كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

لجان تحكيم «الجونة» انحازت للسينما العربية على حساب السينما العالمية !

بقلم: مجدي الطيب

الجونة السينمائي

الدورة الثالثة

   
 
 
 
 
 
 

·        لائحة مسابقة الأفلام الروائية الطويلة أعطت لجنة التحكيم الحق في منح ست جوائز فما كان منها سوى أن منحت أربع جوائز للأفلام والنجوم العرب !

·        جائزة "سينما من أجل الإنسانية" التي يمنحها جمهور المهرجان أرضت غرور مُحبي "البؤساء"

بعد تسعة أيام حافلة بالحيوية، النشاط، والزخم، انقلبت فيها أحوال مدينة «الجونة»، الهادئة، القابعة على ساحل البحر الأحمر، رأساً على عقب، اختتمت الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السینمائي ( 19 - 27 سبتمبر 2019) أعمالها، بمنح «جائزة الإنجاز الإبداعي»، للنجم المصري محمد هنيدي، والنجم الأميركي الشهير ستيفن سيجال، الذي جاء ظهوره في حفل الختام، مفاجأة بكل المقاييس؛ حيث لم يُعلن، من قبل، عن حضوره !

استدعى الظهور المفاجيء للنجم العالمي ستيفن سيجال، الكثير من الذكريات الجميلة لأبناء جيلي، ممن أسعدهم، يوماً، النجم الذي ذاع صيته، في سنوات الثمانينيات ونهاية التسعينيات، وكان الأبرز بين نجوم أفلام الحركة، في السينما الأميركية؛ مثل : سيلفستر ستالون، شاك نوريس، أرنولد شوارزينجر، دولف لاندجرين، جان كلود فان دام و بروس ويليس، بعد ما دخل عالم السينما من خلال فن "الإيكيدو"، أحد الفنون القتالية اليابانية، وبزغ نجمه عام 1992، عقب قيامه ببطولة فيلم UNDER SIEGE، الذى بلغت إيراداته حوالي 156 مليون دولار، لكن وصوله المتأخر حال دون ترتيب مؤتمر صحفي له، وترتيب لقاء بينه والصحفيين، وهو الخطأ الفادح، الذي تتحمل مسئوليته إدارة المهرجان !

الانحياز للسينما العربية !

باستثناء هذه المفاجأة السارة، التي لم تكتمل بالشكل المطلوب، شهد حفل الختام، إعلان نتائج وتوزيع جوائز الدورة الثالثة، التي توصلت إليها لجان تحكيم المسابقات الرئيسة الثلاثة، وبلغت قيمتها المادية قرابة 224 ألف دولار أمريكي، وجاءت قريبة للغاية من التكهنات المُسبقة، ما يعني أن لجان التحكيم التزمت النزاهة، والموضوعية، ونأت بنفسها عن المجاملة؛ وإن بدت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، التي ترأسها المخرج المصري خيري بشارة، وضمت في عضويتها : المنتجة والمخرجة مي مصري (فلسطين)، مدير مهرجان سيدني ناشين مودلي (جنوب أفريقيا)، مهندس الصوت رسول بوكاتي (الهند) والناقد ستاس تيركين (روسيا)، أكثر انحيازاً للسينما العربية، بشكل أثار الدهشة؛ فمن بين ست جوائز حددتها لائحة المسابقة، منحت اللجنة أربع جوائز للأفلام والنجوم العرب؛ فإذا كان المنطق يُحتم أن تذهب جائزة نجمة الجونة لأفضل فيلم عربي (نجمة الجونة وشهادة و20000 دولار أمريكي) لفيلم عربي هو الجزائري "بابيشا"، إخراج مونية مدور، فمن غير الطبيعي أن تحصد الأفلام العربية وحدها بقية الجوائز؛ حيث حصد الفيلم السوداني "ستموت في العشرين"، إخراج أمجد أبو العلا، جائزة نجمة الجونة الذهبية (نجمة الجونة وشهادة و50000 دولار أمريكي)، وانتزع الفيلم المغربي "آدم"، إخراج مريم توزاني، جائزة نجمة الجونة البرونزية (نجمة الجونة وشهادة و15000 دولار أمريكي)، وحتى جائزة نجمة الجونة لأفضل ممثلة (نجمة الجونة وشهادة) منحتها لجنة التحكيم للممثلة العربية هند صبري عن دورها في فيلم "حلم نورا"، واكتفت، وكأنه مهرجان للسينما العربية، بمنح جائزتين فقط للسينما العالمية؛ أولهما جائزة نجمة الجونة الفضية (نجمة الجونة وشهادة و25000 دولار أمريكي) للفيلم البولندي"عيد القربان" للمخرج يان كوماسا، وجائزة نجمة الجونة لأفضل ممثل (نجمة الجونة وشهادة) لبطل الفيلم نفسه بارتوش بيلينا!

المفارقة أن النهج الذي اتبعته لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، من إنحياز سافر للسينما العربية في مسابقة يُفترض أنها عالمية، لم يكن بعيداً عن ذلك الذي لجأت إليه لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، برئاسة المخرج والكاتب والمنتج السنغالي موسى توريه، وعضوية : المخرجة والمنتجة آن أجيون (الولايات المتحدة الأمريكية)، المخرج والمنتج وكاتب السيناريو طلال ديركي (سوريا)، مصممة الأزياء ناهد نصر الله ( مصر) والمستشارة والمبرمجة لودميلا سفيكوفا (هولندا)، الموضوعية، والحيادية، التي أعطتها لائحة المسابقة الحق في منح أربع جوائز فما كان منها سوى أن خصصت ثلاث منها لثلاثة أفلام عربية؛ فإذا كان من المتوقع أن تذهب جائزة نجمة الجونة لأفضل فيلم عربي (نجمة الجونة وشهادة و10000 دولار أمريكي) للفيلم اللبناني الفلسطيني "إبراهيم، إلى أجل غير مسمى"، إخراج لينا العبد، فلم يكن متوقعاً أن تحصد السينما العربية بقية الجوائز؛ مثلما فعل الفيلم السوداني "حديث عن الأشجار"، إخراج صهيب قسم الباري، الذي استحق جائزة نجمة الجونة الذهبية (نجمة الجونة وشهادة و30000 دولار أمريكي) وذهبت جائزة نجمة الجونة الفضية (نجمة الجونة وشهادة و15000 دولار أمريكي) للفيلم الجزائري "143 طريق الصحراء"، إخراج حسن فرحاني، بينما ذهبت الجائزة الوحيدة غير العربية للفيلم الأفغانستاني "كابل، مدينة في الريح"، إخراج أبوزار أميني، الذي انتزع جائزة نجمة الجونة البرونزية للفيلم الوثائقي الطويل (نجمة الجونة وشهادة و7500 دولار أمريكي) .

