باستثناء وجود فيلم مصري بورشة "الفاينال كات"، إضافة
مشاركة فيلم كلينك لصاحبها السيناريست
محمد حفظي
- رئيس مهرجان "القاهرة السينمائي" - والسيناريست والمنتج
المصري حسام علوان في دعم وإنتاج الفيلم السوداني "ستموت في العشرين"
للمخرج أمجد أبوالعلا - تغيب السينما المصرية تماماً عن "مهرجان فينيسيا"
في دورته السادسة والسبعين في الفترة من ٢٨ أغسطس - ٧ سبتمبر الجاري.
على العكس من ذلك نجد سينما عربية أخرى قادمة من السعودية
ولبنان وتونس والسودان حاضرة في عدد من الأقسام، ففي المسابقة الرسمية
يشارك فيلم للمخرجة السعودية هيفاء المنصور بعنوان "المرشحة المثالية" في
المسابقة الرسمية، والذي أراه فيلماً عادياً جداً، ولا يستحق أن ينافس مع
أفلام المسابقة الرسمية، كان يمكن له أن يتواجد بأي قسم آخر على الهامش،
لكنني أعتقد أنه لأسباب أيديولوجية بحتة تتعلق بقضايا اضطهاد المرأة،
ونتيجة الوضع السياسي والاجتماعي للبلد الذي يمثله، من دون أن نغفل تكريس
اسم مخرجته بعد فيلمها السابق "وجدة" - وكما يقولون في المثل المصري:
"الصيت ولا الغنى" - لكل تلك الأسباب مجتمعة يشارك فيلم متوسط القيمة في
مسابقة أعرق مهرجانات السينما في العالم.
تدور أحداثه حول طبيبة شابة لا تستطيع السفر للترشح لوظيفة
جديدة بسبب عدم وجود إذن من وليها، وعندما تترشح لانتخابات البلدية بالصدفة
وتأخذ الموضوع بشكل جدي لإصلاح أوضاع الطريق السيئ أمام المستشفى تُواجه
بالثقافة الذكورية للمجتمع من الرجال والنساء. إذن بالسعودية لم تعد هناك
مشكلة قانون، ولكن مشكلة تغيير عقول وثقافة الناس بالمجتمع. لكن السيناريو
غير ثري، بل فقير فكريا ولا يوجد به أحداث ولا شيء لافت مهم، وما يشفع له
وينقذه من الملل الأغاني المتعددة.
أما في قسم "آفاق" فيشارك الفيلم التونسي "ابن" للمخرج مهدي
برصاوي وهي تجربة جيدة على مستوى اللغة السينمائية، وعلى مستوى التشويق،
والتوقع والجذب، لكن السيناريو ينقصه الكثير، ولم يتم استغلال الأفكار التي
طرحها بشكل قوي، فهو فيلم يُشاهد مرة واحدة وفقط، أما في قسم "أيام
فينيسيا" فيشارك فيلمان عربيان؛ الأول تونسي بعنوان "بلوز عربي" للمخرجة
"مانيل لعبيدي" لم نشاهده حتي الآن، والثاني فيلم سوداني للمخرج
"أمجد أبوالعلا" بعنوان "ستموت في العشرين"، وهو تجربة
بصرية في المقام الأول، فالتصوير والموسيقى والتشكيل البصري للكوادر
والإضاءة وأحجام اللقطات وزوايا التصوير لافتة بقوة، وإيقاع اللقطات
والمشاهد، وكذلك الزمن النفسي جيد جداً، لكنه في النهاية عمل فلكلوري لم
يُطور فكرته التي كانت تبدو شديدة الجاذبية، ولم يعالجها بشكل قادر على أن
يُدهشنا كما فعل مع الصورة، ورغم أهمية الفيلم بصريا وكلغة سينمائية لا
يزال يتفوق عليه الفيلم السوداني الوثائقي "حديث الأشجار" الذي شارك في
مهرجان برلين شهر فبراير الماضي ونال جائزتين هناك.
أما أهم الأفلام العربية التي شاهدتها للآن فهو "جدار
الصوت"، أو "كل هذا النصر" كما في عنوانه الإنجليزي، وهو شريط روائي بديع
للمخرج اللبناني أحمد غسين مشارك في أسبوع النقاد ويستحق الكتابة عنه
منفرداً. أما في لجان التحكيم ففي قسم "آفاق" الذي يعد الثاني من حيث
الأهمية بعد المسابقة الرسمية فيتواجد هذا العام أيضاً في لجنته المخرج
الجزائري الأصل الفرنسي الجنسية رشيد بوشارب. أما الفنانة التونسية هند
صبري فأحد أعضاء لجنة تحكيم جائزة "أسد المستقبل" وهي جائزة تم استحداثها
عام ٢٠١٢ وتذهب لأفضل موهبة تقدم عملها الأول.
في ظل هذا التواجد العربي اللافت رغم أي تحفظ على المستوي
كان المهرجان فرصة للحديث مع المبرمج السينمائي الاستثنائي صاحب الثقافة
السينمائية الموسوعية ومدير مهرجان "الجونة السينمائي"، "انتشال التميمي"
أثناء فعاليات المهرجان. خصوصاً أن "التميمي" من أقوى المتابعين لنتاجات
السينما العربية
التي خرجت للنور وكذلك التي لا تزال مشاريع تحت التطوير وقد
سألته: برأيك هل السينما المصرية تتراجع في حين يبدو أن سينما أخرى من دول
عربية تصعد دوليًا؟
لا أعتقد أن سينما تتراجع بسبب سينما أخرى تظهر.
