كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

سامح سامي يكتب:

لماذا مهرجان القاهرة السينمائي؟

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الحادية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

أنت أمام مهرجان سينمائي عريق. من ينظر إلى تاريخه يكتشف مدى أهميته وتأثيره في حركة الثقافة المصرية.

مبادرة أهلية من شخصيات ثقافية وفنية أرادت في ظروف تاريخية وسياسية صعبة تأسيس مهرجان القاهرة، الذي بدأ بعد حرب أكتوبر العظيمة بـ3 سنوات، وبالتحديد في 16 أغسطس 1976 على أيدي الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين برئاسة كمال الملاخ، ومع الوقت تحول من رد فعل وحلم شخصي للملاخ إلى همّ فني وسينمائي، ينشغل به السينمائيون والنقاد والجمهور. وأظن أن الكل يدعم هذا المهرجان، بدافع أنه حدث فني مصري قومي. بالطبع المهرجان، خلال دوراته الـ40 السابقة شهد هبوطا وصعودا في تأثيره وأهميته، سنكتشفه في الصفحات التالية. لكن يبقى أنه المهرجان المصري الوحيد الذي يمكن القول إنه "ملك الجميع".

(2)

قد يستغرب البعض تخصيص (مجلة الفيلم) عدد عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؛ بحجة أن المهرجان يبدو بعيدا عن اهتمامات المجلة التي تصدر أعدادها بهدف أول وأساسي، وهو نشر الثقافة السينمائية وفن الصورة، ودعم الفن المستقل (البديل). لكن مجلة الفيلم -بانفتاح شديد ورغبة صادقة- تدعم كل ما هو سينمائي وكل ما هو جميل، وكل ما هو جاد. لكن "هل هذا يتحقق مع مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الحالية التي تحمل اسم واحد من أعظم النقاد السينمائيين يوسف شريف رزق الله؟".

نعم؛ لأنه جدد ذهنه مؤخرا عبر عدة أمور تظهر اهتماما خاصا بالثقافة السينمائية، فـ"ركن" المظاهر الاحتفالية من فساتين وسجاد أحمر، واهتم بالسينما وثقافتها وصناعة الأفلام، فأصبحت هناك حركة وتغيير بعد جمود، ففي تكريم المخرج العالمي تيري جيليام، الدورة الحالية، سيكون هناك فرصة للحوار معه والحديث عن تجربته، وليس مجرد التقاط صورة معه هنا ولقطة على سجادة حمراء هناك، وكذلك الاستمرار في أيام القاهرة لصناعة السينما، الذي يساعد بشكل مباشر صنّاع الأفلام، ووجود 16 مشروعا مصريا وعربيا ستشارك في ملتقي القاهرة السينمائي.

فضلا عن مشاركة واسعة للأفلام العربية، وعرض ما يزيد على 30 فيلما ما بين طويل وقصير في عروضها العالمية والدولية الأولى، بالإضافة لأكثر من 90 فيلما نال المهرجان حقوق عرضها الأول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أيضا تطوير فريق البرمجة بنظامه الجديد -وافق عليه الأستاذ يوسف شريف رزق الله قبل رحيله- الذي يعتمد على تقسيم العمل على خمسة مبرمجين يعملون تحت إشراف المدير الفني، وكل واحد فيهم مسئول عن منطقة جغرافية، ثم هناك مجموعة ثانية مكونة من 6 أشخاص هم "لجنة البحث"، ومهمتها فرز الأفلام التي تأتي للمهرجان، ثم هناك مجموعة أخيرة من المنتجين ومديري المهرجانات مهمتهم ترشيح الأفلام والضيوف للمهرجان، ويعملون بشكل تطوعي، ولا يتحمل المهرجان سوى دعوتهم للحضور، وعند حضورهم يشاركون في الأنشطة ويقدمون للأفلام والندوات دون أن يكونوا عبئًا على ميزانية المهرجان. وأظن أن هذا شكل غير تقليدي، ساعد في فحص أكثر من ألف فيلم تقدمت للمهرجان وإنهاء البرنامج في الوقت المناسب، مع الاحتفاظ بالجودة كمعيار أول للحكم.

اللافت أيضا توقيع إدارة المهرجان على ميثاق للمساواة بين النساء والرجال في الفعاليات السينمائية بحلول 2020، والمعروف باسم "5050 في 2020"؛ ليكون القاهرة المهرجان الأول عربيا والثاني إفريقيا الذي يعلن التزامه ببنود الوثيقة التي أطلقتها حركة "5050 في 2020"، وكان أول الموقعين عليها مهرجان كان السينمائي في دورته الـ71 عام 2018، وبموجب هذا التوقيع سيكون "القاهرة السينمائي" ملتزما بدءًا من دورته الـ42، المقرر إقامتها خلال شهر نوفمبر 2020، بإعلان الإحصائيات المرتبطة بنسب مشاركة النساء في فريق البرمجة، ولجنة الاختيار، كما يلتزم المهرجان أيضا بدءًا من العام المقبل، بإعلان نسبة الأفلام التي تقدمت من إخراج نساء، وعدد الأفلام التي اختارها المهرجان منها.

(3)

وجدت مبادرة التعاون مع إدارة مهرجان بحجم القاهرة السينمائي، عبر الاطلاع على أرشيف المهرجان لدوراته الـ40 منذ 1976 وحتى الآن، من أرشيف صور وإصدارات وكتالوجات، فرصة مهمة لمناقشة دور المهرجان وتقييم أهميته لصناعة السينما ولصناع الأفلام، بكل استقلالية وحرية، بدون تلميع أو تزييف.

لكن الأهم أنها كانت تجربة كاشفة أيضا عن مدى قوة كتّاب المجلة، التي تصنع مجدها الصحفي والبحثي والفني، وهي تحتفل بمرور 5 سنوات على تأسيسها، التي أراها، حسبما ألمسه أيضا في تعليقات الناس، أنها علامة فارقة في تاريخ الصحافة المصرية، ومشارك مهم في الثقافة السينمائية، خاصة أن تنفيذ هذا العدد جاء في وقت قصير للغاية (25 يوما)، وسط تخوفات من السرعة، والقلق أن تفقد المجلة الدقة المعروفة بها. لكن الحياة متعة، والتحدي والمغامرة أقصى لذة في الكتابة والثقافة والفن؛ ولأني كنت أثق أن وراء المجلة تاريخا طويلا لجمعية أهلية مدنية، فكنت مطمئنا، فجمعية النهضة العلمية والثقافية "جزويت القاهرة" التي يشع منها نور استوديو ناصيبيان (تأسس عام 1937) التاريخي والمؤثر في صناعة السينما المصرية، ذلك النور الذي أحلم أن يتجدد ويتمدد عبر مدارس جزويت القاهرة: السينما والمسرح والرسوم المتحركة والعلوم الإنسانية، تربي الجزويتيين على تلك المتعة وذلك التحدي، عبر العمل باستقلال لتشكيل الوجدان الإنساني وتدعيم العدالة الثقافية عبر إتاحة الفنون للكل (فالكل فنان، والكل يستطيع التعبير عن ذاته ومجتمعه عبر السينما، وأن صناعة الأفلام ليست بعيدة عن الناس العادية، ويمكن تحقيقها بأقل التكاليف والإمكانات، المهم الفكرة، والتفكير في بدائل).

ولذلك أصدرت الجمعية عبر مكونها الأساسي نادي سينما الجزويت (مجلة الفيلم)، كمشروع حالم لتشكيل الوعي السينمائي كممارسة اجتماعية؛ لأن نوادي السينما هي التي تخلق جماهير عريضة محبة للسينما، كأنها تمشي على الجمر، متحدية تجريف الواقع الثقافي والسينمائي، الذي تم ويتم لصالح الجهل والقمع والرقابة. وأظن أن مهرجان مثل القاهرة بدون هذا الجمهور، سيصبح أشبه بالمهرجانات "البلاستيك" التي تلمع. لكنها ليس ذهبا.

ذلك الجمهور الذي يتعطش لأفلام يقف وراءها فكر وصناعة مبدعة مختلفة عن تلك الصناعة التي تهتم بـ"رص" النجوم في أفيش فيلم باهت، لا يقول شيئا، ولا يتذكره المشاهد فور خروجه من العرض، صناعة لديها وعي بحل كل مشاكل الواقع السينمائي الحالي الذي هو نتاج مجتمع أكله السوس، في كل جوانبه، عبر زمان ممتد من التجريف المعرفي، أنتج واقعا سينمائيا يغرق في فكر غير مستنير، وبتعليم رجعي، وباقتصاد تجاري نفعي لا يؤمن بمسئوليته الاجتماعية، بمثقفين لا يعرفون دورهم (غير مستقلين، ويميلون دوما للمكاسب)، بمناخ ومجال عام لا يشجع على الإبداع إلا فيما ندر.

حينما تنهض تلك الصناعة بعيدا قليلا عن دوائر شركات الإنتاج الكبرى وموزعي الأفلام ودور العرض أو التقنيات عالية الجودة، وتجد حلولا بديلة تغير واقع القوانين والرقابة وتدعم تعليم السينما الحر المتحرر، سينهض المجتمع بأكمله، فالصناعة نتاج مجتمع ناهض حر فاعل ثقافيا وفكريا واقتصاديا، أو خامل يعيش طوال الوقت كمستهلك وتابع. الصناعة ليست فيلما ممتازا هنا أو فيلما مشوها هناك. وإذا ما تحقق هذا سيكون لمهرجان القاهرة السينمائي شكلا مختلفا وتأثيرا في الجمهور وفي صناعة السينما، ومن ثم التغيير في الواقع المصري نفسه.

(4)

العدد يضم أسماء بارزة تكتب معنا لأول مرة، مما أعطى للعدد ثقلا وجمالا وثقة، خاصة أن هذا العدد سبقته عدة اجتماعات تحضيرية، كانت لها العامل الأول في بلورة شكل العدد الذي بين أيدينا، عبر مناقشات جادة بين هيئة التحرير والأكاديمي د.مجدي عبد الرحمن، والأستاذ محسن ويفي رئيس جمعية النقاد المصريين الذي كاد ينهي كتابة شهادته عن المهرجان والبرامج الموازية له، إلا أن المرض حرم القراء من قلم باحث وناقد كبير مثله، وكلي أمل أن يعود إلى القراء قريبا، بكل نشاطه وحيويته ومحبته للسينما وللفن.