على صعيد مسابقة الأفلام القصيرة ، كانت لجنة التحكيم، التي ترأسها المخرج المصري مروان حامد، وضمت في عضويتها : الكاتب والمنتج والمخرج محمد الدراجي (العراق)، مدير مهرجان تامبيري يوكا بيكا لاكستو (فنلندا)، الممثلة درة زروق (تونس)، المخرجة والمصورة خوانيتا أونزاجا (كولومبيا)، أكثر موضوعية، وبانورامية في نظرتها؛ حيث منحت نصف جوائزها لفيلمين عالميين؛ أولهما الهولندي "امتحان"، للمخرجة سونيا ك. حداد، الذي استحق جائزة نجمة الجونة الذهبية (نجمة الجونة وشهادة و15000 أمريكي)، والثاني برازيلي إسباني بعنوان "لحم" للمخرجة كاميلا كاتر، وحصد جائزة نجمة الجونة البرونزية (نجمة الجونة وشهادة و4000 دولار أمريكي)، كما نوهت إلى الفيلم الإسباني "السادس عشر من ديسمبر"، إخراج ألفارو جاجو دياز، ولم تكن قراراتها بعيدة عن الإجماع السائد؛ عندما منحت جائزة نجمة الجونة الفضية (نجمة الجونة وشهادة و7500 دولار أمريكي) للفيلم اللبناني "أمي" للمخرج وسيم جعجع، وتعاطفت مع قضية الفيلم الأردني "سلام"، للمخرجة زين دريعي، فمنحته جائزة نجمة الجونة لأفضل فيلم عربي قصير (نجمة الجونة وشهادة و5000 دولار أمريكي) .لكن اللافت، والمثير للدهشة، أن اللجنة تجاهلت عدداً من الأفلام العالمية المتميزة؛ ربما لمحدودية الجوائز التي تمنحها؛ فما كان منها سوى أن ظلمتها، كما فعلت مع الفيلم الروسي "خدمة التوصيل"، إخراج فلاديمير كوبتسيف وإيلينا كوبتسيف والفيلم الإيطالي "الرجل الذي لم يرغب في مغادرة منزله"، لإخراج سافينو جينوفيزي !

الإنسانية لها مكان في الجونة

في الوقت الذي أرضت فيه جائزة "سينما من أجل الإنسانية" (نجمة الجونة وشهادة و20000 دولار أمريكي)، التي يمنحها جمهور المهرجان لفيلم يُعنى بالقضايا الإنسانية، غرور من أحب، وأعجب، بالفيلم الفرنسي "البؤساء"، إخراج المالي لادج لي، انفردت لجنة تحكيم «الفيبريسي»، في خطوة خارج سياق التكهنات والتوقعات، بمنح جائزتها للفيلم اللبناني "1982"، إخراج وليد مونس، الذي لم يأت على ذكره أحد، على الإطلاق، بعكس جائزة لجنة تحكيم شبكة تعزيز السينما الآسيوية "نيتباك"، التي منحت جائزتها للفيلم الأفغاني "كابل، مدينة في الريح"، بوصفه أفضل فيلم آسيوي، فاتفقت في رأيها هذا مع لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة .

انتهت أعمال الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي، الذي صار بمثابة منصة سينمائية مهمة لدعم ورعاية شباب السينمائيين العرب، ومشاريعهم السينمائية؛ كما حدث في منصة الجونة، التي انعقدت على هامش المهرجان، ومنحت جوائزها المالية والعينية، التي قُدرت ب 210 ألف دولار، للمشاريع في مرحلة التطوير، والأفلام في مرحلة ما بعد الإنتاج، والتعجيل بخروجها جميعاً للنور؛ حيث يحصل المشروع الفائز على «شهادة منصة الجونة السينمائي»، بالإضافة إلى جائزة مالية تتراوح بين 5 و 50 ألف دولار ، وهو الدور الذي يتحمل المهرجان عبئه، ليُصبح جزءاً من الصناعة، ويقوم بدور أكبر الظن أن الدولة نفسها عجزت عن القيام به !

 

جريدة القاهرة في

01.10.2019

 
 
 
 
 

ياما في الجونة مظاليم !

محمد عبدالرحمن

هل الجونة مهرجان فساتين وحسب؟ الإجابة بالطبع لا، الجونة منذ دورته الأولى يشهد عروضا لأفلام مهمة عربية وغير عربية، كثير منها يعرض للمرة الأولى في العالم العربي، لماذا إذن تنتشر فقط أخبار الفساتين؟ لأسباب عدة، أولها أن طبيعة المهرجان تسمح بحضور عدد كبير من النجمات بشكل يومي للمشاركة في فعاليات السجادة الحمراء لأفلام المسابقة الرسمية، وكل نجمة تحرص على ارتداء فستان جديد في كل ظهور وذلك بالاتفاق طبعا مع مصممي الأزياء وبيوت الموضة وغالبا ما تكون الفساتين ممنوحة كهدية من تلك الجهات.

طبيعة المهرجان اللوجيستية وإمكاناته المالية تسمح بوجود هذا العدد من النجوم يوميا، حتى لو امتلك مهرجان القاهرة تلك الإمكانات فإن مقر إقامته في دار الأوبرا لا تمنح النجوم حرية التواجد دون مضايقات بشكل يومي، ولا ننسى أن هناك من بين النجوم من هم مقيمين أصلا بالجونة، الصحافة والسوشيال ميديا سبب آخر لتصدير تلك الصورة، فالاهتمام بالفساتين بات منطقيا لأجل الترافيك والناس على التايم لاين يتربصون بكل نجمة ما بين مشيد بذوقها العالي أو منتقد لأنها ارتدت فستانا بدون حمالة صدر !، أما النقاد والمتخصصين فعادة ما يكتبون آرائهم في الأفلام بعد انتهاء الدورة، وهؤلاء يقرأ لهم المحبون للسينما وبالطبع لن يأخذوا هذه المقالات لهواة الفساتين ويقولون لهم أنتم مخطئون لقد كان في المهرجان أفلاما مهمة.

ما سبق، يؤكد الظلم الذي يتعرض له القائمون على اختيار الأفلام في الجونة ومنهم خبراء سينما عالميون، بجانب مديره انتشال التميمي ومديره الفني أمير رمسيس.

