كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

“إحكيلي” لماريان خوري.. إحكي حكاية عن الهوية والجذور والهواجس

بواسطة فيصل شيباني

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الحادية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

من الصعوبة بمكان أن تملك مادة فيلمية كبيرة تكونت طيلة تسعة سنوات كاملة، فتنوي ترجمتها في عمل وثائقي غير تقليدي تكسر فيه الحاجز بين التسجيلي والروائي وتترك أحيانا الكاميرا تتكلم وأحيانا أخرى وفق نسق مرسوم بعناية.

قصص وحكايا تتجمع تحت سقف واحد، داخل نص يشكّل الداعم الأساسي لقصة عائلة، فالأمر هنا ليس سيرة ذاتية بالمعنى التقليدي بل القصص تتداخل وتسير دون أن تلتقط أنفاسها، والحكاية تتشابك بين الأم والجدة والبنت والعائلة بصفة عامة، فماريان خوري بفيلمها “احكيلي” المتوج بجائزة الجمهور في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته 41، جزء من الكل، فالمجال أوسع والفضاء أرحب للحكاية.

لا تكتفي ماريان خوري برصد كيف تعيش عائلتها الكبيرة والصغيرة، بل تذهب لتتبع الصدى في دواخلنا ودواخلها ومدى تأثير ذلك على حياتها وحياة ابنتها، كان يمكنها أن تكتفي بسيرة ذاتية عادية ولكنها تنتقل من الجزء إلى الكل، فتصعب الأمر عليها وتسهله علينا، تضعنا أمام تفاصيل حياتية بعضها معلوم والآخر مجهول من عائلتها، يوسف شاهين الذي نعرفه جيدا عبر أفلامه ولكن الجانب الشخصي والعاطفي من حياة “جو” وعلاقته المتينة بعائلته وبشقيقته “أم ماريان” والمتوترة بوالدها “جان خوري” الموزع السينمائي الذي كان من الأوائل الذين وزعوا الأفلام في الجزائر وتونس والمغرب.

تحمل ماريان خوري الكاميرا وبتكثيف بصري تسرد وترصد في الآن ذاته جوانب حياتية، تتكئ تارة على أرشيف قديم مصور بين الفيديو والصورة وتنتقل بين الماضي القريب والبعيد، وبشاعرية تعيشنا في تفاصيل حياة عائلتها، كيف كانت والدتها؟ كيف يتحدث يوسف شاهين “خالها” عن العائلة ووالدتها بالخصوص؟ علاقتها بابنتها التي يدور بينهما حوار مسجل بالموبايل، تقول ماريان أنها اقتنصت تلك اللحظات التي رأتها مناسبة فالمخرج يعرف متى يصوب كاميرته جيدا ويختار الوقت المناسب لذلك.

تدفع ماريان خوري المشاهد لعيش تلك اللحظات والتفاصيل وتجعله فاعلا لا ملاحظا فقط، فالشاعرية في العمل تبرز بشكل جلي متخطية الحدود بين الروائي والتسجيلي، نحن أمام حالات مختلفة تكسر الحواجز والقواعد الفنية ما خدم الفيلم بشكل أو بآخر، المخرجة أحيانا وراء الكاميرا وأحيانا أمامها، تتأرجح بين محيطها وحياتها الشخصية، ترصد كيف عاش أهلها وكيف تعيش هي وابنتها، تقف على خط رفيع بين الماضي البعيد والقريب وتلعب على هذا الوتر جيدا، تجابه خيباتها لتتعلم منها وحتى لا تكرر نفس الخطأ على الأقل مع أبنائها، فبينها وبينهم لا توجد قيود فالحرية عند ماريان خوري شيء مقدس وربما يعكس ثقافتها في الوجود.

الجدة والأم والبنت والعائلة.. قصص ملهمة

تجد المخرجة ماريان خوري نفسها وسط حكاية وليست راوية فقط، فالكل هنا يسرد وقائع جرت وتجري، يوسف شاهين يتحدث عن علاقته مع أمها وجدتها، فالمرأة هنا مقدرة وهي عصب العائلة، “جو” يسهب في الحديث عن والدة ماريان خوري ويصفها بالذكية ويستغرب كيف أنها لم تدخل مجال الفن رغم أنها صادقت ممثلات كبيرات، يعود جو للحديث عن زوج شقيقته “جان خوري” الموزع الموسيقي الذي ساعده في بداياته ليختلفا في الأخير وتتوتر علاقتهما، تركز ماريان خوري كاميرتها كثيرا على “جو” ولكن بذكاء فهو أحد أعصاب العائلة كما أنها تستعين في فيلمها على مادة أرشيفية من بعض أفلامه خاصة الأفلام النسائية التي نقل في بعضها وقائع حياتية حقيقية تتعرض بصورة أو بأخرى لحياة شقيقته، جوانب تعكس علاقة يوسف شاهين بعائلته، وهو ما لعبت عليه المخرجة جيدا، بعيدا عن مسار شاهين كمخرج ففي النهاية تحاول أن لا تتخندق في محور شاهين رغم أنه أحد عناصر الحكاية ولكنه جزء فقط من قصة عائلة تعيش للسينما وبالسينما، فهذا الفن يشكل عصب عائلة خوري وهو ما تبرزه ماريان من خلال قصة ابنتها التي تذهب لدراسة السينما في كوبا وكذلك شقيقها غابي خوري الموزع السينمائي.

هواجس المخرجة تظهر جليا في الشريط السينمائي وعبر صور عديدة، هاجس نظيره القوة والإصرار على مقاومة المرض، والأبناء أكبر سند لها في محنتها، وكأن التاريخ يعيد نفسه فماريان التي وقفت مع والدتها في مرحلة صعبة من حياتها نفس الأمر يتكرر مع ابنتها التي رافقتها طيلة رحلتها المرضية وقيامها بعملية جراحية لاستئصال الورم السرطاني، الجمل الحوارية بين ماريان وابنتها ملهمة فانعكاس شخصية الأم بارز على البنت التي تختار السينما في الأخير وتصوّر العائلة طوال الوقت مثل والدتها، تقول ماريان خوري: ” ابنتي تحضر جزءا من العمل وتتحداني بكونه سوف يكون جيدا”.

يظهر من خلال الفيلم أن المخرجة صورت مادتها على امتداد سنوات ما يجعل المونتاج أصعب المراحل في العمل وأهمها أيضا للحفاظ على خصوصية العائلة، فالفيلم مركب ومن الصعب اختصار 100 عام في فيلم مدته 95 دقيقة، تقول ماريان خوري: ” الفيلم لم يكن به سيناريو محدد تمت كتابته، فهي كانت تقصد أن تضيف له الخط الروائي الحقيقي بين أشقائها وابنتها وعمتها وخالها، لأنها ليست ممثلة، لكنها تقدّم دورها في الحياة، والحوار الذي دار بينها وبين ابنتها لم يكن مكتوبا وجاء ارتجاليا، بعدما حضرت ورشات عن السير الذاتية، كي تتعلم كيف تتحدث بتلقائية دون الرجوع إلى النص، خاصة أنها تروي مواقف حقيقية دون تصنع.”

يا الرواي احكي حكاية…

“يا الراوي احكي حكاية مادابيك تكون رواية احكيلي على ناس زمان، احكيلي على ألف ليلة وليلة وعلى لونجة بنت الغولة، وعلى وليد السلطان، حاجيتك ماجيتك وديني بعيد من هاد الدنيا، حاجيتك ماجيتك كل واحد منا في قلبو حكاية، احكي يا الراوي كيما حكاولك، ماتزيد ما تنقص، من عندك احكي ونسينا من هاد الزمان خلينا في كان يا مكان”، بهذه الكمات من أغنية “يا الرواي احكي حكاية” للمغنية الجزائرية سعاد ماسي تنهي ماريان خوري شريطها السينمائي وفي قلبها ألف حكاية، فاختيارها للأغنية يأتي نظير عشقها للمطربة الجزائرية ولأن كلماتها تؤكد حالتها.

