كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (5): فيلمان مقتبسان من أحداث حقيقية

فينيسيا: محمد رُضـا

فينيسيا السينمائي الدولي السادس والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

واحد عن جواسيس كوبا وآخر عن لصوص الشركات الوهمية

في حديث جانبي مع ألبرتو باربيرا، مدير مهرجان فينيسيا، قال لي إنه حتى أنْ تم تجميع هذا العدد الجيد من الأفلام تطلب الأمر متابعة حثيثة من نهاية العام الماضي: «عملياً، أخذنا عطلة لشهر واحد بعد دورة السنة الماضية من قبل أن نشغل أنفسنا مرة أخرى بشؤون الدورة الحالية، وهذا يساعد كثيراً لأنك لا تريد أن تترك عبء العمل بأكمله على الأشهر القليلة السابقة».

لكنه يعترف: «لا أعني أن الأشهر الثلاثة السابقة لإقامة هذه الدورة كانت سهلة. كانت أصعب من الوصول إلى القمر. لكننا عملنا بجهد وأنا فخور بجهدنا».

حين هنأته على عدم انصياعه للإعلام الجائع للإثارة في قضايا مثل تغليب الأفلام النسائية (أو غيابها)، أو مثل حرمان فيلم رومان بولانسكي «ضابط وجاسوس» من العرض داخل مسابقة الدورة، أجاب: «أليس هذا غريباً؟ إن لم تكن هناك أفلام جيدة من إخراج نساء، هل أضحي بقيمة المهرجان، وأعرض أي فيلم يأتيني ممهوراً باسم سيدة».

بعد يومين من بداية هذا المهرجان، صرّح مهرجان لندن بأن 60 في المائة من أفلامه من إخراج نساء. أخبره ذلك فيضحك ويقول: «نعم. أعرف ذلك. لقد دهشت… لا يمكن أن تكون كل الأفلام النسائية أو كل الأفلام الرجالية جيدة أو من مستوى يصلح للعرض في مهرجان».

عثرات

بصرف النظر عن أي شيء قد وقد لا يرضي أصحاب المواقع الإلكترونية، وموجة «مي تو»، فإن أفلام هذه السنة أعلى مستوى من مجمل ما عرضه مهرجانا برلين وكان. فحتى الآن هناك انتقلنا - غالباً - بين فيلم رائع وآخر، خصوصاً أن الكثير من الأفلام ليست مجرد حكاية مسرودة، بل حكاية مسرودة بأهداف وطموحات، ومصنوعة جيداً كعمل فني.

النقاد الموجودون في هذه الدورة صفقوا طويلاً لأربعة أفلام عرضت في المسابقة الرسمية، هي - بحسب ترتيب الاستفتاء اليومي لإحدى الصحف الإيطالية - «ضابط وجاسوس» لرومان بولانسكي، و«جوكر» لتود فيليبس، و«المغسلة» لستيفن سودربيرغ، و«الحقيقة» لهيروكازو كوريدا. الأفلام الستة الباقية، بما فيها «المرشحة المثالية» لهيفاء المنصور جاءت في الصف الثاني من الإعجاب، وواحد فقط من بين الأفلام العشرة التي عرضت للآن تحطم عند شاطئ النقاد هو «Wasp Network» لأوليفييه أساياس.

هذا الفيلم الأخير يتعثر في أكثر من مرحلة، بل في كل مرحلة. إنه اقتباس عن كتاب لفرناندو مورايس عنوانه «آخر جنود الحرب الباردة» الذي صدر سنة 2012 حول الجواسيس الكوبيين الخمسة الذين تم زرعهم في ميامي للتجسس على الهيئات المعادية لكوبا، خصوصاً تلك المكوّنة من كوبيين. كانت الحكومة الكوبية أطلقتهم فرادى كلاجئين (يبدأ الفيلم بأحدهم ينطلق بطائرته الصغيرة إلى ميامي طالباً اللجوء). في عام 1998 تم اكتشافهم وتقديمهم للمحاكمة، حيث تم إصدار أحكام سجن طويلة قبل البدء بإطلاق سراحهم واحداً تلو الآخر (أولهم في فبراير/ شباط 2014) وإعادتهم إلى كوبا.

يعمد المخرج الفرنسي أوليفر أساياس، إلى صياغة فيلم تقريري يرفع من الحدث على حساب الشخصيات. كون الشخصيات كثيرة، ولكل منها حكايتها الخاصة، فإن صياغة مثل هذا الفيلم نقلاً عن كتاب غير روائي أمر صعب لم يستطع المخرج تجاوزه، كما كان فعل عندما أقدم على تحقيق فيلمه (القائم أيضاً على مصادر وثائقية) «كارلوس» قبل بضع سنوات واستحق عليه ثناءً كبيراً.

بطل ذلك الفيلم، إدغار راميريز، يقود بطولة هذا الفيلم، جانب بينيلوبي كروز والمكسيكي غايل غارسيا برنال. لكن لا يوجد بين الثلاثة من يترك بصمته المعتادة على الشريط. الحاصل هو أن الفيلم يركض ركضاً سعياً لتلخيص سنوات عدة من الأحداث ولاستيعاب شخصيات عديدة، وينتقل بين هافانا وميامي، ثم مدن أخرى طوال الوقت مستعيناً بعبارات مطبوعة على الشاشة لكي تساعد المشاهد على استيعاب مكان وتاريخ الحدوث. لكن كل هذا السعي لا يفيد كثيراً، لأن جوهر العمل يبقى مفككاً يتكل على استعداد المشاهد للتضحية بنوع الفيلم الذي كان يحب أن يراه حول هذا الموضوع مقابل استحواذه الفيلم الماثل بتعرجاته.

غسل أموال وتنظيف جيوب

قارن بين هذا الفيلم وفيلم ستيفن سودربيرغ «المغسلة» تجد أن هذا الفيلم لا يتفوق بسهولة على محاولات أوساياس سرد الأحداث المتشابكة بسلاسة فقط، بل يعلّمه دروساً في كيفية ذلك.

منذ البدايات الأولى لسودربيرغ، وهذا المخرج الأميركي معتن بكيفية سرد أكثر من حكاية في فترة زمنية معينة، والربط بين خيوط كل حكاية وشخصياتها. لكنه لم يفلح في صياغة الفيلم الكامل في هذا السياق، كما يفعل في فيلمه الجديد «المغسلة».

هو بدوره مقتبس عن كتاب غير روائي أيضاً. هذا وضعه جايك بيرستين سنة 2017 بعنوان «عالم السرية: داخل تحقيقات أوراق بنما عن شبكات المال غير المشروع والنخبة العالمية»، وقام المخرج المعروف بتحقيقه، بعدما، حسب ما قاله لي، فكّر طويلاً في كيف يصيغه روائياً.