حضرت الدورة الأولى للجونة، ونصف الدورة الثالثة وأستطيع القول أن اختيارات الأفلام جيدة إلى حد كبير وإن كانت في هذه الدورة أقل مما سبق ربما لأسباب تتعلق بمستوى الإنتاج العالمي، للمهتمين بالفساتين يمكنكم إذن متابعة إنستجرام واعتبار الفنانين في رحلة ترفيهية، للمهتمين بالأفلام دعني أحدثك عن مجموعة من أفضل ما رأيت من أفلام، وهي على سبيل المثال لا الحصر، الفيلم السوداني "ستموت في العشرين" التجربة الأولى لمخرجه أمجد أبو العلاء والذي يؤكد أن السينما في السودان قادرة على النهوض والمنافسة، وهو مستوحى من قصة للأديب حمور زيادة، عن طفل يعيش حياة بائسة لأن أحد الأولياء "المزعومين" تنبأ بسبب "الفال" أنه سيموت عندما يبلغ العشرين، الفيلم اللبناني القصير "أمي" للمخرج وسيم جعجع يحكى عن طفل آخر، عمره 9 سنوات يفقد أمه ويناجي المسيح في الكنيسة كي يعيده إياه ولما ييأس يسرق تمثال العذراء كرهينة عنده، ومن خلال عيون الطفل ومستوى تفكيره يقدم الفيلم في أقل من 20 دقيقة كيف تتفاوت رؤيتنا للحياة حسب ما نحتاج، وأن براءة الأطفال ستظل مرحلة لا تعوض في حياة كل إنسان.

فيلم "الفارس والأميرة" ورغم عرضه خارج المسابقة لكنه حالة السعادة بوجوده كانت كبيرة وأضفى حضور بطله الممثل المخضرم عبد الرحمن أبو زهرة بهجة في جنبات المهرجان لم تصل لهواة الفساتين، فيلم متعثر منذ عشرين عاما، يحكي عن البطل محمد أبو القاسم فاتح بلاد السند ومناسب جدا للأطفال، وهو أول فيلم كارتون مصري طويل ويقف وراءه صاحب الحلم السينارست بشير الديك، والذي شارك في إخراج الفيلم مع إبراهيم موسى.

أختم بفيلم فرنسي هو "البوساء"، في البداية ظن كثيرون أنه اعادة تقديم لقصة فيكتور هوجو الشهيرة لكن المخرج لادج لي في أول أفلامه كان يتكلم عن بؤساء أخرين، عن المهاجرين الأفارقة وغيرهم في فرنسا وكيف تعاملهم الشرطة هناك كما كان يعالم الأغنياء الفقراء في رواية هوجو ويظل المشهد الأخير في هذا الفيلم من أفضل ما شاهدت على الشاشة الفضية منذ سنوات بعيدة.

تفاصيل هذه الأفلام وغيرها موجودة على الموقع الرسمي للمهرجان، يمكن الوصول له بسهولة عبر جوجل، حيث ملخصات الأفلام وصورا منها ومعلومات عنها، الموقع سلس للغاية ومصنوع باحترافية ولن تجدوا عليه صورة فستان واحد لمن أصابتهم هذه الفوبيا.

 

####

 

هند صبري في "نورا تحلم".. ضعف القوة وقوة الضعف

أحمد شوقي

عندما وقفت هند صبري لاستلام جائزة أحسن ممثلة في مهرجان الجونة السينمائي الثالث عن دورها في "نورا تحلم"، شكرت المخرجة التونسية هند بوجمعة لأنها "لم تخف على نورا من هند صبري"، مشيرة للرهبة النابعة من التصورات المسبقة، والتي تجعل غالبية مخرجي الأفلام المغايرة يحجمون عن عرض مشروعاتهم على النجوم خوفًا من رفضهم أو تأثيرهم السلبي على المشروع ونظام العمل.

حديث هند صبري مثير للشجون، فبعد أجيال كان نجوم بقيمة نور الشريف وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز هم أبطال رافدي السينما السائدة والمغايرة، صار الانعزال الكامل بين النوعين أحد الأسباب الرئيسية في الشعبية شبه المنعدمة لأي فيلم جاد له توجه فني لا يستهدف شباك التذاكر. ليأتي نجاح هند صبري في "نورا تحلم" الذي ذهب لتورنتو وسان سباستيان قبله تتويجه في الجونة، فيعيد الأمل في مصالحة بين صناع السينما الجادة ونجوم السينما السائدة.

لكن من هي نورا؟ وكيف فهمتها وتعاملت معها هند صبري حتي صار فوزها بجائزة التمثيل أمرًا متوقعًا قبل إعلان الجوائز؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال.

بلاغة التقديم أو الشعبية العاشقة

مع عناوين البداية نلمح ابتسامتها الواسعة.. عيناها الضاحكة تشي بسعادة واضحة.. ثم يتسع الكادر لنرى المزيد من التفاصيل: شعرها المصبوغ بصبغة رخيصة، العلكة التي تمضغها بطريقة سوقية، وملابسها التي تشير لعملها في مغسلة ما، والتي تفتحها لتُظهر مفرق صدرها في تناقض واضح مع زميلتها المجاورة، المحجبة التي تغلق ملابس العمل حتى الزر الأعلى.. المجموعة الثالثة من المعلومات تأتي من حديثها عن الحب بجوار زميلتها، وكوب القهوة الذي تسكبه برعونة على الغسيل النظيف ولا تهتم.

مجرد ثوان كانت كافية لنعرف الكثير عن نورا، عن مستواها الاجتماعي وعملها وطبيعتها الشخصية، وشعورها الحالي بالسعادة الذي لا تخجل منه أو تخفيه. هذه امرأة شعبية، قوية، تعيش حالة حب لا تهتم لما عداها، حالتها المادية غير مستقرة لكنها كما قلنا لا تهتم. صورة مثالية لبلاغة الاستهلال الذي تُقدم به المخرجة بطلتها العاشقة.

التتابع التالي يعرفنا أكثر عن علاقة الحب التي تعيشها نورا: تسير وراء حبيبها لا جواره، تُقبّله خلسة في مدخل بناية، ويصعدان لنعرف إنه عشيقها الذي يخوض معها اجراءات الطلاق من زوجها السجين، العشيق الذي تدافع عن وضعها معه بقوة وترفض وصاية الموظفة الحكومية التي تحاول أن تلفت نظرها لأن ما تفعله قد يكون خاطئًا.

