كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

ماجدة خير الله تكتب:

وجوه وأسماء وذكريات عن مهرجان القاهرة السينمائي

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الحادية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

حلم صحفية في بداية الطريق لا أحد يعرف اسمها لأنه يُكتًب بأصغر بنط ممكن على مساحة غير مستقرة فى جريدة الأخبار، تحمل عنوان السينما العالمية، يبدأ الحلم يتحقق أو على الأقل يأخذ شكلًا أكثر جديةً، عندما تعبر تلك الصحفية الأمتار التى تفصل مبنى مؤسسة الأخبار، عن مؤسسة الأهرام لتلتقي بالعملاق شكلًا وموضوعًا كمال الملاخ! المنطق يقول لماذا يهتم رجل ذو شأن وصحفي لامع له مساحة يومية تغير في مجريات الأمور فى عالم الفن والسينما والأدب والآثار، بصحفية شابة في بداية خطواتها الأولى؟ ربما يكون الإصرار والدأب الذى أبدته تلك الصحفية وجعل رجلًا بقيمة كمال الملاخ أن يوافق على لقائها!

كانت البداية عندما أخبرته باهتمامي بعالم السينما وأني أكتب زاوية باسم السينما العالمية فى صفحة الأستاذ أحمد صالح بجريدة الأخبار، أثار اهتمامه عندما أخبرته أني خريجة علوم قسم بيولوجي ولكنني أعشق السينما وأنوي التقدم لامتحان القبول للدراسة بمعهد السينما، كانت القاهرة تحتفل بالإعداد للدورة الثانية لمهرجان القاهرة للسينما الذي كان يرأسه كمال الملاخ، وكانت الصفحات الفنية تزفّ خبر استضافة الفنانة العالمية إليزابيث تايلور، لأول مرة في القاهرة بعد سنوات طويلة من مقاطعة أفلامها "لأنها يهودية"!!، وكنت أسعى بأي شكل للقائها معتقدة أن مجرد إجراء حوار معها يضمن لي خبطةً صحفيةً، تلفت النظر إلى اسمى، أو وجودي، وابتسم كمال الملاخ عندما أخبرته بخطتي وقال لي إن جدول إليزابيث تايلور مزدحم للغاية، وإنها رفضت تمامًا إجراء أي لقاءات صحفية أو تليفزيونية، لأن المدة التي سوف تقضيها في مصر تخصصها لزيارة أهم المعالم الأثرية، في الجيزة والأقصر وأسوان، وأن كل ما يمكن أن ينصحني به، أن أكتب عنها، وعن أهم أفلامها وخاصة كليوباترا الذى تم منع عرضه فى مصر، ولأن الحصول على معلومات سينمائية كان من الأمور العسيرة في ذاك الوقت، فقد نصحني الأستاذ كمال الملاخ بالبحث عن أعداد من مجلة سكرين ومجلة بريميير، ثم يبدو وكأنه أدرك صعوبة الحصول على تلك الأعداد الخاصة بفيلم كليوباترا فقرر إهدائي أعدادًا منها كان يحتفظ بها في مكتبه بجريدة الأهرام، كما وضع اسمي في كشوف الصحافة التي تقوم بتغطية أحداث مهرجان القاهرة، رغم أني لم أكن قد التحقت رسميًا بالعمل في مؤسسة أخبار اليوم! وأتاح لي الكارنيه الذى حصلت عليه أن أتابع كل الأفلام المعروضة فى المهرجان، وأن ينضم اسمي لكشف من يتم دعوتهم من الصحفيين لتغطية أحداث المهرجان في السنوات التالية، وبعد وفاة كمال الملاخ، تولى سعد الدين وهبة مقاليد الأمور ورئاسة مهرجان السينما وكنت وقتها قد التحقت بمعهد السينما، وكان الراحل د. رفيق الصبان يدرّس لنا ماده تحليل سينمائي وكان قد أبدى اهتمامًا بتحليل كتبته عن فيلم "عيون لورا مارس" بطولة فاي دانواي، وتومي لى جونز وهو ما جعله يرشحني لأكون ضمن نخبة من كبار النقاد الذين يشكلون لجنة مشاهدة واختيار أفلام مهرجان القاهرة السينمائي فى الأعوام التالية وهو ما أتاح لى فرصة التعرف على أفكار الكثير منهم، وبعضهم أثار دهشتي وإعجابي والبعض الآخر كان التقرب منه بمثابة صدمة، ومنهم المخرج الكبير كمال الشيخ الذى كان يرأس فى أحد الأعوام لجنة المشاهدة، ورغم أن أفلامه كانت ملهمة لأي عاشق للسينما أو دارس لها إلا أن آراءه فى بعض الأفلام كانت تدل على أنه أصبح خارج الزمن وكنتَ يمكن أن تسمع نقاشًا يقترب من الحدة المهذبة بين بعض النقاد وبين رئيس اللجنة، وكان يضحكني أن أسمع الجملة الشهيرة للناقد الراحل سامي السلاموني الذى يرتفع صوته أحيانًا وهو يقول جملته الشهيرة: "فيه إيه يا أستاذ كمال، ده مهرجان سينما" ولم تكن النقاشات تؤدي إلى نتائج، واقترح البعض أن يضع كلٌّ منا رأيه من خلال التقارير التى تذهب في النهاية إلى رئيس المهرجان، وأتذكر أن الخلاف وصل فى أحد الأعوام لاعتذار سامي السلاموني عن اللجنة، بل بلغ به الغضب أن اعتذر أيضًا عن التعامل مع المهرجان، وقاطعه، رغم أنه كان يقدم خدمة جليلة لجمهور المهرجان ويقدم نشرةً تتضمن دليلًا لأهم أفلام المهرجان وقيمتها وتحليل موجز عن كل منها، وكانت تباع النشرة أمام كل دور السينما التى تعرض أفلام المهرجان وكان ثمنها جنيهًا واحدًا، وسأل أحدهم سامي السلاموني: "بيطلعلك كام من عمل النشره دى؟"، فكان رده: "قاروصتين سجاير"!، أما سعد الدين وهبة فقد وضع نصب عينيه أن يحقق المهرجان إيراداتٍ ضخمة ،ليؤكد نجاحه، وطبعًا في الثمانينيات من القرن العشرين لم يكن الإنترنت قد دخل مصر، وكانت هناك صعوبة بالغة في الحصول على الأفلام الأجنبية، دون أن تتعرض لمقص الرقابة وكان جمهور مهرجان القاهرة ينقسم إلى فئتين، إحداهما تلهث خلف أي فيلم يشتم منه رائحة مشاهد جريئة، والفئة الثانية الأقل عددًا طبعًا تسعى وتلهث خلف الأفلام القيّمة التى يصعب عرضها تجاريًا في مصر، أو العثور عليها كشرائط فيديو، وانتشرت عبارة: "الفيلم ده قصة ولا مناظر؟"، يسألها كل مواطن قبل أن يدفع ثمن التذكرة، فإذا اطمأنّ لكون الفيلم يضم مشاهد عارية فإنه يكون على استعداد لأن يقف عدة ساعات في طابور لا ينتهي حتى يحصل على تذكرة تتيح له الفرجة على مشهد فيه صدر امرأة عارية، أو مشهد جنسي واضح التفاصيل!! وقد استعار السيناريست الكبير وحيد حامد عبارة "الفيلم ده قصه ولا مناظر" في فيلمه "المنسي" الذى لعب بطولته عادل إمام ويسرا وكرم مطاوع وأخرجه شريف عرفة، وكان الزحام على دور السينما التى تعرض أفلام المهرجان، يكاد يشكل حالة من السعار والفوضى والهوس، وقد شاهدت بعينيّ مديري دور العرض وهم يضربون الناس بالعصي بشكل مخيف في محاولة لمنع الفوضى، ومع ذلك لم يعترض أيٌّ منهم على تلك المعاملة الخشنة، كل طموحهم وأحلامهم أن يتمكنوا رغم شده الزحام من مشاهدة الفيلم بأي شكل، والغريب أنه رغم تلك الأجواء المرتبكة، فقد شهد المهرجان أفلامًا بالغة القيمة، لم تهمّ إلا عشاق السينما ونقادها الجادين فقد شاهدت فيلم المخرج الإيطالي الراحل سيرجيو ليونى "حدث ذات يوم فى أمريكا" في سينما كريم، أيام كانت من أرقى دور العرض حديثة الإنشاء في شارع عماد الدين، الفيلم مدته تزيد على الثلاث ساعات.. متعة فنية حقيقية، تستطيع أن تصفه بالتحفة السينمائية، وقد فوجئت بأن المخرج الراحل رأفت الميهي يجلس خلفي وتصاحبه الفنانة الراحلة معالي زايد، وحتى ذاك الوقت كان يمكنك أن تجد من صناع السينما المصرية من يهتم بالنزول لمشاهدة أفلام المهرجان، عكس وقتنا الحالي خاصةً وأن الفيلم كان يبدأ عرضه في الحادية عشرة صباحًا، وهو موعد يعتبره أهل السينما المصرية غير مناسب بالمرة، لبدء نشاطهم اليومي ودارت بعد ذلك حلقة مناقشة "على الواقف" بين رأفت الميهي، وجمع ممن حضروا الفيلم، وكان النقاش من أمتع ما استمتعت، وأكد الميهي على انبهاره من استخدام سيرجي ليوني "للفلاش باك" واختلاف الأزمنة، والتحرك مع الزمن للأمام والخلف، بسلاسة وعبقرية، وطبعًا كان لابد وأن يتطرق الحديث عن الفرق بين عالم الجريمة كما قدمه سيرجي ليوني فى "حدث ذات يوم في أمريكا" الذى لعب بطولته روبرت دي نيرو، وجيمس وودز وثلاثية الأب الروحي لفرانسيس فورد كوبولا وتحدث الميهي طويلًا عن استحالة عقد مقارنةٍ بين الفيلمين، لاختلاف الزمان والمكان الذي تدور فيه أحداث كل منهما، بالإضافة لاختلاف الموضوعين، اللذين لا يجمعهما شيء غير فكرة الجريمة المنظمة!.. ومن الأفلام التي عرضت من خلال مهرجان القاهرة صاحبتها حفاوةٌ إعلامية ضخمة فيلم المخرج كوستا جافراس"هانا.ك" الذى لعبت بطولته جيل كلايبورج، والممثل الفلسطيني محمد بكري، ودارت أحداث الفيلم حول محامية أمريكية يهودية، تتبرع للدفاع عن شاب فلسطيني متهم بالقيام بأعمال تخريبيةٍ ضد المنشآت الإسرائيلية، ورغم أهمية الفيلم والقضية وما تعرض له المخرج الكبير من هجوم من صحافة الغرب، إلا أنه لم يقابل فى مصر بالاهتمام الذي يليق به، لأن الفنان حسين فهمي وبدون أي مبرر مفهوم، ادّعى أن الفيلم دعوة للتطبيع بين إسرائيل وفلسطين! وطبعًا لأن الصحافة المصرية تعشق الضجيج، لم تلتفت لقيمة الفيلم، ولا مخرجه ولا أيٍّ من أبطاله، وأتذكر في تلك السنوات التي كان فيه مهرجان القاهرة هو الحدث السينمائي الأكثر قيمةً في العالم العربي كانت شركات الإنتاج المصرية تتقاتل فيما بينها لعرض أحدث افلامها في المهرجان، حتى إن دورات كثيرة شهدت عرض فيلم مصري فى الافتتاح، مثل "حرب الفراولة" للمخرج خيري بشارة وبطولة محمود حميدة ويسرا، وسامي العدل، وطبعًا كان من تأليف مدحت العدل، ونال الفيلم حفاوةً كبيرةً من الصحافة الفنية رغم أنه لم يكن من أعمال خيري بشارة المميزة، وشهد المهرجان عرض فيلم WHO FRAMED ROGER RABBIT للمخرج روبرت زيميكس وبطولة بوب هوسكينز،الذى فاز فى عام إنتاجه 1988 بثلاث جوائز أوسكار، في المؤثرات البصرية، والمونتاج، ومؤثرات الصوت، وكانت روعة الفيلم تكمن فى المزج الكامل بين الشخصيات الحقيقية وشخصيات الرسوم المتحركة، قبل انتشار حيل الكمبيوتر جرافيك، وكان عرض الفيلم في مهرجان القاهرة حدثًا فنيًا غير مسبوق. أما الحدث الأكثر غرابةً الذى شهده مهرجان القاهرة، فكان عرض فيلم ناجي العلي في حفل الافتتاح وهو فيلم من إخراج عاطف الطيب وبطولة نور الشريف ومحمود الجندي، وسيناريو بشير الديك، طبعًا كل تلك الأسماء من فناني مصر، لم يكن من الممكن التشكيك في نواياهم أو وطنيتهم، وقيمتهم الفنية، وغنيّ عن الذكر أن أي فيلم مصري يمر بمراحل كثيرة قبل أن يتم تصويره وقبول عرضه، بمعنى أن سيناريو الفيلم مرّ حتمًا على الرقابة، وكان مديرها في ذلك الوقت هو حمدي سرور، الذي كان يسارع بعرض كل سيناريو يمكن أن يشتمّ فيه رائحة قلق على الأمن العام! وعلى هذا فإن ما حدث مع فيلم ناجي العلي يبدو غريبًا بعض الشيء، فبعد عرضه في حفل افتتاح المهرجان وحفاوة استقباله إعلاميًا، ونقديًا، ثم عرضه تجاريًا، تقدمت شركة الإنتاج بطلب تصريح لطبعه على شرائط الفيديو وهنا كانت حملة ضارية قد بدأت ضد الفيلم وبطله نور الشريف، وصلت الحملة لاتهامه بالخيانة لمشاركته في أداء شخصية ناجي العلي رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذى تم اغتياله في ظروف غامضة، وكانت التهمة الجاهزة أن رسومات ناجي العلي فيها إساءة لمصر!! وكان ناجى العلي من بين مئات المثقفين العرب الذين أعلنوا موقفهم المناهض من اتفاقية كامب ديفيد واعتبروها خيانة للقضية العربية، ولدم الشهداء!، وكان الصحفي الراحل إبراهيم سعدة يقف خلف حملة الهجوم الضاري على الفيلم، وخصص أعمدة الكتاب فى مطبوعات مؤسسة أخبار اليوم التي كان يرأس مجلس إدارتها للهجوم على الفيلم ونور الشريف بشكل خاص! ولم يكن مفهومًا السبب الحقيقي الذى دفع إبراهيم سعدة لشن تلك الحملة المسعورة، التي لم تطل أيًّا من المشاركين في فيلم ناجي العلي لأن المنطق يقول إنه لو فى الأمر دافعٌ نابعٌ من موقف سياسي أو وطني لكان الأجدر بالهجوم هو كاتب السيناريو أو المخرج أو كلاهما، ولكن نور الشريف هو فقط الذى تلقى كل السهام في صدره، ولم ينقذه من تعنت إبراهيم سعدة، إلا فكرة "داوني بالتي كانت هي الداء"، حيث اضطر لأن يلجأ إلى رجال الأمن القومي الذين يحركون سعدة وبقية رؤساء التحرير في تلك الأثناء، وكان مسلسل الثعلب هو الثمن الذي دفعه حتى يكف سعدة عن محاربته، وطبعًا فشل المسلسل الذي جاء من ملفات المخابرات فشلًا ذريعًا، ولكن أعقبه نجاحٌ مبهرٌ ناله نور الشريف بعد عرض مسلسله لن أعيش في جلباب أبي، الذى شاركته بطولته عبلة كامل وعبد الرحمن أبو زهرة.

