كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان القاهرة السينمائى..

وذكريات عن قرب

خالد عبد العزيز

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الحادية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

شتاءٌ قديم لا أذكر في أي عام بالتحديد، أذهب مع أحد أصدقائي لمقر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أقف في طابور طويل لاستخراج بطاقة حضور الأفلام، حالة من النشاط والزخم تتنافى مع مشاهداتي لحفلات افتتاح الكرنفالية المبهجة، جو مملوء بالحماس خاصة مع اقتراب موعد انطلاق الدورة، تتلقى عيني ما يجري أمامي وتلتقطه بشغف ورغبة في معرفة المزيد عن الكواليس التي تختلف بالتأكيد عن ما يجري على شاشات التليفزيون، ليتكرر بعدها بسنوات نفس المشهد لكن مع اختلاف جوهري، زاوية الرؤية تبدلت، أصبحت أرى الأمور بمنظور الداخل وليس انعكاسًا الخارج ..

سنوات تمر ولا أدري أن القدر كان يرتب منحًى آخر، ويجعل من المتفرج لاعباً، بعد لقاء يجمعني مصادفة بالناقد الراحل سمير فريد إثر توليه رئاسة الدورة 36 من المهرجان، يتغير على إثرها موقعي وأصبح بعدها عضواً في الفريق وشاهداً على العديد من المواقف والذكريات التي لا تُمثل تاريخ المهرجان فقط بل تأريخًا لفترةٍ ما من الحياة الفنية قد لا يدري عنها الكثيرون شيئاً، تبطن أكثر مما يظهر على السطح.

سمير فريد .. الحالم بالأفق البعيدة

تقلد سمير فريد منصب رئيس المهرجان في ظروف حرجة على المستويين السياسي والفني، فالحالة العامة يغلب عليها الطابع الثوري والرغبة في التغيير، حتى وإن كانت هذه الرغبة مُتحققة أصلاً، لكن حالة المد الثوري طالت الجميع، قَبل سمير فريد المنصب بعد رحيل زميله ورفيقه الناقد السينمائي أمير العمري بشكل قسري والذي لم يستمر في المنصب لأكثر من شهر وتم إهالة التراب على تجربته كأن لم تكن وبشكل يدعو للتعجب والغضب في آن، فقد تبدل بعدها الوضع السياسي مما تحتم تغيير قيادة المهرجان رغم جدراتها بالإدارة، يومها كنت أمارس عملي ووصلت مكتبي في إدارة المهرجان ليفاجئني أحد الضباط يمنعني من الدخول ويتحول المكتب فجأة إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، أسأل الجميع عن ما يجري ولا أحد يُجيب، الوجوم على الوجوه هو المسيطر وحالة عامة من التخبط تُصيب الجميع، دون رغبة حقيقية في فهم مجريات الأمور.

في ظل هذه الأجواء التي يحكمها الضباب والتشوش أتى سمير فريد، ليكون اللقاء الأول بيننا، بادرة وفاتحة لعلاقة ممتدة بدأت مهنية وتحولت تدريجياً إلى شخصية، علاقة فريدة بين الأستاذ والتلميذ، لم أكن قابلت الأستاذ سمير وجهاً لوجه من قبل، مثقف حقيقي مهموم بالكمال، وبالتالي أثرت شخصيته على المهرجان، واتسمت إدارته بالتنوع لا البهرجة، وجبة سينمائية وثقافية شهية لم تتكرر، وإن كان في هذه التجربة منحنيات وصعوبات تستحق أن تروى.

نادراً أن تجد رئيسًا يعتمد على ذاته في أداء العمل، فالغالبية تعتمد على المساعدين ويترك لنفسه اللمسات الأخيرة التي تجعل العمل يُنسب له، لكن العمل مع فريد مختلف، ليس رئيساً فقط بل مديراً فنياً وإدارياً أيضاً، لا شاردة أو واردة تمر من تحت يده دون أن يكون مُلمًّا بكافة تفاصيلها، فأثناء التحضيرات النهائية للدورة 36 كان العمل يستمر حتى الساعات الأولى من الصباح دون أدنى كلل أو ملل، لا يعتد بأي ظروف تتعلق بالعمر أو الطاقة، ففي أحد الأيام دخلت غرفة مكتبه دون استئذان كعادتي معه، ووجدته مُنكبًّا على إعداد برنامج العروض، ورق مقوىّ كبير الحجم وأوراق متناثرة على المكتب وأقلام ملونة، يخرج مني سؤالي المعتاد عن الصحة والعمل ليخبرني بهدوء أنه مشغول بالعمل على البرنامج، يرفض أن يترك المهمة لأي من مساعديه أو حتى المدير الفني الذي من المفترض أن يقع هذا العمل ضمن مهامه الوظيفية، يجلس أمام مكتبه يُخطط ويكتب أسماء الأفلام وأوقات عرضها، ومن يعمل في المهرجانات وبالأخص مهرجان بحجم مهرجان القاهرة يدرك حجم مجهود إعداد جدول العروض.

حجم التغيير الذي أحدثته إدارة سمير فريد أشبه بالعلاج بالصدمات، رؤية مغايرة تختلف عن ما سبقوه، لا يعنيه جلب نجوم جذباً وإرضاءً للصحافة، الأفلام وحدها هي عامل الجذب الرئيسي، وحينما فكر مثل أي مهرجان سينمائي في تكريم شخصية فنية عالمية، لم يُفكر في تكريم نجم هوليودي قائلاً " بالفعل تم تكريم نجوم، لكنهم نجوم في بلادهم مثل المخرج الألماني فولكر شولندورف "، العناية باختيار الأفلام هو الهمّ الأساسي بالنسية له، عدا ذلك يأتي في مرتبة ثانية، ففي أثناء تحضيرات حفلات الافتتاح والختام، أراد نقل تجربة افتتاح مهرجانات السينما الكبرى مثل كان وبرلين وفينيسيا إلى القاهرة، مقطوعة موسيقية ثم فيلم الافتتاح أو فاكهة الحفل حسب قوله، وفي إحدى الجلسات أثناء هذه التحضيرات طالبه مخرج الحفل أن يرتدي رابطة عنق بلون ما حتى لا تنعكس عليها الأضواء، ليُقابل اقتراحه بالرفض المشوب بالضحك قائلاً "حتى في لحظات تكريمي لا أرتدي مثل هذه الألوان "فالاهتمام بالمظاهر والأجواء الاحتفالية لا يعتدّ بها في مقابل العناية بالقيمة الفنية أو المهنية.

عودة اسم مهرجان القاهرة وإيقاظه من كبوته كانت من أولويات العمل لدى سمير فريد، السعي الحثيث وراء الأفلام الهامة ومحاولة جلبها وإقناع صناعها بقبول دعوة المهرجان في ظل ظروف صعبة في ذلك الوقت، والأهم هو العمل على عودة الجمهور مرة أخرى للمهرجان بعد سنوات من تباعد الجمهور إلى حد ما عن التواجد، فقد تم تقديم وجبة سينمائية دسمة تحوي كافة الأنواع السينمائية، دون انحياز لنوع على حساب آخر، أذكر أنه وقتها عُرض الفيلم الأخير للمخرج الفرنسي "جان لوك جودار" "وداعاً لللغة " والفيلم الأحدث للمخرج الألماني "فولكر شولندورف " "سياسة "، بالإضافة للعديد من الأفلام المصرية الجديدة مثل "باب الوداع" و"ديكور"، والأهم فيلم الافتتاح "القطع" للمخرج الألماني من أصل تركي "فاتح أكين" الذي أثار ضجة وقتها نظراً لجرأة موضوعه الذي يتناول مذابح الأتراك بحق الأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى، وقد لا يعرف الكثيرون أن قداسة البابا تواضروس الثاني طلب نسخة من الفيلم لكي يُشاهدها، أما عن ظروف اختيار هذا الفيلم، فقد كان العرض الأول له في مهرجان برلين ذلك العام، يومها حضر فريد العرض، وبحسب قول أكين "تقدم مني رجل يُجيد الإنجليزية بطلاقة يُخبرني بأنه رئيس مهرجان القاهرة السينمائي ويرغب في عرض الفيلم في افتتاح المهرجان"، ليقبل أكين الدعوة مُرحباً ببساطة وتلقائية.

حظيت علاقتي بالأستاذ سمير فريد بثقة شديدة في شخصي من جانبه، جعلتني أتوقف أمامها كثيراً وأتاملها، فلا عمري ولا خبرتي يؤهلاني لهذا القدر من الثقة، التي ساهمت في تحويل العلاقة المهنية إلى علاقة إنسانية وطيدة، ولكن يبدو أن رأيه ورؤيته كان لهما شأن آخر، فمناقشاتنا الثرية حول الكتب والأفلام والثقافة والوضع العام بصفة عامة قربت بيننا بشكل خاص، وفي أحد المرات تلقيت منه اتصالاً هاتفياً يطلب رأيي في الاستعانة بأحد الكوادر الإدارية وهل يصلح لهذا المنصب أم لا، لأجده يُنصت باهتمام ويتناقش بهدوء في أسبابي للقبول أو الرفض، لكن يظل الموقف الأهم أثناء انعقاد إحدى الاجتماعات لتحضيرات دورة المهرجان وتطرق الحديث إلى العلاقة بينه وبين الناقد الكبير أمير العمري وبخصوص مستحقاته المالية عن عمله كرئيس للمهرجان، وقد كان هناك اتجاهٌ متعسفٌ من بعض الإداريين على عدم الإيفاء بحقوقه أو تأخيرها، وقد لاحظت في نبرته بعض الأسى، فأخبرته بأن الأستاذ أمير يكن له الإحترام والمحبة، والأهم أن بينهما صداقة ممتدة وعميقة، لأتلقى منه بعدها رسالة نصية في الثانية صباحاً يُخبرني فيها بألا ألقي بالاً لما قيل، ويطلب مني إنهاء ذلك الملف المعلق وإغلاقه تماماً والتأكد من إعطاء الأستاذ أمير حقه وبالشكل الذي يليق به.

صباحاً بعد ختام المهرجان، قابلت الأستاذ لأجد عينيه موشيتين بالتعب والإجهاد، يُخبرني أنه قد أتم عمله على الوجه الأكمل، أتركه ليرتاح على أمل بلقاء قريب، لكن هذا اللقاء شابه التوتر الشديد، إذ صدر قرار وزير الثقافة حينها الدكتور جابر عصفور بتشكيل لجنة تقصي حقائق عن الدورة 36، ويتحول اللقاء المرتقب بيننا إلى شحنة غضب وتوتر ضاعفها قرار الأستاذ بالاستقالة وتسليمي إياها مكتوبة بخط اليد، لازلت أذكر ذلك اليوم كأن وقائعه جرت بالأمس، يدخل حجرة مكتبي ومعالم وجهه يكسوها الغضب، يطلب مني إنجاز الأعمال المعلقة في أسرع وقت لأن اليوم هو الأخير له، حاولت إثناءه عن قراره، قائلاً له إنها زوبعة في فنجان وسرعان ما سيتلاشى كل ذلك مثلما بدأ، لكنه أصر على موقفه ورفض التشكيك في ذمته وله كل الحق، قائلاً لي "لا أريد أن أعرف جابر عصفور مرة أخرى .. سأحذف رقمه من هاتفي "، تسارعت وتيرة الأحداث حتى كادت أن تصل إلى درجة الاشتعال، لجنة تنبثق عن لجنة دون أن تعثر على أي شائبة، سهر ليالي طويلة حتى ساعات متأخرة من الليل، أوراق هنا وهناك، عيون متلصصة ساعية لالتقاط أي هفوة تستحق الإمساك بها، وكلما كانت الإجراءات سليمة من الناحية القانونية ازداد التنكيل أكثر، رغبة محمومة في القضاء على تجربة ناجحة لم أجد لها مثيلًا.

وقتها ترك الأستاذ سمير المكتب وانقطع عن المجيء، تحملت مع فريقي عناء مواجهة سيل الاتهامات المغرضة، كل اتهام يُقابل بما يثبت عكسه، حتى فقدوا الأمل تماماً، في تلك الأثناء كانت الاستعدادات على قدم وساق لمهرجان القاهرة لسينما الأطفال، وفوجئت يوم الخميس الحادي عشر من ديسمبر بدخول فريق مهرجان سينما الأطفال مقر المهرجان لاستكمال إدارته العمل من مكتب مهرجان القاهرة، يومها هاتفت فريد بانفعال وجرأة لا أدري من أين أتيت بهما قائلًا له "أين أنت .. لماذا تترك مكانك؟ " ليقابل انفعالي بهدوء ولطف شديدين قائلاً "إتفرج وإضحك".

تطور الأمور والأحداث كان سريعاً بدرجة مذهلة، محاولات شتى من أفراد لهم ثِقلهم في الوسط الفني ومن جهات عديدة لإقناع فريد بالعدول عن قرار الاستقالة حفاظاً على طزاجة التجربة وتقديراً للناقد الكبير، تهاتفنا وتقابلنا كثيراً وفي كل مرة أحاول إقناعه بالاستمرار لكن نفسه أبت، إذ كان يشعر بالإهانة بعد كل ما جرى، لكن في قرارة نفسه كان يحتاج للدعم والمساندة من فريق العمل، لأفاجأ مساء السبت الثالث من يناير عام 2015 برنين هاتفي المحمول، لأجد صوت فريد يهاتفني في معنويات مرتفعة إلى حد ما مهنئاً بالعام الجديد، ويُخبرني بالأهم، قراره بزيارة المكتب صباح اليوم التالي وعقد اجتماع عاجل مع العاملين، في موعده المتفق عليه وصل إلى مكتبه بعد فترة غياب، طلبني فور وصوله كعادته، جلسنا سوياً نتناقش في مجريات الأمور والاحتمالات المتوقعة، بعدها بدقائق بدأ الإجتماع بحضور العاملين، جاءت جلستي في مواجهته، ربما مصادفة وربما ترتيبات القدر بما يسمح لي بمتابعة تعبيرات وجهه وانفعالات ردود أفعاله، سأل العاملين إن كانوا يرغبون في استمراره رئيساً للمهرجان؟ وجاءت الإجابات كالدفعات المتتالية بأصوات عالية يشوبها الحماس يجمعها التأكيد والقبول على الاستمرار في المنصب، لكنه كان لا يزال يحتاج للمزيد من الدعم، شاهدت تعبيرات وجهه فِرحة بالدعم الذي يحتاجه في وقت صعب، أخبرته أثناءها أن عليه الاستمرار والحفاظ على الإنجاز الذي تحقق، وعلينا أن نتكاتف جميعاً للعبور والخروج من هذه الأزمة بدون خسائر، نظر إليّ طويلاً وسألني "هل ترى ذلك؟" رددت عليه بحماس "بكل تأكيد"، ليخرج علينا بعدها بقراره النهائي "سأهاتف الوزير وأخبره بقبولي الاستمرار".

أيام تمر ولا جديد يلوح في الأفق، وقرار تجديد الثقة لم يصدر بعد، ولا أحد يفهم شيئاً، شكوك عدة تنتابني ولا أجد لها ما يُسكنها، قررت أن أتعامل مع الموقف بشكل مباشر وحاسم، هاتفت فريد وسألته عن سبب تأخر صدور القرار، لأجده يرد بانفعال شديد لم أره عليه من قبل، بأنه رفض صدور القرار حتى يصدر قرار من لجنة تقصي الحقائق يقضي ببراءته من إهدار المال العام، كيف يرجع إلى عمله ويتغاضى عن قرار اللجنة التي شككت في ذمته وتاريخه؟، لأجد نفسي أرد بانفعال مؤيداً رأيه قائلاً "إذا كانت الأمور هكذا، فلا تقبل قرار دون آخر، إما الاثنان معاً أو لا" ليسألني بعدما هدأ تماماً "هل توافقني؟" وأرد عليه وفي القلب غصة "نعم، بلا شك".

تجربة سمير فريد في إدارة المهرجان قوبلت بالهجوم مثلما قوبلت بالاحتفاء، معوقات لا حصر لها تواجهه، ومع ذلك يُقابل ذلك بهدوء وحنكة شديدين، فقد سعى خلال فترة رئاسته إلى استعادة قوة ومكانة المهرجان خاصة بعد سنة من الإلغاء وسنوات الثورة التي تأثرت على إثرها سمعة المهرجان عالمياً، رفضه لمركزية الإدارة وتمرده على القواعد الروتينية يستحق التحية، لذا بدأ الاستعانة بكوادر جديدة نتفق أو نختلف على جدارتها واستحقاقها للعمل، حالفني الحظ أن أكون واحداً منهم، لكنها تجربة أثرت المهرجان وساهمت في تطويره نحو الأفضل، رغم بعض الهفوات التي يمكن التغاضي عنها حتى وإن كانت آثارها السلبية ممتدة، لكنها في النهاية تجربة لها مذاقها المتفرد الذي لم يتكرر.

ماجدة واصف .. العبور بين الأشواك

لكل إنسان كيانه وكذلك حضوره الخاص الذي يُطعم الجو العام بمذاقه الشخصي، والعمل مع د. ماجدة واصف يحكمه أيضاً إطاره الموسوم بأسلوبها وطبيعتها الخاصة، فالهدوء الشديد هي السمة الأساسية لطبيعة العمل مع واصف، حتى في ظل الظروف الصعبة التي لا يحكمها سوى الضبابية تظل محتفظة بهدوء أعصاب نادر، أثناء التحضيرات النهائية التي تسبق كل دورة، تتصاعد وتيرة العمل بدرجة مفرطة قد تصل إلى حد العمل لأيام كاملة دون انقطاع أو راحة بما يرتفع معه معدل التعب المشوب بالغضب على أقل الأسباب، في خضم هذه الظروف تجدها تقابلك بابتسامة هادئة لا يعكر صفوها شيء، ثلاث سنوات هي عمر علاقتي العملية مع د. ماجدة واصف اقتربت خلالها، منها رأيت وتأملت منها ما يُمكنني سرده ومنها لا أقدر على البوح به لطبيعة وظروف العمل، سأحاول هنا أن أدوّن بعضًا مما رأيت عن فترة ما من عمر المهرجان لها خصوصيتها ونجاحاتها.