دعك هنا من السمات الشكلية للشخصية، والتي أوضحنا كيف عبّرت دون صراخ عن الكثير من المعلومات الضرورية التي تقربنا منها، ولنتحدث عما قامت به هند صبري فيما لا يتجاوز الست دقائق من تجسيد يحقق هدفين أساسيين: الأول هو القدرة على ربط نورا بالواقع، تقديمها في "بروفايل" يمكن لكل مشاهد أن يجد فيه تماسًا مع امرأة قابلها في حياته، خادمة أو عاملة في صالون أو بائعة في محل. نمط ما ربما تندر مشاهدته على الشاشات لكنه متوافر بكثرة في الحياة الواقعية، بما يفتح باب التصديق والتماهي مبكرًا على مصراعيه.

الهدف الثاني هو التعبير اللحظي عن القوة، نورا هذه تعيش وضع القطة الشرسة المستعدة للهجوم من أجل الحفاظ على وليفها الذي تخالف الأخلاق السائدة وتُقدم على تحرك قانوني مُدان لدى الأغلبية كي تكون معه. لكن سرعان ما تأتي اللقطة التالية (والتي نرى فيها أبنائها للمرة الأولى) لتخبرنا ـ بشكل خافت مطروح للنقاش ـ أن تلك القوة لحظية، مشروطة بالوضع الراهن، بل تكاد تكون والضعف وجهين لعملة واحدة.

نورا في مهب الريح

وصفنا تعبير هند صبري/ نورا عن القوة باللحظي لأنه لا يدم طويلًا، فإذا كانت دراما الشخصية عموما هي قوس arch، تقطعه من نقطة إلى أخرى، فإن قوس نورا هو اكتشافها ـ واكتشافنا معها ـ إنها أكثر هشاشة مما كانت تتخيل، أن تصوراتها عن مستقبلها السعيد مجرد وهم، لاعتبارات اجتماعية وأسرية وشخصية، تجعل كل الأحلام قابلة للتقويض بمجرد صدفة قدرية، حتى إن لم تحدث خلال الأيام الأربعة السابقة لقرار المحكمة، فغيرها وغيرها سيحدث عاجلًا أم آجلًا.

لماذا؟ لأن النزق لا يكفي. صحيح إنها امرأة تبدو أقوى ممن حولها، لكنها قوة مستمدة من وضع لا يمكن استمراره. ثمة حائل مؤقت يجعل العالم يغض البصر عن ممارسة يستعد الجميع لإشهار نصالهم في وجه صاحبتها. نورا وإن كانت قادرة على الصياح في وجه موظفة حكومية حاولت لفت نظرها بهدوء، فالتجربة تثبت أنها عاجزة عن فعل الشيء نفسه في مواجهة ما هو أقوى: الزواج/ الأسرة/ المؤسسة. ليكتمل قوس الشخصية برحلتها من دفاعها عن حقها في الحب، إلى ضعفها البطرسي في إنكار الحبيب ثلاثًا.

قيمة أداء هند صبري تكمن في إمساكها من بداية الفيلم لنهايته بهذا التناقض الكامن تحت جلد نورا، ففي أقصى لحظات قوتها وجرأتها يشيّ شيء في وجهها بالضعف والشك، وفي أقسى لحظات انكسارها تكذب بقوة من تدافع عن وجودها وكيانها، وبين ضعف القوة وقوة الضعف تمثل حكاية نورا الخيالية، تعبيرًا عن مأزق واقعي للمرأة الراغبة في الحرية في عالم معاد بطبيعته لها، أو بكلمات أخرى: عن مأزق تلك المرأة في العالم العربي!

قمة التعبير عن تناقض القوة والضعف لدى نورا تأتي في لحظة انفجارها في وجه زوجها (لطفي العبدلي)، انفجار يُعبّر ـ وتُعبّر به هند ـ عن الأمرين معًا، تصرخ وتفرغ شحنة راكمتها عبر السنوات تجاه زوج لم تنل منه سوى الألم، لكنها ليس صرخة تحرر قدر كونها "تغريدة البجعة"، التي تنتهي بها علاقتها بالحب والحلم والحرية، لتبقى فقط الرغبة في البقاء بأمان. من جديد، قوة وضعف معًا، وكأنه قدرها وقدر كل نورا أخرى.

"نورا تحلم" فيلم جيد لا أكثر، لديه فصل أول ممتاز يليه فصلان متوسطان على صعيدي الإيقاع والقرارات الإخراجية، ونهاية غرائبية يظل سر استعانة المخرجة بها لغزًا تصعب إجابته، لكنه يمتلك عنصرًا مدهشًا هو فهم بطلته (ومخرجته بطبيعة الحال) لمأزق الشخصية الرئيسية ورحلتها الداخلية، والذي تجسد في أداء يصعب ألا تتوقف أمام جودته. أداء تبدو معه الإشارة للتفاوت الواضح بين مستوى أبطال العمل بلا قيمة، فربما لم يكن البطلان بهذه الاعتيادية، وإنما ظهورهما جوار ممثلة خارقة للعادة هو ما منحنا هذا الشعور.

 
 

موقع "في الفن" في

01.10.2019

 
 
 
 
 

محمد هنيدي: تكريم الكوميديا إنصاف لفن عظيم... وأنتظر فرصة أي دور مع يحيى الفخراني

نجلاء أبو النجا صحافية

·        بطل "أرض النفاق": اختلاف الألوان لا يفسد للكوميديا قضية... و"سينما القلش" دمها خفيف لكن لا تهمني

بعد عشرين عاما ونحو 20 فيلما سينمائيا وعدد من المسرحيات والمسلسلات، تم تكريم النجم الكوميدي الكبير، محمد هنيدي، بحصوله على درع الإنجاز الإبداعي من مهرجان الجونة السينمائي في دورته الأخيرة، "تقديرا وعرفانا لدوره في نهضة السينما الكوميدية وخلق ما يسمى الموجة الكوميدية الجديدة".

وعلى الرغم من حصول هنيدي على درع التكريم، فإن بعض الانتقادات طالته. "إندبندنت عربية" التقت محمد هنيدي وتحدّث عن تكريمه والانتقادات الموجهة له ومشواره الفني ومستقبل الجزء الثاني من مسلسل "أرض النفاق" والجزء الثاني من فيلم "صعيدي في الجامعة الأميركية".