بعد وفاة سعد الدين وهبة، تعاقب على رئاسة مهرجان القاهرة كلّ من حسين فهمي، وعزت أبو عوف، وشريف الشوباشي، وكان دائمًا الهاجس الذى يسبب إزعاجًا لكل منهم يكمن في اختيار فيلم الافتتاح وخاصةً بعد بداية نشاط مهرجان دبي الذي سحب البساط لبعض الوقت من تحت أقدام مهرجان القاهرة فكان منتجو الأفلام المصرية يفضلون المشاركة بأفلامهم في مسابقة دبي، نظرًا للجوائز المالية الضخمة التي كان يقدمها المهرجان، وهذا مادفع بعضهم للبحث عن أي خبطةٍ فنيةٍ فتم دعوة بعض أبطال مسلسل الجريء والجميلات ومنهم "رون موس" الذى كان يلعب شخصية الفتى البلاي بوي "ريدج "، وأحدث وجوده حالة هائلة من الضجيج الإعلامي وتزاحم النساء عليه، ولكن كان النقد الموجه للمهرجان أن الضيف رغم شهرته، إلا أنه ممثل تليفزيوني محدود الشهرة، ولم يكن لائقًا استضافته فى أكبر وأهم مهرجان سينمائي في الشرق الاوسط! وفي حين وجهت الصحافة نقدًا لحسين فهمي لحرصه على أن يلتزم ضيوف المهرجان بارتداء الملابس الرسمية والكرافت أو البابيون وكان رأيهم أن هذا تعنتًا لا يليق، خاصةً وأن نسبةً كبيرةً من الصحفيين الذين يغطون أحداث المهرجان لا يمتلكون ملابس رسمية، وتناسوا كل أنشطة المهرجان وأفلامه ونشراته ومطبوعاته، ولم يتراجع حسين فهمي ولم يتراجعوا، وتربصوا به عند قبوله عرض فيلم اختفاء جعفر المصري الذي كان من بطولة نور الشريف وحسين فهمي ورغدة وإخراج عادل الأعصر، كان الفيلم ضمن البرنامج الرسمي، لكنه لم يحصل بالطبع على أية جوائز، ولم يطق حسين فهمي صبرًا مع الهجوم المتكرر عليه، فاعتذر أو تم استبعاده، وكانت السيدة سهير عبد القادر تسيطر على كل من توالى على مقعد رئيس المهرجان، ويبدو أن طموحها كان أكبر من أن تلعب دورًا غير أساسي وغير واضح، رغم علاقتها الوطيدة بكثير من النجمات والنجوم والعاملين بالصحافة، وإن لم تكن تعرف من هي سهير عبد القادر فهى كانت سكرتيرة لسعد الدين وهبة ،وقريبة من دوائر الحركة فى وزارة الثقافة أيام فاروق حسني ويبدو أنه كان لها دورٌ في ترشح رئيس المهرجان، حتى إن خناقتها مع شريف الشوباشي أدت إلى استبعاده من رئاسة المهرجان بشكل مهين! ولكن بعد قيام ثورة يناير وخروج فاروق حسني من الوزارة ضاعت أحلام سهير عبد القادر فى الحصول على أي موقع في المهرجان، ثم توالى على رئاسة المهرجان الناقد الكبير سمير فريد، ثم الناقدة ماجدة واصف، التي استمرت لعامين متواليين، وكانت الأمور قد استقرت إلى حدٍّ كبير، كل هذه السنوات التى بدأت فيها علاقتي مع مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، شاركت فيها في لجنة المشاهدة، وهي مهمة تتيح لأعضائها متابعة عدد ضخم جدًا من الأفلام العالمية وكتابة تقارير عنها بعضها يتم قبوله وبعضها يتم رفضه سواء لأسباب فنية أو رقابية! وطوال هذه السنوات التي تعاقب عليها من جلسوا على مقعد الرئيس كان الدينامو الذى يحرك المهرجان ويعمل بدون أي ضجيج ، ويختار معاونيه بعناية ونظرة ثاقبة لا تخطئ هو الراحل يوسف شريف رزق الله، عرفته لأكثر من ثلاثين عامًا، لم يتغير عشقه وحماسه للأفلام الجميلة، سافرنا كثيرًا مع جمع من زملاء المهنة لمهرجان كان، حيث كان يقدم رسالة يومية للتليفزيون المصري، وحدث أن استضافني أكثر من مرة للحديث عن أهم الأفلام التي شاهدتها فى الدورات المختلفة لمهرجان كان.. يوسف شريف رزق الله كان حريصًا على متابعة أنشطة كل زملائه وتلاميذه ويعرف إمكانيات كل منهم، ليضعه في المكان الصحيح، هذا العام 2019 يغيب يوسف شريف رزق الله بعد حضور مكثف ونشاط لا يهدأ استمر قرابة الأربعين عامًا، وكان لابد أن يستريح ويسلم الراية لأحد تلاميذه المرموقين أحمد شوقي، ورغم غيابه إلا أن الجميع يعمل بجدية لتظهر الدورة القادمة بمستوى يليق باسم مهرجان القاهرة ومكانته بين مهرجانات العالم، والحمد لله فإن رئيس المهرجان محمد حفظي لم يفته تكريم يوسف شريف رزق الله في حياته، وكان ذلك في العام الماضي ،وبعد رحيله سوف يقدم المهرجان ما يليق بتكريمه كواحد من أهم من أثروا حياتنا الثقافية فى مجال السينما طوال النصف قرن الأخير.