لا أقصد هذا … ولكن أعني أن السينما المصرية تتراجع في حين
تبزغ سينما عربية أخرى
عربياً، للسنة السادسة تقريباً السينما التونسية واللبنانية
تقود
السينما العربية
على المستوى الدولي، وهذا يرجع لعوامل عديدة في مقدمتها؛
نمط الإنتاج التونسي واللبناني، فالاثنان يعتمدان على - ربما التونسي أبرز
من اللبناني - الدعم الحكومي الذي يأتي من وزارة الثقافة ويُقدم لعدد لا
بأس به من الأفلام. وغالبا تكون القرارات مناسبة، رغم أنه عادة نتوقع من
القرارات الحكومية أنها تسير نحو الأسوأ. لكن على الأقل، الأفضل لا يتم
استثناؤه من الدعم الحكومي مع هذين النموذجين. ثانياً أن هناك مجموعة من
المنتجين المميزين مثل درة بوشوشة وحبيب عطية، وكمال مرزوق وغيرهما، هناك
مهنة المنتج، وهذا أيضاً موجود في لبنان، حيث يُوجد منتجون لهم علاقات
متشعبة وثقل دولي. ثالثاً الاثنان يتحدثان الفرنسية بإجادة وفرانكفونيان،
وعندهما مدخل أفضل لفرنسا التي تعد أكبر دولة تدعم السينما، وتهتم السينما
الفرانكفونية، والسينما الأفريقية، وسينما العالم الثالث.
عندهم مؤسسات عديدة. عندهم مواهب سينمائية ممتازة. عندهم
انتهت أوهام من نوعية "القبلة عيب"، أو المقطع المعين عيب. دائما السينما
يتم توريد وجوه جديدة لها، ويٌضخ فيها طاقات ودماء جديدة، وبدون قيود،
بالأخص في تونس حيث لا يوجد رقابة، فكل هذه الأشياء هي التي تخلق الفن
والسينما الرائدة. الملاحظة الأخرى أن العالم بالدرجة الأساسية يتقبل
الأفكار الطازجة وهذا يأتي مع الأعمال الأولى. فخلال الـ١٥ سنة الماضية ٧٠٪
أو ٧٥٪ من الأفلام التي حصلت على جوائز هي أفلام للشباب، لكن المشكلة أن
الناس والمخرجين يشيخون بسرعة. يعني خيري بشارة وداوود عبدالسيد ويسري
نصرالله يشاهدون أفلامًا ويتابعون الجديد، لكن الأخرين لا يفعلان نفس
الشيء.
هل رأيك أن الدعم الحكومي قد يُشكل حلاً لهذا المأزق؟
أكيد أن السبب الأساسي هو وجود حالة انكفاء بالدعم، وحالة
انكفاء بالحياة الثقافية، ممكن تقدم دعماً للمخرج والمنتج، لكن، الحل ليس
في هذا وفقط. فعندما تُقدم دعماً للمبدع ثم تلغي درس الرسم بالمدرسة، وكذلك
تلغي درس الموسيقى. أين الاحتياجات النفسية والثقافية التي تقدمها للطفل،
للمراهق، وأي فئة عمرية لها حاجاتها النفسية الثقافية.
أنا عندما نذهب إلى أوروبا نرى متاحف وأشكالًا ثقافية
مختلفة يحضرها جميع الفئات العمرية. ونشاهد التجاوب الكبير معها. عندما
سافرنا فرنسا لاختيار أفلام حضرنا أنا وأمير رمسيس معرض فان جوخ. هذا كله
يغذي الروح والاهتمام. دعيني أتساءل: لماذا معرض يوسف شاهين ومنجزاته يُقام
بفرنسا فقط ويستمر بهذا الاتساع في فرنسا، ولا يحدث مثيل له في مصر التي هي
بلد وموطن يوسف شاهين؟!.
الموضوع والإشكالية لا تنحصر في الدعم الموجه للسينما وفقط،
إنها تراكمات عديدة. هناك ضرائب على كل شيء. لا يوجد مكتبات عامة. يمكن
التونسيون واللبنانيون علاقتهم بالسفر والخارج أفضل وأقوى، وعلى تواصل
مستمر مع العالم الخارجي. أُضف إلى ذلك أن هناك كسلًا عند بعض الناس. على
الشباب أن يصارعوا، أن يستمروا، أن يبحثوا عن حلول جديدة، عليهم ألا يركنوا
للوسائل التقليدية، ولا يركنوا للنوم والحديث بالمقاهي والتعاطي مع الشيشة،
وغيرها من الأمور الاستسلامية. إنها مجموعة عوامل مركبة معينة تخلق حالة
محددة وتنفي حالة أخرى.
ونحن علينا دراسة هذه المسألة ومحاولة تقديم تحليل مقارب؛
لأن المنطقة العربية ليس بها أي شكل من أشكال الدراسات، أو الإحصاءات، لا
يوجد أرقام متوفرة تمنحنا نتائج أو صورة واضحة المعالم.
هذا كله يجعل ما نقوله هو مجرد تكهنات، فأنا أتحدث من مجال
رؤيتي ومن زاويتي وقد أعتقد أن ما أراه وما أقوله هو الحقيقة الكاملة وهذا
ليس صحيحًا، لأنني أتحدث من خلال خبرتي وما أعرفه فقط. |