تولت واصف منصب رئيس المهرجان بعد استقالة الأستاذ سمير فريد، جاءت في ظل ظروف قد تبدو صعبة ويحكمها العمل الروتيني أكثر وأكثر، إذ تزايدت قبضة وزارة الثقافة على مقاليد العمل بشكل قد يبدو خانقاً أكثر منه إبداعياً خلّاقاً، ميزانية محدودة وتاريخ عريق، هنا تكمن المعضلة، كيف يمكن الجمع بين الجودة والميزانية الضئيلة؟، نجحت واصف في تسيير الأمور بشكل لائق بأقل الموارد المتاحة، الاعتماد على العنصر البشري المتاح، حيث عدد محدود من العاملين يقوم بمهام عديدة تفوق قدرته وطاقته ومع ذلك يخرج العمل وكأن وراءه جيش من العاملين، فالعلاقة بين د. ماجدة والعاملين متينة يحكمها سنوات من المعرفة والزمالة، إذ عملت لسنوات طويلة مندوبة للمهرجان في باريس، تقود دفة العمل ببصيرة أم، لا أنسى قبل أيام من انعقاد الدورة 37 عام 2015 أجلستنا جميعا أغلب أعضاء المكتب الفني على الأرض وبجوارنا د. ماجدة نعمل معاً على ترتيب دعوات الافتتاح والختام، ما يقرب من الألف وخمسمائة دعوة في انتظار التوزيع لمستحقيها، رغم طول السهرة الممتدة حتى الساعات الأولى من الصباح إلا أن بهجة العمل والجو العام الذي تُغلفه الألفة بين الجميع ساهمت في تخفيف حدة التعب والتوتر إلى حد كبير.

تُعد الدورة الثامنة والثلاثون التي انعقدت عام 2016 من أقوى الدورات التي أدراتها د. ماجدة وتحديداً على المستوى الفني، جرعة دسمة وشهية من أقوى أفلام العام، قاعات ممتلئة حتى آخرها بالجمهور، إلا أنني كان لي رأي مختلف حينها يتعلق بالنواحي الإدارية والفنية وبعض الاختيارات، وللحق إنها تقبلت نقدي، وطالبتني بكتابة رأيي دون أي حسابات، قائلة "اكتب براحتك قل كل ما تريده .. هذا حقك"، وبالفعل كتبت مقالاً حينها بشكل حيادي وبحرية مطلقة، ومع ذلك تقبلت وتعاملت بمهنية مع الموقف. فقد اتسمت إدارتها بتقبل الرأي والرأي الآخر ومحاولة احتواء الرأي المعارض قبل المؤيد.

يوسف شريف رزق الله .. الأب الروحي

لا يُذكر اسم مهرجان القاهرة إلا ويطفو على الذهن اسم الأستاذ يوسف شريف رزق الله، لسنوات طويلة ارتبط اسم الأستاذ يوسف بالمهرجان ومن قبل ومن بعد بذاكرة الجمهور، حيث إعداده وتقديمه للعديد من البرامج التليفزيونية، اللقاء الأول بيننا كان منذ سنوات، وتوطدت العلاقة مع عودته للعمل مع د. ماجدة واصف كمدير فني للمهرجان واستمراره في منصبه حتى بعد تركها لرئاسة المهرجان وتولي المنتج والسيناريست محمد حفظي الرئاسة خلفاً لها، سنوات لم تنقطع خلالها العلاقة بيننا حتى الأيام الأخيرة.

يقع العبء الأكبر من العمل الفني واختيارات الأفلام وإعداد البرنامج وغيرها من الأمور الفنية على الأستاذ يوسف، مجهود قد يبدو للبعيدين عن طبيعة عمل المهرجانات السينمائية بسيطاً أو هيناً لكنه كبير وثقيل، خطأ واحد فيه قد يجلب وراءه أخطاء أخرى وسقطات لا حصر لها، تابعت عمله عن قرب وعاينت كم الجهد المبذول من جانبه، لازالت أذكر ليالي السهر الطويلة لإعداد برنامج العروض إذ كان يغلق باب حجرة المكتب مع وضع لافتة ممنوع الدخول، وإذا أنهى العمل بالبرنامج عادت البسمة إلى وجهه مرة أخرى وعادت وتيرة العمل إلى طبيعتها بعد رفع حالة الطوارئ إلى الدرجة القصوى.

بخطوات هادئة لا نكاد نسمع لها صوتاً، يخطو الأستاذ يوسف مكتبي، يُقابلني بوجهه البشوش، لا أدري لم تذكرت فجأة أحد الأفلام التي عرضها قديماً في برنامج أوسكار، أساله عن اسم الفيلم بعد روايتي لأحداثه من ذاكرتي، يجلس بجواري ويشحذ ذاكرته ويبدأ سلسال الذكريات في التدفق على مهل حتى يصل للذروة ويمدني باسم الفيلم الذي طال بحثي عن اسمه لسنوات طويلة، نظرت له طويلاً مندهشاً من قوة ذاكرته ومعلوماته الحاضرة دوماً، فالعلاقة ممتدة بيني وبين الأستاذ يوسف، وساهمت نقاشتنا حول السينما والأفلام وتعليقاته على مقالاتي في إثرائها وتعمقها، لا أنسى تعليقاته على كتاباتي واتصالاتنا الهاتفية الدائمة، وقد ازدادت العلاقة قُرباً وتوطداً بعد اختياري عضواً في لجنة المشاهدة، إذ كانت لقاءاتنا الصباحية اليومية وتعليقاتنا على أفلام اليوم السابق طقسًا أساسيًّا لليوم.

لا شك أن فقدان الأستاذ يوسف مؤلم، حضوره لا يزال طاغيًا حتى بعد الرحيل، أثره ممتد عميق لا يُنسى، والأهم لمساته على المهرجان مُطعمة بثقافة سينمائية رفيعة، لكن الرغبة في تحقيق الأفضل والحفاظ على سمعة هذا المكان تدفع للعمل بمزيد من القوة والحماس بشكل أكبر حتى بعد الغياب حفاظاً على اسم المهرجان الذي ارتبط لسنوات عديدة باسم الأستاذ يوسف الأب الروحي له.

محمد حفظي .. سعي نحو العالمية

جاءت استقالة الدكتورة ماجدة واصف بعد ثلاث سنوات تولت خلالها رئاسة المهرجان، لتترك فراغاً ليس بالهين، ويظل المنصب شاغراً لفترة في انتظار مُستحقه الجديد، في خضم هذه الفترة كالعادة تكثر الأقاويل والتكهنات عن الرئيس القادم، لكنها كلها تكهنات دون نفي أو إثبات، حينها تلقيت اتصالاً هاتفياً من أحد أعضاء لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة تناقشنا حول المرشح المحتمل القادم، وسألني عن رأيي بحكم عملي في الداخل، فأجبته أن الأستاذ يوسف شريف رزق الله يُمكنه مواصلة المسيرة، فطلب مني المتصل أن أهاتف الأستاذ يوسف لأحاول إقناعه، وبالفعل تواصلت معه وأخبرته برأيي بقبول المنصب، لكنه رفض بشدة قائلاً لي "أفضل العمل في المهنة التي أحبها وأجيدها منذ سنوات .. أفضل العمل كمدير فني ". بعدها بأيام كنتُ أحضر فعاليات مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية كعضو لجنة تحكيم النقاد، أثناءها تلقيت اتصالاً من الأستاذ يوسف يطلب رأيي في ترشيح بضعة أسماء لوزير الثقافة من بينهم المنتج والسيناريست محمد حفظي، لنتفق سوياً أن حفظي هو الأنسب والأجدر لهذه المرحلة التي تحتاج لدماء جديدة ورؤية مختلفة.

بالتأكيد لا يُمكننا تقييم تجربة المنتج محمد حفظي في رئاسة المهرجان لأسباب عدة أهمها أنه لا يزال في المنصب ولا يسعنا الحكم إلا بعد تمام الاكتمال، لكن المثير للتأمل والجدير بالاحترام هو تطلعه الحثيث نحو العالمية وطموحه الفني واتساع علاقاته بالخارج بحكم عمله، لا شك أن كل ما سبق يُمثل إضافة للمهرجان سواء على مستوى اختيارات الأفلام المعروضة أو الاهتمام المكثف بالفعاليات الأخرى مثل الورش ودروس السينما وملتقيات الصناعة ومنصات دعم الإنتاج وكل ذلك جزء أساسي من عمل المهرجانات السينمائية الكبيرة التي تُعد القاهرة من أقدمها وأعرقها، ويظل مهرجان القاهرة هو الثابت والراسخ يتعاقب عليه رؤساء وعاملون فيما بينهم كاتب هذه السطور، ويبقى التاريخ هو الحكم على التجارب بكافة جوانبها وبما لها وما عليها.

 

####

 

كمال الملاخ.. متعدد المواهب ومؤسس مشروعات فنية

عادل موسى*

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

عاش الملاخ كاتبًا وأثريًّا وأستاذًا جامعيًا ومهندسًا معماريًّا وناقدًا فنيًّا، وبدأ مشواره رسامًا، كل الطرق تؤدي الى روما هذه المقولة التي قالها الرومان بعد أن مهّدوا طرق المدن التي فتحوها لتصل بها الى روما، والتي أصبحت مثلًا يقصد به أن أي هدف يمكن الوصول به من طرق متعددة، هذه المقولة تنطبق على كمال الملاخ الذي كان يهدف الثقافة ولم يكفه طريق واحد لبلوغ قمتها، ففضل أن يسلك طرقًا عدة، لم يهتم كثيرًا بتصنيف موهبته، كما لم يهتم من قبله ابن سيناء الذي ألَّف ما يقارب مائتين وخمسين مؤلفًا، بين كتاب ورسالة ومقالة، في كل من: الرياضيات، المنطق، الأخلاق، الطبيعيات، الطب، ونجد أيضًا ابن اسحاق الكنديّ الفيلسوف العربي الذي له مؤلفات في الطب والفلك والفيزياء والرياضيات والموسيقى، هكذا كان كمال الملاخ .. متنوعٌ ولديه القدرة والرغبة أن يكون مبدعًا بدون تصنيف محدد، ونستطيع ان نربط هذه الرغبة بالعنوان الذي اختاره لمقالته الدورية بجريدة الأهرام حيث تقبع في الصفحة الأخيرة تحت عنوان (من غير عنوان).

أن تتعرف على السينما العالمية قبل أن يؤسس كمال الملاخ مهرجاني السينما بالقاهرة والإسكندرية يختلف عن التعرف على هذه السينما بعد أن أسس الملاخ هذه المهرجانات، فقبل ذلك كان الأمر لا يتعدى أن تتفق الدولة مع إحدى الدول التي تمتلك صناعة سينما وذلك لتنظم معها اسبوعًا لأفلام هذه الدولة وينتهي الأمر على ذلك، أما ما فكر فيه الملاخ هو الشكل الذي نراه اليوم، العالم كله يحضر ويعرض إنتاجه السينمائي الذي أفاد النقاد والمهتمين وصناع السينما المصرية بشكل كبير، أسس جمعية نقاد السينما مع الأديب الكبير يوسف السباعي التي تولت تأسيس وإدارة مهرجان القاهرة السينمائي ثم مهرجان الإسكندرية السينمائي. في الصحافة كتب حتى وصل إلى رئيس القسم الفني بجريدة الأخبار ثم انتقل إلى جريدة الأهرام، وفي الرسم فهو خريج كلية فنون جميلة وعمل أستاذًا بها وكان يرسم منذ أن كان في المرحلة الثانوية ويقيم المعارض المتعددة، وفي الآثار حصل على ماجستير الآثار المصرية وفقه اللغة من معهد الآثار، فمن هذا الرجل الذي لم يكتب بطريق واحد يصل به إلى روما بل جرّب طرقًا متعددة؟

هو كمال وليم يونان الملاخ من مواليد أسيوط في 26 أكتوبر 1918م، انتقل والده للعمل بالقاهرة والتحق كمال الملاخ بالمدرسة السعيدية، انجذب مبكرًا لهواية الرسم وبالفعل شارك في معرض المدرسة وكان في عمر 14 عاماً، وقد افتتح هذا المعرض الكاتب الصحفي أحمد الصاوي الذي أصبح بعد ذلك أول رئيس تحرير مصري لجريدة الأهرام، وأعجب الصاوي برسم الفتي الصغير وطلب منه أن يمر عليه في مكتبه ولم تنقطع صلته به بعد ذلك، حتى إنه كان سببًا في عمله بعد تخرجه في كلية فنون جميلة كرسام بجريدة الأخبار، في نفس الوقت الذي عين فيه صديقه أنيس منصور مترجمًا بنفس الجريدة وفي نفس اليوم، وارتبطا سويًا بعلاقة صداقة طوال الحياة، وكان للملاخ سمتٌ خاصٌ به ومظهر فريد جعل زميله في الجريدة الكاتب أحمد رجب يطلق عليه لقب (الإله رع)، بعد ذلك انتقل الملاخ من الأخبار إلى جريدة الأهرام وبدأ العمل فيها عام 1958 بطلب من الصحفي محمد حسنين هيكل، وفي الأهرام كان هو صاحب عمود من غير عنوان بالصفحة الأخيرة بالجريدة، وجذب العمود العديد من القراء للدرجة التي جعلت عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين يصف هذا الأمر قائلًا (كمال الملاخ جعل الناس تقرأ جريدة الأهرام بالعكس من الصفحة الأخيرة إلى الصفحة الأولى).

الملاخ ونجوم عصره

عندما سألت الإعلامية الكبيرة أماني ناشد ضيفها كمال الملاخ عن رأيه في عبد الحليم حافظ في برنامجها الشهير كاميرا 9 في فترة السبعينيات، قال إنه لا يزال يتذكره منذ خمسة وعشرين عامًا عندما كان شاباً يجلس بينهم ويقدم نفسه ويستطيع بمهارة أن يكتسب الصداقات التي تساعده في التقدم في مشواره الفني، وقال نصًّا (أنا عايز اتكلم عن ذكاء عبد الحليم بل أضع مربع احمر حوالين اسم حليم مع الذكاء، الموهبة وحدها قد تضل الطريق .. الحظ ييجي ويروح .. لكن بذكاء عبد الحليم أبقاها صاحبه .. وخده المشوار إلى قمة ما حلم بها)، الحقيقة أننا يجب أن نضع اسم كمال الملاخ أيضًا داخل مربع أحمر مع الذكاء، فقد كان الرجل يستطيع أن يكتسب الأصدقاء والمعارف بسلاسة غريبة، أثناء دراسته الجامعية بكلية فنون جميلة، أقام معرضه الثاني بالقاهرة في قاعة جولدتبرج في شارع قصر النيل، وكان الملاخ أصغر من اشترك في هذا المعرض، فقد ضم المعرض أعمال الفنانين كامل التلمساني، والشاعر الإيطالي المصري المولد جان مورسكايتللي، وفكر الملاخ سريعًا في فكرة غريبة وهي أن يذهب إلى الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي ويدعوه لحضور المعرض وافتتاحه، وكان الأمر أشبه بالطرفة، فالدكتور طه حسين كما هو معروف كفيف لا يرى، ولكن الأكثر غرابةً أن طه حسين وافق على الذهاب واصطحبه الشاب كمال الملاخ وظل معه يصف اللوحات الموجودة بالمعرض لوحةً لوحة، ونشأت علاقة بينهم بالطبع، فعندما تخرج الملّاخ عين أستاذاً بالكلية لمهارته الفائقة، وحدث أمرٌ ذكره في كتابه (قاهر الظلام) الذي كتبه عن الدكتور طه حسين، أن عميد كلية الفنون الجميلة وقتها قد أوقفه فجأة عن التدريس وألغى جدول المحاضرات الخاص به، فتوجه كمال الملاخ إلى المستشار الفني لوزير المعارف وقتها وكان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فقال له الدكتور طه حسين "لماذا لا تتجه لدراسة الآثار؟!" فرد عليه كمال الملاخ "مالي أنا والآثار وقد عقدت العزم أن أكون أستاذ عمارة" فرد عليه الدكتور طه حسين" وهل الآثار إلا عمارة، وأنا أريد تمصير الآثار المصرية بحيث لا تبقى مدى الدهر في أيدي الأجانب أنت أولى بحضارة بلدك" وفعلًا وجهه لمقابلة عالم الآثار المصرية الكبير إيتيندريتون، وبالفعل درس كمال الملاخ الآثار بجانب العمارة حتى عشقها وحصل علي ماجستير الآثار المصرية.

