كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

على متن مراكب الشمس جاءت سينما العالم إلى مهرجان القاهرة السينمائي

عزة إبراهيم

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الحادية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

·        بدأت الفكرة على مائدة إفطار "كمال الملاخ" في برلين.. وأجواء سياسية ساخنة في محطات البداية

·        السادات يتدخل لرفع "إليزابيث تايلور" من القائمة السوداء.. وشاشات المهرجان كانت نافذة لمعرفة الآخر ومحاورته

من قلب الخيال والولع بالسينما جاءت فكرة إقامة مهرجان القاهرة السينمائي ومن نبض أجيال عاشت السينما كحلم ودهشة لا نهائية، كان ولع الناقد الفني بجريدة الأهرام كمال الملاخ بسحر السينما ومتابعته للمهرجانات الدولية هو ما جعله يفكر مع عدد من النقاد في عمل مهرجان سينمائي دولي في القاهرة ليتعرف الجهمور المصري على نجوم وصناع السينما العالمية ويشاهدون أفلامهم في عروضها الأولى.
ربما بدأت الفكرة بدوافع سياسية تجاه الآخر المحتل لأرضنا العربية في فلسطين ، لكن المؤكد أنها استمرت بدوافع نابعة من رغبة أكيدة في معرفة سينما الآخر المتحضر وإضافته الفنية لعالم السينما الساحر عامًا بعد عام وجيلًا بعد جيل، وكذلك الدخول في حوار سينمائي طويل ومستمر أتاح للجمهور المصري تواصلًا فنيًا مع سينمات الشعوب الأخرى ومبدعيها ورؤاهم الفنية الثرية والمتنوعة
.

الفكرة بدأت في برلين

بدأت الفكرة كحلم شخصي للملاخ وعدد من الكتاب والنقاد كانوا في برلين عام 1975 يتابعون مهرجانها الدولي العريق الذى بدأ عام 1951، وعلى مائدة الإفطار في الفندق الذى يقيمون فيه قرأ لهم الناقد "عبد المنعم سعد" خبرًا في مجلة "فارايتي" الأمريكية عن اعتزام "الكيان الصهيوني" تنظيم مهرجان سينمائي في القدس فذهل الحاضرون من هذه الجرأة حيث إن "الكيان الصهيوني" بلا أي تاريخ سينمائي من أي نوع، في الوقت الذي كانت السينما المصرية قد أصبحت فيه صناعةً كبرى وأحد مصادر دخلنا القومي، فمصر رائدة أول صناعة سينمائية في أفريقيا والشرق الأوسط. واشتعلت المناقشات فيما بينهم على مدار يومين واتفقوا على ضرورة أن يكون في مصر مهرجان سينمائي دولي ليس كرد فعل على جرأة الصهاينة، ولكن لتدخل الفكرة التي قضوا سنوات في الحلم بها حيّز التنفيذ.

أدرك "كمال الملاخ" أن السينما هي خلاصة الفنون ومن أجلها ترك منصبه كمدير لمصلحة الآثار، رغم تألقه وإنجازاته في هذا المجال والتي توجت باكتشافه لمراكب الشمس عند قاعدة الهرم الأكبر بالجيزة ،حيث إن شغفه بالسينما كان أكثر إلحاحًا عليه مما جعله يتجه للنقد والكتابة السينمائية ويتابع سينمات ومهرجانات العالم بجانب عمله في كلية الفنون الجميلة .وكما اكتشف مراكب خوفو التي أعدها للسفر إلى الجانب الآخر من الحياة فإن "الملاخ" بإقامته لمهرجان القاهرة حقق قفزة نوعية في علاقتنا بالآخر السينمائي وفتح الباب على مصراعيه للقاء مصر بكل شعوب العالم من خلال هذه التظاهرة السينمائية التي جلبت للمصريين تشكيلة منوعة وزاخرة من إبداعات الفن السابع.

اشتعلت جذوة هذه الشرارة التي اندلعت من لقاء برلين سنة 1975 في فندق إنتركونتننتال بين هذه المجموعة من النقاد والصحفيين وهم : الكاتب الصحفي "كمال الملاخ" والنقاد "فوميل لبيب" و"عبد المنعم سعد" و"ماري غضبان" و"أحمد ماهر"، ولم يتوقفوا عن العمل حتى انطلق مهرجان القاهرة السينمائي لأول مرة في السابع عشر من أغسطس عام 1976 ورفرفت في سماء القاهرة أعلام الدول المشاركة وعددها ثلاث وعشرون دولة شاركت بنحو مئة فيلم ،منها أربعة عشر فيلمًا في المسابقة الرسمية.

الخطوات الأولى نحو الحلم

بعد العودة للقاهرة دعا "كمال الملاخ" نفس المجموعة ومعهم الصحفي "مفيد فوزي" على الغداء في نادى الجزيرة واستكملوا اجتماع برلين وحددوا الخطوات العملية للسير قدمًا في إقامة المهرجان، وكانت أولى هذه الخطوات هي إشهار جمعية فنية تتولى تنظيمه وإقامته.

وطلب "الملاخ" من "عبد المنعم سعد" و"مفيد فوزي" عمل الاتصالات اللازمة مع وزارة الشئون الاجتماعية المشرفة على الجمعيات لإشهار "الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما ."وبالفعل أشهرت الجمعية واختير الأديب ووزير الثقافة وقتها "يوسف السباعي" رئيسًا فخريًّا لها بسبب حماسه للفكرة، وليعطى ثقلًا وجديةً للمهرجان الوليد.

وخصص"السباعي" شقة في شارع عرابي بجوار اتحاد النقابات الفنية لتكون مقرًّا للجمعية .وسعى لدى وزير المالية ليخصص ميزانية للمهرجان ولكن كعادة وزراء المالية في كل عصر، ردّ بأن هناك أولويات لوزارة المالية أهم من المهرجان .لم تكن الصعوبات المالية أوغيرها قادرة على أن تطفئ جذوة هذا الأمل والحماس الذى اشتعل في قلب "كمال الملاخ" لإقامة المهرجان والتصدي لأية تحديات وعقبات في طريق هذا الحلم.

وبالفعل بدأوا في تشكيل مجلس إدارة للجمعية برئاسة" كمال الملاخ" واختير "حسن إمام عمر" نائبا للرئيس و"عبد المنعم سعد "السكرتير العام و"أحمد ماهر" أمينًا للصندوق. وضمت الجمعية بين أعضائها" أحمد صالح" و"حسن عبد الرسول " و" عبد المنعم سعد" و"فوميل لبيب "و"ماري غضبان" و"محمد الحيوان "و"مفيد فوزي" و"يوسف جوهر".

وتشكلت هيئة المهرجان الأول من كل من "كمال الملاخ رئيسًا" و "عبد المنعم سعد" مديرًا و"ماري غضبان" للعلاقات الخارجية و"حسن عبد الرسول" أمينا عاما و"أحمد ماهر" أمينًا للصندوق وعضوية كلٍّ من "فوميل لبيب" و"مفيد فوزى" و"أحمد صالح" وانضم اليهم في الدورات التالية "حسن شاة" و"إيريس نظمى" و"عدلى المولد".

المهرجان يحصل على الصفة الدولية ..

انطلق المهرجان دوليًا منذ اللحظة الأولى، وافتتحه رئيس الوزراء وقتها "ممدوح سالم" بحضور الأديب "يوسف السباعي" وزير الثقافة والرئيس الفخري لجمعية كتاب ونقاد السينما المنظمة للمهرجان .ولكي يحصل على الصفة الدولية كان لابد أن يكون عضوًا فى إتحاد المنتجين بباريس الذى يمنح الصفة الدولية وكان يرأسه مسيو "الفونسو بريسون" وقتها، وأهمية الحصول على الصفة الدولية هي أنها تضع المهرجان على خريطة المهرجانات الدولية مما يساعد في التنسيق بين موعده وموعد المهرجانات الأخرى لجلب أفلام عالمية الإنتاج ولم يسبق عرضها تجاريًا لتعرض للمرة الأولى في المسابقة الرسمية .وقد لعب "د. ألفريد باور" رئيس مهرجان برلين الذي كان صديقًا للملاخ دورًا كبيرًا في دعم المهرجان المصري الوليد وفى إقناع رئيس اتحاد المنتجين الدوليين بمنح الصفة الدولية له مما جعله يرحب بالفكرة ويتحمس لها .وبدأت المراسلات بين الاتحاد الدولي للمنتجين بباريس والقاهرة، وتم تحويل مبلغ 1350 دولارًا كرسوم اشتراك.

تمويل المهرجان وعثرات البداية

واجه المهرجان صعوبات في تمويله بعد أن ذكر وزير المالية أن إقامة مهرجان سينمائي ليست أولوية للوزارة، فبدأ المهرجان بدون تمويل من جهة محددة وعمل الجميع كمتطوعين، ولم تكن الجمعية المشرفة على المهرجان تحصل إلا على إعانة بسيطة من وزارة الشئون الاجتماعية، وكان كل ما قدمه المركز القومي للسينما من دعم للمهرجان هو توفير فتاتين للقيام بأعمال السكرتارية والاتصالات الدولية.

لكن كل هذه العقبات لم تكن لتوقف قطار الأحلام الذى انطلق بالفعل، فمن جانبها قامت الناقدة "ماري غضبان" بالسفر إلى إيطاليا لدعوة نجوم السينما العالمية وتمكنت من الحصول على دعوات لتوفير نفقات الفندق، كما سافر عبد المنعم سعد إلى "كان" وأحمد ماهر إلى موسكو للاتفاق على إحضار الأفلام .وتمت المراسلات بين "الملاخ" ونجوم السينما لتنسيق حضورهم إلى القاهرة ووافق ثمانية عشر نجمًا على دعوة الملاخ .وتحقق الحلم وأقيم المهرجان الأول في فندق شيراتون الذى استضاف النجوم الذين حضروا بعد أن وافق مدير الفندق "سامى الزغبى" وقدم تخفيضات كبيرة على الغرف، ومن جانبها قامت شركة مصر للطيران بتخفيض أسعار التذاكر، ودعمت وزارة المالية المهرجان بإقامة الحفل الغنائي في ختام المهرجان الأول معفيًا من الضرائب وفيه غنت "شادية" وعبد الحليم حافظ".

رأى الناقد "أحمد رأفت بهجت" أن سبب تعثر المهرجان في دوراته الأولى كان نتيجة لقلة الإمكانيات في ظل ارتباك اقتصادي كانت تعانيه مصر، وانعكس على البنية الأساسية وخاصة السينمائية المتمثلة في دور العرض وكوادرها والتجهيزات الإدارية القادرة على التواصل مع العالم الخارجي، فقد صادف المهرجان في دوراته الأولى قوى متحكمة سواءً في إطار المجتمع الثقافي أو خارجه، وكان لها تأثيرها السلبي على بعض أنشطته .لعله يقصد بالقوى المتحكمة الرقابة التي لم تفلت أفلام المهرجان من مقصها الجائر على الإبداع والحرية في أحيان كثيرة.

والخلاصة أنه خلال رئاسة "كمال الملاخ" للمهرجان التى امتدت في الفترة من: 1976 1984 واجه فيها العديد من العثرات رغم أن الرئيس "محمد أنور السادات" عبر عن دعمه للمهرجان منذ أول دورة له وأرسل تحياته للقائمين عليه مع رئيس الوزراء في حفل افتتاحه لأول مرة، فمن المعروف أنه كان من عشاق السينما والتمثيل وربما لو لم يكن ضابطًا لصار ممثلًا سينمائيًا .رغم هذا الدعم كانت الظروف معاكسة في معظم الأحيان لكن تم تجاوزها بإصرار الحالمين بفتح شبابيك وأبواب سينمات القاهرة أمام سينما مختلفة وغير تجارية.

أفلام الآخر ونجومه في دورات "كمال الملاخ"

بقراءة سريعة في خريطة الأفلام التي استضافها المهرجان في دوراته الأولى سنلمس الحرص على التنوع والفكاك من سيطرة هوليود القابضة على سوق السينما العالمي ومن سطوة الفيلم الأمريكي.

ففي الدورة الأولى شاركت ثلاثة وعشرون دولة بأفلامها وعددها ستة وعشرون فيلمًا، كان من بينها أربعة عشر فيلما داخل المسابقة الرسمية .وحضرت السينما الإيطالية ونجومها بقوة وتنوع حيث بلغ عدد أعضاء الوفد الإيطالي 12 نجمًا وسينمائيًا، و كان لإيطاليا أربعة أفلام داخل المسابقة الرسمية هي "مرح العرائس" و"انتبه من المهرج" و"قلب الكلب" و"السفلة" الذى حضرت بطلته" كلوديا كاردينالي" للقاهرة وأعربت عن حماسها للمهرجان وعدم ترددها في قبول الدعوة وسعادتها لزيارة مصر ورؤية النيل ومراكب الشمس وحضارة الفراعنة العظيمة وبلاد صديقها "عمر الشريف" الذى مثلت معه فى فيلم "جحا" كما صرحت للصحف وقتها.

كما كان ضمن الوفد الإيطالي أيضا المخرج الإيطالي "البرتو لاتوادا"، و"ماريا أنجيلا ميلانو".

ومن الهند التي كانت تنتج وقتها أربعمائة فيلم سنويًا حضر نجم السينما الآسيوية وبطل فيلم سانجام " راجندر كومار" وقال إن مهرجان القاهرة هو أول مهرجان يحضره في حياته، وشاهد الجمهور المصري النجم الذي سبقته أفلامه إلى شاشات العرض في القاهرة. وإجمالًا بلغ عدد النجوم الذين حضروا الدورة الأولى ثمانية عشر نجمًا.