 

موقع "أوراس" الجزائري في

05.12.2019

 
 
 
 
 

محمد حفظي: ردود فعل دورة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأخيرة قوية وايجابية

مراكش - أ ش أ

قال محمد حفظي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، إن الدورة الأخيرة للمهرجان التي اختتمت أعمالها يوم الجمعة الماضي، حققت ردود فعل قوية وكانت ايجابية جدا أكبر مما كان يتمنى.

وأعرب حفظي - في تصريحات اليوم على هامش مشاركته في الدورة الثامنة عشرة لمهرجان مراكش الدولي للفيلم - عن قلقه من تراجع عدد الأفلام المنتجة رغم أن حجم الانتاج السينمائي في مصر ارتفع خلال الفترة الماضية قياسا بما سبق، غير أنه أوضح أن قلة عدد الأفلام المنتجة أثر على حجم المشاركة في المهرجانات السينمائية الدولية، معربا عن أمله في أن تشهد الفترة المقبلة تواجدا في هذه المهرجانات المهمة.

ودعا إلى تقديم الدعم للأعمال السينمائية خاصة تلك النوعية التي تقدم مشاريع جديدة أو تجارب غير تجارية.

وقال إنه رفض مشاركة فيلم "ليلة رأس السنة" في مهرجان القاهرة الدولي كونه من تأليفه وانتاجه، معتبرا أن مشاركة الفيلم في ختام مهرجان مراكش الدولي يعد تقديرا للسينما المصرية.

وأوضح حفظي أن سيناريو الفيلم كتب قبل 10 سنوات في 2009، وأنه لم يقرر انتاجه من قبل إلا بعد طلب المخرج محمد أحمد صقر الذي أصر على تنفيذ العمل.

وتابع أن أحداث الفيلم تدور في ليلة واحدة هي ليلة رأس السنة بأحد المنتجعات، ويرصد علاقة طبقة معينة بالمجتمع، مشيرا إلى أنه طرح الفكرة لتسليط الضوء على هذه الطبقة ودورها في المجتمع، وتأثرها بالأحداث المحيطة بها في ليلة رأس السنة.

وأشار حفظي إلى أن الفيلم يرصد الوضع الاجتماعي خلال العام 2009، وأنه لم يقم بأي تغيير في السيناريو، خاصة في ظل تشابه الظروف التي دفعته إلى كتابة الفيلم.

وتدور أحداث الفيلم خلال ليلة رأس السنة لعام 2009 في البحر اﻷحمر بين عالم اﻷثرياء داخل إحدى المنتجعات القريبة من مدينة الغردقة، حيث يتعرض أبطال العمل للعديد من المواقف والأزمات الصعبة عندما يجتمعون معا.

يشارك فى بطولة العمل، الذي يعرض غدا في ختام الدورة الثامنة عشرة لمهرجان مراكش الدولي للفيلم، إياد نصار وإنجى المقدم، وأحمد مالك وشيرين رضا وهدى المفتي وسالي عابد وهو من تأليف محمد حفظى، وإخراج محمد صقر.

 

الشروق المصرية في

06.12.2019

 
 
 
 
 

ماريان خوري: تمنيت لو شاهد يوسف شاهين عرض «احكيلي»

فيلمها تُوّج بجائزة الجمهور في «القاهرة السينمائي»

القاهرة: انتصار دردير

نال الفيلم المصري «احكيلي» جائزة الجمهور بمهرجان القاهرة السينمائي خلال دورته الـ41 التي انقضت مؤخراً، ورغم أنه فيلم وثائقي، فإن محمد حفظي، رئيس المهرجان، ضمه ليمثل مصر في المسابقة الدولية. الفيلم للمخرجة والمنتجة ماريان خوري، ابنة شقيقة المخرج الكبير يوسف شاهين، والتي عملت طويلاً منتجاً منفذاً لأفلامه، ومنها «وداعا بونابرت»، «اليوم السادس»، «إسكندرية كمان وكمان»، كما أخرجت ثلاثة أفلام وثائقية هي «زمن لورا»، «عاشقات السينما»، و«ظلال».

لأول وهلة يبدو «احكيلي» فيلماً عائلياً تتناول فيه المخرجة تاريخ عائلتها التي نزحت من لبنان واستقرت بالإسكندرية والقاهرة، ولا سيما أنها عائلة لأكبر مخرجي السينما العربية، تحاور المخرجة ابنتها في حديث عادي سرعان ما يتطور ليلامس قضايا إنسانية يتجاوز الخاص إلى العام، ويفتح الباب لمساحة كبيرة من البوح تتحدث فيه المخرجة عن زواجها وإنجابها ومرضها، ويظهر لقطات وأحاديث للراحل يوسف شاهين وهو بين أسرته في احتفالاتهم.

فرحة كبيرة غلفت حديث ماريان خوري لـ«الشرق الأوسط» أرجعتها لأكثر من سبب، مؤكدة أن الجائزة في حد ذاتها مصدر سعادة؛ إذ جاءت باستفتاء الجمهور، كما أنها تحمل اسم السينمائي الراحل يوسف شريف رزق الله، الذي قالت إنه «أول من علمها كيفية وضع برنامج بانوراما الفيلم الأوروبي في دورتها الأولى عام 2004»، وأشارت خوري إلى أنها «فوجئت بردود أفعال قوية عند عرض الفيلم... وأنه لم يكن هناك مكان خالٍ بالمسرح، في حضور عدد كبير من نجوم الفن والسينمائيين العرب».

اختيار الفيلم في المسابقة الدولية وصفته المخرجة بجرأة من رئيس المهرجان محمد حفظي، مشيرة إلى حرصها على عرضه الأول بالقاهرة. وأوضحت «كان لدى فرصة لعرضه في مهرجانات أخرى، لكني فضلت القاهرة، وكنت حريصة على ذلك مثلما كنت حريصة على أن يكون الفيلم من تمويلي بالكامل، وقد أخطأوا في كتالوج المهرجان وكتبوا أنه مصري – فرنسي، وهذا غير صحيح».

مشاهد الفيلم تجمع بين المخرجة وابنتها سارة التي تدرس السينما في كوبا والتي ظهرت بتلقائية ممثلة محترفة، تقول ماريان عنها «سارة تمثل في الأفلام التجريبية في دراستها، واختارت كوبا لأنها بعيدة عن التكنيك، لكنها تركز على إتاحة الفرصة للطلبة للتفكر في بناء الفيلم».

تبدو الكاميرا حاضرة بقوة في تفاصيل حياة العائلة خلال مراحل زمنية مختلفة «بعضها بالأبيض وأسود»، وعن ذلك تقول خوري «اعتدت تسجيل كل اللحظات في حياتنا، لكن الفيلم دائماً كان في بالي؛ لذا سجلت كل لحظاتنا العائلية».

لا شك أن سيرة يوسف شاهين أضافت ثقلاً وحضوراً مهمين بالفيلم، تقول خوري «شاهين كان يعلم برغبتي في إنجاز هذا الفيلم، وقد صورت لقطاته عام 2004 واحتفظت بها 15 عاماً حتى ظهر للنور، وقد أعطاني أرشيفه الخاص وخطاباته المتبادلة مع جدتي (والدته) خلال دراسته للسينما بأميركا، وشرائط كاسيت تخصه للاستعانة بها في الفيلم، وناقشني فيه كثيراً، وكان طبيعياً أن يكون شاهين حاضراً؛ فهو خالي الأكبر وهو سينمائي كبير، ورغم أنني لم أتعلم السينما منه، لكنه علمني ألا أخاف طالما أنني صادقة، وقد عملت معه منتجاً منفذاً، وكنت أتمنى أن يشاهد شاهين الفيلم في المهرجان... أتوقع أنه كان سيحبه لأنه كان يحب الحقيقة والتناول الصادق».

