كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

السينما العربية استعادت شبابها في قرطاج

علي وجيه

أيام قرطاج السينمائية الثلاثون

   
 
 
 
 
 
 

«ثلاثة وخمسون عاماً من الاكتشافات والتفاعلات والنقاشات العاصفة أحياناً، والبنّاءة والمثيرة دائماً، بين الأجيال المختلفة من المخرجين الموهوبين... من الاحتفاء بالسينما الأفريقيّة والعربيّة، بالإضافة إلى السينما الآسيوية، وسينما أميركا اللاتينيّة، والتجارب المبتكرة لبقيّة العالم». لعلّ هذا آخر ما خطّته أصابع نجيب عيّاد (1953 ـ 2019) قبل رحيله المحزن، على بعد أسابيع من انطلاق الدورة 30 من «أيّام قرطاج السينمائيّة»، التي اختُتمت أول من أمس. مدير النسخ الثلاث الأخيرة، تمكّن من انتشال «عميد المهرجانات العربيّة والأفريقيّة منذ 1966» من ترهّل وتراجع، معيداً الألق إلى مهرجان أحد أكثر البلدان العربيّة تطوّراً لناحية السينما، حتى أنّه يمكن تلمّس عدد من بصمات عيّاد الواضحة. دعم السينما العربيّة والأفريقيّة فنيّاً وماديّاً. الأخذ بيد المخرجين الشباب. المزج بين الأصالة والحداثة. الاهتمام بسينما التحرّر والنضال من شتّى أصقاع العالم. الانفتاح على سينما آسيا وأميركا اللاتينيّة. الاستعانة بفريق مكوّن من الخبرة والشباب المتحمّس. عيّاد منتج خبير، وناقد محنّك منذ نشأته في «حركة نوادي السينما» الطلابيّة، ومناكفة السلطات في سبيل نشاطاتها. قربه من أسماء كبيرة مثل الطاهر شريعة (مؤسّس أيام قرطاج السينمائيّة)، وأحمد عطيّة، ساهم في صقل تجربته. هكذا، اتكأ «سي نجيب» على مشوار ثريّ، ليشتغل على المهرجان بدقّة ومواكبة لأصغر التفاصيل. من الطبيعي أن تحمل الدورة اسمه، وهو من رسم خطوطها، ووقّع دعواتها بيده. ارتقاء شوقي الماجري أيضاً خيّم على قرطاج. لم يكتمل المهرجان من دون تكريم عيّاد وصديقه الماجري، مع عرض خمسة أشرطة من إنتاج الأوّل، اثنان منها بمشاركة الثاني كمخرج وكمستشار فنّي.

البرنامج
أربع ميّزات لبرمجة هذه السنة. كثير من أعمال أولى لمخرجين شباب، معظمها آتٍ من تظاهرات كبرى مثل برلين وفينيسيا وكان وتورونتو. أيضاً، لدينا عناوين من دول «بكر» سينمائياً، مثل السعودية وليسوتو والسودان. أخيراً، سجّل مخرجو المهجر وجوداً لافتاً، حتى أنّ المهرجان أحدث قسماً كاملاً بعنوان «شتات؟» ضمّ 6 أفلام.

الجديد في «دورة نجيب عيّاد» أيضاً، إطلاق «قرطاج ديجيتال»، وهو ملتقى للمهتمّين بالقطّاع الرقمي وتقنياته. كذلك، نقلت عروض المسابقات، من صالة الكوليزيه العريقة وقاعات أخرى قرب شارع الحبيب بورقيبة، إلى مسارح «مدينة الثقافة» الأكثر اتساعاً (1800 مقعد في مسرح الأوبرا لوحده).

147 فيلماً اختيرت من 674 تقدّمت للمهرجان. أكثر من 40 دولة، من ضمنها تونس التي شاركت بـ 39 عنواناً بين طويل وقصير. المسابقات الأربع ضمّت 44 فيلماً، موزّعة على 12 لكلّ من المسابقات الروائية الطويلة والقصيرة (لجنة التحكيم برئاسة السنغالي آلان غوميز) والوثائقية الطويلة، فيما ضمّت مسابقة الوثائقي القصير 8 عناوين (الأميركي جيروم غاري تولّى لجنة تحكيم الوثائقي)، فيما ترأس الفلسطيني محمد قبلاوي لجنة تحكيم العمل الأوّل (جائزة الطاهر شريعة). يضاف لها فيلم الافتتاح، وأقسام ثابتة منها: اختيارات رسميّة خارج المسابقة، و«نظرة على السينما التونسيّة»...