وربما تشجيعًا للمهرجان الوليد فقد فاز "عماد حمدي" بجائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم "المذنبون" للمخرج المصري سعيد مرزوق" ، وفازت السوفيتية "لينا كاريسثينز" بجائزة نفرتيتي الذهبية كأفضل ممثلة عن الفيلم السوفيتي "عندما يأتي الخريف".

وفى الدورات التالية ترسخت أقدام المهرجان وبدأ يلفت أنظار العالم إليه، ففى دورته الثانية، شاركت خمس وعشرون دولة بنحو سبعين فيلمًا منها خمسة وعشرون داخل المسابقة الرسمية، وشارك عددٌ من الدول الآسيوية لأول مرة مثل بنجلادش وباكستان وسيريلانكا وماليزيا وكوريا الجنوبية.

وشهدت هذه الدورة أفلامًا أكثر تنوعًا وأكثر اهتمامًا بالسينما التي صنعتها مخرجات صاعدات في ذلك الوقت أصبحن ذوات شأن فيما بعد ، ففرنسا وحدها شاركت بستة أفلام كان من بينها فيلم "الأولى تغنى والثانية لا" للمخرجة "أنيس فاردا" التي رحلت عنا هذا العام.

ومن ألمانيا الغربية شاركت المخرجة "هيلما سندر" بفيلم عن حياة الشاعر الألماني "كلايست" يحمل اسمه . واشتركت انجلترا بعدة أفلام لعل أبرزها فيلم" جيبروكي" للمخرج "تيرى جليام "الذى قررت إدارة مهرجان القاهرة الحالية في الدورة الحادية والأربعين منحه جائزة "فاتن حمامة" التقديرية عن مجمل أعماله تقديرًا لمسيرته الممتدة لأكثر من أربعة عقود ولإسهاماته البارزة في صناعة السينما. كما شاركت الولايات المتحدة الأمريكية بخمسة أفلام .

وقد كانت مصر موجودة بقوة خلال الدورات الأولى للمهرجان حيث شاركت في الدورة الثانية بثلاثة أفلام هي "أفواه وأرانب" للمخرج هنرى بركات وفيلم "وثالثهم الشيطان" للمخرج كمال الشيخ و"قطة على نار "لسمير سيف، واستنكر الجميع عدم حضور النجمة فاتن حمامة لتسلم جائزة نفرتيتي الفضية التي فازت بها عن دورها في "أفواه وأرانب".

وخلال الدورة الثانية تضاعف عدد النجوم المشاركين وكان من بينهم الممثل البريطاني "تريفور هيوارد" رئيس لجنة التحكيم في ذلك العام، والممثلة الفرنسية "ماري جوزيه نات" التي شاركت في لجنة التحكيم أيضًا واليونانية الكبيرة "إيرين باباس" وكذلك مخرج فيلم" زوربا اليوناني" مايكل كاكويانيس" والأمريكية "أورسولا أندرسن" وفي الافتتاح فوجئ الحاضرون بوجود المغني المصري اليوناني "ديميس روسوس" المولود في الإسكندرية والذى قوبل بعاصفة من المحبة والتصفيق من قبل الحاضرين.

"ألبرتو مورافيا" و"جان لسكير" في الدورة الثالثة للمهرجان

جاءت الدورة الثالثة عقب اغتيال "يوسف السباعي" الرئيس الشرفي للمهرجان، ولأنه كان هناك إصرار على استمرار هذا التواصل مع الآخر، طرق القائمون على المهرجان أبوابًا جديدة، فدعوا شخصيات مهمة للحضور كالأديب الإيطالي "ألبرتو مورافيا" والشاعر والفيلسوف الفرنسى "جان ليسكير" رئيس الجمعية الفرنسية لأفلام الفن والتجريب، والذى ترأس لجنة التحكيم في تلك الدورة، كما شاركت إيران للمرة الأولى بفيلم "رحلة الحجر" للمخرج "مسعود كيمالي" وقد حصل على جائزة نفرتيتي الفضية.

رفع اسم "إليزابيث تايلور" من القائمة السوداء

جاءت الدورة الرابعة عقب معاهدة السادات للسلام مع الكيان الصهيوني والتي لم تعترف بها الشعوب العربية، وتشكلت في مواجهتها حركة مقاطعة لكل ما هو صهيوني ولكل من يتعامل مع الكيان لذلك أصدروا قائمة سوداء ضمت عددًا من نجوم السينما العالمية لعلاقتهم ودعمهم للكيان الصهيوني.

وكان ضمن هذه القائمة "إليزابيث تايلور" حيث دعاها "الملاخ" للمهرجان عن طريق توسيط" صلاح خرما" صاحب شركة "أفلام مصر الجديدة للإنتاج والتوزيع "الذي كان أيضًا يملك شركة برفانات "بروت" وكانت نجمة إعلاناتها هي "إليزابيث تايلور "التي وافقت على الحضور بعد اتصال "خرما" بها والتنسيق معها، فطلبت رفع اسمها من القائمة السوداء أولًا، وبالفعل تدخل "السادات" لدى مكتب المقاطعة في دمشق لتلبية طلبها.

وعلى متن طائرة كونكورد - كانت ضمن شروطها لحضور المهرجان- جاءت "تايلور" من نيويورك إلى لندن في ساعتين ثم استانفت رحلتها إلى القاهرة .وعرض لها فيلم "دورية ليل"، وفى ختام المهرجان أهداها رئيس المهرجان تمثالًا لحتحور.

رغم تسلط كل الضوء في تلك الدورة على "تايلور" فإن هناك أفلامًا قوية لم تأخذ ما تستحقه من الاهتمام كانت قد شاركت في نفس الدورة مثل فيلم "الطبلة" للمخرج الألماني "فولكر شلندروف".

وشهدت تلك الدورة أيضًا عدة أزمات أخرى كبيرة، وهي انسحاب بعض الدول احتجاجًا على مقص الرقيب الذى شوه 12 فيلمًا من الأفلام المشاركة، وهذا ضد لوائح المهرجانات الدولية.

وقررت هذه الدول سحب أفلامها والمطالبة بتعويضات مالية كبيرة على هذا التشويه، وفي المؤتمر الصحفي المنعقد عقب الفيلم اليوغسلافي ثار مخرجه وقال إنه لن يتكلم لأن الفيلم الذى شاهدوه مشوهًا ليس فيلمه.

كذلك فإن المهرجان كان عرضه لسحب الصفة الدولية منه أيضا في تلك الدورة بحجة عدم إقامة حفل استقبال لائق لإليزابيث تايلور، والعجيب أن وزير الثقافة وقتها" منصور حسن" طالب بإلغاء المهرجان بدلًا من رعايته.

اغتيال السادات يؤجل الدورة الخامسة وعودة قوية في السادسة.

توقف المهرجان في دورته الخامسة لمدة عام بسبب تزامن توقيته مع اغتيال "السادات" ثم أقيم فيما بعد على نطاق ضيق، حيث اعتذر كثير من النجوم عن الحضور، كذلك لم تكن هناك مسابقة دولية أو لجنة تحكيم دولية .ورغم ذلك عرض عددًا من الأفلام الجيدة في إطار أشبه بأسابيع عرض الأفلام.

وبإصرار وعناد "كمال الملاخ" شهدت الدورة السادسة حضور وفود سينمائية من 24 دولة وبلغ عدد الأفلام المشاركة 90 فيلمًا، وكان من بين أبرز الحاضرين في هذه الدورة نجمنا المصري العالمي "عمر الشريف" والمخرج الإيطالي "ماورو بولونينى" الذي عرض له المهرجان تسعة أفلام. كما تم عرض 28 فيلمًا مصريًّا في بانوراما السينما المصرية التي أقيمت في إطار المهرجان وكان من بينها، "سواق الأتوبيس" لعاطف الطيب و"العار" لعلي عبد الخالق و"العذراء والشعر الأبيض" لحسين كمال و"أرزاق يا دنيا" لنادر جلال و"نص أرنب" لمحمد خان.

وفى الدورة السابعة كان من أبرز الأفلام التي عرضت في إطار علاقتنا بالآخر فيلمان من إنتاج الفنانة" فانيسيا ريد جريف" عن القضية الفلسطينة وهما" الفلسطيني" للمخرج "روبير بيتر سباي" وفيلم "حنا ك" للمخرج العالمي "كوستا جافراس" الذي كان حضوره لمهرجان القاهرة في ذلك العام حدثًا شديد الأهمية حيث أثار فيلمه "حنا ك" جدلًا واسعًا بين المهتمين بالسينما وبالقضية الفلسطينية التي يناصرها الفيلم. وكذلك فقد عبر الفيلمانعن الطريقة التي يرانا بها الآخر، وإلى أي مدى يناصر قضيتنا العادلة في فلسطين المحتلة.

ولأن المهرجان كان قد أصبح أشبه بحوار سينمائي مفتوح مع سينما وشعوب العالم كله فقد شهدت تلك الدورة أيضًا حضورًا قويًا لما كان يسمى بسينما العالم الثالث الأفريقية والعربية والآسيوية، كذلك كان هناك تأكيد لدور الأدب في السينما من خلال اللقاء الهام للأديب الكبير "يوسف إدريس" مع جمهور وضيوف المهرجان، وقال فيه إن السينما بالنسبة لدول العالم مسألة حياة أو موت.

مهرجان شيراتون

رغم كل الجهود التي بذلت ليصبح لدينا مهرجانٌ دوليٌّ في القاهرة فإن هناك كثيرًا من الانتقادات التي وجهت له في بداياته وربما استمر بعضها حتى الآن، جاءت هذه الانتقادات من الجمهور ومن النقاد ومن القائمين على المهرجان أنفسهم، فقد وصفه شيخ النقاد الذى كان شابًّا وقتها "سمير فريد" بأنه مهرجان "شيراتون" أي مهرجان النخبة الضيقة ونبّه هو وغيره إلى ضرورة أن تتسع القاعات للجمهور العادي ليحصل على حقه في الثقافة السينمائية التي أصبحت ضرورة وحقًّا ولا غنى عنها لكل إنسان.

والخلاصة أن مهرجان القاهرة السينمائي بات جزءًا من تاريخنا وساهم في تشكيل وعينا السينمائي وعلاقتنا بالآخر، لأنه أتاح لنا رؤيته والتعرف عليه والدخول في تفاصيل حياته وأزماته وتفاعلاته وإبداعاته الإنسانية وصناعاته السينمائية، كما أتاح لنا معرفة أين نحن من كل هذا، وخلق لدينا تساؤلات لابد أن نجيب عليها على رأسها: لماذا أصبحنا غائبين هكذا عن هذا العالم الرحب؟

مراجع

1 - اليوبيل الفضي لمهرجان القاهرة السينمائي للمؤلف أحمد رأفت بهجت

2 – مهرجان القاهرة السينمائى 40 لمؤلفه محب جميل

3 – الأرشيف الصحفي لمهرجان القاهرة السينمائي

 

####

 

ماجدة موريس تكتب:

استفتاء مهرجان القاهرة السينمائي وزمن سعد الدين وهبة

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

حين تمر عليك السنوات، والشخصيات، وأنت قابعٌ في موقع يتيح لك المعرفة بكيفية إدارة ملفات هذه المؤسسة أو تلك، وأهمية تلك الإدارة بالنسبة لأسلوب سير العمل، خاصة إذا كان عملًا ينتمي للثقافة، والمعرفة، والفن، وما يعنيه ذلك بالنسبة للكثيرين من العاملين في مؤسسات الدولة المصرية، والذين يعتقدون أن أمور الفن، والثقافة بشكل عام، لا تحتاج إلى جهد كبير وإدارة مميزة، خاصة إذا كان مهرجان للسينما تقيمه وزارة الثقافة، ويقع تحت رعايتها المباشرة..  حين يصبح هذا هو التوجه العام الذي يحكم الرؤية لمؤسسة تعمل من أجل مهرجان سنوي دولي للسينما في العالم، يحمل اسم مصر، ويحقق نجاحاتٍ مميزةً منذ انطلاقه في منتصف السبعينيات، يصبح من المنطقي أن أتذكر أنا وغيري أوقاتًا ومواقف مهمة في تاريخ هذا المهرجان الذي تشرفت بعضوية لجنته الاستشارية العليا لمدة تزيد على عقدين من الزمن.. وخلالها تتابع على رئاسته شخصيات هامة، استطاع بعضها أن يترك أثرًا، والبعض الآخر لم يمهله الوقت.. أو الظروف لكي يفعل هذا بالرغم من قدراته..  وبالرغم من أن إدارة مهرجان كبير وراسخ، يعد واحدًا من أهم عشرة مهرجانات سينمائية دولية من قبل الاتحاد الدولي للمهرجانات السينمائية مهمة صعبة، إلا أن ما جعلها أفضل وأسهل في أوقات عديدة هو حسن اختيار فريق العمل من قِبَل رئيس المهرجان، والاعتماد على من يمتلك الخبرات الإدارية الجيدة لإدارة العمل اليومي خاصةً في الأوقات الصعبة، وأيضًا الإدارة الفنية الجيدة المؤهلة لعمل شاق في البحث عن الأفلام المهمة والقوية في كل مكان في العالم، وهي مهمة تبدو أسهل بكثير الآن من عقود سابقة، كما أن الشغف بالسينما والبحث عنها أصبح الآن أيضًا يساوي بين الهواة والمحترفين..  ولكن في أزمنة سابقة عاشها مهرجان القاهرة كانت اختيارات خبرائه قضية شديدة الأهمية.. وعمل شاق للجان المشاهدة من النقاد والمختصين على مدى أغلب أيام العام، باختصار.. كان المهرجان في زمن رئاسة سعد الدين وهبة مختلفًا في أمور متعددة، سأجتهد في تقديمها، من أجل تقديم صورة واضحة لما أعتقد أنه النموذج الأفضل للإدارة.