ولم يكن الملاخ مكتفيًا بنجوم بلده فقط بل تخطى حدود وطنه ليصل إلى النجوم العالميين، وهذا ما ساعده أن يرتبط بعلاقة قوية ساهمت في نجاح مولوده الفني بعد ذلك (مهرجان القاهرة السينمائي)، ويذكر عالم الآثار الدكتور زاهي حواس الذي ارتبط بعلاقة صداقة مع كمال الملاخ والذي اعتبره حواس أستاذاً له تعلم منه الكثير، أنه كان يقوم بالعمل في منطقة الهرم فإذا بكمال الملاخ يزوره ومعه الفنانة العالمية (إليزابيث تايلور) وقد كان فيلمها كليوباترا حديث الناس وكان الملاخ يشرح لها بطريقة أسطورية ما تراه أمامها في هذه المنطقة الأثرية، وأطلق عليه زاهي حواس من حينها لقب (الهرم الرابع).

وفي بلاد الغرب نجد كمال الملاخ ضيفًا على الملك جورج الخامس ومتجولًا في شوارع أوروبا كأي متسكع بسيط، التقى هناك بالرسام سلفادور دالي في افتتاح فيلم صديقه عمر الشريف (دكتور زيفاجو) بدار سينما لويس كابيتول بنيويورك وتعارفا والتقيا بعد ذلك بمعرض لدالي، وهناك أخبره دالي أنه أعظم رسام في الكون وأنه أعظم من بيكاسو وأذكى منه وأكثر صدقًا، كل هذا نقله لنا كمال الملاخ في كتاباته التي عشقها الناس وصاحبوه من خلال كلماته في أسفاره تمامًا كما فعلوا مع صديقه المقرب أنيس منصور.

وفي زيارة للجامع الأزهر التقى بالشيخ أحمد حسن الباقوري وجاء هذا الحوار الذي سجله في كتابه صالون من ورق (وفي الطريق إلى ساحة الأزهر الشريف وزمن يطلّ من ألف سنة منه وإليه ..التقى بالشيخ أحمد حسن الباقوري، وحمام أبيض يرفرف في زرقة السماء وابتهالات تسمع همهمتها بالقرب من الجدران، وطرقات هامسة تصلي بها حبات عددها 99 بعدد أسماء الله الحسنى .. تهمس بها سبحة الشيخ الباقوري، ومن الطبيعي أن يبدأ الحديث حول الصيام عند أهل محمد وأهل المسيح، بعد أن جمع الزمن بين الصيامين، بشرى لوحدة دامت على أرض النيل 12 قرنًا ويزيد).

الملاخ المثقف الواعي المنغمس في كل تفاصيل بلده دون النظر إلى الدين والعرق، كان يتحدث بهذا المفهوم، حتى إن الصداقة القوية التي جمعته بالكاتب الكبير أنيس منصور جعلتهما يظهران سويًا في مناسبات عدة وفي غير المناسبات وكان الناس يعتقدون أن كمال الملاخ مسلم وأنيس منصور هو المسيحي فمارس الملاخ هذه الوحدة التي وصلت إلى حد الاندماج الفعلي.

الملاخ الاثري

في ظهيرة يوم 26 مايو عام 1954م كان كمال الملاخ يتناول طعام الغداء مع صديقه المقرب أنيس منصور بمطعم الاكسليسور، في الوقت الذي كان يشرف فيه على تنظيف الجانب الجنوبي من الهرم الأكبر، وأثناء عملية التنظيف اكتشف العمال مصادفةً وجود فتحة بجانب الهرم والتي كان بها مركب خوفو، واتصلوا على الفور بكمال الملاخ الذي صاح فيهم (إنها مراكب الشمس)، وترك الملاخ وأنيس منصور المطعم سريعًا واستقلا سيارة أنيس منصور التي احترق محركها في شارع الهرم وهما ذاهبان، واعتقد منصور وقتها أنها لعنة الفراعنة، واستطاع الملاخ الوصول رغم ذلك الحادث إلى منطقة الحفر، وزحف داخل الحفرة على بطنه ليرى مراكب الشمس، ثم خرج وأعلن من هناك اكتشافه مراكب الشمس التي كان يبحث عنها منذ فترة طويلة، وقد وجدت حفرة مراكب الشمس جنوب هرم خوفو في حالة جيدة ومغلقة، وأُعيد تركيب مركب الشمس الأولى فبلغ طولها 42 مترًا، و سُميت بمركب الشمس وسُميت أيضا سفينة خوفو، ومعروف أن السفن الجنائزية كانت تستخدم في مصر القديمة للذهاب لاستعادة الحياة من الأماكن المقدسة سفن روح الآلهة.

في ذلك الوقت كانت علاقات كمال الملاخ بالصحف العالمية والمحلية وطيدة، فاستطاع أن يلفت انظار العالم كله تجاه هذا الكشف الكبير، وقد بدأ الأمر من جريدة النيويورك تايمز حيث أرسل الخبر الكاتب الصحفي ورئيس القسم الدبلوماسي بجريدة الأهرام حمدي فؤاد بتكليفٍ من كمال الملاخ، وسلطت الاضواء على الشاب المصري الذي اكتشف أهم اكتشاف أثري بعد مقبرة توت عنخ آمون، وسافر الملاخ إلى الخارج ليعطي محاضرات عن هذا الكشف الكبير، واستقبلته جامعات وعواصم الدول الغربية بحفاوة شديدة وظهرت صورته على غلاف مجلة التايمز الأمريكية، وفي مصر كان أنيس منصور يرد على أسئلة الصحافة نيابة عن صديقه، وعندما يتعذر عليه الرد بسبب معلومة علمية كان يستعين سريعًا بالعالم الأثري المصري الكبير سليم حسن، وبسبب هذا الاكتشاف الكبير نال كمال الملاخ وسامًا رفيعًا من أوسمة الدولة أهداه له الرئيس جمال عبد الناصر تكريمًا له لاكتشاف مراكب الشمس.

ولم يكن هذا الاكتشاف هو العمل المميز الوحيد لهذا الرجل العبقريّ، فقد عمل على ترميم آثار جزيرة فيله بأسوان وكشف عن حمام سباحة يوناني قديم في الأشمونين ورمم هيكله كما قام بترميم قلعة برج العرب وكذلك ترميم أهرامات الجيزة من الداخل والخارج.

بعد اكتشاف مراكب الشمس بسنوات قليلة وتحديدًا فى صيف عام 1957م تلقى مكالمة من الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي سأله: لماذا لا تتفرغ للصحافة وهل تعود للأهرام لو ذهبت أنا إليه؟ لم يتردد كمال الملاخ لحظة واحدة، وركب سيارته متجهًا إلى مصلحة الآثار وقدم استقالته في الساعة العاشرة صباحًا، وبعد نصف ساعة كان في جريدة أخبار اليوم يقدم استقالته، وتوجه بعد ذلك إلى الأستاذ هيكل ليستقر في صحيفة الأهرام متفرغًا للعمل الصحفي.

بعد ذلك سخّر كمال الملاخ قلمه لتعريف المجتمع المصري بآثار بلده والاكتشافات الأثرية المتلاحقة في ذلك الوقت، فنقل هذا العمل والعلم إلى الشارع المصري وقدم بذلك خدمة جليلة أعتقد أنها لا تقل أهمية عن اكتشافه (مراكب الشمس).

الملاخ أديبًا وناقدًا

من سمات الناقد أن يكون مواكبًا لعصره ويتحدث عن شخوصه بحيادية شديدة، وأن يكون متمتعًا بسلامة الذوق ودقة الحس وسعة الاطلاع، وعليه أن يعرف لغة واحدة على الأقل إلى جانب لغته الأصلية، هذه هي تحديدًا صفات الناقد كمال الملاخ الذي أثرى المكتبة العربية بكتابات نقدية وعلمية هامة، فبالإضافة إلى عموده اليوم (من غير عنوان) اهتم بإصدار الكتب الثقافية والفنية ومن كتبه: أغاخان - خمسون سنة من الفن - حكايات صيفية - صالون من ورق- بيكاسو المليونير الصعلوك - سويسرا - الحكيم بخيلًا، عن توفيق الحكيم والذي ربطته به صداقة كبيرة ممتدة - صقر الحرية - التيه - خمسون سنة من الفن - حول الفن الحديث - هؤلاء دخلوا التاريخ - جمال السجيني - كنوز النيل - النار والبحر - البساط السحري - ثم كتابه (ذهب توت عنخ آمون) الذي تصدر المبيعات في أمريكا وفاز عام 1979 بلقب الكتاب الأول المباع في أمريكا وصدرت منه ثلاث طبعات، كما أنه قام بعمل كتاب قاهر الظلام عن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والذي حوله إلى سيناريو وتم تصويره كفيلم سينمائي من بطولة الفنان محمود ياسين إنتاج 1978م.

أصدر الملاخ أيضًا مجموعة من الكتب للأطفال منها:

عروس النيل - أحمس قاهر الهكسوس - تحتمس الرابع - الناصر صلاح الدين - أم كلثوم - حديقة الحيوان.

كما ترجم العديد من الكتب إلى العربية منها كتاب (الإخوان سيف وأدهم وانلي) وهما شقيقان من أبناء الإسكندرية ومن أشهر الفنانين التشكيليين في مصر والعالم.

كان الملاخ يجيد رصد وتوثيق الأحداث والشخصيات بقلمه حتى إن بعض أصدقائه من النجوم كانوا يرغبون في أن يكتب الملاخ عنهم كتابًا، وقد حكى كمال الملاخ نفسه حوارًا دار بينه وبين عبد الحليم حافظ ليدل به على اهتمام حليم بالكتاب، حيث طلب منه عبد الحليم أن يكتب الملاخ عنه كتابًا فلما ذكره الملاخ أنه عبد الحليم الذي يملأ الدنيا طربًا وصيتًا، ليرد عليه عبد الحليم (بل الكتاب .. الكتاب) في إشارة أن أهم من كل ذلك هو أن يكتب عنه كتابًا، حتى إن الملاخ حاول إثناءه عن ذلك فرفض حليم وقال له الملاخ لن تتحمل الاسم الذي سأختاره لكتابك وهو (اليتيم) ولكن عبد الحليم وافق وقام بالفعل كمال الملاخ بإصدار كتاب عن عبد الحليم حافظ ولكن باسم مختلف وهو ( عبد الحليم حافظ والسينما).

جمعية كتاب ونقاد السينما

في أكتوبر عام 1973م أسس كمال الملاخ ونتيجة لحاجة نقاد السينما المتخصصين إلى كيان منظم (جمعية نقاد السينما المصريين)، ومن خلالها شارك الكاتب يوسف السباعي في تأسيس مهرجان القاهرة السينمائي عام 1976م والذي نجح في ترأسه لسبع سنوات بعد ذلك حتى عام 1983م، وبعد ذلك تولت الدولة ممثلة في وزارة الثقافة رعاية وإدارة المهرجان السينمائي الكبير وعملت إلى جانب المؤسسات المختصة إلى استمراره كمهرجان عالمي ضخم، وكذلك الأمر لمهرجان الإسكندرية السينمائي الذي أسسه كمال الملاخ عام 1979م وترأسه أيضًا بصفته مؤسس جمعية نقاد السينما.

جوائز كمال الملاخ

نال كمال الملاخ تقديرًا محليًا ودوليًّا، فبعد وسام الرئيس جمال عبد الناصر فاز بجائزة الدولة التشجيعية في أدب الرحلات عام 1972 سلمها له الرئيس أنور السادات، كما سلّمه الرئيس حسني مبارك جائزة الدولة التقديرية، كما نال تقديرًا عالميًا من أكثر من دولة، فقد وافق مركز دراسات أبحاث الفضاء، بناءً علي طلب جامعة كلورادو الأمريكية، على إطلاق اسمه علي أحد النجوم، وذلك في مناسبة مرور أربعين عامًا علي بدء اشتغاله في الحفائر والدراسات الأثرية، كما اختاره علماء الآثار الألمان عضوًا فخريًّا في رابطتهم عام1982، ومنحته جامعة واسيدا اليابانية شهادة تقدير في مناسبة عرض مجموعة من الآثار المصرية هناك، وفي عام1985 منحه علماء المصريات التشيكوسلوفاك، الزمالة الفخرية لرابطتهم، كما منحته فرنسا وسام فارس.

مراكب الشمس تعود من جديد!

أصاب كمال الملاخ حزنٌ شديدٌ بعد معرفته أن الجمعية الجغرافية قررت مع الدكتور أحمد قدري رئيس هيئة الاثار في ذلك الوقت استكمال الحفر في الحفرة الثانية التي بجانب مراكب الشمس والتي تحتوي على بقية المراكب وذلك من خلال فريق عمل قاموا بتكوينه دون أن يضعوا فيه كمال الملاخ، كان سبب الخلاف بين كمال الملاخ وهيئة الآثار يعود منذ اكتشافه الحفرة الأولى حيث قام بإبلاغ النيويورك تايمز والصحف دون الرجوع للهيئة الأمر الذي جعلهم يكذبون هذا الخبر بشكل علني ويقولون إنها ليست مراكب الشمس وأنها تسمية خاطئة ولهم وجهة نظر علمية في هذا الأمر، ولكن قام محمد حسنين هيكل الذي تربطه علاقة صداقة بالملاخ بزيارة الرئيس جمال عبد الناصر وإقناعه بزيارة الكشف الأثري، ومرّ الأمر في البداية وسافر الملاخ الى الخارج للتعريف بهذا الأثر وعندما عاد وجد هيئة الآثار قد خصمت من راتبه ونقلته من منطقة الهرم وتزامن ذلك مع اتصال محمد حسنين هيكل من أجل إقناعه بالعمل في جريدة الأهرام فتقدم حينها بالاستقالة، هذا الأمر بالطبع كان سببًا في عدم تواجد الملاخ ضمن فريق عمل الجمعية الجغرافية وهيئة الآثار، وقد شكا كمال الملاخ ذلك التصرف إلى العديد من المسئولين.

الوصول إلى خط النهاية!

في عصر يوم الخميس التاسع والعشرين من أكتوبر 1987م، عاد كمال الملاخ من مدينة الإسكندرية حيث كان هناك يعطي بعض المحاضرات، وكان صحيح الجسد في منتهى القوة حسبما ذكرت عائلته، وفجاءة شعر بلحظاته الأخيرة، فاعتلى سريره وأسلم الروح .. وفي جنازته التي أقيمت يوم السبت 31 اكتوبر 1987م وقد ودعت مصر واحدًا من أهم مثقفيها، رجل لم يؤمن بالتصنيف وأبدع في العديد من المجالات فقد كان أكبر من أن يحصر في مجال واحد.

في العام 2019 قرر جهاز التنسيق الحضاري من خلال مشروع (عاش هنا) الذى يخلد رموز مصر للأجيال القادمة من خلال وضع لافتة تحمل أسماءهم في الأماكن التي كانوا يعيشون فيها، وبالفعل أُدرج اسم كمال الملاخ في المشروع ووُضعت لافتة تحمل اسمه وعنوانه الذي يقع في شارع 26 يوليو بالزمالك، القاهرة.

*خبير التراث المحلي منظمة اليونسكو

مصادر:
مقال الاستاذ فايز فرح – موقع الأقباط متحدون، المصريين متحدون

كتاب صالون من ورق - الأستاذ كمال الملاخ – مؤسسة الأهرام

حكايات صيفية - الاستاذ كمال الملاخ - مؤسسة الأهرام

مقال د.زاهي حواس - جريدة الشرق الأوسط

مقال اروا الشوربجي - جريدة الوطن

لقاءات تليفزيونية

برنامج كاميرا 9 – أماني ناشد - التليفزيون المصري

برنامج اثنين على الهوا – طارق حبيب، منى جبر – التليفزيون المصري

الصور
م
البيان
1
كمال الملاخ

2
الصحفي الاستاذ حمدي فؤاد على يمين الصورة

3
كمال الملاخ

4
كمال الملاخ مع مصور الأهرام الأستاذ فتحي حسين

5
الملاخ أثناء استكمال الحفر

6
الملاخ إلى جانب الفنانة نادية لطفي بمهرجان القاهرة السينمائي

7
أثناء الإعداد لمهرجان القاهرة السينمائي

8
كمال الملاخ مع السيدة أم كلثوم والأستاذ أنطون ألبير كبير مصوري الأهرام

9
الكاتب الكبير توفيق الحكيم

10
الدكتور طه حسين مع زوجته السيدة سوزان بريسو

 

####

 

البرتو مورافيا السينمائى .. مكرمًا فى الدورة الرابعة عشرة لمهرجان القاهرة

بسنت الخطيب

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

فى ديسمبر عام1990 كرّم مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الرابعة عشرة الكاتب الروائي (ألبرتو مورافيا) والذي رحل في ذات العام ..

ألبرتو مورافيا هو الروائي الأبرز فى الأدب الايطالي الحديث وأحد أشهر الكتّاب فى القرن العشرين وهو صحفي، وروائي، وكاتب سيناريو، ومسرحي، وسياسي، ومؤلف، وشاعر، اسمه الأصلى ألبيرتو بنكيرلي، ولد في روما سنة 1907م لعائلة ثريّة من الطّبقة الوسطى .. والده (كارلو) اليهودي الديانة كان رسامًا ومهندسًا وكان هو وأخوه (نيلو) أحد المشاركين في تأسيس حركة المقاومة المناهضــة للفاشية، أما أمه (تيريزا ليجيانا) فقد كانت كاثوليكية.

أظهر براعة فى تعلم اللغتين الفرنسية والألمانية، وأخذ يكتب الشعر باللغات الثلاث الإيطالية، الفرنسية، الألمانية. وفى سن التاسعة يصاب مورافيا بمرض السل الرئوي .. مما حال بينه وبين استكمال دراسته .. يقضى عامين مريضًا بمنزل الأسرة .. يكمل مورافيا عمره الثاني عشر ولم يشف بعد .. تضطر الأسرة لنقله إلى إحدى المصحّات في أطراف روما ليقضي بها ثلاث سنوات يتفرغ فيها لمطالعة عددٍ كبيرٍ من الأعمال الأدبية والفلسفية، وفى عام 1925 يترك (البرتو) المصحّة وينتقل إلى مدينة (بريسانون) حيث تقيم عائلته.

