كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

سطور عن فيلم افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي «الإيرلندي» لمارتن سكورسيزى

ترجمة: أحمد زغلول الشيطى

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الحادية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

عندما تكون عجوزًا، وأشيب، ويغالبك النوم، ما الذي سوف تتحدث عنه؟ أحفادك، الروائح البعيدة، مذاقات طفولتك؟ حبك الأول؟ أم الوقت الذي سرت فيه داخل مطعم "إمبرتو" للمأكولات البحرية، وأطلقت النار على "جو" المجنون، أنت فقط لم تضربه جيدًا، لذلك هو هرب إلى الخارج، على الأرجح كمن يترنح، أنت تتبعت الرجل، وأجهزت عليه فوق الرصيف، أنت تعلم أن البوب..البوب كان قد أنهى الصفقة. المصير المؤسف " لجو" واحدة من الوقائع العديدة التي أعادها إلى الأذهان فرانك شيران " روبرت دي نيرو" لأجلنا في " الأيرلندي" حيث كان يقيم في دار للمسننين، مستعيدًا من الماضي ذكريات القتل.

مخرج الفيلم مارتن سكورسيزى، يعود إلى التربة الخصبة التي سبق وأن حرثها وزرعها في " شوارع وضيعة" 1973، "كازينو" 1995، " المغادرون" 2006، والحلقة الافتتاحية من " إمبراطورية الممر" 2010. الفيلم الجديد اقتبسه "ستيفن زيليان" عن كتاب "تشارلز براندت" الذي يعتمد جزئيًا على محادثة مع "فرانك شيران " الحقيقي، والذي توفى في 2003. الكتاب معنون "سمعت أنك تطلى المنازل". نحن نرى التعبير على الشاشة مكتوبًا بأحرف كبيرة. على ما يبدو، هذا ما يمكنك قوله للقاتل المأجور حين تود تقديم استفهام مهذب، حول مدى توفره -نصيحة مفيدة، لكن، ليس إذا كنت تريد فعلًا إعادة تزيين منزلك.

تُحكى الحكاية بتقنية الفلاش-باك، إما عبر الصوت، أو الكاميرا، حيث فرانك ينظر إلينا مباشرة –على نحو مقلق – كما لوكان يخضع لمقابلة من أجل فيلم وثائقي، ننزلق جيئة وذهابًا، عبر العقود، نقتفى أثر فرانك، صعودًا وهبوطًا، حتى سقوطه. نحن نراه رفيقًا شابًا صغير السن، يقدم اللحم، ومن ثم يقوم بأعمال الترتيبات القذرة لصالح "البوفالينوز" الذين هم ليسوا كما يوحى الاسم، الملوك المسيطرون في تجارة الموزاريلا، لكنهم عشيرة إجرامية شهيرة في فيلادلفيا.

فرانك المستدعى للمحكمة بتهمة السرقة يدافع عنه بيل بوفالينو "راى رومانو" ويقدمه لراسل " جو بيسكى" ابن عم بيل الذي يصبح رفيقًا للروح مدى الحياة. سرعان ما يتخرج فرانك من أعمال الترتيبات القذرة إلى الأعمال الضخمة، مع سكورسيزى، مثل غالبًا، يتم تجنب البريق لأجل التفاصيل الكئيبة، مسدس يتم تسليمه مخفيًا داخل كيس ورقى بنى اللون، دون ضجة، أكثر مما لوكان سندوتش.

خطوة التصعيد التالية تكشف، عن تقديم فرانك ل "جيمي هوفا" " آل باتشينو" الزعيم المطلق لنقابة سائقي الشاحنات، والذي يحتاج إلى بودي جارد. من المفيد مقارنة هوفا/ آل باتشينو، وجاك نيكلسون في فيلم "هوفا" 1992 الذي جرى الاقلال من شأنه. يظهر باتشينو أصخر حجمًا وأعلى صوتًا. بالتحديق في هذه المدارات المسكونة بالأشباح، نرى جاك نيكلسون أكثر من كلب بلدغ-هو شخصية بطل خارق، ينطق عددا قليلا من الكلمات، وبالتالي، من أجل أموالى، يترك أثرًا أكثر استحواذًا، أيضا فشل باتشينو في تجديد نفسه بالتخلص من التشنج الذي لازمه في النصف الثاني من حياته المهنية. أيًا كان الدور هو يقوم بمط كلمة من مقطع واحد لتكون من مقطعين أو حتى ثلاثة، وينطق كل مقطع بنغمة مختلفة، لذلك ك "هوفا" بدلًا من أن ينطق كلمة "الاحتيال" هكذا من مقطع واحد ونغمة واحدة، يقول " الاح..تي..ال" ويطلق على ذلك متلازمة حرف العلة العصبي. الآن أتركه عند هذا الحد.

الكثير من فيلم "الأيرلندي" قد استُهلك ربما أكثر من اللازم في مراحله المتأخرة بمنطق هوفاHoffalogical الأمر الذي أعطى وزنًا للتخمين. هوفا اختفى في يوليو 1975 ولم يترك أثرًا، انتشرت الشائعات منذ هذا الحين. يدعم الفيلم مزاعم "براندت" الذي وسم فرانك في كتابه بأنه قاتل هوفا، سواء اشتريت هذه الأطروحة أم لا، فإن الهدوء الشديد، والوحشية، هي الوضوح الذي يرسم به سكورسيزى أحداث اليوم، التي تستسلم لها ليس كنزوة، ولكن كإعادة بناء حقيقة راسخة، هذا هو منهج الفيلم: المريض رابط الجأش، هادئ، ومتحفظ. يجرى ذلك لمدة تقل عن ثلاث ساعات ونصف، على الرغم من ذلك ولكي تكون أمينًا، نادرًا ما ينفع هذا. بدلا من ذلك يحافظ على وتيرة كئيبة، مثل المشيع في موكب جنازة، متى كانت سيارة البلدة – وسيلة النقل المفضلة للسفاح-تمر أمام الكاميرا فإنها تبدو كعربة للموتى في الانتظار.

بالنسبة إلى فرانك، عندما لا يكون شاهرًا مسدسه، فإنه يفضل البقاء على الهامش، محتفظا بمحاميه، إنه لمن دواعي سعادتي، رؤية دي نيرو في أشد حالاته يقظة، بعد الكثير من الأفلام التي تضمنت القليل من قوة تركيزه، على الرغم من أنى كنت سأبقى راضيًا دون تلوين عينيه، ما ذهب هو البنى الإيطالي الداكن لقزحية العين، عيون زرقاء جديدة هنا، كسوة هزيلة لفرانك بالأخضر اللامع، من الصعب أن تفكر في شيء أقل توفيقا كإشارة عرقية. يبذل الفيلم جهدا وقحا ليشرح الغرابة من خلال مطالبة راسل بسؤال فرانك "كيف تمكن رجل أيرلندي مثلك من التحدث باللغة الإيطالية؟" ما أجاب به فرانك هو أنه حين كان في الجيش، قاتل في طريقه عبر إيطاليا وأنه التقط اللغة طوال طريقه، نعم تمامًا مثل أولئك الألاف من الجنود الذين عادوا من الحرب ضد النازيين يتطلعون إلى الشقر طوال القامة ويتحدثون الألمانية بطلاقة.

هذه ليست المناسبة الأولى التي يتنحى فيها دي نيرو عن التطابق مع هويته لصالح نفض الغبار عن ماضي رجل عصابات، معقد وطويل زمنيًا. في فيلم "سرجيو ليونى" " ذات مرة في أمريكا" 1984، كان نيرو هو نودلز الذي قاد عصابة من الزملاء اليهود خلال حياة من الندوب والجرائم. أحب مشاهدة هذا الفيلم، عقب كل مشاهدة، يكون قد مسح بي بلاط الأرضية، لا تستطيع إلقاء اللوم على سكورسيزى، لعدم محاولته الاقتراب من قبض ليونى على هذا النوع من الدفء المؤثر، مع الأخذ في الاعتبار أن "للأيرلندي" آفاق أوسع.

