ولم يجد المسئولين أفضل من الشاب صاحب الصيت الذائع في الأوساط السينمائية والذى يعمل في التليفزيون ليكون هو المسئول عن تطوير البرنامج، في السنوات ما بين 1973 و1975 –بداية عرض برنامج "نادي السينما"- التقى الخطان وصب تفانى وحماس وشغف الأستاذ يوسف شريف رزق الله في خط واحد ظل يخدمه طوال حياته، على الرغم من العراقيل التي كانت توضع أمامه، ومحاولات فرملته المستميتة من بعض القيادات وقرارات توقيف البرامج وقتلها التي شهدها في حياته كمقدم ومعد برامج ومن جانب آخر لم تتوقف محاربته في عمله بمهرجان القاهرة لكنه في الجانبين لم يتوقف إطلاقًا امام مشكلة أو صراع، كان يبحث عن جديد وخطوة أخرى لهذا ربما نرى الكثير من البرامج واسم أكثر لمعانًا ممن حاولوا ازاحته واستقروا بأريحيه تحت مظلة منصب أو برنامج.

ظل الأستاذ يعمل حتى قبل أزمته الصحية الأخيرة، المرض فقط هو ما كان يمنعه عن الالتقاء بشغفه، فقط المرض والوفاة هما السقف الذي أصطدم بهما الأستاذ ولم يستطع تخطيهم، والعزاء أنه ترك وراءه ثروة ضخمة ليست فقط برامجه وكتاباته، بل منهج وطريقة في برمجة الأفلام للمهرجانات وتلاميذ أحبوا المجال حبًا فيه وجمهور تطورت معرفتهم بالسينما من خلاله، هذا التفاني والجهد الفريد منحة لقب من فرنسا بعد حصوله على وسام الدولة في الفنون والآداب بدرجة فارس.

 

الفجر الفني المصرية في

18.07.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004