بدأ حياته المهنيّة كصحفي فى مجلة 900 عام 1927 وفى نفس العام يظهر فى حياته (كورادو ألفارو) وعن طريقه يتعرف فيما بعد على )ماسيمو بونتيمبيلي( . . فى عام 1928 يبدأ ينشر أولى قصصه القصيرة (Crime at Tennis Club )، وفى عام 1929 يقوم بكتابة أولى رواياته (اللامبالاه) أو (Gli Indifferenti ) وهى مكتوبة باللغتين الإيطالية والفرنسية، يرفض ناشر (ميلان ألبس) الرواية لأنه لايرغب فى المخاطرة بمؤلف مجهول، يساهم والد ألبرتو فى نشر الرواية التي تكلفت 5000 ليرة إيطالية لتخرج رواية مورافيا للنور. وفي غضون عدة أسابيع تنفد الطبعة الأولى وتترجم الرواية إلى اللغة الإنجليزية بعنوان The Indifferent .. تناول فيها مورافيا الفلسفة الوجودية وبرع فى تصوير أزمة الطبقة الوسطى الإيطالية من خلال أبطال روايته بشدة وهاجمها وانتقد أنانيتها وقبولها السلبي للحكم الفاشي في البلاد من خلال صورة نفسية لحياة أم من الطبقة المتوسطة تعيش في العشرينات مع أسرتها فى روما تحت نظام سياسي يتميز بالطغيان ويظهر الفساد الاخلاقي فى أبناء الأسرة متجليًا فى مساعدتهم للفاشية الإيطالية، ورأى النقاد أن روايته تكهنت بما ينتظر المجتمع الإيطالي على يد الفاشية، وفي عام 1964 تعيد السينما الإيطالية تقديم الرواية تحت اسم Time of Indifference من إخراج (Francesco Maselli) وبطوله (كلاوديا كاردينالي) و(رود ستايجر)، ولم تكن هذه المرة التي يظهر فيها اسم مورافيا على الشاشة الفضية، لقد كانت بدايته في إطار اتفــــاقية الأفلام الإيطالية – الإسبانية (Cinecitta) عام 1940 حيث شارك مع روبرتو دي ريبون، ماريو سولداتي فى كتابة سيناريو فيلم (The Sin of Rogelia) عن قصه كتبها (أرماندو بالاسيوفالديس) عام 1926.

وكانت المشاركة الثانية له فى عام 1942 حيث شارك مع (ماريو سلداتى)، (كرادو بافوليني) فى كتابة سيناريو الفيلم التاريخي Un colpo di pistol)) Pistol Shot) A) المأخوذعن قصه لاكسندر بوشكين من إخراج (ريناتو كاستيلاني )، ثم فى عام 1943شارك فى كتابة سيناريو فيلم (Obsession) استنادًا إلى رواية James M. Cain)) ساعى البريد يدق الباب مرتين Postman Always Rings Twice وهو أول فيلم روائى لـ (لوشينو فيسكونتى) كما اشترك فى عام 1945اشترك كتابة سيناريو فيلم ( The Arrow) ) للمخرج Alberto Lattuada ويعـــود عام 1951 ليشارك فى كتابة سيناريو فيلم (الاجتماع الأخير) المأخوذ عن قصة La biondina لـ (لماركو براغا)* واخراج Gianni Franciolini.

وفى عام 1951يقرر مورافيا نقل اسمه إلى خانة المخرجين فيقوم بإخراج وكتابة سيناريو الفيلم القصير (كولبا الوحيد) أو (Colpa del sole) أنتج الفيلم (ماركو فيريري) ، وفى عام 1952 يعود للمشاركة فى كتابه سيناريو فيلم (بيرفوت سافاج) (Barefoot Savag.) من إخراج Clemente Fracass))، وفى عام 1953يكتب قصة فيلم (الزوجة الضالة) (The Wayward Wife) من إخراج (Mario Soldati )، اشترك الفيلم فى مهرجان كان واختير عام 2008 ضمن قائمة أحسن 100 فيلم إيطالي، وفى نفس العام شارك فى كتابة سيناريو فيلم (La lupa ) المعروف باسم She Wolfl.

صعد نجم مورافيا بعد روايته (اللامبالاة، وقام بنشر قصتين قصيرتين (ظهور( (APParizione)  و (اللص الفضولى ) (Il ladrocurioso) ). واللتان أثارتا إعجاب الجمهور الإيطالي، ولكن بعد استيلاء النظام الفاشي على الحكم فى إيطاليا منعت هاتين القصتين وشنت ضدهما وضد الكاتب حملة واتهم بمعاداة المجتمع الإيطالي وإن كتاباته ما هي إلا محاولة لتخريب الروح الإيطالية، طارد النظام الفاشي أعمال مورافيا بضراوة فقام بحظر نشر الطبعة الأولى من روايتهla mascherata ولتفادي الرقابة الفاشية أخذ يكتب بطريقة سريالية ورمزية حيث ابتكر شخصية الديكتاتور الذي يعيش فى إحدى بلاد أمريكا الجنوبية وتناولة بالسخرية والتهكم، وكنوع من الهروب من السلطة الفاشية التي أرادت اعتقاله،عجّل (مورافيا) بسفرة إلى الولايات المتحدة لإلقاء سلسلة من المحاضرات عن الأدب الإيطالي، وفي عام 1937 نشر رواية (الاحتيال) (L'imbroglio)، وفى بداية الأربعينيات وقبل سقوط الفاشية بسنوات قليلة تُصادر الطبعة الثانية من روايته (تنكر) .. أخذ بعدها مورافيا يكتب باسم مستعار هروبًا من محاصرة الفاشية لأعماله، حتى توقف تدريجــيًا عن النشر، وفي عام 1941 يتزوج من الروائية إلسا مورانتي*، ينتقل للعيش معها بعيدًا عن روما، وفي عام 1943 يشترك فى تحرير الصحيفة اليومية (شعب روما) إلا أن السلطات الفاشية ضيقت عليه الخناق فقام هو وزوجته بحزم أمتعتهما واتجها جنوبا. ليقضي تسعة أشهر مع الفلاحين .. خلال هذه الفترة من الحكم الفاشي كانت وجهة نظره للحياة مأساوية، فيقول واصفًا ذاته: (وعلى غرار قضيب من الحديد يلين حين تمسه نار ملتهبة، كنت أحسّ روحى تلين وتنثني تحت الهموم التى كانت تأكلها. ولأنه فارغ الجعبة فهو يحلم بالانبعاث الجديد للإنسانية).

وبعد الحرب العالمية الثانية .. تزداد شعبية مورافيا وتهيمن رواياته على سوق النشر والصحافة فى إيطاليا والعالم وتترجم كتبه إلى أكثر من عشرين لغةً من بينها العربية، وفي عام 1947 ينشر واحدة من أشهر رواياته (امرأة من روما) .. اختار مورافيا مدينة روما لتدور فيها أحداث الفيلم الذي يوضح فيه الصراع والتشابك بين المجتمع الإيطالي والأيديولوجية الفاشية الحاكمة من خلال بطلة الرواية (أدريانا) التى يدفعها العوز والفقر والخيانات المتكررة لأن تلقي بنفسها في مستنقع الانحراف والرذيلة وممارسة حياة البغاء، والذى كان من المواضيع المحورية فى رواياته، وكان تأكيده على البغاء والجنس ما هو إلا رمزٌ للفساد الذي أراد انتقاده ومهاجمته، وفى عام 1954 تتحول القصة بدون أي تعديل تقريبًا إلى فيلم بنفس العنوان Woman of Rome" "من إخراج لويجى زامبيا، وبطولة جينا لولو بريجيدا.

وفي عام 1954 يقوم مورافيا بالكتابة مباشرة للسينما بالاشتراك مع إنيو فليانو* من خلال فيلم (امرأة النهر) إخراج ماريو سولداتي وبطولة صوفيا لورين وجيرارد أوري، كما شارك باولو بازوليني فى كتابة السيناريو.

وفى ذات العام ينشر مورافيا مجموعته (حكايات روماني)*( Racconti Romani) يقدم فيها لمحة عن الحياة في روما بعد الحرب العالمية الثانية، ويكشف الكثير عن حياة سكان روما في أوائل الخمسينيات. وهي عبارة عن 61 قصة قصيرة .. أصبحت بعد فترة مصدرًا تنهل منه السينما قصصها، ("فاناتيكو") هى إحدى قصص هذه المجموعة والتي تحولت عام 1955 إلى فيلم سينمائي بعنوان (سيئة للغاية) (To Bad She's Bad) الفيلم بطولة صوفيا لورين ومارسيلو ماسترويانى وإخراج أليساندرو بلاسيتي.

 (Roman Tales)فيلم آخر فى ذات العام يحمل اسم مجموعة مورافيا القصصية، كتب سيناريو الفيلم (سيرجـــيو أميدي) وأخرجه (جيان فرانشوليني) وقام بالبطوله جيوفانا راللي، توتو *، وفى عام 1958فيلم درامي كوميدي بعنوان (Girls for the Summer) من إخراج جيانى فرانشولينى.

وفى عام 1960 تلتقط السينما رواية (امرأتان) والتي نشرت عام 1947 لتحولها إلى فيلم بنفس العنوان بطولة صوفيا لورين وجان بول بلموندو ويقوم المخرج فيتوريو دي سيكا * بمعالجة نص الرواية وإخراج الفيلم، ويقوم بإنتاجه زوج الفنانة صوفيا لورين كارلو بونتى، و تدور أحداثها إبان الحرب العالمية الثانية عند انهيار الفاشية وإعدام موسوليني وعشيقته، من خلال معاناه بطلة الرواية التي تعيش فى روما، هى أم .. مطلقة .. ولديها ابنة تبذل المستحيل من أجل رعايتها والحفاظ عليها من الفساد الذى خلفته الحرب وطغيان موسيليني، ولكن ضغط الحرب وزحف الحلفاء على الدول المتحالفة مع ألمانيا ، خاصة إيطاليا واحتلال مدنها الرئيسة، يضطر الأم كمثيلاتها إلى الرحيل مع ابنتها والبحث عن مكان آخر تحتمى به فتعثر خلال جريها على كنيسة مهجورة تتخذها مع ابنتها مكانًا للاختباء. وتشاء الصدف أن يقتحم الكنيسة مجموعة من جيش الحلفاء مع مرتزقة من الأتراك الذين يجدون الأم وابنتها غنيمة سهلة فيغتصبون الأم وابنتها بوحشية.

وفى نفس العام تقدم الشاشة الفضية فيلمًا آخر يعتمد على واحدة من المجموعات القصصية لأربرتو مورافيا والذي شارك فى كتابة السيناريو، الفيلم بعنوان (من الشرفة الرومانية) (La Giornata Balorda) وهو إنتاج مشترك بين فرنسا وإيطاليا من إخراج ماورو بولونيني وبطولة جان سوريل، ليا مساري، و بعد شهر واحد من العرض الأول فى إيطاليا تفومامت لجنة المراجعة التابعة لوزارة التراث الثقافي والأنشطة الإيطالية بتقييمها على أنها VM16 (غير مناسبة للأطفال دون 16 سنة) وتم منع الفيلم فى إيطاليا وتحرير شكاوى ضد المخرج والمؤلف والممثلين، بعد ستة أشهر من التفاوض مع المراقبين اشترطت اللجنة حذف بعض المشاهد والجمل حتى تسمح بالإفراج عن الفيلم، وبعدعرض الفيلم بأيام تقوم شاشات السينما بعرض فيلم (اللص العاطفي)The Passionate Thief والذى شارك فيه مع ريو مونيسيلي فى كتابة السيناريو، الفيلم من إخراج ماريو مونيسيلي، وبطولة آنا ماغناني وتوتو.

وفى عام 1962 تتحول قصته (أوجيستبنو والعصيان) من مجموعة (المراهقان) والتي كتبها مورافيا عام 1952 إلى فيلم يحمل نفس الاسم ( أوجستينو ) من إخراج ماورو بولونينو، كما يشارك مورافيا في ذات العام في كتابة سيناريو فيلم (L'amore difficile ) الفيلم عبارة عن أربع قصص قصيرة لروائيين إيطاليين مشهورين هم ماريو سولداتي، وألبرتو مورافيا، وإيتو كالفينو، وإركول باتي، تدور أحداثهم عن الحب والخيانة، وأخرج كل جزء مخرج بشكل منفصل.

وفي عام 1963يقدم المخرج جان لوك جودار فيلمًا عن رواية (احتقار) (Il disprezzo) والتي قدم فيها مورافيا تحليلًا نفسيًا لنوع العلاقة بين الجنسين تحديدًا الزوجان من خلال علاقة متوترة بين الكاتب (جافال) وزوجته بسبب التفاوت فى الطبقات. اقترح جودارعلى المخرج كارلو بونتي إجراء تعديلٍ على الرواية، وقام هو بكتابة السيناريو، ولم يعترض مورافيا على التعديلات. ويعدّ هذا الفيلم هو أول فيلم يخرجه جودارعن نصّ أدبى، صور الفيلم في إيطاليا بالكامل، الفيلم بطولة بريجيت باردو وميشيل بيكولي.

وفى عام 1961ينشر واحدة من أشهر رواياته (الملل ـ La Noia) والتي فازت بجائزة فياريجيو .. تنتمي الرواية إلى التيار المعاصر للأدب الوجودي، حيث تقوم بمناقشة عدم القدرة على خلق علاقة مع الواقع .. وعدم القدرة على الاقتناع بوجود الأشياء التي تشكل عالمنا من خلال بطل الرواية ( دينو)، تقدم السينما القصة مرتين، الأولى في عام 1963بعنوانThe Empty Canvas من إخراج داميانو دامياني، الفيلم بطولة هورست بوخولز، كاثرين سباك، والثانية عام1998 وحملت نفس عنوان الرواية L'Ennui من إخراج سيدريك خان، وبطولة تشارلز بيرلينج وصوفي جيلمين وأرييل دومباسل .

يشارك عام 1963 مع إدواردو دي فيليبو فى كتابة قصة وسيناريو فيلم (الأمس واليوم وغدًا) وهوعبارة عن ثلاث قصص يتم من خلالها التعرف على التغيير الذى طرأ على القيم الاجتماعية الإيطالية .. الفيلم إخراج فيتوريو دي سيكا، الفيلم بطولة صوفيا لورين ومارسيلو ماسترويانى

وفى عام 1964 يستلهم فيلم (The Naked Hours ) قصته من رواية (Appuntamento al mare) لأربرتو مورافيا، الفيلم من إخراج ماركو فيكاريو وبطولة كير دوليا وروسانا بوديستا.

يظهر مورافيا مع زوجته عام 1965 في فيلم وثائقي بعنوان ( Comizi d'amore )، أو (Love Meetings) والذي قام بتصويره الكاتب والمخرج الإيطالي بيير باولو بازوليني، الميكروفون في يد بازولينى يسأل الإيطاليين عن القضايا المختلفة .. الجنس .. قوانين الطلاق .. وبيوت الدعارة.

وفى عام 1967 يشارك مورافيا فى كتابة سيناريو في فيلم بعنوان العين البرية (L'occhio selvaggio) والذى اشترك به مخرجه باولو كافارفى الدورة الخامسة لمهرجان موسكو، وفى نهاية هذا العام يطير مورافيا في جولة لقارة آسيا فيزور الصين واليابان وكوريا الجنوبية.

يقوم بأول أدواره السينمائية في عام 1969ليجسد شخصيته في فيلم Alibi وهو فيلم كوميدي من إخراج أدولفو سيلى .

كما يشارك فى ذات العام مع مجموعة من الروائيين (أوجو جيرا، فرانشيسكو سكارداماجليا، فرانكو روسيتي في كتابة قصة فيلم من إنتاج إيطالي يوغسلافي مشترك بعنوانThe Rage Within)).
وفى عام1970 تتحول روايته السياسية The conformist أو (الملتزم) إلى فيلم يحمل نفس العنوان، الفيلم من إخراج برناردو برتولوتشي والذي قام أيضًا بكتابة السيناريو السينمائي ــ الفيلم من بطولة جان لوي ترنتنيان وستيفانيا سندريلي، استخدمت القصة أسلوب استعادة السرد لتتبع الشاب (مارسيل) المكلف باغتيال أستاذه السابق المعارض الصريح للحكم الفاشى .. لا يستطيع مارسيلو بسبب وقوعه فى حب زوجة استاذه.

وفي سنة 1972يذهب إلى إفريقيا حيث يكتب (A quale tribù appartieni) (إلى أى قبيلة تنتمي؟) والتى نشرت فى عام 1974.

وفي عام 1975يكتب سيناريو الفيلم الوثائقي ( Mondo Magic) والذي يدور حول بعض القبائل في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، الذين يعتقدون فى السحر ويعتبرونه وسيلةً للبقاء وأسلوبًا للحياة، اشترك فى إخراجه فريدو كاستيجليون أنجيلو كاستيليونيغيدو جيراسيو. وفي ذات العام يقدم مورافيا فيلمًا وثائقيًا بعنوان ( (Savage Man Savage Beastكما يشارك فى كتابة السيناريو مع مخرج الفيلم أنطونيو كلاميتى، ماريو مورا، تم تصوير الفيلم في أماكن متفرقة من جميع أنحاء العالم، الفيلم يركز على العلاقة والتفاعل بين الإنسان والحيوان. وفي عام 1980 كتب قصة فيلم (Desire The interior life) إخراج Gianni Barcelloni وسيناريو Gianni Barcelloni، Enzo Ungari.