ومجلة الفيلم وسط سعادتها بالتعاون مع إدارة مهرجان القاهرة، تحلم بالاهتمام بشكل أوسع بأرشيف هذا المهرجان الكبير، ليكون فيما بعد أحد أكبر العوامل المساعدة لنشر الثقافة السينمائية ومساعدة الباحثين وليتحول إلى مركز ثقافي سينمائي يليق باسم المهرجان. والشكر هنا موصول إلى صديقي الكاتب أحمد فاروق مدير المركز الصحفي للمهرجان الذي سهل مهمة إنجاز هذا العدد، وكذلك إلى إدارة المهرجان وفريق عمله، والشكر للكاتب والمنتج محمد حفظي رئيس المهرجان، وللناقد أحمد شوقي المكلف بأعمال المدير الفني.

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

 

####

 

سمير فريد.. فارس مهرجان القاهرة النبيل

أحمد سامي يوسف

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

إن كان لابد وأن نختار ناقدا سينمائيا عربيا للتعبير عن مسيرة مهنة النقد السينمائي، فبلا شك لا يوجد اسم أجدر من الناقد سمير فريد، فكل العلامات الفارقة التي مر بها النقد في مصر، وكل انعكاساته في العالم العربي بالتبعية بدأت من عند سمير فريد نفسه.

بدأت رحلة فريد مع النقد مبكرا جدا، منذ اللحظة التي قرر فيها دراسة النقد المسرحي؛ بعد تخرجه، تم تعيين فريد في جريدة الجمهورية، والتي كانت البداية الحقيقية لمسيرته.

كانت مهمة الناقد صعبة، فهى لم تكن قد اكتسبت خصوصيتها بعد أو حتى أرست لنفسها تعريفها الخاص؛ كان النقد السينمائي جزءا من مسار مهنتين أخريتين، الصحافة الفنية والنقد الفني، الأولى معنية بأخبار النجوم والأفلام وحجم نجاح الفيلم، والثانية تتعامل مع السينما بوصفها أمرا لا يختلف كثيرا عن أي من الفنون الأخرى، وبما أن الفن السابع يجمع الفنون الأخرى فيمكن للناقد المسرحي أو الأدبي أن يوسع مجال نشاطه ليضم السينما إليه، ويمكن له أن يكون جزءا من صناع الفيلم ونرى اسمه على التترات، ويمكنه أيضا أن يشارك في حملات الدعاية له. يخبره رئيس تحرير الجمهورية "إيه ناقد سينمائي دي؟ أنت ناقد فني تشوف مسرحية تكتب عنها، تحضر حفلة لأم كلثوم تكتب عنها".

وأصر فريد على التخصص وأصر على تعريفه لنفسه كناقد سينمائي لا فني أو صحفي، الأمر لم يقف عند حدود مشكلة اصطلاحية لتعريف ما هو النقد السينمائي، لكنه كان نابعا من إدراك سمير فريد المبكر بخصوصية السينما وأهمية شريط الصوت والصورة وموقعهما داخل العمل، ما يجعل من المادة التي يقدمها مختلفة وربما ثورية في تلك الفترة، اهتمام جعل فريد يصر على لقب "ناقد سينمائي" حتى في نعي جده، رغم معارضة أفراد الأسرة.

* خصام ثم إدارة.. رحلة سمير فريد مع المهرجان

ارتبط سمير فريد بعلاقة ممتدة بمهرجان القاهرة السينمائي، بدأت بخلافات حادة وجوهرية بالنسبة له وقت تدشين المهرجان، قبل أن تتغير هذه العلاقة شيئا فشيئا، واختلفت الأدوار التي شارك من خلالها في دعم المهرجان، لكن أبرزها كان توليه مهمة المدير الفني في دورة عام 1985 ثم رئاسة المهرجان في دورة عام 2014، وفي كل مرة ترك فريد بصمة خاصة على المهرجان.

تأسس مهرجان القاهرة عام 1976، وأقيمت الدورة الأولى في فندق شيراتون بالقاهرة، الأمر الذي اعترضت عليه جمعية نقاد السينما، بسبب دعم ملاك هذا الفندق للانقلاب العسكري في دولة تشيلي عام 1973، حينها أصدرت الجمعية التي كان فريد أحد مؤسسيها بيانات إدانة لملاك الفندق، فلم يمكن من المقبول بالنسبة لهم إقامة مهرجان ثقافي وسينمائي كبير في فندق يدعم ملاكه الانقلابات العسكرية.

وعندما قرر سمير مقاطعة المهرجان، وفي دورة عام 1979 بعد معاهدة السلام، شاركت إسرائيل في المهرجان بشكل رسمي فاستمرت مقاطعته.

*سمير فريد" مديرا فنيا للمهرجان في دورة الأحياء

وقعت حادثة شهيرة للمهرجان في دورته الثالثة، حينها كان الناقد الفرنسي جان لوي بوري رئيسا للجنة التحكيم، وأثناء إعلان الجوائز فوجئ بمنح فيلم "قاهر الظلام" إحدى الجوائز، مع أن اللجنة التي ترأسها بنفسه لم تمنح الفيلم أي جوائز؛ عاد لوي بوري إلى فرنسا وعقد مؤتمرا صحفيا يندد بالواقعة، ضاعف من سوء المشهد أن فيلم "قاهر الظلام" كان مأخوذا عن رواية لكمال الملاخ، رئيس المهرجان في تلك الدورة.

وقرر الاتحاد الدولي للمنتجين سحب الصفة الدولية من المهرجان، ومنعه من إقامة مسابقة رسمية بعد تلك الواقعة، بدأ المهرجان في التدهور تدريجيا منذ ذلك الحين، حتى وصل الأمر بوزير الثقافة منصور حسن أن علق على حفل افتتاح المهرجان في العام 1984 قائلا: "لو كان فرح ابنتي لما حضرته".

وعرض فريد على لجنة المهرجانات التي كان عضوا فيها ويرأسها سعد الدين وهبة، أن تتولى اللجنة تنظيم المهرجان تحت رعاية وزارة الثقافة، وذلك إنقاذا للمهرجان من التوقف، وبالفعل لقى اقتراحه قبولا، وأصبح سعدالدين وهبة رئيسا للمهرجان، وسمير فريد مديرا فنيا له.

وحققت الدورة نجاحا ملحوظا، بدأ بإعادة الصفة الدولية للمهرجان مرة أخرى ولكن بدون مسابقة رسمية، إلا أنها كانت خطوة غاية في الأهمية في إعادة المهرجان للمسار الصحيح، ونجح المهرجان في تلك الدورة في تغطية تكاليفه وتحقيق أرباح قدرت بـ50 ألف جنيها.

وانسحب فريد من الدورة التالية مباشرة بسبب خلاف بينه وبين سعد الدين وهبة على نوعية الأفلام المشاركة في المهرجان، اعتذر فريد ورشح الناقد يوسف شريف رزق الله ليكمل مسيرته ويصبح أحد أهم الأسماء الفاعلة والمؤثرة في تاريخ المهرجان.

* سمير فريد رئيسا للمهرجان.. بأمر السينمائيين

شهدت مصر في العام 2013 اضطرابات سياسية أدت إلى إلغاء دورة مهرجان القاهرة في ذلك العام، في العام التالي قام مجموعة من السينمائيين بالاعتصام في نقابة المهن السينمائية مطالبين بتولية سمير فريد، رئاسة مهرجان القاهرة، وهو الأمر الذي وافق عليه وزير الثقافة حينها صابر عرب، وعرض المنصب على سمير فريد الذي اشترط بدورة تغييرا مهما في لائحة المهرجان، وهو أن يسند تنظيمه بشكل واضح إلى وزارة الثقافة؛ كان النص القديم ملتبسا ولا يوضح بشكل محدد الجهة المنظمة للمهرجان.

ووضع سمير فريد مجموعة من الأهداف صوب عينيه وسعى في تنفيذها من اللحظة الأولى، أحد أهم تلك الأهداف هو تحويل مهرجان القاهرة إلى مؤسسة يديرها فريق عمل، وأن يقضي على الصورة الذهنية التي ترتبط بفرد لا بمؤسسة وفريق، لذا رفض إجراء الكثير من الحوارات الصحفية في بداية عمله وهو ما كلفه هجوما كبيرا من الصحف القومية، قبل أن يعلن في المؤتمر الصحفي الخاص بالمهرجان أن رفضه لإجراء المقابلات ليس تعاليا على الصحافة أو عدم تقدير للدور الذي تلعبه، فهو صحفي ينتمي ويعتز بانتمائه لأسرة يعمل أغلب أفرادها في الصحافة، لكنه إصرار على تقديم إدارة المهرجان كمجموعة لا فرد.

"المهرجان مؤسسة وفريق عمل كبير لا يمكن اختصاره في شخص رئيسه"، كلمات طالما كررها فريد في أغلب حواراته الصحفية، مؤكدا أن نجاح الدورة لا يجب أن ينسب له وحده، وأن ثمة لجنة تدير المهرجان ضمت سبع سينمائيين من مختلف الأجيال، بداية من تهاني راشد مرورا بيسري نصرالله، ووصولا لسعد هنداوي، بالإضافة لفريق عمل يزيد عن مئة شخص، يكرر ذلك باستمرار، يحرص على ذكر أسماء زملائه ولا يغريه مديح محاوره للإنجازات التي حققها.

وفي السياق ذاته، حرص فريد على ضخ دماء جديدة وأفكار طازجة وشابة لفريق العمل، فقام بإضافة 50 شابا بمتوسط عمر 30 عاما لم يسبق لهم العمل في المهرجان، بالإضافة للخبرات المتوفرة في الفريق القديم، وهى خطوة ليست غريبة على الرجل الذي استقال من رئاسة المهرجان لإفساح المجال لعناصر أكثر شبابا لتولي إدارته، "راهنت على الشباب وكسبت الرهان".

ويعد التغيير الأكثر جوهرية الذي أضافه فريد للمهرجان هو محاولة إقامته على غرار المهرجانات الثلاث الكبرى، من خلال إضافة البرامج الموازية التي تعتبر إلى الآن مجموعة من أهم فعاليات المهرجان.

وأسندت البرامج الهامة التي أضافها وأسند إدارتها إلى 3 كيانات كبيرة هي مسابقة آفاق السينما العربية وتديرها نقابة المهن السينمائية، سينما الغد الدولية التي تحتوي على مسابقة أفلام الطلبة والأفلام القصيرة ويديرها اتحاد طلبة المعهد العالي للسينما، وأسبوع النقاد وتديره جمعية النقاد.