«عرايس الخوف»

الافتتاح بثامن عناوين التونسيّ المعروف نوري بو زيد «عرايس الخوف» (96 د.) عن عودة امرأتين من «الجهاد» في سوريا. تساعدهما محامية، وشاب مثليّ على العودة إلى الحياة، ومواجهة المحيط، وكشف شبكات تجنيد الشباب. شريط تأمّلي، نفسي، يعاين أضرار ما بعد صدمات عسف واغتصاب ويصبّ في سجلّ سينمائيّ معروف بشراسته تجاه التنظيمات المتطرّفة في أعمال سابقة، أبرزها «آخر فيلم» (2006) و«مانموتش» (2012). يعزّز ذلك الإشارة إلى أن الأحداث تدور عام 2013، أثناء حكم النهضة في تونس. رغم وجود نقاط في صالح الشريط، مثل إدارة الممثّل، إلا أنّه ليس أفضل أعمال بوزيد. السيناريو ليس بالإحكام الكافي. يضيع البوصلة في النصف الثاني، واقعاً في مونوتون إيقاعي.

انتصار السينمائيين الجدد

صنّاع العمل الأوّل حصدوا أبرز الجوائز، ما يؤكّد تفوّق وعمق السينمات الجديدة، وحيويتها الحارّة. هند بو جمعة تقترح حكاية ممتعة ومؤثّرة في باكورة عناوينها الروائيّة الطويلة «نورا تحلم» (93 د. – التانيت الذهبي، أفضل ممثّلة لهند صبري، جائزة الاتحاد العام التونسي للشغل لمساعدة الإخراج الأولى سوسن الجمني). عاملة وأمّ تكدّ لتأمين لقمة العيش، وتربية أطفالها، وإنجاح علاقتها بحبيب، فيما يقبع زوجها المجرم في السجن. تتأزّم الأمور عندما يخرج الزوج بعفو رئاسي، مقوّضاً عالمها. بوجمعة تلعب على نقطتين أساسيتين في البناء، لقول الكثير عن تونس اليوم «الآن وهنا»، في تداخل غير معلن بين الخاص والعام، بين الشخصي والجمعي. القانون التونسي يمكن أن يسجن المرأة خمس سنوات في حال اتّهامها بالزنا من قبل الزوج، والخوف المتأصّل داخل المرأة من عنف الرجل. هند صبري خلّابة في حمل الدور على كتفيها، باذلةً كلّ ما يتطلّبه من تلوّن وصراع داخليّ. لا تشبه شيئاً ممّا شاهدناه لها سابقاً. تقنع في دور المرأة الشعبيّة الآتية من القاع التونسيّ بخصوصيته وأدواته. «بيك نعيش» (96 د. – تنويه خاص) لمهدي البرصاوي شريط تونسيّ آخر، يتّخذ من العائلة مدخلاً للحديث عن الفساد، وتجارة الأعضاء، وصولاً إلى بنية الأسرة نفسها. قوّة الفيلم أنّه يقول بوضوح: الفساد لا يعالج بشعارات زائفة. الميلودراما معقودة على أداء ساحر لسامي بوعجيلة.

كما قلنا، السودان بطل السينما العربيّة هذا العام. «ستموت في العشرين» (105 د. – جائزة العمل الأوّل، أفضل سيناريو، جائزة الـ «فيبريسي») لأمجد أبو العلاء يصل من فينيسيا بـ «أسد المستقبل»، ليثبت أنّه مستحق لها عن جدارة. الشريط المأخوذ عن رواية «النّوم عند قدمي الجبل» لحمّور زيادة، يعدّ سابع روائي طويل في تاريخ بلده، والأوّل منذ عشرين عاماً. إنجاز حميميّ، عذب، محبّ للسينما والحياة والجمال، رغم افتتاحه بنبوءة موت الطفل «مزمّل» عندما يبلغ سنّ العشرين. لا يحتمل الأب، فيغادر. أمّه «سكينة» تتولّى تربيته بنفسها. بلغة رفيعة في هذا الريف السوداني الوديع، واستقاء سينمائي مدروس وموفّق، يحقّق أبو العلاء عملاً أصيلاً رغم مرجعياته، يجمع بين الأصالة والتجديد. ضمن مناخ دينيّ صوفيّ، ونشأة محافظة، يكبر «مزمّل» كورقة ناصعة من دون خطيئة أو تجارب من أيّ نوع. متأخّراً، يتعرّف إلى السينما والمرأة وبعض ما في الحياة من جمال. «ستموت في العشرين» توليفة عاشقة للحياة من قلب الموت، منتصرة للفنّ، مناوئة للخرافات من دون القسوة على معتنقيها. سينماتوغرافيا نفيسة من الضوء والظلال والوجوه الشاخصة نحو المجهول.