في «احكيلي» تطرقت خوري لأحداث خاصة تتعلق بزواجها وانفصالها ومرضها، الذي كشفت عنه للمرة الأولى. تقول: «لم يكن باستطاعتي تقديم هذا الفيلم من 30 سنة مثلاً، فلم أكن أمتلك الجرأة، لكنني مع الفيلم هزمت الخوف من إعلان مرضي بالسرطان؛ لأنه سيفيد الكثيرين، وحينما نشاهد تجارب مماثلة تنكسر حدة الخوف».

وحول بناء سيناريو الفيلم، توضح «كان أصعب ما في الفيلم أن يتم بناء كل شخصية على حدة، وأن يتم مزجها معاً، لم أكتب سيناريو بالشكل المعتاد، لكن كنت أكتب ما الذي أريد أن أحكيه فكتبت معالجة، في هذه النوعية من الأفلام لا يمكن وضع سيناريو مسبق».

وأضافت: «أول نسخة صدرت كان الفيلم مدته أربع ساعات، وظللنا نجري المونتاج على مدى عامين، وبذلت المونتيرة بريهان مراد جهداً كبيراً، كنا معاً في كل المراحل، ولم أكن أسمح لأحد بدخول غرفة المونتاج، كان شاهين يفعل ذلك أيضاً، وكنت أندهش لموقفه، لكن اكتشفت أنه كان على حق؛ حتى لا يتأثر بآراء الآخرين قبل انتهاء الفيلم».

تتحدث خوري عن دورة مهرجان القاهرة السينمائي الأخيرة قائلة: «كنت مشغولة بفيلمي؛ فلم أتابع أفلامه، لكني شاهدت الفيلم الوثائقي (أوفسايد الخرطوم) وأعجبتني روحه الجميلة وشخصياته، ولاحظت أن الإقبال كان كبيراً على حضور أفلام مثل (الآيرلندي)، وفيلم المخرج الفلسطيني إيليا سليمان (إن شئت كما في السماء)».

وحول الحراك الذي تشهده السينما العربية، تقول خوري «هناك تطور إيجابي في السينما العربية في السودان والمغرب، وفي السعودية حراك إيجابي مذهل ونقلة كبيرة كان الشباب يتطلع إليها، وأرى أن الإنتاج العربي المشترك بات يمثل ضرورة؛ لأن الإنتاج الأوروبي الذي كنا نعول عليه أصبح يعاني في بلاده».

 

الشرق الأوسط في

06.12.2019

 
 
 
 
 

مخرج «بيك نعيش»: أفضل النهايات المفتوحة..

والدعم المادي في تونس لا يكفي لإخراج مشروع | حوار

حوار - سارة نعمة الله

عندما يربح المخرج جائزة يشعر كأنه امتلك الدنيا وما فيها، فما بالك أن يحصد ثلاث جوائز في مهرجان دولي هام، يستكمل بها أرشيفا ضخما ليضاف إلى رحلة نجاحه التي طاف فيها في العديد من المهرجانات الدولية.. هذه الكلمات تلخص رحلة المخرج ال تونس ي مهدي برصاوي، الذي شارك فيلمه « بيك نعيش » بـ16 مهرجانًا على مستوى العالم آخرها « القاهرة السينمائي »، الذي اختتمت فاعلياته منذ أيام ونال خلاله ثلاث جوائز «جائزة لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة آفاق السينما العربية، وجائزة أفضل فيلم عربي، وجائزة الأمم المتحدة للسكان»، كما يشارك حاليًا بفاعليات مهرجان مراكش السينمائي الدولي.

« بيك نعيش »، تقع أحداثه بعد ثورة الياسمين ب تونس ، حول رحلة زوجين إلى الجنوب ال تونس ي تتحول حياتهما رأسًا على عقب بعد أن يتعرض ابنهما الوحيد لطلق ناري إثر حادث إرهابي نتيجة لفتح الحدود بين تونس وليبيا، إبان هذه المرحلة مما يستلزم زراعة كبد لهذا الطفل الذي يكتشف معه خيانة الأم مع رجل آخر مما يصعب مهمة إنقاذ الطفل، ويزداد توتر العلاقة بين الزوجين، وخلال ذلك يقدم مخرج الفيلم بانوراما يحول فيها كثيرا من التطورات التي وقعت على الصعيدين السياسي والاجتماعي ب تونس .
في حفل الختام بدت فرحة برصاوي، تهز أجواء المسرح وسط احتفاء كبير من الحضور الذين شاهدوا الفيلم الذي افتتحت به مسابقة آفاق السينما العربية فاعلياتها، تلك الفرحة التي لم يتخيل صاحبها حصده لثلاث جوائز دفعة واحدة ووقف حينها متحدثًا لجمهوره قائلًا: «لا تتصوروا قد إيه أنا فرحان بمشاركتي في المهرجان، وبعرض الفيلم هنا، وأهدي الجائزة لفريق عمل الفيلم».

ولأن « بيك نعيش » الذي تم بيعه في أكثر من 20 دولة منها الصين، يعد واحدًا من الأفلام التي قدمت بانوراما بين أحوال السياسة والمجتمع متخذة من ثورة الياسمين ب تونس عنوانًا عريضًا لأحداث الفيلم، ولأن مهدي برصاوي بات واحدًا من أهم مخرجي المنطقة العربية بعد حصده للعديد من الجوائز عن هذا الفيلم منها: جائزتان من مهرجان فينسيا، جائزة من المهرجان الفرانكفوني ببلجيكا، وتنويه له في قرطاج وغيرها، التقت «بوابة الأهرام»، المخرج الذي تحدث عن تفاصيل فيلمه ورحلة تمويله التي انطلقت من مهرجان القاهرة السينمائي ، وطموحاته بتغيير القوانين في تونس لأنه يرى أن الدولة لابد أن تدافع عن الشخص وليس عن الشرف.. وإلى نص الحوار:

·        هل توقعت حصد كل هذه الجوائز عن الفيلم من خلال مشاركته العديدة في المهرجانات الدولية؟

الحقيقية لم أكن أتوقع هذه الجوائز، فعندما كنت أعمل على مشروعي كنت أحاول فقط أن أكون صريحا مع موضوعي وفكرتي، بالإضافة إلى أنني لم أتوقع أن يحظى الفيلم بهذا الاحتفاء الجماهيري، وأن يقابل بكل هذا الدعم والتلقي من مشاهديه الذين كانوا من ثقافات مختلفة في مختلف أنحاء العالم، بخلاف أن اللغة ال تونس ية ليست متداولة على نطاق كبير مما قد يصعب فكرة التلقي على المشاهد، كما أن الأحداث تدور نحو أزمة معينة وفي بلد معين لذلك فأنا لم أتوقع بالطبع كل هذا الاحتفاء.

·        لكن بالرغم من المشاركات العديدة بالمهرجانات الدولية، يبقى لـ« القاهرة السينمائي » سحر خاص وخاصة أن فيلمك حصل على تمويل من ملتقى القاهرة السينمائي عام 2016؟

بالتأكيد فأنا كثير الفخر بعرض فيلمي بمهرجان القاهرة، وشرف لي هذا الاحتفاء الذي قابلته من إدارة المهرجان والجمهور والنقاد، فلا تتخيلي كم الرسائل التي استقبلتها عبر مواقع السوشيال ميديا تهنئة لي بالجوائز وبالفيلم، وما يزيد من سعادتي هو نجاح الفيلم في القاهرة، والتفاعل الذي وجدته خصوصًا وأن لكل بلد مشاكله وأزماته الخاصة به، وأتمنى أن يعرض الفيلم رسميًّا في مصر قريبًا.

·        لماذا كانت الثورة حدثًا غير مباشر في فيلمك الذي قدم بانوراما تناولت العديد من القضايا منها الخيانة الزوجية وتجارة الأعضاء وغيرها؟

أنا لست رجل سياسة لكي أحكي عن الثورة بشكل مباشر، والحقيقة أنني أيضًا لم أحاول إعطاء رأيي، والقضية هنا بالنسبة لي ليست الثورة فما يهمني هنا هي هذه العائلة التي نحكي عنها وما نستعرضه من خلالها من تطورات في الأحداث والأوضاع الداخلية التي أعقبت تاريخ الثورة، فقبل هذا التاريخ لم يكن هناك حوادث إرهابية وهي النقطة التي انطلق منها الفيلم حيث لم تكن هناك الحدود مفتوحة بين تونس وليبيا أو تجارة أعضاء وغيرها.