تكريم منصف

وقال هنيدي في البداية حول تكريمه خلال مهرجان الجونة بجائزة الإنجاز الإبداعي والانتقادات التي طالت هذا التكريم "أعلم أن مشاركة الكوميديا في المهرجانات قليلة، وتكريمها أيضا نادر. لكن أشكر المسؤولين بمهرجان الجونة على تفكيرهم في تكريمي، خصوصا أني قدمت على مدار 23 عاما 20 فيلما، تناولت قضايا مختلفة وحلوة وأثّرت في الناس وغيّرت الكثير من وجهات النظر. الكوميديا فن راقٍ وعظيم وهادف، ومن المنصف أن يوضع في مكانه الصحيح من التكريمات، وأنا سعيد لأني كُرّمت في مهرجان الجونة بجائزة حصل عليها الأساتذة عادل إمام وداوود عبد السيد، وأريد أن أنوّه بأن حجم النقد لم يكن كبيرا، فقد كان بسيطا ولم يهزني، فلن يأخذوا مني الجائزة بسبب النقد مثلا. والدنيا كلها تمشي بالتأييد والانتقاد، وهذا شيء ظريف ولا يفسد للود قضية".

إسعاد الجمهور الغاية المرجوّة

وحول فيلمه الجديد "صعيدي في الجامعة الأميركية 2"، والذي قُدّم الجزء الأول منه عام 1998، وقيل إنه بصدد التحضير له مع أبطال الجزء الأول، منى زكي وغادة عادل وأحمد السقا وطارق لطفي، قال "الفكرة طرحت من الجمهور على (تويتر)، وأطلق المتابعون حملة تطالبنا بتقديم جزء ثانٍ من الفيلم، وفعلا  تحمسنا جدا، ولكن شعرنا بقلق شديد وبدأنا نفكر كيف يمكن أن يكون الجزء الثاني. وبالفعل جلسنا مع الدكتور مدحت العدل، مؤلف الجزء الأول، وبدأنا البحث عن تصور. والمؤلف طبعا من حقه أن يأخذ وقته الكامل حتى يخرج بفكرة قوية تناسب نجاح الجزء الأول ومتغيرات العصر بعد مرور 22 عاما. وبالنسبة إلى نجوم الجزء الأول فقد يظهرون في المشهد الأول، ثم تأخذ الدراما اتجاها آخر".

أعرب هنيدى عن سعادته الشديدة بتكريمه في مهرجان الجونة وقلل من اهمية الانتقادات (صفحة الفنان على إنستغرام)

ونفى هنيدي ما تردد عن قيامه ببطولة فيلم سينمائي جديد بعنوان "أب للإيجار"، وقال إنه يحضّر حاليا لفيلم "كينج سايز عقلة الإصبع"، وبعدها فيلم اجتماعي كوميدي.

وحول تشابه فكرة "عقلة الإصبع" في فيلم "كينج سايز" مع فكرة فيلم يعمل عليه حاليا الممثل كريم فهمي، علّق هنيدي "عرفت أن هناك تشابها في الفكرة من حيث شخصية (عقلة الإصبع)، ولم أقلق على الإطلاق لأن الفكرة متاحة للجميع، ومن المؤكد أن التناول سيكون مختلفا بين النسختين، ولو أتيح عمل 10 نسخ من الفيلم بتناول مختلف، فهذا من مصلحة الجمهور الذي (سينبسط) في كل الأحوال".

"أرض النفاق" مسألة وقت

قدّم هنيدي مسلسل "أرض النفاق" منذ عامين، وتردّد وجود جزء ثانٍ قريبا، يقول "بعد ردّ الفعل الجيد عقب عرض الجزء الأول من مسلسل (أرض النفاق) للمنتج جمال العدل والمخرج محمد العدل، فرحنا جدا وقررنا عمل جزء ثانٍ وتحمسنا، بل وبدأنا نكتب في الجزء الثاني، لكن حصلت متغيرات والناس انشغلت، ولكن سنقدم جزءا ثانيا لأننا أحببنا المسلسل والناس أحبوه، وكلنا تصميم على استكمال العمل في أقرب فرصة".

"هنيدي لايف" يجوب العالم

يخوض هنيدي تجربة الـ"استاند آب كوميدي" ويستعد للوقوف على أعرق المسارح العالمية في جولة فنية للكوميديا الحيّة،  حيث يجوب 20 دولة حول العالم على مدار عام كامل، في عرض بعنوان "هنيدي لايف"، ويعلّق على هذه التجربة "عندما عُرض عليّ الأمر، كنت متردداً للغاية، ولكن عندما تعرفت إلى تفاصيله أحببته، ولا أعرف لماذا، ربما لأنه نوع من الفنون مرتبط بخشبة المسرح التي أعشقها، وربما لأنه حالة حوارية مع الجمهور، وعموما هذا النوع من الفنون المحببة في العالم العربي وفي كل الدول، وهو ناجح بشدة، لذلك قررت دخول التجربة".

"3 أيام في الساحل" رغم الشتاء

"3 أيام في الساحل" تمثل عودة هنيدي للمسرح بعد 16 سنة من الغياب منذ آخر أعماله "طرائيعو"، فهل حققت نجاحا جيدا يليق بطول الغياب. يجيب "الحمد لله المسرحية نجحت جدا رغم أننا بدأنا عروضها في فصل الشتاء، وهذا موسم ضعيف نسبيا، بخلاف موسم الصيف. والحقيقة رأيت نجاحا كبيرا لا أنكر أنني رأيته قبل ذلك في أعمال مسرحية أخرى، ولكن كان النجاح بعد غياب مسرحي 16 عاما له طعم آخر ومختلف، وقد عرضنا المسرحية على مدار 3 أشهر، 22 ليلة ماتينيه وسواريه، وهذا  عاد بإيرادات ضخمة، كما أن النجاح الذي حدث في السعودية لا يُحكى".  

ينحاز هنيدي إلى السيناريو الكوميدي المحكم الذي يمس الناس أولا (صفحة الفنان على إنستغرام)  

وردّا على ارتفاع أسعار التذاكر في المسرح، قال "تحدثت في حكاية ارتفاع سعر التذكرة، لكن قالوا إن هذه الأسعار عادية، ولا تشغل بالك بها والناس ستأتي إلى المسرح، بخاصة أن منتجي المسرح يصرفون الكثير على العرض، وفي النهاية حاولنا إضافة تذاكر متوسطة السعر لتناسب الجميع".