صهيب قسم الباري مبدع سوداني آخر، يتسلّح بالسينما في مواجهة القمع والظلام والشيخوخة، في الوثائقي المحكم «الحديث عن الأشجار» (93 د. – التانيت الذهبي للأفلام الوثائقيّة الطويلة). أربعة مخرجين من «جمعية الفيلم السوداني» يسعون لإحياء نادي السينما، وإعادة صالة مهملة إلى الحياة. هذه وسيلتهم في مقاومة منظومة وأدت السينما، والشعور بالوجود والحياة، واستعادة ما تحقق في الماضي. انتشال أحلام وتطلّعات واعدة من ركام العمر. عرض وثائق نادرة، ونبش أخرى. هم جذّابون بطبيعتهم، طريفون بالفطرة، يرسمون قصّة مشوّقة، ضمن إطار وثائقي، يحققه قسم الباري بصبر وإتقان.

من سوريا، كان العرض العالميّ الأوّل لجديد جود سعيد «نجمة الصبح» (97 د. – جائزة الجمهور). لكن هل تتناسب الجرعة المفرطة من الكوميديا، مع حكاية خطف نساء، وصراع شقيقين وسط الحرب السوريّة؟ رغم جودة الصورة، إلا أنّ الحامل يبقى شفهياً في الغالب. مفاصل دراميّة تسرد كلامياً على ألسنة الشخوص، التي لا نعلم وظيفة بعضها في الفيلم، أو لماذا تتصرّف بهذا الشكل الكاريكاتوري حتى بعد فقد ابن أو اثنين.

من العراق، شاهدنا الشريط المرتقب «شارع حيفا» (79 د.) لمهنّد حيّال. من دون مقدّمات، يلقي بنا حيّال في جحيم بلده عام 2006. «بلد الحضارات» قابع تحت احتلال أميركي مهين، وسيطرة جهاديّين، واقتتال طائفيّ مقيت. لا يتردّد حيّال في نكء جروح قديمة، ونبش فترة مظلمة لأحد أشهر مناطق الاشتباك الطائفي في بغداد. بشراكة فنيّة وإنتاجيّة مع شباب مثل المونتير علي رحيم، وهلا السلمان في الكتابة، يقترح مهنّد حيّال رؤية مغايرة للجيل الجديد تجاه أزمات العراق المتتالية. رؤية تتميّز بمكاشفة حادّة، وصراحة قاسية، من دون التورّط في الأحكام والشعارات، رغم أنّ المادّة قابلة لذلك. سينما مرسومة بحدّ السكّين، لتقشير طبقات العنف والعسف والرهاب والكابوس، ولاستحضار ذاكرة بلا تجميل، بغية الخلاص منها إلى الأبد. هذا لا يعني عدم تسجيل موقف ذاتيّ، منتصر للمهمّشين والمستضعفين ممّن يدفعون الثمن دائماً. أهم ما ينجح الفيلم في تحقيقه هو حسّ المعايشة الذي ينقله للمشاهد. يساعد على ذلك خيار شجاع وذكيّ بالبقاء ضمن الزمن الحقيقي لأحداثه (الزمن الفيلمي يوازي الحقيقيّ)، إضافةً إلى استخدام الكاميرا المحمولة لنقل جوّ التوتّر والاضطراب. الحوار يتكئ على لغة الشارع اليوميّة. كلمات جارحة. شتائم. أوصاف «فجّة». كل ذلك يرفع درجة المعايشة، ويزيدها حضوراً. يمتزج اللهاث والعرق والذباب الماشي على الجلد، بلحظات تأمّل مؤثّرة، وكثير من الصمت، ما يحقق هدف الشريط بالاشتغال الثريّ على الجانب النفسي لأبطاله.

من إنتاج نبيل عيّوش، نجحت المغربيّة مريم التوزاني في صنع شريط ذكيّ وحسّاس بعنوان «آدم» (98 د. – أفضل صورة، أفضل توليف). امرأتان مثقلتان بالماضي والقهر، وطفلة جميلة الوجه والضحكة، يصنعن عالماً مأزوماً من الهواجس والقلق وتحسّس المستقبل. تطوّر العلاقة بينهما، يفتح باب الأسئلة أكثر ممّا يجيب عنها. يمنح أملاً بفرص ثانية، من دون يقين أو ضمانات. أداء رفيع المستوى لكلّ من لبنى أزابال ونسرين الراضي، وإيقاع ممسوك بمهارة لافتة.