لم يحُل انشغال مورافيا بالفن والكتابة عن دخوله إلى عالم السياسة حيث انتخب ممثلًا عن الحزب الشيوعي الإيطالي في البرلمان الأوروبي عام 1984. في عام 1986اختير ألبرتو مورافيا نائبًا في البرلمان الأوروبي عن الحزب الشيوعي الإيطاليِ.

وفي عام 1988 شارك فى كتابة سيناريو فيلم وثائقي بعنوان (Divine Providence) إخراج ماريا رودريجيز.

وفي عام 1989

يقوم المخرج الإيراني محسن مخملباف في عام 1989بإخراج فيلم the peddler المأخوذ عن قصة البرتو مورافيا، ويتألف من ثلاث لوحات، تتناول الفقراء في طهران، الفيلم من إخراج بطولة محمود البصيري وبهزاد بهزادبور وزهرة سرمدي.

وفى عام 1991 يقدم المخرج بولونيا آخر أفلامه (La villa del venerdì) وهو منقول دون أي تعديل عن رواية لمورافيا التى تحمل نفس الاسم.

اتسم أدب مورافيا بالبراعة والواقعية والقدرة على التبسيط في سرد مشاعر ورغبات أبطال رواياته والتداخلات فى الأحداث التى تنشأ عبر تلبية تلك المشاعر والرغبات، تاثر مورافيا بما قرأه فجاء أدبه ثريًّا .. حيث تبنّى نزعة التحليل النفسي من ديستوفسكى وأتقنها، وأثر الإيطالي (غولدوني) فى نسقه الإنشائي فكانت الكتابة بسيطة وسهلة كما استلهم نزعته الساخرة من موليير.

وفى20سبتمبر عام 1990 في روما يفارق الحياة .. ألبرتو مورافيا .. الأديب المولع بالسينما، والأكثر شعبيةً في عالمنا المعاصر، وكما كتب عنه أحد النقاد: "إن مورافيا صاحب أدب وجودي عبثي، روعته أن وجوديته وعبثيته لا تظهران إلا للباحثين بدقة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
* كرادو ألفارو صحف وكاتب للروايات والقصص القصيرة والسيناريوهات والمسرحيات ولد في 5 ابريل سنة 1895 فى سان لوكا وتوفي فى يونيو 1956 فى روما شغل فى منصب ضابط فى الجيش الإيطالي خلال الحرب العالمية الثانية.

* ماسيمو بانتمبيلي ‏؛ كاتب، وشاعر، وصحفي، وملحن، وروائي، وكاتب مقالات، وكاتب مسرحي، وكاتب خيال علمي، وسياسي إيطالي، ولد فى 12 مايو 1878، وتوفي في1960, وهو أحد رواد الواقعية السحرية فى إيطاليا

*Marco Praga ولد فى ميلانو عام 1862 وتوفي عام 1929هو الكاتب المسرحي الإيطالي الأكثر شعبيةً فى هذا الوقت

* وُلدت إلسا مورانتى عام 1912 بإيطاليا، قامت إلسا البالغة من العمر 29 عامًا بالزواج من الكاتب الإيطالى ألبيرتو مورافيا عام 1941، لكنهما انفصلا عام 1966، وتوفيت في عام 1985.

* ولد إنيو فليانو في 5 مارس 1910 في بيسكارا، أبروتسو، إيطاليا، كان كاتبًا وممثلًا معروفًا

* (أنطونيو ديه كورتيس) سيناريست وشاعر وكاتب أغاني وممثل سينمائي ومسرحي، كان يطلق عليه فى إيطاليا اسم (أمير الضحكة) ويعد واحدًا من أعظم الممثلين في تاريخ المسرح والسينما الإيطالية.

* فيتوريو دي سيكا كاتب سيناريو وممثل سينمائي ومسرحي، ومخرج ومنتج حصل على العديد من الجوائز منها جائزة جولدن جلوبل لافضل فيلم باللغة الأجنبة، وجائزة أفضل مخرج عن فيلم سارق الدراجة.

 

مراجع
البرتو مورافيا. قاموس التراث الأمريكي المترجم

مورافيا (1985). لومو تشي غواردا. ميلان: بومبياني. مقدمة من جورجيو كافاليني (مترجم ).

ـ كتالوج مهرجان القاهرة السينمائي، الدورة الرابعة عشرة ـ

 

####

 

بين المدح والنقد.. ثلاثة عشر عامًا جدلية لسعد الدين وهبة في إدارة مهرجان القاهرة

وفاء السعيد

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

يعرف المصريون اسم سعد الدين وهبة على أنه الكاتب المسرحي الكبير، أحد رواد المسرح المصري الحديث في ستينيات القرن المنصرم، وقّع باسمه على أهم الأعمال المسرحية التي تنتمي للواقعية النقدية سواء لمجتمع الريف أو للطبقة المتوسطة الجديدة في المدينة، فاشتهر بأعمال مثل "السبنسة" و"كفر البطيخ" وعمله الأشهر "سكة السلامة" وغيرها ما يقرب من عشرين نصًا مسرحيًا. كما أنه عُرِف ككاتب للسيناريو وشارك في أعمال سينمائية خالدة كـ"الحرام" و"أرض النفاق" و"مراتي مدير عام" و"الزوجة الثانية" وغيرها .. فالكاتب المسرحي الكبير الذي بدأ حياته الوظيفية كضابط شرطة، ثم درس الفلسفة، فاستقال من وزارة الداخلية ليتجه إلى الكتابة الصحفية، ثم الكتابة الأدبية، إلى أن عرف طريقه إلى سلك الوظائف الحكومية كموظف في وزارة الثقافة، وعمل تحت إدارة الأديب الكبير نجيب محفوظ في مؤسسة السينما، وتدرج في السلك الإداري حتى بلغ منصب وكيل وزارة الثقافة وينسب إليه تطوير قطاع الثقافة الجماهيرية في مصر، وأنه أحد أهم أعمدة ربط الريف والمناطق النائية بالحضر ثقافيًا، وأهّل كوادر إدارية لتنشيط الثقافة الجماهيرية وبلوغها إلى تلك المناطق المحرومة مما يتمتع به المركز في العاصمة. كما بزغ اسمه في المراحل التالية كأحد أهم الأسماء المناضلة ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد استغل زاويته الصحفية المتاحة له في جريدة الأهرام ليهاجم بشدة أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.

بيد أن لوهبة الذي امتاز بتعدد الأوجه كأديب وسيناريست وصحفي وإداري ورجل دولة؛ إذ كان نائبًا في مجلس الشعب، وجهًا آخرً هامًا كأحد أهم الأسماء التي أثارت جدلًا في تاريخ أهم مهرجان سينمائي عربي وإقليمي هو مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والذي يعود وصف "الدوليّ" هذا لجهود وهبة نفسه. فكان من أكثر الأسماء التي تثير الحيرة واللبس في أذهان كل من يتعرض بالفحص والتحليل لتاريخ هذا المهرجان.

سعد الدين وهبة تولى رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي طيلة 13 عامًا (1985م -1997م) في فترة حرجة وشائكة، وهي أطول فترة في تاريخ الرؤساء الذين تناوبوا على هذا المنصب منذ تأسيسه عام 1976م. ويرى بعض النقاد والمعاصرون لتلك الفترة أن وهبة هو المؤسس الحقيقي لمهرجان القاهرة الذي أعاد ولادته من جديد وأكسبه صبغته الدولية وأعاد تأسيسه وبناءه وهيكلته ليكون كيانًا صلبًا قويًا بعدما كان جنينًا هشًّا تعرض لكثير من المخاطر والأزمات التي كادت أن تجهز عليه في سنواته الأولى قبل حتى أن يحبو، بينما في فترة وهبة شب المهرجان على عوده ليقف على قدمين ثابتتين وعرف الركض بعيدًا ليؤكد مكانته سريعًا بعدما أصابه الشلل التام بنزع شرعيته الدولية ثم تعرضه للتوقف تمامًا عام 1980.

لابد إذًا كي نروي حكاية وهبة والمهرجان أن نعود خطوة إلى الوراء قليلًا لنعرف ما الظروف التي أحاطت بتولي سعد الدين وهبة رئاسة المهرجان، التي لم يسعَ إليها مطلقًا، بل أتت له كمهمة من مهام وظائفه الإدارية، بينما كان القدر يدّخر لهذا المهرجان الحظ والنصيب الوافر لأن تتعهده أيادٍ ستنتشله من تخبطه وحيرته؛ لندرك الفارق الذي أحدثه وهبة والنقلة النوعية التي واكبت فترة رئاسته، فضلًا عن كم النقد والحروب والعواصف التي واجهها. فحتى الآن تقف حائرًا بين جدلية وازدواجية كبرى، بين مؤيدٍ له ومهاجم شرس لفترته ولشخصه.

**

ما قبل وهبة

لم تكن السياسة بمعزل عن خلفيات الكواليس الأولى لميلاد فكرة إنشاء المهرجان في رأس صاحبها الكاتب والأثري كمال الملاخ. بعد حروب خاضتها مصر مع الكيان الصهيوني، آخرها كان نصر أكتوبر العظيم، شعر الملاخ ومعه مجموعة من النقاد المصريين كانوا في العاصمة الألمانية يحضرون فاعليات واحد من أعرق المهرجانات السينمائية في أوروبا والعالم "مهرجان برلين" فإذا بخبر يهدد السلام والأمن النفسي لهؤلاء الغيورين على وطنهم مصر، فعندما تنامى إلى علمهم عزم إسرائيل على إقامة مهرجان القدس السينمائي، ولدت في نفس اللحظة فكرة أن تقوم مصر أعرق دولة في الشرق الأوسط وإفريقيا عرفت الفن السابع وصاحبة ثاني عرض لفيلم سينمائي بعد فرنسا ، فأخذوا على عاتقهم تلك المهمة الوطنية التي تنطوي على واجب قومي وعروبي في مواجهة عدو متربص يريد أن ينسب لنفسه أي إنجاز يدعم وجوده في المنطقة وحضوره ومن ثم قبوله في المجتمع الدولي.

فكانت الدورة الأولى للمهرجان عام 1976م والتي أشرفت على تأسيسها "الجمعية المصرية لكتّاب ونقاد السينما" التي تأسست بجهود الملاخ ورفاقه، وولد المهرجان مهددًا في مهده بعدد من الأزمات أولها التمويل الشحيح جدًا، والبنية التحتية المهترئة المتمثلة في عدم توافر دور جيدة للعرض ومجهزة بآلات وماكينات عرض حديثة أو حتى مقبولة تفي بشروط المعايير الدولية للمهرجانات الكبرى، خاصةً أن مصر كدولة خرجت لتوّها من حرب أتت على معظم مواردها فضلًا أن الاقتصاد المصري كان منهكًا طيلة سنوات الحرب والسنوات السابقة عليها التي شهدت حرب الاستنزاف والنكسة. فالظروف الاقتصادية والسياسية المحيطة بالمهرجان كانت عنيفة وقوية. وبالرغم من ذلك نجح المهرجان في إقامة الدورات الثلاث الأُوَل حتى نزعت عنه صفته الدولية عام 1979م والتي فقدها بسبب الارتباك التنظيمي وعدد من المخالفات الإدارية كما حدثت فضيحة سينمائية كبرى تخالف كل اللوائح والأعراف الدولية لعروض المهرجانات تمثلت في تعرض مقص الرقيب ببتر أجزاء من شرائط بعض الأفلام الأجنبية المشاركة، وخالفت شرطًا أساسيًّا وهو العرض في القاهرة لتقيم بعض العروض في مدينة الإسكندرية. فأثار ذلك الغضب الشديد بين وفود الدول أصحاب الأفلام المشاركة التي تعرضت للتشويه والمخالفات وتركوا المهرجان وعادوا إلى بلدانهم قبل انتهائه متوعدين بتقديم شكوى. والعام التالي لذلك عام 1980م توقف المهرجان، فما كان من كمال الملاخ إلا أن يصرخ في طلب النجدات لإنقاذ المهرجان الوليد، فتوجه بالخطابات لنقابة السينمائيين وغرفة صناعة السينما ووزارة الثقافة ممثلة في وزيرها منصور حسن وقتذاك ليساعدوه في استعادة المهرجان مرة أخرى. لكن في عام 1981م تولى محمد عبد الحميد رضوان وزارة الثقافة والذي لم يكن على وفاق مع كمال الملاخ ونشب بينهما خلافٌ كبيرٌ كان على أشده حتى وصلت إلى المحاكم عام 1984. كان أحد تبعات هذا الخلاف إصدار الوزير قرارًا بنقل الإشراف على إدارة المهرجان إلى وزارة الثقافة بدلًا من الجمعية التي يرأسها الملاخ والتي كانت صاحبة فكرة المهرجان ومؤسسته والمشرفة على إقامته. وذلك لأن المهرجان يحمل اسم مصر فضلًا عن أن إدارة الجمعية لم تنجح في قيادة سفينة الإدارة في بحر هاديء. في ذلك الوقت كان سعد الدين وهبة رئيسًا لاتحاد النقابات الفنية وعضوًا في لجنة الثقافة بمجلس الشعب، تحدث مع الوزير ليقام المهرجان في موعده على أن يشرف الاتحاد عليه برئاسة المخرج كمال الشيخ لهذه الدورة. وبالفعل تمت إقامة الدورة عام 1984م بعد تنحي كمال الملاخ وجمعيته عن المشهد، وكان ذلك أول محطة لظهور سعد الدين وهبة في تاريخ مهرجان القاهرة ليسطر بعد ذلك تاريخًا طويلًا سنتعرف على تفاصيله.

**

فترة رئاسة سعد الدين وهبة

عام 1985م أصدر وزير الثقافة عبد الحميد رضوان قرارًا بتعيين وهبة رئيسًا للجنة العليا للمهرجانات، وهذه اللجنة هي المنوطة باختيار الأفلام المصرية المشاركة في المهرجانات العالمية، غير أنه أسند إليها أيضًا مهمة إقامة مهرجان القاهرة، ومن ثم أصبح وهبة هو رئيس المهرجان عام 1985م وتولى المسئولية بشكل مباشر. وقد واجهته أولى الأزمات، تغيّر الوزير وجاء أحمد هيكل ليصدر قرارًا بمنع إقامة المهرجان، فيذهب وهبة بنفسه إلى الحزب الوطني ويجري اتصالات موسعة ليستصدر قرارًا من رئيس الجمهورية وقتها محمد حسني مبارك بالسماح له بإقامة المهرجان، ومن هنا جاءت الفكرة بأن سعد الدين وهبة هو المؤسس الحقيقي للمهرجان الذي دعم ولادته الجديدة وأنقذه من التوقف مرتين، وكفل له انطلاقة جديدة واستمرارًا حقيقيًا.

أبرز الأحداث والإنجازات في فترة رئاسته

كانت الدورة التاسعة هي الدورة الأولى تحت رئاسة وهبة إلا أنها اعتبرت الانطلاقة الحقيقية للمهرجان منذ تأسيسه فقد وضع وهبة نصب عينيه قضيتين جوهريتين شكلتا أهم العقبات في طريق المهرجان وهما الصفة الدولية باتباع الإدارة الحاسمة وإعادة الهيكلة المؤسساتية لإدارة المهرجان، وكذلك مشكلة الاستقلالية فلابد من أن يجد المهرجان طرقًا لتمويل نفسه ذاتيًا فلا يخضع لسيطرة أي جهة، وبذلك تلخصت أهداف وهبة في كلمتين أن يصبح المهرجان "مؤسسة مستقلة". اعتمد وهبة في البداية على موارد مالية شحيحة وواجهته أزمة التمويل، فاعتمد على النقابات الفنية ووزارة الثقافة في البداية.

مع الدورة العاشرة للمهرجان بدأ الفارق الذي أحدثه وهبة في رئاسته يظهر؛ إذ حدث أهم إنجاز في تاريخ المهرجان وهو اعتراف الاتحاد الدولي للمنتجين في باريس بالصفة الدولية للمهرجان، ولكن بدون مسابقة رسمية، بعد انتزاعها سابقًا، وهذا يدل على مدى الجهد المبذول في إعادة تأسيس إدارة المهرجان وأخذ خطوة نحو استقلاله بإقامته تحت إشراف اتحاد النقابات الفنية وترك وزارة الثقافة له، وأصبح كيانًا محددًا لكل من فيه وظيفة مسبقة في هيكل إداري وفني ثابت خاضعة لرئاسة وهبة، ولعل هذا من أوائل الانتقادات التي رغم أنها حملت في طيها خيرًا للمهرجان جاءت على صاحبها بالسلب؛ لأنه وصف بالديكتاتورية ومركزية القرارات وهيمنته على الإدارة بالكامل، وربما ذلك أثار حفيظة البعض وقتها.