وتم عرض المهرجان تحت إدارة فريد 155 فيلما في تلك الدورة، 75 فيلما روائيا طويلا جديدا، منهم 48 عرضوا لأول مرة في العالم العربي وأفريقيا، و5 أفلام عرض دولي أول (أول عرض خارج بلد الإنتاج)، و4 أفلام عرض عالمي أول؛ حرص سمير على أن تعرض جميع الأفلام في النطاق الجغرافي ذاته حتى لا يكلف الجمهور مشقة الانتقال بين القاعات.

كذلك حرص على تقديم أفضل جودة ممكنة لعروض الأفلام، فقام بتطوير كل أجهزة العرض، والاعتماد على تقنية DCB لأول مرة في مهرجان القاهرة، ليقضي على أهم عاملين يشكل الخلل فيهما إزعاجا لأي محب للسينما، جودة الصورة ومواعيد دقيقة لبداية العروض.

* آفاق جديدة للمهرجان.. من السينما إلى الفنون

الهدف الرئيسي لأي مهرجان سينمائي حول العالم هو دعم صناعة السينما والاحتفاء بمبدعيها، وهو الأمر الذي لا يتم دون تواجد الجمهور، إذن يمكن اعتبار الحضور الجماهيري والأفلام الجيدة مقياس نجاح أي مهرجان في العالم.

وفي السنوات القليلة الماضية ومع كل تطور تقني تظهر نظريات عن موت السينما والمهرجانات بالتبعية؛ أحد أهداف المهرجانات هو إتاحة أفلام من مختلف الثقافات حول العالم، الافلام التي ليس من السهل الحصول عليها بالنسبة للجمهور المحلي.

لكن اليوم بحكم التقنية، أصبحت الأفلام متاحة من كل الدول على الشبكة العنكبوتية، يمكن لأي محب للسينما رؤية أي فيلم من أي مكان في العالم بعد ستة أشهر من عرضه الرسمي، أيضا ظهرت شبكات البث مثل نتفيلكس والتي تتيح أعمالها للمشاهدة على أريكة في المنزل دون الحاجة إلى الذهاب إلى قاعة السينما فضلا عن حضور فعاليات مهرجان سينمائي.

لذا لم يكن غريبا أن ينظم مهرجان برلين أحد أعرق مهرجانات العالم، وأكثرها حضورا جماهيريا بأعداد تصل إلى 300 ألف تذكرة سنويا، حلقة بحثية حول مستقبل المهرجانات في ظل المتغيرات الجديدة، ومحاولة خلق دوافع جديدة لضمان أهمية المهرجان واستمراريته، فظهرت أفكار كسوق السينما، بقدرته على توزيع الأفلام في أنحاء متفرقة من ألمانيا؛ الفكرة نفسها كان من الصعب تطبيقها مع مهرجان كالقاهرة بسبب طبيعة السوق المصري الفقير والمغلق على حد تعبير سمير فريد، وهو ما تؤكده الأرقام أيضا، ففي مقابل 4000 دار عرض في ألمانيا يوجد 115 دار عرض فقط في مصر.

وينطلق سمير فريد في رؤيته لمهرجان القاهرة السينمائي في الدورة التي ترأسها في العام 2014 من هذه المعضلة، يحكي فريد عن واقعة مر بها في سبعينيات القرن الماضي، ولم تفارق ذهنه من لحظتها، عندما نظم مسرح سيد درويش عرضا مسرحيا ضخما من بطولة نور الشريف، وذهب فريد رفقة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، إلى العرض، وتفاجأ بانعدام الحضور الجماهيري لفاعلية بمثل تلك الأهمية.

وبعد العرض أبدى فريد أسفه لما حدث أمام درويش، الذي فاجئه برد يحكي فريد أنه لم يبارح مخيلته: "هل تريد أن تقنعني أن مدينة كالقاهرة تعداد سكانها يزيد عن 10 ملايين مواطنا تخلوا من 200 ألف شخص مهتم بعرض مثل ذلك؟ غياب هؤلاء هو نتيجة فشل منظمي الفاعلية في إقناعهم بالخروج من منازلهم".

وآمن فريد من لحظتها أن كل الفعاليات الثقافية الخاوية على عروشها هي نتيجة غياب القدرة على الوصول إلى الجمهور المستهدف، وإقناعه بأن ثمة عرضا يستحق حضورهم، وهو الأمر الذي أولى له اهتماما بالغا وقت رئاسته للمهرجان ووجد له حلا مناسبا.

واقتبس سمير فريد شعار مهرجان روما في العام 2006 "الأفلام أولا، لكنها ليست كل شيء"، قرر أن يحول دفة المهرجان، من مهرجان متخصص بالسينما إلى مهرجان يعطي الأولوية للسينما، لكنه أيضا لا يهمل علاقتها بالفنون الأخرى، فدشن لأول مرة في تاريخ المهرجان مجموعة من الفعاليات الفنية التي ترتبط بالسينما.

وقدمت تلك الدورة معرضا للفن التشكيلي وعروضا للموسيقى التصويرية للأفلام، وندوات عن الأدب وعلاقته بالسينما، ومعرضا للكتب السينمائية وملصقات الأفلام تجاوز حجم مبيعاته في أسبوع المهرجان حاجز 100 ألف جنيه، ما يمكن اعتباره نجاحا ضخما، هذا بالإضافة للعديد من الندوات وحلقات البحث اليومية طوال أيام المهرجان.

يشار إلى أن الإضافات النوعية التي قدمها سمير فريد أثمرت نجاحا من الصعب إنكاره، لقد ربطت السينما بفنون أقدم، -إلا أن علاقتها بالسينما وثيقة منذ لحظة ظهورها- ربط تلك الفنون بالسينما شكل دافعا لجمهور كبير من غير المتخصصين للتعرف عليها عن قرب، أي أنه نجح في إرضاء توقعات جمهور تلك الفنون وضمه لجمهور السينما، وقدم كذلك لجمهور السينما مجموعة متنوعة من الفنون.

وكانت نتيجة الدورة حضورا جماهيريا ضخما بلغ عشرين ألف متفرج لأغلب فاعليات المهرجان، ومؤتمرا فريدا من نوعه أعلن خلاله فريد عن ميزانية المهرجان وفيما أنفقت وماذا بقي منها، وأعلن عن رواتب جميع العاملين في المهرجان، بداية من موقعه كرئيس للمهرجان وصولا لأصغر العاملين فيه بشفافية غير معهودة في أي نظام عمل مصري، ثم قرر في سابقة أولى من نوعها أن يترك موقع المسئولية لأجيال جديدة تمنى أن تكون أكثر حيوية وبكارة.

 

####

 

خالد محمود* يكتب:

نعم.. أنا منحاز لمهرجان القاهرة

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

سينما وكيان ووطن.. شكل مرحلة مهمة في حياتي، كان أول مهرجان كبير أطوف بين رحابه لأنهل إبداعات العالم سينمائيًا، قبل أن يلهمني أستاذي سمير فريد ومن بعده المعلم الكبير يوسف شريف رزق الله، وكلاهما طافا في رحاب القاهرة السينمائي الدولي نقادًا ومسؤولين.

حان الوقت لأرى ماذا يحدث في مهرجانات العالم الكبرى، وبالفعل سافرت إلى "كان" و"برلين" ومن قبلهما مهرجانات "دبي، وأبو ظبي"، قبل أن نصطدم بإلغائها، وأعترف أنني اندهشت كثيرًا بما رأيت بدايةً بما يسمى بـ"قصر المهرجان"، ومرورًا بأفلام عظيمة وملهمة ونجوم ومخرجين تتوهج شهاداتهم بقاعات الندوات، ومنذ ذلك الحين أصبحت من مريدي تلك المهرجانات، التي سافرتها في مرحلة متأخرة من الشباب، ولكنني في كل مرة كنت أرى "القاهرة السينمائي" أمام عيني أحلم له ومعه بمكانة أكبر وحضور كبير في قلب صناع السينما في العالم، كنت أغار عليه، وأتمنى في كل زيارة بالخارج -مبهورًا بالعروض والتنظيم وحتى الجمهور المصطفّ بشغف طوابير طويلة- أن يكون مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأقدم في الشرق الأوسط، يسير على الدرب أكثر قيمةً وأكبر تأثيرًا بين كل مهرجانات العالم؛ لأن "القاهرة" نبض مصر الثقافي والفني، مصر قلب العالم العربي التي عرفت السينما قبل أكثر من قرن.

أتذكر كلمات الممثل العالمي أيقونة السينما البريطانية، ريف فاينز، قائلا عن القاهرة: "إنها المدينة النابضة بالحياة والطاقة بل أكثر دفئًا من باريس"، مضيفا: "لديكم ثقافةٌ رائعةٌ وتاريخٌ كبيرٌ وهذا ما يعطيني حماسًا لوجودي بالمهرجان، نحتاج لمهرجانات جديدة للمنافسة لكي تنافس فينيسيا وكان وبرلين وتورنتو".

نعم أنحاز لمهرجان القاهرة، بداخلي يقين أنه إذا ما توفرت له نصف إمكانيات ودعم مهرجات العالم الكبرى، المادية واللوجستية سيكون له شأن آخر، ويعرف طريقه إلى التطور والرسوخ، خاصة وقد بات على قمة إدارته اليوم فكرٌ جديد شابّ وطموح واعٍ يملك الحلم كله.

والحقيقة كما قال ألبرتو باربيرا مدير مهرجان فينيسيا السينمائي في شهادته هنا: "كي تكتمل المنظومةً، فإنه على المهرجانات أن تغير من سياستها كي تتماشى مع الفكر الجديد الطارئ على صناعة السينما، علينا إعادة صياغة مواقفنا وإعادة التفكير في السينما، نعم تغيرت عما كانت عليه في القرن العشرين وهذا أمرٌ طبيعي جدا لأن كل قرن له صيغته، ودور المهرجان هنا هو إظهار نوع التحول الذي طرأ على صناعة السينما، من حيث انتقاء أفلام تتوقع مستقبل الصناعة خلال السنوات المقبلة، وعلينا الانتباه للدول الناشئة في الصناعة والتي أصبح لديها صناع جدد وموهوبون، وتكوين وجهة نظر جديدة عما ستكون عليه السينما".