·        أفهم من ذلك أنه إذا لم يكن هناك حدث الثورة لم يخرج « بيك نعيش » للنور؟

بالتأكيد، فهو المفتاح الذي منحنا الدعم لاستعراض الأوضاع دون أن نتحدث عن الثورة مباشرة، فكل ما كان يهمني هو التوازي في الأحداث بين العائلة والدولة، فإذا تطورت البلد ستتغير العائلة، والحقيقة أن النظرة الأخيرة بين الزوجين «فارس» و«مريم» تركت نهاية شبه مفتوحة للتأكيد على هذا المفهوم.

·        هل تفضل دائمًا كتابة أفلامك بنفسك؟.. ولماذا كل هذه المدة في التحضير؟

كل الأفلام التي أخرجتها كتبت السيناريو الخاص بها، ولدي فريق كامل يخدم معي في هذه النقطة، وبالفعل العمل أخذ مني مراحل كثيرة في التنفيذ منذ أن بدأت كتابة أول جملة حتى آخر خطوة بما يقارب من خمس سنوات مضت، 4 سنوات كتابة وعام تصوير وباقي المراحل، وصورناه في 36 يوما ب تونس ، والحقيقة أن الكتابة أخذت مدة طويلة لأن الفيلم فيه العديد من الطبقات والأحداث ما بين أزمة العائلة والوطن بكل ما جرى عليهما من تطورات كما ذكرت.

·        هناك جرأة في تناول محتوى فيلمك من خلال فكرة الخيانة من الزوجة.. ماذا كنت تفكر من خلال هذا الطرح وسط احتمال بالنقد كان من الممكن أن يواجهك؟

عندما أفكر في مشروع أبحث فقط عن المضمون الذي أريد مناقشته والرسالة التي أريد التركيز عليها، فأنا هنا أشير إلى فكرة هامة تتلخص في أن العلاقة البيولوجية ليست هي أساس العائلة، والحقيقة أنا لا أعرف ما هي الاختلافات بين تونس ومصر، فمثلًا لدينا في دولتنا تقييد لشكل الحريات على مستوى حرية المرأة والحريات الفردية، فمثلًا في قانون الخيانة الزوجية يعاقب كل من الرجل والمرأة بالحبس 5 سنوات وهذا ليس من الأمر المنطقي أن تتدخل الدولة في الحريات الشخصية وفي الأسرة بهذا الشكل.

·        لكن مناقشة أوضاع تونس بعد الثورة من هذا المنطلق ربما كان يحمل وراءه أفكارًا أخرى تشغلك من قبل؟

طبعا، والحقيقة أن الموضوع هو الذي اختارني وليس أنا، فمنذ طفولتي أسأل نفسي عن معنى العائلة والأبوة والأمومة، لذلك كان من المهم مناقشة أمر العائلة والدولة بشكل متواز، فالأزمة التي عاشتها البلاد وما حدث من تطور عقب 2011 لم يكن اختيارا مجانيا سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي وبالطبع أن العائلة أيضًا كانت تعيش هذه التغيرات، لذلك أردت أن أرصد هذه الأمور في أول فيلم روائي طويل لي.

صفعة الزوجة لوجه زوجها ثم ترك النهاية مفتوحة بين الزوجين إما بالعودة أو الانفصال قد يربك المشاهد؟

لحظة صفع الزوجة لزوجها تؤكد على الانفصال أو أن الحياة بينهما قد انتهت بالفعل، لكن مشهد النهاية بنظرة الزوجين لبعضهما قبل دخول الطفل "نجلها هي فقط" لإجراء العملية تحمل رؤية في مستقبل أفضل لهذا الابن فلم يشغل بال الاثنين في تلك اللحظة إجراؤه لعملية زراعة الكبد بنجاح وأنا كمؤلف ومخرج العمل أعرف أنهما لم يعودا معًا مجددًا لذلك النهاية هنا شبه مفتوحة.

·        هل تفضل مثل هذه النهايات؟

أفضل النهايات المفتوحة دائمًا؛ لأَنِّي لا أحب تسليط وجهة نظري على أحد وفيلمي كما قلت نهايته شبه مفتوحة.

·        هل يزعجك فكرة تدخل الدولة لديكم في تونس في حريات الأفراد؟

نعم بالطبع.. فالإنسان هو صاحب الحق في الدفاع عن شرفه وليس الدولة، ولابد أن يكون القانون به إمكانية للتأويل، فالدولة وظيفتها حماية الأشخاص وليس الدفاع عن الشرف.

·        لماذا توجهت للحصول على الدعم من ملتقى القاهرة السينمائي قبل سنوات بالرغم أن تونس بلد يتمتع بالدعم في هذه المسالة؟

تونس فيها ثقافة السينما والدعم بالفعل، ولكن الدعم لا يكفي للفيلم لأن تكلفته تكون كبيرة جدا، لذلك لابد أن نتوجه للعديد من المنح الخارجية حتى نطور الفيلم، واختياري لمهرجان القاهرة لعراقته وأهميته بالمنطقة العربية بخلاف فكرة التواصل الجيد فيه بيننا وبين مسئولين.

 

بوابة الأهرام المصرية في

06.12.2019

 
 
 
 
 

عواجيز "الأيرلندي" ينتصرون لسينما الكبار

سيد محمود سلام

قبل عرض الفيلم الأمريكي " الأيرلندي "، كان السؤال المطروح بين بعض من ترقبوه.. هل ستنجح تجربة المخرج "مارتن سكورسيزي" في تقديم فيلم عن العصابات وكل أبطاله تقريبا "عواجيز"؟ّ!، فقد تجاوز روبيرت دي نيرو السادسة والسبعين، وآل باتشينو التاسعة والسبعين، وجوبيشي ست وسبعين عامًا، وسكورسيزي 77 عامًا.

روبرت دي نيرو نفسه، لم يصدق سيزي عندما اقترح عليه تقديم رواية "أنت تطلي المنازل" لتشارلز براندت، واعتبرها في البداية مزحة، لكن علاقتهما الوثيقة، والتي امتدت لسنوات، قدما فيها أعمالًا ناجحة، دفعته لأن يثق في قدراته، وفي سحر شخصية رجل العصابات القاتل المأجور "فرانك شيران".. وهو كمخرج لديه تجارب كثيرة حققت النجاح المتوقع منها فيلمه "المغادرون"، الذي قدمه عام 2006، عن قصة لفيلم صيني "شئون جهنمية" من قبل.. وكانت تجربة "المغادرون" وهي عن المافيا وعالم العصابات، موفقة لكنها بنجوم شباب، مات ديمون، وليوناردو دي كابريو، وجاك نيكلسون، ومارك والبيرج.. وهي تقريبًا نفس تركيبة الشخصيات التي قدمها تقريبًا في " الأيرلندي ".

عرض فيلم " الأيرلندي " في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي ، بعد عرضه في مهرجان نيويورك في دورته الـ 57، ثم عرض مؤخرًا في مهرجان مراكش السينمائي، وانتشر عرضه بعد رفعه على منصة "نتفلكس" بين الجماهير.. ولأن مدة الفيلم تجاوزت الثلاث ساعات ونصف، فقد شعر بعض من تابعوه بملل خاصة في الجزء الأول منه، أو لطريقة السرد التي اعتمدها "سكورسيزي" وهي التحليق بين الماضي والحاضر من خلال "فلاش باك" على لسان بطل الفيلم، "فرانك شيران"، الذي قدمه "روبيرت دي نيرو"، قاتل مأجور يجلس في المشهد الأول من الفيلم على كرسي متحرك، يسرد بشكل متتابع حكايته منذ أن كان مجندًا في الحرب العالمية بإيطاليا وحتى قتله في الفيلم لـ"جيمي هوفا"، الذي قدمه آل باتشينو.