اهتدى سودربيرغ إلى طريقة تشكل الفيلم - التحفة الذي نشاهده:

يجلب، منذ مطلع الفيلم، شخصيتين مبنيتين على الواقع: يورغن موساك (غاري أولدمن) ورامور فونيسكا (أنطونيو بانديراس) يخترقان الجدار الرابع (أي التوجه للكاميرا مباشرة) لتقديم الفيلم، وما يوفره من أحداث ومشاهد. يعلقان بتقديم فذّ على الواقع الاقتصادي للعالم، حيث يتولى أثرى أغنياء العالم إدارة الشبكات العديدة التي تشترك في احتضان وتوزيع الثروات لجعل الأغنياء أغنى. هذا ليس مجرد توجيه رأسمال للاستثمارات المتنوعة المفتوحة أمام القادرين، بل أيضاً - وأساساً - التلاعب بالوسائل المتاحة للتهرب من الضرائب الأميركية، ولغسل الأموال في طرق لا حصر لها.

الفيلم يمضي لتقديم حالة من تلك التي تجعل هذا المضمون متاحاً، لا للسرد الروائي وحده، بل لتوفير الحكاية بأسلوب من الكوميديا السوداء. فبعد التقديم الثنائي الذي نشاهده بين أولدمن وبانديراس تطالعنا ميريل ستريب في دور الزوجة التي قررت مع زوجها (جيمس كروموَل) القيام برحلة سياحية في بحيرة جورج (ولاية نيويورك) احتفاءً بمناسبة زواجهما منذ عدة سنوات. كل شيء يبدو طبيعياً والحبور يسودهما ثم… موجة هادرة مفاجئة تقترب من المركب السياحي وتقلبه رأساً على عقب (مشهد لا يستمر لأكثر من 30 ثانية لكن طريقة تفعيله على الشاشة وتوقيته متقنة).

الفيلم كوميديا سوداء بالغة الرهافة، وممتع في تمثيله، وفي تنفيذه مع نجاح مهمة المزج بين الجانب التسجيلي الممثّل والجانب القائم مطلقاً على التمثيل. شيء واحد يخرج من طور هذه التوليفة هو فصل من الأحداث التي تتمحور حول أحد هؤلاء الأساطير الثرية: رجل أفريقي يملك ما لا يحصى من المال والشركات يخون زوجته مع صديقتها، وابنته تكتشف ذلك، ولكي يشتري صمتها يهبها شركة سويسرية يمتلكها يبلغ رأسمالها عشرين مليون دولار. لكن القضية تنكشف على أي حال، والابنة تتجه مع والدتها إلى المحامي ماساك (غولدمن) لمراجعة وضع الشركة، لتكتشف أن رأسمالها الفعلي لا يزيد عن نصف دولار.

تخصيص حكاية بطلها رجل أسود ذو شخصية مخادعة وجشعة لن يندرج في خانة إيجابيات الفيلم، والمشكلة تتعداه إلى حقيقة أن لا أحد من الشخصيات الأفريقية أو لاتينية الأصول مُقدم لنا كضحية، بل دوما في شكل أحد المخادعين والصقور التي تنهش في لحوم الأحياء كيفما استطاعت. إحدى هذه الشخصيات يؤديها (الأفرو - أميركي) جفري رايت الذي يُلقى القبض عليه، لا بتهمة النصب، بل بتهمة تعدد الزوجات!

لكن الفيلم جيد على صعيد تنفيذه للحكايات المختلفة، وسلاسة دخول وخروج كل حكاية في سياق كامل، لا عيوب سردية أو تفاصيل فنية غائبة. يستخدم المخرج كاميرته (رد إيبيك) بقدرات رائعة. تنساب الكاميرا بلقطات بعيدة وتتحرك بلا تكلف وبسلاسة بارعة.

غاية المخرج في النهاية تتشكل من الرغبة في طرق موضوع في غاية الأهمية ينبئ بانفجار اقتصادي كبير في المستقبل المنظور (حسب كلام المخرج في حوار يُنشر لاحقاً معه)، ومن عرض هذا الموضوع الجاد بالوسيلة السهلة والممتعة كما لو كان يسرد فيلماً قائماً بأسره على الترفيه.

 

الشرق الأوسط في

03.09.2019

 
 
 
 
 

رومان بولانسكي... دريفوس الأزمنة المعاصرة؟

رسالة البندقية - شفيق طبارة

البندقية | «إن أخرستَ الحقيقة ودفنتها تحت الأرض، سوف تنمو، وعندما تنبت قد تنسف كل شيء في طريقها». قالها إميل زولا يوماً. هو نفسه الذي كتب رسالته المفتوحة «إني أتهم» إلى فيليكس فور رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك، وقد نشرت على شكل مقال في صحيفة «لورور» أوائل عام 1898. يومها، عبّر زولا عن رأيه بجدية حول «قضية دريفوس» إحدى أكبر الفضائح في التاريخ الفرنسي، وحول المناخ المعادي للسامية السائد في الجمهورية. حُكم على زولا بالسجن لمدة عام ودفع غرامة قدرها 3000 فرنك بحجة «ازدرائه للقوات المسلحة». لكن تلك الرسالة هي بالضبط التي أعادت فتح القضية، حيث كشفت تورط الجهاز العسكري الفرنسي بأكمله.

في فيلمه الجديد «إني أتهم» الذي عُرض قبل أيام ضمن المسابقة الرسمية لـ«مهرجان البندقية»، يجلب المخرج البولندي الفرنسي رومان بولانسكي هذه القصة إلى الشاشة الكبيرة بإخلاص. وعلى الرغم من أن الأحداث تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، إلا أنّ القصة لا تزال طازجة. يروي بولانسكي «قضية دريفوس» بصرامة وتوتر متصاعد في نوع من البحث السينمائي، يهدف إلى إبراز الحقيقة والعدالة ببلاغة سينمائية عالية.