«شارع حيفا» لمهنّد حيّال يلقي بنا حيّال في جحيم العراق عام 2006

أمين سيدي بومدين (1982) من شباب السينما الجزائريّة الجديدة، التي تتمرّد على السرد الكلاسيكيّ، ممّن مزجوا شتّى الأنواع الفيلميّة، للخروج بمنظور مغاير لواقع شائك. في باكورته الروائية الطويلة «أبو ليلى» (135 د. – أفضل ممثّل لإلياس سالم)، يعود بومدين إلى 1994، إذ ما زالت العشرية السوداء حقبة سينمائية مفضّلة في الجزائر. المدن مشتعلة. «لطفي» و«أس» صديقان منذ الطفولة. يعبران الصحراء من الشمال إلى الجنوب، بحثاً عن الإرهابي الخطير «أبو ليلى». «أس» مضطرب عقلياً بهلاوس متكرّرة. لطفي مهموم بإبعاد رفيقه عن عنف العاصمة. الإرهاب لم يبلغ هذه البقعة بعد. ولكن من قال إنّ الاحتكاك برمال مترامية لن يحفّز عنفاً كامناً داخل النفوس؟ بومدين دارس للسينما في باريس، كما أنّه ابن موسيقى الروك. يقول الكثير بمزيج بين فيلم الصداقة Buddy Movie، وفيلم الطريق، والإثارة النفسيّة، والرعب، وحتى فانتازيا مصّاصي الدماء. يخاتل بين الخير والشر، الظاهر والباطن، التلميح والصمت. لا يريد حصر شريطه بقراءة قاصرة على العشرية السوداء. العنف كان وما زال وسيبقى. إنّه متأصّل ومتجذّر. في النهاية، إنّه تطهير لشخصيتين متباينتين، ضمن مطاردة عبثيّة، كواقع البلاد التي تجري فيها.

الجوائز

المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة:

التانيت الذهبي: «نورا تحلم» لهند بوجمعة (تونس)

التانيت الفضي: «أتلنتيك» لماتي ديوب (السنغال)

التانيت البرونزي: «سيدة البحر» لشهد أمين (السعودية)

أفضل ممثّل: إلياس سالم عن «أبو ليلى» لأمين سيدي بومدين (الجزائر)

أفضل ممثّلة: هند صبري عن «نورا تحلم» لهند بوجمعة (تونس)

أفضل سيناريو: «ستموت في العشرين» لأمجد أبو العلاء (السودان)

أفضل موسيقى: فاطمة القاديري عن «أتلنتيك» (السنغال)

أفضل صورة: فرجيني سورداج عن «آدم» لمريم التوزاني (المغرب)

أفضل توليف: جولي ناس عن «آدم» (المغرب)

المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية الطويلة:

التانيت الذهبي: «الحديث عن الأشجار» لصهيب قسم الباري (السودان)

التانيت الفضي: «إلى سما» لوعد الخطيب وإدوارد واتس (سوريا)

التانيت البرونزي: «الغياب» لفاطمة الرياحي (تونس)

تنويه خاص: فيلم pas d› or pour Kalsaka لميشال زونكو (بوركينا فاسو)

المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية القصيرة:

التانيت الذهبي: «من طين» ليونس بن سليمان (تونس)

التانيت الفضي: فيلم «باسيفيك» لإنجي عبيد (لبنان)

التانيت البرونزي: «خمس نجوم» لمام يوري تيوبو (السنغال)

المسابقة الرسمية للأفلام الروائية القصيرة:

التانيت الذهبي: True Story أمين لخنش (تونس)

التانيت الفضي: Charter لصبري بوزيد (تونس)

التانيت البرونزي: Mthunzi لتيبوغي مالابوغو (جنوب أفريقيا)

جوائز العمل الأول:

التانيت الذهبي (جائزة الطاهر شريعة): «ستموت في العشرين» لأمجد أبو العلاء (السودان)

جائزة الجمهور: «نجمة الصبح» لجود سعيد (سوريا)

جائزة قناة تي في 5 موند: «أوفسايد الخرطوم» لمروى زين (السودان)