لسبب واحد يستمر الفيلم في النظر إلى الخارج، إلى ما وراء شوارع فيلادلفيا. هل ترغب أن تكون جزءًا من هذا التاريخ؟ هوفا يسأل فرانك، كما لو كان يعلم أن الجميع داخل فيلم، وأن هناك لمسة من "زيليج" في موهبة فرانك الغريبة في التواجد أينما وجدت أزمة. هو يقود شاحنة محملة بالأسلحة للرجال المتجهين إلى خليج الخنازير. وضابط اتصاله عند التسليم في "جاكسون فيل" هو رجل ذو أذنين كبيرتين، يدعى هانت-هوارد هانت، الذي يتعرف عليه فرانك لاحقًا على شاشة التليفزيون خلال جلسات استماع وترجيت Watergate، وبعد، لدينا كينيدي، يدعم الفيلم المعتقدات السوداء حول الجريمة المنظمة وعلاقتها بالقتل السياسي، ويكون فرانك حاضرًا حين يأمر هوفا بتنكيس الأعلام المزدانة بالنجوم والخطوط إلى منتصف الصاري بعد وفاة جون ف كينيدي. وكذلك نقلها إلى سارية العلم على سقف مقر نقابة سائقي الشاحنات.

كتآمر، سكورسيزى على أي حال، أقل كثيرًا من، لنقل، بملء الفم أوليفر ستون، اللحظات الخاصة والأكثر هدوءًا في "الأيرلندي" تقدم شعورًا بالارتياح، هوفا وفرانك فيما يشبه بهجة الرفقة، حيث يتشاركان غرفة الفندق، وحيث أقوى رئيس نقابة في البلاد يقف مرتديًا بيجامته، ينظف أسنانه بالفرشاة. يبدو الرجلان بعيدًا عن أن يكونا مصدرًا للخطر والتهديد، وأكثر شبهًا برجلين لطيفين متزوجين. لا تخبر البافلينوز، لكن، عميقا، داخل هذا الفيلم، تختفي مسرحية هزلية، هنا توجد كوميديا، تنطلق من إيقاعات الفئران، رات...تات، ومن حديث الرعاع، تنحرف نحو دايمون رنيون: لقد طلبوا من الرجل العجوز أن يقول لي، لأقول لك، هذا ما هو عليه الأمر" أكثر من مرة تم تحذير فرانك بعبارة "لا، ليس ذلك" الترجمة: لا ينبغي أن تسحقه بعد.

بين الحين والآخر، في "شوارع وضيعة" تومض أسماء الشخصيات على الشاشة-"جوني بوى"، و"تشارلى" وهكذا. يحدث الشيء نفسه في الفيلم الجديد، ولكن مع برودة إضافية، يتجمد التأثير قرين كل اسم، مصحوبًا بتاريخ وأسلوب وفاة كل شخصية في المستقبل. ("فيل تيستا-تم تفجيره بواسطة قنبلة مسمار تحت شرفة منزله") سكورسيزى، مثل الكثيرين من زملاء الماستر، من ويلز إلى المودوفار، أصبح بمرور الوقت أكثر شغفًا بمرور الزمن، بكيفية إبطاء الاختفاء، العبور، وكيف يمكن لقطع بسيط جسر الهوة بين السنين (أراد ليون في الأصل أن يلعب ريتشارد دريفوس دور نودلز، مع وجود جيمس كاجني ليلعب الجزء الأكبر سنًا من الشخصية) في حالة "الأيرلندي" عولجت هذه الضرورة بواسطة التكنولوجيا، بتجديد شباب الممثلين رقميًا، وكذلك في زيادة أعمارهم، هذه الحيل المبهرة الزاحفة، تلفت الانتباه إلى تغيرات الوجه، بينما تهمل جوانب أخرى، ليس أقل من الطريقة التي نتحول بها تدريجيًا. عندما كان فرانك، الذي يفترض أنه لازال شابَا رشيقًا. كان هناك المتسلقون فوق الصخور على الخط الساحلي، وليتمكن فرانك من التخلص من الأسلحة المستعملة، كانت تخونه حركاته، وتشي بصعوبة مبدئية لرجل كبير في السن، إعادة إنتاج الملامح كل ما قد تفضل، فالجسم لا يكذب.

إذا كان علىّ أن أعرف "الأيرلندي" كنت سأقول إنه أساسًا "الفراولة البرية" مع مسدسات، مثل فيلم "برجمان" من العام 1957، يتمحور الفيلم حول رحلة على الطريق، على وجه الدقة، "روسل" ينقل فرانك من كنجستون، بنسلفانيا، إلى ديترويت. كلاهما من كبار السن، ومع توقفهما بالقرب من محطة شاحنات بجانبها علامة Texaco، أدركا أن لقائهما الأول إنما كان هنا، منذ عقود، عندما ساعد روسل فرانك في تشغيل محركه، بهذا تم جرنا إلى الماضي.

ولكن هناك شيء آخر حول الرحلة إلى ديترويت، "إيرين" زوجة فرانك (ستيفاني كورتزوبا) وزوجة راسل، "كارى" (كاثرين ناردوتشى) التي توصف بأنها "نبيلة الرعاع"، كانت وظيفتها الدرامية أثناء الرحلة هي الشكوى من أن تمنع من التدخين، وحين يتوقفون ويخرجون من أجل التدخين والدردشة لا نسمع أكثر من شذرات مما يقولون. الأكثر وضوحًا هو معالجة الفيلم لزوجة فرانك الأولى "ماري" (جنيفر مودج) التي بالكاد نراها قبل أن يتخلى عنها لأجل إيرين، يبدو الأمر كما لو كانت قُدمت من أجل محوها، ويتم تذكيرنا بالنقص الفادح في أدوار النساء في عمل سكورسيزى، وكيف كان نادرا-مع استثناءات قليلة، إيلين بورستين المتقدة في فيلم " لم تعد أليس تعيش هنا بعد الآن" 1974، وشارون استون في فيلم كازينو-من يتم منحهم حرية احتلال مركز الصدارة أكثر الأوقات يتضاءلون إلى أدوار التوبيخ واللوم. هل كان سكورسيزى في البانثينون لا يتأثر بهذا النقص؟ هل يمكنك تخيل برجمان، أوفيلس، كوكور، أو ميزوجوتشى يقبلون مثل هذا الكبت؟

لنكن منصفين، لدينا "بيجي" ابنة فرانك، وكما كانت ضمير "الأيرلندي"، لعبت بشكل رائع مع لوسي جليان كطفلة، وآنا باكين كشخص بالغ، حيث دربتها بشراسة، على أساس نظرة اتهامية للذكور من حولها، وبعد اختفاء هوفا، رفضت الحديث مع فرانك، المشكلة هي مرة أخرى في النوع الواحد: بيجى تأتى وتذهب كشبح، نادرا ما تصوغ أفكارها باستخدام اللغة، لا يوجد مشهد واحد تتلقى فيه اتصالا لنفسها. هي واعية بوضوح أن والدها وحشي، ومجرم كجهنم، ولكن يتركنا الفيلم ونحن نتساءل: هل كانت تحترمه؟ بكل ما يملك من شجاعة كخاسر؟ إذا كان الأمر كذلك فهي ليست مخطئة.

في الحياة الواقعية، "فرانك شيران" كان سفاحًا ومتبجح، ومن المحتمل أن تكون اعترافاته المتعلقة ببراندت منتفخة بفعل الهواء الساخن. في 2005 عندما فحصت الشرطة المنزل الذي تفاخر شيران بإطلاق النار فيه على جيمي هوفا، وجدوا بالفعل بقع دماء، لكن الدم لم يكن لهوفا.

محاولة لطيفة يا فرانك.