رومان بولانسكي وألفريد دريفوس: حالتان متوازيتان

«كيف وصلت إلى هذا المأزق لن أعرف أبداً، شيء لا يصدق على الإطلاق أن يتم إعدامي بسبب جريمة لم أرتكبها. ولكن أليس البشر كلهم في مركب واحد؟ ألا يُعدمون في النهاية بسبب جرائم لم تُرتكب أبداً؟» يقول بوريس (وودي ألن) في تحفته «حب وموت» (1975) بفكرة وجودية، مستنداً إلى رواية فرانس كافكا. ولكن أيمكن في الحياة الواقعية إدانة شخص من دون سبب، كما حدث لجوزيف في «المحكمة» لكافا؟
يتماثل تقريباً رومان بولانسكي بالنقيب ألفريد دريفوس، اليهودي الذي اتُّهم بالخيانة وهو بريء. «القصص العظيمة غالباً ما تلهم أفلاماً عظيمة، وقضية دريفوس هي قصة استثنائية. قصة رجل متهم ظلماً هي قصة آسرة دائماً وقضية معاصرة للغاية». قالها بولانسكي في البيان الصحافي للفيلم: «معظم الأشخاص الذين ضايقوني لا يعرفونني ولا يعرفون شيئاً عن القضية. وصنع فيلم كهذا يساعدني كثيراً» أضاف بولانسكي عن تجربته الخاصة في الحياة؛ من النجاة من الهولوكوست إلى فقدان سمعته المتعلقة بتهم الاعتداءات الجنسية التي تلقاها خلال السنوات الأربعين الماضية. «إنها مثل كرة الثلج، تضاف طبقة فوق أخرى. قصص غبية عن نساء لم أرَهنّ في حياتي، يتهمنني بأشياء يُفترض أنها حدثت قبل أكثر من نصف قرن. قصة الفيلم تشابه لحظات مررت بها، أستطيع أن أرى التصميم نفسه على إنكار الحقائق وإدانتي بأشياء لم أقم بها». وفي رده على سؤال حول سبب عدم قتاله، أجاب المخرج: «لماذا؟ إنها مثل قتال طواحين الهواء
».

أثارت قضية بولانسكي جدلاً قبل المهرجان وخلاله. المدير الفني للمهرجان ألبرتو باربرا دافع عنه، ورئيسة لجنة التحكيم لوكريسيا مارتل انزعجت من مشاركة فيلم لبولانسكي الذي لم يحضر المهرجان، فيما ضم المؤتمر الصحافي الممثلين وأحد منتجي الفيلم وزوجة بولانسكي الممثلة إيمانويل سينيه التي لعبت دوراً في الشريط. ولكنّ أحداً لم يذكر القضية والجدل المثار ودار الكلام في المؤتمر الصحافي حول الفيلم فقط. لكن زوجته قالت: «لقد عانى المضايقات نفسها التي تعرض لها دريفوس». سرد بولانسكي (86 عاماً) بكل موهبته قصة تاريخية عن العدالة والحقيقة، قسمت الناس والرأي العام، فهل هي إشارة واضحة لوضعه الحالي الشخصي؟

عمَّ يتكلم فيلم «إني أتهم»؟

تعد «قضية دريفوس» أحد أكبر الأخطاء القضائية الصارخة في التاريخ، حدثت في فرنسا بين عامي 1894 و1906 وأدانت الجندي اليهودي الفرنسي ألفريد دريفوس ظلماً بأنه جاسوس وحاكمته بتهمة الخيانة العظمى. قاتل دريفوس أمة بأكملها من أجل إثبات براءته، وحظيت قضيته بتغطية إعلامية كبيرة قسمت الرأي العام في ذلك الوقت. كتب رومان بولانسكي سيناريو الفيلم مع روبرت هاريس، مؤلف رواية «ضابط وجاسوس» التي يستند إليها الفيلم

في أوائل عام 1895، يراقب جورج بيكار (جان دوجاردان ــــ أوسكار أفضل ممثل عام ٢٠١١ عن فيلم «الفنان»)، وهو ضابط في الجيش الفرنسي، الإدانة العلنية لألفريد دريفوس (لوي غاريل) النقيب اليهودي المتهم بأنه جاسوس للأعداء الألمان. تتبع الاتهام، إدانة ونفي دريفوس إلى جزيرة الشيطان. يترقى بيكار، للوحدة الاستخباراتية العسكرية نفسها التي أدانت دريفوس. عندئذ يدرك بيكار أن مرور المعلومات للعدو لم يتوقف. ماذا لو أدين دريفوس خطأً؟ وهل كان ضحية لخطة وُضعت من قبل بعض الاستخبارات العسكرية المضادة؟ تشغل هذه الأسئلة بال بيكار المصمم على اكتشاف الحقيقة حتى على حساب عمله. الضابط والجاسوس متحدان الآن ومستعدان للتضحية من أجل الدفاع عن نفسيهما وإثبات البراءة.

القصة ببلاغة وحنكة سينمائية 

ليس الفيلم مجرد إعادة إعمار للحظات حقيقية تاريخية، ولا هو فيلم شجب أو إدانة، ولا قصة صداقة كبيرة (لم يكن هناك في الواقع علاقة شخصية بين بيكار ودريفوس). الفيلم هو نوع من التحقيق الدقيق في غرف السلطة، حيث تظهر تناقضات وحقائق تدريجية وإغفال وتزوير للوثائق ومؤامرات بين طيات الحوارات الضيقة وغبار الملفات العسكرية. لم يفقد بولانسكي هبة الاستعارة والتدقيق. لم تظهر شيخوخته في الفيلم الذي كشف ـ في تدفقه المتواصل خطوة بخطوة، غرفة تلو أخرى، وجهاً تلو آخرـ وضوح البنية السردية التي حافظ عليها المخرج والتنسيق الحكيم في كل مشهد

هذه ليست المرة الأولى التي تقدم قضية دريفوس في السينما، لكن بولانسكي يختار أن يروي القصة ليس من جانب المدان ظلماً، إنما من جانب بيكار. الرجل ذو صلابة أخلاقية، لا يترك شيئاً يقف في طريق ما يعتزم القيام به. بعيداً عن كونه عسكرياً؛ لم يخف بيكار من معارضيه وصمت رؤسائه، ولم يتردّد في دفع ثمن شخصي من دون أن يدعي البطولة، فالرجل لديه عيوبه، موضحاً أنه كان رجلاً في عصر اللاسامية مثل معظم الناس في ذلك الوقت. لم يكن بيكار أكثر من مجرد رجل عادل وهذا يكفي للفيلم. فمتاهة المسؤولية، والتواطؤ، والآلة البيروقراطية الهائلة التي واجهها قد أثرّت فيه بكل ما فيها من وساطة مرعبة، وأنانية، وفساد.