 

####

 

بين الغث والسمين.. قراءة في إصدارات مهرجان القاهرة السينمائي

أروى تاج الدين

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

لا شك أن إصدارات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي من أهم الأنشطة التي تصاحب انطلاقه رغم محدوديتها وعدم وصولها إلا إلى أيدي عدد محدود من الصحفيين والنقاد، وعدم إتاحتها لمن يرغب في اقتنائها من الدارسين أو المهتمين بالثقافة السينمائية من غير هاتين الفئتين، خاصةً مع ندرة الكتب السينمائية العربية التي تتناول بالدراسة والتحليل قضايا واتجاهات سينمائية، أو تدرس مسيرة وملامحَ أسلوب صناع الأفلام، أو تحاول أن تقدم قراءة لتاريخ السينما، اللهم إلا محاولات قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع، وبالتالي فهذه المطبوعات تعدّ فرصةً جيدة لإثراء المكتبة العربية بكتب تغوص في أعماق هذا الفن وتحاول إماطة اللثام عن كنوزه واكتشاف جمالياته.

في محاولة لتقديم قراءة في مطبوعات مهرجان القاهرة وتتبع تاريخها واكتشاف البوصلة التي توجه القائمين عليها في اختيار موضوعاتها، لم يتسنَّ لنا العثور على الكتب الكاملة التي صدرت عن دورات المهرجان العريق منذ انطلاقه في 1976 حتى الآن، كما لم نستطع التوصل متى بدأ المهرجان في إصدار هذه المطبوعات تحديدًا.

ورغم إنشاء موقع إلكترونيّ للمهرجان منذ أواخر التسعينيات إلا أن أيًّا من رؤساء المهرجان المتعاقبين لم يفكر في محاولة أرشفة هذه الكتب عليه لتكون في متناول كل من يرغب في إلقاء نظرة على هذه المطبوعات أو الاستعانة ببعض من دراساتها القيّمة.

كانت هناك محاولة العام الماضي لإصدار كتاب يؤرخ ويؤرشف للمهرجان بمناسبة دورته الأربعين، أعده محب جميل، وهو شاعر وكاتب مهتم بالموسيقى والفنون بشكل عام، لكن بمراجعة هذا الكتاب، خاصةً في الفصل الثاني الذي يتضمن جداول توضيحية للرؤساء المتعاقبين للمهرجان والمكرمين ومطبوعات المهرجان ومؤلفيها، تبين أنه وثيقة لا يعوّل عليها لتخبطها في كثير من البيانات والتواريخ، رغم اعتماد الكاتب، حسب هوامشه، على نشرات سينمائية ومقالات ومراجع لنقاد سينمائيين كبار.

لذا كان يجب اللجوء إلى النسخ الموجودة فعليًا في أرشيف مقر المهرجان، والتي للأسف لم تطفئ ظمأ الفضول إليها كاملًا، فأقدم المطبوعات يعود تاريخه إلى الدورة الـ15 عام 1991، وبالتالي فهناك 14 دورة لا نعلم عن مطبوعاتها شيئًا، أو إذا كانت صدرت لها مطبوعات أم لا، بالإضافة إلى أن هناك دورات بين الـ15 والـ40 لم نتمكن من الوصول إلى أي مطبوعات لها على الإطلاق، وهناك دورات وجدنا بعضًا من مطبوعاتها.

وبالتالي لم يكن هناك سبيل في محاولة رصد الملاحظات وتكوين رؤية متكاملة عن هذه الكتب وتقديم قراءة لها إلا من خلال ما وقعت عليه أيدينا من نسخ فعلية، وجدت مرتبة اعتباطيًّا على أرفف غرفة الأرشيف.

* ملاحظات على إصدارات مهرجان القاهرة

إصدارات أي مهرجان سينمائي هي جزء من عملية التوثيق لفعاليات دورات هذا المهرجان، وبشكل عام سارت إصدارات مهرجان القاهرة على ذات النهج في غالبية هذه الكتب، فالمطبوعات التي عثرنا على نسخ منها بين الدورتين الـ15 والـ40 تنقسم عمومًا إلى جزأين، كتب أصدرت للمكرمين من صنّاع السينما في تلك الدورات، وأخرى عن السينما الأجنبية المكرمة أو ضيفة شرف المهرجان حسب التقليد السنوي، وهناك بعض الاستثناءات لحلقات بحث تخص تاريخ السينما، أو احتفاء بنوع فيلميّ في السينما المصرية مثلما حدث في بعض الدورات التي ترأسها الفنان حسين فهمي.

ورغم مواظبة المهرجان على إصدار كتب عن المكرمين في كل دورة، إلا أن هذه الإصدارات لم تهتم في معظمها سوى بالمكرمين من المصريين فقط، ومرات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة للمكرمين الأجانب والعرب، من بينهم دراستان وحيدتان أحدهما عن المخرج الإيطالي فيدريكو فيلليني في الدورة الـ17 عام 1993 بمناسبة رحيله، والثانية عن الكاتب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز في الدورة الـ36 عام 2014 بقلم الناقد عصام زكريا، والبقية ليست سوى مقالات مترجمة ومواد تم تجميعها من الصحف وشهادات دون بذل مجهود في طرح رؤية جديدة أو تنقيبًا عن جماليات فن هؤلاء المكرمين.

وهذه الملاحظة تجعلنا نتوقف كثيرًا أمام السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا لم يقم المهرجان بإصدار كتب أو دراسات عن المكرمين الأجانب أسوة بالمصريين، رغم استمرار المهرجان في تكريم رموز السينما العربية والعالمية في كل دورة تقريبًا من صناع أفلام وممثلين ومنتجين؟ هل لا يوجد نقاد وباحثون سينمائيون يمكنهم كتابة مثل هذه الدراسات؟ أم أن هؤلاء الأجانب لا يستحقون عناء نظرة متعمقة في أعمالهم التي استحقوا بسببها هذا التكريم، أو أن تكريمهم لا يستحق التوثيق؟.

الملاحظة الثانية هي تذبذب القيمة العملية لهذه الإصدارات بين الدورتين الـ15 والـ40، فإذا حاولنا رسم خط بيانيّ يصف تاريخ هذه الكتب سوف يبدأ منخفضًا من الدورة الـ15 ثم يرتفع إلى حد ما في الدورة الـ17، ثم يعاود الانخفاض مجددًا إلى أن يرتفع في الدورة الـ23 برئاسة حسين فهمي، ثم ينخفض مرة أخرى في الدورات الـ28 والـ29 برئاسة شريف الشوباشي، ليرتفع بشكل ملحوظ ويظل ثابتًا في دورات عزت أبو عوف، بدءًا من الدورة الـ31 ويظل ثابتًا على هذا المستوى حتى يعاود النزول بشكل ملحوظ في الدورة الـ35، وهى آخر دورة تولاها أبو عوف، ثم يرتفع إلى حد كبير في الدورة الـ36، الدورة الوحيدة التي رأسها الناقد الكبير سمير فريد، وشهدت عددًا كبيرًا من الإصدارات القيّمة، ثم يهبط تدريجيًا مرة أخرى منذ الدورة الـ37 ويظل على ذاك المستوى حتى الـ40.