في السادسة والسبعين، بعد ما يزيد على خمسين عامًا من العمل، لا يزال سكورسيزى، إلى حد ما، الطفل شديد الذكاء، تربى في اسطبلات السينما، مفقود في رعب الحياة، صارم كثيرًا، قاس أكثر مما هو في حياته الخاصة، غير مثقف بشكل مثير للدهشة-كينونة باعثة للضوء على الشاشة. إذا كان "الأيرلندي" يشعر بالحزن والبطء أكثر من أي شيء قام به من قبل، فقد يكون ذلك لأنه في النهاية، يسعى لأجل انحناءة احترام.

*هذه ترجمة كاملة للمقال الذى نشر لأول مرة بتاريخ 25 أكتوبر2019على الموقع الإلكتروني لـ The New Yorker بعنوان Remembrance of kills in “The Irishman” وقد اخترت عنوان الطبعة الورقية There Was Blood التي نوه الموقع بصدورها في 4 نوفمبر 2019 والمقال هو لناقد الموقع والجريدة منذ 1993، أنتوني لين Anthony Lane

 

####

 

في المسابقة الدولية للدورة 41 من «القاهرة السينمائي»..

اكتشافات جديدة ونافذة على العالم

صفاء الليثي

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

أغلب الأفلام عرض عالمي أول وبعضها عرض أول في منطقتنا والقليل عرض أول في مصر. أنحاز إلى فكرة أن يكون لدينا اكتشافنا الخاص كمهرجان له انحيازاته الآسيوية والإفريقية دون التقيد بما يتم اختياره في كان وبرلين وفينيسا، وخاصة في المسابقة التي تضم فيلما جميلا من بوتان على ارتفاع جبال الهملايا، فيلم يذكرني بفيلم " خرج ولم يعد" لمحمد خان وروائع كثيرة لا تتقيد بالمدينة وتنفتح على مشاهد نادرة من الطبيعة، يأخذنا مخرج تشيكي شاب مع مواطنته التي تركت بلدها لتعمل مربية في بلد غربي، تجد نفسها أمام تحدي مواجهة الذات والتمسك بإنسانيتها رغم الاحتياج وشبح الترحيل والعودة خالية الوفاض، في "نوع معين من الصمت" المعتمد على قصة حقيقية ينحاز ميشال هوجنور للضعفاء في عالم قاسي، مربية تحتاج عملا لتساعد جدتها وصبي يتم معاملته كشيء أو كروبوت عليه الطاعة العمياء أو الطرد من جنة باردة لاتنقصها الإمكانيات المادية ولكنها جحيم من برودة المشاعر ومن القهر والعقاب لأي غفوة تصدر عن طفل أو عن مراهقة. بالمسابقة أيضا فيلم " أنا لم أعد هنا " من المكسيك يقدم قصته من خلال الشخصية التي تشبه شباب المهرجانات عندنا بتركيز كامل عليه وعلى علاقاته. الأماكن وحركات الكاميرا تعبر جيدا عن روح الفكرة وتقدم أجواء مغرية بالمشاهدة. في بناء دائري وسرد جيد يتتبع الشاب في رحلته من بلدته النائية بالمكسيك ليرقص رقصة كومبيا حالما بتحقيق نجومية في مجاله، يصبح مطاردا من أشقياء ويتبين صعوبة العيش في بلد غريب لافتقاده اللغة وعدم قدرته على تحقيق ما حلم به، فتاة صينية تهتم به، فقط كمراهقة يشدها مظهره الغريب. له حبيبة في بلدته وأسرة تتلقى معونات حكومية، حالة من صعوبة العيش للجميع . متمردون في البلدة وإذاعة محلية لموسيقى الكومبو، يعود الشاب وقد تخلى عن مظهره الغريب حزينا ولكنه ما زال يرقص وحيدا على أنغام موسيقى كومبيا. فيلم آخر يركز على أحلام المهمشين ويقدمها بكل الحب.

لا يخلو برنامج لمهرجان مصري أو عربي من قضايا المهاجرين وما يلاقونه في غربتهم، هنا في "أبناء الدنمارك" نبدأ مع زكريا وهو شاب عراقي ساذج 19 عاما يعيش مع أمه وأخيه الأصغر، يجنده حسن العربي المتعصب لينتقم من جماعة (أبناء الدنمرك اليمينية) بتوجيه من علي، يتحول السرد ليصبح هو البطل بعد أن أبلغ عن زكريا الذي كلف بقتل زعيم المعارضة اليمينية ويتبين أن علي واسمه الحقيقي مالك عميل للمخابرات الهولندية، ضميره يؤلمه لتوريط زكريا ويُطلب منه التجسس على الجماعة اليمينية ويتجه الفيلم كلية لاتهامهم بجرائم عنصرية في مقابل هذا العيل زكريا الذي لا يعرف شيئا. مالك أو علي نصف أوربي من أصول عربية أصلا ويقوم كرستيان بمهاجمة بيته واغتصاب زوجته وقتل ابنه فيقتل مالك زعيم المعارضة أثناء خطاب تسلمه رئاسة الوزراء في تخيل لما ستسير إليه الأمور عام 2025 . رغم بداية نمطية عن العرب الإرهابيين ولكن المخرجة تحول العمل بذكاء لتنحاز لوجهة نظر أن الخطر الأكبر من اليمين المتطرف والنازيين الجدد وليس من المهاجرين. أسندت المخرجة الأدوار لشخصيات مقنعة ونجح من قام بدور علي أو مالك في التعبير عن حيرته، ندمه، تأنيب ضميره ثم غضبه. واختيار زعيم المعارضة كقروي جلف عليه سمات الغباء. فيلم منحاز يدق ناقوس خطر على أفكار اليمين عنصرية.

ومن بلجيكا “ فيلم " شبح مدار" اختار المخرج موضوعا يبدو بسيطا في شكله ولكنه عميق جدا في مضمونه حول امكانية التعايش والاندماج لسيدة سورية مسلمة في بلجيكا التي تعيش فيها خديجة، خديجة عاملة خدمات، تنام في المترو فيفوتها محطة منزلها وتصل الى نهاية الخط فتقضي ليلة في الشوارع تقابل هومليس- رجل يعيش في الشارع بلا مأوى- يكاد يموت من البرد، تبلغ لإنقاذه، تشاهد ابنتها صدفة وهي 17 عاما تشرب مع صديق فتبلغ عن البقالة التي تبيع لمن هم دون السن. المشرد يموت وهي تعود لبيتها سيرا فقط دقائق وتخرج لموعد عملها، بينما الابنة تمرح على الشاطيء مع أصدقاء من البيض. تناول جميل لسيدة من أصول عربية، مهذبة وتهتم بالآخرين، في إطار الرحلة هناك سلام وتسامح وتعايش في بلد هاديء وسكانه قليلون ومختلطون عرب وأفارقة وأوربيون. إيقاع هاديء وأسلوب يعبر عن روح البلد وعن الفكرة.