الفيلم قوي، كلاسيكي معاصر، حسن الصنع، يستند إلى أداء ممتاز للممثلين

بصلابة وجاذبية وبحنكة بولانسكي الإخراجية، تلاشت الفترات الزمنية التي دارت فيها القصة؛ 12 عاماً، بين قرنين، بين الحرب الفرنسية البروسية والحرب العالمية الأولى. عصر تميزت فيه الأخبار المزيفة وعدالة وسائل الإعلام، التي كثيراً ما تترك فيها الحقيقة مجالاً للدردشة الاجتماعية، والكراهية تجاه أولئك الذين يعتبرون «مختلفين». في الفيلم أيضاً مناقشات حول حرية الصحافة، وحدود تدخل السلطات في الديمقراطية والحياة الخاصة للمواطنين، وإشارات للغة المعادية للسامية. من خلال التتابع الدرامي، وقصة الشرطي، والمحاكمات، أوضح بولانسكي مدى سهولة الاضطهاد والقمع التي يمكن أن تتخذ أبعاداً وبائية خلال فترة قصيرة، وكيف يمكن للناس الطيبين أن يتحولوا في لحظة إلى رعاع مسعورين

الفيلم قوي، كلاسيكي معاصر، حسن الصنع، يستند إلى أداء ممتاز للممثلين. الكلمات المختارة قوية واضحة تضرب التاريخ الفرنسي المقسم بين معاداة السامية والقوميين والاشتراكيين الذي نتجت عنه أضرار جسيمة ومميتة. في «إني أتهم»، يتقن بولانسكي صنع متاهات سردية كثيرة التعقيد، ومعرفة كيفية إنشاء شخصيات غامضة وبليغة مع تأثير عاطفي قوي جداً

قصة الفيلم بسيطة نوعاً ما ولكن لا يمكن إلا لرجل سينما عظيم تقديمها من دون الوقوع في الخطابة والابتذال والاختزال، بخاصة إذا أخذنا في الاعتبار توازي شخصية دريفوس مع حياة المخرج الشخصية. لا أخفي أنني من بين كثيرين ربطوا قصة الفيلم بما يحصل مع بولانسكي، خاصة بعد البيان الصحافي للمخرج، ولكن بولانسكي أذكى من ذلك. ليس لديه أي شيء ليثبته لنفسه وللعالم. كان حريصاً على عدم تلطيخ قصة ألفريد دريفوس بقصة خاصة به. لم يلعب دور المظلوم أمام عالم يتهمه. احترم القصة وأصر على نقلها إلى جيل جديد من دون تحويلها إلى معركة شخصية. ترك الفيلم يتحدث عن نفسه، تاركاً له قوة عاكسة بحيث يراه كل شخص كما يريد. «إني أتهم» فيلم اجتماعي سياسي ترك معاداة السامية، والظلم، والاختلافات، وتزوير الأمس، ليذكّرنا بمدى القلق الذي نحن فيه.

أحمد غصين يخرق «جدار الصوت»

أول من أمس الأحد، عرض «جدار الصوت» لأحمد غصين ضمن «أسبوع النقاد» في «مهرجان البندقية». الشريط يعتبر الفيلم اللبناني الأول الذي يشارك عن هذه الفئة. ووفق بيان القائمين على العمل، حضر غصين مع معظم ممثلي الفيلم من بينهم بطرس روحانا، وعصام بو خالد، وكرم غصين، وسحر منقاره، و«استقبل العاملون في صناعة السينما والجمهور الإيطالي الفيلم بحفاوة ولاقى استحساناً من النقاد العالميين والإيطاليين». علماً أنّ الشريط يتحدث عن الشاب الثلاثيني مروان الذي يتوجّه من الضاحية إلى الجنوب إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز (يوليو) 2006، بحثاً عن والده. وإذا به يجد نفسه محاصراً مع أربعة من أبناء بلدته في منزل أحدهم. تستقر فرقة من القوات الإسرائيلية في الطابق الأعلى، لتتخذ الأمور منحى غير متوقع.

 

الأخبار اللبنانية في

03.09.2019

 
 
 
 
 

ميلودراما العنف والجمود الاجتماعي والفساد العام في زمن الثورة

أمير العمري

"بيك نعيش" فيلم تونسي يشارك في تظاهرة "آفاق" بفينيسيا.

بين ثلاثة أفلام تونسية تُعرض في الدورة الحالية من مهرجان فينيسيا السينمائي، شاهدنا “بيك نعيش” أول أفلام المخرج الشاب مهدي برصاوي، المشارك في تظاهرة “آفاق” (أوريزونتي) التي تهتم بالأعمال الأولى للمخرجين.

 فينيسيا (إيطاليا) – يروي فيلم “بيك نعيش” للمخرج التونسي الشاب مهدي برصاوي المشارك في تظاهرة “آفاق” (أوريزونتي) التي تهتم بالأعمال الأولى للمخرجين، قصة درامية مأساوية معاصرة ذات علاقة بالأحداث والتفاعلات السياسية الجارية في تونس والمنطقة عموما، فأحداث الفيلم تقع بعد نحو ستة أشهر من نجاح الثورة التونسية في يناير 2011 في الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.

ومن البداية نعرف أن الاحتجاجات المدنية للعاملين في عدد من المؤسسات العامة والخاصة، ما زالت مستمرة، كما نعرف أن الليبيين بدورهم بدأوا ثورتهم ضد نظام العقيد معمر القذافي، لكن لم تتم الإطاحة به بعد.

والحقيقة أن الفيلم يقول على نحو ما، أو على الأقل، يوحي بأن الثورة التونسية لم تغيّر الكثير من الأشياء القائمة المستقرة في البنية التونسية، فأحداث العنف والاشتباكات المستمرة في ليبيا أدّت إلى تسلّل عناصر متطرفة إرهابية، كما أن إجراءات الأمن على الحدود التونسية الليبية قد أصبحت مشدّدة، لكن الفيلم يصوّر أنه من الممكن -عمليا- أن يخترقها “أصحاب” النفوذ لحساب “أصحاب المصلحة” داخل جهازي الأمن الوطني، أي عن طريق الرشوة. كما يشكو بطل الفيلم أو الشخصية الرئيسية فيه وهو رجل الأعمال “فارس” الذي يملك شركة للتصدير والاستيراد أسّسها بعد عودته من فرنسا، من إضراب عمّال شركته ويحذّر من أن البلاد ستغرق في الفوضى الاقتصادية إن استمرت مثل هذه الاحتجاجات.

إلاّ أن “فارس” (سامي بوعجيلة) وزوجته الجميلة الشابة “مريم” (نجلاء بن عبدالله) من الطبقة الميسورة المتفتّحة التي لا تهتم كثيرا بمراعاة القيم السائدة في المجتمع، فهما يحتفلان كما نرى في بداية الفيلم في منطقة تطاوين في جنوب البلاد، أين يقضيان عطلة مع عدد من أصدقائهما حيث يتناول الجميع المشروبات الكحولية ويضحكان ويسخران من تيار الإسلام السياسي، أي حزب النهضة، بزعامة الغنوشي بما يعني بأن تأثير هذه الجماعة السياسية قد وجد له أخيرا متنفسا علنيا للعمل في التربة التونسية، ويتبادلون النكات الجنسية المكشوفة.