والواقع أيضًا أن مهرجان القاهرة بات يستوعب الدرس ويقف عند دوره الجديد، بعمل توازنٍ بين اختيار أفلام ضخمة وأخرى مستقلة، وإن كان يواجه خلال رحلة الإعداد تحدياتٍ كبيرة.

فالمهرجانات لم تعد مجرد نافذة عرض ومشاهدة الأفلام، ولكنها أصبحت منصةً لصنع الأفلام ودعم الموهوبين وأصبحت جزءًا من الصناعة، مهرجان "كان السينمائي" يفعل ذلك، وكذلك مهرجان "برلين" من خلال مشروع روبرت بوش، وفي فينيسيا يوجد مشروع "final cut"، هدفه تمويل أفلام موهوبين جدد، وفي مهرجان القاهرة توجد أيام القاهرة لصناعة السينما وملتقى القاهرة السينمائي، التي باتت منفذًا لدعم الموهوبين الجدد حتى ترى أفلامهم النور، وتعد منصة الإنتاج المشترك في المهرجان بفضل حماس رئيسه محمد حفظي وفريق عمله.

أعود بالذاكرة خمس سنوات إلى الوراء حينما أخبرني الناقد الكبير يوسف شريف رزق الله المدير الفني بانضمامي إلى لجنة المشاهدة، سعدت كثيرًا بأنني سأكون جزءًا من صناعة الحدث، والمشاركة في اختيار الأفلام التي نقدمها للجمهور، وبالفعل تعلمت الكثير من المناقشات والمداولات حول مفردات العمل الفني، وكيف تفرق بين فيلمٍ للمسابقة الرسمية وآخر للقسم الرسمي أو البانوراما، جلس الأستاذ يوسف يرشدنا دون أن يتدخل فى مشاعرنا ورؤيتنا للأفلام، وكم كان الدرس عظيمًا.

في محطة أخرى، وبينما كنا على العشاء فى مهرجان دبي، اقترب مني الناقد الكبير سمير فريد وكان في هذا العام قد تولى رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي، وعرض عليّ أن أقوم بإعداد نشرة مطبوعة يومية باللغة العربية وأخرى بالإنجليزية، وأن أتولى رئاسة تحريرها عام 2014، أعترف أنني بقدر ما شعرت ببعض القلق من مسئولية تلك التجربة، التي ستكون جزءًا من نشاط مهرجان دولي كبير، إلا أن الأستاذ منحني الثقة الكبيرة، وظل بجواري لحظةً بلحظة يقترح ويرشد، أخبرني أن تلك النشرة واجهة مهمة للمهرجان، والحمد لله كنت على قدر المسؤولية ومعي بعض الزملاء.

وفور صدور العدد الأول، فوجئت بالأستاذ سمير يأتي إلى المطبعة هو وزوجته السيدة منى غويبة مصرًّا على تهنئة فريق العمل فردًا فردًا في لحظة لم أنسها، وقد أدركت في اليوم التالي لماذا فعل ذلك ناقدنا الكبير، فقد وجدت الجميع يهنؤنني بالنشرة التي استمرت فيما بعد بثقة من رئيسة المهرجان بعد ذلك ماجدة وصف، ثم السيناريست والمنتج محمد حفظي الذي تولّى رئاسة المهرجان منذ دورته الأربعين، وأعطاني الثقة الكاملة، مثنيًا على تلك النشرة وتطوير محتواها ثم منحني في نفس العام إدارة المركز الصحفي، قبل أن أتولى في الدورة الجديدة (41) إدارة المركز الإعلامي.

كنت أرى أن نشرة "القاهرة السينمائي" يجب أن تعكس وجه المهرجان بكل فعالياته، وتشكل منصة مهمة لنقد الأفلام التى تعرض على شاشته في كل أقسامه ومسابقاته "ريفيو"، سواء لكبار النقاد أو شبابهم، وأيضًا تقارير مفصلة، وهو الشيء الذي يمكن أن يعوض عدم وجود إصدارات سينمائية أخرى متخصصة مثل التي نجدها في أروقة المهرجانات العالمية مثل "فارايتي، وسكرين، وهوليوود ريبورتر، لوفيلم فرانسيه"، والتي تشكل منهلًا كبيرًا لكل الأفلام وتضعك في قلب المهرجان، والواقع أنني أتمنى أن تولد لدينا مثل تلك الإصدارات والمطبوعات التي تشكل وعيًا بالثقافة السينمائية وأن تفرغ صفحاتها لنشاط مهرجاننا السينمائي، كأعداد خاصة وستكون إضافةً لكل الأطراف.

الشعور بأنك جزء من الحدث له مذاقٌ خاص، سواءً كنت في فريق العمل أو خارجه تباشر عملك كصحفيّ وناقد، وهنا أتذكر في عام 2000، وبالتحديد في الدورة رقم 34، كنت أرافق الفنان حسين فهمي رئيس المهرجان حينئذ، في لحظة استقباله نجمة السينما الإيطالية العالمية صوفيا لورين بمطار القاهرة، وفي الطريق من الطائرة لصالة كبار الزوار حدثتني صوفيا ببضع كلمات، بعد أن نظرت إلى جهاز التسجيل في يدي، عن عشقها للحضارة المصرية وسعادتها بحضور مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أدركت أن مهرجاننا كبير، ويمكنه أن يحتل المكانة التي يستحقها.

ولم تكن كلمات صوفيا لورين وحدها التي صدقت روح المهرجان الرائعة، بل ريتشارد جير الذي قال إن مهرجان القاهرة مهما كان فمصر ذو حضارة كبيرة، وكذلك اميتاب باتشان (1991)، وعمر الشريف وجولييت بينوش، وداني جلوفر وآلان ديلون، وصامويل جاكسون، ولوسي لو، وكلوديا كاردينالي (2015)، وجون مالكوفيتش، وسلمى حايك (2009)، وتشارليز ثيرون، وآلان ديلون، وإليزابيث تايلور، وبيتر جرينواي، وهيلاري سوانك، ومورجان فريمان، الذي خضت معه مغامرة زيارته لمعالم القاهرة من سمائها عام 2015، ولمست نظرة الإعجاب في عينيه، وقال لي: "منذ لحظة وصولي شعرت بأن الجمهور المصري يحتضنني، ولم أتوقع كل هذا الدفء والحب وتأثرت بهذه الحفاوة من شعب ودود وذواق للفن، وتكريمي في المهرجان جعلني أشعر بالامتنان ولم أتردد في قبول الدعوة التي جلعتني أعيش تجربة مذهلة، فقد كنت أتمنى زيارة مصر منذ فترة طويلة".

هؤلاء النجوم بلا شك شكلوا صورة أخرى للمهرجان كونه يستطيع أن يكون جاذبًا، وأن يكون في بؤرة اهتمامات العالم.

مازلت أحلم باكتمال الصورة الجديدة التي نرغب في إيصالها للعالم عن مهرجان القاهرة السينمائي كحدث كبير ومعاصر، يعمل كجزء من الصناعة والثقافة السينمائية في العالم كله، وليس في مصر أو المنطقة العربية فقط. المسألة فقط تحتاج إلى إصرار وإرادة ورغبة.

*مدير المركز الإعلامي لمهرجان القاهرة

 

####

 

نظرة وتحليل.. حضور الفيلم المصري بمهرجان القاهرة فرض أم استحقاق؟

أمنية عادل

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

في كل عام يتجدد السؤال عن تواجد الفيلم المصري في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وفرص التمثيل في المهرجان في ضوء إنتاج السنة وفقًا للّائحة ويستمر السجال طويلًا، في معرض هذا المقال سنرصد معًا مستوى تمثيل الفيلم المصري في مهرجان بلاده الأول والأكثر قدمًا في المنطقة، فمهرجان القاهرة الذي بدأ في عام 1976 كمهرجان دوليّ معترف به، شكّل نقطة ثقل لصناعة السينما في مصر وكذلك بلور وضع السينما المصرية في المنطقة كسينما رائدة، كما عزّز من تمثيل الفيلم المصري، فلم يعد السوق المصري ينافس نفسه من خلال أفلام يتم إنتاجها وتداولها في دور العرض والسينمات، لكنه فتح المجال لمنافسة الفيلم المصري مع أفلام مختلفة الجنسيات.

بالنظر إلى تمثيل الفيلم المصري في مهرجان القاهرة، هناك تفاوت ملحوظ بمختلف العقود وكذلك غزارة الإنتاج ومستوى الأفلام المنتجة، نحن الآن على أعتاب الدورة الـ41 من عمر المهرجان، ما يعني مرور 40 عامًا مليئة بالأفلام والحضور السينمائي، ما يزيد على 100 فيلم مصري عرض على شاشات المهرجان المتنوعة، تارةً كأفلام منافسة بالمسابقة الرسمية أو العربية وتارةً أخرى كعروض احتفائية بكلاسيكيات السينما المصرية، سينما مع احتفاء المهرجان بمئوية السينما في الدورة 31 عام 2007 وغيرها، خلال تكريمات ممثلي السينما المصرية من صناع وفنانين.

استهلال مبشر

استهل فيلما "المذنبون" للمخرج سعيد مزروق و"طائر الليل الحزين" للمخرج يحيى العلمي، حضور الفيلم المصري في الدورة الأولى للمهرجان التي عقدت في فندق شيراتون عام 1976، فيلم "المذنبون" الذي أثار ضجة كبيرة حين صدوره، حتى خرج نجيب محفوظ معلنًا أن الفيلم استعان بشخصيتين فقط من إحدى قصصه التي لم تنشر أو تدون في كتاب، ويعتبر الفيلم بداية حضور قويّ للفيلم المصري.

وحمل الفيلم قدرًا من النقد الاجتماعي والسياسي، كعادة أفلام سعيد مرزوق، التي تغور في المجتمع وتكشف بعدسة سينمائية ملامح القصور والمشكلات الخفية رغم بروزها على السطح، شارك مرزوق أيضًا في المسابقة الرسمية للمهرجان عام 1996 بفيلم "المرأة والساطور"، من تأليفه وإخراجه، برع مرزوق في نسج خيوط شخصيات أفلامه بشكل متداخل ومعقد، ما زاد من عمق المضمون سيّما مع تماسّها المباشر مع المجتمع.