المسرح القومي

هل يمكن أن يقف هنيدي على خشبة المسرح القومي المصري يوما ما وما معايير قبوله بهذه التجربة التي خاضها نجوم كبار، مثل نور الشريف وسميحة أيوب ويحيى الفخراني وحسين فهمي ومحمود ياسين وغيرهم؟ يقول "كان هناك مشروع بالفعل، ولكن طرأت ظروف حالت دون استكماله، ولا أجد  فرقا بين القطاع العام والخاص، فالجمهور يذهب للمسرح حسب جودة الأعمال، وليس لي شروط أو معايير للوقوف على خشبة المسرح القومي، التي وقف عليها عمالقة كبار، مثل سميحة أيوب ويحيى الفخراني، وقد مثّلت مع كل النجوم تقريبا، حتى فاتن حمامة وفريد شوقي وباقي نجومنا الكبار، والنجم الوحيد الذي لم يحدث أن عملت معه هو النجم يحيى الفخراني، وإذا حدث وجاءت فرصة، سأسارع وأجري لأقف معه في أي دور".

هنيدي صنع أهم "افيهات" الكوميديا المصرية في العقدين الأخيرين، والتي لا تزال حاضرة حتى الآن، مثل "خليكي فريش يا ست الكل"، و"حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا فخري"، فهل تعمد صناعة "افيهات" تعيش مع الزمن أم كيف حصل ذلك"، قال هنيدي "حقيقي هو توفيق من الله، فأنا في بداية أي عمل لا أضع تركيزي في الافيهات، ولا أقرر أن أقول كذا أو كذا، ولكن تأتي الافيهات مع الوقت بسبب تأثري بالحالة والشخصية، وتكون ارتجالا غير مخطط له من داخل المشهد".

السيناريو هو البطل

مع وجود ألوان مختلفة من الكوميديا والطفرة الكبيرة في صناعة السينما، هل بات من الصعب تقديم عمل كوميدي جيد وهل تعاني السوق من أزمة كتابة؟ يقول هنيدي "بالعكس لا توجد أي صعوبة سوى في شيء واحد، وهو السيناريو، لأنه يتحكم في كل شيء، واختيار الموضوع في حدّ ذاته مسؤولية  كبيرة جدا، ونحضّر له كثيرا، ويأتي المخرج ليغيّر ويعلي من الموضوع".

 ويشير "لا توجد أزمة في كتّاب الكوميديا خصوصا من الجيل الجديد، هم (شطّار جدا) ومبدعون ولديهم أفكار رائعة، لكن من الطبيعي أننا لا ننفّذ مباشرة النسخة الأولى من السيناريو، بل نقوم بجلسات عمل عديدة حتى نستقر على النسخة النهائية".

سينما القلش

تغيّرت الكوميديا كثيرا في السنوات السبع الأخيرة، وهناك مدارس كوميدية حديثة أخرجت نجوما جددا، مثل عليّ ربيع، وأحمد فهمي، وشيكو، وهشام ماجد، ومحمد عبد الرحمن. وظهر ما يسمي "الافيه المبالغ فيه"، أو بمعنى أدق "القلش". فهل يتابع هنيدي هذا التطور ويراعي "سينما القلش" وجمهورها والطفرة التي حدثت؟

يقول "بالنسبة إلى شيكو وفهمي وعلي ربيع، والمجموعة كلها، دمهم خفيف جدا، وأسعدوا الناس. واختلاف الطريقة لا يفسد للكوميديا قضية. وفكرة (القلش) موجودة وتحدث بين الأصحاب في جلسات المزاح أو على تويتر، والسوشيال ميديا عموما، والتي رفعت حجم الافيهات الخفيفة والقلش وأسهمت في نشرها على نطاق واسع".

ويتابع "ما يهمني أن أقدّم أفلاما تعيش وسيناريو يهمّ الناس. السيناريو الكوميدي بالتحديد لا بد أن يمسّ الناس ويشغل بالهم. لا أعترف بكوميديا اللحظة التي تختفي بمجرد انتهاء الفيلم، أنا أعشق الكوميديا التي تستمر وأحترمها جدا وأراهن عليها بدليل  أننا لا زلنا نشاهد كوميديا نجيب الريحاني رغم مرور سنوات طويلة على رحيله. أهم أمنياتي أن أقدم أعمالا جيدة وأحافظ على ما حققته على مدار أكثر من  20 سنة".

 

الـ The Independent في

01.10.2019

 
 
 
 
 

مهرجان الجونة 2019: عندما يطغى الهامش على المتن

أنيس أفندي

المهرجانات والتظاهرات السينمائية المختلفة هي قبل كل شيء فرصة للاحتفاء بأفضل الأعمال الفنية على مستوى العالم. بوتقة ضخمة تجمع صناع السينما، المخضرمين منهم والمبتدئين، وأفلام ناطقة بمختلف اللغات ما بين الروائي والتسجيلي والقصير والتحريك، تقدم تصورًا فنيًا عن العالم كما يراه صناعها.

منذ انطلاق مهرجان الجونة السينمائي، وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، تكونت صورة ذهنية عن المهرجان أنه ﻻ يزيد على كونه حفلًا صاخبًا للنجوم العرب، ومنصة للتباهي والتقاط الصور المثيرة بالأزياء الأنيقة والإكسسوارات الباهظة، وهو أمر ﻻ يختلف في طبيعته كثيرًا عن كل المهرجانات العالمية، لكن هذه الصورة الجمعية تتجاهل، بقصد أو بغير قصد، الجوهر الحقيقي لهذه التظاهرة الفنية.

وإذا ما تجاوزنا هذه الصورة، سنجد أن المهرجان عمد في دوراته الثلاث إلى استقطاب أهم الأعمال الفنية على مستوى العالم، وبشكل خاص الأعمال الفائزة بجوائز أهم المهرجانات السينمائية العالمية مثل مهرجانات: كان الفرنسي، وبرلين الألماني، وفينيسيا الإيطالي.

وبعيدًا عن الجدل المتجدد كل عام على هامش المهرجان، ما الذي يمكننا قراءته في المتن؟

هل أصبح العالم غير صالح للحياة؟

يمكن للمتتبع للسينما العالمية على مدار السنوات القليلة الماضية، أن يلمس بشكل جلي كيف يرى صناع السينما عالمنا اليوم، والحضور الكبير لأثر السياسات اليمينية التي سيطرت على الساحة السياسية العالمية، وخاصة في شقها الاقتصادي، على حياة المواطنين في مختلف الدول على مستوى العالم. يتساوى في ذلك دول العالم الأول والثالث، فالعالم في هذه الأفلام هو مكان غير صالح للحياة.