- أولًا..  كان الهيكل الإداري للمهرجان واضحًا، وثابتًا، وتخصصات العاملين به محددة، وكل منهم يعرف جيدًا من أين يبدأ..  وأين ينتهي.. وكيف يؤدي دوره بانتظام، وبدون انتظار لتعليمات الرئيس العلى..

-وثانياً..كانت اللجنة الاستشارية معاونة للعمل منذ اللحظة الأولى، تجتمع دائمًا لطرح الأفكار حول مسار العمل، وتناقش كل ما يخص علاقة المهرجان ببقية مؤسسات الدولة، خاصةً الداعمة له، وإمكانيات البحث عن أبواب جديدة للدعم وما يخص مهام الدورة الجديدة، بل ويوكِل رئيس المهرجان لأعضائها مهام محددةً للقيام بها وفقًا لما تسفر عنه المناقشات، والاقتراحات المطروحة على مائدة الحوار المستمر للّجنة التي تحولت في هذا الوقت إلى لجنة عاملة..  من أجل المهرجان، أو شريك أساسي وليس فرعي يقدم الاستشارات في المراحل الاخيرة.. غير أن هذا التفاعل بين أعضاء اللجنة، وبين رئاسة المهرجان، وإدارته، كانت له أهميته في قرارات هامة صدرت عن المهرجان أثناء رئاسة الأستاذ سعد الدين وهبة له.. وأتوقف هنا عند اثنين منها.. الأول يخص قرار رئيس المهرجان بعرض فيلم (الطريق إلي إيلات) في افتتاح الدورة الثامنة عشرة للمهرجان عام١٩٩٤ والثاني يخص قرار عمل استفتاء من خلال المهرجان لاختيار أهم مئة فيلم مصري بمناسبة الدورة العشرين للمهرجان عام١٩٩٦.

الطريق إلى إيلات.. فيلم الافتتاح

في الوثائق المحفوظة عن هذه الواقعة، أن هناك من اعترض على عرض هذا الفيلم في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الكبير، قالوا إنه فيلم تليفزيوني، من إنتاج قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصريّ، ولكن كانت هناك وجهة نظر أخرى، قالها رئيس المهرجان، بالحرف الواحد في تصريح منشور في أكثر من جريدة وهي (أكد سعد الدين وهبة رئيس المهرجان أن (الطريق إلى إيلات) ليس فيلمًا تليفزيونيًا، بمعني أنه لم يصور بكاميرات ڤيديو،وله أسلوب خاص في الإنتاج والإخراج، وتنطبق عليه شروط الإنتاج والإخراج السينمائي وإن كان من إنتاج التليفزيون)، وأوضح أيضًا رئيس المهرجان (أن الافتتاح بفيلم من إنتاج التليفزيون ليس بدعة، في جميع مهرجانات العالم تفعل ذلك، وآخرها مهرجان القاهرة نفسه عام ١٩٩٤، والذي شارك في مسابقته الرسمية تسعة أفلام من إنتاج التليفزيون من بين ٢٣ فيلمًا..  كما أن مهرجان القاهرة يستضيف هذا العام مدير القناة السابعة بالتليفزيون باريس، وهي من القنوات النشيطة في إنتاج أفلام عربية، آخرها فيلم ("المهاجر" ليوسف شاهين)... وأشار رئيس المهرجان إلى أن (فيلم (الطريق إلي إيلات )يصور بطولات واقعية لأفراد من قواتنا المسلحة أثناء حرب الاستنزاف..وأنه بالرغم من أن هناك معاهدة سلام لكن يجب علينا ألا ننسى بطولاتنا، وابطالنا، والتأكيد على هذه البطولات حتى في زمن السلام، خاصة أن المهرجان يستضيف الأبطال الحقيقيين في حفل الافتتاح، (ولقد قصّرنا معهم كثيرًا في الفترة الماضية ولَم يأخذوا حقهم من التكريم.. وعرض الفيلم في الافتتاح هو نوع من التعويض عن إهمال بطولاتهم).

ومن الملفت للنظر هنا هذا الإيمان العميق لرئيس المهرجان في ذلك الوقت بأهمية عرض فيلم عن بطولات الضفادع البشرية المصرية ورفض أي حجج تقال ضد هذا العرض، وربما كان السبب هو أنه الفيلم الأول الذي يتم إنتاجه عن البطولات المصرية بعد صيام عن الإنتاج طال لعشرين عامًا كما أعلن منتجه وقتها ممدوح الليثي، رئيس قطاع الإنتاج التلفزيوني في هذا الوقت..  وبرغم ما تناولته بعض الأخبار، والشائعات عن رفض وزير الثقافة في ذلك الوقت - فاروق حسني - لهذا الاختيار، إلا أن هذا الخلاف - لو كان حقيقيَا - لم يظهر للعلن، وتم افتتاح المهرجان مساء ٢٨نوڤمبر عام١٩٩٤من قبل وزير الثقافة بحضور وزير الإعلام وعدد كبير من الوزراء الذين لبّوا الدعوة لأجل الفيلم تحديدًا ومعهم أبطال المعركة الحقيقيون، وأبطال الفيلم، والذي شهدت ندوته في اليوم التالي حضورًا واهتمامًا كبيرًا من الإعلام المصري والعالمي، بحضور الأبطال ومنتجه ممدوح الليثي وكاتب الفيلم فايز غالي، ومدير تصويره ومخرج المعارك تحت الماء سعيد شيمي، والمخرجة أنعام محمد علي..  ومن الملفت هنا أن عرض هذا الفيلم الذي يعبر عن حدث مصري هام لم يتعارض مع كل إجراءات حفل الافتتاح و ضيوف المهرجان الأجانب، في هذي الدورة ومنهم النجمان الأمريكيان (مارشا ميسون) و(نيكولاس كيدچ)، والمخرج الأمريكي (مايكل وينر) ومع رؤساء لجان تحكيم ولا مع تكريمه لكل من المخرج الكبير هنري بركات المهرجان، المنتج الأمريكي (إيريك إيليسكو)، والمخرج المصري (يوسف شاهين) والمنتج الكبير جمال الليثي.. بالنجمين الكبيرين، فريد شوقي.. لشادية، بعد اعتزالها.. 

المهرجان..والاستفتاء الكبير

(تحت مظلة الاحتفال بمرور مئة عام على دخول السينما إلى مصر في نوڤمبر ١٨٩٦ يصبح تقييم حصاد السنين في مجال الأفلام الروائية المصرية الطويلة - وقد أوشك عددها أن يصل إلى ثلاثة آلاف فيلم - من الأمور الملحّة الهامة لرصد ملامح هذا الحصاد ومعرفة عناصر تميزه ومواطن ضعفه)..  هكذا بدأ الناقد السينمائي أحمد رأفت بهجت، المشرف على مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي افتتاحية كتاب المهرجان عن السينما المصرية في مئة عام، والذي صدر ضمن إصدارات الدورة العشرين، وفِي هذه الكلمة المهمة التي روى فيها أحمد رأفت قصة الاستفتاء، وأسماها، أي المقدمة، (حصاد السنين) حكى قصة الاستفتاء، مستعيدًا واقعة أسبق لرئيس المهرجان سعد الدين وهبة قائلًا بالحرف الواحد ما يلي: (ولا شك أن الاستفتاءات بين السينمائيين والنقاد والمؤرخين من وسائل الاستدلال وتحديد خطوات التقييم. وهو ما آمن به الأستاذ سعد الدين وهبة من وحي خبراته المتعددة في كافة المجالات الثقافية والفنية ومن بينها بطبيعة الحال السينما، ففي عام١٩٨٣ وفِي ظل رئاسته للاتحاد العام للنقابات الفنية، ومن خلال مجلة الاتحاد (الفنون) كان تشريفه لي لإجراء استفتاء لاختيار أفضل عشرة أفلام تم إنتاجها في السينما المصرية منذ قيام الثورة وحتى عام ١٩٨٢ بغرض رصد تأثير المتغيرات الاجتماعية والسياسية على اتجاهات الفيلم السينمائي بعد ثلاثين عامًا من قيام الثورة المصرية. واليوم..  ومن موقعه كرئيس لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وبمناسبة الاحتفال بمئوية دخول السينما إلى مصر، يشرفني للمرة الثانية بإجراء استفتاء لاختيار أفضل مئة فيلم روائي مصري طويل تم إنتاجه منذ بداية ظهور أول فيلم روائي طويل عام ١٩٢٣(في بلاد توت عنخ آمون) وحتى آخر فيلم تم إنتاجه عام ١٩٩٥).

الاستفتاءات..  وتاريخ السينما في العالم

في الجزء الثاني من (حصاد السنين) يعرض أحمد رأفت تاريخ الاستفتاءات السينمائية في العالم.. بداية باستفتاء السينماتيك البلچيكي، الذي كان أول استفتاء سينمائي شهده العالم عام ١٩٥٢، وأجري خلال انعقاد (المهرجان الدولي للفيلم والفنون الجميلة) في بلچيكا، وكان موضوعه هو اختيار أحسن عشرة أفلام قدمتها السينما العالمية منذ نشأتها، وقد دعي للاشتراك في هذا الاستفتاء مئة من السينمائيين العالميين اختارهم المسؤولون عن السينماتيك البلچيكي، وكان أغلبهم من المخرجين، ولكن النتائج لم تكن على المستوى المأمول، فقد أرسل ٦٣من ١٠٠مدعو ردودهم فقط، ٢٦منهم من فرنسا التي هي مثلت الاستجابة الأكبر، بينما لم يرد سينمائي واحد من بلاد مثل الهند والصين واليابان وروسيا، ومن الغريب أيضًا - كما أكد أحمد بهجت في كتاب الاستفتاء المصري - أن عددًا من كبار المخرجين العالميين أمثال شارلي شابلن و رينيه كلير وچان كوكتو وألفريد هيتشكوك ولورانس أوليڤييه أبدوا عدم رغبتهم في المشاركة في هذا الاستفتاء والذي اتضح بعد فحص خطواته مؤخرًا وجود بعض الظواهر السلبية وأهمها انحياز المخرجين لأعمالهم، واختيارهم أفلامهم مثلما حدث مع المخرج الأمريكي (سيسيل دي ميل) الذي جعل أفلامه تتسيد قائمة اختياراته للأفلام العشرة الأفضل، واختار أربعة منها هي (الوصايا العشر) و(ملك الملوك) و(علامة الصليب) و(شمشون ودليلة) باعتبارها ضمن قائمة أفضل أفلام السينما في العالم قبل عام ١٩٥٢ وهو ما غيّر النظرة إلى الاستفتاءات بالنسبة للجهات التي قررت إجراءها فيما بعد، وترجيح كفة العاملين بالنقد السينمائي لاختيار الأفلام الفائزة فيها.

الاستفتاءات..  هناك.. وهنا

لقد شهد العالم السينمائي بعد الاستفتاء الأول الكثير من المتغيرات التي من المهم معرفتها كما أكد المسئول عن الاستفتاء الأول لمهرجان القاهرة السينمائي، والذي لا يزال حتى الآن الأول، لأنه لم تتلوه استفتاءات أخرى للفيلم المصري من قبل أي مهرجان سينمائي في مصر (فقط أقام مهرجان "دبي" السينمائي استفتاء حول أفضل مئة فيلم عربي قبل توقفه - أي المهرجان - عام ٢٠١٧. لكن المؤكد أن اُسلوب الاستفتاء على الأفضل سينمائيًا استمر وتطور بعد استفتاء بلچيكا الأول، وأن أفضل هذه الاستفتاءات هو الاستفتاء الذي تجريه مجلة (سايت أند ساوند) الانجليزية التي يصدرها معهد الفيلم البريطاني، والتي بدأت منذ العام التالي للاستفتاء البلچيكي - ١٩٥٣ -إجراء استفتاء كل عشر سنوات..  ويذكر الكتاب استفتاءات أخرى مهمة يجريها (معهد الفيلم الأمريكي) و(معرض بروكسل الدولي) وقوائم لأفضل عشرة أفلام سنويًا تقوم بإعدادها مجلات ومطبوعات غربية متعددة منها مجلة (نيويورك تايمز) منذ عام١٩٢٤، أي إنها الأقدم في العالم كله، لكنها قوائم للفيلم الأمريكي فقط وليست استفتاء يجري على نطاق واسع، ومن متخصصين.. وما يعنينا هنا أكثر ما أكد عليه مسئول مطبوعات مهرجان القاهرة من أهمية الاستفتاء والعناصر التي سعى المسؤولون عنه إلى إظهارها من خلال نموذج استفتاء (سايت آند ساوند) الذي اعتبره الاستفتاء الأفضل بين ما يتم إجراؤه في مؤسسات السينما والنقد في العالم للأسباب التالية:

أولًا - أنه يهدف إلى اختيار الفيلم الأفضل من وجهة النظر الشخصية للناقد السينمائي وليس الفيلم الأكثر شهرة أو نجاحًا جماهيريًا

ثانيًا - أن للاستفتاء هدفًا رئيسيًا هو القيام بعملية ربط الماضي بالحاضر السينمائي

ثالثًا - الاهتمام بأن يحدد الناقد الأفلام حسب أهميتها في المقام الأول، ولكنه، في الوقت نفسه، لا يتجاهل مواقف النقاد الذين يختارون قوائم الأفلام حسب الترتيب الزمني أو الأبجدي أو بعيدًا عن الالتزام بشروط الترتيب..