خلال سبعينيات القرن المنصرم كان الإنتاج السينمائي غزيرًا رغم تفاوت مستوى الأفلام المعروضة في السينمات، وشاركت في المهرجان أفلام ثرية، حتى وإن لم يكن لها نصيب في الجوائز، ففي فترة السبعينيات ونهايتها، نلاحظ تنوعًا في الأفلام المقدمة والرؤى الإخراجية فيما بينها، حيث مثّلت سنوات السبعينيات تلاقي جيلين من السينما، حيث شهد المهرجان تمثيل مخرجين مثل هنري بركات وأفلامه "أفواه وأرانب"، و"امرأة بلا قيد"، و"قاهر الظلام" لعاطف سالم، و"إحنا بتوع الأتوبيس" لحسين كمال، كان على الضفة الأخرى مخرجون جدد رغم مساهماتهم في السينما منذ بداية وأواسط السبعينيات، مثل أشرف فهمي بفيلم "مع سبق الإصرار"، و"رغبات ممنوعة"، وفيلم "الوحش داخل إنسان"، و"الشريدة"، وكذلك علي عبد الخالق وفيلم"ضاع حبي هناك"، وكذلك محمد خان وفيلم "الرغبة" وسمير سيف وفيلم "قطة على نار".

صعوبات

هذه السمة لم تكن حاضرة في المهرجان فحسب، وإنما في السينما بصورة عامة فمع نهاية السبعينيات تولد جيل جديد يحمل رؤية مغايرة عن النمط الكلاسيكي الذي ساد خلال خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، واختلفت معه ذائقة الجمهور واختيارات المهرجان فيما بعد.

واجه المهرجان صعوبات عدة أبرزها توقفه عام 1980 بعد أربع سنوات من الانعقاد مليئة بالصعوبات أبرزها تدخل الرقابة في حذف مشاهد من الأفلام الأجنبية المشاركة، ما أغضب الاتحاد الدولي للمهرجانات، وعليه صدر قرار بحجب الصفة الدولية عن المهرجان، ما أتاح لإقامة بانوراما للفيلم المصري، والتي استمرت مع المهرجان باختلاف مسماها على مدار العقود الأربعة التي عقد بها.

مع غرة الثمانينيات زاد تمثيل الفيلم المصري، ففي عام 81 وصل إلى 13 فيلمًا، وفي عام 1982 كانت 7 أفلام، وبعد جهود كثيفة تحولت الدفة إلى يد وزارة الثقافة المصرية التي تولت تنظيم المهرجان بعد أن كانت تتولاه جمعيات، وذلك في 1985 كما تولى رئاسة المهرجان الكاتب سعد الدين وهبة، وهبة المعروف ككاتب مسرحي وكاتب سيناريوهات سينمائية، كان أحد العلامات المميزة للمهرجان سنوات، كما اشتبك كثيرًا كممثل للمهرجان مع الأفلام المصرية.

مع هذا تبلورت جهود وهبة مع استعادة المهرجان للصفة الدولية في عام 1986 ولكن دون مسابقة رسمية حتى عام 1991، شكل عام 1986 نقطة تحولٍ حقيقية في علاقة الفنانين وممثلي السينما ومهرجان القاهرة، سيّما مع تمرير قانون عُرف في الصحافة في هذا الوقت بقانون "103" يتيح لوهبة الذي انتخب في عام 1979 أن يكون نقيبًا للسينمائيين، بأن يستمر في منصبه مدى الحياة رغم انتهاء مدة انتخابه، وهو ما اعترض عليه الفنانون وعبّروا عنه في اعتصام مفتوح.

وضح اهتمام وهبة بالمستوى الفني للأفلام المصرية المشاركة في المهرجان، فمع عودة الشرعية الدولية للمهرجان في عام 1986 فتح المهرجان أبوابه لمشاركة أربعة أفلام وهي، "وصمة عار" لأشرف فهمي، و"قاهر الزمان" لكمال الشيخ، و"أربعة في مهمة رسمية" لعلي عبد الخالق، وأخيرًا "السادة الرجال" لرأفت الميهي، الذي كان لأفلامه حضور مميز في المهرجان.

لم تشهد السينما المصرية ظواهر أو تيارات ممتدة كما هو الحال في سينمات أخرى كالموجة الفرنسية الجديدة أو الواقعية الجديدة أو الدوجما أو حتى الموجة الرومانية الجديدة، مع هذا شهدت السينما توجّهًا ظهر بين الحين والآخر لأفلام تعتمد الفانتازيا واللعب خارج الصندوق سواء في المضمون كما فعلت سينما رأفت الميهي، أو الشكل السينمائي كما فعل أسامة فوزي وخيري بشارة وغيرهم.

على ذكر خيري بشارة، فمع تقلص تمثيل الفيلم المصري في المهرجان، شارك فيلمان فقط في عام 1988، وهما "عنبر الموت" لأشرف فهمي والثاني هو "يوم مرّ يوم حلو" لخيري بشارة، بشاعرية أشبه بعالم الحكايات، جسّد بشارة وفايز غالي قصة تحدث كل يوم بلغة سينمائية خاصة يصعب تقليدها رغم بساطتها.

مع عام 1990 تجدد اللقاء مع بانوراما للسينما المصرية وتم عرض 6 أفلام شكّل السواد الأعظم منها نواة للسينما المصرية الجديدة مع اقتراب نهاية القرن العشرين وكانت الأفلام، "الهروب" لعاطف الطيب، "سمع هس" لشريف عرفة، "كابوريا" لخيري بشارة، "سيداتي آنساتي" لرأفت الميهي، "تصريح بالقتل" لتيمور سري و"لعبة الانتقام" لمحمد عبد العزيز.

سنوات ازدهار

في عام 1991 عادت المسابقة الرسمية وجوائزها إلى المهرجان من جديد، كما ضمت المسابقة الرسمية عددًا من الأفلام المصرية الهامة، التي زادت من ثقل السينما المصرية لما تحمل من رؤى إخراجية وموضوعات متنوعة، مثل "يا مهلبية يا" والغوص في عالم من الصدف والفانتازيا الممزوجة بالكوميديا والاستعراض وهو الفيلم الخامس للمخرج شريف عرفة.

كما ضمت المسابقة الرسمية فيلم "البحث عن سيد مرزوق" للمخرج داوود عبد السيد، في البحث عن سيد مرزوق نشهد سينما مختلفة عن الصورة والمضمون المعتاد في السينما المصرية، سيما مع النظرة الفلسفية الجليّة داخل أحداث الفيلم، فالفيلم أشبه بالكولاج يُغرق المشاهد في تركيب معانيه للوصول إلى مفهوم أشمل، انطوى أيضًا على بُعد ذاتي حتى وإن لم يكن واضحًا للعيان بصورة كبيرة.

اكتمل ثراء هذا العام بافتتاح دورة 1991 الدورة 15 بفيلم "ناجي العلي" للمخرج عاطف الطيب، الفيلم الذي أثار جدلًا واسعًا قدّم سينما عاطف الطيب بصورة مغايرة لم تشبه أفلامه السابقة، مع هذا استمر صوت الانتقاد الحاضر دائمًا في سينما الطيب ولكن هذه المرة لشريحة أكبر تجاوزت المجتمع والسياسة المصرية، ما منح الفيلم قيمة مضافة إلى جوار تقديمه لشخصية مؤثّرة مثل "ناجي العلي".

سينما جديدة

خلال السنوات التالية تركز اهتمام المهرجان على التجارب الإخراجية الجديدة حيث شارك كل من "الحب في الثلاجة" لسعيد حامد و"ليه يا بنفسج" لرضوان الكاشف الذي كتب القصة والسيناريو والحوار لفيلمه، وكانت التجارب الإخراجية الأولى لمخرجيها، الحب في التلاجة تماشى مع الموجة العالمية الجديدة والتوجه نحو التكنولوجيا وهذه العلاقة الشائكة حتى يومنا هذا بين الإنسان والتكنولوجيا، استقى الفيلم هذه التجربة التي نفذت في السبعينيات من القرن العشرين وأدخل عليها لمحة كوميدية أقرب إلى الفانتازيا، فيما طارد رضوان الكاشف الحبّ، العنصر الحيوي في حياة الإنسان وتعقد العلاقات في ظل صعوبة الحياة.

ولم يغفل المهرجان قسم البانوراما الذي حمل اسم "أضواء على السينما المصرية"، وعرض عددًا من الأفلام من بينها "فارس المدينة، الإرهاب والكباب والمواطن مصري"، فيما ذكر المهرجان بعدد من كلاسيكيات السينما المصرية في ضوء تكريمات لكل من ليلى مراد وماجدة والأديب يحيى حقي، وتم عرض "ليلى، عنبر، غزل البنات، سيدة القطار، الحبيب المجهول، أين عمري، الغريب، أنف وثلاث عيون، النداهة، قنديل أم هاشم، والبوسطجي".

عروض الإنتاجات الكلاسيكية على الشاشة الكبيرة من جديد هو تقليد متعارف عليه في المهرجانات العالمية المتنوعة، كما أن ذائقة الفيلم تختلف باختلاف شاشة العرض، وخلال سنوات المهرجان احتفظ بهذا الطقس، ما منح المهرجان طابع نوستاليجا وتذكيرًا بالسينما المصرية الكلاسيكية.

تم افتتاح الدورة 17 عام 1993 بفيلم مصري وهو "ضحك ولعب وجدّ وحب" من إخراج مدير التصويرصاحب العين الخاصة طارق التلمساني وهي التجربة الإخراجية الوحيدة له. أما المسابقة فشارك بها كل من حرب الفراولة لخيري بشارة والجراج لعلاء كريم، كما عرض عدة أفلام من كلاسيكيات السينما في سياق التكريمات، من جديد حلّ المشاركون القدامى على الدورة الجديدة في 1994، حيث شارك داوود عبد السيد بفيلم "سارق الفرح"، ورأفت الميهي بقليل من الحب كثير من العنف، وعاطف الطيب بليلة ساخنة، كذلك فيلم "البحر بيضحك ليه" لمحمد كامل القليوبي.

بشكل عام مثلت فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين نهضةً جديدةً للسينما المصرية، وتبلور خلالها مسار مخرجي هذه الفترة، فلم يعد الطرح المباشر للأزمات المجتمعية هو السبيل الوحيد للفيلم السينمائي، بل تنوعت الأفكار ومزجت بين واقع وخيال يحمل معه لمحة كوميديا سوداء واضحة.

هذا التوجه السينمائي استهوى السينمائيين وكذلك مهرجان القاهرة، فشارك فيلم "عفاريت الأسفلت" وهو التجربة الإخراجية الأولى لأسامة فوزي في الدورة 19، كما استمرت إسهامات الميهي بتواجده في الدورة ذاتها بفيلم "ميت فل"، ثم فيلم "تفاحة" بالدورة 20 وتلاه مشاركته بفيلم "طست الستات" في الدورة 21.