مهدي برصاوي يطمح في أولى تجاربه السينمائية إلى رواية قصة مؤثرة تربط بين السياسي والاجتماعي

وسبب الاحتفال حصول مريم على وظيفة رفيعة كمديرة تنفيذية لإحدى الشركات في منطقة الخليج. أما الموضوع فيتّخذ سريعا وجهة أخرى كانت تصلح مدخلا لدراما سياسية ممتازة، لو أجيد نسج خيوطها.

وخلال عودة الأسرة من الرحلة في طريق صحراوي بسيارة الدفع الرباعي التي تمتلكها العائلة، تتعرّض مريم وفارس وابنهما عزيز (يوسف خميري) ذو الأحد عشر عاما لكمين نصبه مسلّحون إسلاميون على الطريق الصحراوي، ويبدأ إطلاق الرصاص على السيارة، لكن فارس يتمكّن من الالتفاف والعودة بها بسرعة، وينجو هو ومريم من الإصابة، لكن عزيز يتلقى رصاصة تخترق الكبد وتمزقه.

مدخل قوي

منذ تلك الحادثة التي نشاهد تأثيرها الكبير على كل من فارس وعزيز يظل الفيلم يدور حول نفسه، بعد أن يتم إدخال الطفل المستشفى المحلّي القريب حيث يجد الطبيب أنه يتعيّن إجراء عملية نقل كبد أو جزء من الكبد، لإنقاذ الطفل من الموت.

ويتطوّع فارس بالطبع كونه يريد بأي شكل إنقاذ ابنه من موت وشيك ما لم تتم عملية زرع الكبد، إلاّ أن المفاجأة تأتي عندما تثبت التحاليل المعملية للحامض النووي أن فارس ليس هو الأب البيولوجي لعزيز، أي أن عزيز جاء نتيجة علاقة جنسية بين مريم ورجل آخر.

كيف حدث هذا ومتى وهل كانت مريم على علاقة بهذا الرجل الآخر قبل زواجها من فارس؟ أم أنها خانته معه أثناء غيابه في باريس؟ ولماذا أخفت الأمر عنه؟ وهل هي مخطئة أم ضحية؟

لا يصوّر الفيلم من خلال التداعيات أي شيء يتعلّق بعلاقة مريم الماضية بل يبقيها قصدا في الظل، فكلما أرادت أن “تشرح” لفارس حقيقة الأمر يرفض هو رفضا باتا قاطعا.. نحن نرى فقط تأثير هذه الصدمة على فارس وعلاقته بمريم ولومه العنيف لها مع شعورها بالذنب في البداية قبل أن ترتدّ في هجوم مضاد عليه في الثلث الأخير من الفيلم، ولكن من دون أن تحاول تبرير الأمر.

الواضح أن سيناريو الفيلم يهتم في شكل أقرب إلى المباشرة والتقريرية الجافة، باستخدام ذلك المدخل الدرامي القوي للانتقال إلى لفت الأنظار إلى العديد من المشاكل الأخرى التي تتعلّق تارة بنقل الأعضاء والقيود القانونية الصارمة التي تفرضها السلطات في تونس، حيث تحظّر نقل أعضاء من خارج الأقارب (طبقا للفتوى الإسلامية) وضرورة الحصول على تصريح بذلك عن طريق القضاء، وتارة أخرى يوجّه الفيلم اهتمامه إلى موضوع سرقة الأعضاء والمتاجرة فيها، خاصة أنه يصوّر كيف يتم الحصول عليها من الأطفال الذين يسقطون في خضم الصراع المسلّح القائم في ليبيا، وتارة ثالثة يشير إلى جريمة الزنا وعقوبتها القانونية القاسية إن ثبت أن المرأة حملت في طفل من رجل آخر غير زوجها بعد تحليل الحامض النووي!

المشكلة تصبح الآن متركّزة في أنه ليس من الممكن أن يصبح فارس هو مصدر الكبد البديل، بل لا بد أن يتم إحضار الأب الحقيقي. وبينما تنشغل مريم بمحاولة البحث عن ذلك “الأب الغائب” الذي لا تعرف مكانه بعد أن انتهت علاقتها به منذ عشر سنوات، يجلس فارس مهموما يفكّر في تدبّر الأمر بعد أن فشل في عرض رشوة كبيرة على الطبيب.

ويبتعد الفيلم عن مأزق مريم وفارس وبينهما عزيز، ليتجه إلى الاهتمام بموضوع عصابات استغلال المرضى وأقاربهم بغرض ابتزازهم وسرقتهم. ففارس الذي يبدو قدّيسا، يرفض التخلّي عن عزيز رغم علمه يقينا بأنه ليس ابنه، ويبذل كل ما يملك من أجل إنقاذه، إذ يقع في حبائل رجل يأتي إلى المستشفى ويبدو أنه تمكّن من الاطلاع على تفاصيل مأزق فارس ومريم وعرف بما بينهما من ممرّض يعمل بالمستشفى اسمه “منير”، وهو يعرض على فارس توفيرا للوقت والجهد والابتعاد عن المستشفى وعن الدروب المعقّدة والمشاكل القانونية والإدارية وقائمة الانتظار التي قد تطول أيضا، ويتعهّد له بتدبير بديل فوري أي الحصول على الكبد البديل المطلوب زرعه بل ويطلعه بالفعل على المستشفى الخاص، حيث ستجرى العملية ويقدّمه إلى الطبيبة التي ستُجري العملية، ويطلب منه دفع مبلغ مالي كبير على دفعتين.

سامي بوعجيلة قدّم بمعية البطلة نجلاء بن عبدالله، أداء متكرّرا لا بد من الاعتراف بقوته وبراعة التعبير عن المأزق كما تتبدّى على وجهي فارس ومريم

في انتظار الحل

خلال هذا يبقينا الفيلم في انتظار حلّ لا يأتي أبدا.. وموقف لا يتطوّر قطّ، ويبقى الممثل والممثلة اللذان قاما بدوري فارس ومريم، في حالة ساكنة وأداء متكرّر لا بد من الاعتراف بقوته وبراعة التعبير عن المأزق كما تتبدّى على وجهي فارس ومريم، ولكن حدود السيناريو حالت دون تطوير الموضوع، وبالتالي نقل الأداء إلى مستوى أعمق، مع ترهّل كبير وهبوط في الإيقاع العام للفيلم.