هناك دورات عديدة أصدرت فيها دراسات تحليلية هامة مثل التي قدمها دكتور وليد سيف أو دكتور حسن عطية في سنوات مختلفة، وهناك من اتخذ الطريق السهل ليسود الصفحات بشهادات هي انطباعات شخصية ومقالات سابقة النشر أو حوارات سطحية لم تنل حتى حظها من صياغة وتنقيح، إلى أن صارت إصدارات القاهرة السينمائي في دوراته الأخيرة مجرد ملء فراغ واسم دون مضمون حقيقي.

* نظرة سريعة

في السطور القادمة حاولت عمل حصر منظم لإصدارات القاهرة السينمائي حسب النسخ الموجودة بمقر المهرجان، مرتبة حسب تاريخ إصدارها ومتضمنة تعريفًا مختصرًا لمحتوى هذه الكتب علّها تكون بمثابة مرشدٍ لمن أراد تتبع تاريخها ومعرفة ما احتوته من غث وسمين، على أمل أن تقوم إدارة المهرجان بإعادة طرحها مرة أخرى في مجلد أو إلكترونيًا أو بأي شكل ترتئيه حتى يتمكن المهتمون بالثقافة السينمائية من الوصول إليها.

* الدورة الـ15 "1991" برئاسة سعد الدين وهبة

ما وجد من إصدارات هذه الدورة حلقة بحث التشريعات السينمائية في الوطن العربي أقامها المهرجان بالتعاون مع الاتحاد العام للفنانين العرب وقد صدرت في جزأين، يقدم الجزء الأول دراسةً وتحليلًا للتشريعات الخاصة بالإنتاج السينمائي والتلفزيوني في كل من مصر ولبنان والأردن وتونس وتوصيات الباحثين حول ما رأوه من إصلاحات وتعديلات لهذه التشريعات.

ويتضمن الجزء الثاني النصوص الكاملة لتشريعات هذه البلدان. شارك في هذه الحلقة كل من المصري سمير فريد ومن لبنان محمد سويد، وعدنان مدانات الأردن، ومن تونس محمد بن الأصفر.

* الدورة الـ16 "1992" برئاسة سعد الدين وهبة

وُجد لهذه الدورة ثلاثة كتيبات لا تتعدى الأربعين صفحة للمكرمين في هذه الدورة وهم يحيى حقي بقلم عاطف فتحي وليلى مراد بقلم رفيق الصبان، وماجدة لحسين بيومي، وجميعهم سيرة شخصية للمكرمين تتتبّع تاريخهم الفني.

لكن أهم ما يميّز هذه إصدارات هذه الدورة كتابان، الأول هو الكاميرا في أعماق العنف للناقد أحمد رأفت بهجت، وهو دراسة متعمقة لبعض الأفلام العالمية التي عالجت موضوع العنف في العالم بشكل غير تقليدي، معتمدًا في دراسته على أفلام من أنواع مختلفة، تاريخية وحربية وكوميدية وغيرها، لأبرز المخرجين العالميين.

والثاني كتاب: "مخرجو سينما الثمانينيات الحلم والواقع" للناقد طارق الشناوي، حيث يقدم فيه حوارات مع أهم أسماء جيل مخرجي الثمانينيات وهم: محمد خان، خيري بشارة، عاطف الطيب، داوود عبد السيد، بشير الديك، رأفت الميهي، يسري نصر الله، شريف عرفة، إسماعيل حسن، حول مشوارهم السينمائي وأهم المحطات في مشوارهم الفني. ثم رؤية نقدية لأفلام كلّ من محمد خان، خيري بشارة، عاطف الطيب، داوود عبد السيد، بشير الديك، رأفت الميهي، شريف عرفة، عبد اللطيف زكي، مدحت السباعي، عمر عبد العزيز، محمد النجار، هشام أبو النصر، نادية حمزة، هاني لاشين، إيناس الدغيدي، علاء محجوب.

* الدورة الـ17 "1993" برئاسة سعد الدين وهبة

 

####

 

مهرجان القاهرة السينمائي بين «القصة والمناظر»

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

لقد أصبحت حفلات الجوائز ظاهرة عصرية واسعة الانتشار تظهر في مختلف الصناعات في شكل معارض تجارية ومؤتمرات مهنية ومسابقات تقنية وما إلى ذلك.

وتحولت هذه التظاهرات التي يتم الترويج لها على نطاق واسع، إلى أيقونات ثقافية عالمية، بما في ذلك على سبيل المثال جوائز الأوسكار الأمريكية، والبافتا البريطانية (في السينما)، وجوائز غرامي (في الموسيقى)، وجوائز توني (في المسرح)، وجوائز إيمي (في التلفزيون).

هذه الأحداث ومراسم توزيع الجوائز هي مناسبات لرواد الصناعة للقاء والاحتفال بأنفسهم ومنتجاتهم، وبناء الهويات الثقافية، وخلق الفروق والتصنيفات من خلال الترشيحات ومنح الجوائز.

ينظر إلى المهرجانات السينمائية على أنها نوع محدد من التظاهرات الفنية واحتفالات الجوائز، والتي تعمل كأحداث رائدة لتأسيس سمعة المهنيين السينمائيين وأيضًا اجتماع لصناعة السينما، وساحة للوساطة بين الفن والأعمال التجارية، بحيث أصبحت المهرجانات السينمائية تشكل مجالًا راسخًا في حد ذاته مع هيكل تبلور بشكل كامل على مدار العقود الماضية.

في كل الدول التي لها باع طويل في فن وصناعة السينما، كانت المدن التي تقام باسمها المهرجانات السينمائية على مدار العقود الستة أو السبعة الأخيرة مثل البندقية في إيطاليا، وكان في فرنسا، وبرلين في ألمانيا، وموسكو في روسيا، وبالطبع القاهرة في مصر، تؤسس لخصوصية فنية وجغرافية. ﻻ أحد يعرف بالضبط عدد المهرجانات السينمائية الموجودة اليوم، ولكن بعض التقديرات تذهب إلى وجود 3500 مهرجان سينمائي حول العالم، والبعض الآخر يقدرها بأكثر من 6 آلاف، بينما يشير الاتحاد الدولي للمنتجين السينمائيين إلى أن عدد المهرجانات التي حصلت على الاعتماد الدولي في عام 2019 هو 46 مهرجانًا.

أما هذه المهرجانات الناشئة فتبني خصوصيتَها على أساس من التنميط من خلال الأفلام المشاركة، أو المخرجين والممثلين المتنافسين على جوائزها. وهنا تبرز الحاجة لإعادة طرح السؤال: لمن تقام المهرجانات؟ ولماذا يتزايد اهتمام المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بإقامة مثل هذه التظاهرات الفنية؟.

* المدخل التاريخي

على المستوى التاريخي، كانت أوروبا هي المهد الذي شهد مولد ظاهرة المهرجان السينمائي في سياق الوضع الجيوسياسي الخاص بأوروبا خلال الثلاثينيات من القرن الماضي والنظام السياسي الجديد في أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية في أواخر الأربعينيات والخمسينيات.

تأسس أول مهرجان سينمائيّ رئيسيّ في العالم في مدينة البندقية بإيطاليا تحت حكم النظام الفاشي في عام 1932، أي أن الأمر استغرق ما يقرب من 40 عامًا بعد أول عرض سينمائيّ عام في ديسمبر 1895، إلى ظهور أول مهرجان سينمائيّ كبير في العالم.

سرعان ما أثارت طريقة إدارة مهرجان البندقية انتقاداتٍ واسعةً بأن الأفلام الإيطالية والألمانية كانت مفضلة على الرغم من أن الدورات الأولى استضافت أفلامًا من عدة دول.

كانت روسيا هي إحدى المتبنّين الأوائل للمهرجان السينمائي، إذ تأسس مهرجان موسكو في عام 1935، ليكون ثاني أقدم مهرجان سينمائي بعد البندقية، ولكنه توقف هو الآخر بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية واستعاد نشاطه في عام 1959، واستمر انعقاد المهرجان بشكل دوريّ كل عامين، بالتبادل مع مهرجان كارلوفي فاري، في الفترة من 1959، وحتى 1995، ومنذ عام 1995 أصبح المهرجان سنويًا.

في عام 1937، حرم فيلم "الوهم الكبير La Grande Illusion" للمخرج الفرنسي "جون رينوا Jean Renoir" من الجائزة الكبرى بمهرجان البندقية نظرًا لمواقف مخرجه السياسية، وعليه قررت فرنسا أن تقيم مهرجانها الخاص، ومن هنا ولد أحد أعرق المهرجانات السينمائية العالمية حتى اليوم، مهرجان كان.

كان من المقرر أن يقام مهرجان كان في الأسابيع الأولى من شهر سبتمبر عام 1939، غير أن الغزو الألماني لبولندا في مطلع هذا الشهر أدى لتأجيل إطلاق المهرجان حتى نهاية الحرب، فكانت دورته الأولى في عام 1946.

وهو ما يعني أنه حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية عرف العالم 3 مهرجانات فقط، هي على الترتيب: البندقية، وموسكو، وكان، أما باقي المهرجانات المعتبرة (مثل لوكارنو في سويسرا، وبرلين في ألمانيا، وكارلوفي فاري في روسيا) فتم تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية بنهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات.

كانت أوروبا الحاضنة للمتبنّين الأوائل للمهرجانات السينمائية، ولكن هذه الظاهرة ما لبثت أن انتشرت في مختلف دول العالم فظهرت مهرجانات في الهند 1952 (آسيا)، وسيدني 1954 (أستراليا)، والأرجنتين 1954 (أمريكا الجنوبية)، وظهرت المهرجانات المتخصصة بدءا من عام 1954 مع مهرجان أوبرهاوزن للأفلام القصيرة في ألمانيا، ومهرجان بلباو للأفلام القصيرة في أسبانيا عام 1958. كل هذه المهرجانات العريقة هي التي أسست للنموذج الذي سار على نهجه كل المهرجانات العالمية اللاحقة.