ركود وتضاؤل

مع اقتراب نهاية القرن العشرين شهدت السينما المصرية ركودًا وتضاؤلًا في السوق الإنتاجية، مع هذا مثل فيلم "أرض الخوف" لداوود عبد السيد و"سوق المتعة" لسمير سيف، السينما المصرية في المهرجان، كما احتفى المهرجان بالكوميديا العالمية وكان لكوميديا السينما المصرية نصيب، حيث عرض "سي عمر، أحبك يا حسن، الزوجة 13، الأفوكاتو".

مع بداية الألفية الجديدة شهدت السينما انحدارًا واضحًا سواء في عدد الأفلام التي تم إنتاجها وكذلك المضمون، فغابت سنوات الازدهار التي عاشتها السينما والمهرجان مع "عاطف الطيب، خيري بشارة، محمد خان، رأفت الميهي وداوود عبد السيد"، وتولدت أسماء جديدة سواء كممثلين أو مخرجين، وخلال الدورة 24 عام 2000 لم يشارك إلا فيلم مصري واحد وهو فيلم "العاصفة" الإخراج الأول لخالد يوسف.

لم يكن عام 2001 سهلًا على الإطلاق، فأحداث 11 سبتمبر غيّرت الكثير من المواقف الدولية والعالمية، كما أعرب رئيس المهرجان حينها "حسين فهمي" عن قلقه من المشاركة الأجنبية، تزامنت مخاوف المهرجان مع مستوى الأفلام في هذا العام، ولم يشارك في المسابقة الرسمية إلا فيلم مصري وحيد وهو "مذكرات مراهقة" للمخرجة إيناس الدغيدي.

خلال الدورات التي ترأسها سعد الدين وهبة كان يُقبل فيلمان مصريان للمشاركة في المسابقة الرسمية كحدٍ أقصى حتى تسنح الفرصة لتمثيل أكبر قدر من السينمات المختلفة، ولكن خلال العقد الأول من الألفية الجديدة اضطرت إدارة المهرجان في أغلب الأحيان لنهج هذا الأسلوب تماشيًا مع مستوى الأفلام وقلة الانتاج، ولعب الانتقاء دوره في هذه السنوات.

في الدورة 26 أي عام 2002 تم افتتاح المهرجان مع فيلم "معالي الوزير" للمخرج سمير سيف، كما شارك فيلم "خريف آدم" للمخرج محمد كامل القليوبي في المسابقة الرسمية، مثل الفيلمين ثقل، فمعالي الوزير برؤية كوميدية سوداء وخريف آدم مرثية سينمائية عذبة.

من جديد شاركت إيناس الدغيدي في المسابقة الرسمية بفيلم "الباحثات عن الحرية" وهذا المرة لم يكن الفيلم المصري الوحيد، حيث شهدت الدورة 28 عام 2004 مشاركة "خالي من الكوليسترول" للمخرج محمد أبو سيف وفيلم "أنت عمري" للمخرج خالد يوسف.

قبلة سينما الديجيتال

مع المسار المتباين للسينما المصرية، تطورت الصناعة السينمائية وأفرزت التكنولوجيا فائدة جديدة وهي الأفلام الديجيتال، متحايلة على صعوبة التقنية والتنفيذ، وبدأ بها مخرجون مثل يسري نصر الله وفيلمه الروائي الأول "المدينة"، ومحمد خان بفيلم "كليفتي" وهي أفلام عرضت في المهرجان حتى وإن لم تكن داخل مسابقة، مع هذا واكب المهرجان مسار التطور التكنولوجي وتم إدراج مسابقة جديدة تستوعب التطور الحاصل وكانت مسابقة أفلام الديجيتال الروائية الطويلة وذلك في الدورة 30 عام 2006، وشارك بها المخرج إبراهيم بطوط بفيلمه الأول "إيثاكي" ذي الإنتاج المستقل.

كما احتفى المهرجان بمئوية السينما المصرية ومرور 80 عامًا على فيلم "ليلى" إنتاج 1927، الذي وصلت كلفته حوالي 100 ألف جنيه1. وتم عرض عدد من الأفلام المصرية الهامة من بينها، الكيت كات، الحرام، السمان والخريف، القاهرة 30، والمومياء، قبل عرض النسخة المرمّمة في المهرجان عام 2009 بدورته 33.

مع اقتراب نهاية العقد الأول في الألفية الجديدة تعافى التمثيل المصري مع التجارب الجديدة وبروز ما يعرف بالسينما البديلة أو المستقبلة، ودون الخوض في المسميات، حيث ظهرت أسماء جديدة مثل أحمد عبدالله السيد الذي شارك في دورة 33 بفيلم "هليوبليس" شارك من جديد في المسابقة العربية بالدورة 34 عام 2010 بفيلم "ميكروفون، إلى جانب تامر عزت في أول تجاربه الإخراجية بفيلم "الطريق الدائري"، كما مثل فيلم "الشرق" لخالد الحجر مصر في المسابقة الرسمية.

خلال الدورة 35 التي عقدت عام 2012 بعد توقف المهرجان في عام 2011 بسبب ثورة 25 يناير، تغيّر شكل المهرجان ومضمونه، حيث طبع بالطابع الثوري وتماشى مع العين السينمائية التي وثقت الثورة وجوانبها من خلال قسم خاص تحت اسم "سينما الثورة"، وكان فيلم الافتتاح "الشتا اللي فات" لإبراهيم بطوط، الذي يستقرئ الواقع الثوري في ضوء سوداوية المشهد.

استمر تأرجح المهرجان فقد شهدت دورة 35 كثيرًا من المشكلات والتخوفات وأبرزها إمكانية سحب الصفة الدولية من المهرجان في حال توقفه عامين متتاليين، بحسب قوانين الاتحاد الدولي للمنتجين والسينمائيين، وهو ما ألقى بظلاله على دورة عام 2013 التي لم تعقد وقفز المهرجان إلى عام 2014 ليعقد دورته الـ 36 التي جاءت مختلفة بصورة كبيرة عن المعتاد وهي الدورة التي ترأسها الناقد سمير فريد.

وشارك فيلم "باب الوداع" للمخرج كريم حنفي في تجربته الإخراجية الأولى في المسابقة الرسمية لهذه الدورة، وهو فيلم انطوى على التجريب في كثير من جوانبه الفنية، كما عرض فيلم "ديكور" للمخرج أحمد عبدالله السيد في العروض الخاصة، وفي فئة "أفلام عن السينما" تم عرض فيلم "زي عود الكبريت" وتجربة حسين الإمام للاحتفاء بالسينما والسينما المصرية وصانعيها.

أزمة التمثيل المصري

استمرار تخبط المهرجان ومحاولة البحث عن توازن ومواجهة الصعوبات للخروج بالمهرجان من جديد بحسب كلمة رئيس المهرجان "ماجدة واصف"، في الدورة 37 عام 2015، ومع الدورة 38 أي عام 2016، تأججت مشكلة تمثيل الفيلم المصري في المهرجان في ضوء أزمة فيلم "آخر أيام المدينة"، الذي تباينت الآراء في سبب منعه من المشاركة في المسابقة الرسمية، والذي لم يعرض حتى الآن في مصر بصورة رسمية، وبحسب رئيس المهرجان لتلك الدورة "ماجدة واصف" فإن عدم مشاركة الفيلم في المسابقة لا علاقة له بالمحتوى وإنما بمشاركة الفيلم في الكثير من المهرجانات بالتزامن مع مهرجان القاهرة، وحلّ محله فيلم يوم للستات، الذي شارك كفيلم الافتتاح لهذه الدورة وكذلك في المسابقة الرسمية، للمخرجة كاملة أبو ذكري، والتي لم تشارك من قبل في مهرجان القاهرة، جاور فيلم يوم للستات فيلم "البر التاني" للمخرج علي إدريس.

وتحت مسمى السينما المصرية الجديدة، تم عرض عدد من الأفلام المصرية المعاصرة ذات مستوى فني، سيّما مع انتعاشة الإنتاج السينمائي من جديد، وخروج السينما المصرية للتمثيل العالمي مرة أخرى، ومن تلك الأفلام "خارج الخدمة" للمخرج محمود كامل، "قبل زحمة الصيف" للمخرج محمد خان، "اشتباك" للمخرج محمد دياب، "نوارة" للمخرجة هالة خليل.

إن كانت الدورة 38 هي دورة أزمات للفيلم المصري بالمهرجان فالدورة 39 لم تشهد مشاركة رسمية في مسابقة الفيلم الطويل لأي فيلم مصري، وهو ما يطرح سؤالًا هامًّا، هل لابد من مشاركة مصرية في مهرجان القاهرة كل عام؟.. الإجابة في 2017 كانت لا، في حين برزت المشاركة المصرية بمسابقة سينما الغد الدولية للفيلم القصير بتجارب مثل "كل الطرق تؤدي إلى روما" للمخرج حسن صالح واني، و"ريد فيلفيت" للمخرجين يوسف محمود ومحمود سمير، وكذلك فيلم "حاجة ساقعة" للمخرج عمروش بدر.

فيما لم يغفل المهرجان إنتاجات العام وتم الاحتفاء بعدد من الأفلام المصرية من خلال بانوراما السينما المصرية الجديدة، ومن بين الأفلام "أخضر يابس" للمخرج محمد حماد، "على معزة وإبراهيم" للمخرج شريف البنداري، و"فوتوكوبي" للمخرج تامر عشري، يتضح من الأفلام التي يتم تقديمها في البانوراما بالمهرجان مستوى الأفلام المصرية المعاصرة وطبيعتها الفنية وكذلك فحوى مضمونها.

وخلال العام الماضي 2018 في الدورة 40 مثل فيلم "ليل خارجي" السينما المصرية كفيلم مشارك في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة للمخرج أحمد عبدالله السيد، معبّرًا عن روح المدينة في حُلّة جديدة تتماشى مع تخبّط أصحابها، كما تم عرض عدد من الأفلام المصرية في مسابقة آفاق السينما العربية مثل "ورد مسموم" للمخرج أحمد فوزي صالح، و"الكيلو 64" للمخرج أمير الشناوي، إلى جانب المشاركات في مسابقة سينما الغد للأفلام القصيرة، بانوراما السينما المصرية الجديدة وبرنامج تحية للمخرجات العربيات بشكل عام مثّل الفيلم المصري جزءًا أصيلًا من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي على مدار دوراته سواء مشاركًا في مسابقات رسمية أو على هامش المهرجان، الأهم هو الحضور والمنافسة، هذا الحضور هو مؤشر لمستوى السينما والإنتاج، فدائمًا ما مثلت علاقة المهرجان والفيلم المصري منحنى يُكشف من خلاله مسار السينما، التي تحاول تنفس الصعداء منذ عدة سنوات.