كان انتصار المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، على المعسكر الشرقي في الحرب الباردة بداية التسعينيات من القرن الماضي، بمثابة ضوء أخضر لتوغل الرأسمالية، والذي تزامن مع تفجر الثورة التكنولوجية التي ساهمت في توحش الكيانات الرأسمالية. وكما حلت الآلة محل البشر بعد النهضة الصناعية، كانت الروبوتات وأجهزة الحاسب الذكية هي المعادل الموضوعي للآلة بعد الثورة التكنولوجية، ولم يبق للإنسان سوى بذل المزيد من الجهد السيزيفي في معركة يومية فقط من أجل كسب العيش والقدرة على مواصلة الحياة. كما عمقت هذه السياسات اليمينية من الفجوة بين الطبقات، ليزداد الأثرياء ثراء، ويزداد الفقراء فقرًا.

يمكننا أن نتتبع هذه الرؤية في العديد من الأفلام المعروضة بالدورة الثالثة من مهرجان الجونة السينمائي، فنرى ذلك في الفيلم الفرنسي البؤساء Les Misérables الحائز على جائزة لجنة التحكيم بمهرجان كان (بالمناصفة مع الفيلم البرازيلي باكوراو Bacurau)، والمرشح للسعفة الذهبية. يتناول الفيلم مجموعة من الأقليات العرقية والدينية التي تعيش في قلب العاصمة الفرنسية باريس، وبالتحديد في ضواحي المهاجرين، ويركز على واقع الأطفال المنتمين لهذه الأقليات في عالم يعج بالفقر، وتضيق فيه مساحة الحقوق والحريات الإنسانية في بيئة محفزة للجريمة والعنف.

إذا ما عبرنا بحر المانش من فرنسا إلى بريطانيا، سنجد صورة أخرى للعالم في مجتمع حداثي آخر، ﻻ تقل بؤسًا وتشاؤمًا في فيلم عفوًا لم نجدكم Sorry We Missed You، والمرشح أيضًا للسعفة الذهبية هذا العام. على خلاف (البؤساء) الذي يمثل العمل الأول لمخرجه الفرنسي ﻻدج لي، فإن «عفوًا لم نجدكم» هو أحدث أفلام المخرج البريطاني المخضرم، وصاحبي جائزتي سفعة ذهبية، كين لوتش.

تدور أحداث الفيلم في مدينة نيوكاسيل البريطانية، حيث يحاول ريك أن يجد منفذًا للخروج من الأزمة المالية التي أطاحت بأسرته عدة درجات أسفل السلم الاجتماعي، وعلى أمل أن يستطيع شراء منزله الخاص. يتخيل روك أن رضوخه للنظام الاقتصادي الجديد حيث يعمل بشكل مستقل مع شركة توصيل الطرود، هو السبيل لحلمه البسيط. يقوم ببيع سيارة زوجته للحصول على قرض لشراء سيارة شحن، لكنه ﻻ يلبث أن يدرك أن هذا النظام أبعد ما يكون عن الاستقلالية، فهو يعمل لأكثر من 12 ساعة يوميًا فقط لتوفير نفقات المعيشة الأساسية ودفع أقساط القرض.

على الجانب الآخر، تدور زوجته في ساقية مماثلة، إذ تعمل كمساعدة للعجائز، وتغيب عن المنزل لساعات طويلة طوال اليوم. في أحد المشاهد تسألها إحدى العجائز التي تقوم على رعايتهم: (ماذا حدث لنظام العمل 8 ساعات؟). ﻻ تحر الزوجة جوابًا على السؤال، فالنظام الاقتصادي الجديد في ظل السياسات اليمينية هو المنوط بهذا السؤال.

الدولة، أسطورة إلى زوال

يمكننا أن نصف هذه الأفلام بالأيديولوجية، فقد ولى زمن الأيديولوجيات على كل حال، ولكنها ﻻ تنفك تساءل النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحديثة، وتشترك في رؤيتها لتراجع الدولة كاختراع اجتماعي وسياسي ساد المجتمعات البشرية لآلاف السنين.

واحد من أبرز عروض مهرجان الجونة في دورته الثالثة هو الفيلم الكوري الجنوبي (طفيلي Parasite)، والذي حصل على سعفة كان الذهبية لهذا العام. يدور الفيلم حول أسرة كورية يدفعها الفقر إلى تطوير سلوك طفيلي لمراوغة الحياة القاسية، ومن هنا جاء اسم الفيلم. يعتمد الفيلم بشكل واضح على مجاز بصري يشير إلى الفقراء بالكائنات الطفيلية سواء من خلال الأقبية التي يعيش فيها الفقراء، أو من خلال الإشارة لهم بالحشرات المتطفلة من خلال الحوار تارة، ومن خلال الصورة تارة أخرى، وهي الصورة التي تحيلنا على الفور إلى ثنائية المتن والهامش.

إن الدولة، على اختلاف المشارب الفكرية وتنوعها، هي اختراع إنساني يهدف بالأساس إلى تنظيم المجتمع البشري على النحو الذي يحقق العدالة بين جميع أفراده، ويكفل لهم حياة كريمة. ومن ثم فإن خضوع الأفراد الطوعي لسلطة الدولة يكون في مقابل ضمان الدولة لهذه العدالة.

استنادًا لهذا التصور البسيط لمفهوم الدولة، اقتصر حضور الفقر على الهامش وليس المتن، فأينما امتدت يد الدولة وسلطتها، حضرت معها خدماتها الأساسية وتراجع الفقر بتوسع المتن.

في فيلم (طفيلي) نرى أن الفقر في العالم الحديث حاضر في قلب المدينة/المتن، وإزاء تراجع الدولة عن ضمان العدالة الاجتماعية، طور الأفراد سلوكًا طفيليًا يقتات على الطبقات الأغنى، ولكن أخطر ما يطرحه هذا السلوك أن الأفراد كفروا بالدولة.

يسود هذا التصور بشكل واضح في عدد غير قليل من أفلام هذا العام، نرى ذلك في الفيلم الإيطالي (أسماك البيرانا Piranhas) الحائز على جائزة الدب الفضي في السيناريو من مهرجان برلين، والمرشح لجائزة الدب الذهبي، إذ تتراجع سلطة الدولة وتحل محلها مجموعة من العصابات التي تحكم سيطرتها على أحياء متفرقة في مدينة نابولي الإيطالية، تمارس العنف ضد سكان هذه الأحياء، وتفرض الإتاوات الجبرية على كل البائعين وأصحاب المحال التجارية. يتتبع الفيلم مجموعة من المراهقين يقومون بالتخلص من عصابة حيهم، ويحلون محلهم.