تكتسب المهرجانات السينمائية الصفة الدولية من خلال اعتمادها من قبل الاتحاد الدولي لمنتجي الأفلام (FIAPF) وهو منظمة عالمية تمثل مصالح مجتمعات منتجي الأفلام السينمائية حول العالم تم تأسيسها في عام 1933 بعضوية 26 منظمة إنتاج محلية من 23 من الدول الرائدة في مجال صناعة السينما.

إبان الدورة الأولى من مهرجان برلين السينمائي في عام 1951، وضع الاتحاد الدولي للمنتجين معايير للاعتراف الدولي منعًا لتضخم ظاهرة المهرجانات الإقليمية والعالمية.

ووفقًا للاتحاد الدولي للمنتجين، تمنح الصفة الدولية للمهرجانات بناءً على معيارين رئيسيين هما:
الجمع بين أفلام من دول مختلفة على مستوى العالم، يأتي العديد منها من دول أخرى غير الدولة المنظمة، ويتم عرضها على الجمهور الذي يتضمن عددًا كبيرًا من رواد صناعة السينما المعتمدين، وممثلي الصحافة ووسائل الإعلام، وعامة الناس
.

أن يقام المهرجان لمدة محددة من الزمن، ولمرة واحدة في العام أو كل عامين، وفي مدينة محددة سلفا.

بدأ الاتحاد الدولي بمنح الاعتماد الدولي للمهرجانات التي تتضمن مسابقاتٍ دوليةً، فتقرر منح مهرجانَي كان والبندقية الاعتماد الدولي في هذا العام 1951، ثم لحق بهما مهرجان برلين في عام 1956، ثم تطور نظام الاعتماد ليشمل مختلف المهرجانات المتخصصة كمهرجانات الأفلام التسجيلية والقصيرة، والمهرجانات التي ﻻ تتضمن مسابقة دولية.

على مدار العقود السبعة الأخيرة كان الاتحاد الدولي للمنتجين - وﻻ يزال - هو اللاعب المركزي وصاحب السلطة الوحيد في مجال المهرجانات السينمائية العالمية، فالاتحاد هو المضطلع بكل القوانين واللوائح الخاصة بتعريف العلاقات بين المؤسسات المختلفة والمنتجين في كل ما يتعلق بتوزيع الأفلام وحقوق عرضها في المهرجانات من خلال الاعتماد الدولي الذي يمنحه لتلك المؤسسات وتظاهراتها الفنية، وكذا التأسيس للتخصصات المختلفة والتصنيفات التي تندرج تحتها هذه التظاهرات.

ومن ثم فإن الاتحاد يعتبر هو الوكيل الحصري لمنح الاعتراف الدولي لأي مؤسسة أو مهرجان عالمي حتى يتسنى له أن يدخل ضمن التصنيف الدولي ويتم الاعتراف به وقبوله بشكل شرعي كسابقيه، ومن ثم يستطيع أن يستقطب الموارد والأفلام اللازمة للعرض والمشاركة في إحدى مسابقاته، وكذا استقطاب المخرجين والنجوم العالميين المعتبرين.

في كتابها "ثقافة الفيلم"، ترى جانيت هاربورد، أستاذ دراسات الأفلام بجامعة لندن، أن المهرجانات الأوروبية الأولى نشأت كمشروع تاريخيّ واسع النطاق لإعادة بناء أوروبا، وإعادة بناء البنية التحتية الاجتماعية التي خربتها الحرب العالمية الثانية، وبهدف توطيد وضع أوروبا كلاعب هامّ في الاقتصاد العالمي.

والأهم من ذلك، أن الثقافة قد أصبحت، بحلول فترة ما بعد الحرب، وسيلة لتمثيل حالة المكان، وتيسير الاقتصادات المحلية من خلال التظاهرات الفنية والثقافية، وكخطوة من الجمعيات والنقابات السينمائية لتوسيع نطاق تعريف الفيلم كشكل فني، بعيدًا عن التعريف التقليديّ المرتبط بهوليوود ذات الانتشار والشهرة العالمية.

هذان الخطابان - الأول المعني ببناء الهوية فيما يتعلق بالأمم أو المدن، والثاني المعني بالتعريف النموذجي للفيلم - هما الأساس الذي قامت عليه المهرجانات السينمائية العالمية وتطورت من خلالهما التاريخ والممارسات المؤسسية الخاصة بهذه التظاهرة الفنية واكتسبت من خلاله الاعتراف الدولي، بناءً على النموذج الذي وضعته هذه المهرجانات الأوروبية الأولى.

بناءً على ما تقدم، يمكننا القول إن جمهور السينما لم يكن المعني بالأساس بمثل هذه التظاهرات وفقًا لتصورات نشأتها التاريخية، إذ إن كل الممارسات المؤسسية الخاصة بهذه التظاهرات الفنية معنية بشكل خاص بصنّاع السينما ودوائرهم المختلفة وبشكل خاص على مستوى الإنتاج والتوزيع.

القاهرة بين القصة والمناظر.

انطلاقًا من هذا الأساس التاريخي، جاءت الدورة الأولى من مهرجان القاهرة السينمائي في عام 1976، بعد عدة محاولات عربية كان أولها مهرجان دمشق الذي أقيمت فعاليات دورته الأولى في إطار معرض دمشق الدولي في عام 1956، ولكن لم يكتب للمهرجان الاستمرار، ثم جاء بعد ذلك مهرجان أيام قرطاج السينمائية الذي بدأ دورته الأولى في عام 1966، وهو مهرجان دوري يقام مرة كل سنتين، ليصبح بذلك مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هو ثاني أقدم مهرجان عربي لا يزال مستمرًا حتى اليوم.

اكتسب مهرجان القاهرة أهميةً خاصةً لكونه المهرجان العربيّ الأبرز والذي يقام بمدينة القاهرة عاصمة الثقافة والفن في الوطن العربي، ومن ثم أسس المهرجان لهوية قومية خاصة (سواء على مستوى المدينة "القاهرة"، أو على المستوى القوميّ العروبيّ) على شاكلة المهرجانات الأوروبية الأولى وفقًا لتصور هاربورد، وهو ما ظهر بشكل خاص في الاحتفاء بالسينما المصرية والعربية بشكل خاص سواء من خلال العروض المتعددة ضمن البرامج المختلفة، أو من خلال التكريمات السنوية لأبرز رواد فن وصناعة السينما في الوطن العربي.

وكما أسلفنا، فإن جمهور وعشّاق فن السينما لم يكن المستهدف الأول من هذه التظاهرات الفنية، سواء على المستوى العالمي أو المحلي، بالرغم من الأهمية البالغة لمثل هذه التظاهرات في إتاحة المنتج الفني الأجنبي في زمن شديد الاختلاف عن زمننا المعاصر، إذ تضاءل حجم توزيع الأفلام الأجنبية إلى حد كبير بالمقارنة بالوقت الحاضر، واقتصر - في مصر- في جانب كبير منه، على الأفلام التجارية الأمريكية أو تلك الهندية.

بدايةً من عام 1985، حينما تولى رئاسة مهرجان القاهرة الأديب والكاتب المسرحي سعد الدين وهبة، غلب على المهرجان الطابع التجاريّ، إذ أنه لم يحمل خصوصية فنيّة معينة ولكنه عمد إلى تخصيص برامج متنوعة يقدم من خلالها أعمالًا سينمائية من كل دول العالم.

ومن ثم فقد اكتسب المهرجان صفة جماهيرية بناءً على حجم الإقبال الجماهيري الهائل خلال النصف الثاني من الثمانينيات وحتى نهاية التسعينيات.

وعن هذه الدورة يقول الناقد الكبير سمير فريد، والذي كان مديرًا فنيًا للمهرجان حينئذ، أن الدورة نجحت وحققت انتصارين، تمثل الأول في استعادة الصفة الدولية من الاتحاد الدولي للمنتجين ولكن بدون مسابقة رسمية (عادت المسابقة الرسمية بدءًا من الدورة الـ15 عام 1991)، أما الانتصار الثاني فتمثل في تغطية المهرجان تكلفته وتحقيق أرباح حوالي 50 ألف جنيه، وهو رقم ضخم في ذلك الوقت، ولكن كان لهذا النجاح أثر جانبي آخر كما يقول سمير فريد، إذ أن سعد لطفي، رئيس الوزراء في حينها، قرر أن يقوم المهرجان بالجهود الذاتية وبلا أي دعم من الدولة طالما أنه قادر على تحقيق فائض ربح.

اقترنت هذه الصفة الجماهيرية بشكل كبير بالإقبال على نوعية من الأفلام أطلق عليها الجمهور ساخرًا "أفلام المناظر"، تعبيرًا عن الأفلام التي تحتوي على بعض المشاهد الإباحية التي تجيزها الرقابة بشكل حصريّ خلال مهرجان القاهرة السينمائي، وهى النكتة التي جسدها الكاتب السينمائي الكبير وحيد حامد في فيلمه "المنسي" من إنتاج عام 1993، في سؤال بطل الفيلم على شباك التذاكر عن الفيلم المعروض هل هو فيلم "قصة ولا مناظر؟" وهو السؤال الذي توارد على ألسنة الجماهير لدى شرائهم تذاكر المهرجان في هذه الفترة.