ما بين المشهد الأول وحتى لحظة إطلاق "فرانك شيران" النار من مسدسه على صديقه "جيمي هوفا"، والذي جاء في الرواية لاختفائه وليس قتله، ما بين المشهدين تدور الأحداث والوسيط فيها هنا؛ بل والمحرك لكثير منها هو "راسيل بافلينور"، الذي جسده العملاق "جوبيشي"، وهو يلتقي مع سكور سيزي لأول مرة، وبترشيح من صديقه روبيرت دي نيرو.

إذ كان "راسيل" قد التقى "فرانك" في أثناء تعطل شاحنة الثاني في الطريق فقام هو بإصلاحها له ليتعرفا معًا على بعضهما، دون أن يكشف "راسيل" لـ "فرانك" عن اسمه أو هويته، حتى يلتقيا في أحد الحانات، ويرشح "راسيل" "فرنك" ليعمل مساعدًا لصديقه "جيمي هوفا" رئيس النقابة العمالية، والذي عرف بين أقرانه بقدرته على تحدي الجميع، والانتصار لمصالحهم، برغم متاجرته بأموالهم، واللعب لمصالحه الشخصية.. يدخل "هوفا" السجن متهمًا في قضايا تلاعب، وفي السجن يلتقي بأحد من تسبب في ضياع أموالهم "جاك هيوستن".. وبعد خروج "هوفا" من السجن.. يدخل في صراعات من شأنها تهدد ليس وجوده، بل وجود صديقيه "راسيل"، الذي فشل في إقناعه بالعدول عن تصرفاته، وصديقه الثاني "فرانك"، وهنا تلعب لغة العصابات دورها، ويتفق الثنائي على التخلص من "هوفا".

أحداث كثيرة جدًا تضمنها الفيلم، ما بين حكايات الحروب، فساد آل كيندي، ومافيا النقابات العمالية، وبيزنس كبار المسئولين، وهو ما كان بإمكان "سكورسيزى" اختصاره، والتركيز على التيمة الثلاثية ما بين "فرانك وهوفا وراسيل" فهم مثلث الشر الذي صنع أسطورة سينمائية وهي " الأيرلندي ".

كان واضحًا أن روبيرت دي نيرو الأكثر تفاعلا مع الشخصية التي قدمها، دارسًا لانفعالاته، فهو يشرح لنا كيف أن أسرته التي يقدمها في مشاهد عدة تفككت من جراء أفعاله، وأن ابنته لم تعد تحبه؛ لأنها هي وزوجته يعرفان من القاتل في الجريمة التي يقرآنها أو يسمعان خبرًا عنها على الشاشة بمجرد عودته صامتًا إلى المنزل.. حتى إنه قتل الرجل الوحيد الذي تعاطفت معه ابنته وهو "هوفا".

آل باتشينو وجو بيشي، قمة أدائهم البديع، وكأنهم الثلاثة في مباراة، لصناعة فيلم يخلدهم على الشاشة في لقطة واحدة.

السرد يرغمك على أن تجلس مبهورًا، ليس باللغة السينمائية العالية، ولا المفردات التي تعبر عن دقة اختيار "سكورسيزي" لها، ولا الملابس التي تنطق بالستينيات، ومرورًا بالسبعينيات وحتى سجن "فرانك".

سحر السينما، وجمالياتها، نجح المخرج في وصفه وتقديمه على الشاشة، وكأنه الفيلم الأخير له، يودع به السينما، فقد ظل تسع سنوات يعد لهذا العمل مع صديقه "دي نيرو"، تصوير رودريجو بريتو، الهادئ برغم أنه أمام فيلم عصابات معبر جدًا، سيناريو ستيفن زايليان، المكتوب عن رواية تشارلز براندت، وموسيقى سين سارسيلا، التي تعود بنا إلى فترة الستينيات، وكأنك تشاهد فيلمًا قديمًا، كلها عوامل أسهمت في حالة البهجة التي يصنعها عواجيز السينما في فيلمهم " الأيرلندي ".

sydsallam@gmail.com

 

بوابة الأهرام المصرية في

07.12.2019

 
 
 
 
 

أحمد شوقي يكتب:

أن تعمل في مهرجان القاهرة.. شهادة عن أربعة عهود وسبع دورات

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

ما الذي يعنيه العمل في مكان اسمه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟

سؤال ينتمي إلى نوعية الأسئلة التي رغم بديهيتها لا نطرحها على أنفسنا أبدًا، منشغلين بالانخراط في عمل تتسارع عجلته بلا توقف، ثم بالراحة منه بعد أن يستنزف آخر قطرات طاقتنا، لنحاول ممارسة حياتنا الطبيعية لشهرين أو ثلاثة، قبل أن تُعاد الكرّة ونجد أنفسنا من جديد نعمل دون فرصة للتوقف والتفكير. وضع غريب بالمقاييس المنطقية؟ ربما، لكنه ربما يكون الوسيلة الوحيدة التي ننجو بها من اكتشاف هو المسؤولية التي نتصدى لها ـ نحن فريق المهرجان ـ بصدر مفتوح وجرأة لا نحسد عليها!

أن تعمل في حدث سينمائي يعود تأسيسه للعام 1976 يعني أن ترث تلقائيًا عقودًا من تاريخ المهرجان، دورات وأحداث وأنشطة ومعارك وصراعات لم يكن أي من أعضاء الفريق الحالي جزءًا منها، لكن على كل منّا أن يحملها خلف ظهره، فتمنحه باليد اليمنى فخرًا وثقة وهو يتحدث عن المهرجان الأعرق والدورات الأكثر عددًا والبلد الذي ولدت سينما المنطقة وقضت صباها وشبابها وبداية كهولتها فيه حصريًا قبل الانتقال إلى الجيران. لكنها تعيقه باليد اليسرى في كل مرة يكتشف فيها أن عليه حل مشكلة تعود جذورها لأعوام مضت.

فعلى مدار تاريخه، كان القاهرة السينمائي الدولي بشكل أو بآخر صورة لمصر، بكل ما فيها من تناقضات ومزيج يستحيل فصل عناصره الجامعة بين الجودة والردائة، الحداثة والتخلف، الحرية والقمع. لذلك فلم يكن من الغريب أبدًا أن تتزامن النقائض، وأن تكون أكثر اللحظات رقة وتأثيرًا في تاريخ المهرجان، والتي لا يزال الجمهور يتداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويحن إلى "الزمن الجميل"، هي نفسها تنتمي لدوارت شابتها مشكلات تنظيمية وأزمات معقدة. وأنا على ثقة أن موضوعات هذا العدد الخاص ستكشف عن هذه الطبيعة الغريبة لمهرجان كُتب عليه منذ تأسيسه أن يحمل الحلاوة والمرارة جنبًا إلى جنب، والذي كان من حسن حظي أن عشت فصولًا من تاريخه المعاصر، سأحاول سردها في هذه الشهادة قدر ما تسمح به الذاكرة.

2012.. مؤسسة المهرجان واجتماع على الرصيف المقابل

مكالمة تليفونية أتت بي لمقر المهرجان للمرة الأولى خلال ربيع العام 2012، كان وزير الثقافة آنذاك د. عماد أبو غازي قد اتخذ قرارًا يخص المهرجانات الثقافية والفنية، تُسند بمقتضاه الإدارة إلى جمعيات ومؤسسات أهلية من منظمات المجتمع المدني، الأمر الذي دفع مجموعة من العاملين الرئيسيين في المهرجان على رأسهم الأساتذة ماجدة واصف ويوسف شريف رزق الله ورفيق الصبان بإطلاق مؤسسة تحمل اسم المهرجان بغرض تنظيمه، وبالفعل بدأت المؤسسة عملها عبر تشكيل لجنة مشاهدة ضمت وجوهًا شابة كنت من ضمنها مع المخرج الصديق يوسف هشام، بالإضافة لمجموعة من النقاد والصحفيين أذكر منهم محمود عبد الشكور وعصام زكريا وعلا الشافعي وخالد محمود وآخرين. وكم كانت سعادتي وأنا اجتمع ضمن أعضاء اللجنة بأشخاص مثل يوسف شريف رزق الله (المدير الفني) ورفيق الصبان (مدير لجنة المشاهدة) وهم من كنت أراهم على شاشات التلفزيون واستقي منهم حب السينما. عمل اللجنة استمر عدة أشهر وسط حماس كبير خاصة من قبل الأعضاء الجدد، حتى صحونا يومًا على خبر لم نفهم نتائجه إلا بعدها بأيام.