سنبحر إلى سنجابور في شرق آسيا مع " موسم رطب " البطلة معلمة ثانوية، علاقتها باردة بزوجها ولديهما مشاكل في الإنجاب، عائلتها في ماليزيا التي تعاني من الاضطرابات وهي وحيدة في سنجابور، هي مسؤولة حتى أنها تخدم والد زوجها المقعد بإخلاص. لديها طالب مجتهد ورياض ناجح يعاني من إهمال والديه، يتقاربان. يموت الوالد وتتغيب بضع أيام عن المدرسة ويستبدل درس اللغة الصينية بدرس رياضة. يحدث بينهما لقاء جنسي، يكتشف اهتمامه بها من تصويره لها، يطلب منها أجازة مفتوحة، تنفصل عن زوجها، تكتشف حملها ، تعود الى وطنها وقد انقشعت الغيوم . الأحكام الأخلاقية تختلف من بلد إلى آخر والزمن تغير ، السرد واقعي جيد بشكل تقليدي. باستثناء حلم وحيد بطقل بديلا عن الجد. يلقي السيناريو ظلالا على الأحداث السياسية وعلاقة الدراسة بالحالة. عمل اجتماعي جيد. سينما ليس بها أي خطأ. إجادة في كل عناصر الفيلم تمثيلا وسردا وعناية كاملة بالتفاصيل. ومن رومانيا أيضا فيلم " زافير" دراما أسرية، مصاغة بنعومة وبها تحليل نفسي هاديء للعلاقات بين الأصدقاء، الأسرة والجيران. تسود درجات لونية تميل للرمادي والأزرق ، حالة من حزن ومعاناة الإنسان المعاصر رغم الرفاهية البادية والعيشة البرجوازية. قصة تمس كل إنسان في أي مكان . فيلم هاديء لمخرج في منتصف العمر وله أعمال سابقة. يشرح عنوان الفيلم في برنامج إذاعي أن زفير هو فعل مقاومة لعدم العدالة. دون الخوض في خلفايات سياسية اعتدنا عليها في السينما الرومانية يبدأ الفيلم مع ستيفان ونيك صديقان في جولة بالدراجة في الغابات، يموت نيك قجأة بأزمة قلبية، يتولى ستيفان إدارة شركته، ستيفان له زوجة وبنتين، هو موسوس ويقوم بكل الأعمال في رعاية الطفلتين وأمه في منزلها وحيدة بعد وفاة والده. ستيفان تنتابه شكوك عن علاقة زوجته روكسانا بصديقه نيك وخاصة لأنها تنفر منه. في يوم توزيع ممتلكات نيك الصغيرة ملابسه وما شابه كتقليد في البلاد يرفض ستيفان أن يأخذ جاكت عرضه عليه الأقارب، يعيد لهم بندقدية كانت هدية نيك له وهو حاد وعصبي حتى يخشاه الجميع. هو مستفز لشك أم نيك أنه وراء موت ابنها. الفيلم في فصول مكتوبة وينتهي بالأسرة وقد استعادت ترابطها بعد مرور وقت. زوجته بجواره في السيارة والبنتين في المقعد الخلفي. الميل للاحتفاء بالأسرة كخلية أولى للمجتمع اتجاه نلحظه غلى مستوى السينما المعاصرة .

في فيلم "الحدود" من كولومبيا ينجح المخرج في تقديم قصة إنسانية بخلفية سياسية بطلتها ديانا تعيش مع زوج وأخ على الحدود التي أغلقت بقرار سياسي بين فينزويلا وكولومبيا، يسطوان على السيارات لأخذ ما يكفي الطعام، لا توجد مياه وفساد البوليس وقوات الأمم المتحدة واضح، تبادل المؤن مع مصنوعات يدوية تصنعها ديانا بدلا من منحها بالمجان. يقتل الزوج والأخ وتجد رجلا أمام منزلها مصاب ترعاه، وتأتي سيدة ثرثارة ولكنها تتعاون معها في المعيشة وفي ولادة الطفل. الأخبار نسمعها من راديو عتيق يشرح الأحداث المعاصرة ، تهديدات ترامب وقرارات مانوبلا. الرجل يختفي وتولد الطفلة ميتة ويتم دفنها. وتتم مصالحة بين البلدين. عمل جيد يكثف قضية معاصرة لفنزويلا من خلال هذه المرأة التي تقاوم لتلد طفلتها وسط ظروف سياسية صعبة. إيجاز كبير من المخرج ومكان واحد للفيلم الا نادرا. النهاية قاتمة تعكس الأزمة وتأثيرها على بسطاء الناس. هناك مشاهد لأحلام وخيالات بشكل فني جميل.

انها أواخر 1930 في " نوفا ليتوانيا " الذي يتنبأ بالحرب القادمة في أوروبا ، ويأتي العالم الجغرافي الليتواني فيليكساس جروديس بفكرة لإنقاذ بلاده من خلال إنشاء مستعمرة ليتوانية في الخارج. الخطة هي هجرة جماعية لما يسمى "احتياطي ليتوانيا" في حالة الاحتلال. يحاول فيليكساس بيع فكرته إلى أحد أهم الأشخاص في الدولة - وهو الكاردينال الرمادي للرئيس ، رئيس الوزراء جوناس سيرفوس. عند استبعاد الفكرة في البداية ، سرعان ما يتعرض رئيس الوزراء لسكتة دماغية عندما تحصل البلاد على أولى علامات الحرب على حدودها. وبينما يستخدم الرئيس مرضه لتحويله إلى كبش فداء ، يعود رئيس الوزراء السابق بالفعل إلى فيليكساس ، ويقنعه بالكشف عن خطته ويقدم مساعدته. الأمل في تنفيذ الخطة لا يضفي الكثير من الضوء على حياة فيليكساس الشخصية. يعيش هو وزوجته ، زوجان بلا أطفال ، في علاقة قاسية وباردة. بينما يجد فيليكساس إنجازًا في يوتوبيا ، لا تجد زوجته فيرونيكا أي وسيلة لتقليل الشعور بالوحدة. بينما يتحقق حلم فيليكساس السياسي ، يقترب زواجه من الانهيار. عندما تفقد البلاد الجزء الأول من أراضيها ، يقرر رئيس الوزراء السابق أن الطريقة الوحيدة لتنفيذ الخطة هي الإطاحة بالرئيس بمساعدة الجيش. يدعو فيليكساس لقضاء الليلة الماضية في منزله ، مع أسرته. الصورة المثالية لها تجعل فيليكساس يتخلى عن خطته في اللحظة الأخيرة ويحاول إنقاذ حياته الشخصية بدلاً من إنقاذ البلاد.
وما زلنا مع تنويعات المسابقة حيث مخرج فلبين الكبير بريليانت ميندوزا يشارك بفيلمه الأخير في المسابقة الرسمية يتناول فيلم "مينداناو" قصة الأم المسلمة سايما داتوبالو التي تعتني بابنتها آيزا داتوبالو التي تعاني من مرض السرطان ، في منزل مؤقت للأطفال المصابين بالسرطان يطلق عليهم اسم بيت الأمل في دافاو. بينما زوج سايما طبيب مقاتل يقوم بعملية هجومية في ماجويندانا. تروي سايما قصة عيسى الملحمية للأخوين المحاربين راجاه وسليمان الذين يقاتلون التنانين جينتو وبولا ، وهي قصة تعكس الحياة المروعة في مينداناو. الأسطورة مع الواقع في فيلم ميندوزا المعروق بجمعه الأكشن مع النقد الاجتماعي
.

في " الجدار الرابع " من الصين لو تعمل في مزرعة لتربية الغزلان، في حياة كئيبة، تعزل نفسها وتنفيها من أي نوع من الدفء الإنساني أو الحب رغم محاولات صديق لها لكسب عواطفها. تمنعها الذكريات الطويلة المكبوتة عن ماضيها. كجدار رابع يمنعها من حياة يمكن أن تسعد بها. الفيلم للثنائي تشانغ تشونغ وتشانغ بو اللذين تشاركا معا في السيناريو و الإخراج .عرضه العالمي الأول كان في مهرجان شنغهاي السينمائي الدولي المرموق في قسم المواهب الآسيوية الجديدة.

وإلى البرازيل مع " الرجل الصديق" وفيلم تشويق فيه وقع نجم روك ناجح في جدل ينطوي على جريمة. بعد اختفاء شريط فيديو ، من الانزعاج إلى الاحتقار من قِبل الجميع، يشرع في رحلة خلال ليلة ساو باولو، حيث سيتعين عليه مواجهة شياطينه والاضطراب السياسي الحالي .

الأوضاع السياسية تغلف أيضا فيلم نجوى النجار" بين السماء والأرض" رغم قصة الحب بعد رحلة الطلاق. حيث نأتي الى ما أعتبره فاكهة المسابقة ، المخرجة الفلسطينية الأردنية نجوى نجار ومدخل جديد لمعالجة قضية الفلسطينيين في قالب الرحلة في الأراضي المحتلة تصل حتى الحدود مع الجولان المحتلة. فيلم سيثير جدلا متوقعا . هي كتبت بنفسها أنه " قصة حب عن الطلاق".