 

####

 

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعيون «الجارديان» البريطانية

ترجمة – عزة خليل

ينشر بالتعاون مع مجلة الفيلم

إذا جمعت واقعة ما بين شخصين أو أكثر، وسألت أحدهم عنها، سيقدم وصفًا مختلفًا لهذا الحد أو ذاك، أو مختلفًا تمامًا، عن الآخر.

ووفقًا لثقافة كل منهما وخبراته، والسياق القادم منه، وموضعه أثناء الأحداث وحدة نظره ومصالحه، سيختار ما يذكر وما يتجاهل بشكل مختلف عن الآخر، وسيركز على أمور قد لا يلتفت إليها الآخر، وسيرى تفاصيلًا قد يغفلها الآخر، ويتذكر تتابع للأحداث بنحو مختلف عن الآخر، ويسمع تعليقات غابت عن أذن الآخر، ويفهم صياغات وسياقات عكس ما قد يفهمة الآخر؛ وهذا ما يحكم عادة، وبشكل عام علاقتنا، أيًا من كنا، مع الآخر، أيا من كان.

أما إذا كنا نحن المصريين، وكان الآخر الأوروبيين أو الغرب، فهذا تاريخ طويل جدًا من تبادل النظرات والملاحظات والترقبات، وصدق وزيف التوقعات، وحسن وسوء الفهم والظن. وأذا كانت سمة الكائن الحي إعادة النظر والتفكير فيما اكتسبه من معارف وآراء، فلنغتنم في مهرجان القاهرة، هذا الحدث الضخم، فرصة التعرف على صورة يراها لنا الآخر، ويفسر ويفهم من خلالها ما نقدمه بصرف النظر عما كنا نظن فيه من معانى ومضامين.

وإذا كانت الصحافة الأجنبية تقدم لنا إمكانية التطلع إلى نماذج من ذلك، فلنتطلع إلى جريدة عامة ليست متخصصة، مشهور عنها مهنيتها النموذجية، ونقدم منها فيما يلي ثلاث نماذج في تواريخ مختلفة مرت على مهرجاننا بدوراته الأربعين السابقة.

لقاء الغرب مع الشرق... الممثل الأمريكي، داني جلوفر، مع رئيس مهرجان القاهرة السينمائي عزت أبو عوف، والرئيس الشرفي، عمر الشريف

* نيل نورمان يحبس أنفاسه على شاطئ النيل حيث كان عضوًا في لجنة تحكيم بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وعضوا بلجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، يكشف النقاب عما شبهه بالورطة.

* الجارديان، نيل نورمان (1)

لا يسبب الحجاب جدلًا كثيرًا مثلما يحدث في بريطاانيا. وفي مصر، وجد فاروق حسني، وزير الثقافة المتوهج، نفسه تحت سهام الانتقاد منذ بضعة أسابيع، بسبب ملاحظات ابداها حول الحجاب في مقابلة معه.

قال فاروق حسني، عضو الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم "تصبح كل امرأة مع شعرها الجميل مثل زهرة، ولا يجب حجبها عن رؤية الآخرين، ويركز الدين اليوم على المظاهر أكثر مما ينبغي".

وأثارت ملاحظاته مظاهرات ودعوات من الحركة الإسلامية المعارضة لإقالته، وردت على تلك الحملة عريضة وقعها 500 شخص من أشهر المثقفين المصريين، وبينهم 3 مخرجين، مدافعين عن حرية التعبر ومدينين عملية "التصيد" التي استهدف بها الوزير.

وكان أول ظهور علني لفاروق حسني الأسبوع الماضي بعد الضجة التي تمت، في افتتاح دورة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الثلاثين.

وتابع : بوصفي عضوًا في لجنة تحكيم المسابقة الدولية للأفلام الروائية الديجيتال (أحد أقسام المسابقة)، تمنيت أن يثتجاوز الوزير موقفه الحرج بسرعة.

وأكد: ليس تحت تأثير أدبي البريطاني، كانت خشيتي من التورط في جريمة دهس الفستان الحريري، الذي ترتديه زميلتي في لجنة التحكيم، الممثلة التونسية هند صبري، وربما فاقت حرصي على عدم خرق البروتوكول، بينما كنا محتشدين على مسرح دار الأوبرا لمصافحة عمر الشريف، رئيس المهرجان الشرفي، ورئيسه عزت أبو عوف، والسيد فاروق حسني.

وأوضح: لأني نويت محاولة عدم التسبب في أي إحراج، نجحت في تفادي السيد حسني تمامًا. وبعد مصافحة السيد أبو عوف والسيد شريف، وجدتني واقفًا بحرج أمام الوزير الذي مال برصانة نحوي هامسًا: "مرحبًا بك في مصر".

وتبعت هذه المقابلة الوجيزة دفقة نشاط وسيارات ليموزين، حيث كنا سننقل من المسرح إلى حفل الافتتاح، في قصر محمد علي الذي تم تجديده مؤخرًا، عبر حركة مرور القاهرة المفزعة. وقال السائق مبتسمًا "لدينا علامات للطرق وإشارات مرور، ولكنها للزينة فقط".

وتدفق المصريون الذين ليس لديهم سوى 500 دار للسينما، تخدم تعدادًا قدره 72مليون نسمة، إلى المهرجان، والسبب كما أخبرني أحد المواطنين، "إنها الفرصة الوحيدة التي نستطيع فيها مشاهدة أفلام بدون رقابة"؛ ولم يكن هذا يعني فتح مصراعي الباب 10 أيام لوجبات من الجنس والعنف.

ولكن يعني أنهم يسمحون بعرض أفلام من كل أنحاء العالم، وعدد متزايد من الأفلام العربية، الأمر الذي يفرض أسئلة قاسية حول حالة مجتمعاتهم وعلاقاتهم ببعضهم بعض، وما يماثلها في الغرب.

وأكدت الـ10 أفلام الخاصة بمسابقة أفلام الديجتال أنها من طراز عالي الجودة، مثلها مثل كفاءة زملائي أعضاء لجنة التحكيم وهم؛ ممثلة إيطالية صارمة عملت كثيرًا مع برتران تافيرني، وكاتب سيناريو أسباني مرح اقترح علينا تسريب زجاجة بوربون من حفلة السفير الأمريكي لتعويض النقص في المشروبات الروحية، والممثلة التونسية التي أشرت لها من قبل، ومخرج مشهور يعمل في القاهرة ويدخن لدولة مصر كلها.

وكان هناك أفلام من فلسطين ومصر وفنلندا وألمانيا وإيطاليا والمغرب وكوسوفو وبريطانيا. وحيث كنت البريطاني الوحيد في المجموعة، كنت قلقًا وراغبًا ألا يخذلني أي شيء في المشاركة البريطانية (الإخراج الأول لريتشارد هوكينز، وبطولة راي وينستون) – التخوف الذي ثبت أنه ليس له أساس من الصحة.

وفي مساء الأحد، وبعد مناقشة متفهمة ومستنيرة للأفلام، توصلنا إلى الحكم، ومنحنا الجائزتين لأحسن فيلمين. وكان في ذلك مثالًا إيجابيًا على الاتفاق الدولي، يجدر بالسياسيين اتباعه.

وفي اليوم التالي، نشرت جريدة "الجازيت" المصرية أخبارًا عن حل "أزمة الحجاب"، حيث قدم السيد فاروق حسني تفسيرًا لتصريحاته، قبلته لجنتي الإعلام والشئون الدينية بمجلس الشعب.

وفي هذا بشير خير لحفلة ختام المهرجان غدًا، حيث سيوزع الوزير الجوائز على الفائزين، الذين يتعين علي إسدال الحجاب على أسماءهم.

صورة سوزان ساراندون مع نموذج أبو هول في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

صورة من يوم العطلة: جوش دوهاميل وسوزان ساراندون وأليسا سيلفرستون وجولدي هون وكورت راسل أمام تمثال أبو الهول.

الترويج للهرم: مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يظهر انقسامات البلاد سوزان ساراندون، وجولدي هون وكاتبنا بول ماكينز طاروا لحضور مهرجان السينما المصري الموقر. ولكن ماذا أحضروا معهم؟

الجارديان، بول ماكينز (2)

قالت سوزان ساراندون، "أرى الأفلام كلها سياسية" بلهجة تشي بإنها عبرت من قبل عن مثل هذا الرأي مرارًا؛ "الأفلام التي تعزز صورًا نمطية سياسية، تمامًا بنفس قدر الأفلام التي لا تفعل ذلك؛ والشيء السار والمؤسف أن أفلام هوليود ليست سياسية".

ساراندون في القاهرة، يالها من فرصة عظيمة؛ إحدى أشهر ممثلات هوليود الليبراليات، التي تندد بمظالم صناعتها أمام مجموعة من مسلمي شمال أفريقيا، فيبدو إنها المتحدثة المناسبة أمام الجمهور المناسب جدًا.

ولكن ساراندون مرت بوقت عصيب، غارقة وسط انتقادات باللغة العربية، وسط المستجوبين المحيطين بها. لقد اتهمت بأنها ممثلة لإمبراطورية اليانكي تحديدًا (الأمريكيون الذين استولوا على البلدان اللاتينية)، بينما تظن هي أنها أمضت حياتها تندد بها؛ إصرار كبير على إن "الفن قطعًا قوة غازية في نهاية الأمر" ولا يساعد حقًا في تهدئة الأمور.

وإلى حد بعيد، ربما تمثل القاهرة حزمة من التناقضات، وفقًا للعبارة المعهودة، أو ربما كانت مجموعًا بسيطًا لأجزاءها الكثيرة- لا أدري.

إنها مجتمع حضري يصل تعداده إلى 20 مليون نسمة، وقد يتطلب الأمر أكثر من زيارة سريعة لشاطئي النيل حتى يلم المرء بها.

ومع ذلك ما يمكني قوله، أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وما يعرضه من أفلام يظهر فجوة كبيرة لا يمكن تجاهلها بين السينما والعالم الواقعي الذي تأمل أن تمثله.