الخبر هو حصول ممدوح الليثي رئيس الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما على حكم قضائي ببطلان إسناد إدارة المهرجان للمؤسسة الوليدة، باعتبار جمعيته هي من أسست المهرجان في بدايته قبل أن تضمه وزارة الثقافة لأنشطتها، لذا فمن حق الجمعية استعادة حقها في الإدارة طالما عادت الكرة لملعب الجمعيات الأهلية. نظريًا يبدو للرأي وجاهته، لكن عمليًا الفارق كبير بين ظروف إنشاء المهرجان في منتصف السبيعينات وبين الحال مطلع العقد الحالي، وبين جمعية الكتاب والنقاد في زمن كمال الملاخ وداعمه يوسف السباعي، وبينها في عهد الليثي الذي صار متخصصًا في تنظيم نسخ سيئة السمعة من مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط، كانت إحداها قيد التنفيذ وقتها برئاسة الناقد الدكتور وليد سيف الذي عانى كثيرًا بمثاليته ضد أسلوب عمل الليثي وفريقه.

الطريف ـ والمؤلم في آن ـ هو اكتفاء ممدوح الليثي بالحكم القضائي، فانشغاله بمهرجان الإسكندرية وبعدد من القضايا الأخرى جعله لا يأخذ خطوات جدية في نقل إدارة المهرجان إلى جمعيته، فقط وجد فريق المؤسسة عمل شهور في مهب الريح، ووجدنا أنفسنا ـ أعضاء اللجنة ـ مدعوين لاجتماع أقيم في مطعم جروبي المقابل لمقر المهرجان في ميدان طلعت حرب، لأن وجودنا لم يعد مرحبًا به في المقر الذي لا يزال الكثير من عامليه حتى يومنا هذا يعيشون بشعار "مات الملك.. عاش الملك". وفي الاجتماع لم يكن الأمر ـ على الأقل بالنسبة للشباب ـ يحتاج أي تفكير: إذا رحل الأساتذة الذين اختارونا رحلنا معهم، رغم أنهم مشكورين منحونا حرية الاختيار إذا رغبنا في الاستمرار مع الإدارة الجديدة التي لا يعرف عنها أحد شيئًا.

وضع اللا إدارة استمر عدة أسابيع ارتفعت فيها أصوات تطالب بإنقاذ المهرجان من الضياع، ليصدر قرار بإسناد الإدارة لفريق ما قبل 2011 (الفنان عزت أبو عوف رئيسًا والسيدة سهير عبد القادر مديرًا)، ليعلن كلًا منهما على صفحات الجرائد إنه قبل المهمة مرغمًا لإنقاد سمعة المهرجان وسمعة مصر، وكأن المهرجان لم تكنه له إدارة من أكفاء عملوا عدة أشهر واختاروا أفلام عديدة قام المهرجان بعرضها كلها ضمن برنامجه. وكانت من أوائل صدماتي ـ أو لنقل مصادر دهشتي ـ أن البعض ممن حضروا اجتماع جروبي ومنهم أصدقاء وشركاء عمر لجماعة مؤسسة المهرجان، قد عادوا وعملوا مع الإدارة التي أكدوا في الاجتماع استحالة تعاونهم معها، لتكون من المرات الأولى التي أتابع فيها صورة لما تدركه مع النضج المهني: أنه لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، فقط مصالح دائمة.

لسوء حظ الإدارة الجديدة / القديمة اندلعت في القاهرة، وتحديدًا في شارع محمد محمود القريب من مقر المهرجان اشتباكات دامية تزامنًا مع وقت المهرجان، لتكون نسخة 2012 من أكثر دورات المهرجان تعثرًا، الأمر الذي وصل لإلغاء حفل الختام بعد دور شبه سرية، ليتم تسليم الجوائز عصرًا ويرحل الجميع مسرعين. يأتي نظام الإخوان المسلمين بوزير ثقافة يُعين الناقد أمير العمري رئيسًا للمهرجان فلا يمارس سلطاته سوى لفترة محدودة ملغمة بالمشكلات انتهت برحيله، ثم يُطرد الإخوان ويصدر قرار بتولي الناقد الكبير سمير فريد رئاسة المهرجان، ليستصدر هو قرارًا بإلغاء دورة 2013، ليكون التحضير ـ والميزانية ـ مضاعفة لدورة 2014، التي ستظل حتى يومنا هذا فريدة من نوعها ومثار الكثير من النقاشات والخلافات التي لم تتوقف حتى بعد رحيل رئيسها.

2014.. مهمة قصيرة ومواقف متناقضة

أراد سمير فريد أن يخلص المهرجان من تراث التخبط الإداري فوضع دليلًا رسم فيه هيكلًا إداريًا كاملًا وزعه على الجميع، وشكل مجلسًا للإدارة، وفكك المركزية بخلق البرامج الموازية التي تدار من قبل هيئات مختلفة مستقلة عن المهرجان، وكثير من التفاصيل الأخرى التي ستُرصد بالتأكيد ضمن مواد هذا العدد الخاص، لكن ما تجدر الإشارة إليه هو رغبته في أن يكون المهرجان هو مهرجان كل ناقد سينمائي، حتى أن الهيكل الإدارى للمهرجان كاد يضم كل العاملين بالنقد وقت انعقاده.

من البرمج الموازية التي خلقها فريد برنامج "سينما الغد"، والذي ضم نسخته الأولى مسابقتين للأفلام القصيرة وأفلام الطلبة، وكان الفريق الأول الذي تشكل لإدارتها مكوّنًا من الناقد الكبير علي أبو شادي رئيسًا للبرنامج، يشرف على شخصين هما المخرج شريف البنداري مدير مسابقة أفلام الطلبة وأحمد شوقي مدير مسابقة الأفلام القصيرة. بدأ عملنا بدعوة من رئيس المهرجان على حفلي عشاء خلال مهرجان برلين بدعوة من رئيس المهرجان للتعارف مع الجهات الدولية، الأول على شرف بينوا جينستي من الاتحاد الدولي للمنتجين (فياف) والثاني على شرف كلاوس إيدر السكرتير العام للاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسى)، حضرتهما سعيدًا مع شريف البنداري والمتواجدين من فريق المهرجان في برلين 2014. ثم تلى ذلك عند العودة للقاهرة سلسلة من اللقاءات مع طلبة معهد السينما الذي كانوا من المفترض أن يكونوا هم لجنة المشاهدة واختيار أفلام المسابقة.

إلا أن المهمة لم تستمر طويلًا، فبعد أول اجتماع في القاهرة جمع الأستاذين سمير فريد وعلي أبو شادي، رأي الأخير أن الصلاحيات الممنوحة له من قبل رئيس المهرجان لا تكفي لإدارة المسابقة فقرر الاستقالة، لنرحل معه ـ شريف البنداري وأنا ـ بطبيعة الحال. وعندما أنظر حاليًا لموضوع الخلاف حول مسمى جوائز المسابقة وتوزيع قيمتها المادية، يبدو الخلاف أهون بكثير من التسبب في هذا الانفصال المبكر، والذي كان فيما يبدو نتيجة لعلاقة معقدة بين صديقي عمر، جعلت عملهما معًا في هذه المرحلة من عمرهما مشروعًا كان كلا منهما يعلم إنه لن يتم.