تنويه خاص: «بيك نعيش» لمهدي البرصاوي (تونس)

 

####

 

جمهور «قرطاج» يتوّج جود سعيد: سجلّ للمخطوفات السوريات

وسام كنعان

السفر من مطار بيروت بالنسبة إلى السوريين على وجه الخصوص، أشبه بقصاص غير عادل خلال فترة الحراك الاحتجاجي وقطع الطرقات، خاصة إذا كانت الوجهة محفلاً فنياً يجب الوصول إليه بمزاج عال. قبل انعقاد الدورة الجديدة من مهرجان «أيام قرطاج السينمائية»، كان المخرج السوري جود سعيد يحمل أسئلة متعبة: كيف سيصل إلى مطار بيروت في هذه الظروف العصيبة؟ وكيف سيكون المهرجان بدون منظّمه الراحل نجيب عيّاد مدير المهرجان الذي توفي قبيل أشهر وتحمل هذه الدورة اسمه تكريماً له؟ هكذا، وضّب مخرج «مطر حمص» حقائبه برفقة بالسينمائي المخضرم محمد ملص، والنجمين محمد الأحمد وحسين عبّاس متوجهاً إلى بيروت. سبع ساعات السفر من دمشق إلى العاصمة اللبنانية، صوّرها بكاميرا هاتفه في بث مباشر على الفايسبوك. رأينا الطرق الترابية الوعرة التي تسلكها السيارة لتصل إلى مطار رفيق الحريري. على أي حال، انقضت الرحلة على خير، ووصل الضيوف السوريون منهكين إلى قرطاج، لكن ما إن حانت ساعة العرض العالمي الأوّل لشريط «نجمة الصبح» (إخراج جود سعيد وكتابته مع سماح قتّال) حتى أحال المشهد كل التعب إلى فرح.... 1800 متفرّج من الجمهور التونسي وضيوف المهرجان تزاحموا على أبواب الصالة لمتابعة الشريط الذي لعب بطولته كل من محمد الأحمد وحسين عبّاس ولجين اسماعيل ونسرين فندي وآخرون... الفيلم يفتتح سجل المخطوفات السوريات، ويجرّب بواقعية نقل معاناتهن وفق افتراض سينمائي، بقصد تحويل حكاياتهن مرآة للحرب السورية والخراب الذي حل بالإنسان قبل أي شيء. لعلّها قصة أمل من دونه تصبح الحياة ضرباً من الموت! وباعتبار أنه ربما يكون للجان التحكيم حسابات في منح الجوائز بمنطق عادل، بمعنى أنها لا تمنح المخرج ذاته جوائز في دورتين متتاليتين من المهرجان نفسه (حصل فيلم سعيد «مسافرو الحرب» العام الماضي على جائزة جمعية النقاد الدوليين في مهرجان قرطاج، إضافة إلى جائزة الجمهور، جائزة أفضل صورة، والتانيت البرونزي للأفلام الروائية الطويلة)، أنصف الجمهور الضيف السوري ليفوز «نجمة الصبح» بالتانيت الذهبي لجائزة الجمهور بعد تصويت 1200 متفرج لصالحه.

 

الأخبار اللبنانية في

04.11.2019

 
 
 
 

الجوائز للسودان وتونس والسعودية.. والسينما المصرية «فى الطراوة»!

طارق الشناوي

كما كان متوقعًا خرجنًا من مهرجان (قرطاج) فى دورته، والتى تحمل رقم (30) صفر اليدين، ويا مولاى كما خلقتنى، رحنا بالسلامة ورجعنا بالسلامة، وبلا أى (تانيت) ولو برونزى ولا حتى شهادة مشاركة شرفية، بينما المهرجان الأعرق عربيا وإفريقيا منح جوائزة للسينما التونسية والسعودية، وكان نصيب السودان هو الأكبر بالأرقام، والأفلام السودانية الثلاثة التى تحصد الجوائز أينما حلت هى التسجيلى الطويل (حديث الأشجار) لصهيب قاسم البرى، والروائى الطويل (ستموت فى العشرين) لأمجد أبوالعلاء والتسجيلى الطويل (أوفسايد خرطوم) لمروى زين، مخرجون ثلاثة يعلنون للدنيا أن السودان قرر أن ينهض رغم كل المعاناة، وسيظل القادم أفضل، يمتلكون إرادة تمنحهم قدرة أن يصل إبداعهم للعالم، السينما السودانية تشارك فى المهرجانات العربية وهى محملة بالجوائز من مهرجانات كُبرى مثل (برلين) و(فينسيا) وهكذا اقتنصت الجوائز الذهبية عربيا فى (الجونة) ثم (قرطاج) وطبقا للقواعد المنظمة لمهرجان القاهرة والتى تمنع مشاركة الأفلام الثلاثة رسميا بالمهرجان، لأنها سبق لها التواجد فى هذه المهرجانات، ولهذا قرر محمد حفظى رئيس مهرجان القاهرة، أن يحتفى بها بعيدا عن المشاركة الرسمية، وذلك بإقامة يوم خاص للسينما السودانية، التى شهد لها هذا العام بأنها تحمل للعالم اسم السينما العربية، ويجرى الإعداد ليوم به كل المفردات التى تحمل ملامح البلد الشقيق بكل ومضاته، بالطبع السينما تتصدر المشهد وخصوصية العلاقات المصرية السودانية، ستصبح دافعا لكى نرى يوما رائعا.