من الاستفتاء..إلى السينماتيك

هذه الملامح للاستفتاء النموذج الذي اختاره مسئول مهرجان القاهرة لم تأتِ اعتباطًا، وإنما كان لها أسباب هامة، ومؤثرة في علاقة الناس بالسينما وتطورات هذا الفن، ففي الاستفتاء الأول للمجلة (سايت آند ساوند) احتلت ستة من أفلام السينما الصامتة موقع الصدارة..  وفِي الاستفتاء الثاني(١٩٦٢)تناقص العدد للثلث ليصبح فيلمين، وفِي الثالث، بعد عشر سنوات أخرى (١٩٧٢) أصبح فيلمًا واحدًا لتنسحب كلاسيكيات السينما الصامتة أمام صعود اتجاهات وظواهر جديدة في السينما العالمية، وينطبق هذا أيضًا على فيلم غير صامت لڤيتيريو دي سيكا المخرج الإيطالي الشهير (سارق الدراجة) فقد كان الأول في استفتاء ١٩٥٢، ثم السابع عام١٩٦٢، والاستفتاء الثالث عام١٩٧٢ اختفى تماما..  وسقطت من القائمة.. ويمضي أحمد بهجت في الكتاب ليؤكد أن ما قدّمته نتائج هذه الاستفتاءات في هذا الزمن دلائل مهمة، منها أن السينما تتطور باستمرار، وأن (العالم لم تعد تحركه السينما الصامتة الأمريكية وإمكانياتها الكبيرة، ولا الانبهار الأول بالواقعية الإيطالية، وإنما أصبحت هناك اتجاهات عالمية متجددة كان موقف النقاد منها يحدد التطور في الإنتاج العالمي.. فبين الاستفتاء الأول والثاني، شهد العالم شروق الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، ونمو السينما في أوروبا الشرقية، وأمريكا اللاتينية، واكتشف النقاد السينما الجديدة في اليابان والسويد وبريطانيا والهند بحث استطاعت هذه السينمات أن تقف على أقدامها أولًا ثم أخذت تسير في طريق التقدم..  ولَم تعد تشعر أنها في وضع ثانوي بالنسبة للسينما الأمريكية، خاصة من ناحية القدرة على التعامل مع قضايا الإنسان بفهم وعمق قلما يتوافران للعديد من الأفلام الأمريكية..) وينهي الناقد والباحث الكبير مقاله الهام..حصاد السنين.. بتساؤل مهم، بل شديد الأهمية من هذا الزمن.. (استفتاء مهرجان القاهرة السينمائي عام١٩٩٦) إلى زمننا الحالي الآن.. عن أهمية وجود سينماتيك لأي بلد تهتم بالحفاظ على ما تمتلكه من وثائق فيلمية.. مؤكدًا أن من بادر بإقامة الاستفتاء الأول في العالم هو (السينماتيك) البلچيكي، وأن الاستفتاءات نشطت واستمرت في العالم في بلدان تمتلك مكتبات فيلمية شاملة سواءً على مستوى الإنتاج المحلي أو العالمي.. (وهو ما قد يجعلنا نرى أن البحث عن الأفضل في تاريخ السينما المصرية هو بحث عن المجهول) والأسباب نجملها في الآتي: (.. فلا يوجد سينماتيك مصرى، أو حتى أرشيف وثائقي متكامل، خاصة بعد أن تآكلت ملفات المركز الكاثوليكي للسينما نتيجة اختفاء الكثير من محتوياتها، وانحسرت المادة المتاحة في ملفات مركز الثقافة السينمائية على الفترات الحديثة،و أصبح هناك استحالة في الاستفادة من الوثائق السينمائية الخاصة بالمؤرخين الراحلين أمثال أحمد كامل مرسي،وفريد المزاوي، بالإضافة إلى عدم وجود دوائر معارف سينمائية تؤرخ الأسماء الهامة، وموضوعات الأفلام، والتقييم النقدي الهام لها مثلما نجد موسوعات أجنبية متخصصة، ولا يترك أحمد رأفت الساحة خاوية، ومحبطة، ولكنه يقدم بعض البدائل الممكنة في الحالة المصرية، (التي قد تلعب دورًا في الاسترشاد) منها التزايد الملحوظ في شرائط الڤيديو الخاصة بالأفلام المصرية، الحديثة، والقديمة، ومحاولات لعرض الكلاسيكيات السينمائية واكتشاف المفقود منها تقوم بها مهرجانات السينما المصرية والمركز القومي للسينما وصندوق التنمية الثقافية، وأيضًا مجهودات عديدة في مجالات التأريخ وحلقات بحثية، وإعداد موسوعات سينمائية، وأنشطة مستحدثة في مجال تسجيل ملامح من تاريخ السينما المصرية في برامج خاصة بالكمبيوتر.

مصر..مائة سنة سينما

بصورة من أروع صور (دعاء الكروان) لأحمد مظهر وفاتن حمامة يطالعنا غلاف الاستفتاء الكبير لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي العشرين، وقد كتب أنه من إعداد وتقديم أحمد رأفت بهجت وتحرير نخبة من السينمائيين و المؤرخين والنقاد،

وحتى يتم هذا الاستفتاء لاختيار أهم مئة فيلم روائي في تاريخ السينما المصرية قام المهرجان بطبع كتاب يشمل قائمة كاملة بالإنتاج السينمائي وتحوي عناوين ٢٧٥٠ فيلمًا وأسماء مخرجيها وأبطالها، و((توجهنا بها مع استمارات الاختيار إلى أكثر من ١٥٠ شخصية من السينمائيين والنقاد والكتاب والصحفيين لكي يختار كل منهم أهم مئة فيلم دون التقيد بترتيب معين..  ولَم يجب على الاستفتاء وملء الاستمارات سوي عدد حرصنا على أن يصل إلى المائة حتى يسهل تحديد النسبة المئوية من الأصوات لكل فيلم يتم اختياره ما جعل فترة تلقي الاستمارات تستمر أكثر من شهر.. أما الشخصيات التي لم تتجاوب مع الاستفتاء فكان أغلبها من المخرجين والممثلين والمهنيين، وعدد ضئيل من النقاد والصحفيين)).

تضمنت القائمة الأولى من المشاركين في الاستفتاء كتابَ سيناريو ومخرجين ومصورين سينمائيين، ونجوم تمثيل من كافة الأجيال، أما القائمة الثانية فضمت العاملين بالصحافة والنقد والأدب، وليأتي فيلم(العزيمة) إخراج كمال سليم، ومن إنتاج عام ١٩٣٩ في المركز الأول يليه (الأرض) ليوسف شاهين، إنتاج عام ١٩٧٠ بفارق صوتين، ثم (المومياء) فيلم المخرج شادي عبد السلام - إنتاج ١٩٧٥ الثالث، وبعده باب الحديد) عام ١٩٥٨لشاهين، والخامس كان (الحرام) لبركات إنتاج عام١٩٦٥، ويأتي (شباب امرأة) إنتاج ١٩٥٦ لصلاح أبو سيف في المركز السادس، ويحتل أبو سيف أيضًا المركز السابع بفيلمه (بداية ونهاية) إنتاج ١٩٦٠، بينما يحصل عاطف الطيب على المركز الثامن بفيلمه (سواق الأوتوبيس)إنتاج عام١٩٨٣، ويأتي أنور وجدي التاسع بفيلمه (غزل البنات)عام١٩٤٩، وفِي المركز العاشر يعود صلاح أبو سيف بفيلمه (الفتوة) إنتاج عام١٩٥٧،ومن الجدير بالذكر هنا أن الأفلام المختارة أصبح عددها ١٠١ فيلم وليس مئة بعد أن تساوت أصوات الأفلام الثلاثة الأخيرة في الاستفتاء، وكانت أفلام (دنانير) إنتاج١٩٤٠ وإخراج أحمد بدرخان، و(الزوجة١٣) لفطين عبد الوهاب وإنتاج ١٩٦٢ و(انتبهوا أيها السادة) محمد عبد العزيز وإنتاج ١٩٨٥، ويلاحظ الناقد المشرف على الاستفتاء أن اختيارات المشاركين في الاستفتاء تتسق مع نتائج اختبارات سابقة لأهم الأفلام المصرية، مثل قائمة الناقد السينمائي الكبير الراحل سعد الدين توفيق لأحسن مئة فيلم مصري والتي نشرها عام ١٩٦٩ في كتابه الشهير (قصة السينما في مصر) الذي صدر عن مطبوعات دار الهلال، وقد توافقت نتائج الاستفتاء مع ٤٤ فيلمًا من قائمة سعد الدين توفيق، كما أن هذه النتائج تتوافق أيضًا مع كل الأفلام المختارة من مسابقة المركز الكاثوليكي السنوية لاختيار الأفلام المصرية التي تترشح لجائزة أحسن فيلم أجنبي في مسابقة الأوسكار الأمريكية..  وأيضًا توافقت أفلام استفتاء المهرجان مع ٥٢ فيلمًا من اختيارات النقاد في استفتاء أجرته مجلة (الفنون) الثقافية عن أفلام الفترة من ١٩٥٣ – ١٩٨٣.. ومن الملفت أيضًا في نتائج الاستفتاء في رأي الكثيرين وقتها احتلال فيلم (العزيمة)للمركز الأول، وحيث حصل علي مجموع ٩٥٪ من الأصوات، لأنه الفيلم المصري الوحيد الذي جاء ذكره بين الروائع المئة للسينما العالمية وفقًا لاختيار شيخ المؤرخين في العالم المؤرخ الفرنسي چورچ سادول، والذي وضعه في نفس مرتبة أفلام (ألكسندر نيڤسكي) للمخرج الروسي أيزنشتاين، و(قانون اللعبة) الفرنسي چان رينوار.. وأخيرًا، يعترف المشرف على الاستفتاء (بحقيقة لا يمكن تجاهلها) وهي أن الخمسين فيلمًا التالية لقائمة الأفلام المئة اقتربت في عدد الأصوات من الأفلام التي احتلت الثلث الأخير من القائمة، مما يعطيها حق الرصد، والإشارة.. وفِي تقدير كاتبة هذه السطور أن تلك الأفلام من أهم أفلام السينما المصرية أيضًا.. ولكنه احترام القانون الذي بدونه لم يكن هذا الاستفتاء التاريخي سينجح.

أستفتاء حول عشق السينما والوطن

عن العلاقة بين عشق السينما..  وبين ذلك التفاعل الجماعي الخلاق معها باعتبارها تجربة اجتماعية وجماعية يذهب إليها الناس أفواجًا للجلوس في قاعة مظلمة وتلقي ما تعرضه عليهم من صور وحكايات وقصص، وحيث يشعر كل منهم أنه جزء من كل، يضحكون ويبكون معًا في حالة وجدانية جماعية يصفها الناقد الدكتور أحمد يوسف في أول دراسات الكتاب الذي أصدره المهرجان، والذي تضمن إلى جانب تقديم الناقد أحمد رأفت بهجت قصته، وقصة الاستفتاءات في العالم، وأهميتها، وكيف تمت خطواته، وكل هذا ضمن الباب الأول للكتاب الذي تضمن أيضًا دراسة للناقد أحمد يوسف بعنوان (استفتاء حول عشق السينما.. والوطن) تحلل علاقة السينما بالناس في مصر..  وأهميتها في شحذ التواصل والإبقاء على الذاكرة الجماعية التي تجمع الناس في زمن (أصبح فيه الاختلاف أعمق من الاتفاق فأصبحت السينما هي (أحد قلاعنا الأخيرة التي تمثل البقية الباقية من أحلامنا الجماعية) ويمضي الكاتب في تتبع علاقة (المشروع الإنساني بداخل كل منا مع المشروع القومي وما تحدثه السينما من تأثير من خلال تتابع أجيال صناعها.. متوقفًا عند تحليل بعض نتائج الاستفتاء كأهمية الأفلام التي حصدت المراكز العشرة الأولى.. خاصة العزيمة، ثم يتطرق إلى رحلة السينما المصرية منذ مولدها، وسنوات الانطلاق، وما أضافته تجربة ستوديو مصر لها، ليصل إلى سنوات الازدهار وسنوات الانحسار، ويقدم تقييمًا لصناع هذه السينما بدءًا ومخرجيها، ثم ممثليها وكتابها والتحولات في أساليب التعبير السينمائي من خلالهم، والتجول بين مضامين الأفلام من خلال الشكل السينمائي الذي ظهرت به ومدى قدراتها التعبيرية باستغلال جدلية علاقة الشكل والمضمون..  وينتهي الباب الأول بتقديم نتيجة الاستفتاء بالتفصيل من إعداد وتوثيق الناقد محمد عبد الفتاح، والذي قدم المئة فيلم بتوثيق دقيق للمعلومات، ولقصة كل فيلم كنموذج مهم، وهذه الأفلام هي: العزيمة، الأرض، المومياء، باب الحديد، الحرام، شباب امرأة، بداية ونهاية، سواق الأتوبيس، غزل البنات، الفتوة، الناصر صلاح الدين، البوسطجي، رد قلبي، دعاء الكروان، اللص والكلاب، الزوجة الثانية، أم العروسة، القاهرة ٣٠، شيء من الخوف، الطوق والأسورة، أريد حلًا، لاشين، في بيتنا رجل، الكيت كات، صراع في الوادي، جعلوني مجرمًا، ريا وسكينة، البريء، ميرامار، زوجة رجل مهم، السقا مات، إسكندرية ليه، زوجتي والكلب، السوق السوداء، مراتي مدير عام، أحلام هند وكاميليا، أهل القمة، حياة أو موت، الكرنك، زائر الفجر، النائب العام، درب المهابيل، ليل وقضبان، إحنا التلامذة، العصفور، على من نطلق الرصاص، لك يوم يا ظالم، ثرثرة فوق النيل، صراع الأبطال، أين عمري؟..  عودة الابن الضال، المهاجر.. الاختيار، جميلة، ليه يا بنفسج، العار، خرج ولَم يعد، بين النساء والأرض، غروب وشروق، للحب قصة أخيرة، أمير الإنتقام.. المستحيل، قنديل أم هاشم،المذنبون، رصاصة في القلب، أغنية على الممر، المراهقات، الحب فوق هضبة الهرم، يوميات نائب في الأرياف، الوحش، سوبر ماركت، امرأة في الطريق، بين الأطلال، أبناء الصمت، الصعود إلى الهاوية، سلامة في خير، الأيدي الناعمة، المتمردون، خلي بالك من زوزو، الأڤوكاتو، سي عمر، ابن النيل، أيامنا الحلوة، حدوتة مصرية، زينب، صراع في النيل،واإسلاماه، أبي فوق الشجرة، إمبراطورية ميم، اللعب مع الكبار، غرام وانتقام، المنزل رقم ١٣، الخطايا، الجبل، السمان والخريف، بين القصرين، أنا حرة، الرجل الذي فقد ظله، دنانير، الزوجة رقم١٣، انتبهوا أيها السادة.