على مدار هذه السنوات مثّل مهرجان القاهرة السينمائي "احتفاليةً كبيرة في الشارع المصري ينتظرها الجمهور من عام إلى عام، سواء حضر نجوم عالميون أو لم يحضروا، فالجمهور حاضرٌ وبقوة" كما يقول الناقد السينمائي طارق الشناوي في مقاله بجريدة المصري اليوم قبل سنوات.

بل إن الأمر تجاوز هذا الحضور الجماهيري إلى النجاح التجاري اللافت إلى الحد الذي جعل من المهرجان مستقلًا بشكل ماديّ بلا أي حاجة إلى دعم من الدولة، فكما يقول الشناوي إن المهرجان استطاع في هذه الدورات التي رأسها سعد الدين وهبة أن يحقق دخلًا يتيح له الإنفاق على كل فعالياته من خلال إيرادات الأفلام، بل ويتبقى فائضٌ يتجاوز المليون جنيه.

ترتبت على هذه الظاهرة الجماهيرية مجموعة من الهابيتوس habitus لدى جماهير مهرجان القاهرة السينمائي.

والهابيتوس، كما يعرّفها عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، هي منظومة الاستعدادات التي يحملها الناس والتي تتيح لهم الحكم في مدى جودة صورة فوتوغرافية مثلًا أو التجول بدراية ومعرفة داخل المتاحف، أي أنها جملة متماسكة من القدرات والعادات والمؤثرات الجسدية التي تتكون لدى الفرد بالتلقين وبالغرس غير الواعي في الذهن واستبطان أساليب الوجود الخاصة بوسط معين.

تمحورت الهابيتوس أو منظومة الاستعدادات لدى الجمهور المصري في عدد من السلوكيات المرتبطة بالتمييز بين المعروض من الأفلام في برامج مهرجان القاهرة السينمائي، وانتقاء ما يتوسم فيه المشاهد أنه "فيلم مناظر"، سواء من خلال تناقل السمعة باللسان بين الجماهير التي سبق وشاهدت العروض الأولى لهذه الأفلام، أو من خلال مطبوعات المهرجان نفسه (كتالوج المهرجان) التي تحتوي على قائمة بأسماء الأفلام، ونبذة مختصرة عن قصة كل فيلم، بالإضافة لصورة لإحدى لقطات الفيلم، وكذلك من خلال شراء المجلات والمطبوعات غير الرسمية التي انتشرت على هامش المهرجان والتي كانت بمثابة دليل للمشاهد الباحث عن أفلام المناظر، إذ أنها عمدت إلى إثارة اهتمام الجمهور واللعب على غرائزه بنشر الصور العارية من أجل استقطابه إلى قاعات العرض.

في المقابل، سنجد أن الكتالوج (المطبوعة الرئيسية بالمهرجان) حملت الكثير من العناصر التي مثلت عامل جذب لهذا النوع من المشاهدين، فسنجد أن الترجمة العربية لعناوين الأفلام حملت إيحاءات واضحة وجاذبة، منها مثلا أفلام مثل "قانون المتعة"، و"في الفراش مع مادونا"، و"الحب الصيفي للفتى الخائب"، و"عنبر النساء"، و"رؤى هائجة".

كما أن عددًا من الأفلام التي لم تحمل عناوينها مثل هذه الإشارة، كانت الصفحة الخاصة بها في الكتالوج تحمل صورة أكثر إيحاءً مثل أفلام "الجانب الآخر"، و"خذ حذرك"، و"ملف مارتيللو"، و"الرقص في الظلام".

في هذا العدد من مجلة الفيلم نقرأ في شهادة المخرج عماد إرنست كيف أن عناوين الأفلام التي كانت تعلو مداخل سينمات وسط البلد أثناء فترة المهرجان كانت عوامل جذب جماهيري رئيسية، بل إنه يؤكد ان بعض هذه الأسماء كان مرجعها الجمهور نفسه.

كل هذه الشواهد تؤكد أن مهرجان القاهرة السينمائي بنى جماهيريته وسمعته التجارية - سواء بشكل مقصود أو غير مقصود - اعتمادا على هذه الظاهرة الاجتماعية بالأساس، واستغلالا لحقيقة صعوبة إتاحة مثل هذا المحتوى الفني في هذه الفترة، والإجازة الرقابية الحصرية التي تفرضها لوائح وقوانين الاتحاد الدولي للمنتجين بشأن عرض الأفلام في المهرجانات السينمائية.

* إشكالية الفني والتجاري

ربما كان من الضروري أن نؤكد أن تناولنا لهذا الموضوع ليس بغرض توجيه الاتهامات إلى القائمين على مهرجان القاهرة السينمائي في هذه الدورات، وإنما بهدف التوثيق لهذه المرحلة من تاريخ المهرجان، ومحاولة للإجابة على السؤال الذي انطلقنا منه وهو: لمن تقام المهرجانات؟.

كما أسلفنا، فإن النشأة التاريخية لظاهرة المهرجانات السينمائية ارتبطت بالمحاولات الأوروبية لإعادة تعريف الفيلم كوسيط فني بشكل مغاير عن التعريف الأمريكيّ الهوليووديّ السائد، وهو الأمر الذي يحيلنا على الفور لثنائية الفنيّ والتجاريّ.

وعلينا أن نؤكد ابتداءً أن هذه الثنائية لا تفترض أن كل ما هو أمريكي هو تجاري بالضرورة، أو أن كل ما هو أوروبي هو فني بالضرورة، وإنما تنطلق هذه الثنائية بالأساس من عملية تصنيف للجمهور بقدر ما هي عملية تصنيف للمنتَج الفنيّ نفسه، إذ تفترض الأفلام الفنية جمهورًا نخبويًّا على المستوى الثقافي، بينما في المقابل تفترض الأفلام التجارية جمهورًا عامًا سائدًا.

ترتبط المهرجانات السينمائية بشكل كبير بإشكالية الفني والتجاري، إذ أنها تفترض في جمهورها نوعا من النخبوية، وهو ما ارتبط بمصطلحٍ دارجٍ في الكتابات النقدية المصرية هو "أفلام المهرجانات" في إشارة إلى أنها أفلام فنية وليست تجارية.

وعلى هذا الأساس، فإن المهرجانات السينمائية مثلت نافذة هامة - وربما الوحيدة - للوصول إلى أهم الإنتاجات العالمية في فن السينما، سيّما في سنوات ما قبل الانفجار التكنولوجي، والتي لم تعرف هذا القدر الكبير من الإتاحة للمنتجات الفنية والثقافية بمختلف أشكالها، وعليه فقد كان مهرجان القاهرة السينمائي هو قبلة المشاهد النخبويّ الحريص على مشاهدة أفلامٍ لن يتاح له مشاهدتها في الظروف العادية، ولن تجتذب أصحاب دور العرض والموزعين لطرحها تجاريًا خارج إطار المهرجان.

أما على المستوى التجاري، فإن المهرجانات - بحكم التعريف - هي ملتقى لصناع وموزعي الأفلام السينمائية حول العالم، فالمهرجانات هي بالأساس مساحة للتلاقي ما بين المبدعين والفنانين من جهة، وبين رأس المال السينمائي من جهة أخرى، أي أنه تلاقٍ بين الشقين الفني والتجاري. فالفنانون يبحثون عن تمويل لمشاريعهم، والمنتجون والموزعون يبحثون عن مشاريع فنية جديدة سواء لإنتاجها أو توزيعها محليًا.

وبهذا المعنى تتراجع أولوية الدور التثقيفيّ وموقع الجمهور من هذه التظاهرات الفنية، إذ إنها تقوم بالأساس للتشبيك بين الفاعلين الرئيسيين في الصناعة على المستوى العالمي.

كما ترتبط المهرجانات العالمية بشكل كبير بالجانب التجاري لصناعة السينما، إذ إن سمعة المهرجان و"تراتبيّته" تتحدد بشكل كبير بناء على المساحة الممنوحة للتبادل التجاري، من خلال أنشطة مثل سوق الفيلم الأوروبي بمهرجان برلين، وسوق الفيلم بمهرجان كان.

على هذا الأساس، كان مهرجان القاهرة قناة هامة للتشبيك بين الموزع الأجنبيّ والموزع المحليّ من خلال أنشطة مثل "سوق الفيلم"، سواء لتوزيع الأفلام الأجنبية محليًا، أو توزيع الأفلام المصرية عالميًا، غير ان الصفة التجارية التي اكتسبها مهرجان القاهرة توقفت عند حجم الإقبال الجماهيريّ والقدرة على تحقيق فائض ماديّ في ميزانية المهرجان استنادًا لسمعة "قصة ولا مناظر"، دون أي تأثير واضح لفعالية "سوق الفيلم" على صناعة السينما المحلية.

يمكننا القول إن هذه المرحلة التاريخية من عمر مهرجان القاهرة السينمائيّ لم تكن ذات أثر إيجابي على المشاهد المصري، فعلى الرغم من ارتباط الإقبال الجماهيري بهذه الظاهرة، إﻻ أن المهرجان لم يعدم وجود الأفلام الفنية المتميزة لأعلام السينما على مستوى العالم، فقد شهدت هذه الدورات عروضًا لأفلام مثل "رفاق طيبون Goodfellas" لمارتن سكوسيزي، و"كلاب المستودع Reservoir Dogs" لكوانتن تارانتينو، و"لقطة قريبة Close-Up" لعباس كياروستامي، و"هنري وجون Henry & June" لفيليب كوفمان، وغيرها من الأفلام الهامة. كما نظم المهرجان في عدد غير قليل من دوراته في عقدي الثمانينيات والتسعينيات برنامجًا خاصًّا بالسينما المستقلة الأمريكية، والتي يقدم من خلالها تجاربَ هامة خارج نطاق السينما السائدة في هوليوود.