(المملكة العربية السعودية) حققت لا شك فى السنوات الأخيرة، قفزة بتواجدها فى العديد من المهرجانات، واقتنصت أيضا الجوائز، فيلم (سيدة البحر) لشهد أمين حصل على جائزة التانيت البرونزى فى مسابقة الفيلم الروائى، وكان قد سبق له الحصول على جائزة (فيرونا) للفيلم الأكثر إبداعا فى مهرجان (فينسيا) ضمن (أسبوع النقاد) السينما التى تقفز بعيدا عن الصندوق هى التى تستوقف لجان التحكيم والأمر يتعلق بقدرة المخرج على أن يقتنص ما هو أبعد من خياله، السينما التونسية توجت بالتانيت الذهبى (نورا تحلم) لهند بوجمعة، كما أن بطلة الفيلم هند صبرى حصدت للمرة الثانية جائزة أفضل ممثلة، بعد أن حظيت بها فى (الجونة).

مصر لا حس ولا خبر، توقعت ذلك فى كل المقالات السابقة، كان لدينا أمل فقط فى مسابقة الروائى القصير بفيلم (حبيب) إخراج شادى فؤاد، بطولة سيد رجب وسلوى محمد على، يشى الشريط السينمائى بمخرج شاب لديه إحساس، وقدم فعلا فيلما له منطقه الدرامى والتعبيرى، كما أن سيد رجب قدم دورة بحالة مزاجية عالية، لم أتمكن لضيق الوقت من مشاهدة الأفلام القصيرة الأخرى التى حظيت بالجوائز فى هذه المسابقة، حتى أدرك بالضبط أين يقف منها الفيلم المصرى، وفى كل الأحوال فإن الأزمة التى تعيشها السينما المصرية لا يمكن تجاهلها.

ومع الأسف مهما قلنا وقال غيرنا لن يتحرك أحد، لا تزال النظرة القاصرة للسينما هى التى تحكم المنظومة، فى تونس مثلا قرر وزير الثقافة محمد زين العابدين مضاعفة قيمة الدعم المادى الذى توجهه الدولة للسينما، وهو فى الأغلب دعم لا يرد، يسهم فى تنفيذ عدد من المشروعات السينمائية التى لا تجد حماسا كافيا من شركات الإنتاج الخاصة، الدولة أيقنت أهمية أن تدفع للمهرجانات بأفلام تحمل اسم تونس.

نعلم أن ميزانية وزارة الثقافة المصرية تلتهمها بنود أجور العاملين ولا يتبقى شىء يوجه للثقافة إلا بقايا البقايا، ولهذا لا يمكن أن نطلب من د. إيناس عبدالدايم توجيه دعم مادى، كما أن لنا تجربة مع رئيس الوزراء السابق، عندما أعلنت كل الجرائد على لسانه قبل ثلاث سنوات أنه رصد مبلغ 50 مليون جنيه لدعم السينما، ولم يتم وقتها تكذيب الخبر، عشنا حلما جميلا ثم استيقظنا جميعا لنكتشف الكابوس.

ملحوظة قبل الاستيقاظ، تم تشكيل لجنة فى وزارة الثقافة، لبحث كيفية رصد المنحة المالية وقيمتها وهل تسترد أم لا، وما هى المعايير؟ وشارك فى وضع كل هذه المحددات عدد من القامات السينمائية، واتضح بعدها أنه لا يوجد أى ورق رسمى لدى وزارة المالية يفيد بأن رئاسة الوزراء رصدت حقا هذا المبلغ.