ورغم المغادرة المبكرة لفريق العمل ظل التواصل وديًا مع الأستاذ سمير وإدارته، وتبلور خلال أيام المهرجان بإدارة عدد كبير من ندوات الأفلام، مع إشرافي علي فريق تحريري من موقع "سينماتوغراف" الذي كان يطمح لأن يصير مجلة سينمائية مطبوعة. الفريق قام بتغطية موسعة ومتعمقة لأفلام وأنشطة المهرجان جعلتها الدورة الوحيدة التي تمكنت فيها حقًا من ممارسة عملي النقدي والصحفي في مهرجان القاهرة. وكان الفريق التحريري والموقع بشكل عام من أكثر داعمي تجربة سمير فريد الثقافية الجادة في المهرجان، في الوقت الذي كان المهرجان فيه يتعرض لهجوم صحفي كاسح منذ حفل افتتاحه الذي أقيم في القلعة. هجوم أقول إنه مبالغ فيه بصورة لا يمكن أن تكون وليدة الصدفة، خاصة مع كونها دورة متميزة إجمالًا، ستصير لاحقًا مثالًا يضربه الجميع للتعبير عن النجاح، بمن فيهم نفس الأشخاص الذين كانوا يتهمون الدورة وقت انعقادها بالفشل!

2015-2017.. ومحاربة طواحين الهواء

كل ما سبق إرهاصات لا يمكن القول بأني كان لدي دور فيها في صناعة المهرجان، مجرد فرد آخر من عشرات الأفراد الذين يساهمون بجهودهم في دوراته المختلفة. الأمر الذي تغير بتغيير الإدارة، وبتكليف الدكتورة ماجدة واصف برئاسة المهرجان، ومعها رمز المهرجان التاريخي، يوسف شريف رزق الله، مديرًا فنيًا. وكان قد سبق لي التعاون مع الاثنين في دورتين من مهرجان صغير هو "الأقصر للسينما المصرية والأوروبية" الذي تغير هويته لاحقًا أكثر من مرة وانتهى به الحال في شرم الشيخ مهرجانًا للسينما الآسيوية، مع توقعات بتغيير جديد في الدورة المقبلة.

الفارق هائل بالطبع بين المهرجانين، وربما بين القاهرة ومهرجان معهد العالم العربي الذي شاركت د.ماجدة في تأسيسه وادارته وقت ذروته، فالعمل في باريس شيء، والعمل في مهرجان صغير بالأقصر شيء، والعمل في قلب القاهرة وفي مهرجانها التاريخي الذي يؤمن نصف العاملين بالوسط السينمائي على الأقل بأنه أكثر كفائة وقدرة على إدارته من الرؤساء السابق والحالي والقادم. ماجدة واصف من النوع الذي يهب حياته كلها لعمله، عندما تتولى مشروعًا يصير هو كل ما تفعله، تصحو مبكرًا لتكون أول من يصل مقر المهرجان ولا تتركه قبل أن يغادر الجميع، وتمنح كل ذرة وقت وجهد وتفكير ممكنة سعيًا للنجاح. نفس الشيء يمكن قوله على يوسف شريف رزق الله، الذي كان وجوده دائمًا حائط صد يحمي المهرجان من بعض الهجمات، بما يتمتع به من محبة وتقدير في نفوس الجميع، وبالطبع من خبرة واسعة ومعرفة موسوعية بتاريخ السينما ظلت هي زاد المهرجان حتى في أكثر دوراته تعثرًا.

على مدار ثلاث سنوات عملت مع الكبيرين ماجدة ويوسف، في الدورة 37 كمسؤول عن برنامج ضيف الشرف (السينما اليابانية) وعن ندوات الأفلام، العمل الذي تفرع خلال الفترة السابقة للمهرجان فشمل القيام بالعديد من الأعمال التي لم يكن في وسع الأستاذ يوسف إنهائها بسبب ضغط الوقت وصعوبة الحالة الصحية، مما جعلهما ـ بقرار من قرارات الكبار الذي يمنحون كل ذي حق حقه ولا يقفون في وجه من يثقون في قدارته ـ يغيرا المسمى الوظيفي بدايًة من الدورة 38 لأصير نائبًا للمدير الفني، المنصب الذي سيصاحبني لأربعة دورات متتالية بظروف مختلفة في كل منها.

فريق المهرجان بذل كل ما في وسعه لتقديم نسخ متميزة خلال الأعوام الثلاثة، ولكن الآن وبعد امتلاك الوقت الكافي للمراجعة والمقارنة يمكن القول بأننا كنا أشبه بمن يحارب طواحين الهواء، وأن الوضع الحاكم للمهرجان خلال تلك السنوات كان لا يسمح بأكثر مما كان. الميزانية منخفضة بشكل كوميدي مقارنة بكافة مهرجانات المنطقة، فلم تكن ميزانية مهرجان القاهرة كاملة توازي ميزانية مسابقة واحدة من مسابقات مهرجان دبي الذي كان في أوج نشاطه. غياب الظهير الإعلامي وانعدام المزايا التي يمكن للمهرجان أن يوفرها للصحفيين جعله عرضه للهجوم القاسي لأي سبب مهما كان بسيطًا، لدرجة أن المقارنة التي صارت شائعة في أغلب المطبوعات هي المقارنة بالدورة 36 (دورة سمير فريد)، وأحيانًا كما قلت بأقلام من كانوا وقت الدورة المذكورة يهاجمون سمير فريد بل ويشككون في نزاهته.

اليوم أقول أنه لم يمكن بالإمكان أفضل مما كان، وأن ما قُدم في الدورات الثلاث كان أقصى ما يمكن أن تنتجه ظروفها التنظيمية، مع الاعتراف بوجود بعض الأخطاء التي صار منها المزمن الذي يصعب الخلاص منه بسهولة. ومع انتقال المنافسة من الحيز الإقليمي مع المهرجانات العربية المختلفة، إلى داخل القطر نفسه بظهور منافس بالغ القوة هو مهرجان الجونة، كان من الطبيعي أن تتغير بوصلة الدولة، وأن تأتي برئيس جديد للمهرجان يدخل به مرحلة جديدة عنوانها الطموح.

2018 لليوم.. طموح المعاصرة

من الأسباب التي تدفع للقول بأن ما جرى في الدورات الثلاث السابقة كان أفضل ما يمكن حدوثه هو أن فلسفة الإدارة الحاكمة للمهرجان كانت ملائمة أكثر لزمن سابق أكثر هدوءًا وأقل تعقدًا، زمن لم يكن تنظيم المهرجانات فيه هو هذا الخليط الغريب من فعل كل شيء في الوقت ذاته: التواصل مع صناع الأفلام وأهم المؤسسات الإنتاجية والدعمية وشركات التوزيع ووسائل الإعلام، عقد شراكات دائمة وأخرى مؤقتة والسعي لتوسعة الفريق وتقسيم العمل للحد الأقصى. لذلك فإن اختيار المنتج والسينارست محمد حفظي لتولي رئاسة المهرجان في دورته الأربعين كان القرار الذي ربما جاء في الوقت الملائم تمامًا ليحمي المهرجان من الانسحاق أمام منافسه المحلي ويعيد خلقه ككيان معاصر قادر على استعادة المكانة التي ينبغي أن يحتلها، على الأقل بحكم الموقع والتاريخ.

حفظي الذي شارك بشكل أو بآخر في أغلب الأفلام المصرية التي شقت طريقها خارج العالم العربي ووجدت مكانًا على خريطة السينما العالمية خلال السنوات الأخيرة أعاد المهرجان لمسار العصر، بدايةً من إطلاق أيام القاهرة لصناعة السينما بما تعنيه من انفتاح على أدوار أكبر يلعبها المهرجان، مرورًا بعشرات التفاصيل والأنشطة والبرامج المستحدثة التي جعلت دورته الأربعين تشهد اختلافًا نوعيًا عن كل ما سبقها، مع الاعتراف بوجود بعض الهنات الحتمية من أجل تحديد أكثر للمسار الذي ينبغي أن يستكمله المهرجان.