شهدت دار الأوبرا بالقاهرة ليلة الافتتاح، وهى تقع وسط شبكة من الطرق على بعد عدة مئات من الأمتار عن النيل، حيث لا يقطن هناك سوى مشاهير المصريين. قطع عدد لا نهائي من النجوم السجادة الحمراء ومسرح القاعة الرئيسية، وقد توسطهم عمر الشريف بإقتدار، ورحبوا بساراندون ورفاقها من ضيوف هوليود، في مراسم مطولة تعطيك انطباعًا أن الضيف الآخر جولدي هون يقف منذ فترة طويلة في مكان منعزل.

وانتهت ليلة الملابس القصيرة المرصعة بالماس، بعرض الفيلم الأسباني "العودة إلى هانسالا" الذي يدور حول جثث المهاجرين الغرقى. وعند تلك اللحظة كانت 4 أخماس قاعة العرض فارغة.
ويشارك "العودة إلى هانسالا" في مسابقة القاهرة الرئيسية
.

وهو فيلم سياسي، ليس فقط من وجهة نظر ساراندون. ويعالج الفيلم موضوعات العمال غير الشرعيين (أجساد ضخمة في طريقها للعمل بمزارع الفاكهة في الأندلس)، ودوافع الهجرة، وبشكل محوري الاختلافات الثقافية بين المهاجرين والأسبان المحليين.

ويدور معظم الفيلم في المغرب، حيث يحاول البطل، المقاول الذي لعب دوره لويس جارسيا بيريز، إعادة جثة صبي إلى عائلته. وتلاحقه في رحلته سلسلة من حالات سوء الفهم، من أول إصراره على التدخين في رمضان، وحتى حيرته بسبب المعاملة التي تلقاها رفيقة سفره من والدها. وهناك عدد من المشاهد لا يصور سوى سوء التفاهم المتبادل بين بيريز والسكان الأهالي.

ولم تكن استعارة سيئة. ليس لمجرد الانفصام بين الغرب والشرق (الأوسط)، لكن بين صناع السينما ومشاهديها. ربما يكون الوضع نفسه قائمًا في معظم مهرجانات السينما، ولكن مع حضور مهرجان القاهرة، تشعر كأنك في فقاعة، متوجهًا من فندقك المتدثر بالأمان، إلى سينماك المنظمة بشكل خاص، وتعود مرة أخرى في وقت العشاء المدفوعة تكاليفه. وحتى أنهم حذروني من ارتياد بعض السينمات المشاركة في المهرجان، باعتبار أنها بعيدة جدًا، ومخصصة للمشاهد العادي في كل الأحوال. وعندما توجهت إلى إحداها وجدتها موجود في مول ذي مباني شاهقة، يتطلب منك عبور مدخله فحص حقائبك بالأشعة.

أينما تتطلع، فهناك واقعان مختلفتان يقابل أحدهما الآخر. فبينما تردي الممثلات ثيابًا كاشفة، ويصور ملصق حملة الترويج المتواجد في كل مكان إمرأة شعرها الطويل متناثر خلفها، كما لو كانت ساحرة تجلب لنا هرمًا من الهواء، إلا أن غالبية المصريات يذهبن إلى شئونهن اليومية مرتديات الحجاب. وبينما عرض المهرجان برنامجًا مثيرًا للاهتمام من الأفلام حول موضوع حقوق الإنسان، استغل أحد الممثلين المرموقين في مصر، محمود قابيل، مؤتمر المهرجان ليشجب الرقابة السائدة في وطنه.

وفي الوقت نفسه، لم يكن من الممكن إقامة المهرجان، لولا دعمًا، ذكر إنه مليون دولارًا، من الحكومة نفسها التي تفرض الرقابة. (أعلنت إحدى صحف القاهرة الصادرة بالإنجليزية عن افتتاح مهرجان القاهرة بصيغة سخيفة "فاروق حسني متحمس لمهرجان القاهرة السينمائي"، وإذا وضعت أندي بورهنهام ولندن(3)، بدلًا من فاروق حسني والقاهرة، ستجد ولا شك المعادل البريطاني السخيف للخبر.)

ووسط كل هذه المتناقضات، يبدو الشيء المؤكد أن المهرجان لم يقام ليحضره رواد السينما المصرين العاديون. فالعروض قليلة الحضور بشكل ملفت. بينما يمكن القول أن الأفلام المصرية في عمومها تقدم عرضًا دقيقًا لرؤية العالم السائدة في الأفلام الهوليودية – على سبيل المثال ليلة البيبي دول، ويدور حول محاولة مصري أمريكي أن تحمل زوجته بطفل يوم رأس السنة، رغمًا عن المعوقات الهزلية المتنوعة، وما أفسده دمار يوم الحادي عشر من سبتمبر في قدراته الجنسية.

وهكذا أعد مديرو مهرجان القاهرة السينمائي برنامجًا ثريًا وملئ بالتحديات، لن يشاهده سوى الأشخاص الذين يرتبط حصولهم على دخلهم بالسينما. وسيعبر نجوم هوليود عن مشاعرهم القوية المتضامنة مع الشعب العربي، ويعودون إلى أوطانهم بعد جولة سياحية في الأهرامات.

وسيواصل الوزراء الاستمتاع برؤية مهرجان القاهرة الدولي مدرجًا بين أحد عشر مهرجان هم الأفضل في العالم، وسيواصلون تمويل السجادة الحمراء. ومع ذلك، وسط هذا كله، تتسائل بالفعل إذا ما كان هناك شيئًا مفتقدًا في مكان ما طوال هذا المسار.

ظهور رانيا يوسف في مهرجان القاهرة الدولي يثير جدلًا حول مدى توغل المحافظة في البلاد
"
الجارديان
".

وأكدت ممثلة مصرية تواجه المحاكمة بتهمة التحريض علنًا على الفسق بسبب ارتداءها لفستان فاضح، أنها لم تكن تقصد أي تحريض على الفسق.

وقالت رانيا يوسف في منشور لها على الفيسبوك إنها ربما أساءت تقدير رد فعل الناس على الفستان الذي ارتدته في الحفل الختامي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث كشف عن ساقيها عبر نسيجه المطرز الشفاف.

واعتمدت في اختيارها لذلك الفستان على مصمم أزياء، ربما يكون متأثرًا بأذواق ومعايير مهرجانات السينما الدولية.

وقالت رانيا يوسف دون أن تقدم اعتذارًا في تصريحها "أود التأكيد على إلتزامي بالقيم والأخلاقيات التي نشأنا عليها في المجتمع المصري".

وكانت مشاركات عديدة بصور رانيا يوسف، قد تمت على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، مما حث مجموعة من المحامين على تقديم بلاغات ضدها إلى المدعي العام، الذي سارع بإحالة الممثلة إلى المحاكمة.

ولكن تم التنازل عن عديد من الشكاوى المقدمة طوال شهور قبل اتخاذ أي إجراء، وبالتالي لم يأت إجراء عاجل، مما خيب رغبة استرضاء من شعروا بالإساءة. وقدمت رانيا يوسف للتحقيق معها أخيرًا في 12 يناير(4).

وكانت القضية أحدث مثال على ممارسات السلطات العلمانية ظاهريًا، المتبنية للمحافظة الدينية في مصر ذات الأغلبية المسلمة.

وأعربت نقابة المهن التمثيلية المصرية في بيان لها عن إنها تنتوي التحقيق ومعاقبة الممثلين الذين ارتدوا ثيابًا "متجاوزة" اثناء مراسم افتتاحا وختام مهرجان السينما الدولي الذي استمر إسبوعًا، على أساس إنهم اصطدموا مع "تقاليد وقيم وأخلاقيات المجتمع".

وجاء في البيان الذي صدر بعطلة نهاية الأسبوع "رغم إيماننا بحرية الفنان الشخصية إيمانًا مطلقًا، فإننا نهيب بإدراك مسئولياتهم العامة تجاه جماهير تقدر فنهم، وتراهم كقدوة؛ وذلك يحتم عليهم ممارسة الحد الأدنى من الإلتزام بقيم المجتمع العامة".

وساد الحديث عن فستان رانيا يوسف ومحاكمتها الوشيكة مناقشات شبكات الإتصال الاجتماعية خلال نهاية الأسبوع؛ وفي يوم الأحد، انتشرت هذه المناقشات على الصفحات الأولى لصحف عديدة، وأصبحت موضوعًا لإفتتاحيات عديدة.

وبينما أدانت بعض وسائل الاتصال الاجتماعية "عدم احتشام" الممثلة، انتقدت أخرى الخضوع للمحافظين، ملاحظة عدم إحراز أي تقدم في معالجة ظواهر التشرد والفساد والتحرش الجنسي بالنساء.

وجاء في تغريدة لكاتب الرأي خالد منصور "بلد تنزعج من فستان فاضح في مهرجان، ولكن لا يسوءها مليون طفل ينامون نومًا قاسيًا وينبشون صناديق النفايات من أجل الطعام".

وقال عماد حسين، رئيس تحرير جريدة "الشروق" المستقلة، إن رانيا يوسف لها كل الحق، نظريًا، في ارتداء ما تشاء من ملابس، ولكن "غلطتها القاتلة" أنه كان يشبه "المايوه"ـ مضيفا "هناك قانون يمنع الإساءة إلى الجمهور، ولكن الأهم، أن هناك قيم مجتمعية يجب احترامها".

هوامش
(1)
نيل نورمان، كاتب سيناريو وناقد بريطاني، ومن كتاب جريدة الجارديان، عمل صحفيًا في جريدة نيو ميوزيكال إكسبريس مع بداية السبعينيات، ثم أصبح الناقد السينمائي لمجلة "ذا فيس"، ونشر كثير من العروض عن الأعمال السينمائية والمسرحية في مجلات السينما المختلفة والجرائد الوطنية. كما ألف عددًا من الكتب
.

(2) بول ماكينز، من كتاب الجارديان، متخصص في شئون ثقافات الشعوب. يكتب في صحف ومواقع اخبارية أخرى.

(3) وزير الثقافة والإعلام اوالرياضة البريطاني وقت نشر المقال.

(4) في نهاية شهر يوليو 2019، وفقا لما نشر في الصحف ومنها صحيفة اليوم السابع، حفظت النيابة العامة التحقيق مع رانيا يوسف في البلاغات المقدمة ضدها بسبب واقعة الفستان.

 

الشروق المصرية في

02.12.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004