السينما قضية أمن قومى، أحد أهم أسلحة الدفاع عن الوطن، بينما كل ما يجرى فى البنية التحتية السينمائية يؤكد أن ما وصلنا إليه من ترد ينذر بمزيد من التردى، القيادة السياسية هى التى يجب أن توجه الدفة نحو إنقاذ الصناعة، وإعادة الروح لعدد من المبدعين المصريين، الذين أصبحوا طبقا للظرف القاسى جدا الذى تعيشه الصناعة السينمائية حاليا خارج نطاق الخدمة، لدينا مواهب ماتت كمدا لأنها لم تعد قادرة على الصمت أكثر من ذلك، مثل المخرج أسامة فوزى الذى قدم لنا أربعة أفلام روائية من بين الأفضل سينمائيا، وهى (عفاريت الأسفلت) و(جنة الشياطين) و(بحب السيما) و(بالألوان الطبيعية) وظل أكثر من عشر سنوات يحلم بفيلمه الخامس، ولا يجد من يتحمس ويشاركة الحلم، فى مثل هذا الأيام من العام الماضى قرأنا خبر رحيله، جمعتنا قبل أيام قليلة من وداعه جلسات حيث تشاركنا فى لجنة تحكيم وعشت معاناته، عندما اكتشف أن كل الأبواب مغلقة، وظل يحلم بالمستحيل، حتى وجد أن الحل فقط فى السماء، أعرف العديد من السينمائيين تقتلهم الآن أحلامهم المستحيلة، هل ينتظرون تحقيقها فى السماء أم أن هناك أملا على الأرض!.

tarekelshinnawi@yahoo.com

 

المصري اليوم في

04.11.2019

 
 
 
 

أيام قرطاج السينمائية تختتم دورة استثنائية بلا مدير

فيلم "نورا تحلم" يفوز بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية، وفيلم "أتلانتيك" السنغالي يحصد التانيت الفضي.

دورة استثنائية هي الدورة الثلاثون من أيام قرطاج السينمائية، حيث قبل أسابيع قليلة من انطلاقها فارق السينمائي نجيب عياد مدير الأيام الحياة، لكن المهرجان لم يتوقف، بل خيّر المنظمون الاستمرار على خطى فقيد السينما، لتقديم مهرجان باسمه، كان استثنائيا خاصة من حيث الجمهور والفعاليات المتنوعة.

تونس – أُسدل الستار مساء السبت بتونس على فعاليات الدورة الثلاثين من أيام قرطاج السينمائية، بتتويج الفيلم التونسي “نورا تحلم” بالجائزة الكبرى للمهرجان.

وفاز الفيلم التونسي “نورا تحلم” للمخرجة هند بوجمعة بجائزة التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية، كما فازت بطلة الفيلم هند صبري بجائزة أفضل ممثلة.

الجوائز الرسمية

فيلم “نورا تحلم” هو العمل الروائي الأول لمخرجته، ويتناول قصة امرأة من طبقة شعبية متزوجة ولديها ثلاثة أبناء لكن سلوك زوجها الإجرامي ودخوله السجن يجعلها تتطلع إلى تغيير هذه الحياة والبحث عن مستقبل أفضل.

وقالت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة “جائزة التانيت الذهبي تُمنح إلى شريط (فيلم) أتقن التحكم في السيناريو والإخراج”.

وحصل فيلم “أتلانتيك” للمخرجة السنغالية ماتي ديوب على التانيت الفضي في نفس الفئة، فيما فاز فيلم “سيدة البحر” للمخرجة السعودية شهد أمين بجائزة التانيت البرونزي.

وحصل الفيلم السوداني “ستموت في العشرين” على جائزة أفضل سيناريو، كما حصل الفيلم المغربي “آدم” على جائزة أفضل تصوير.

فيلم "نورا تحلم" يتناول قصة امرأة من طبقة شعبية متزوجة ولديها ثلاثة أبناء يجبرها سلوك زوجها على التغيير

وحملت دورة هذا العام من المهرجان اسم المنتج والناقد الراحل نجيب عياد الذي تولى إدارة الحدث السينمائي الأبرز في تونس خلال الدورتين السابقتين.

وفي مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة حصل الفيلم السوداني “الحديث عن الأشجار” للمخرج صهيب قاسم على جائزة التانيت الذهبي، وحصل الفيلم السوري “من أجل سما” للمخرجين وعد الخطيب وإدوارد واتس على جائزة التانيت الفضي، وحصل الفيلم التونسي “الغياب” للمخرجة فاطمة الرياحي على جائزة التانيت البرونزي.