أما الدورة الحادية عشرة 1987 فقد نال المهرجان استقلاله التام من خضوعه لهيئات أو مؤسسات تشرف على إقامته أو المساهمة في تمويله، فوقف وهبة ليلة الافتتاح معلنًا "باسم إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الحادي عشر أرحب بضيوف المهرجان من مصر والوطن العربي والعالم." وإن نصت اللائحة على استمرار تولي اللجنة العليا للمهرجانات مهمة اختيار الأفلام المشاركة. وقد شهدت هذه الدورة ملمحًا جديدًا ضمّ سينما الأطفال، والتي سيتشكل لها فيما بعد مهرجانٌ مستقلٌ انبثق عن "القاهرة". تزامن في نفس العام من انعقاد المهرجان للاحتفال بمرور ستين عامًا على قيام السينما في مصر، فاحتفى المهرجان بهذه المناسبة. لكن في المقابل واجه وهبة أزمة كبرى تمثلت في مقاطعة الفنانين المصريين لحضور هذه الدورة اعتراضًا على شخصه كرئيس للمهرجان، لأنه في نظرهم كان أحد المشاركين في تمرير قانون 103 لسنة 87 الذي يحدّ من اختصاص النقابات الفنية، واعتصم الفنانون اعتصامهم الشهير في نقابة السينمائيين احتجاجًا على هذا القانون، وعلى عدم ديموقراطيته لأنه اتخذ بطريقة تعسفية دون مناقشة وموافقة الفنانين المتعلق بهم القانون، وظهرت حادثة الاعتصام تلك في فيلم يوسف شاهين الشهير "اسكندرية كمان وكمان" الذي أعاد تجسيد الاعتصام الذي كان أحد المشاركين فيه وإضراب الفنانة تحية كاريوكا عن الطعام في تحية منه لنضال الفنانين، ومن ثم قاطع الفنانون المهرجان بسبب اعتراضهم على وهبة وعلى دوره في تمرير القانون.

مع الدورة الثانية عشر 1988 ازداد تمرس الجهاز الإداري الخاص بالمهرجان وأصبح له كوادره الإدارية والفنية القادرة على التعامل مع الجهات الخارجية. في هذه الدورة قدَّم وهبة إنجازًا جديدًا سيشكل نقلة حقيقية ونوعية للمهرجان، خطوة هامة في وضعه داخل الصورة الحقيقية والوظيفة الأساسية لما تفعله المهرجانات الدولية من تواصل وتبادل ثقافي وفني وحضاري، فضلًا عن إتاحة الفرصة للتبادل التجاري، لأن السينما لها طبيعة خاصة عن غيرها من الفنون الستة، وهي أنها صناعة بجانب كونها فنًا، وتخضع لقوانين السوق التجاري، من العرض والطلب. فأنشأ وهبة لأول مرة سوقًا للأفلام السينمائية والتليفزيونية والمصنفات الفنية المتنوعة لمدة سبعة أيام. فالمهرجانات فرصة أمام المنتجين وصناع السينما والموزعين للتعرف على أهم الأفلام في دول العالم المختلفة لينتقوا من بينها ما يهتم به المتفرجون في بلدانهم ليعرضوه عليهم. ومن ثم يهدف السوق إلى إتاحة الفرصة لعمليات بيع وشراء وتبادل الأعمال الفنية، وقد اشترك في أول سوق ينشأ في مهرجان القاهرة 24 دولة منها 13عربية و11 أجنبية، وكان عدد الشركات المساهمة 32 شركة، وسوف يتنامى هذا العدد عامًا بعد عام، ويعد هذا السوق من أهم الإنجازات التي أحدثها وهبة في رئاسته. وقد حرص المهرجان في هذه الدورة على إلقاء الضوء على نوع من السينما غير معروف للمتفرج المصري لإثراء ثقافته السينمائية وتعرفه على سينما دول العالم الثالث وأوروبا الشرقية وأوروبا بوجه عام كبديل لهيمنة السينما الأمريكية الهوليودية. كما حظيت زيارة النجم الهندي المحبوب أميتا باتشان باحتفاء كبير من المتفرجين المصريين الذين امتلأت بالكثير منهم الندوة التي أدارها معه الفنان المصري سمير صبري.

أما الدورة الثالثة عشرة فقد اهتمت بتكريم الأديب العالمي نجيب محفوظ الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب العام السابق عليها بعرض فيلمٍ تسجيليٍّ في الافتتاح، وتسليمه درع المهرجان. كما نجح المهرجان في اجتذاب عدد أكبر من الدول نظرًا للتنظيم الجيد. ومن الأحداث الهامة في هذه الدورة عرض فيلم "الناس والنيل" في نسخته الكاملة لأول مرة بعد منعه من العرض منذ عشرين عامًا. وأصبحت الندوات ملمحًا هامًا في المهرجان كانت تهتم بمناقشة الأفلام أو القضايا المرتبطة بالسينما بوجه عام، أو ببلد معينة، فقد شهدت هذه الدورة مناقشة أثر التغيرات في الاتحاد السوفيتي متمثلة في سياسة البيروستريكا على السينما الروسية، وذلك قبيل تفكيك جورباتشوف للاتحاد فعليًا. كما شهدت الدورة حضورًا متزايدًا ومميزًا للسينما العربية. كما شهدت هذه المرة ولأول مرة إلغاء فاعليات "بانوراما السينما المصرية" وذلك لضعف مستوى إنتاج السينما المصرية، منها أفلام المقاولات والأفلام الهابطة التي لا ترقي لتمثيل مصر أمام ضيوف المهرجان. كما شهدت هذه الدورة انخفاض مشاركة الأفلام المصرية في البرنامج الرسمي لفيلمين فقط. وفاجأ وهبة الصحفيين بإنجاز جديد؛ إذ أعلن عن موافقة الاتحاد الدولي للمنتجين على أن يمنح المهرجان "جوائز" من خلال مسابقة دولية، لها شروط ولجنة تحكيم دولية. وهو بالطبع إنجاز عظيم.

في الدورة الرابعة عشرة 1990 تزامنت مع حرب الخليج بين دولتي العراق والكويت، فبالطبع تأثرت هذه الدورة من المهرجان بالأحداث السياسية الجارية في الوطن العربي. لكن اعتبر وهبة أن إقامة الدورة هو بمثابة صرخة في وجه الحرب، وأقيمت الدورة رغم كل ما يجري. وشارك وفد كويتي بثلاثة أفلام. في هذه الدورة أيضًا تم تكريم الفنان المصري العالمي عمر الشريف. واستحدث في هذه الدورة برنامج أو قسم "مهرجان المهرجانات" يعرض فيه أهم الأفلام الفائزة في مهرجانات سابقة وشكَّل هذا ملمحًا جديدا.

أما الدورة الخامسة عشرة فقد كانت دورة هامة في حياة المهرجان، فقد شهدت الانطلاقة العالمية الرسمية للمهرجان؛ إذ اعتمد اتحاد المنتجين الدولي للمهرجان، كمهرجان له الحق في إقامة مسابقة رسمية. فأصبح مهرجان القاهرة واحدًا من ثمانية مهرجانات على مستوى العالم يعترف بها الاتحاد الدولي للمنتجين. وهو ما يعني بلوغ مهرجان القاهرة مرحلة النضج إداريًا وفنيًا. بالطبع كان ذلك يستدعي إعادة بناء وتحديث البنية التحتية المتمثلة في دور العرض وآلاتها. كان المركز الدولي للمؤتمرات في مدينة نصر قد شُيِّد فأقيم به حفل الافتتاح والختام والندوات بدلًا من دار العرض المتواضعة التي كان يقام بها الافتتاح. وفي حديث تليفزيوني مع رئيس المهرجان سعد الدين وهبة لبرنامج تاكسي السهرة مع المذيعة نهلة عبد العزيز بمناسبة الدورة 15 للمهرجان تحدث عن صعوبة عقد المهرجان في ديسمبر في نهاية العام وبالتالي سيكون كل الإنتاج الحديث والجيد سبق له العرض في المهرجانات الدولية الأخرى، فسيكون حيز اختيار الأفلام المشاركة في المسابقة التي ستمنح جوائز لأول مرة ضيقًا جدًا. تحدث أيضًا في نفس اللقاء عن العقبات التي كانت تواجه المهرجان في السابق ولابد من تخطيها أو إصلاحها للحفاظ على صفة الدولية التي منحت للمهرجان. أولى هذه العقبات مستوى دور العرض في مصر، قال إن مستواها سيء جدًا وآلات العرض قديمة مما يؤثر على خبرة المشاهدة للمتفرج، فضلًا عن تكلفة المهرجان دفع غرامة قدرها ستون ألف دولار تدفعها شركة التأمين نظرًا للتلف الذي يتعرض له شريط الفيلم، وذلك كان أحد أهم أسباب تأخر الموافقة لأن يمنح المهرجان جوائز بسبب شكوى بعض الدول لسوء حالة الأفلام بعد عودتها؛ وذلك بسبب سوء حالة ماكينات العرض التي تؤدي إلى تلف النسخ. إعادة تحديث الصالات وآلات العرض يعد من أهم الإنجازات التي حققها وهبة في فترته، وتذكر له حتى اليوم. تحدث أيضًا في نفس اللقاء عن عائق اللغة أمام المشاهد المصري وصعوبة ترجمة الفيلم إلى اللغة العربية على نفس الشريط، ففي هذه الدورة وفرت قاعة المؤتمرات ترجمة فورية لكل أفلام البرنامج الرسمي، وكان ذلك سابقة لم يعهدها المهرجان في ذلك الوقت. وبالنسبة للجنة التحكيم شاركت من مصر الفنانة المصرية الكبيرة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة وكانت فرصة لتكريمها أيضًا.

الدورة السادسة عشرة كان العام الذي حدث فيه الكارثة الطبيعية المروعة زلزال 92، كان تحديًا كبيرًا أن يقام المهرجان في هذه الدورة ولكن إقامته كانت تعبيرًا عن الأمن الداخلي لمصر في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد من ضرب الزلزال لمدينة القاهرة وبعض المدن الأخرى، فإقامة المهرجان كان تأكيدًا للعالم الخارجي عن استقرار الوضع في مصر. وهناك زوبعة أخرى سياسية أثيرت عندما أعلن المهرجان عن برنامج لبانوراما السينما الإيرانية، وألغيت لأسباب سياسية نظرًا لتوتر العلاقات بين مصر وإيران.

الدورات التالية حتى الدورة العشرين شهدت حقبة التسعينيات التي تنامى فيها نشاط الجماعات الإرهابية واستهدافهم للسائحين والأجانب. فبدأت تعقد ندوات وحلقات بحث على هامش المهرجان عن علاقة السينما بالعنف والإرهاب ودورها الاجتماعي والثقافي كسلاح في مواجهة الأفكار المتطرفة. وفي الدورة الثامنة عشرة استحدثت مسابقة خاصة تمنح لها جائزة لأفضل فيلم يدعو للقيم الإنسانية باسم الأديب العالمي نجيب محفوظ بعد حادث الاعتداء الإرهابي عليه وطعنه بسكين عام 1994م ورأس لجنة تحكيم هذه المسابقة المخرج يوسف شاهين

أما أهم ملامح الدورة العشرين والأخيرة تحت رئاسة سعد الدين وهبة عام 1996 واكب الاحتفال بمائة عام من السينما المصرية، واستكتب النقاد لإعداد موسوعة ضخمة سينمائية بعنوان "مصر مائة سنة سينما" وتقديم دليل ضخم يضم توثيقًا للأفلام المصرية يفيد الباحثين والدارسين في مجال الأرشفة للسينما المصرية.

وكان ذلك خير ختام لمسيرة حافلة من الإنجازات العظيمة التي حدثت ولا يمكن إنكارها في فترة تولي سعد الدين وهبة رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي، بالرغم من كل ما أثير ضده من انتقادات بوصفه مسئولًا في الدولة تورط في تمرير قانون ضد رغبة الفنانين أو حكم إدارة المهرجان بقبضة حديدية بروح الشرطي التي كانت بداخله وورثها من بداية حياته الوظيفية، فكان له ما له وعليه ما عليه، غير أن تاريخه يذكر له أن مهرجان القاهرة تطور كثيرًا وأصبح مهرجانًا دوليًا وله مكانة عالمية بفضل الإدارة الجيدة وتخطي العقبات التي صاحبت بداية تأسيسه وإعادة تحديث البنية التحتية لدور العرض وآلاتها وكذلك تطور المطبوعات والكتب ونشرات المهرجان وإجراء اتصالات جيدة بالعالم الخارجي وجلب أفلام من ثقافات متعددة تكسر هيمنة السينما الأمريكية، ومرّ بسفينة هذا المهرجان في بحر متلاطمة أمواجه، فعبر به إلى بر الأمان واستقر حتى يصل اليوم لدورته الرابعة والأربعين، فمما لا شك فيه أن وهبة قد وضع أساسًا قويًا يكمل عليه من سيأتي بعده ويضع لمساته وملامحه الخاصة لكن على أسس قوية كان لوهبة الفضل الكبير في وضعها.

 

####

 

الأفلام المصرية في مهرجان القاهرة: أين كنا وإلى ماذا انتهينا

حسام فهمي

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، اسم كبير يبدو كأحد التماثيل المصرية العتيقة الراقدة في المتحف المصري بميدان التحرير، الكثير من التاريخ والكثير من المعاناة في الحاضر، لكن رغم كل هذه المعاناة، تبقى القيمة في انتظار من يأتي لينفض عنها الغبار.

ومن أجل هذه القيمة يبدو البحث عن تاريخ مشاركات الأفلام المصرية في المهرجان القاهري كاشفًا للغاية، عن حقيقة واضحة كالشمس، في أن قيمة المهرجان تأتي بالأساس كنتيجة لقيمة السينما المصرية، كلما انتعشت، أصبح المهرجان مركزًا حقيقياً لسينما المنطقة، وكلما أصابها الفقر المادي والفني، تحوّل المهرجان شيئًا فشيئًا إلى سرادق احتفالات، لا أكثر ولا أقل.

هل بالفعل يمكننا ملاحظة فارق كبير بين المشاركات المصرية في المهرجان خلال الثلاثين عامًا الأخيرة؟، وهل يمكننا تتبع تغيّر الأجيال السينمائية المصرية وتغيّر أسلوبها ومزاجها العام عبر تتبع تاريخ المهرجان؟، هذا ما نحاول معكم رصده اليوم، عبر رحلة بين المشاركات المصرية في المهرجان منذ بداية التسعينيات وحتى دورة عام 2019.

التسعينيات.. جيل الواقعية الجديدة

في النصف الأول من التسعينيات نلحظ بوضوح التواجد القوي لجيل الواقعية المصرية الجديدة، بحيث يبدو المهرجان كما لو كان بيتهم ومركز انطلاقتهم، فنجد مثلًا أن العرض الأول لفيلم "البحث عن سيد مرزوق" قد تم في دورة المهرجان في عام 1991، وهو الفيلم الذي مثّل خطوة مهمة للغاية في مسيرة "داوود عبد السيد" حيث انتقل به إلى عالمه الروائي الذي استمر في نسج خيوطه حتى اليوم، العالم الذي يتميز بتواجد أشخاص حالمين، يمرون بمواقف تحمل العديد من التأويلات، كما أنها تحمل في طياتها نقدًا اجتماعيًا لا يمكن تجاهله.

نتابع بطل "البحث عن سيد مرزوق" في أحد مشاهد الفيلم وهو مكبّل بكلبش متصل بكرسي في قسم شرطة، ويستمر هذا البطل في جرّ الكرسيّ والكلبش لفترة طويلة خلال أحداث الفيلم، حتى يكتشف البطل أخيرًا أن بإمكانه أن يخلص يده من الكلبش، وأنه لو حاول منذ البداية لاكتشف أن الأمر سهل للغاية، كما لو أن دواوود عبد السيد يخبرنا بأن التخلص من القمع والقيد ليس بالصعوبة التي نتخيلها.

في دورة عام 1992 يظهر موهوب آخر من هذا الجيل، وهو المخرج الراحل "رضوان الكاشف" من خلال فيلمه البديع "ليه يا بنفسج"، والذي انتزع الجائزة الفضية للمهرجان في هذا العام. تدور أحداثه في اطار فكاهي لحياة مجموعة من المهمشين والفقراء في حيّ مهدّم، هنا ينتزع الكاشف الابتسامة من قلب الأحزان، وهي الصفة التي ستميز عالمه الروائي أيضًا حتى أخر أفلامه "الساحر"، يبدو النقد الإجتماعي للسلطة حاضرًا أيضا، لكن الأهم أن الكاشف يركز على قدرة المصريين على المقاومة من خلال السخرية والضحك.

العضو البارز الآخر من أفراد جيل الواقعية المصرية الجديدة في هذه المرحلة هو المخرج المصري "خيري بشارة" الذي استمر في مرحلة التوهج خلال النصف الأول من التسعينيات، فصنع بصمته الخاصة في فيلم "حرب الفراولة" الذي تم عرضه في دورة عام 1993، الفيلم الذي يبحث عن معنى السعادة في زمن ما بعد الانفتاح حيث يُشترى كل شئ بالمال، ثم يكمل بشارة المسيرة المتميزة في دورة عام 1995 من خلال فيلم "إشارة مرور" والذي فاز من خلاله بجائزة لجنة التحكيم الخاصة "الهرم الفضي"، وهو الفيلم الذي صنع بشارة من خلاله مزيجًا خاصًّا من النقد الإجتماعي والسخرية السياسية بالإضافة للعنصر الخاص في كافة أفلامه تقريبًا وهو استمرار أبطاله في رحلة البحث عن السعادة، هنا تدور أحداث الفيلم في اشارة مرور يحتجز من خلالها مجموعة مواطنين من فئات مختلفة لساعات وساعات نتيجة مرور موكب رئاسي.

على ذكر اشارات المرور نتذكر أيضًا المشاركة المتميزة لأحد أبرز مخرجي جيل الواقعية المصرية الجديدة، صانع حكايات وبطولات المهمشين، المخرج المصري "عاطف الطيب"، الذي شارك في دورة عام 1994، وحصد جائزتي أفضل ممثل للراحل "نور الشريف" حيث سلّمه له الراحل "فريد شوقي"، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة "الهرم الفضي" والتي تسلمها "عاطف الطيب" من رئيس المهرجان "سعد الدين وهبة".