مشاركة مصرية وحيدة في المسابقة مع " احكيلي " امتلكت فيه المخرجة ماريان خوري شجاعة البوح . فيلم سيرة ذاتية للمنتجة ماريان خوري ، يداعب ماريان أحيانا الرغبة في التعبير عن الذات والخروج من محبسها كمنتجة وموزعة للأفلام، مع صرخة أنها لن تعيش بسمعة الخال المحبوب يوسف شاهين، على مددار عملها تنطق اسمه كاملا معتزة بما حققه الخال يوسف شاهين، رغبتها في البحث عن جذورها والتفاهم مع الابنة جعل الفيلم يتناول أمها، أخت يوسف شاهين وجدتها وابنتها مع جانب كبيرمن قلقها . احكيلي نوع من الحكي بين النساء انطلق من رغبة في التواجد خارج قيود الأنثى ، فجره مرضها الذي سنعرف عنه في نهاية الفيلم، دار الفيلم دار حول العام وعاد واستقر على الهم الخاص لكل أم. في الأعمال الجديدة تتلاشى الحدود بين الخيالي والوثائقي وتصلنا قصص وحكايات ممتعة من فيلم ماريان التسجيلي.

كل هذا النصر"

يشارك بالمسابقة فيلم " كل هذا النصر" للمخرج أحمد غصين فيه يعود إلى لبنان عام 2006 و الحرب مستعرة بين حزب الله وإسرائيل. أثناء وقف إطلاق النار على مدار 24 ساعة ، يخرج مروان بحثًا عن والده الذي رفض مغادرة قريته الجنوبية ويترك زوجته رنا تستعد لوحدها للهجرة إلى كندا. لم يجد مروان أي آثار لوالده ، وسرعان ما انتهى وقف إطلاق النار ، مما أجبره على اللجوء إلى منزل نجيب ، صديق والده. يجد مروان نفسه محاصراً تحت وطأة القنابل مع نجيب ومجموعة من كبار السن وأصدقاء والده. التوتر يتصاعد داخل وخارج المنزل. فجأة ، تدخل مجموعة من الجنود الإسرائيليين إلى الطابق الأول. ولمدة ثلاثة أيام يصبح الوضع خارج عن السيطرة. غصين يحلل أسباب فكرة الصراع والسجن. إنه يهرب مثل أبطاله ، من الهواء الطلق ومن نور الشمس - حيث توجد مخاطر تلقي رصاصة - ويلجأ إلى داخل المنزل. وهناك يبقى ، إلى جانب "سجناءه" من العدو، العدو الذي يمكن أن يكون له وجه مزدوج ، سواء من الجنود الإسرائيليين أو من عناصر ميليشيا حزب الله ، يحكم بدوره المنطقة.

حصد الفيلم جائزة أفضل فيلم وجمهور في أسبوع النقاد الدولي.

أحمد غصين، مخرج سينمائي وفنان، من مواليد بيروت 1981. وهو حاصل على شهادة الماجستير في الفنون البصرية من الأكاديمية الوطنية للفنون (KHIO) في أوسلو ، ومنتدى الفنون الجميلة في المسرح من الجامعة اللبنانية ، بيروت. سبق له المشاركة بفيلم قصير عنوانه " الضوضاء البيضاء" في نصف شهر المخرجين عام 2017، قبلها بعام افتتح فيلمه القصير المرحلة الرابعة منتدى موسع لمهرجان برلين السينمائي 2016.

يبحر بنا برنامج المسابقة الدولية الذي صاغه فريق بقيادة مدير فني شاب ومعه مبرمجين يعملون بهذا الأسلوب للمرة الأولى أسامة عبد الفتاح بثقافته الفرنسية يختار أفلام دول أوربا الغربية والشمالية وأسبوع النقاد، رامي عبد الرازق يختار أفلام الأمريكتين بتنويعاتها المختلفة، رشا حسني تختار أفلام دول آسيا وبرنامج منتصف الليل، أندرو محسن لديه عمل كبير مع أفلام أوربا الشرقية ومسابقة سينما الغد، وأحمد شوقي الأفلام العربية والإفريقية والمسابقة العربية ، طريقة عمل اكتسب خبرتها الناقد أحمد شوقي القائم بعمل المدير الفني في الدورة 41 ليصبح اختيار الأفلام مسئولية يشترك فيها النقاد الخمسة بعد مجموعة من ستة نقاد رشحوا اختيارات ليتم البت فيها ، تنوعت خبراتهم وضمت اللجنة لهذا العام ماجدة خير الله وأمل ممدوح مروى أبو عيش مع خالد عبد العزيز ورامي المتولي وكاتبة هذه السطور. تجربة سيتم تقييمها بعد انتهاء فعاليات الدورة 41 لمهرجان القاهرة الراسخ والثابت مهما تبدلت عليه الرئاسات والإدارات. دورة 41 يرأسها السيناريست والمنتج محمد حفظي، يقوم الناقد الشاب أحمد شوقي بعمل المدير الفني بعد رحيل القدير يوسف شريف رزق الله بعد بدأ أعمال الدورة 41 ، دورة تحمل اسمه عرفانا واعتزازا بالدور الذي قدمه على مدى تاريخ المهرجان .

 

####

 

سينما الغد.. و10 عروض عالمية ودولية أولى

في الدورة الـ41 لمهرجان القاهرة السينمائي

علياء طلعت

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

عام 2014 اختير الناقد الكبير سمير فريد ليصبح رئيسًا لمهرجان القاهرة السينمائي، بعد اعتصام قام به مجموعة من السينمائيين في نقابة المهن السينمائية.

وجاء سمير فريد مع العديد من التغييرات الجوهرية في جعبته للمهرجان، من أهمها إضافة البرامج الموازية، التي أصبحت الآن بعد خمس سنوات تقريبًا، من أهم فعاليات المهرجان، هذه البرامج الثلاثة هي مسابقة آفاق السينما، وأسبوع النقاد، ومسابقة سينما الغد.

مسابقة سينما الغد محل حديثنا هنا هي مسابقة دولية احتوت في البداية على مسابقتين، هما مسابقة أفلام الطلبة ومسابقة الأفلام القصيرة، واقتصرت بعد ثلاث سنوات على مسابقة الأفلام القصيرة فقط بأنواعها المختلفة، روائي وتسجيلي وتحريك.

أشرف على برنامج سينما الغد في البداية معهد السينما، وأداره المخرج سعد هنداوي لثلاث دورات، ومنذ الدورة الرابعة وهو يتبع المهرجان نفسه، وأشرف على البرنامج لمدة عام الناقد محمد عاطف، ثم في الدورة الأربعين لعام 2018 والواحدة والأربعين لعام 2019 تحت إدارة الناقد أندرو محسن.

وتمنح مسابقة سينما الغد جائزتين، هما جائزة يوسف شاهين لأفضل فيلم قصير، وجائزة لجنة التحكيم، وهذا العام وفي ظل سعي المهرجان عامة لعرض الأفلام المتميزة، وفي عرضها الدولي والعالمي الأول، اختار أندرو محسن 10 أفلام تنطبق عليها واحدة من هاتين الصفتين، حيث العرض العالمي هو الفيلم الذي يعرض لأول مرة على الإطلاق، بينما العرض الدولي هو الفيلم الذي عرض في بلده، لكن يعرض خارجها لأول مرة، ونستعرض هنا هذه الأفلام العشرة.