أما في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة فاز الفيلم التونسي “قصة حقيقية” للمخرج أمين لخنش بجائزة التانيت الذهبي، وفاز الفيلم التونسي “شارتر” للمخرج صبري بوزيد بجائزة التانيت الفضي، وذهب التانيت البرونزي لفيلم “متونزي” من جنوب أفريقيا. وفي مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة فاز بالتانيت الذهبي فيلم “من طين” للمخرج التونسي يونس بن سليمان، وفاز بالتانيت الفضي فيلم “باسيفيك” للمخرجة اللبنانية إنجي عبيد، وحصل على التانيت البرونزي الفيلم السنغالي “خمس نجوم” للمخرج مام يوري تيوبو.

وخلال حفل الختام الذي أقيم على مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة انتزع الفيلم الروائي “نجمة الصبح” للمخرج السوري جود سعيد جائزة الجمهور التي يقدمها المهرجان بناء على استطلاع يجري طوال أيام الدورة.

فعاليات موازية

قبل إعلان النتائج الرسمية للمهرجان، انتظم حفل لتسليم الجوائز الموازية التي تقدم على هامش المهرجان. حيث نال جائزة الفيدرالية الدولية للصحافة السينماتوغرافية فيلم “ستموت في العشرين” لأمجد أبوالعلاء من السودان، فيما ذهبت جائزة الجامعة الأفريقية للنقد السينمائي إلى فيلم “آدم” لمريم توزاني من المغرب، أما جائزة الاتحاد العام التونسي للشغل فمنحت لمساعدة الإخراج الأولى لفيلم “نورا تحلم” سوسن الجمني من تونس. وكانت جائزة سينفيليا من نصيب فيلم “شابة” للمغربية ياسمين بن عبدالله.

 أما جوائز قرطاج للسينما الواعدة، فآلت جائزة “هكا للتوزيع” إلى فيلم “السفر الأخير” للطيفة أحرار من المغرب، ونال فيلم “TF2011” لنور الحياة بن عبدالله من تونس تنويها خاصا.

قدم المهرجان هذا العام إضافة إلى الأفلام في المسابقة الرسمية عددا من الأفلام في قسم “اختيار رسمي خارج المسابقة”، حيث برمج عروضا لعدد من الأفلام العربية والأفريقية. نذكر من بينها الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج التونسي مجدي لخضر “قبل ما يفوت الفوت”.

وفي هذا الإطار أيضا قدم الفيلم المصري “في أستوديو مصر” للمخرجة منى أسعد، وهو أول فيلم وثائقي لها، أنتج سنة 2019 بمصر، ويروي قصة عشق شباب مصر للسينما الذي دفعهم الى تحسين أستوديو مصر وبعد خمسة عشر عاما يروون قصتهم عبر هذا الفيلم.

الفيلم الروائي “نجمة الصبح” للمخرج السوري جود سعيد انتزع جائزة الجمهور التي يقدمها المهرجان بناء على استطلاع يجري طوال أيام الدورة

كما كان الجمهور على موعد مع الفيلم المغربي “تائهون” للمخرج سعيد خلاف، الذي أنتج سنة 2019 ويروي قصة “مراد” الذي ينتمي إلى طبقة راقية تهيمن، في اعتقاد بعض الناس، على الطبقة الشعبية. ويتعرض “مراد” إلى حادث سيارة يفقده فحولته فيجد نفسه في مواجهة وضعية قلبت حياته.

ويروي الفيلم المصري “لما بنتولد” للمخرج تامر عزت، أنتج سنة 2019 ثلاث قصص لثلاث شخصيات مختلفة تواجه تحديات خاصة بسبب القيود التي فرضت عليهم. وتتشابك القصص من خلال الأغاني الكاشفة للصراعات الداخلية للشخصيات.

كما نظم المهرجان عدة ورشات نذكر من بينها ورشة دروس في السينما التي انتظمت في قاعة المبدعين الشبان بمدينة الثقافة.

وأدار اللقاء السينمائي جان ميشيل فرودون مع محبي السينما والفاعلين في القطاع السينمائي، الأكاديمي والمستشار الفني لأيام قرطاج السينمائية طارق بن شعبان.

وناقش المشاركون في هذه الورشة الرهانات الجديدة الناشئة حول الفن السابع، مكانته ووظائفه في واقع يتسم بأمرين أساسيين: العولمة والرقمنة.

 

العرب اللندنية في

04.11.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004