ميلاد..  وتطور

عن سنوات التكوين للسينما المصرية قدم الدكتور محمد كامل القليوبي، المخرج والباحث السينمائي دراسته في بداية الباب الثاني للكتاب، وهي دراسة تتناول ٣٩ عامًا من تاريخ السينما المصرية في بداياتها الأولى، والتي سجل فيها تاريخ هذا الفن وأن أول عرض سينمائي تم بمصر عقب اختراع السينما مباشرةً على يد الأخوين لوميير في فرنسا كان بمصر، وحيث لم ينتهِ عام اختراعها (١٨٩٦) إلا وكانت السينما قد انتشرت عبر أوروبا وأمريكا من خلال أصحاب القاعات الموسيقية والفنية في هذه البلاد، وكانت مصر هي الاستثناء كأول بلد غير أوروبي يقام بها عرض سينمائي في ٥ نوڤمبر من نفس العام بمبنى بورصة طوسون بالإسكندرية من خلال مغامر أوروبي اسمه هنري ديالو ستروجللو، وهكذا فإن الاحتفال بمئوية السينما في مصر يواكب الاحتفال بمئويته في البلاد التي وصلت إليها قبل غيرها بفضل أصحاب توكيلات عروض الأخوين لوميير. والذين كانت مصر وقتها أحد أهدافهم الرئيسية باعتبارها بوابة القارة الافريقية،ومركز القوة للعالمين العربي والإسلامي في نهاية القرن التاسع عشر..  ويمضي د.القليوبي في دراسته مؤكدًا أن تاريخ السينمائي بأي بلد تحدده ثلاثة تواريخ، أولها تاريخ أول عرض سينمائي، ثم تاريخ أول فيلم من إنتاجه، و برؤوس أموال تنتمي له، أما التاريخ الثالث فهو تاريخ الصناعة نفسها، ويحدده تاريخ إنشاء أول استديو سينمائي للإنتاج، ثم يعود ليضع مقياسًا آخر لتاريخ السينما في أي بلد هو تاريخ صنع جمهور السينما وتكوينه.. ويمضي في تقديم الظروف التي بدأت فيها السينما تصبح جاذبة لفئات من المصريين والأجانب، والبدايات، وظهور (محمد بيومي) ليصور فيلمًا وثائقيًا عن عودة سعد زغلول، من منفاه، وبدايات الأفلام الروائية، والصراعات بين الأجانب والمصريين من صناع السينما، وأول معهد للسينما عام١٩٣٢ وصولًا للحلم الكبير.. أي افتتاح ستديو مصر نهاية عام ١٩٣٥. وعنه، أي ستديو مصر، كتب الباحث السينمائي (منير محمد إبراهيم) دراسته التالية، بعنوان (استديو مصر.. مدرسة السينما المصرية) متتبعا رحلة هذا الإنجاز الكبير منذ قرر رجل الاقتصاد محمد طلعت حرب ضم النشاط السينمائي إلى أنشطة بنك مصر وشركاته التي يمتلكها، وتأسست شركة (مصر للتمثيل والسينما) بمرسوم ملكي، تحت اسم (شركة مصر للتيارات والسينما) في عام١٩٢٥، لتكون نواة إنشاء استديو الشركة فيما بعد، وبالفعل تم شراء استديو محمد بيومي، وتعيينه مديرًا للشركة الجديدة، لينضم إليه في مرحلة تالية آخرين،ويقتصر نشاطها على تصوير أفلام الدعاية لشركات بنك مصر ورحلات طلعت حرب، وبعض الأحداث العامة لأن طلعت حرب كان مقتنعًا أن وقت السينما لم يحن بعد إلى أن تغير رأيه بعد نجاح عزيزة أمير في إنتاج وعرض فيلمها الأول (ليلى) عام ١٩٢٧، وهو ما دفع الاقتصادي الكبير لتغيير خططه كلها بشأن السينما..  وإنشاء أكبر وأهم معمل لصناعة السينمائيين ودعمهم بالسفر للدراسة والتدريب لصناعة أهم أفلام السينما المصرية في بداياتها.

من الستينيات إلى التسعينات

ويستكمل كتاب المهرجان في دورته العشرين أبحاث ودراسات الباب الثاني من خلال أربعة دراسات أخرى بجانب دراستَي كلٍّ من الدكتور محمد كامل القليوبي، والأستاذ منير محمد إبراهيم، فيقدم الناقد الدكتور أحمد يوسف دراسة ثانية له بعنوان (صفحات من تاريخ السينما المصرية) يناقش فيها علاقة المتغيرات الكبرى، مثل الحرب العالمية الثانية، بتاريخ السينما في مصر، وصعود قيم الطبقات الطفيلية وأثرياء الحرب، سلبيًا على المجتمع، ثم هجرة وعودة السينمائيين الأجانب لبلادهم، ليجد السينمائيون المصريون أنفسهم في مواجهة مسؤولية استمرار هذه الصناعة، وتداعيات هذا فكريًا وفنيًا..  ويكتب الناقد السينمائي الكبير سمير فريد دراسته عن (الستينيات والقطاع العام في السينما) موثقًا هذه المرحلة من بداية اهتمام الدولة المصرية بصناعة السينما، والذي تمثل في إنشاء (مصلحة الفنون) عام١٩٥٥، ثم (مؤسسة دعم السينما عام١٩٥٧) ثم (المعهد العالي للسينما) عام١٩٥٩، محللًا ما طرحته أولًا مؤسسة دعم السينما من أهداف، قبل أن تتحول بعد عام واحد إلى (المؤسسة المصرية العامة للسينما) لتحقيق نفس الأهداف، وارتباط مسيرتها برحلة صناعة وإنتاج الفيلم المصري، وكيف تم دمجها عام١٩٦٣مع مؤسسة الإذاعة والتليفزيون، إلى قرار تصفيتها عام١٩٧١ بعد إنتاج ١٥٠ فيلمًا روائيًا طويلًا وصلت إلى قمة الواقعية..  وبعده، يقدم المخرج والكاتب هاشم النحاس دراسته بعنوان (ملامح أساسية في سينما السبعينيات) الذي طرح فيه تجربة السبعينيات السينمائية بعد التغيير السياسي ومجيء الرئيس السادات وسماح حركة ١٥ مايو بنقد مراكز القوى وممارسات الستينيات، إلا أن السلطة سرعان ما عادت لنفس الممارسات بعد عام واحد، وبعد أن وجدت موجة جديدة من أفلام النقد السياسي، فصدرت (العصفور)، شاهين، و(زائر الفجر) ممدوح شكري، و(التلاقي) صبحي شفيق، وأفلامًا أخرى، وبعد سنوات قليلةٍ، في بداية عصر الانفتاح الاستهلاكي، وتحويل المنابر إلى أحزاب، اعتقد السينمائيون أنها انفراجة، لكن العكس هو ما حدث بفضل صدور قانون جديد للرقابة على المصنفات الفنية ١٩٧٦ امتلأ بالمحظورات الرقابية..  ومع ذلك فقد استطاع واحد وعشرون فيلمًا من هذه الحقبة الدخول في قائمة أفضل مئة فيلم مصري، كما بدأ ٤١ مخرجًا جديدًا العمل في سينما السبعينيات.. وتأتي الدراسة الأخيرة في هذا الباب الناقد طارق الشناوي عن جيل الثمانينيات والتسعينيات بعنوان (كثير من الأحلام لا يخلو من تنازلات) مؤكدًا على أن جيل الثمانينيات وامتداده في التسعينيات - والتي لم يكتمل عقدها بعد - لديه قدر من الخصوصية في اللغة السينمائية التي تناولوا بها أفلامهم، كما أن لديهم ملامح مميزة ألقت بظلالها على سينما المرحلة كلها، مثل سينما الهامشيين التي اقتربت بصدق من الواقع، وحاولت الإفلات من قولبة الشكل السينمائي السابق عليها، ونتائج الاستفتاء الذي أجراه المهرجان تؤكد هذا حيث تم اختيار ١٨ فيلمًا من هذه المرحلة، قدم١٣ منها مخرجو الثمانينيات، بينها أربعة أفلام محمد خان..  وثلاثة أفلام عاطف الطيب وفيلم أن رأفت الميهي، وفيلم واحد لكل من خيري بشارة، وداود عبد السيد، ورضوان الكاشف، وشريف عرفة، وهو ما يؤكد على أن هذا الجيل قدم أكثر من ٧٠٪ من أهم أفلام تلك المرحلة.. ومع ذلك لم يأخذ حقه من الشهرة بالمقارنة بأفلام الجيل الأسبق، وهو ما يلعب دوره في الاختيار.. 

الباب الثالث..وعشر دراسات

عشر دراسات وأبحاث من بين ٢٦ دراسةً وبحثًا قدمها المشاركون في الاستفتاء لتنشر في هذا الكتاب الأول من نوعه، والذي عبّر في ذلك الوقت، ١٩٩٦عن مرحلة جديدة ذهب إليها المهرجان في اهتمامه بتوثيق وتدقيق تراث السينما المصرية العريق..  وفِي هذا الباب الثالث تضمنت الأبحاث دراسة للدكتور رفيق الصبان عن النمط الإنتاجي للسينما المصرية واختلافه عن نمط الإنتاج في السينما الأمريكية الذي تأثرت به أغلب سينمات العالم في دراسة بعنوان (أضواء صغيرة على حكاية الإنتاج في مصر)..  ويكتب الباحث السينمائي بحثه عن (ستوديوهات السينما في مصر).. بينما نقرأ ثلاثة أبحاث متتالية عن الكتابة السينمائية أولها الصحفي والناقد فتحي العشري بعنوان (القصة والحوار في أفضل مئة فيلم مصري).. والبحث الثاني لكاتب السيناريو والصحفي سمير الجمل عن أرباب السيناريو الذين يسميهم الفرسان – الشهداء – العابرون..  ويحكي عن الجهد الكبير لكتاب السيناريو، سواء القادمين من عالم الأدب، أو الذين ذهبوا إلى السينما مباشرة.. وفِي البحث الثالث يقدم الكاتب والمؤلف السينمائي مصطفى محرم رؤيته لأهمية الحوار في الفيلم السينمائي، خاصة بعد أن انتهت مرحلة السينما الصامتة.. ويكتب الناقد السينمائي نادر عدلي دراسته عن أهم النجوم في تاريخ السينما المصرية ودورهم في تطور ونمو السينما، وفِي البحث السابع يكتب مصمم الديكور السينمائي نهاد بهجت عن (الوظيفة الدرامية لديكور السينما وكيف تعبّر عن الأبعاد الاجتماعية والنفسية وكل ما يقدمه العمل من ملامح..  وفِي البحث الثامن يقدم الباحث والمصور الدكتور إبراهيم عادل دراسته عن مدرسة التصوير السينمائي المصرية بعنوان (نظرة وإطلالة علي المستقبل)، بينما يقدم الدكتور زين نصار، الأستاذ بأكاديمية الفنون دراسة عن موسيقى الأفلام في السينما المصرية)، ويختتم الباب الثالث من الكتاب بدراسة المونتيرة القديرة رحمة منتصر وعنوانها (أحاديث حول المونتاچ).

السينما المصرية وجماليات التلقي

في الباب الرابع والأخير من كتاب الاستفتاء لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي العشرين ست من الدراسات، أولها دراسة للدكتور أحمد يوسف سعد بعنوان (قراءة تربوية للسينما المصرية)،و ثانية للدكتور حسن عطية أستاذ النقد بأكاديمية الفنون عنوانها (السينما المصرية وجماليات التلقي)، ودراسة للباحث منير محمد إبراهيم بعنوان (علامات في رحلة السينما المصرية)..  ودراسة رابعة الناقدة السينمائية ماجدة موريس بعنوان (صورة المرأة في السينما المصرية).. ودراسة للناقد والباحث السينمائي محمود قاسم بعنوان (المكان في أهم الأفلام المصرية)، ثم دراسة للناقد هشام لاشين بعنوان(أنواع الفيلم المصري من واقع الاستفتاء).. وأخيرًا دراسة للناقد سمير شحاتة عن التمثيل المصري في المهرجانات الدولية.. والحقيقة أن هذا الكتاب بما حواه من قواعد الاستفتاء ونتائجه ولتلك الأبحاث المهمة..  وبعضها ليس له مثيل فيما نشر عن السينما المصرية من قبل، يستحق التقدير والاحترام لمهرجان القاهرة، يستحق استعادته، وطباعته من جديد.. 