أمين - مصر:

فيلم أمين للمخرج المصري "أحمد أبو الفضل"، روائي ومدته 16 دقيقة، وهذا هو العرض العالمي الأول له، وتدور أحداثه في ليلة واحدة، حول اكتشاف نسخة نادرة لفيلم غير مكتمل للمخرج شادي عبد السلام، فيسعى البطل أمين للحصول على هذه النسخة، قبل أن تصل إلى يدي مخرج سيء السمعة، والفيلم يتتبع رحلة أمين، حيث تختلط الحقيقة بخيالاته، مع ذكريات قصة حبه المجهضة.

وأمين هو الفيلم الثاني للمخرج أحمد أبو الفضل، الذي يعمل كمخرج ومونتير ومصحح ألوان، ودرس أبو الفضل طب الأسنان قبل اتجاهه لدراسة السينما بالمعهد العالي للسينما في القاهرة والذي تخرج فيه عام 2014 ومارس النقد السينمائي، ثم قدّم أول أفلامه عام 2013 باسم "القاهرة من 5 ل7"، وهو يُدَرِس السينما في جامعة عين شمس ومدرسة السينما بجمعية النهضة جزويت القاهرة.

عواصف الحياة البرية - إسبانيا:

فيلم Gusts of Wild Life ، روائي ومدته 24 دقيقة، إخراج "خورخي كانتوس"، تتمحور أحداثه حول سور، وما يحدث وراءه، حيث توجد عربة رحلات يعيش بها شخص غامض، ويكتشف البعض وجود شاب مع هذا الشخص، ويرتبط مصير الشاب بما يأتي من خلف السور، وثيمة الأساسية للفيلم هي مرحلة النضوج واستكشاف الحياة، والسجن والغربة والخوف من كل شيء.

فيلم عواصف الحياة البرية هو الثالث لمخرجه خورجي كانتوس، والذي تخرج في مدرسة مدريد للسينما عام 2016، وكان فيلمه الأول هو مشروع تخرجه بعنوان "وجبة سريعة" وحصل على جائزة أفضل فيلم من مهرجان FICUNAM بالمكسيك، وقدم بعده فيلم "الحالمون فقط سينجون" عام 2018 وقد عرض في مهرجان سان سباستيان.

هنا ليس هناك - سنغافورة:

Here is not There فيلم روائي من سنغافورة مدته 20 دقيقة، للمخرج "نيلسون يو"، وهذا هو عرضه العالمي الأول، وتدور أحداثه حول مهاجر صيني على علاقة بفتاة جامعية تعمل في أحد المخازن، وسريعًا ما تحمل الفتاة جنينًا غير شرعي، فتتغير حياتهما للأبد، وذلك على خلفية من حياة العمال الفقيرة وشديدة الصعوبة، ويطرح الفيلم سؤالًا: "هل يمكن أن يكون الحب دافعًا كافيًا لمواصلة الحياة؟"

"هنا ليس هناك "هو الفيلم الأول لمخرجه، وفيلمه الروائي الطويل الأول قيد التطوير الآن، وقد اختير في ورشة الفيلم الآسيوي الجنوب شرقي بمهرجان سنغافورة عام 2017، ودرس المخرج نيلسون يو الفنون الجميلة في صناعة الأفلام الرقمية في جامعة نانيانج التكنولوجية.

بيت بعيد بعيد - بلغاريا:

Home Far Away فيلم روائي مدته 30 دقيقة، صامت للمخرج ديميتار كومانوف، النقطة المحورية التي يدور حولها الفيلم هي استعادة الذكريات، حيث يرتحل البطل إلى مدينة طفولته التي نشأ بها، ويتفقد الفيلم بإيقاع شديد الهدوء معالم هذه المدينة، وبلا أي حوار نتعرف على ذكريات الشخصية الرئيسية، ليعيد هذا الفيلم المشاهدين لعصر السينما الصامتة، عندما كان الحكي يتم فقط بالصور المرئية.

هذا الفيلم هو الثالث للمخرج ديميتار كومانوف، فقد كان فيلمه الأول هو "طعم الماء" وهو مشروع تخرجه من جامعة انجيلا روسكين حيث درس صناعة الأفلام، وحصل فيلمه على أعلى درجة في تاريخ هذا التخصص، ثم قدم فيلم "هو ذا الرجل" والذي عرض في أكثر من 20 مهرجانًا دوليًا وحصل على جوائز في مهرجان بوسان وهانوفر وجولدن روز.

أبي الميت: كوميديا - الأرجنتين:

فيلم My Dead Father: A Comed روائي مدته 16 دقيقة، ومن إخراج روبرتو بورتا، وتدور أحداثه حول مخرج فيلم بعد انتهاء تصوير فيلمه بعامين، يقرر استكماله ويخبر الممثلة الرئيسية التي توفى والدها حديثًا بذلك، لتقع الممثلة ما بين الحاجة المادية والحالة النفسية السيئة، ويقوم مخرج الفيلم بإظهار هذا التناقض بكاميرته.

درس المخرج روبرتو بورتا العلوم قبل أن يتركها لدراسة السينما، وقدم فيلم "بيان صغير ضد السينما الرسمية" والذي عرض في مهرجان كان السينمائي بدورته السبعين، وفيلم "خورخي" والذي عرض في مهرجان مار ديل بلاتا بالدورة الثلاثين.

خارج الموسم - رومانيا:

فيلم Offseason روائي مدته 18 دقيقة، إخراج إيوشيم ستور، تبدأ الأحداث برجل وامرأة، يجدان نفسيهما على شاطئ مهجور، ولا يتذكران ما هي العلاقة بينهما، أو لماذا هما في هذا المكان الغريب؟ ويقسم المخرج وقت الفيلم ليتتبع الأمر من وجهة نظر كل منهما، ويظل المشاهد يخمن العلاقة بينهما حتى النهاية لنعرف السر الغامض.

عمل مخرج الفيلم كمونتير في العديد من الأفلام ومع أهم مخرجي الموجة الرومانية الجديدة مثل كريستي بوبو، وكتالين ميتوليسكو، وقدّم فيلمه الأول بعنوان "نوفمبر" والذي عرض في عدة مهرجانات مثل بريست وريستا، وحصل كذلك على تنويه خاص من مهرجان فالنسيا السينمائي.

البحث عن غزالة - مصر:

البحث عن غزالة فيلم وثائقي مصري مدته 20 دقيقة، من إخراج بسام مرتضى، وتبدأ أحداثه بمخرج يبحث عن بطل لفيلمه الروائي القادم، وخلال تجارب الأداء لعدد من الأفارقة اللاجئين بمصر يلتقى بالسوداني ريكو الذي لديه أحلام كبيرة مثل احتراف كرة القدم والتمثيل والهجرة، وخلال تجارب الأداء التي يقوم بها المخرج نلتقي بشخوص أخرى، لكل منها حياة وأحلام مختلفة تجمع بينها أن كلها بعيدًا عن الوطن.

ساهم المخرج بسام مرتضى في تأسيس شركة See Media للإنتاج، وقدم فيلمًا تسجيليًّا طويلًا بعنوان "الثورة .. خبر" والذي عرض في مهرجان برلين السينمائي عام 2012، ومهرجانات أخرى، ويعمل حاليًا على فيلمه التسجيلي الطويل الثاني، ويطوّر فيلمه الروائي الأول كذلك.

شيء ما يحدث - سلوفاكيا:

Something is Happening فيلم روائي مدته 19 دقيقة للمخرج رومان دوريس، تدور أحداثه حول صحفي يحقق في جريمة أعمال تخريب بالمدينة، وعندما يكتشف الشخص المسئول يجد نفسه مضطرًا لأخذ قرار صعب للغاية.

الفيلم من نوع التشويق، حيث يختبر المشاهد معه رحلة لاكتشاف المدانين، والبحث عن الحقيقة، ولكن اكتشاف المحقق يجعله مدانًا بشكل أو بآخر.

المخرج رومان دوريس درس السينما في أكاديمية فنون الأداء في براتيسلافا، وفيلمه المعروض في مسابقة سينما الغد هو مشروع تخرجه، وهذا هو العرض العالمي الأول له، ويعمل المخرج حاليًا على تطوير فيلمه الطويل الأول.