والواضح أن هذه القصة تُستخدم في سياق الفيلم كغطاء لتقرير اجتماعي احتجاجي يشبه مقالا صحافيا، مع قدر كبير من المبالغات والمفاجآت التي لا تثير المتفرج الذي سيظل يتساءل: كيف حدث هذا أو ذاك؟ من أوّل إطلاق الرصاصة التي أصابت الطفل بينما كانت السيارة تتراجع بظهرها والطفل في القاع داخلها بينما جاءت الرصاصة من الأمام في البطن مباشرة، أي في موضع الكبد؟ ثم لماذا يبدو هذا الطبيب مرتبكا خائفا مذعورا، يهمس متلعثما في أذن فارس؟ ثم ما الذي كانت تريد أن تشرحه مريم لزوجها بشأن علاقتها القديمة؟ ثم لماذا تستمر في محاولة الاتصال بذلك الحبيب القديم، الأصلي لتقنعه بالتبرّع بجزء من كبده، رغم أن فارس أخبرها فعلا بأنه اتفق على إجراء العملية والحصول على الكبد البديل مقابل المال؟

سنترك فارس ومريم وعزيز والمستشفى، لنذهب في جولة سينمائية طويلة إلى ليبيا والاشتباكات الجارية وأعمال السلب والنهب وسرقة الأطفال، ومغامرة غير مفهومة في الصحراء يقوم بها ذلك الرجل المحتال تاجر الأعضاء، ثم كيف سيذهب فارس للبحث عنه في الصحراء أيضا دون أن يكون على معرفة بالمكان، ثم كيف سيأتي له من يختطف منه حقيبة المال مقابل أن يترك له طفلا حيا وسكينا، ويتعيّن عليه هو أن يذبحه ويستخرج كبده إذا شاء، وكلها مبالغات واستطرادات متعمّدة تخرج الفيلم ليس فقط عن موضوعه بل وعن طابعه العام أيضا، وتجعله أقرب إلى مسلسلات المطاردات ومشاهد التشويق التي تدور في الصحراء، ولكن من دون توفّر الصنعة المحكمة!

يطمح برصاوي في أولى تجاربه السينمائية إلى رواية قصة مؤثرة تربط بين السياسي والاجتماعي، إلاّ أن الفيلم يمتلئ بكل أخطاء البدايات، فهو يبدأ بداية قوية مثيرة ترتبط بعنف الجماعات الإسلامية والإرهابية ممّا يؤدي إلى وقوع مأساة عائلية، إلاّ أن السيناريو المتواضع، والبناء المرتبك، يفشلان في تطوير هذا الحدث نفسه والانتقال من خصوصيته لطرح تساؤلات أكبر عمّا يحدث في تونس بعيدا عن القضايا الفرعية التي تتعلّق بالفساد الاجتماعي التي كانت دائما قائمة هناك.

"بيك نعيش" يوحي بأن الثورة التونسية لم تغير الكثير من الأشياء القائمة المستقرة في البنية التونسية   

تساؤلات كثيرة

بيك نعيش” عمل متعثّر بشكل كبير، يقع في الكثير من التناقضات، فلا نعرف مثلا لماذا يتعامل الفيلم مع مريم كمذنبة يدينها، بينما يجعل فارس قدّيسا على استعداد للتضحية بالمال من أجل إنقاذ الابن الذي يعرف أنه ليس ابنه، لكنه يتمسك به؟ ولماذا يحضر رجل العصابة طفلا يمنحه لفارس مقابل الحصول على المال بدلا من أن يأتي له بالكبد الموعود، كما تفعل هذه العصابات أصلا..؟ وغير ذلك، العشرات من الأسئلة الأخرى التي تظل دون إجابة؟

والمشكلة أننا بعد أن ينقضي النصف الأول من الفيلم، يتضاءل الاهتمام بالموضوع كله بسبب تخبّط السيناريو وهشاشة الشخصيات والفجوات الكثيرة الكامنة فيها، مع تواضع الإخراج وغياب الخيال والقدرة على تعميق القصة ومنحها طابعا إنسانيا أكثر شمولية مع الاستفادة من المناخ القائم في تونس. ولكن بطبيعة الحال، من الممكن أن يثير الفيلم عشاق أفلام الرسالة الاجتماعية التقريرية من هذا النوع الذي ينتمي إلى سينما الماضي العتيقة، سينما الرسالة المبسطة التي تجاوزتها تجارب السينما التونسية نفسها.

كاتب وناقد سينمائي مصري

 

العرب اللندنية في

02.09.2019

 
 
 
 
 

بعد عرضه في "فينيسيا".. نقاد: "المرشحة المثالية" تجربة ملهمة

كتب: نورهان نصرالله

"The Perfect Candidate" أو "المرشحة المثالية"، خطوة هامة للسينما السعودية الناشئة للتواجد على خريطة مهرجانات السينما العالمية، خاصة بالمشاركة فى مهرجان بحجم فينيسيا السينمائي في دورته الـ 76، تنافس المخرجة هيفاء المنصور على الأسد الذهبى أمام مجموعة من صناع السينما الأبرز فى العالم.

بعد عرضه الأول فى مهرجان فينيسيا السينمائي، حظى فيلم "المرشحة المثالية" بردود أفعال مشجعة من النقاد، من بينهم الناقد السينمائي زان بروكس فى مقاله بـ "الجارديان"، الذى وصف الفيلم بأنه "تحية أخرى للروح الأنثوية التى لا تقهر"، حيث وجد أن من السهل اعتبار الفيلم جزءا ثانيا من فيلم المخرجة الأول "وجدة".

وتابع "بروكس"، "الفيلم هو قصة بسيطة، يتم سردها دون مبالغة، ولكن تظهر قوتها فى القناعة والأمل فى عالم أفضل، تظهر لنا المملكة العربية السعودية كمكان تبرز فيه الحداثة ضد النزعة المحافظة الراسخة، يشير الفيلم إلى أنك قد تكون بحاجة إلى شخص ذكي وجريء ليضع يده على عجلة القيادة ويغير الاتجاه ولو درجة واحدة، قد يكون هذا الشخص وجدة أو مريم أو هيفاء المنصور نفسها". 

قال الناقد اليكس بيلينجتون إن أحداث الفيلم تدور حول امرأة شابة تكتشف صوتها، متابعا: "فيلم ملهم ورفيع، يتحرك بسرعة ويمنحنا قصة جيدة نتابعه، بغض النظر عن ثقافتك وجذورك، يمكنك التواصل مع الفيلم والاستمتاع به، الأهم من ذلك كله، أعتقد أن هيفاء المنصور هي واحدة من أكثر المخرجين الموهوبين الذين يصنعون الأفلام هذه الأيام، حيث تصنع أفلاما يسهل مشاهدتها، هذا لا يعني أنها لا تستطيع تقديم أفلام أكثر عمقا، لكن براعة سرد القصص مع فهمها التقني يجعل أفلامها دائمًا أكثر جاذبية، ويثبت فيلمها الجديد أنها مستمرة فى التعلم والنضج على المستوى السينمائى".