 

####

 

ماجدة واصف:

مهرجان القاهرة السينمائي لم ولن يكون قويا إلا في ظل وجود صناعة قوية

حوار - فايزة هنداوي

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفيلم

* المهرجانات العربية ليس لها تأثير علي "القاهرة السينمائي" لأنها مهرجانات بلا صناعة سينما

* سمير فريد سلم المهرجان لـ"حضن وزارة الثقافة" وقضي علي استقلاليته

* تم استبعاد فيلم "آخر ايام المدينة" من المهرجان رغما عني

* اعتذر عن توقيت إعلان استقالتي أثناء فاعليات الدورة التاسعة والثلاثين

* لا أتوقع استمرار مهرجان "الجونة" بعد انتهاء الهدف الذي أقيم من أجله

*تجربة محمد حفظي تحتاج إلي وقت لتقييمها.. وهو يمتلك علاقات جيدة

بعد سنوات طويلة من النجاح في إدارة مهرجان معهد العالم العربي بباريس، عادت الناقدة ماجدة واصف، إلي مصر لتتولي رئاسة مهرجان الأقصر للسينما الأوروبية، قبل أن تتولي رئاسة مهرجان القاهرة ثلاث دورات متتالية من 2015 حتي 2017، والتي وصفتها ماجدة واصف بأنها كانت دورات صعبة، لأسباب كثيرة، منها ضعف الميزانية وعدم وجود سيستم، الأمر الذي جعلها تقرر الاستقالة اثناء اتعقاد الدورة االتاسعة والثلاثين، رغم استكمالها لمهامها حتي نهاية الدورة.

عن المصاعب التي واجهتها، والانتقادات التي وجهت للدورات التي تولت رئاستها واعلان الاستقالة في الوقت الحرج، ورؤيتها لمستقبل مهرجان القاهرة السينمائي كان لنا معها هذا اللقاء:

·        بداية.. كان إعلانك قرار الاستقالة قبل انتهاء فاعليات الدورة التاسعة والثلاثين، مثيرا للجدل، فما هي الأسباب التي دفعتك لهذه الاستقالة في هذا التوقيت؟

المشكلة لم تكن في الاستقالة، بل كانت في توقيت الإعلان عنها، وهذا التوقيت لم اكن المسئولة عنه، فأنا كنت قد قررت مع بداية الدورة التاسعة والثلاثين، أن هذه الدورة ستكون الأخيرة بالنسبة لي، وأبلغت هذا للمسئولين، مع الاتفاق علي استكمال مهمتي وعدم الإعلان عن ذلك، إلا بعد انتهاء الدورة، إلا أن أحد الأصدقاء الصحفيين اللبنانين، كان يجلس معي في أحد أيام المهرجان علي مائدة الإفطار، وتطرق للحديث عن الدورات القادمة، فقلت له إن هذه الدورة هي الأخيرة بالنسبة لي، وطلبت منه عدم النشر حتي لا تكون هناك إثارة للجدل، إلا أنه نشر الخبر دون موافقة مني، مما اثار بلبلة كبيرة، وأضر بي وأضر بالمهرجان بشدة، وانا أعتذر عن هذا الخطأ غير المقصود.

·        ولماذا قررتي ان تكون هذه الدورة هي دورتك الأخيرة بالمهرجان؟

نعود للبداية، عندما رشحني الناقد السينمائي يوسف شريف رزق الله لرئاسة المهرجان، ثم أبلغني أن وزير الثقافة وقتها "الدكتور جابر عصفور" يريد مقابلتي، فقلت ليوسف، انني لا يمكنني تولي هذه المسئولية، لأنني ادرك صعوبة التعامل مع البيروقراطبة الحكومية، خاصة بعد التعديلات التي قام بها الناقد السينمائي سمير فريد الذي رأس الدورة السادسة والثلاثين، حيث منح وزارة الثقافة صلاحيات كبيرة في اتخاذ االقرارات الخاصة بالمهرجان، وجعل المهرجان فعليا في حضن الوزارة، لكن يوسف شريف رزق الله، طلب مني مقابلة الوزير والاعتذار له بنفسي من باب اللياقة، وبالفعل قابلت الدكتور جابر عصفور، ورفضت المهمة في البداية، لكنه اقنعني مؤكدا عدم تدخل أي مسئول في عملي، ومنحني تفويض وزير، حتي أكون حرة في اتخاذ جميع القرارات الخاصة بالمهرجان، ولكن هذا الوضع تغير بعد ذلك، حيث تغير الوزير، وعاصرت وزيرين بعده، ولم يعد لدي التفويض باتخاذ القرارات، واصبح التدخل كبيرا، وهو مالم أتحمله، إضافة لأسباب أخري كثيرة، منها الميزانية الضعيفة التي كان يحصل عليها المهرجان، التي كانت ثابتة منذ سنوات طويلة، رغم تعويم الجنيه، وارتفاع سعر الدولار، مما أثر علي أسعار تذاكر الطيران والإقامة ونقل الأفلام وغيرها، فكنا نخرج من كل دورة من الدورتين السابعة والثلاثين والثامنة والثلاثين، مديونين باموال كثيرة، وكان فريق العمل له متأخرات ورواتب لم يحصل عليها، مما كان يشكل صغطا عصبيا كبيرا، حيث لم اعناد العمل في هذه الأجواء، إضافة لمشاكل تقنية ومهنية، ولك ان تتخيلي اننا فوجئنا بعدم وجود ارشيف لجميع الدورات السابقة، لأن المسئول عن الأرشيف قد ترك العمل بالمهرجان، ولم يترك نسخة من هذا الأرشيف، فبدأنا البحث وتجميع أرشيف السنوات السابقة، من بعض السينمائيين والمهتمين، وكانت كل الأمور تدار بصعوبة، منها علي سبيل المثال الشاشات غير المجهزة لعروض المهرجان باجهزة "دي سي بي"، وبدلا من شراء اجهزة لهذه السينمات، كما طلبت كثيرا، كنا نقوم بتأجير هذه الأجهزة كل عام ،مما يشكل عبئا سنويا علي الميزانية التي كانت ضعيفة بطبعها.

وقد تعرضت لضغط عصبي شديد، حتي أتمكن من إدارة المهرجان في حدود هذه الميزانية، وحتي لا أقع في أخطاء سمير فريد، الذي لم يتفهم طبيعة التعامل الحكومي، فوثق في أشخاص لم يكونوا علي قدر هذه الثقة فوقع في مشاكل مادية كبيرة، حتي أن شركة السياحة التي نفذت حفلي الافتتاح والختام، بالدورة السادسة والثلاثين التي تولاها سمير فريد لم تحصل علي مستحقاتها حتي الآن.

·        ولكن محمد حفظي عندما تولي رئاسة المهرجان، قام بشراء اجهزة "دي سي بي" ، فلماذا تمكن هو من ذلك ؟

حفظي فعل ذك من خلال الأموال التي دفعها رجل الأعمال سميح ساويرس لدعم المهرجان في هذا العام، فتصرف حفظي بذكاء واشتري أجهزة "دي سي بي" بدلا من الإيجار، في حين أننا لم يكن لدينا هذا الدعم.

·        هل هناك عدد من الانتقادات التي وجهت للدورات التي توليتي فيها رئاسة المهرجان منها مشاركة فيلم "البر الثاني" في المسابقة الرسمية دون أن تشاهده لجنة الاختيار؟

الأفلام المصرية عادة يرفض أصحابها ان تشاهد من قبل لجنة الاختيار، خوفا من أن يكتب عنها احد النقاد المشاركين في اللجنة بشكل سلبي فيؤثر علي جماهيرية الفيلم، لذلك شاهدنا الفيلم انا والناقد يوسف سريف رزق الله ، المدير الفني للمهرجان، والناقد أحمد شوقي، نائب المدير الفني وقتها، بحضور بطل الفيلم ومنتجه محمد علي، والمؤلفة زينب عزيز والمخرج علي إدريس، وقد أعجبني الفيلم، لأنه يناقش قضية هامة لأول مرة، وهي قضية الهجرة غير الشرعية للمصريبن، خاصة ان هذه الفترة شهدت حادثة الشباب اللذين غرقوا في دمياط نتيجة محاولة الهجرة غير الشرعية، فأعجبتني الفكرة، وقررنا ان يشارك في المسابقة الرسمية خاصة ان مستواه الفني كان جيدا، وان كانت به بعض نقاط الضعف، ولكن هذا كان المتاح في ظل قلة عدد الأفلام المصرية في هذاالعام.

·        ألم تكن هناك ضغوط من الجهات التي كان يعمل معها بطل الفيلم محمد علي صاحب مجموعة "أملاك"؟

لم تكن هناك أي ضغوط من أي جهة، بخصوص هذا الفيلم، وأنا لم أكن علي علم بمجموعة "أملاك"، فانا كما تعلمين، لا أعيش في مصر بشكل دائم، ولست علي علم بامور كثيرة، ولكنني تعاملت مع محمد علي كممثل ومنتج، وإنتاج الممثلين لأفلامهم ليس أمرا جديدا، فالهام شاهين علي سبيل المثال، تنتج افلام تقوم ببطولتها، وكذلك كان نور الشريف وغيره من النجوم. وعندما التقيت بمحمد علي، عرض دعم مهرجان القاهرة بأموال وإقامة حفل الختام علي نفقته الخاصة، نظرا لعلمه بالأزمة المادية، التي كان يعاني منها المهرجان وقتها، وانا رفضت بشدة، حيث لايمكن لأحد ان يشتري المهرجان، فطلب إقامة حفل للفيلم، فوافقت لأن هذا حقه ،وطلب عمل سجادة حمراء لنجوم الفيلم فوافقت أيضا، لأن هذا أمر طبيعي يحدث في كافة المهرجانات الكبري، مثل كان وفينيسيا وغيرها، ‘لكنه استفز الناس بالأموال التي انفقها عند عرض الفيلم، وفرقة "حسب الله" التي فاجأتني أنا شخصيا، وأعتقد أن الهجوم علي الفيلم لم يكن بسبب مستواه الفني، لكنه كان بسبب شخصية محمد علي لخلفيات لم أكن علي دراية بها.

·        هل هذا يعني أن ما أثير حول تدخل بعض الجهات في اختيار الأفلام أثناء إدارتك لمهرجان القاهرة لم يكن صحيحا؟

لم أكن أسمح أنا أو يوسف شريف رزق الله، بتدخل أي جهة في الجانب الفني للمهرجان، لكن هناك أمور كنت أراعيها بنفسي، حتي لا تثار أية مشاكل، فأنا مدركة أنني أدير مهرجان تابع للدولة المصرية، وهناك أمور يجب ألا أتخطاها خاصة بعلاقة مصر بالبلاد الأخري، لذلك كنت أسأل وزارة الخارجية عن الدول التي لا تربطها بمصر علاقات جيدة في هذه الفترة، حتي أتجنب استضافة ضيوف من هذه البلاد، حتي لا تحدث مشكلة مثلما حدث مع الضيوف الإيرانيين، أثناء الدورة التي رأسها الناقد السينمائي سمير فريد.

·        وماذا عن استبعاد فيلم "آخر ايام المدينة"، لتامر سعيد بعد الموافقة علي مشاركته في المهرجان؟

سأكون صريحة معك، هذه كانت المرة الوحيدة التي حدث فيها تدخل من أحد الجهات لمنع عرض فيلم في المهرجان، وكنا بالفعل قد وافقنا علي مشاركة الفيلم في المسابقة الرسمية بالمهرجان، وكان رأيي في الفيلم إنه رائع فأنا أحب هذه النوعية من الأفلام، ولكن هذه الجهة تدخلت ورفصت عرضه، نظرا لحساسية الموضوع الذي يناقشه،ورفضت هذه الجهة الإعلان عن سبب الرفض، حتي اننا طلبنا من جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية إعلان رفضه للفيلم، لكنهم رفضوا أيضا ووضعونا في "وش المدفع" واضطررنا أن نقول اننا رفضنا الفيلم بسبب مشاركته في 35 مهرجان سينمائي.

·        قيل ان المنتج احمد السبكي اشترط علي المهرجان مشاركة فيلم "من ضهرراجل"الذي كان إخراج ابنه كريم، عندما طلب المهرجان فيلم "الليلة الكبيرة"، لسامح عبد العزيز.. ما صحة هذه الواقعة؟

هذا لم يحذث مطلقا، لكننا رأينا أن الفيلمان يستحقان المشاركة في المهرجان، ولو كان النقاد والصحفيون نظروا إلي المستوي الفني للفيلمين دون النظر لإسم السبكي، كانواانصفوا الفيلمين، حيث كان مسنواهما جيدا ، ولكن الافلام المصرية عادة ما يتم الهجوم عليها، حتي فيلم "يوم للستات" آخراج كاملة ابو ذكري، وبطولة وإنتاج الهام شاهين، تم الهجوم عليه رغم انه فيلم متميز فنيا جدا بوجهة نظري، ولكن هناك تربص من وجهة نظري بمهرجان القاهرة.

وعموما، أنا أؤمن أن السينماوجهات نظر، ولا يوجد فيلم يمكن أن يتفق عليه الجميع، وهناك أفلام يمكن اختيارها في بعض المهرجانات لأسباب أخري غير الأسباب الفنية، ومثال علي ذلك فيلم "يوم الدين" الذي شارك في مهرجان كان، ربما لا يرقي مستواه للمشاركة في المهرجان، لكن هناك أسباب أخري دعت المبرمج لقبوله في المهرجان ربما تكون لدعم أفكار معينة.

·        من الانتقادات التي وجهت للدورات التي رأستيها، إنها لم تصل للجمهور بشكل كاف؟

حاولنا الوصول للجماهير خارج دار الأوبرا في حدود المتاح، خاصة أن الظروف الأمنية في هذه السنوات لم تكن مستقرة، وكانت هناك محاذير أمنية كثيرة، وعرضنا في بعض السينمات، بعضها كانت عروضا ناجحة جماهيريا مثل عروض سينما "الزمالك" وسينما "أوديون" وبعضها لم يكن كذلك.