في الفيلم البرازيلي (باكوراو Bacurau) الفائز بجائزة لجنة التحكيم من مهرجان كان (مناصفة مع فيلم «البؤساء») والمرشح للسعفة الذهبية، نشاهد معالجة مختلفة للأفكار نفسها ولكن في قصة خيالية وليست واقعية. تدور الأحداث في مدينة خيالية تدعى (باكوراو) تقع في منطقة نائية وتفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية وعلى رأسها المياه. يكتشف أحد سكان المدينة، وهو مدرس يقوم بتعليم الأطفال فيما يبدو عملًا تطوعيًا وليس نظاميًا، أن اسم مدينة (باكوراو) قد تم حذفه من خرائط جوجل.

على الرغم من مظاهر الحداثة البادية في المدينة، من استخدام للهواتف الذكية، واتصال بالإنترنت، فإن سكانها قاموا بتطوير نظام اجتماعي أقرب إلى الشكل القبلي، واستغنوا تمامًا عن الدولة التي ﻻ تهتم سوى بأصواتهم الانتخابية. وفي فيلم (البؤساء) نرى رمزية مباشرة في إطلاق اسم (العمدة Mayor) على زعماء إحدى العصابات للتدليل على استبدال سلطة الدولة بسلطة الكيانات الاجتماعية الأقوى والأقدر على استخدام العنف ضد الضعفاء.

الحاضر بعيون المستقبل

هذه الرؤية المتشائمة للواقع والعالم الذي نعيشه في حاضرنا، لم تغفل تنبؤاتها الخاصة للمستقبل، إذ ﻻ يخلو أي من هذه الأفلام من حضور قوي للأطفال والمراهقين، ﻻ كطرف سائب أو مفعول به فقط، ولكن كطرف فاعل واع يرى الواقع من حوله، ويقوم بتقييمه والتعامل معه وفق فلسفته ورؤيته الخاصة لما سيكون عليه مستقبله.

في فيلم (البؤساء) يبدأ الفيلم وينتهي بالطفل عيسى. طفل متمرد ﻻ يدير وجهه لصفعات الحياة، بل يرد الصفعة بأمثالها، يواجه الفقر والجوع بالسرقة والاحتيال، ويواجه العنف بعنف مضاعف ليتحول في النهاية إلى وحش مخيف غير مأمون الجانب.

يختلف الأمر كثيرًا في فيلم (أسماك البيرانا)، يبدو العنف اختيارًا طبيعيًا للغاية في ظل واقع يتوحش يومًا بعد يوم، ويبدو قرار البطل بالتخلص من العصابة الحاكمة كما لو كان نبوءة بإحدى الأساطير الإغريقية، ﻻ يملك منها فكاكًا. منذ المشاهد الأولى في الفيلم، يتعلم نيكوﻻ ذو الخمسة عشر عامًا أن الافتراس هو سمة الحياة على الهامش، لتتحول المطاردات الساذجة بين الأطفال في أحياء نابولي، إلى مواجهات دامية بين عصابات مسلحة من المراهقين.

أما في فيلم (عفوًا لم نجدكم) نرى الابن الذي يشفق من مصير أبويه فيرفض استكمال تعليمه، ويواجه أباه برؤيته لمدى العبثية في بذل الجهد في تعليم لن يغير من واقعه، ولكن سيدفع به إلى شكل من أشكال العبودية المقنعة، حيث ينفق في حياته في العمل المضني من أجل حياة كريمة لن يبلغها.

كل هذه الأفلام على تنوعها واختلافها، وتفاوتها في الطرح والتناول، تحمل الكثير من القواسم المشتركة بين أفكارها، وفي نظرتها للعالم الذي نعيشه، وتحاول بدرجات متفاوتة إعادة طرح مفاهيم راسخة والتشكيك في مدى دلالتها المصطلح عليها، فما تعريف العدالة الاجتماعية، وما الحقوق الإنسانية، وما الدولة، وما المواطنة؟

تفترض ثنائية المتن والهامش تسيّد الأول ومحدودية الثاني. أما في عالمنا اليوم، يطغى الهامش على المتن ويكاد يطيح به ويحل محله. هذه الأفلام وغيرها من عروض مهرجان الجونة هي المتن الحقيقي لمثل هذه التظاهرة الفنية، غير أن الهامش المتمثل في حفلات الأفلام واستعراضات السجاجيد الحمراء، هو المتصدر والمسيطر على الاهتمام الإعلامي والجماهيري.

 

موقع "إضاءات" في

01.10.2019

 
 
 
 
 

بعد حصد جائزة "الجونة".."ستموت في العشرين" يشارك في "هامبورج السينمائي"

كتب- مصطفى حمزة:

في رابع مشاركة له بالمهرجانات السينمائية يعرض الفيلم السوداني "ستموت في العشرين" للمخرج أمجد أبو العلاء، بالدورة السابعة والعشرين لمهرجان هامبورج السينمائي بألمانيا، والذي بدأت فعالياته الخميس الماضي.

وغادر المخرج أمجد أبو العلاء، اليوم الثلاثاء، القاهرة، متوجها إلى ألمانيا لعرض الفيلم بالمهرجان، عقب مشاركته بصحبة المنتجين المصري حسام علوان والسوداني محمد العمدة في حلقة خاصة مع الإعلامية منى الشاذلي وبرنامجها "معكم"، للحديث عن العمل.

ومن المقرر- أيضا- عرض الفيلم بمهرجان الفيلم العربي بألمانيا الذي تقام فعالياته من 4 إلى 12 أكتوبر، وكان قد حصل مؤخرًا على جائزة النجمه الذهبية بالدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي، ونال جائزة "أسد المستقبل"، كأفضل عمل أول لمخرجه في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، وأقيمت له أربع عروض في مهرجان تورنتو السينمائي.

الفيلم مستوحًي عن رواية للكاتب السوداني حمور زيادة بعنوان "النوم عند قدمي الجبل"، ويشارك في بطولته مصطفى شحاتة، أسما مبارك، محمود السراج، طلال عفيفي، بونا خالد، موسيقى أمين بوحافة، مونتاج هبة عثمان، ديكور رشا خفاجي، إنتاج حسام علوان ومحمد العمدة.

 

موقع "مصراوي" في

01.10.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004