المنبوذ - التشيك:

The Castaway فيلم تحريك صامت مدته 23 دقيقة إخراج سيمون كوديلا، وبطله طفل يعيش بعيدًا عن أسرته على سطح إحدى الكاتدرائيات الضخمة، وهناك يراقب الحياة بالمدينة.

يمزج الفيلم بين التحريك ومشاهد تمثيلية، ليبدو الفيلم كحلم، يمتزج فيه البشر بالأماكن بالألوان، وذلك عبر وجهة نظر الصغير، الذي ينظر للعالم من خلف الزجاج.

سيمون كوديلا درس فنون التحريك في أكاديمية الفنون التمثيلية في براج، وشارك في عدة أفلام كفنان تحريك ومؤثرات، وقدم برامج وأفلامًا تسجيلية للتلفزيون، منها مسلسل "الليل مع الملاك" عام 2016 وفيلمه القصير "روبنسون" عرض في مهرجان نيويورك للأفلام المستقلة.

لاجئة - الولايات المتحدة الأمريكية:

Refugee فيلم أمريكي، روائي، مدته 22 دقيقة، وتدور أحداثه حول طبيبة سورية تحاول الهرب من بلادها التي مزقتها الحرب مع ابنتها الصغيرة، من إخراج براندت أندرسن، وهو كاتب ومخرج ومنتج، وهذا أول أفلامه على الإطلاق.

وأنتج من قبل عدة أفلام تجارية أمريكية منها فيلم المخرج مارتن سكورسيزي Silence، وقبل توجهه إلى مجال العمل السينمائي كان يدير شركة تكنولوجية بنجاح، ولكنه عام 2005 ترك شركته ليدرس الفنون الجميلة، وله جهود إنسانية خاصة مع اللاجئين، حيث سافر مع الأمم المتحدة إلى معسكرات اللاجئين، منها معسكر أرزاق في الأردن.

تتكون مسابقة سينما الغد هذا العام من 21 فيلمًا، تقريبًا نصفها من العروض العالمية والدولية، وتميز البرنامج العام الماضي بالتنوع الكبير سواء في جنسيات الأفلام أو أنواعها ما بين الروائي والتسجيلي والتحريك، ومن المتوقع أن يضاهيها أو يتفوق عليها برنامج هذا العام الذي عمل عليه أندرو محسن وفريقه.

ويحظى البرنامج - خاصةً مؤخرًا- باهتمام وحضور جماهيري كبير، وذلك بسبب إقبال المشاهدين على الأفلام القصيرة التي لا تتوافر في دور العرض، ولا يمكن مشاهدتها سوى في العروض الخاصة والمهرجانات، ومن هنا تنبع أهمية مسابقة سينما الغد، التي تركز على الأفلام القصيرة التي ظُلمت طويلًا واعتُبرت أنها أقل أهمية من زميلتها الأكثر طولًا.

 

####

 

بعد منحه جائزة فاتن حمامة التقديرية.. من هو تيري جيليام؟

ضحى الورداني

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

قررت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، منح المخرج والممثل وكاتب السيناريو البريطاني تيري جيليام، جائزة فاتن حمامة التقديرية عن مجمل أعماله، تقديراً لمسيرته المهنية الممتدة لأكثر من أربعة عقود، وإسهاماته البارزة في صناعة السينما، التي تجعل منه واحداً من أهم مخرجي السينما.

قال رئيس المهرجان محمد حفظي في بيان صحافي عن تكريمه إن «تيري جيليام مخرج عبقري وساحر، يتمتع بقدرة فائقة على رواية القصص في أفلامه بخيال مدهش يغمر الجمهور في عوالم الديستوبيا والحكايات الخيالية»، مؤكداً على أنه «بلا شك أحد عظماء السينما الحقيقيين».

وكشف حفظي أن المهرجان سيتيح للجمهور وصناع السينما فرصة نادرة للاستماع لتيري جيليام، في جلسة نقاشية تقام في دار الأوبرا المصرية، يتحدث خلالها عن حياته ومسيرته وإنجازاته الفنية، ويجيب فيها على أسئلة الحضور.

تيري جيليام والصعود إلى القمة

هاجر جيليام إلى إنجلترا عام 1966، وهناك بدأ مشواره الفني كعضو مؤسس في فرقة مونتي بايتون Monty Python الكوميدية، وعمل كمصمم للرسوم المتحركة في عدد من المسلسلات التلفزيونية أبرزها «سيرك مونتي بايتون الطائر Monty Python's Flying Circus» الذي بدأ بثه في التلفزيون البريطاني عام 1969، وظهر كذلك كممثل في بعض البرامج التلفزيونية والأفلام الكوميدية.

برزت فرقة مونتي بايتون سريعا على شاشات التلفزيون البريطاني، ولم يقتصر حضورها على الجانب الفني، بل امتد تأثيرها للحياة الثقافية في بريطانيا حيث اعتبرت رمزًا أساسيًا للثورة الاجتماعية والثقافية في أواخر الستينيات. قدمت فرقة مونتي بايثون برنامج كوميدي هزلي أذيع عبر شبكة بي بي سي، وتطور المشروع لينتج عنه أفلام وكتب وعروض مسرحية وموسيقية، واتسمت أعمالها بالجرأة الفنية واتخذت طابعًا سوريالي في بعض الأحيان، وقدمت العديد من العروض التي لم تكن مألوفة للجمهور في ذلك الوقت، ولم تلتزم الفرقة بأي من الأشكال التقليدية في مواضيعها أو طريقة تقديمها، فمثلًا قد يتأخر ظهور العنوان الافتتاحي الممهد للعمل المقدم حتى منتصف العرض بدلًا من بدايته على سبيل المثال، وفي أحيانا أخرى لا يقدموا عنوانا افتتاحيا من الأساس.

بعد نجاحها اللافت انتقلت الفرقة من العمل التلفزيوني إلى السينما، وكان ذلك الانتقال نقطة فارقة في مسيرة جيليام، حيث انتقل لمقعد المخرج للمرة الأولى، وشارك في إخراج فيلمين من علامات السينما الكوميدية الحديثة، هما: «مونتي بايتون والكأس المقدس» Monty Python and the Holy Grail» عام 1975، و«مونتي بايتون ومعنى الحياة» Monty Python's The Meaning of Life» عام 1983.

أبرز النجاحات السينمائية لجيليام

عام 1989، قدم جيليام، فيلم الفانتازيا "مغامرات البارون مونشاوسن - The Adventures of Baron Munchausen"، يقدم الفيلم مجموعة من حكاية المغامرات الساحرة للبارون فون مونشاوسن في رحلته لإنقاذ بلاده من الهزيمة. تضمن تلك المغامرات رحلات غرائبية التي إلى وحش البحر العملاق ورحلة إلى القمر والرقص مع كوكب الزهرة، تلك الغرابة غير المألوفة ستطبع عدد من أعمال جيليام بعد ذلك، كجزءا أصيلًا من لغته السينمائية.

ثم قدم عام 1991 فيلم "الملك الصياد- The Fisher King" الذي تدور قصته حول مقدم برامج يدعى جاك لوكاس(جيف بريدجز)يتورط في استفزاز أحد المجرمين، الأمر الذي أدى لارتكاب ذلك المجرم جريمة بشعة، يشعر جاك بالذنب ويصاب بالاكتئاب، حتى يلتقي برجل مشرد يدعى باري (روبن ويليامز) والذي قتلت زوجته في ذلك الحادث، يحاول باري العثور على الكأس المقدسة، يشعر لوكاس بالذنب تجاه باري فيقرر مساعدته.

ترشح الفيلم لخمس جوائز أوسكار ومثلها من الجولدن جلوب، ليفوز الفيلم بجائزة أوسكار وجائزتي جولدن جلوب.