تدور أحداث الفيلم حول "مريم" طبيبة سعودية، تعاني من مشاكل بعضها بسيط مثل عدم تمهيد الطريق أمام المركز الطبي الذى تعمل به، أو جوهري مثل تعرضها للتميز الجنسي فى عملها، وعندما ترغب في السفر إلى مؤتمر في دبي تكتشف أن تصريح السفر الخاص بها فى حاجة للتجديد، (حيث لا يسمح للسيدات السعوديات السفر دون موافقة ولى أمرها)، وسفر والدها الذي يعمل في فرقة فنية حال دون ذلك، وفشل خطتها في السفر يقودها بالصدفة إلى ترشيح نفسها فى الانتخابات البلدية في محاولة لإحداث فارق، وأمام رغبتها فى كسر تقاليد مجتمع محافظ، تواجه الشابة السعودية تحديات كبيرة تحول تجاوزها بدعم عائلتها.

 

الوطن المصرية في

03.09.2019

 
 
 
 
 

استقبال حافل لصناع وأبطال فيلم «ستموت في العشرين»

بمهرجان «فينيسيا السينمائي»

كتب: أحمد النجار

نال الفيلم السوداني «ستموت في العشرين» للمخرج أمجد أبوالعلا، اعجاب وإشادة النقاد والجمهور، خلال عرضه أمس الأول في مسابقة «أيام فينيسيا»، حيث استمر التصفيق احتفاءا بالفيلم وصناعه لعدة دقائق.

الفيلم الذي تشارك قنوات راديو وتلفزيون العرب ART في إنتاجه، يقوم ببطولته كل من مصطفى شحاته، إسلام مبارك، بنة خالد، تدور أحداثه في إحدى القرى السودانية، حيث تلد امرأة ابنها «مزمل» بعد أعوام من الانتظار، ولكن النبوءة الصوفية تفيد بأن الطفل سوف يموت عندما يبلغ العشرين من العمر، تمرّ السنوات ويكبر مزمل وهو محاط بنظرات الشفقة التي تجعله يشعر وكأنه قد مات قبل أن يحين الوقت، وتستمر الأحداث على هذا النسق إلى أن يعود سليمان إلى القرية بعد أن عمل مصورًا سينمائيًا في المدينة بعيدًا عن المعتقدات الصوفية للقرية، وهنا يرى مزمل العالم بشكل مغاير تمامًا من خلال جهاز عرض الأفلام السينمائية القديم الذي يقتنيه سليمان، وسرعان ما بدأت شخصية مزمل في التغيّر بصحبة سليمان ويتنامى الشكّ لديه يومًا بعد يوم حول صدق النبوءة المشؤومة، أما الأم فلا زالت تحاول بكل ما أؤتيت من قوّة كي تمنع وقوع النبوءة، ولكن بعد العديد من الانكسارات التي طالته وفقدان أبيه، يبدأ مزمل في حفر قبره بنفسه، وهكذا تستمر الأحداث حتى يبلغ مزمل عيد ميلاده العشرين فيصبح في هذا اليوم يغتاله الشكّ والحيرة بين الموت وركوب الحافلة التي تنقله إلى عالم يملؤه الشغف كي يتعرّف عليه.

 

المصري اليوم في

03.09.2019

 
 
 
 
 

جولي آندروز: أحبها الصغار قبل الكبار وتوجتها فينيسيا بأسدها الذهبي

مُنحت الممثلة والمغنية الشهيرة جولي آندروز، بطلة أفلام "ماري بوبينز" و"صوت الموسيقى"، جائزة الأسد الذهبي لإنجاز العمر في الدورة 76 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي.

وتأتي هذه الجائزة لتتوج مسيرة حافلة بالإنجازات الفنية التي قدمتها آندروز (83 عاما) على مدى أكثر من ستة عقود في حقول السينما والمسرح والغناء.

وطوال تلك العقود ظلت آندروز بملامح وجهها المحببة وصوتها المميز نجمة مفضلة حاضرة في أذهان أجيال عديدة، أحبها الصغار والكبار، بل أن البعض أحبها في طفولته أيام تألقها في ستينيات القرن الماضي ورافقها نجمة كبيرة في أدوراها التمثيلية المختلفة في العقود اللاحقة.

"محظوظة"

ووسط تصفيق الجمهور المحتشد لحظة تكريمها، رفعت آندروز جائزة الأسد الذهبي وقبلتها، قائلة إنها تعد نفسها "محظوظة" لهذا المشوار الطويل الذي قضته في حياتها المهنية في فن السينما.

وأضافت "ما زلت أتعجب من حقيقة أنني كنت الفتاة المحظوظة التي طُلب منها أداء هذه الأدوار الرائعة".

ولدت آندروز في الفاتح من أكتوبر/تشرين الأول عام 1935 في إنجلترا، وكان اسمها "جولي اليزابيث ويلس"، وسط عائلة فنية، فوالدتها وزوجها كانا يعملان ممثلين مسرحيين في ما يعرف بمسرح الفودفيل (نوع مسرحي استعراضي يعتمد تقديم منوعات من المشاهد المسرحية الكوميدية والرقصات والأغاني).

وسارت آندروز على درب والديها في تقديم المشاهد التمثيلية والغنائية في الصالات الموسيقية أثناء طفولتها ومراهقتها.

بيد أن انطلاقة آندروز الاحترافية كانت في العشرين من عمرها عندما مثلت في مسرحية "سندريلا" على خشبة مسرح البلاديوم في لندن.

وفي عام 1954 انتقلت آندروز إلى مسارح برودواي في نيويورك لتقدم دور البطولة في المسرحية الغنائية "العشيق" (بوي فريند) لساندي ولسون.

وقد ثبت نجاح هذه المسرحية الكبير أقدام آندروز كنجمة صاعدة في مسارح برودواي، لتقوم ببطولة عدد من الأعمال المسرحية الغنائية على خشباتها، ومن أبرزها مسرحية "سيدتي الجميلة" عام 1956، المأخوذه عن مسرحية الكاتب برنارد شو "بيغماليون" والتي أدت فيها دور أليزا دوليتل، الشخصية الخيالية التي أبدعها شو في مسرحيته، ودور الملكة "غوينيفير" زوجة الملك أرثر في مسرحية "كاميلوت" عام 1957.

وشهد العام نفسه انطلاقتها في التلفزيون في تمثيلها في الانتاج التلفزيوني لمسرحية "سندريلا" التي بثت مباشرة وشاهدها نحو مليون مشاهد.