ثم جاء الرحيل المفاجئ للأستاذ يوسف شريف رزق الله خلال التحضير للدورة 41 ليكون بمثابة الضربة القاسية لكل العاملين في المهرجان ممن أصبح وجود رزق الله في حياتهم اليومية أمرًا بديهيًا. ضربة خفف من وقعها أن كان الأستاذ يوسف قد وافق على نظام جديد للعمل داخل فريق البرمجة يمنح المزيد من الصلاحيات لجيل جديد من المبرمجين، وكأنه صاغ بنفسه خارطة طريق سار المهرجان عليها بعد رحيله، وجائت نتائجها سريعًا في صورة زيادة غير مسبوقة في عدد العروض العالمية والدولية الأولى التي نالها القاهرة السينمائي في دورته المقبلة. الدورة يفترض نظريًا أن تكون دورة النضج لمحمد حفظي وإدارته، والتي نأمل فيها أن يأخذ المهرجان المزيد من الخطوات نحو مكانة يستحقها.

 

الشروق المصرية في

07.12.2019

 
 
 
 
 

«أوفسايد الخرطوم»... يكشف تناقضات المجتمع السوداني خارج الملعب

مروى زين لـ«الشرق الأوسط»: سعيدة بالصحوة السينمائية في بلادي

القاهرة: انتصار دردير

يتجاوز الفيلم الوثائقي الطويل «أوفسايد الخرطوم»، فكرة تأسيس فريق كرة قدم نسائي وسط حظر ديني ومجتمعي إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فهو فيلم عن الحرية والحق في الحياة، وعن الواقع الاجتماعي الصعب وسيطرة «الإسلام السياسي» على المجتمع السوداني قبل الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، هنا تصبح كرة القدم رمزا للثورة، وضرورة لإحداث تغيير ما يجعل الفيلم حاملا إرهاصات الثورة التي قامت في مجتمع يتطلع إلى حريته ولم يعد قادرا على تحمل المزيد من القيود، وفقا لمخرجة الفيلم السودانية مروى زين.

يعد «أوفسايد الخرطوم» ثالث الأفلام السودانية التي حقّقت صحوة سينمائية كبيرة هذا العام، وأعادت السينما إلى صدارة المشهد في السودان بعدما توارت سنوات طويلة، ليكمل الضلع الثالث في مثلث التفوق الذي بدأه أمجد أبو العلا بفيلمه الروائي الطويل «ستموت في العشرين»، وصهيب قسم الباري بفيلمه الوثائقي الطويل «حديث عن الأشجار»، قبل عرض «أوفسايد الخرطوم» أخيراً ضمن مسابقة آفاق عربية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي خلال دورته الـ41.

تدور أحداث الفيلم من خلال مجموعة من النساء الشابات اللاتي يقررن تحدي الحظر المفروض من قبل الحكم العسكري الإسلامي للبلاد، ويؤسسن فريق كرة قدم احترافيا، ويواجهن رفض السلطات والمجتمع، لكنهن يفشلن في الحصول على تصريح رسمي بتكوينه لكن الإصرار يدفعهن إلى المقاومة وتنظيم مباراة يشهدها محبو كرة القدم ويعجبن بأدائهن وتقود سارة إدوارد الفريق لإثبات حقهن في ممارسة الرياضة التي يحببنها، تتصاعد الأزمة باعتراضات إعلامية تستنكر تكوين فريق نسائي لكنهن يواصلن المسيرة حتى يثبتن وجودهن. تستعين المخرجة بوقائع سابقة كانت الحرية متاحة للنساء حيث تم تكوين أول فريق لكرة القدم في سبعينات القرن الماضي.

مروى زين هي كاتبة ومخرجة ومنتجة الفيلم ومصورته أيضاً، وعبرت بالدموع عن فرحتها بردود الأفعال التي تلقتها عقب عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي بعد تتويجه بجوائز عديدة في مهرجانات دولية.

قالت زين في حوارها مع «الشرق الأوسط»: «أنا مزيج من عدة مجتمعات عربية فأهلي من السودان، وولدت في السعودية وقضيت بها سنوات طفولتي حتى 12 عاما ثم جئت إلى مصر وقضيت بها سنوات عمري حتى الآن، ودرست في معهد السينما بالقاهرة وأحببت السينما من خلال أساتذتي بالمعهد ومنهم المخرج الكبير علي بدرخان، ود. يحيى عزمي، ود. نجوى محروس وغيرهم، كما أنّني تعلمت من كبار المخرجين التسجيليين ومنهم الراحلة عطيات الأبنودي ونادية كامل وتهاني راشد».

«أوفسايد» التي اختارتها المخرجة عنوانا لفيلمها تعني في قوانين كرة القدم التسلل، وتوضح مروى ذلك قائلة: «عنوان الفيلم مستمد من طبيعته لأنّ التصوير جرى على هامش الخرطوم فالتسلل هو الطريقة التي صُوّر بها الفيلم، والكاميرا المهزوزة التي كنت أحاول بها تخطي الصراعات حتى ولو بالتسلل، والعنوان يعكس أنّنا نظل على الهامش، فالعالم يشاهد صورة نمطية للمجتمع السوداني وأفريقيا وقد أردت أن أغير هذه الصورة وأعكس صورة حقيقية من خلال الفيلم».

يركز الفيلم بشكل كبير على سارة إدوارد اللاعبة التي تقود الفريق وينقل كثيرا من المشاهد الكاشفة للمجتمع السوداني، تقول مروى عن بطلتها: «سارة بالنسبة لي هي رمز النضال ورمز لوحدة السودان فهي من الشمال والجنوب وتتمتع بصلابة وذات شخصية ملهمة، تذكرني بالملكات في التاريخ وأنا ممتنة جدا لها، وقد شاهدت الفيلم معي عند عرضه في الدنمارك وسعدت كثيرا به».

استغرق تصوير الفيلم 4 سنوات من 2014 إلى 2018 وشهد فترات توقف عديدة، انتظارا للدعم أو الحصول على تصريح. وتوضح زين رحلة الفيلم قائلة: «بدأت بفكرة تقديم فيلم قصير مدته 10 دقائق عن فريق كرة القدم النسائي بالسودان من خلال (مؤسسة رؤية)، وكانت المرة الأولى التي أزور فيها السودان في حياتي، فإذا بي أعيد اكتشاف بلادي وبقيت بها طويلا وعرفتها أكثر، وقابلت صعوبات عديدة ولم أشأ أن أستعين بمدير تصوير لخصوصية تصوير فتيات، فحملت الكاميرا وصورتهم بنفسي، مثلما وضعت إطاراً للفيلم وليس سيناريو مكتوبا، لكنّي أيضا لم أترك التصوير للصدفة ومشاعر اللحظة ووضعت إطاراً مبنيا على رؤيتي الشخصية. وتشير إلى أنّ «الفيلم لا يحكي فقط عن فريق الكرة بل عن السودان وعن تناقضات المجتمع بشكل عام».

تخرجت مروى في معهد السينما عام 2009 وعملت كمساعد مخرج مع كبار المخرجين أمثال داود عبد السيد وخيري بشارة وهالة خليل.

وعرض «أوفسايد الخرطوم» لأول مرة عالميا في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي في ألمانيا، وشارك في كافة المهرجانات الدولية المختصة بالأفلام الوثائقية في سويسرا وكندا والدنمارك، كما حصل على جائزة الأوسكار الأفريقي لأفضل فيلم، وجائزة العمل الأول في مهرجان قرطاج، وجائزة لجنة التحكيم من مهرجان مالمو في السويد.

وعبرت مروى عن سعادتها الكبيرة بالصحوة السينمائية السودانية خلال الآونة الأخيرة التي تعدّ نفسها جزءا منها، خصوصاً بعدما نال فيلمها جوائز متنوعة وإشادات لافتة من الجمهور. وتستعد حاليا لعرض فيلمها في السودان بعد عرضه في أكثر من مدينة حول العالم: «أتمنى أن يشاهده الرجال والنساء هناك وأن يكون ملهما لهم».

 

الشرق الأوسط في

08.12.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004