·        كانت البرامج الموازية مستقلة في دورة الناقد السينمائي سمير فريد، ولكنك خلال رئاستك للمهرجان رفضتي هذذه الاستقلالية، وجعلتيها تابعة إداريا لمهرجان .. لماذا؟

عندما توليت إدارة مهرجان القاهرة، كان سمير فريد، قد عقد اتفاقيات مع القائمين علي البرامج الموازية، وكان قد خصص ميزانية كبيرة لهذه البرامج، حيث كان سمير فريد لديه ميزانية مضاعفة، حيث كان قد ألغي دورة 2014 ، واخذ ميزانية هذه الدورة اضافة لميزانية دورة 2015، ولم يكن التعويم قد بدأ، ولم يكن سعر الدولار ارتفع، لذلك سمحت له الميزانية بتخصيص مبلغ كبير لهذه البرامج، وعندما توليت رئاسة المهرجان، حصلت علي ميزانية عام واحد، إضافة لارتفاع سعر الدولار، لذلك كان لابد من تخفيض الميزانيات، من خلال تخفيض الضيوف واستضافتهم ثلاثة أيام فقط كما يحدث في كثير من المهرجانات الكبري، خاصة أن بعض القائمين علي هذه البرامج لم يقدموا تسويات، وكان يعاونهم فريق من المهرجان ، وهذا ليس متوافقا مع فكرة البرامج الموازية التي تقام في "كان" علي سبيل المثال"، حيث تقوم الكيانات التي تنفذ هذه البرامج بالمسئولية الكاملة عن هذه البرامج ماديا واداريا وهذا لم يحدث في مصر، حيث مثلت عبئا زائدا علي المهرجان وكان لابد من ان تتبع المهرجان إداريا كما تتبعه ماليا، مع التنسيق مع الكيانات التي تقيمها.

·        وماذا عن المشكلة مع المخرج سعد هنداوي الذي كان يدير مسابقة سينما الغد؟

بدأت المشكلة مع سعد هنداوي، عندما ذهب هو الدكتورة غادة جبارة، عميدة معهد السينما وقتها، الي وزارة الشباب للحصول علي الدعم المخصص للمهرجان، وحصل علي الدعم ولكنه خصصه لمسابقة سينما الغد، ثم طلب أموالا إضافية حتي يذهب الي مهرجان كليرمون فيرون وعمل ستاند هناك، وكانت ميزانية المهرجان لا تسمح، حيث كان المهرجان مديونا، فبدأت المشاكل والخلافات.

·        يري البعض ان ثقافتك الفرانكفونية أثرت علي اختياراتك في الدورات التي توليتي رئاستها من مهرجان القاهرة، حيث طغي الجانب الفرنسي علي المهرجان، سواء من حيث الأفلام أو الضيوف؟

هذا غير صحيح، فانا كنت حريصة علي التوازن ، وقد كان البرنامج الفرنسي الوحيد في هذه الدورات هوبرنامج المخرجات الفرنسيات في الدورة الثالثة التي توليت رئاستها، أما الدورة الدورتين الاولي والثانية فكانت هناك برامج لليابان والصين ، وكانت استراليا ضيفة الشرف في الدورة الثانية، وحتي رؤساء لجان التحكيم لم يكونوا فرنسيين خلال الدورات التي توليتها.حيث كان رئيس لجنة تحكيم الدورة السابعة والثلاثون انجليزي وهو بولويبستر، ثمالماني، واخيرا حسين فهمي.

·        ما أهم الفوارق بين العمل في معهد العالم العربي وبين العمل في مهرجان القاهرة؟

في معهد العالم العربي كان هناك سيستم واضح وقواعد واضحة، ولدي إدارة وميزانية واضحة أيضا، وأقوم بتقديم خطة العمل، وعندما يتم الموافقة عليها، لا يتدخل أحد في عملي بعد ذلك.

وكنت أشعر بحرية أكثرفي بعض القضايا الخاصة بالسينما، فعلي سبيل المثال، أنا كنت أعرض في مهرجان معهد العالم العربي، أفلام المخرجين الفلسطينين، الذين يعيشون داخل اسرائيل، ولديهم هوية اسرائيلية، ويحصلون علي الدعم من صندوق السينما الاسرائيلي، لأن هذا الدعم هو حقهم مقابل الضرائب التي يدفعونها، في حين أن مهرجان القاهرة لا يمكن أن يعرض مثل هذه الأفلام لاعتبارها نوعا من أنواع التطبيع التي يرفضها المثقفون، وهو ظلم مرتين لهؤلاء المخرجين برأيي، ولابد أن يجد السينمائيون والمثقفون المصريون والعرب صيغة للتعامل مع عرب 48، حتي لا نظلمهم بعزلهم من المشهد السينمائي والثقافي.

        متي يمكن برأيك أن يستعيد مهرجان القاهرة قوته وبريقه؟

قد تفاجأين إذا قلت لك، إن مهرجان القاهرة لم يكن قويا في الماضي كما يتصور البعض، رغم ان المهرجان كان به سوق منذ سنوات طويلة، لكنها كانت سوقا شكلية، بمشاركة بعض الشركات الصغيرة، ولم يمكن سوقا قويا يؤدي إلي الترويج للأفلام وعرضها، كما ان الإقبال الجماهيري علي الأفلام قديما كان إقبالا علي الأفلام غير المراقبة، والتي تحتوي علي مشاهد جريئة ينتظرها المشاهد المصري، ويدفع أموال في مقابل مشاهدتها، لذلك كان المهرجان يحقق دخلا من هذه الأفلام، ورغم أن المهرجان كان يستقدم عدد كبير من االنجوم الكبار مثل ريتشارد جير وغيره، وكان يمتلك موقع بست لغات ، إلا أن هذا غير كاف ليكون مهرجان قوي .

        وكيف يمكن للمهرجان ان يكون قويا؟

حال السينما ينعكس علي حال المهرجان، لذلك فلابد لكي يكون عندنا مهرجان قوي، أن يكون عندنا في البداية سينما قوية، وأن يعود السوق المصري سوقا جذابا للأفلام الأجنبية، وأن يتوفر عدد كبير من دور العرض السينمائي، و يكون هناك سيستم لصناعة السينما، وأن تهتم الدولة بالسينما، من خلال المركز القومي للسينما، الذي همش دوره تماما، في حين أنه في بلد مثل فرنسا علي سبيل المثال، يلعب دورا كبيرا في النهوض بالسينما، فعندما تم التحول السينمائي من الأفلام "35 ملم"إلي الديجيتال، قام المركز القومي للسينما بدعم السينمات لتتحول إلي الديحيتال وتتمكن من عرض الأفلام، في حين أننا في مصر حاليا لا نجد سينمات مجهزة بالـ "دي سي بي"، سوي السينمات الكبيرة، في حين قام أحد السينمائيين بتصنيع جهاز بديل اطلق عليه "اي سي بي" وقام بتوزيعه علي السينمات فأصبحت غير قادرة علي عرض الأفلام الكبيرة، مما يساهم في تدمير الصناعة، كل ذلك يحدث لعدم وجود رؤية للنهوض بالصناعة.

ولابد أن يكون المهرجان مركزا لصناعة السينما وترويجها من خلال سوق كبير حقيقي، حتي لا يذهب الموزعون الي دبي ولبنان لتوزيع افلامهم، ولابد من الإنتباه إلي أن صناعة السينما تقوم علي ثلاثة محاور الانتاج والتوزيع ودور العرض المجهزة تكنولوجيا ، مما يسمح بوجود سوق جاذب في المهرجان.

        وما هو الشكل ألأمثل لعلاقة الدولة بالمهرجان؟

يجب أن ترفع الدولة يدها تمام عن المهرجان، ويكون دورها هو التمويل فقط، كما كان يحدث أيام رئاسة سعد الدين وهبة للمهرجان، حيث كانت لا تتدخل نهائيا، وكانت إدارة المهرجان تقدم تسوية مالية بعد نهاية المهرجان، أما الآن فقد اصبحت الدولة تتدخل في كل شيء ، وهذا ليس في صالح المهرجان، ففي فرنسا علي سبيل المثال هناك مؤسسة ثقافية مسئولة عن مهرجان كان، يشارك في عضوية مجلس ادراتهاالجهاتالداعمةللمهرجانو المؤسسات المهنية، ووزارةالثقافة، التي تدعم المهرجان ماديا، لا يكون لها سوي عضو واحد، وكذلك وزارة الخارجية والنقابات المهنية المختلفة، يجتمعون لتقرير الميزانية وتعيين رئيس المهرجان، بعقد يتراوح من 3 إلي 5 سنوات ، ويكون مسئول مسئولية كاملة عن المهرجان ويختار فريق العمل، ولديه ميزانية ثابتة يحصل عليها تلقائيا.

        هل ترين أن توقف مهرجاني "دبي" و"أبو ظبي"، كان في مصلحة مهرجان القاهرة؟

رغم تقديري للمهرجانات العربية المختلفة مثل أبو ظبي ودبي، إلا أنني أري أنها لم تمثل يوما منافسا لمهرجان القاهرة، ذلك أن هذه المهرجانات تقام في بلاد بدون صناعة سينما حقيقة بعكس مهرجان القاهرة، الذي يقام في مصر التي تمتلك تاريخ سينمائي عريق.

        وماذان عن مهرجان الجونة؟

برأيي أن مهرجان الجونة، أقيم لهدف محدد وهو الترويج لمنتج الجونة السياحي، الذي تأثر مثل جميع المشاريع السياحية في مصر في السنوات الأخيرة، ولم يكن هدف أصحابه هو السينما، لذلك أعتقد أن هذا المهرجان سيتوقف بعد تحقيق الهدف المرجو منه ، فهذا المهرجان برأيي لم يؤثر إيجابيا علي السينما في مصر، فلم تفتح اسواقا جديدة، ولم توزع الأفلام الفائزة علي سبيل المثال في دور العرض، لذا أري أنه فرقعة إعلامية إذا جاز لنا التعبير، مع تقديري للمجهود الكبير للقائمين عليه لكنهم لن يفيدوا السينما المصرية.

        هل ترين أن المهرجانات المصرية االسينمائية التي زادت في السنوات الأخيرة، يمكن أن تؤثر إيجابا علي السينما المصرية؟

لكي يكون لهذه المهرجانات تأثير إيجابي، لابد أن يكون لها رؤية واضحة، وأنا أتمني أن يكون لكل محافظة مهرجان لكن علي أن يصل المهرجان لجمهور هذه المحافظة، ولا يحمل جمهوره معه من القاهرة، وأن يضيف للسينما المصرية ويؤثر فيها إيجابيا، وهو ما ليس متوفرا للأسف، فمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية علي.سبيل المثال، لم يصنع جمهور مصري للسينما الأفريقية، وغيره من المهرجانات، حيث لا توجد رؤية وهدف واضح ، وكان هذا أحد أسباب استقالتي من مهرجان الأقصر للسينما الأوروبية، حيث ضاعت الرؤية، فتحول لشرم الشيخ للسينما الأسيوية، وحاليا أصبح للشباب وهذا يعني عدم وجود رؤية واستراتيجية واضحة كما كان المهرجان في البداية.

        ما تقييمك لتجربة المنتج والسيناريست محمد حفظي في رئاسة مهرجان القاهرة ؟

محمد حفظي كان مشارك معنا في مؤسسة مهرجان القاهرة، وكان عضو في اللجنة الاستشارية اللي شكلتها في الدورة الأولي، وهي مختلفة عن اللجنة التنسيقية التي تتكون من الموظفين، حتي تكون القرارات استشارية ، وكانت تضم يسرا ومني ذو الفقار وطارق الشناوي وغيرهم من السينمائيين، وتكرر الأمر في السنة الثانية، أما في السنة الثالثة فتدخلت الوزارة بفرض بعض الأشخاص وكان هذا أيضا من اسباب استقالتي.

حفظي كان في اللجنة المالية، التي كانت مكلفة بالبحث عن رعاة للمهرجان، لكن اللجنة لم تنجح في ذلك، ويتميز حفظي بالعلاقات الجيدة، وقد اختار ألا يتدخل في الإدارة، وقام بتكليف شركة للقيام بالأعمال الإدارية، وهو اختيار صائب حتي يتفرغ للنواحي الفنية ،وهو مهتم بدعوة العاملين في مجال السينما ، كموزعين ومنتجين، وهو تطوير للملف الذي كلفته به اثناء رئاستي للمهرجان وكانت تعاونه فيه المخرجة ماجي مرجان في البداية، لكن تجربته من الصعب تقييمها بعد دورة واحدة، ويحتاج وقت أكثر حتي يتسني لنا تقييمها.

        وبماذا تنصحين الفريق الحالي للمهرجان؟

رأيي أن هناك نقطة ضعف كبيرة في المهرجان هي التسويق والترويج، لذلك لابد من وجود فريق لتسويق المهرجان والترويج يعمل طيلة العام، من خلال الترويج بين طلبة المدارس والجامعات والنوادي وغيرها من المؤسسسات الاجتماعية، وأتمني أن يتسني لهم وجود سيستم واضح وميزانية ثابتة تمكنهم من القيام بعملهم.

 

####

 

شريف الشوباشي:

ذكرياتي عن مهرجان القاهرة السينمائي جميلة ولكن صعبة

حوار - محمد عادل

ينشر بالتعاون مع مجلة الفيلم

الدولة كانت تتعامل مع المهرجان كشيء ترفيهي.. والمسؤولون يرددون: «كويس.. كويس إنه موجود

تأتي فترة رئاسة "شريف الشوباشي" لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" – التي امتدت لأربع دورات - وكأنها فترة يُمكن أن نُطلق عليها فترة "في المُنتصف" من عُمر المهرجان.. فهي تأتي بين تولي عمالقة "كمال الملاخ"، "سعد الدين وهبة"، و"حسين فهمي" لرئاسة المهرجان .. وبين تولي عمالقة آخرين لنفس المسئولية: "د. عزت أبو عوف"، "سمير فريد"، "ماجدة واصف"، وحاليًا المنتج والسيناريست "محمد حفظي".