وعلى الرغم من تصدر جمهور "المناظر" للصورة، إﻻ أن المهرجان لم يعدم أيضًا جانبه التثقيفيّ وأثره على كل فئات الجمهور سواء الباحث عن "القصة" أو "المناظر"، كما نجد في رسالة أحد القراء إلى جريدة المساء الأسبوعية التي يقول فيها: "في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير كان للإقبال الجماهيري الهائل على أفلام المهرجان بمثابة صفعة على وجه مخرجي ومنتجي الأفلام الهابطة الذين يتحججون بأن الجمهور "عايز كده" .. يا سادة الجمهور المصري بريء من هذه التهمة، لأنه ذواق للفن بكل أنواعه ويتطلع دائمًا إلى كل ما هو جادّ وهادف."

بالتأكيد تطورت ظاهرة المهرجانات السينمائية منذ بزوغها في بداية الثلاثينيات من القرن الـ20 وحتى اليوم، وهي وإن كانت تظاهرات فنية تستقطب صناع فن السينما بشكل خاص، إﻻ أنها لا تفتقد لموقع الجمهور ومكانه المحوري من هذا الفن الجماهيري بكل ثملاته، سواء كان سعيه من أجل "القصة" أو "المناظر".

 

المصرية في

02.12.2019

 
 
 
 
 

السينما العربية تبحث عن هويتها فى مهرجان القاهرة السينمائى

يعتبر فيلم «بيروت المحطة الأخيرة» من الأفلام التى ولدت من رحم مهرجان القاهرة السينمائى الدولي، فقد قدر له أن يرى النور، بعد أن دعمته منصة أيام القاهرة لصناعة السينما، التى تهدف إلى دعم السينمائيين الشباب أصحاب المواهب الجادة.

فى الفيلم، الذى شارك فى المهرجان ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، وتم تتويجه بجائزة أحسن فيلم غير روائي، لا وجود لقصة جديدة هنا، ولا ألغاز لتكشف، ولا حوارات درامية تصلح للاقتباس، فالفيلم يعبر عن حقبة تاريخية هامة فى حياة الشعب اللبناني، وهى قصة يعرفها الصغير قبل الكبير؛ هناك فقط زمن يخطو، وفى طياته، تتداخل على مدى ساعتين القصص الصغيرة بالكبيرة، والأحداث العامة بالخاصة، رسالة تعمد المخرج اللبنانى إيلى كمال إيصالها للجمهور عبر مسارين شخصى وعام، ليضع المشاهد أمام قضية ضياع الهوية ويكمل السرد متحدثاً عن بيروت عندما كانت مقسمة إلى منطقة شرقية للمسيحيين وأخرى غربية للمسلمين ومشاعر الخوف والتوجس لدى كل طرف حيال الآخر. ثم يتطرق عبر المسار العام إلى السكك الحديدية المتوقفة عن العمل فى لبنان، واستهداف الحلفاء لها إبان الحرب العالمية الأولى عندما كان لبنان جزءا من الدولة العثمانية، ويعرض ايلى الكثير من اللقطات لعربات قطار يعلوها الصدأ من كل مكان، ومحطات خاوية لا يقف فيها أحد، وبالتوازى مع هذا يقدم للمشاهد معلومات عن تاريخ السكك الحديدية فى البلاد منذ أن سار أول قطار على الأراضى اللبنانية عام 1895. ثم ينتقل إلى المسار الشخصى لينقل صورة حية عن توجسه من سكان ضيعته المسلمين عندما يذهب إلى غرب بيروت.

فى البداية، أبدى كمال سعادته من التكريم، خاصة أنه يعتبر الفيلم ابن المهرجان الذى تبناه وهو فى طور التحضير، وآمن برسالته. متمنيا ألا تكون المرة الأولى ولا الأخيرة التى يشارك فيها مهرجان القاهرة السينمائى بأفلامه.

وتحدث كمال عن ملتقى القاهرة لصناعة السينما قائلا: منصة القاهرة لصناعة السينما من الأقسام الهامة فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولي، فهو يدعم المواهب الشابة وتشجيع الإبداع فى المحتوى السينمائى بالعالم العربي، حيثُ يشرف على المنصة خبراء من أمهر صُناع السينما يختارون الموضوعات الجادة التى تطرق لقضايا هامة، وتمويلها، استفدت كثيرا من هذه التجربة على صعيد الإبداع والدعم.

وأوضح كمال أن الأفلام التى تقوم على «سينما المؤلف» التى تحاكى فيها الجمهور، دائما ما تواجه صعوبة فى التمويل من جانب شركات الإنتاج الذين يفضلون استثمار أموالهم فى أفلام المقاولات التى تهدف الى الربح.

وتجنبا للانتقادات التى دائما ما توجه للأفلام التى تتناول أحداثا تاريخية، أكد أنه استغرق قرابة الـ6 أعوام، للتحضير لهذا الفيلم لحصر كل المادة التاريخية التى تعود لأكثر من 150 عاماً تقريباً شاهدة على تاريخ لبنان بأكمله.

وأشار إلى أن فكرة الفيلم جاءته عن طريق الصدفة، عندما كان بصدد التحضير لفيلم آخر مع المنتجة اللبنانية جنا وهبة قبل سنوات عديدة، واستلزم الأمر استخراج تصاريح من هيئة السكك الحديدية، وهو الأمر الذى استهجنه لأن لبنان ليس فيه سكة حديد، لكن عندما ذهب للهيئة التى وجد أنها موجودة بالفعل والعاملون بها يتقاضون رواتبهم، قرر صنع فيلم يحكى عن السكك الحديدية اللبنانية والنهاية التى آلت لها.

وتعليقاً على قضية الهوية المطروحة فى الفيلم قال: إنه سعيد أن الفيلم بعرض الفيلم الآن وسط الأحداث التى تمر المنطقة العربية عموماً ولبنان على وجه الخصوص، فالفيلم يرسخ الهوية التى أضاعها الشعب إبان الحرب العالمية الأولى عندما سلبوا الحلفاء جزءاً من تاريخها.

ورفض «كمال» تصنيف الفيلم بأنه فيلم سياسى أو تاريخى أو وثائقي، فهو شخصى يروى حقبة زمنية معينة تغلب عليها الأحداث السياسية.

وعن أبرز التحديات التى واجهته أثناء التحضير للفيلم قال: البحث عن جهة إنتاجية لتمويل فيلم غير ربحى على الإطلاق.

وأعرب كمال عن سعادته بمبادرة 50/50 التى وقع عليها مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى نسخته الـ41، متمنياً أن يأتى اليوم الذى نتخطى فيه ذلك الأمر ونتعامل معه بشكل عادى وطبيعي، خاصة أن المرأة أثبتت نجاحاً كبيراً فى مجال صناعة السينما.

تطرق إليها من واقعة حقيقية حدثت معه.. أعاد القضية الفلسطينية للضوء فى أعقاب القرارات الأخيرة التى أصدرتها الإدارة الأمريكية، والتى كان آخرها الاعتراف بشرعية المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضى الفلسطينية، وهو القرار الذى أدانته الدول الأوروبية لأنه يعكس نية أمريكا فى إنهاء دولة فلسطين مستقبلا، ظهر المخرج المغربى حسين بن جلون ليسجل اعتراضه وموقفه من خلال فيلمه «من أجل القضية» لإعادة تسليط الضوء على الفلسطينيين ومشكلاتهم فى الداخل والخارج، والذى عرض فى مهرجان القاهرة السينمائى بنسخته الـ41، ضمن مسابقة آفاق العربية.

يعتمد أسلوب جلون فى الإخراج على مدرسة «السهل الممتنع» فى طرح قضايا اجتماعية وسياسية جريئة، ليثرى عقول المشاهد بالعديد من الرؤى المبتكرة. لذا ليس غريبا ان يستعين بـ«الكوميديا السوداء» فى سرد قصته، إذ جمع القسوة بالدعابة والمرارة بالنكتة حاملا المسكّن للمتلقى تحديدا الفلسطينيين التى تطاردهم لعنة المعاناة والألم داخل وخارج بلادهم.

تبدأ الأحداث فى برشلونة بإسبانيا، حيث يعيش الفلسطينى كريم الذى يعزف العود داخل مقهى، ذات يوم تعرض عليه مغنية الفرقة الموسيقية، وهى الفرنسية اليهودية سيرين مرافقتها إلى مدينة فاس لرؤية البيت الذى كانت تعيش فيه عائلتها قبل الهجرة من المغرب إلى فرنسا، فيتغير خط رحلة الاثنين بعيداً عن باقى أعضاء الفرقة على وعد باللحاق بهم فى الجزائر. وعلى جسر حدودى بين المغرب والجزائر تدور معظم أحداث الفيلم، حيث يواجه الاثنان سلسلة من المواقف العبثية مع سلطات الحدود تبقيهما عالقين بين البلدين وتتفجر الكوميديا السوداء من خلال محاولاتهما للتغلب على العقبات التى فرضت عليهما بسبب الجنسية والديانة والقوانين واللوائح البالية.