وعلى الرغم من النجاح الكبير والاحتفاء النقدي بتجسيدها لشخصية "دوليتل" على المسرح إلا أنها لم تمثل في النسخة السينمائية التي أُعدت عن المسرحية ذاتها في عام 1964، إذ اختار المخرج جورج كوكور الممثلة أودري هيبورن لأداء هذه الشخصية إلى جانب الممثل ريكس هاريسون.

وقد حصل الفيلم على نجاح تجاري كبير واحتفاء نقدي وتوج بثماني جوائز أوسكار، من بينها أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل ممثل، لكن هيبورن لم تحصل على أوسكار التمثيل عن أدائها فيه.

بيد أن خسارة آندروز لهذا الدور، كانت مقدمة نجاح كبرى لها في ظهورها في فيلم "ماري بوبينز" عام 1964، الذي صنع شهرتها في عالم السينما وجلب لها جائزة أوسكار أفضل ممثلة عن أدائها فيه.

وكانت شركة والت ديزني منتجة الفيلم قد عرضت الدور عليها عام 1963، وردت بموافقة مشروطة إذا لم تنشغل بأداء شخصية دوليتل، في فيلم "سيدتي الجميلة" الذي أنتج في العام نفسه.

وتعزز نجاح آندروز مع أدائها لدور "ماريا فون تراب" في فيلم "صوت الموسيقى" عام 1965، والذي حقق نجاحا جماهيريا هائلا وبات من بين أحد أكثر الأفلام إيرادا في تاريخ السينما.

شخصية نمطية

بيد أن نجاح هذين الفيلمين الكبير لم يكن بلا ضريبة في حياتها المهنية التمثيلية، إذ حصرها لاحقا في صورة نمطية يعشقها الجمهور عنها، وهي صورة مربية الأطفال المحبوبة ذات الصوت العذب التي يحبها الأطفال والكبار.

وقد حاولت آندروز أن تنوع لاحقا أدوراها التمثيلية فقدمها المخرج ألفريد هيتشكوك إلى جانب الممثل بول نيومان في الفيلم البوليسي الذي تجري أحداثه مرحلة الحرب الباردة "ستارة ممزقة" (تورن كيرتن)، حيث أدت دور سكرتيرة عالم فيزياء يُختطف الى ألمانيا الشرقية أثناء حضوره مؤتمرا علميا في كوبنهاغن لكنه يخبرها لاحقا أنه ذهب بمحض إرادته للحصول على أسرار علمية من البلد الخاضع لنفوذ السوفييت.

وظهرت في شخصية أميلي المرأة التي فقدت زوجها وأخيها وأبيها في الحرب في فيلم "أمركة أميلي" عام 1964، وفي دور العروس الجديدة التي ترافق زوجها (الممثل ماكس فون سيدو) الذي يذهب في مهمة تبشيرية في جزر هاواي في القرن التاسع عشر في الفيلم الملحمي "هاواي" عام 1966.

وجسدت شخصية الممثلة والمغنية والراقصة الإنجليزية، غيرترود لورانس، في فيلم "نجمة" الذي أخرجه الأمريكي روبرت وايز عن حياتها، ودور الفتاة الساذجة التي تتورط في سلسلة مغامرات طائشة عندما تخطط للزواج من رئيسها رجل الأعمال الثري في الفيلم الاستعراضي "ميلي الجديدة كليا" عام 1967.

ومثلت في فيلم "بذور تمر الهند" عام 1974، دور بطولة أمام الممثل عمر الشريف في دراما أخرى من قصص الحرب الباردة، حيث تظهر في دور "جوديث فارو" الموظفة الجذابة في الداخلية البريطانية والصديقة السابقة لوزير بريطاني التي تلتقي أثناء قضائها عطلتها في الكاريبي بملحق عسكري روسي "يؤدي دوره عمر الشريف"، فيعيشان قصة حب تحت مراقبة أجهزة استخبارات البلدين.

وحرص زوجها الثاني، المخرج بليك أدوارد، لاحقا على تقديمها في أدوار مختلفة خارج النمط الذي اشتهرت به، في أفلام مثل "10" عام 1979 و "أس أو بي" عام 1981 والفيلم الكوميدي الاستعراضي "فيكتور فيكتوريا" عام 1982 الذي أدت فيه دور شخصية مركبة وهي مغنية سبرانو تعاني في حياتها المهنية وتتنكر في شخصية رجل يدعى الكونت فيكتورغراجينسكي. وقد رشحت لنيل أوسكار التمثيل عن دورها هذا. كما قدمها أيضا في دور البطولة أمام الممثل جاك ليمون في الفيلم الكوميدي "هذه الحياة" (ذاتس لايف) عام 1986.

جوائز وتشريفات

وواصلت آندروز عملها في التمثيل للسينما والتلفزيون في الثمانينيات والتسعينيات، وبعد عام 2001 ظهرت في فيلم "يوميات أميرة" مع الممثلة الأمريكية الصاعدة حينها، آن هاثاواي، وفي الجزء الثاني من هذا الفيلم أيضا في عام 2004.

وبعد عام 2004، اكتفت بإعارة صوتها لأداء شخصيات في أفلام التحريك، كما هي الحال سلسلة أفلام شريك، وكان أخر أفلامها في هذا الصدد فيلم "أكوا مان" في عام 2018، ومسلسل "برجرتن" التلفزيوني الذي تواصل العمل به حاليا.

حصلت آندروز خلال حياتها الفنية الثرة على الكثير من الجوائز والتكريمات، فإلى جانب الأوسكار حصلت على جائزة الغولدن غلوب "الكرة الذهبية" الأمريكية خمس مرات، وعلى جائزة البافتا (التي تمنحها الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون) و على ثلاث جوائز غرامي للموسيقى وجائزتي إيمي الأمريكية في مجال التلفزيون. وجائزة إنجاز العمر من نقابة ممثلي الشاشة الأمريكية.

وفي عام 2000 كرمتها الملكة اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا بمنحها رتبة "ديم"، وهي رتبة تشريفية من رتب الأوسمة والألقاب في الإمبراطورية البريطانية وتقابل لقب سير للرجال. كما جاءت ضمن أبرز 100 شخصية بريطانية في استبيان أجرته بي بي سي عام 2002.

وفي عام 2003 جربت آندروز العودة إلى مسارح برودواي، لكن ليس كممثلة هذه المرة بل كمخرجة، إذا أعادت إخراج عملها الأول الذي قدمته في الخمسينيات هناك "العشيق".

وظلت آندروز قريبة من عالم الأطفال، الذين عشقوا أدائها لدور المربية في أفلامها السينمائية لتكتب لهم عددا من الكتب الخاصة بهم.

 

الـ BBC العربية في

03.09.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004