"ليلة ساخنة" هو أخر عاطف الطيب التي شاهدها وحظى بالتقدير اللازم عنها، فقد رحل الرجل قبل أن يصل فيلمه التالي "جبر الخواطر" إلى دور العرض، في ليلة ساخنة نتابع أيضًا رحلة ليلية لسائق تاكسي في ليلة رأس السنة، حيث تجمعه الأقدار بعاهرة تائبة، يبحث كل منهما عن وسيلة لتحصيل 200 جنيه، مبلغ بسيط ولكنه يمثل طوق النجاة لكلٍ منهما ولأسباب مختلفة، لكن في العمق من كل هذا يكمل الطيب رحلته في انتقاد السلطة التي وصلت بمواطنيها لهذا الحدّ من الفقر والعوز.

السخرية الاجتماعية.. بين عواد والميهي والقليوبي

على ذكر السخرية الاجتماعية لا يفوتنا ذكر أفلام المؤلف "ماهر عواد" والتي شاركت في المهرجان في دورتي 91 و 92 أيضًا، حيث شارك عواد في الأولي من خلال فيلم "يا مهلبية يا" مع شريف عرفة، وفي الثانية من خلال "الحب في التلاجة" مع سعيد حامد، هنا يقدم عواد رؤية مغرقة في السخرية، لا تبدو أنها تعترف بأي خطوط حمراء، ففي الفيلم الأول يسخر عواد وبشكل مستمر من أساطير الوطنية المصرية، كما لا يفوته من أن يسخر من المجتمع السينمائي المصري نفسه، أما في الفيلم الثاني فيقدم عواد رؤية متشائمة للغاية من حاضر المجتمع المصري، ولكنه يغلفه بكاية غرائبية ساخرة عن رجل يؤمن بأن التقدم العلمي سيحفظ أجزاء جسده داخل ثلاجة حتى يأتي زمن أفضل يعيش فيه.

على ذكر السخرية يحضر بالتأكيد اسم المخرج والمؤلف المصري الكبير "رأفت الميهي" أحد مؤسسي جماعة "السينما الجديدة"، جماعة الفنانين المصريين الشباب التي تشكلت في 68 وأصدرت بيانًا غاضبًا، انتقدت فيه سيطرة مجموعة من «الأسطوات» على المجال الفني المصري واهتمامهم فقط بتلميع النجوم وابتعادهم عن واقع المصريين، معاناتهم وأحلامهم.

الميهى كان حاضرًا وبقوة أيضا في المهرجان في بداية التسعينيات، ونذكر بالتحديد فيلمه "قليل من الحب كثير من العنف" والذي حصدت من خلاله "ليلى علوي" جائزة أفضل ممثلة في دورة عام 1994، وهو الفيلم الذي يكمل به الميهي عالمه الخاص من الجمع بين اللامعقولية والنقد السياسي، فيصنع فيلمين بسيناريوهين مختلفين داخل فيلم واحد، كما يغلف نقده السياسي والاجتماعي في المسارين بسخرية لاذعة تتمحور في الأساس حول الحريات الشخصية وبؤس المجتمع الذي يحكمه تحالف المال والسلطة. يستمر تعاون ليلى علوي أيضا مع "رأفت الميهي" في عالمه الخاص، وذلك من خلال فيلم "تفاحة" الذي فاز بالجائزة الذهبية "جائزة أفضل فيلم" في دورة عام 1996.

نذكر أيضًا المخرج المصري "محمد كامل القليوبي" كاسم صنع تواجده بصمة واضحة في سينما السخرية الاجتماعية السياسية في التسعينيات، وذلك بشكل خاص من خلال فيلمه "البحر بيضحك ليه" في دورة عام 1994 ، والذي حصد القليوبي عنه جائزة خاصة من لجنة التحكيم الدولية، في شكل شهادة تقديرسلمها له المخرج المصري الكبير "يوسف شاهين"، وطبقًا لما أوردته اللجنة في سجلات المهرجان فقد كان التقدير بشكل خاص لشجاعة الفيلم ودعوته للحرية على المستوى الإنساني، الحرية التي يتذكرها كل من شاهد الفيلم بالطبع من خلال مشهد يكيل فيه بطل الفيلم والذي قام بدوره الفنان "محمود عبد العزيز" الصفعات واحدة تلو الأخرى لكل من أفسد عليه حياته، بدءًا من رؤساء العمل ومرورًا بكل الأفاقين والمنتفعين في حياته.

سينما المرأة

في التسعينيات أيضًا وبالتحديد في نصفها الثاني شهد المهرجان تحولًا ملحوظًا في مشاركة المرأة، سواء في الأفلام ذات البطولة النسائية، أو زيادة عدد الأفلام التي يقوم بإخراجها مخرجات مصريات.

ففي دورة عام 1995 شاركت المخرجة المصرية "أماني بهنسي" بفيلم "التحويلة "، وهو فيلم يبدو متأثرًا في الكثير من عناصره بجيل الواقعية المصرية الجديدة، وبالأخص في ما يخص السيناريو الذي يدور عن قصة مأساوية لرجل قبطي يتعرض للسجن ظلمًا نتيجة رغبة أحد الضباط الفاسدين في تعويض هروب أحد المعتقلين منه، هنا نشاهد بريئًا جديدًا ولكن بعيون أماني بهنسي.

أما في دورة عام 1996 فحضرت المرأة من الخلال البطولة والموضوع في فيلم المخرج الكبير "سعيد مرزوق" والذي حمل اسم "المرأة والساطور" والذي تدور أحداثه عن قصة حقيقية لانتقام امرأة من زوجها. هنا ينقل مرزوق جريمة قتل مكتملة، مغرقة في الوحشية والدموية، لكنه يقدم قبل ذلك كل الدوافع والمقدمات التي تبرر لهذه المرأة انتقامها، فيلم أثار الكثير من الجدل على المستوى الاجتماعي والسياسي، تمامًا كما اعتاد مرزوق الذي فعلها من قبل في "أريد حلًا" في منتصف السبعينات. الجدير الذكر أن الفنان المصري "أبو بكر عزت" قد حصد جائزة أفضل ممثل في هذ الدورة من المهرجان عن دوره في هذا الفيلم.

بالعودة لدورة عام 1995 نكمل هذا السياق بفيلم المخرج "مجدي أحمد علي" الذي حمل اسم "يا دنيا يا غرامي"، الفيلم الذي يقوم ببطولته ثلاث نساء يحلمن بحياة أفضل، يبحثن عن الحب، ويأملن في الزواج، لكن قصص الحب مبتورة والزواج يبدو صعب المنال في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية تطحن نساء مصر وأحلامهن.

الحب كوسيلة للمقاومة ظهر أيضًا كموضوع لفيلمين من الأفلام المصرية في دورة عام 1997، الأول هو "هارمونيكا" للمخرج "فخر الدين نجيدة" والثاني هو "هيستريا" للمخرج "عادل أديب"، في الحالتين نشاهد قصص حب تولد في قلب مجتمع يعاني فيه الرجال والنساء من قلة فرص العمل وضيق ذات اليد، كما نشاهد أيضًا أبطالًا حالمين محبين للفن تتحطم أحلامهم على صخرة واقع المصريين في نهاية التسعينيات. يبدو فيلم "هيستريا" اليوم شهيرًا، خصوصًا بالأداء المميز للثنائي أحمد زكي وعبلة كامل، لكن الغريب أن فيلم "هارمونيكا" هو من حصد جائزة أفضل فيلم عربي في هذه الدورة من المهرجان.

أسامة فوزي والواقعية السحرية

لا يمكن وضع تحفة المخرج الراحل "أسامة فوزي" تحت أي من العناوين السابقة، ونقصد هنا بالتحديد فيلمه الأول "عفاريت الأسفلت" والذى عُرض للمرة الأولي في دورة عام 1995، ففي هذا الفيلم يقدم فوزي تجربة ناضجة وخاصة للغاية، يعالج من خلالها دراسة شخصية لأسرة من سائقي الميكروباص، كما يمزج بين عالم واقعي تمامًا لحارة مصرية ولمحات سحرية تنبع بالأساس من قدرة مبهرة لحلاق الحارة على الحكي.

في هذا الفيلم يمكن تتبع خصائص عالم أسامة فوزي الذي اكتمل عقب ذلك في فيلميه "جنة الشياطين" و"بحب السيما"، وهي السخرية من الموت، والاندفاع وراء الغريزة الإنسانية وشهواتها للهرب من حياة بلا معني، بالإضافة للقدرة الفائقة على نسج مواقف يختلط فيها الضحك بالدموع.

ختام التسعينيات وعصر النجوم

يمكن التأريخ بدورة عام 1999 كختام لهذا العقد المضيء من سينما التسعينيات، وهو العقد الذي شهد آخر فترات توهج جيل الواقعية المصرية الجديدة. في هذه الدورة بالتحديد حصد فيلم "أرض الخوف" للمخرج "داوود عبد السيد" 3 جوائز، هم "جائزة أفضل فيلم عربي"، و"جائزة أفضل سيناريو"، والهرم الفضي "الجائزة الخاصة للجنة التحكيم". على جانب آخر فقد حصد "محمود عبد العزيز" جائزة "أفضل ممثل" عن دوره في فيلم "سوق المتعة" للمخرج "سمير سيف" والكاتب "وحيد حامد".

في أرض الخوف يصنع داوود عبد السيد أحد أجمل أفلامه على مستوى رسم الشخصيات وخيوط الحكاية، يضع داوود بطله في اختيار صعب، وحيرة مستمرة، حيرة جعلت الفيلم مثارًا للتأويل والتفسير حتى اليوم، فحكاية رجل صالح تخفّى لسنين في زي المجرمين حتى نسي ذاته، تحولت لرمزية لبني آدم كافة في عالم لم نعد نتذكر لم أتيناه.

الملاحظة الأبرز هنا في ختام التسعينيات، وبالإضافة للتواجد الكبير لأفلام مجموعة من أبرز المؤلفين والمخرجين المصريين، أن هذه الأفلام قد جمعت في بطولتها وبشكل شبه مستمر مجموعةً كبيرة أيضًا من أبرز نجوم الصف الأول في سينما هذا الجيل، وعلى سبيل الذكر يمكننا تتبع تواجد شبه سنوي لمحمود عبد العزيز ونور الشريف وليلى علوي ويسرا بالإضافة لأحمد زكي وحتى النجمة التي يصنفها كثيرون في فئة الأفلام الشعبوية "نبيلة عبيد".

بانتهاء هذا العصر لم يغب فقط جيل مثقفى السبعينيات والستينيات عن صناعة السينما، لكن غاب النجوم أيضًا، ظهر المضحكون الجدد وقادوا عصر السينما النظيفة في أول الألفية الثانية، تصدروا الإيردات لسنوات لكنهم لم يطأوا أرض المهرجان بأفلامهم إلى اليوم.

الألفية الثانية

جيل الصوت الزاعق بين الدغيدي ويوسف

مع بداية الألفية الثانية بدأ جيل آخر في تصدر عناوين المهرجان، تراجع جيل الطيب وبشارة وداوود وتراجع معه أسلوبهم السينمائي، وظهر جيل جديد بأسلوب آخر، يفضل طرح قضاياه بشكل أكثر مباشرة، بحيث أصبحت الأفلام لهذا الجيل حيزًا لإثبات المواقف السياسية والاجتماعية، أكثر من كونها مساحة فنية لخلق عالم يحرض مشاهديه على التفكير والتساؤل.

تبلورت هذه الرؤية الجديدة في اسمين لمعا في هذه الفترة بشكل خاص، ونقصد هنا المخرج المصري "خالد يوسف" والمخرجة المصرية "إيناس الدغيدي".

ففي دورة عام 200 نجح يوسف في اقتناص جائزة أفضل فيلم عربي، بالإضافة لجائزة لجنة التحكيم الخاصة "الهرم الفضي"، وذلك عن فيلمه "العاصفة"، الذي تدور أحداثه في أجواء ملحمية عن أم مصرية تسير المقادير بأبنائها للقتال وجهًا لوجه في حرب الخليج، الحرب التي تورطت فيها القوات المصرية في محاولة لإرغام القوات العراقية على الانسحاب بعد غزو الكويت. هنا يريد "يوسف" أن يعبر عن رفضه لمشاركة القوات المصرية في قتال الإخوة العرب، فيقرر يوسف أن يصنع فيلمًا يدور حرفيًا عن قتال الإخوة.

مشاركة خالد يوسف الأخرى كانت من خلال فيلم "أنت عمري" في دورة عام 2004، وهي مشاركة تبدو أهدأ كثيرًا من العاصفة، لكنها لا تخلو من خلطة يوسف التي تتضمن أحداثًا شديدة الميلودرامية عادة، هنا نجد حكاية حب لأب مصاب بالسرطان براقصة بالية مصابة بنفس المرض، في نفس التوقيت الذي يترك فيه زوجته التي يحبها للغاية، الفيلم جمع في بطولته بين منى شلبى وهاني سلامة بالإضافة لنيللي كريم التي فازت بجائزة أفضل ممثلة في هذه الدورة.

على جانب آخر ظهرت إيناس الدغيدي بمحتوى اعتبره كثيرون نسويًّا وصادمًا في هذه الفترة، أفلام الدغيدي دائمًا ما تقوم ببطولتها نساء مغامرات وغير مكترثات بقيود المجتمع، ولكننا على جانب آخر لا يمكننا تجاهل أن هذه الأفلام أيضًا تدور في مركزها عن الرجل، وكأن الحب هو التيمة الوحيدة التي تبحث من خلالها النساء عن الحرية.

نذكر هنا مشاركة الدغيدي بفيلم "مذكرات مراهقة" في دورة عام 2001 والذي نجح في اقتناص جائزة أفضل فيلم عربي، وهو الفيلم الذي تدور أحداثه بشكل مباشر للغاية عن مذكرات فتاة مراهقة تستسلم للحب فتتعرض للتهديد من خلال تسجيل جنسي بحوزة الفتاة التي تنافسها على حبيبها، هذا الفيلم ورغم مباشرته الشديدة فقد تم اعتباره حينها دعوة للحرية.

كررت الدغيدي التجربة بالطبع في دورة عام 2004، وذلك من خلال فيلم حمل حرفيًا اسم "الباحثات عن الحرية"، هنا نحن نتابع مذكرات لثلاث نساء باحثات عن الحب وهاربات من جحيم الشرق الأوسط، نفس السردية التي شاهدناها من قبل تقريبًا مع اختلاف مواقع التصوير، ولكن الدغيدي حاولت هنا أن تحسن من سرديتها بعض الشيء فاستعانت بسيناريو عن رواية للكاتبة هدى الزين، وهي الرواية التي تجمع في أحداثها صراعات نسوية تحدث لنساء من ثلاث بلدان عربية، وعلى إثر ذلك وبحكم الأجواء التي شهدتها تلك الفترة أيضًا استطاعت الدغيدي أن تحصد جائزة أفضل فيلم عربي في هذه الدورة.

السينما السياسية تصارع

كان انتعاش السينما السياسية بشكلها الأكثر مباشرةً أيضًا أحد سمات هذه الفترة، فبينما نجح المضحكون الجدد وفي مقدمتهم هنيدي ومحمد سعد في غزو شباك التذاكر، تفرغ عدد من صناع السينما للتعبير عن مواقفهم السياسية عبر أفلام تبدو بعضها مخصصةً للعرض داخل أروقة المهرجانات، فيما نجح بعضها الآخر في البقاء قابلًا للعرض والمشاهدة حتى اليوم.

أحد هذه الأفلام هو فيلم "خريف آدم" للمخرج محمد كامل القليوبي، والذي نجح في حصد جائزة أفضل فيلم عربي في دورة عام 2002، وهو الفيلم الذي ابتعد به القليوبي تمامًا عن أسلوبه في مشاركته السابقة "البحر بيضحك ليه"، فهنا وعلى العكس تمامًا يتورط القليوبي في نص ملحمي لعائلة صعيدية تطارد ثأرًا قديمًا في نفس التوقيت الذي تقدم فيه مصر شهداءها على الحدود الشرقية، من زمن النكبة وحتى زمن النكسة.

على جانب نذكر تجربة "سمير سيف" و"وحيد حامد" المثيرة للتأمل في فيلم "معالي الوزير، والذي نجح من خلاله الفنان الراحل "أحمد زكي في حصد جائزة أفضل ممثل في دورة عام 2002، وهو الفيلم الذي ربما لم يحصد إيرادات كبيرة في شباك التذاكر، لكنه يبقى حتى اليوم واحداً من أفضل أداءات زكي وأفضل سيناريوهات حامد السياسية.

هذا السياق السياسي استمر في الفوران ولكنه اختلط شيئًا فشيئًا بالمزيد من الكوميديا السوداء، ليتماشى مع العصر الذي سيطرت فيه الكوميديا بشكل مكتمل على الشاشة الكبيرة، نذكر هنا فيلم "ليلة سقوط بغداد" والذي تم عرضه في دورة عام 2005، وهو أحد أفلام المخرج المتميز "محمد أمين" الذي صنع شهرته من خلال "فيلم ثقافي" والذي انتقل عبره إلى عالم السينما السياسية الساخرة.