وفي عام 1996 قدم تيري جيليام واحدًا من أشهر أفلام الخيال العلمي المعاصرة "12 قردًا- 12 Monkeys " يتم اختيار جيمس كول (بروس ويلس) في مهمة للسفر إلى الماضي، لمحاولة اكتشاف سر مرض الطاعون الذي تسبب في القضاء على الغالبية العظمى من سكان العالم. ترشح الفيلم لجائزتي أوسكار، فاز بإحداها.

قدم جيليام بعد ذلك فيلم «خوف واشمئزاز فى لاس فيجاس Fear and Loathing in Las Vegas»، عام 1998، وهو معالجة سينمائية لكتاب هانتر إس طومسون، يقود رول ديوك (جوني ديب) ومحاميه الدكتور جونزو (بينيشيو ديل تورو) سيارتهم عبر صحراء موهافي إلى لاس فيجاس لتغطية سباق للدرجات النارية، لكن في صحبتهم حقيبة مليئة بالمخدرات، الأمر الذي يقودهم للكثير من المتاعب. نجح الفيلم في ترسيخ نجاحات جيليام السابقة، على المستويين الجماهيري والنقدي.

استكمالًا لمسيرة جيليام الناجحة سيما في أفلام الخيال العلمي قدم فيلم «النظرية الصفرية The Zero Theorem» عام ٢٠١٣، تقوم الإدارة بتكليف مشغل كمبيوتر موهوب للغاية ولكنه منعزل اجتماعيًا بإثبات نظرية الصفر: أن الكون ينتهي إلى اللا شيء ، مما يجعل الحياة بلا معنى. لكن تنقلب حياته رأسًا على عقب بمجرد دخول فتاة فاتنة إلى حياته، وتصبح لحياته معنى مما يضعه في تناقض مع النظرية التي يحاول إثباتها.

أما عام 2018 فشهد انتهاء مشروعه الذي لم يفقد الأمل في خروجه للنور على مدى ثلاثة عقود، «الرجل الذى قتل دون كيشوت The Man Who Killed Don Quixote»، وهو فيلم مغامرات كوميدى، شارك طوني جريسونى في كتابته، ولعب بطولته آدم درايف وجوناثان برايس.

الهروب إلى الجنون ولا منطقية الزمن.. برازيل وديستوبيا الواقع

فيلم Brazil هو نقطة فاصلة في تاريخ جيليام الإخراجي، تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من الموظفين في مكان بيروقراطي لا يهتموا إلا بالأعمال الكتابية، وبسبب أمر عبثيّ وهو قتل ذبابة، حدث خطأ كتابيّ بتبديل حرف مكان آخر، وعليه تم إلقاء القبض على أحد الأبرياء نتيجة لذلك الخطأ، يكتشف بطل الفيلم ذلك الخطأ ويحاول تصحيحه، إلا أن الأمور تخرج عن السيطرة ويتم اتهامه هو بالإرهاب ويزج به إلى السجن.

يتميز هذا الفيلم بالبيئة المكانية التي صنعها جيليام بعناية والمتمثلة في المبنى الإداري البيوقراطي الذي تدور فيه أغلب أحداث الفيلم، هذا المبنى يحتوي على العديد من الطوابق وكل طابق به مئات من الغرف، ولكن السخرية هنا تكمن في أن الغرف شديدة الضيق تحتوي على أنابيب الصرف الصحي التي بدلًا من استخدامها في نقل الفضلات العضوية المكونة من السوائل وبقايا الطعام، رأي جيليام أن المخلفات العضوية الحقيقية التي يخرجها البشر ما هي إلا مخلفات فكرية فلجأ إلى توظيف هذه الأنابيب حتى يتم من خلالها نقل الأفكار والأوامر بين موظفي الشركة البيروقراطية بعضهم ببعض.

تمتاز المدينة الموجودة داخل الفيلم والتي وصفت قبل بداية الفيلم بأنها "مكان ما" دون تحديد لها بالديستوبيا، الديستوبيا هو العالم الذي تعمه الفوضى وليس للخير مكانٌ فيه، مجتمع يجرّد فيه الإنسان من إنسانيته ويتحول فيه الأشخاص إلى مجموعة من المسوخ، وهذا بالفعل هو العالم الذي نقله جيليام في فيلمه.

ففي اللحظة الأولى التي نشاهد فيها والده البطل نجدها تبدأ في إجراءات تنفيذ عملية تجميلية في وجهها بصورة مثيرة للرعب الحقيقي، لكنه رعب يثير الضحك، وكذلك صديقة والدته التي تشوهت إلى الحد الذي جعلها تموت. وعندما يتم القبض على البطل ويتم التحقيق معه، نجد الشرطي واضعًا قناعًا يشبه المسخ على وجهه أملًا في التخفي وعدم كشف هويته، كان الحلم مساحة الأمل الوحيدة التي يستطيع البطل من خلالها الهروب من هذا العالم الكئيب، ولكن حتى هروبه من بين أيدي الشرطة لم يستطيع المُشاهد معرفة إن كان أمر حقيقيًّا أم متخيلًا.

12 قردا والسفر عبر الزمن

يعتبر فيلم ١٢ قردًا واحد من أكثر أفلام جيليام امتاعا، يدور الفيلم حول "جيمز كول" سجين يعيش في أسفل الأرض، يعتقد المسئولين أنه ارتكب جريمة ما يستحق بسببها أن يبقى في غرفة منفصلة كنوع من العقاب، حتى يتضح لنا أن الأمر مماثل مع الجميع. وجميع السجناء ليسوا سوى 1% من سكان كوكب الأرض الذين قد نجوا من فيروس مميت تسبب في إبادة الجنس البشري وعليه يتم اختيار السجين جيمز في صورة عشوائية لكي يسافر عبر الزمن من 2035 إلى 1996 حتى يكتشف سر ذلك المرض ويحاول ايقافه.

في أول الأمر إرساله إلى عام 1990 حينها يظن الآخرون أنه شخص مريضٌ عقليٌّ فيتم وضعه داخل مصحة عقلية ويتقابل مع مريض وطبيبة وفي المرة الثانية يتم إرساله إلى الحرب العالمية الأولى عن طريق الخطأ أيضا، أما المرة الثالثة فيفلح الأمر ويصل إلى عام 1996، التنقل الدائم بين الماضي والحاضر والمستقبل يتسبب في حالة من اللامنطقية والتشوش وبسبب ذلك يبدأ جيمز في الشك في الأمر والظن أنه مريض عقلي يتوهم الأمور، إلى أن تثق فيه الطبيبة وتحاول معه حل الأمر وإنقاذ الكوكب لكن دون جدوى.

يتعامل جيليام مع الزمن في جميع أفلامه بأريحية شديدة وكأنه مزحة بالنسبة إليه ولم لا والواقع في حالة من الجنون، لهذا كان جيليام يلجأ إلى الكوميديا بشتى صورها في أفلامه القديمة أثناء اعتماده على الأساطير القديمة كبنية أساسية لأفلامه، ولكن مع التطور الحالي وتمكنه من التنقل عبر الماضي والمستقبل بدأ في وضع مِسحة من الشفقة والرثاء بدلًا من الهجاء حيث الانتقال الدائم لهذا الكوكب من سيء إلى أسوأ، يبدو أن هذا التاريخ الطويل الذي مر به جيليام في السينما والتليفزيون والرسوم المتحركة هو السبب الرئيسي في تكريمه خاصة.

ثمة فرصة لجمهور مهرجان القاهرة السينمائي رؤية فيلمين من أبرز أفلام جيليام، هما فيلم الخيال العلمي الأيقوني «برازيل» الذي نال إعجاب النقاد وترشح للأوسكار عام 1985، وفيلم «الرجل الذي قتل دون كيشوت» The Man Who Killed Don Quixote» الذي استغرق ثلاثة عقود في تنفيذه انتهت عام ٢٠١٨.

 

الشروق المصرية في

21.11.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004