المهرجان شهد الكثير طوال عمره المُمتد لأكثر من 40 عامًا .. وإن كانت مسألة ضعف "ميزانية المهرجان" هي العامل الأكثر تداولًا عند الحديث عن المهرجان .. وقد استقال الكاتب "شريف الشوباشي" وقتها قبل شهور قليلة من انطلاق الدورة الثلاثين (2006)، وأعلن "الشوباشي" وقتها أن أسباب استقالته هي نفسها التي تسببت في استقالة "حسين فهمي" قبله وهي "الميزانية" .. والآن بعد أن ترك "الشوباشي" رئاسة المهرجان ماذا يقول عن الكثير مِمَا دار في كواليسه في تلك الفترة، والتي لم يتحدث عنها كثيرًا وقتها .

        كنت قد استقلت – كما قلت لـ"ضعف الميزانية" .. هل مسألة "الميزانية" في رأيك تم تخطيها وحلّها الآن؟ .. أم ما زال الوضع "مَحلك سِر"؟

لا أتابع كثيرًا ما يحدث حاليًا .. الميزانية ليست السبب الرئيسي للمشكلة، بل هي جزء من كل .. حين كنت رئيسًا لـ"مهرجان القاهرة" كانت الميزانية وقتها 3 ملايين جنيه مصري تقريبًا، وهذا طبعًا في ذلك الوقت لا يكفي، وكان وقتها ميزانية مهرجان مثل "مهرجان دبيّ" 6 ملايين دولار، و"مهرجان كان" بـ "فرنسا" كانت ميزانيته 12 مليون يورو، ورغم ضعف الميزانية لكني تمكنت وقت أن توليت رئاسة المهرجان أن أرفع الميزانية لأكثر من 4 ملايين جنيه مصري، لكن المشكلة الأساسية برأيي هو عدم الاهتمام بالمهرجان نفسه سواء كدولة أو كمؤسسات أو كأفراد.

        ماذا تقصد؟

الدولة لم تكن مُدركة لأهمية المهرجان، و وقت رئاستي للمهرجان، قاموا بعمل استجوابٍ لي في مجلس الشعب، وسألتني وقتها النائبة "د. شاهيناز النجار" – زوجة رجل الأعمال الشهير وقتها أيضًا "أحمد عز" – سؤالًا واضحًا جدًا: "هذا المهرجان يُكلف الدولة الكثير فما هو العائد الذي أدخلته أنت للدولة؟" .. كان ردي وقتها: "المهرجان ليس مؤسسة تجارية أو شركة، وما يقدمه المهرجان للدولة أكثر بكثير من ميزانيته التي لا تتجاوز الـ 5 ملايين جنيه، فهنالك دعاية لمصر، النجوم العالميين، والقنوات التلفزيونية العالمية التي تُغطي فعاليات المهرجان وغيرها، كل هذا دعاية لمصر، وإن أردنا أن نقوم مثلًا بعمل إعلان فقط لا يتجاوز الـ30 ثانية في القناة الفرنسية الشهيرة TV 5 فقد ندفع مبلغاً وقدره 250 ألف جنيه"! .. وكنت وقتها قد تعاقدت مع تلك القناة لتغطية فعاليات المهرجان بأكملها للدعاية للمهرجان ولمصر بمبلغ أقل بكثيرٍ مما ذكرته لـ "د. شاهيناز"، فللأسف مفهوم الدولة عن المهرجان والفعاليات الثقافية وكأنها ليست ذات أهمية .. الدولة كانت تتعامل مع المهرجان كشيء ترفيهي، والمسئولون يرددون: "كويس .. كويس إنه موجود"!.

        من الواضح أنك عانيت كثيرًا وقت توليك رئاسة مهرجان القاهرة!

لديّ عشرات القصص التي تدل على عدم اهتمام الدولة بالمهرجان، منها مثلًا أن مُحافظ القاهرة وقتها – لا أذكر اسمه – في إحدى السنوات قام بمضايقتي بعدما قمت باستئجار مركب على النيل - وبها شاشة ضخمة - لعرض أجزاء من الأفلام لجذب الجمهور لمتابعة فعاليات وأفلام المهرجان، فالمُحافظ أمر بأن المركب لا بُد وأن يغادر فوراً!.

كنت حين أطلب رفع سقف ميزانية المهرجان، كان يرد عليّ وزير الثقافة وقتها "فاروق حسني": "انت عايز الفلوس دي كلها ليه ؟!" .. وهو نفس سؤال المخرج "داود عبد السيد" لي في مداخلة هاتفية حين استضافوني في أحد البرامج! .. كان ردي وقتها على "داود عبد السيد": "أريدك أن تصنع فيلمًا بميزانية لا تتجاوز الـ100 ألف جنيه، وهات لي فيه كِبار النجوم! .. يا ترى هتقدر؟!".

        وماذا عن تعامل المؤسسات مع المهرجان وقتها؟

تعامل المؤسسات أيضًا مع ادارة المهرجان كان بائسًا، فقد حاولت أن أحصل على Sponsors، ولم يُلبِ طلبي وقتها سوى رجل الأعمال "نجيب ساويرس"، وبعدها قال لي: "هذه أول وآخر مرة أعطي للمهرجان أموالًا" .. وحينما استقلت من المهرجان علمت أن "ساويرس" عاد ليدعم المهرجان مرةً أخرى، لكنه اشترط وقتها ألا يُصرف أي مليم من هذه الأموال سوى بتوقيع مسئول من الشركة التي يملكها، وهو شيء لو كان عُرِضَ عليّ وقتها لم أكُن لأقبله بأي حالٍ من الأحوال.

في الحقيقة لم أفهم تعامل المؤسسات تحديدًا مع المهرجان بهذا الشكل المُزري، فمثلًا الشركات السياحية الكُبرى لم تستغل حضور نجم عالمي كبير مثل "مورجان فريمان" – الذي كرّمته في المهرجان – وكان "فريمان" وقتها في أوج مجده، بل ومعروفًا أكثر للجمهور المصري، عكس نجوم آخرين تم تكريمهم في المهرجان مثل "صوفيا لورين" و"آلان ديلون"، واللذين رغم شُهرتهما للجمهور المصري، لكن يُمكن اعتبارهما قد حضرا المهرجان بعد أفول نجوميتهما – بعكس "مورجان فريمان" – أو تكريم نجوم عالميين آخرين ليسوا مشهورين بالنسبة للجمهور المصري مثل النجمة الفرنسية العالمية "إيمانويلي بيار" .. وأذكر أنني حين طلبت قُدوم النجمة الأمريكية الشهيرة "ساندرا بولوك" للمهرجان، فقد طلب مني الـ Agent أو وكيل أعمالها مبلغ 120 ألف دولار لحضور "بولوك" لليلةٍ واحدة فقط! .. رفضت وقتها لأن الميزانية لا تسمح، وليس تعفُفاً مني.. كذلك الحال بالنسبة للنجم الأمريكي "سليفستر ستالون"، والذي طلب مني وكيل أعماله أن يحضر للمهرجان بطائرة خاصة، وسألني ما إذا كنت أمتلك طائرة خاصة؟ .. كان ردّي مُمازحاً : "معلش مش معايا لإني سلفت طيارتي الخاصة لواحد صاحبي"! .. وحين حاولت حلّ الأمر بواسطة أحد رجال الأعمال، فاجأني وكيل أعمال "ستالون" بأن الطائرة الخاصة المطلوبة ليست كأي طائرة خاصة، بل طائرة خاصة بمواصفاتٍ معينة!.

        لكن ما تقوله غريب نوعًا!.. فهنالك شركات كثيرة بالتأكيد من مصالحها تقديم يد العون لرعاية المهرجان وضيوفه!

للأسف مفاهمينا تختلف عن مفاهيم العالم .. ما يريده الجميع هو "مردود مُباشر" للمهرجان، فالبعض يتعامل مع المهرجان كـ"شئ تجاري"، والبعض الآخر يتعامل معه كـ"شئ ترفيهي"، والبعض يرى أنه مُجرد "كماليات"! .. أما إذا تحدثنا عن وسائل الإعلام، فسنجد فارقًا كبيرًا بين تغطيتنا وتغطية الخارج للمهرجانات الدولية، فمثلًا القناة الأولى أو الثانية الفرنسية عند تغطيتهم لمهرجان كبير مثل "مهرجان كان" ستجدهم يحرصون حتى أن تكون نشرات الأخبار مُذاعة من داخل أروقة المهرجان، خاصةً وأن نشرة الأخبار تُمثل أعلى نسبة مُشاهدة في فرنسا على العكس مِنا! .. جريدة "اللوموند" الفرنسية الشهيرة مثلًا ستجد على صفحاتها تغطيات كبيرة وكاملة لفعاليات المهرجان .. وأعترف – وأنا حزين – أن كل من مدحوني ومدحوا المهرجان كانوا من أصدقائي في الصحافة والإعلام، وكل من هاجموني لم أكُن أعرفهم شخصيًا! .. المقاييس لدينا "شخصية" و"ذاتية" جدًا، وليس لها علاقة بالمعايير الموضوعية للحُكم على الأشياء.

أما مفهوم الأفراد لدينا عن المهرجان، فالمهرجان لا يُمثل لهم سوى "الأفلام المُعقدة" أو "الصعبة"! .. المهرجان في رأيهم للـ"الجمهور الراقي" أو "الصفوة" أو "النُخبة"! .. للأسف من عزّز فكرة أن "المهرجان للنُخبة" نجوم لدينا أمثال "عادل إمام".. وقد كُنا أنا و"عادل امام" أصدقاءً وقتها، وحين طلبت منه أن يُدعم المهرجان كان رده: "أنا ماليش علاقة بالمهرجان ده، فالشباك هو الفيصل"!.

        وماذا عن قيمة الفيلم الفنية؟

كان رأي "عادل إمام" أن "طُز" في "القيمة الفنية" لفيلم إن لم يُحقق أعلى الإيرادات!.. ولو لاحظت فإن "عادل إمام" لم يحضر أبدًا لفعاليات "مهرجان القاهرة"، لكنه حضر افتتاح "مهرجان الجونة" في دورتهِ الأولى! .. وما لاحظته في "مهرجان الجونة" عند مُتابعتي له في دورتهِ الأولى أنه "مهرجان أزياء"!.. "أزياء وحفلة جميلة".. لكن هذا ليس "مهرجانًا"!.

        إدارة مهرجان "الجونة" قالت إن السبب في التركيز على "الأزياء" هي وسائل الإعلام وإن إدارته تسعى بالفِعل لأن تُقدم أفلامًا مُميزة للجمهور؟

تقصد دورة هذا العام مثلًا.. في الحقيقة لا أستطيع أن أحكم على ما لا أعرفه.. لو استطاعوا بالفعل أن يأتوا بأفلامٍ جيدة، فهذا هو النجاح.. لكن ما أقصده هو أن المفاهيم اختلطت بين فكرة "الأزياء" وبين "احتفالية استعراضية" وبين "مهرجان للسينما"، فـ"المهرجان السينمائي" وظيفته أن يعرض أجمل الأفلام التي لم تُعرض من قبل، ولو كان بحضور نجومها فهذا سيكون أفضل بالتأكيد .. وأيضًا أن تقوم بعمل سوق مفتوح لتسويق الأفلام مثل سوق "مهرجان كان"، فالسينمائيون يتهافتون على هذا السوق.. هذا ما يُمكن من خلاله قياس نجاح أي مهرجان.. وإذا قِسنا هذا الأمر علينا، فنحن للأسف بذلك نفتقد جوهر وأساسيات مهرجان ناجح.

        إذن نعود لفترة رئاستك لمهرجان القاهرة.. ما هي الصعوبات الأُخرى التي واجهتك؟

كنت وقت رئاستي لمهرجان القاهرة أشعر وكأني أغزل بـ "رجل بغل" وليس بـ"رجل حمار" كما يقول المثل الشائع .. لا أنكر أنها كانت سنواتٍ جميلة رغم ذلك، لكنها تظل سنوات صعبة .. لم تكُن لديّ الإمكانيات، ودائمًا ما كنت أشعر أنني أصطدم بالصعوبات .. كان وزير السياحة وقتها "د. ممدوح البلتاجي" صديقي، وقلت له إنني محتاج دعمًا منك للمهرجان، وبعد مُداولات أعطاني ما يُقارب الـ150 ألف جنيه .. ولو كان هنالك 5 أو 6 وزارات أخرى، وكل وزارة أعطتني مبلغًا كهذا، فسيكون معي مليون جنيه مثلًا، هذا سيجعل "المركب تمشي" ولو قليلًا.

"مهرجان كان" مثلًا لديه كم هائل من الـ Sponsors، حتى أصحاب أشهر ماركات المجوهرات مثلًا يُشاركون في دعم المهرجان .. وللأسف "مهرجان القاهرة" بالنسبة للـ Sponsors لدينا ليس فيهِ مقومات "المهرجان" من وجهة نظرهم .. وكنت قد حضرت عدة دورات لـ"مهرجان كان"، و رأيت فيه كل نجوم العالم تقريبًا، وهؤلاء يصنعون دعاية للـ Sponsors كـ"فيرساتشي" وغيره.

        هل استغللت تواجدك في مهرجانات دولية كـ"مهرجان كان" مثلًا لدعوة نجوم العالم لمهرجان "القاهرة"؟

بالتأكيد، .. لقد دعوت المخرج الأمريكي الشهير "كوينتين تارانتينو" والنجوم مثل "شارون ستون" و"جاكي شان" .. كان انطباعهم لطيفًا جدًا .. لكن فور أن تُكلم مُدير أعمالهم، فالأمور تختلف تمامًا!.

 

الشروق المصرية في

04.12.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004