وتحدث جلون لـ«نجوم وفنون» عن الفيلم قائلاً: الفيلم كوميدى اجتماعى يعتمد على مجموعة من المواقف الطريفة ويتضمن مجموعة من الرسائل الهادفة، وهو مستوحى من تجربتى الشخصية، فهى واقعة حقيقية حدثت معى بالماضى عندما كنت أنتقل من النمسا إلى تشيكوسلوفاكيا وكانت معى صديقة شابة وبعد مرور السنوات فكرت فى تحويلها إلى فيلم مع تسليط الضوء على القضية الفلسطينية.

وعن سر اختيار «القضية الفلسطينية» كخط درامى يروى من خلاله تجربته الشخصية قال: القرارات الأخيرة التى أقرتها الإدارة الأمريكية والتى تكشف من خلالها عن نيتها فى إنهاء دولة فلسطين، حمستنى لتذكير العرب بالقضية الفلسطينية، ووجدت تجربتى فرصة مناسبة للتعبير عن أوضاع الفلسطينيين بشكل مغاير عن طريقة الطرح التى تم تناولها فى أفلام سابقة، لا أستطيع الادعاء أنى الأجدر بالتعبير عن مشكلات الفلسطينيين لكنى أشعر أن القضية الفلسطينية قدر لها أن تذهب فى طى النسيان، رغم أنها هى القضية الأولى عربياً.

ولأن الفن هو اللغة المشتركة بين شعوب العالم، ويتجاوز كل الفوارق والحدود، اختار بن جلون، أن يكون أبطال الفيلم عازفين موسيقيين.

وأكد «بن جلون» أنه اختار أن تكون رفيقة العازف الفلسطيني، يهودية الأصل لإبراز التناقض والتفرقة العنصرية التى تتم على أساس والعرق والدين، لافتاً إلى أن المواطن العربى بالخارج دائما ما يواجه صعوبات فى الحقوق والحريات.

وعن الصعوبات والتحديات التى واجهتهم خلال التصوير قال: ثمة مشاكل واجهتنا عند التحضير للفيلم، والتى كان أبرزها الحصول على التأشيرات وتصاريح التصوير، لأن جنسية البطل رمزى مقدسى الذى واجه عقبات فى التصوير بسبب تأشيرة الدخول والإقامة بالمغرب، إلى جانب التمويل الذى دائما ما يقف عقبة أمام طريق الإبداع.

وعن المغزى وراء إصراره على تخلل بعض مشاهد الفيلم عددا من المواقف الكوميدية السوداء قال: ارتأيت أن الكوميديا مطلوبة فى هذا العمل، لأنه يروى قصة إنسانية بحتة، وحساسة جداً لدى العرب، فالكوميديا كانت بمثابة تسكين أو مخدر للآلام الذى يمكن أن يشعر به المتلقى عند رؤية الفيلم.

وعن مشاركة الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى ضمن مسابقة آفاق السينما العربية قال: أشعر بالفخر لعرض فيلمى فى أهم مهرجان بالوطن العربي، لأن هذا يمنح الفيلم شعبية كبيرة، ويمنح فرصة لعدد كبير من المواطنين العرب من رؤيته وهذا ما أسعى إليه، لأن القضية التى يتناولها الفيلم مطروحة للعرب وليس للمغرب فقط.

وأشار «بن جلون» إلى أن السينما المغربية نجحت فى عبور حاجز الإبداع والوصول للعالمية، حيثُ بدأت تتخذ مكانها فى عدد من الملتقيات العالمية، لأن فيها تنوعا ونموا فى الأسلوب والتقنية والجمالية.

وتحدث بن جلون عن الفوارق بين السينما المصرية ونظيرتها المغربية قائلا: السينما بشكل عام لديها كل الحق للتطرق لجميع المواضيع، ومعالجة أى موضوع بالطريقة التى تريد، وبالكيفية التى تراها مناسبة، لأنها ليست محلية بل عالمية، موجهة لكل المتلقين من كل الأجناس، وليس لمتلق واحد، وأعتقد أن السينما المغربية أكثر جرأة من نظيرتها المصرية فى طرح الموضوعات الجريئة.

وأكد «بن جلون» أن اللهجة لا تقف عائقا أمام انتشار السينما المغربية، لافتاً أن الصورة هى اللغة المعتمدة للسينما لا اللهجة.

وأوضح «بن جلون» الذى تتميز أفلامه حسب النقاد بمضامينها الثرية ورموزها القابلة لتأويلات مفتوحة لدى المشاهد، أنه ضد فكرة أن السينما مجرد تسلية، ومثار لهو، وليس ركيزة أساسية للتنمية. متمنيا أن تدعم الدول العربية الثقافة السينمائية فى المؤسسات التعليمية والمناهج التربوية.

كواليس ملحمة الأرجنتين

ولأن السينما هى النافذة التى يمكن من خلالها استشراف الحاضر وتشخيص الماضي، جاء المخرج التونسى سامى التليلى بفيلمه الوثائقى «عالبار»، الذى شارك فى مهرجان القاهرة السينمائى بنسخته الـ41، ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ليكون وثيقة تاريخية هامة تكشف ملامح حقبة مفصلية فى تاريخ تونس، وهى «ملحمة الأرجنتين» عام 1978 كأس العالم الذى تألق فيه المنتخب التونسى، عبر شهادات ثرية من أطراف بعضهم متابعون وآخرون فاعلون فى المشهد، شهادات من الباجى قائد السبسى وجيلبار نقاش ومحمد الناصر والطيب البكوش واللاعب خالد القاسمى وغيرهم، كلها كانت تقدم للمشاهد وقائع تلك المرحلة من زوايا ووجهات نظر مختلفة.

يربط الفيلم بين ثلاثية السلطة والنقابة والرياضة، وأكد التليلى فى الفيلم أن مباريات كرة القدم ليست إلا واجهة استغلها النظام الحاكم آنذاك لتغطية أحداث دموية فيما عرف لاحقاً بالخميس الأسود وتحديداً يوم 26 يناير 1978.

تحدث «التليلى» عن الصعوبات التى واجهته عند التحضير للفيلم قائلاً: واجهنا بعض الصعوبات للوصول لبعض الشخصيات التى تورطت فى أحداث عام 1978، كما واجهنا صعوبة فى الحصول على الوثائق والأرشفة لأننى كنت أريد وثائق مكتوبة وأخرى سمعية بصرية، موضحاً أن الأرشيف الذى حصل عليه من المعهد الوطنى الفرنسى من «رويترز» بعد أن فقد جزءاً كبيراً منه فى تونس كلفه ما يوازى 30 ألف يورو، ما جعل الفيلم يتم تصويره فى 7 أعوام.

وألقى «التليلى» الضوء على المشاكل التى تقف عائقاً فى طريق الأفلام الوثائقية، موضحاً أنه على الرغم من أهمية الأفلام الوثائقية، وتأثيرها الثقافى والسياسى والاجتماعي، لكنها ما زالت فى منطقة الظل مقارنة بالأفلام الروائية التى أخذت الأضواء، واستولت على مساحة كبيرة من الاهتمام، حيث إن ما تجنيه صناعة الأفلام الروائية من أرباح تفوق بأضعاف مضاعفة أرباح صناعة الأفلام الوثائقية، وهو ما يجعلنا نرى تقاعساً كبيراً من العديد من الأطراف لتمويله بداية من المنتجين ومروراً بالمؤسسات المانحة وصولاً إلى التليفزيونات الحكومية والهياكل الثقافية، دون أن ننسى دور السينما والموزعين الذين لا يستثمرون فى عرض الأفلام الوثائقية.

 

####

 

استعادة الماضى بعين الحاضر:

فى ختام فعاليات مهرجان القاهرة السنمائي الدولى 41

قدّم مهرجان القاهرة السينمائى الدولى الذى اختتمت فعاليات دورته الـ41 التى تحمل اسم الناقد الفنى الراحل يوسف شريف رزق الله، خلال الأيام الماضية، مجموعة جريئة ومُنوعة من الأفلام والوثائقيات من جميع أنحاء الشرق الأوسط، التى حاولت إلقاء الضوء على الصراعات من أجل السلطة والنفوذ فى عالم عربى يشهد منذ سنوات تغيّرًا يصعب على أحد التنبؤ بمشهد النهاية، وأخرى تناقش قضايا الانتماء والهوية والوطن.

رغم أن الهدف واحد، لكن طريقة الطرح والتناول كانت البطل هنا، ففى الفيلم اللبنانى «بيروت المحطة الأخيرة» الحائز على جائزة أحسن فيلم غير روائي، نجد المخرج إيلى كمال لا يقطع حبل ذكرياته الخاصة، ليتوقف عند مجزرة، أو محطة قطار، أو سكة جديدة. إذ يترك الزمن ينساب، من دون أن ينتقى أولويات، فرغم أن الفيلم ذو لغة توثيقية لكنه

ليس وثائقياً. المحور الأساسى الوحيد هنا، هو استعادة الماضى بعين الحاضر.

وبرؤى ثاقبة روى المخرج الوثائقى التونسى سامى التليلى حقبة زمنية عاشت فيها تونس أزمة سياسية حادة، ألا وهى الإضراب العام الذى أعلنه الاتحاد العام التونسى للشغل بقيادة النقابى حبيب عاشور يوم 26 يناير سنة 1978 ، فى فيلم «عالبار».

أما المخرج المغربى حسين بن جلون، قرر أن يتطرق إلى القضية الفلسطينية فى فيلمه الجديد «من أجل القضية» عن تجربة شخصية عاشها، لتذكير العرب بالقضية الفلسطينية حتى لا تمضى فى طى النسيان.

 

الوفد المصرية في

04.12.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004