نذكر هنا أيضا فيلم "بلطية العايمة" من تأليف "بلال فضل" وإخراج "علي رجب" والذي شارك في دورة عام 2008، هنا يظهر أسلوب جديد في السخرية السياسية، خلطة بلال فضل التي تجمع بين النقد الاجتماعي وتجميل كافة مشكلات الطبقات الفقيرة في مصر لتحالف السلطة والمال، هذا التحالف الذي يقرر أن يستولي على بيوت وأراضي فقراء الإسكندرية في هذا الفيلم.

دراما وضحكات ودموع

منذ بدأ الألفية الثانية أيضًا وهناك ظاهرة لا يمكن تجاهلها في المهرجان، ألا وهي ظهور عدد من الأفلام التي لا يمكن التفريق بين محتواها ومحتوى الدراما التليفزيونية المصرية بشكل حقيقي، وهي في غالبيتها أفلام تعتمد على الحوار أكثر من اعتمادها على الصورة، وهو ما لا يمنع أن بعضها يقدم وجبة جيدة من الدراما والضحكات والدموع للمشاهدين.

نذكر هنا بين هذه الأفلام فيلم "حب البنات" للمخرج خالد الحجر، والذي حظى بتنويهٍ خاص من لجنة تحكيم المهرجان في دورة عام 2003 نتيجة لما اعتبرته اللجنة كوميديا إنسانية راقية تم تقديمها من خلال الفيلم، لم يلق الفيلم نجاحًا جماهيريًا في السينما لكنه اليوم أحد أنجح الأفلام التليفزيونية.

نذكر هنا أيضا فيلم "خالي من الكوليسترول" للمخرج محمد صلاح أبو سيف، والذي شارك في دورة 2004، وأراد من خلاله أبو سيف أن يقدم خلطة كوميدية ذات معنى يساري ينتقد سيطرة شركات الإعلانات على حياة المصريين في الألفية الثانية، إلا أن الفيلم في النهاية لم ينجح في تحقيق مبتغاه، كما اتجه مشوار أبو سيف عقب ذلك إلى مجموعة من الأفلام الغرائبية، آخرها "المشخصاتي 2".

في نفس السياق نذكر أيضًا فيلم "خلطة فوزية" والذي تم عرضه في دورة عام 2008، حيث أراد من خلاله المخرج مجدي أحمد علي أن يكمل ما بدأ في "يا دنيا يا غرامي" إلا أن الزمن قد تغيّر فمرّ الفيلم مرور الكرام دون أن يصنع نقاشًا أو يحصد جائزة. استمرت محاولات "مجدي أحمد علي" في دورة عام 2009، وهذه المرة من خلال فيلم "عصافير النيل" المأخوذ عن رواية الأديب "إبراهيم أصلان"، خرج أحمد علي قليلًا عن مساحة البطولة النسوية، ونجح عبد الوهاب في إثبات نفسه كمجسد موهوب، وفاز في النهاية بجائزة أفضل فيلم في المهرجان.

لكننا إذا اردنا أن نعدد أفضل أفلام هذه الفئة فنذكر دون شك فيلم "قص ولزق", والذي حصدت مخرجته "هالة خليل" جائزة أفضل عمل ثانٍ بالإضافة لجائزة أفضل فيلم عربي في دورة عام 2006، وهو فيلم يبدو طازجًا في محتواه، أقرب إلى جيل جديد من الشباب، جيل مختلف وغير متماهٍ مع القاهرة بصخبها وقسوتها. نختتم هذه الفئة بذكر فيلم المخرج "سعد هنداوي" "ألوان السما السبعة" الذي شارك في دورة عام 2007، والذي رغم اعتماده على قصة حب بين بطلين من زمن قد ولّي إلا أنه نجح بشكل كبير في خلق أجواء روحية صوفية جديرة بالمتابعة.

يناير - ما قبلها وما بعدها.

كانت السنين الأخيرة في حكم مبارك تشي بأن شيئًا ما سيحدث، وبالتأكيد لم تكن السينما بعيدة عن ذلك، يمكننا اليوم وبأثر رجعي تتبع التغير الحادث في نوعية الأفلام المصرية المشاركة في المهرجان وظهور جيل مختلف من صنّاع السينما.

نذكر هنا في البداية فيلم "بصرة" للمخرج أحمد رشوان، والذي استطاع حصد جائزة "أفضل فيلم عربي" في دورة عام 2008، هنا بالمناسبة نشاهد الظهور الأول في المهرجان لإياد نصار ومحمد رمضان، لكن الغريب أن مخرج هذه العمل قد ابتعد تمامًا عقبه عن السينما الروائية واتجه بشكل مكتمل إلى السينما التسجيليلة. في هذه الفيلم نتابع جلسات شباب وسط البلد المهتم بالسياسة، أحاديث سياسية متصلة، وأحداث سياسية كبري تؤثر في مصير الأبطال وحياتهم.

في دورة العام التالي "2009" ظهر أحمد عبد الله بفيلمه الأول "هليوبوليس"، وهنا نرى بوضوح سينما جيل مختلف، سينما لا تتردد في استخدام الكاميرا المحمولة على الكتف، كما أنها لا تملأ كادراتها بالحوار دون سبب مقنع، يقدم عبد الله مجموعة حكايات تحدث لمجموعة شباب في مصر الجديدة، بين صانع سينما يكافح لصنع فيلمه، وعسكري أمن مركزي يقضي نوباتجيته، وشاب يفكر في الهجرة. هنا يظهر غضب دفين من الحال في مصر، كما يظهر أيضًا شغف لا يمكن إخفاؤه بالحديث عن السينما داخل الأفلام.

يكرر عبد الله في العام التالي تجربته ولكن بشكل أكثر شجاعةً وتحررًا وذلك من خلال فيلمه "ميكروفون" الذي نجح في حصد جائزة أفضل فيلم عربي في دورة عام 2010، يبدو الشباب في ميكروفون مقبلين على تنفيذ ما خطّطوه، كما يبدو كل من يمثل النظام داخل الفيلم كبشر فاتهم القطار، وهكذا، وبين التمرد والحيل ينجح جيل ميكروفون في انتزاع ما أراد.

في نفس الدورة نجح "خالد الحجر" في انتزاع جائزة أفضل فيلم "الهرم الذهبي" وذلك عن فيلمه "الشوق"، هنا يبتعد الحجر تمامًا عن المعالجات الكوميدية اللطيفة وينغمس بشكل ميلودرامي في مأساة أسرة مصرية فقيرة، يطاردها الفقر والمرض، ولا سبيل أمامها لكسب قوت يومها سوى التسول، هنا نجحت أيضا "سوسن بدر" في حصد جائزة أفضل ممثلة، كما قدمت "روبي" نفسها كممثلة جيدة.

تأتي يناير وتزيح نظام حكم مصر لمدة زادت على الثلاثين عامًا، واستبشر معها محبو السينما في مصر خيرًا في أن الزمن القادم سيشهد حرية تعبير تنقل السينما المصرية للمكانة التي تستحقها، هذا على الرغم من أن العديد من أفراد المجتمع السينمائي المصري نفسه كانوا ضد هذه الثورة. من أيدوا الثورة وشاركوا في إرهاصاتها أيضًا كانوا حاضرين، ولكنهم قلة، فبعد أن توقف المهرجان في عام 2011، عاد المهرجان في العام التالي بعد أن تظاهر الجميع بانتمائهم لها.

نذكر هنا فيلم "الشتا اللي فات" للمخرج "إبراهيم البطوط" كأحد أهم افلام دورة 2012، وهو الفيلم الذي حظي بشهادة تقدير من لجنة تحكيم المهرجان، وهي بالطبع جائزة متأثرة بأن الفيلم تدور أحداثه عن إرهاصات ثورة يناير. المهم بشكل خاص حول فيلم البطوط أننا يمكننا أن نؤرخ به لهذه الفترة التي تبدو اليوم كما لو أنها لم تحدث قط، فترة غابت فيها الرقابة والسلطة بشكل مكتمل، ومعها شاهدنا فيلمًا تتحدث شخصياته باللغة الحقيقية للشارع المصري، دون حذف للشتائم أو الإشارات.

في عام 2014 يعود إبراهيم البطوط مرة أخرى ولكن من خلال حكاية مغايرة في فيلم "القط" الذي قام ببطولته أيضا "عمرو واكد" لكنه هنا ليس ناشطًا سياسيًا كما شاهدناه في الشتا اللي فات، هنا يتحول واكد لفتوة على الشكل الحديث، "عشري" آخر، لكنه هنا يحقق العدالة في دولة بلا نظام.

في نفس الدورة أيضًا عاد أحمد عبد الله من خلال واحد من أكثر أفلامه جمالية، وهو فيلم "ديكور" الذي تعود فيه أجواء صناعة السينما والحديث عنها للظهور داخل عالم عبد الله السينمائي، مرة أخرى أيضًا يعود المكان في دور البطولة، وذلك في حكاية عن شابة تختبر حياتيين في حياة واحدة، بين الحب والنوستالجيا وصعوبات الحياة يصحبنا عبد الله في فيلم بالأبيض والأسود حتى مشهد النهاية.

على جانب آخر ظهر فيلم "باب الوداع" للمخرج "كريم حنفي، في دورة عام 2014 كمحاولة لمحاكاة أسلوب المخرج الروسي تاركوفيسكي، من خلال الاعتماد على السرد من خلال الصورة دون حوار قدر الإمكان، وهي محاولة وإن كانت غير مكتملة إلا أنها قد حظت بتقدير لجنة التحكيم التي قد منحت جائزة الإبداع الفني لمدير تصوير الفيلم "زكي عارف".

أفلام بلا جمهمور

في العامين التاليين أصبحت المشاركات المصرية محدودة بل وتمر دون أن يتذكرها أحد تقريبًا، وباستطلاع رأي بسيط يمكن أن تستنج أن الأفلام المصرية التي شاركت في دورتي 2015 و2016 لم تحظَ بأي شهرة عقب انتهاء المهرجان.

ففي عام 2015 شارك المخرج "كريم السبكي" بفيلمه "من ضهر راجل" والذي جمع في بطولته محمود حميدة وآسر يس، عن قصة ملاكم شاب يعيش في كنف والدة الملاكم السابق ويكافح من أجل الوصول لحلمه في التفوق الرياضي بالإضافة للارتباط بالفتاة التي يحبها، وهو فيلم يبدو عن رحلة صعود في زمن لم يعد يهتم فيه الجمهور برحلات الصعود. على جانب آخر شارك "سامح عبد العزيز" بفيلمه "الليلة الكبيرة" وهو تكرار لخلطته في صنع أفلام تدور في مكان واحد وليوم واحد، ولكن لسبب غير معلوم يبدو أن هذا الفيلم بالتحديد أقل أفلامه شهرة ونجاحًا.

في العام التالي 2016، شاركت مصر بفيلمين هما يوم للستات إخراج "كاملة أبو ذكري" و"البر التاني" إخراج "علي إدريس، وهما فيلمان يجمعهما أمر واحد فقط أن المنتج هو من قام بالبطولة، ونقصد هنا إلهام شاهين في الفيلم الأول، و"محمد علي" في الفيلم الثاني. هنا نتابع أفلامًا اجتماعيةً مرة تهتم بخلق حالة خاصة لمجموعة من الناس في حارة مصرية، ومرة أخرى عن رحلة مجموعة من الرجال الفقراء عبر مأساة الهجرة غير النظامية. لكن المحصلة أفلام تحاول دون أن تصل.

مهرجان بلا فيلم مصري

في دورة 2017 أعلن المدير الفني للمهرجان والسينمائي الراحل "يوسف شريف رزق الله" أن المهرجان لن يعرض في مسابقته الرسمية أي فيلم مصري للمرة الأولى عبر تاريخه، وهو الحدث الذي يمكننا اليوم أن نرى أنه كان نتيجة طبيعية للسياق الذي تتبعناه في هذه المقال.

في دورة 2018 تحت رئاسة "محمد حفظي" عاد أحمد عبد الله ليشارك بفيلمه "ليل داخلي" بنفس التركيبة التي اعتدناها من عبد الله عن الميتاسينما "أفلام عن الأفلام" بالإضافة للحضور الطاغي لمدينة القاهرة في زمن يبدو أكثر قسوةً من كل ما مرت به المدينة وشعبها من قبل.

لكن محاولة عبد الله الفردية لا تمنعنا من التخوف، لأن المنحنى لايزال مستمرًا في الهبوط، والحقيقة الواضحة هي أن السينما المصرية في أحد أسوأ فتراتها.

 

####

 

المخرج التونسي لفيلم «بيك نعيش» لـ«الشروق»: السينما في بلدى أصبحت تتمتع بالحرية

كتب ــ محمد عباس:

·      شاركنا فى 30 مهرجانا دوليا.. واختيار الفيلم لافتتاح مسابقة «آفاق السينما العربية» شرف كبير

شهدت فعاليات مسابقة «آفاق السينما العربية» بالدورة الـ41 من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، عرض الفيلم التونسى الفرنسى «بيك نعيش» للمخرج مهدى البرصاوى، والذى استطاع الفوزبثلاث جوائز هى « افضل فيلم عربى وجائزة صندوق الامم المتحدة للسكان و لجنة التحكيم الخاصة « وذلك وسط اعجاب من النقاد، كما حظى الفيلم بحضور جماهيرى كبير أثناء إعادة عرضه بسينما زاوية، حيث نفدت تذاكره قبل العرض بساعات.

وكان لـ«الشروق» لقاء خاص مع مهدى البرصاوى ونجلاء بن عبدالله صناع فيلم «بيك نعيش»، الذى حصل ايضا على جائزتين أثناء عرضه العالمى الأول فى قسم آفاق بالدورة الـ76 لمهرجان فينيسيا السينمائى بسبتمبر الماضى.

وقال «البرصاوى» إن «بيك نعيش» هو أول تجربة له لفيلم روائى طويل، وسبقه 3 أفلام قصيرة شاركوا فى العديد من المهرجانات، وأن الفيلم شارك فى 30 مهرجانا عالميا، وهذا الأسبوع فقط يعرض الفيلم فى 9 مهرجانات دولية، والأسبوع المقبل سيعرض فى 12 مهرجانا، ولكنه فخور جدا باختيار فيلمه للمشاركة فى مسابقة «آفاق السينما العربية» ضمن مهرجان القاهرة السينمائى، وأنه لشرف كبير لصناعة ولبلدهم تونس باختياره لافتتاح هذه المسابقة.

وأوضح «البرصاوى» أن «بيك نعيش» يناقش قضية شائكة فى المجتمع التونسى وهى عدم سماح القانون بالتبرع بأعضاء جسم الإنسان من خارج عائلة المريض، حيث تدور احداثه فى الفترة التى فى أواخر 2011، ويدور الفيلم حول «مريم» و«فارس» أثناء ذهابهم برحلة إلى جنوب تونس يتعرض ابنهما «عزيز» لطلق نارى عشوائى، ويذهبان به إلى أقرب مستشفى، وهى بمدينة «تطاوين» التى تبعد 500 كيلو عن العاصمة التونسية، وتختلف ثقافة أهلها عن ثقافة «مريم» و«فارس»، حيث إن أهل هذه القرية من طبقة رقيقة الحال على عكس الزوجين الميسورين، وأثناء قيام الأطباء بمعالجة ابنهما «عزيز» يكتشفون تهتكا بالكبد يتحتم زراعة كبد جديدة له لإنقاذ حياته، وتكشف الفحوصات سرا كبيرا أخفته «مريم» لسنوات عدة يتعلق بخيانتها لـ«فارس» فى بداية زواجهما، وأن «عزيز» ليس ابنه، ولكن مشاعر الأبوة تطغى على «عزيز» الذى يقرر مساعدته على الشفاء، ويحاولون إيجاد متبرع له بالطريقة القانونية، ليبقى بين أمرين إما يبحث عن الأب الحقيقى ليطلب منه التبرع لابنه، او الاتصال بتاجر للأعضاء البشرية والذى يدخله إلى العالم السفلى للاتجار بالبشر.

وقال «البرصاوى»، إنه لم يخف من ردود الفعل حول طرح تلك القضية لأن المجتمع التونسى تحرر بعد 2011، وأصبح متفتحا وواعيا أكثر، كما أنه أصبح هناك الكثير من الحريات، وأصبحت السينما التونسية تطرح جميع القضايا بدون أى تضييق، وأنه كان خائفا من رد فعل الجمهور المصرى، لأنه ليس بالجمهور السهل ولديه ثقل وثقافة سينمائية كبيرة، وأنه دائما ما يترقب الكثير من فيلم الافتتاح، ولكنه سعيد جدا من ردود الفعل، ولأن الجمهور تفاعل مع أحداث الفيلم ومع الشخصيات، وقدر المجهود المبذول فيه، حيث على مدار 5 سنوات، منذ بداية الفكرة وحتى الانتهاء من المونتاج.

وعبر مخرج «بيك نعيش» عن تفضيله لتقديم الأفلام الطويلة على القصير، لأنها تتيح وقتا أكبر لتطوير قصة الفيلم وإظهار المزيد من التفاصيل، وجعل تسلسل الأحداث أكثر دقة، وأن ليس لديه مانع من تقديم الأفلام التجارية، فلا يوجد فرق بين فيلم قصير أو طويل أو تجارى، فالفيلم يوصل حالة معينة أو قضية معينة لا يهم تصنيفه طالما يوصل الفكرة المرادة منه.

وأكد «البرصاوى» أنه سيبدأ فورا فى كتابة فيلمه الجديد، فور الانتهاء من طرح «بيك نعيش» فى دور العرض، حيث إنه من المقرر عرض الفيلم بالسينمات فى 20 دولة.

 

الشروق المصرية في

01.12.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004